حوار ممتع ومفيد في شأن الرباعية وبيان الحزب الشيوعي ومقالة خالد كودي ورد تيسير

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 10-18-2025, 08:25 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
المنبر العام
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-30-2025, 02:07 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار ممتع ومفيد في شأن الرباعية وبيان الحزب الشيوعي ومقالة خالد كودي ورد تيسير

    02:07 PM September, 30 2025

    سودانيز اون لاين
    Nasr-Los Angeles
    مكتبتى
    رابط مختصر



    في شأن الرباعية أصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي بيانا
    سنورده هنا
    كتب عن البيان خالد كودي
    برضو سنورده هنا
    ثم كتب تيسر حس أدريس عما كتبه خالد كودي
    برضو سنورده هنا لكي تعم الفائدة ويتواصل حوأر أظنه ممتع ومفيد ومحتاجين ليه كتير

    أولا بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
    Quote:
    بيان من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
    ‏أ
    بيان الي جماهير شعبنا الابي؛ لقد اطلع المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني علي البيان الصادر من الرباعية ( الولايات المتحدة الامريكية، مصر، السعودية، الامارات ). حيث طرحت فيه خارطة طريق لوقف الحرب في السودان وتقديم المساعدات الانسانية ومعالجة الوضع السياسي وصولاً الى سلطة مدنية وفترة انتقالية وان يتم ذلك في فترات زمنية حددت تاريخها.

    بداية نعلن ترحيبنا باي جهد يبذل في سبيل الوصول الي وقف هذه الحرب اللعينة التي دمرت بلادنا وشردت ابناء وبنات شعبنا.
    كما نرحب باي مسعي لتسهيل وصول المساعدات الانسانية لكل المتضررين من هذه الحرب في كل انحاء البلاد.

    لقد اشتمل البيان علي العديد من القضايا التي لا خلاف حولها مثل :-

    الصراع في السودان تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم ويشكل مخاطر جسيمة علي السلام والامن الاقليميين.
    سيادة السودان ووحدته وسلامة اراضيه.
    لايوجد حل عسكري والوضع الراهن يخلق معاناة غير مقبولة ومخاطر تهدد السلام والامن.
    على جميع أطراف الصراع تسهيل وصول المساعدات الإنسانية والسريعة والآمنة دون اعاقة الى جميع أنحاء السودان ومن خلال جميع الطرق.

    حماية المدنيين وفقا للقانون الإنساني الدولي والتزاماتهم بموجب اعلان جدة، والامتناع عن الهجمات الجوية والبرية والعشوائية على البنية التحتية المدنية.

    مستقبل الحكم في السودان متروك للشعب السوداني ليقرره من خلال عملية انتقال شاملة وشفافة، لاتخضع لسيطرة اي طرف متحارب.
    دعا الوزراء الى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر أولية، لتمكين الدخول السريع للمساعدات الإنسانية، مما يؤدي على الفور الي وقف دائم لاطلاق النار.
    لا يمكن أن يملي مستقبل السودان الجماعات المتطرفة العنيفة التي هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين او مرتبطة بها بشكل واضح، والتي ادي نفوذها المزعزع للاستقرار الي تاجيج العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
    ويعد وقف الدعم العسكري الخارجي أمرا اساسيا لانهاء النزاع.
    الضغط على جميع أطراف الصراع لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية٠
    غير اننا لابد ونحن نمر بهذا المنعطف التاريخي الحرج ان نوضح لجماهير شعبنا الحقائق التالية :

    أولاً: نعلم ان بعضا من اطراف الرباعية واطراف اخرى اقليمية ودولية ما زالت تقف وراء هذه الحرب وتمول طرفيها.. على الرغم من انها كانت تستطيع وقفها منذ بداياتها الا انها لم تفعل حماية لمصالحها التي يحققها استمرار الحرب حرصا على استمرار السودان مصدرأ للمواد الخام وسوقا لمنتجاتها عوضأ عن ان استمرار الحرب ينهك الشعب السوداني ليقبل باي تسوية ويمكّن هذه القوى من فرض شروطها والحصول علي اكبر قدر من المكاسب الاقتصادية.. والسياسية.

    الان وبعد ان رأت هذه القوى اتساع نفوذ الاسلاميين و تسيدهم كامل المشهد في حكومة الامر الواقع.. وفتح ابواب البلاد لدخول المتطرفين من الدواعش و الجهاديين و غيرهم اضافة الى الخطر الذي يمثله التواجد الايراني والحوثي على الملاحة والتجارة الدولية في البحر الاحمر الامر الذي يهدد مصالح هذه القوى بشكل جدي في السودان والمنطقة عموما.. وهو ما دفع قوي الرباعية لاصدار بيانها هذا. حرصا و دفاعا عن مصالحها.

    ان مبادرات عديدة قدمتها قوي اقليمية و دولية منذ ابريل 2023 لوقف الحرب في السودان لم يكتب لها النجاح لان تلك القوى لم تكن جادة في وقف الحرب لان مقدميها امتنعوا عن قصد من تحديد اي الية ضاغطة لتنفيذها، لذلك فان المبادرة والافكار التي جاءت في بيان الرباعية لوقف الحرب في السودان ربما تواجه ذات مصير المبادرات السابقة.

    وسيظل العمل والنشاط الجماهيري عن طريق تنظيماتها السياسية وكياناتها الاجتماعية هو الاساسي والحاسم لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة وتحقيق شعاراتها.

    ثانياً: ان الدوائر الخارجية التي شاركت في اشعال هذه الحرب وفي ماسبقها من مؤامرات بدءا من التوقيع على الوثيقة الدستورية المعيبة واشراك العسكر في مفاصل السلطة وفض الاعتصام وقمع الثوار وقتلهم والتنكيل بهم، كانت تهدف وماتزال الى تصفية ثورة ديسمبر المجيدة واهدافها وقتل احلام شعبنا في الحرية والسلام والعدالة ليظل السودان تحت قبضتهم وسيطرتهم.
    ولذلك لابد ان يكون واضحا ان انهاء الحرب ومسبباتها وقيام النظام المدني الديمقراطي واستقراره لن يتم الا بالعودة الي مسار ثورة ديسمبر المجيدة وتحقيق اهدافها وشعاراتها التي قامت من اجلها وان اي مسار غير ذلك سيفضي الي اعادة انتاج الازمة والدوران في فلك الدوائر الخارجية.
    وسبق ان قلنا ونكرر القول الان ان الحل للازمة السودانية يوجد في الداخل وان الجماهير وتنظيماتها في لجان المقاومة وغيرها هي صاحبة المصلحة في تحسين الأوضاع المعيشية، وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين فعلا، وتوفير المناخ الملائم لعودة النازحين، واللاجئين الى مدنهم وقراهم واراضيهم وحواكيرهم، وتوفير خدمات الأمن والتعليم وصحة البيئة وفي اعادة تاهيل المستشفيات والمراكز الصحية وتوفير الدواء والماء الصالح لشرب الإنسان والحيوان وتوفير الكهرباء وتعويض من فقدوا أماكن سبل كسب عيشهم وممتلكاتهم الخ.

    لذلك فان العامل الداخلي هو العامل الحاسم في الحل الشامل والعادل. وفي ان يكون نظام الحكم في البلاد مدنيا ديمقراطيا ومستقرا واقعا ملموسا وابعاد كل الاجهزة النظامية من السياسة والاقتصاد.
    ان الترتيبات الأمنية يجب ان تشمل حل الدعم السريع وجيوش الحركات المسلحة وكل المليشيات الاخري مع قيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية. ولتأكيد عدم الافلات من العقاب لابد من المحاسبة علي جرائم فض الاعتصام وجرائم الحرب التي اشعلها الطرفان وكل الجرائم التي ارتكبت ضد الثوار، ويجب الاخذ بما ورد في تقارير لجنة تقصي الحقائق التابعة للامم المتحدة وتفكيك تمكين نظام الانقاذ وإعادة بناء وإصلاح الخدمة العامة بشقيها المدني والعسكري بما يضمن قوميتها وتاهيلها للقيام بمهامها وواجاباتها المنوطة بها علي الوجه الاكمل. على جماهير شعبنا مواصلة صمودها وثباتها ووحدة صفوفها لهزيمة التامر الداخلي والخارجي وجعل ماهو وارد ببيان الرباعية واقعا ملموسا واستكماله باسترداد ثورة ديسمبر المجيدة والعمل علي تحقيق اهدافها٠

    المكتب السياسي
    الحزب الشيوعي السوداني
    21 سبتمبر 2025م.




    ثم مقالة خالد كودي
    Quote: “لا حياد في زمن التأسيس”: رد على بيان الحزب الشيوعي السوداني بشأن تحالف “تأسيس”
    خالد كودي
    2025-04-05
    البروف / خالد كودي
    أولًا: من يقرأ البيان… يسمع صدى الموقف القديم في رداء جديد:
    يقدّم بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني الصادر في 3 أبريل 2025، نفسه باعتباره “تحليلًا نقديًا” لمجريات الحرب الجارية، وتحالفات السلطة، وميثاق “تأسيس” الموقّع في نيروبي الذي تم التوقيع عليه يوم الأحد 22 فبراير 2025. لكنه – رغم لغته النضالية – لا يُنتج البيان إلا استعادة مشوّشة لموقف الحياد السياسي المتواطئ، الذي يتوارى خلف نقد مزدوج لأطراف الحرب دون تقديم أي مشروع سياسي بديل. فالبيان لا يُنير، بل يُراوغ؛ لا يُحاكم، بل يُعيد إنتاج الجمود.

    وكما قال ماركس:
    “السياسة التي تحلل دون أن تنخرط، هي شكل من أشكال التواطؤ المؤجل”
    فيما يلي، نقرأ اهم بنود البيان، لا لننفي بعض تحليلاته الموضوعية، بل لنفكك بنيته المنهجية التي تتهرّب من لحظة الاختيار الحاسم، وتعيد تموضع الحزب في موقع الآمن سياسيًا، المعطّل ثوريًا، الذي لطالما شكّل جزءًا من الحلقة التي يتظاهر أنه يريد كسرها!

    ثانيًا: مفارقة التاريخ – من مائدة المفاوضات إلى مقاعد الحياد:
    من اللافت – بل والمُدهش – أن يهاجم الحزب الشيوعي السوداني تحالف “تأسيس” بدعوى أنه “يحاول فرض ميثاق على الشعب”، بينما كان الحزب نفسه، وعلى رؤوس الأشهاد، أحد الأطراف المشاركة في إنتاج الوثيقة الدستورية لعام 2019، التي وُقّعت في قاعة الصداقة بالخرطوم يوم 17 أغسطس، بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، الذي كان يتكوّن حينها من قيادات الجيش وقوات الدعم السريع.

    وقد جلس ممثل الحزب الشيوعي، المهندس صديق يوسف، على طاولة واحدة مع عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتبادل معهم المصافحات، ورفع – كغيره – النسخة الموقّعة من الوثيقة عاليًا أمام عدسات الكاميرات المحلية والدولية، محتفيًا باتفاق سياسي لم يُطرح حينها على “الجماهير للمناقشة”، ولم يُخضع لـ”مؤتمر دستوري”، ولم يُعرض على لجان المقاومة أو معسكرات النزوح، بل فُرض كـ”تسوية ضرورية” تحت مظلة توازنات إقليمية ودولية.

    هنا تتجلى المفارقة الأخلاقية والسياسية: لماذا يُعتبر الانخراط في تسوية مع “مليشيا” كانت حينها مدعومة إماراتيًا، ومتورطة في قمع الثوار، أمرًا مقبولًا بل و”ثوريًا” إن تم داخل إطار تقوده قوى الحرية والتغيير (بمن فيهم الحزب الشيوعي)؟ ولماذا يصبح الأمر نفسه “خيانة” أو “وصاية سياسية” إذا ما جرى في سياق مختلف، خارج مظلة القوى التقليدية، بل ومُعارضًا لها؟
    هل المشكلة في المبدأ، أم في موقع المبادرة؟

    وإذا كان الحزب يرى أن الميثاق الجديد لتأسيس سودان ما بعد الحرب لا يملك الشرعية لأنه لم يُجز “جماهيريًا”، فهل كانت الوثيقة الدستورية 2019 – التي وصفها الحزب لاحقًا بأنها “مزعومة” – قد نالت تلك الشرعية؟ أم أن ما يُقصد ضمناً هو أن الشرعية لا تُمنح إلا من قبل نفس القوى القديمة التي شاركت في هندسة الإخفاق؟ هل المطلوب أن ينال “تأسيس” تفويضه من النخب التي قادت الوثيقة الدستورية إلى فشلها المدوي، بما فيها الحزب الشيوعي نفسه؟

    في هذا، يكشف بيان الحزب الشيوعي عن ازدواجية بنيوية في تمثُّل مبدأ الشرعية: حين يكون الحزب شريكًا في التوقيع، يُصبح الاتفاق قابلًا للتبرير “المرحلي”، حتى لو شمل قوى قمعية؛ أما إذا نشأ التحالف خارج قبضته، وبمعزل عن منظماته الحليفة، يُدان لا لمضمونه، بل لمجرد أنه أفلت من المركز القديم.

    يقول بول ريكور:
    .”النكوص السياسي غالبًا ما يرتدي ثوب المبادئ، حين لا يجرؤ على مراجعة نفسه”
    والحال أن موقف الحزب الشيوعي من “تأسيس” لا يُبنى على مبدأ، بل على خشية رمزية من انبثاق كتلة تاريخية جديدة لا تستأذنه، ولا تمر عبر شبكة “التحالفات” التي ظل يتحرك داخلها منذ الانتقال. فالتحالف الجديد لا ينتظر تزكية من أحد، بل يطرح نفسه من موقع تأسيسي، لا تفاوضي- في هذا الوقت. وهو بهذا المعنى ينهي مرحلة الوكالة السياسية باسم “الشعب”، ويدخل زمن الاصطفاف الحقيقي حول أسئلة الدولة والمواطنة والعدالة.

    وإذا كان الحزب الشيوعي يرفض ميثاق “تأسيس” بدعوى أنه “يختطف لحظة سياسية”، فالسؤال الأصدق هو: هل يمكن للأحزاب التقليدية – ومنها الحزب الشيوعي – أن تقبل بلحظة تأسيسية لا تكون هي مركزها؟ أم أن كل تأسيس لا يمر عبرها هو بالضرورة باطل؟

    إنّ من لا يراجع تاريخه، لا يملك حق الادّعاء بالثبات. ومن لا يرى المفارقة في أن يرفض اليوم ما وقّعه بالأمس، يختار النسيان كأداة خطابية، لا كاستراتيجية سياسية.

    وكما كتب غرامشي:
    “”ليست اللحظات المؤسسة هي التي تحتاج إلى الشرعية من القديم، بل القديم هو الذي يُمتحن في قدرته على النجاة من الجديد

    ثالثًا: طهارة مثالية أم منطق جدلي؟ كيف تقرأ الماركسية التحالفات؟
    يرتكز بيان الحزب الشيوعي على فكرة جوهرية: أن “الدعم السريع لا يمكن التحالف معه بسبب تاريخه الدموي”. قد تبدو هذه الفكرة وجيهة أخلاقيًا، لكنها خاطئة ماركسيًا إذا حُوّلت إلى قاعدة مطلقة خارج السياق السياسي. فالماركسية الثورية – من لينين إلى أنطونيو غرامشي – لا تتعامل مع القوى بحسب “نقاوتها”، بل بحسب موقعها من التناقض الأساسي، واستعدادها للانخراط في مشروع يعيد تعريف الدولة والسلطة والتمثيل.

    قال لينين بوضوح:
    .”من يرفض التحالفات المعقّدة، يظل على هامش التاريخ، مهما كانت مبادئه سامية”
    وفي سياق السودان، لا يطرح الجيش مشروعًا سياسيًا جديدًا، بل يعيد إنتاج الدولة القديمة: مركزية، دينية، استعلائية، معتمدة على نفس التحالفات الطبقية والإثنية التي أنتجت التهميش والتسلط. أما تحالف “تأسيس” – رغم تناقضاته – فهو المشروع الوحيد المطروح اليوم الذي يقدّم رؤية دستورية ومبادئ لإعادة بناء الدولة من الهامش، انطلاقًا من العدالة التاريخية والمواطنة العلمانية، وبناء جيش جديد غير عقائدي.

    والأهم من ذلك، أن الحزب الشيوعي نفسه، ومعه قوى سياسية أخرى، قد تحالف مع قوات الدعم السريع نفسها بعد سقوط عمر البشير، ضمن قوى إعلان الحرية والتغيير، بل وجلس ممثله في مفاوضات مباشرة مع الدعم السريع حين كانت هذه القوات لا تختلف – في تكوينها وسلوكها – عمّا هي عليه اليوم. فهل كانت آنذاك أقل تورطًا في الإبادة والاغتصاب وجرائم الحرب؟ أم أن التحالف معها كان مباحًا ما دامت جزءًا من تسوية تديرها النخب التقليدية؟

    إن الدعم السريع الذي يُدان اليوم بأنه “ميليشيا قاتلة”، هو نفسه الذي شارك في فض الاعتصام، وهبة سبتمبر، وانقلاب 25 أكتوبر، قُدّمت له شرعية سياسية في الوثيقة الدستورية التي وقع عليها الحزب نفسه. فلماذا يصبح الانخراط معه اليوم خيانة، بينما كان بالأمس ضرورة؟

    هذا التناقض يكشف أن الرفض المبدئي للدعم السريع ليس رفضًا ثابتًا، بل موقفًا مرتهنًا للسياق السياسي، وأن الحزب الشيوعي، رغم رفضه للقيادة العسكرية، لا يزال أسيرًا للخيال الوطني الكلاسيكي الذي يرى في الجيش “مؤسسة الأمة”، حتى وهو يحتضن الانقلابيين والإسلاميين، ويقصف المدنيين!

    وفي هذا نستعين بما كتب كارل ماركس:
    .”حين تتحوّل مؤسسة القمع إلى أسطورة وطنية، يصبح كل إصلاح وهمًا، وكل ثورة خيانة”
    إن رفض الحزب الشيوعي التحالف مع “عنصر ملوّث” مثل الدعم السريع، في الوقت الذي لم يُرفض فيه التعاون مع الجيش الذي مارس نفس الأفعال – بل أسوأ – بما في ذلك تكوين كيانات مثل الدعم السريع نفسه هو ازدواجية خطابية تتخفى خلف شعارات أخلاقية، بينما تفتح الباب عمليًا لإعادة إنتاج منظومة القمع القديمة.

    كتب المفكر الفلسطيني هشام شرابي:
    .”أن تحافظ على نقائك، بينما العالم يتغير، ليس شرفًا، بل انسحاب من التاريخ”
    والحياد عن تأسيس السودان الجديد، تحت أي ذريعة – أخلاقية أو سياسية – ليس موقفًا تقدميًا، بل تفريط في لحظة تأسيسية قد لا تتكرر. أما الثورة، فهي لا تُصنع من الخارج، بل من قلب التناقض، عبر صراع طويل يُعاد فيه تعريف الطهارة نفسها.

    رابعًا: العلمانية وتقرير المصير… نقد الهروب وتفكيك خطاب التأجيل:
    يتهم الحزب الشيوعي السوداني ميثاق “تأسيس” بمحاولة “فرض مشروع على الشعب”، في إشارة إلى طرحه الصريح للعلمانية وحق تقرير المصير. لكن هذا الاتهام، كما ورد، لا يصمد أمام التفكيك السياسي أو حتى أمام سجل الحزب ذاته. فهو زعمٌ مضلّل سياسيًا، يحاول تحميل الوثيقة التأسيسية ما ليس فيها، ويتعامى عن أنها ليست دستورًا نهائيًا/دائما، بل مشروع انتقالي معروض للنقاش، ومشروط بالاعتراف الجاد بجذور الأزمة، لا بمراوغاتها البلاغية، ومشروط أيضا بالمبادئ فوق الدستورية التي تضمن حقوق المواطنة.

    في مواجهة عبارات ضبابية مثل “مدنية الدولة” و”تعايش الأديان”، يطرح ميثاق “تأسيس” مواجهة واضحة: إما علمانية تضمن المواطنة المتساوية فعلًا، لا شعارًا، أو مواجهة سياسية مفتوحة مع قوى التهميش. الميثاق لا يلتفّ، بل يصارح: إذا لم تُقرّ الدولة بأن الدين ليس أساس التشريع والسيادة، فإن من حق المكونات المقموعة أن تبحث عن مصيرها خارج هذا الإطار القسري. وهذه ليست دعوة للانفصال، بل إعلان صريح بأن وحدة تُبنى على الإكراه، ليست وحدة، بل استعمار داخلي.

    إن الموقف من العلمانية، كما يقدّمه بيان الحزب الشيوعي، يُصوّرها كأنها “فكرة فوقية مفروضة”، بينما الحقيقة أن غيابها- غياب العلمانية هو ما فُرض لعقود، بقوة الدولة ومؤسساتها، باسم “الهوية الإسلامية”، وبتواطؤ النخب التي صنعت نظامًا يخدمها باسم الله ويقمع الآخرين باسمه!

    هنا تتجلى المفارقة العميقة: فالحزب الشيوعي السوداني، الذي تحالف في التجمع الوطني الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، حين رفعت الأخيرة حق تقرير المصير كشعار تفاوضي وسياسي ضد مركزية الخرطوم، كان يرى في ذلك آنذاك موقفًا ماركسيًا تقدميًا. فما الذي تغيّر اليوم حتى أصبح نفس الموقف تهديدًا لوحدة السودان؟ أهي ازدواجية القراءة؟ أم أن المركز عاد فتلبّس الخطاب الثوري من الداخل؟

    إن رفض مناقشة العلمانية، أو الإصرار على تأجيلها إلى “مؤتمر دستوري” مجهول الملامح، هو هروب من المواجهة مع بنية التمييز نفسها. إن الدين، في السودان، لم يُمارس كقيمة روحية فردية، بل كأداة قمع سياسي، واستبعاد اقتصادي، وتهميش ثقافي، منذ الاستقلال وحتى اليوم.

    وقد أوضح فلاديمير لينين ذلك بجلاء حين كتب:
    “”الدولة التي ترفض منح القوميات حق الانفصال، لا يمكنها أن تبني وحدة حرة، بل وحدة قهرية
    كما أن العلمانية التي يطرحها ميثاق “تأسيس” ليست علمنة فرنسية فوقية، ولا تغريبًا ثقافياً، بل شرط سياسي–اجتماعي لإعادة تأسيس مفهوم الوطن نفسه على قاعدة المساواة. فالوطن لا يُبنى على الإيمان الواحد، بل على القانون الواحد.

    كتب أنطونيو غرامشي:
    “الثبات لا يعني تكرار الشعارات، بل الجرأة في إدخال المبادئ إلى قلب الصراع القائم”

    إن الخطورة الحقيقية لا تكمن في شجاعة ميثاق “تأسيس”، بل في إصرار النخب – ومنها الحزب الشيوعي – على الاستمرار في خطاب التأجيل المضلّل، من خلال دعوات خجولة لمؤتمر دستوري جامع القصد منه الاحتيال.

    لقد مرت أكثر من أربع سنوات منذ إسقاط البشير، ووقعت أكثر من ست اتفاقات وانشقاقات وانقلابات، والبلاد تمزّقت بالحرب، بينما المؤتمر الدستوري لا يزال “يُحضّر له”.
من ينتظر النخب المركزية لتقرّ بامتيازاتها، لا يفاوض بل يتواطأ. وهذا ما سمّاه ماركس بـ”السياسة المثالية التي تؤجل الثورة إلى حين موافقة الطبقات السائدة عليها”!!

    إن تحالف “تأسيس” لا يفرض مشروعًا، بل يفتح لحظة تأسيس جديدة، ويطرح الأسئلة التي تخاف منها النخب السياسية – بما فيها الحزب الشيوعي – لأنها أسئلة تضعهم على المحك:
هل أنتم مع المواطنة الكاملة؟
هل أنتم ضد هيمنة الدين على الدولة؟
هل أنتم مع وحدة تُبنى على الاختيار الحر، أم على التهديد بالتقسيم؟

    من لا يجيب على هذه الأسئلة، لا يمكنه أن يتحدث عن “الوطنية” أو “السيادة” أو “الوحدة”، بل هو يشارك – بقصد أو بدونه – في تمديد عُمر الاستعمار الداخلي.

    فكما كتب فرانز فانون:
    .”لا تُبنى الأمم بتراتيل الهوية، بل باعتراف مؤسساتها بأن الاختلاف ليس خطيئة، بل شرعية”

    خامسًا: الجيش الجديد أو لا جيش على الإطلاق – بين واقعية “تأسيس” وطوباوية “الاستعادة:
    يصف الحزب الشيوعي السوداني في بيانه وجود “تناقض” في وثيقة “تأسيس” بين البند 14 الذي يدعو إلى “تأسيس جيش وطني جديد وموحد ومهني وقومي”، والبند 20 الذي “يقرّ بحق الحركات المسلحة في الاستمرار في الكفاح المسلح كوسيلة من وسائل المقاومة والنضال من أجل التغيير”. لكن ما يصفه الحزب بالتناقض، ليس إلا تعبيرًا واضحًا عن طبيعة المرحلة الانتقالية التاسيسية التي تعيشها البلاد، والتي لا تحتمل التبسيط الطوباوي، ولا هندسة الحلول الفوقية.

    فالجيش الجديد الذي تدعو له “تأسيس” ليس ترميمًا لمؤسسة قائمة، بل تأسيسٌ كاملٌ لهوية جديدة، وعقيدة قومية تستمد شرعيتها من التعدد السوداني، لا من المركز النخبوي. جيش لا يبنى عبر رموز السلطة أو الشعارات، بل عبر إعادة هيكلة السلطة نفسها، ودمج قوى الكفاح التاريخي ضمن رؤية سياسية–اجتماعية جديدة.

    وفي هذا السياق، فإن الاعتراف بحق الحركات المسلحة في مواصلة الكفاح المسلح لا يُناقض هذا المسعى، بل يُمليه. فالمقاومة لم تكن خيارًا ترفيًّا، بل ضرورة تاريخية لشعوب جُرّدت من أدوات المشاركة السياسية، والتعبير، والدفاع عن الذات. إن الكفاح المسلح هنا لا يُقرأ كضدٍ للدولة، بل كرافعة لتأسيسها من جديد. إنه فعل تأسيسي بحد ذاته.

    يكتب جرامشي:
    “إن التأسيس لا يعني نفي القديم فقط، بل استخدام تناقضاته كمواد لإنتاج الجديد”
    وبناء الجيش الوطني الجديد – من قوى قاومت التهميش – هو تجسيد لهذا التأسيس الحيّ.

    أما الحزب الشيوعي، فيصوغ اعتراضه انطلاقًا من تصوّر طوباوي عن “التحول الديمقراطي”، وكأننا أمام سلطة قابلة للإصلاح بالنوايا الحسنة أو الاحتجاج الجماهيري المجرد. بينما يغفل أن الدولة القائمة في بور تسودان – بقيادة الجيش السوداني المتحالف مع الإسلاميين، ومراكز قوي السودان القديم والميليشيات الإثنية – تُعاد هندستها اليوم على أسس أكثر استبدادًا ودينيةً من عهد البشير ذاته.

    والأدلة على ذلك لا تحتاج إلى تأويل، بل تكفي قراءة التعديلات التي أجراها الفريق عبد الفتاح البرهان على الوثيقة الدستورية التي وقّعها الحزب نفسه في 2019

    – تحويل مجلس السيادة إلى رأس الدولة ومصدر السيادة الدستورية، رغم أنه غير منتخب، ومسيطر عليه من المؤسسة العسكرية.
    – إلغاء المجلس التشريعي (صوت الشعب)، بحجة “إلى حين التكوين”، مما يعني إلغاء الرقابة نهائيًا.
    – إسقاط بند العدالة الانتقالية وتفكيك التمكين، مما يعني عفوًا مسبقًا عن كل جرائم الحرب والفساد.
    – إعادة تعريف مصادر التشريع لتشمل الشريعة الإسلامية والتقاليد، في نكوص صريح عن حياد الدولة والمواطنة.
    – منح صلاحيات مطلقة لرئيس مجلس السيادة، تشمل تعيين الوزراء، القضاء، قادة الجيش والشرطة، وإعلان الحرب، دون أي آلية للمحاسبة.

    فهل يُعقل أن يُراهن الحزب الشيوعي، بعد كل ذلك، على “تصحيح المسار” عبر أدوات جماهيرية “مجربه”؟ أي أدوات تلك، إذا لم يعد للشعب صوت، ولا مؤسسات تمثيلية، ولا قانون؟
    كتب فلاديمير لينين:
    “”لا تحدد طبيعة التحوّل وسائل التغيير فقط، بل بنية العدو نفسه. فإذا كان العدو مسلحًا، طائفيًا، وطبقيًا حتى النخاع، فالمقاومة لا تكون برفع الشعارات، بل ببناء نقيضه التنظيمي”.
    وإذا كانت السلطة الجديدة تعيد تعريف الدولة لتكون جهازًا مقفلًا بيد الجيش والإسلاميين، فإن الردّ الثوري ليس الانتظار، بل التأسيس الفعلي لنقيضٍ سياسي واجتماعي وتنظيمي قادر على موازنة القوة، وهذا بالضبط ما يحاوله تحالف “تأسيس”

    عموما، الحزب الشيوعي هنا لا يقدم تحالفًا وطنيًا قابلًا للحياة، ولا مشروعًا جديدًا للجيش أو الدولة.
    يقول ماركس:
    “ليست الأفكار من تهزّ الأنظمة، بل الاصطفاف الفعلي لموازين القوى، حين يدرك المضطهدون أن النظام لا يُصلح، بل يُستبدل”.
    وقال غرامشي
    “طبيعة المقاومة تتحدد دومًا بطبيعة السلطة القائمة. ومن يجهل من يُواجه، يجهل كيف يُقاوم”
    ولذا، فإن الجمع بين مشروع الجيش الجديد وشرعية الكفاح، ليس تناقضًا بل صيغة تأسيسية ثورية وعقلانية. لأن الثورة لا تُبنى بالنيات، بل بالموقف الواضح من هوية العدو، ومن هوية الدولة التي نريدها.

    سادسا: عن الخلط بين المحاسبة والإرجاء:
    صحيح أن الدعم السريع ارتكب جرائم، لكن السؤال ليس هل نحاكمه أم لا؟ بل: هل نُؤسس دولة جديدة تسمح بمحاكمته في إطار نظام عدالة حقيقي، أم نُعيد إنتاج دولة الإفلات من العقاب؟

    تحالف “تأسيس” لا يعفي أحدًا، بل يضع إعادة بناء الجيش، وإطلاق مسار عدالة تاريخية، وإعادة تعريف من هو المواطن، في قلب العملية السياسية. هل الحزب مستعد لتقديم مشروع مماثل؟ أم سيظل يرفض كل شيء باسم كل شيء، بينما الخراب يواصل إنتاج نفسه؟

    سابعا: عن البديل الغائب – أين الكتلة التاريخية؟
    البيان يقول: “نرفض تأسيس الحكومة الموازية”، ويهاجم “حكومة بورتسودان”، ويشكك في المجتمع الدولي، ويرفض التفاوض مع طرفي الحرب… فأين البديل إذًا؟

    – لا يدعو البيان إلى مؤتمر دستوري
    – لا يطرح مشروع دستور
    – لا يقترح تحالفًا اجتماعيًا جديدًا
    – لا يُنظّم قوى الهامش
    – لا يُقدّم رؤية فيدرالية، ولا علمانية ولاهم يحزنون
    – لا يُخاطب ضحايا الحرب، ولا النازحين، ولا الأقاليم!!

    إنه فقط يحذّر، ويُدين، ويراقب… بينما يقول ماركس:
    “السياسة التي لا تطرح بديلًا، هي سياسة ميتة مهما ارتدت لغة الثوار”

    ثامنا: لا وقت للانتظار – المعركة في الميدان الكتلة التاريخية تُبنى من الاصطفاف لا من الإنكار:
    “تأسيس” كواقع سياسي في قلب التناقض:
    ندرك ان تحالف “تأسيس” لا يدّعي الطهارة الثورية، كما لا يُخفي تناقضاته الداخلية ولا تعدد أجندات مكوناته. لكنه، وبالرغم من ذلك، هو المبادرة السياسية الأكثر جدية في السودان– بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023 – لبناء نواة كتلة تاريخية جديدة، بالمعنى الغرامشي العميق: تحالف متعدّد طبقيًا ومجتمعيًا، يسعى لتفكيك النظام القديم، لا ترميمه، ولإعادة بناء الدولة من الهامش، لا من قلب الخرطوم التي انهارت رمزيًا وماديًا.

    فالميثاق والدستور اللذان صدرَا عن “تأسيس” لا يعرضان مشهدًا جاهزًا، بل يفتحان مساحة إعادة التأسيس من معسكرات النزوح، من جبال النوبة والفونج ودارفور، من لجان المقاومة في الأطراف، من النقابات الوليدة، من النساء والشباب والمهمّشين، ومن تيارات فكرية تسعى فعلاً – لا قولاً – إلى بناء دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية.

    وهنا تظهر المفارقة: من يرفض هذا التحالف لأنه يضم “عنصرًا غير نقي”، كما يشي الخطاب الطهراني لبعض النخب السياسية، يتجاهل أن كل كتلة تاريخية – كما يعرّفها غرامشي – تُبنى لا على تطابق، بل على اصطراع داخلي، تلتقي فيه مصالح متباينة تحت سقف مشروع وطني تحويلي!

    فالثورة لا تُصنع من مواد معقمة، ولا تولد في مختبرات الأخلاق، بل تُصاغ من تراكم الإرادات المتناقضة، شرط أن يُديرها وعي سياسي قادر على توجيه التناقضات نحو غاية عليا مشتركة. كما كتب أنطونيو غرامشي:
    .”الثبات الحقيقي لا يعني تكرار المبادئ، بل إدخالها في صراع مع التشكيل الجديد للعالم”

    “تأسيس”، بهذا المعنى، ليس دعوة للاصطفاف مع الدعم السريع، بل دعوة للاصطفاف حول مشروع سياسي بديل يُعيد تعريف من هو المواطن، ومن يملك، ومن يقرّر، ومن يمثل السودان، ومن يكتبه من جديد. ومن لا يرغب في أن يكون جزءًا من هذه العملية المركّبة، فعليه أن يقدّم مشروعه السياسي لا موعظته الخطابية، فزمن الشعارات قد انقضى، وزمن الفعل السياسي التأسيسي قد بدأ!

    إن الذين ينتظرون أن يُولد تحالف خالٍ من الشوائب والتناقضات، إنما ينتظرون تاريخًا لا يأتي أبدًا. أما من يملكون الشجاعة للدخول في المطبخ الحقيقي لصناعة الدولة – من داخل الانهيار، ومن داخل التناقض – فهم فقط من يملكون مفاتيح المستقبل.

    كتب والتر بنيامين:
    “الثورة ليست قطارًا نركبه، بل مكابح نضغط عليها لوقف انحدار العالم إلى الجحيم”
    وتحالف “تأسيس” هو محاولة لتثبيت هذه المكابح، وإن كانت بأيدٍ متباينة، لكنها تتفق – لأول مرة منذ عقود – على أن الوطن لا يُبنى من امتيازات الخرطوم، بل من اعتراف كامل بمن حُرموا من الوطن نفسه!

    .”الحياد في لحظة تشكُّل ميزان القوى، ليس حكمة، بل تواطؤ”و
    قال تروتسكي!

    الان، اخيرا: الحزب الشيوعي كغيره من القوي السياسية السودانية في مفترق طرق:
    يمكن للحزب الشيوعي أن يختار:
    أن يكون قوة فكرية تُعزز مشروع التأسيس، بشروطه، بتعديلاته، بموقعه النقدي الداخلي.
    أو أن يظل في موقع “المحلّل الثوري” الذي يشاهد الخراب ويتأمله.
    لكن عليه، وعلي عضويته أن يتذكروا:
    “من لا يختار في لحظة الخطر، يختار – بصمته – بقاء ما كان.” – أنطونيو نيغري.




    وأخيرا مقالة نيسير
    Quote: تَهافَتَ كودي وَصَنان بول بَعِيرِهِ
    تيسير حسن إدريس

    المُبْتَدَأُ:
    يُؤَكِّدُ القائِدُ الأُمَمِيُّ “لِينِين” بِشَكْلٍ قاطِعٍ: (لا حَرَكَةَ ثَوْرِيَّةٌ بِدُونِ نَظَرِيَّةٍ ثَوْرِيَّةٍ. إِنَّنا لا نُبالِغُ مَهْما شَدِّدْنا عَلَى هذه الفِكْرَةِ فِي مَرْحَلَةٍ يَسِيرُ فِيها التَبْشِيرُ الشائِعُ بِالاِنْتِهازِيَّةِ جَنْباً إِلَى جَنْبٍ مَعَ المَيْلِ إِلَى أَشْكالِ النَشاطِ العَمَلِيِّ الضَيِّقَةِ جِدّاً).
    وَالخَبَرُ:
    (1)
    يَدَّعِي الأُسْتاذُ خالِد كودي فِي مَقالِهِ بعنوان “بَيْنَ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ السُودانِيِّ وَاِبْنِ باز وَتَسْطِيحِ الأَرْضِ وَبوْلِ البَعِيرِ!”مَوْضُوعِيَّتِهِ وَواقِعِيَّتِهِ مُقابِلَ “جُمُودِ” الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ، مُسْتَنِداً إِلَى مَقُولاتٍ مارْكِسِيَّةٍ مُجْتَزَأٍ مِن سِياقِها (الوُجُودُ الاِجْتِماعِيُّ يُحَدِّدُ الوَعْيَ، الأَزْمَةَ العُضْوِيَّةَ لِغْرامْشِي). إِلّا أَنَّ النَظْرَةَ العابِرَةَ دُونَ تَدْقِيقٍ لِمُحْتَوَى المَقالِ تَكْشِفُ أَنَّ التَحْلِيلَ الَّذِي قَدَّمَهُ لَيْسَ تَحْلِيلاً مادِّيّاً وَلا جَدَلِيّاً، بَلْ هُوَ بَيانٌ أيديولوجِيٌّ يَخْدِمُ مَصالِحَ طَبَقِيَّةً وَسِياسِيَّةً مُحَدَّدَةً، وَيُقَدِّمُ قِراءَةً مِثالِيَّةً وَمُبَسَّطَةً لِلواقِعِ تَحْتَ شِعارِ “الواقِعِيَّةِ” أَنَّهُ مُحاوَلَةٌ بائِسَةٌ لِتَفْكِيكِ الأيديولوجيّا تَحْتَ غِطاءِ “الواقِعِيَّةِ”.
    (2)
    إِنَّ أَمْراً كَالَّذِي أَقْدَمَ عَلَيْهِ الأُسْتاذُ كودِّي لا رَيْبَ يَتَطَلَّبُ إِحاطَةً مَوْسُوعِيَّةً وَفَهْمٌ فَلْسَفِيّاً عَمِيقٌ لِلنَظَرِيَّةِ المارْكِسِيَّةِ “المادِّيَّةِ الجَدَلِيَّةِ/ وَالمادِّيَّةِ التارِيخِيَّةِ/ وَالاِقْتِصادُ السِياسِيُّ” لِكَيْ يَتَمَكَّنَ الكاتب مِن تَقْدِيمِ تَحْلِيلٍ دَقِيقٍ لِلواقِعِ التارِيخِيِّ وَالاِجْتِماعِيِّ فِي السُودانِ، وَلِنَهْجِ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ السُودانِيِّ بِالتَحْدِيدِ كَمُمَثِّلٍ حَقِيقِيٍّ لِتَيّارٍ مارْكِسِيٍّ يَسْعَى لِتَحْقِيقِ العَدالَةِ الاِجْتِماعِيَّةِ وَالتَغْيِيرِ الثَوْرِيِّ. فَعَلَى الرَغْمِ مِن أَنَّ مَقالَةَ كودي تَشْتَمِلُ عَلَى إِشاراتٍ لِلتَحَوُّلاتِ العَمِيقَةِ الَّتِي عاشَها السُودانُ مُنْذُ اِنْدِلاعِ الحَرْبِ الَّتِي بَدَأَت فِي أَبْرِيلَ 2023، لٰكِنَّها تَفْتَقِرُ إِلَى العُمْقِ المادِّيِّ التارِيخِيِّ وَكَأَنَّما تارِيخُ السُودانِ بِكُلِّ إِرْثِهِ التَلِيدِ قَدْ بَدَأَ بِاِنْدِلاعِ هذه الحَرْبِ المَلْعُونَةِ. إِنَّ التَحَوُّلاتِ السِياسِيَّةَ وَالاِجْتِماعِيَّةَ تَتَطَلَّبُ قِراءَةً دَقِيقَةً لِلواقِعِ بِعُمْقٍ وَشُمُولِيَّةٍ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِن، مُجَرَّدُ إِلْقاءِ أَفْكارٍ سَطْحِيَّةٍ. إِنَّ المارْكِسِيَّةَ تَدْعُو دائِماً إِلَى دِراسَةِ السِياقِ التارِيخِيِّ وَالاِقْتِصادِيِّ وَالاِجْتِماعِيِّ لِفَهْمِ كَيْفِيَّةِ تَحْدِيدِ القُوَى المُتَغَيِّرَةِ لِلمُجْتَمَعِ، وَيَظْهَرُ تَجاهُلُ الكاتِبِ لهذا العُنْصُرِ أَنَّهُ لا يَفْتَقِرُ فَقَط لِفَهْمٍ عَمِيقٍ لِلواقِعِ السُودانِيِّ بَلْ وَيَفْتَقِرُ أيضا لِفَهْمٍ فَلْسَفِيٍّ صَحِيحٍ لِلمادِّيَّةِ التارِيخِيَّةِ.
    (3)
    التَناقُضُ الجَوْهَرِيُّ فِي المَقالِ يَتَبَدَّى فِي الدَعْوَةِ إِلَى “الواقِعِيَّةِ” مُقابِلَ إِنْكارِ التَناقُضِ الطَبَقِيِّ الأَساسِيِّ؛ فِي حِينِ يَقُومُ الاِدِّعاءُ المَرْكَزِيُّ لِلمَقالِ وَيَتَأَسَّسُ عَلَى اِنْتِقادِ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ لِتَمَسُّكِهِ بِـ”شِعاراتِ” ثَوْرَةِ دِيسَمْبِرَ (حَلِّ الدَعْمِ السَرِيعِ، مَدَنِيَّةِ السُلْطَةِ) وَيَتَّهِمُهُ بِعَدَمِ رُؤْيَةِ “الواقِعِ الجَدِيدِ” المُتَمَثِّلِ فِي “الكُتْلَةِ التارِيخِيَّةِ الجَدِيدَةِ” الَّتِي يُمَثِّلُهُا تَحالُفُ “تَأْسِيسٌ”. وَهُنا يَقَعُ المَقالُ فِي التَناقُضِ الأَساسِيِّ. فَالمادِّيَّةُ التارِيخِيَّةُ لا تَعْنِي مُجَرَّدَ “التَكَيُّفِ” مَعَ أَيِّ تَوازُنٍ قُوىً جَدِيدٍ، بَلْ تَحْلِيلِ طَبِيعَةِ القُوَى الطَبَقِيَّةِ الَّتِي أُنْتَجَت هذا التَوازُنَ. السُؤالُ المارْكِسِيُّ الجَوْهَرِيُّ الَّذِي كانَ لا بُدَّ أَنْ يَنْتَصِبَ أَمامَ السَيِّدِ كودي مُطالِباً إِيّاهُ بِالإِجابَةِ هُوَ: ما هِيَ المَصالِحُ الطَبَقِيَّةُ الَّتِي تُمَثِّلُها قُوّاتُ الدَعْمِ السَرِيعِ وَحُلَفاؤُها فِي “تَأْسِيسٍ”؟
    (4)
    لا شَكَّ فِي أَنَّ الأُسْتاذَ كودي خَيْرُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ قُوّاتِ الدَعْمِ السَرِيعِ: لَيْسَت مُجَرَّدَ “مِلِيشْيا”، بَلْ هِيَ تَجْسِيدٌ لِرَأْسِمالِيَّةٍ طُفَيْلِيَّةٍ كومْبْرادُورِيَّةٍ، نَشَأَت وَتَضَخَّمَت عَبْرَ نَهْبِ مَوارِدِ الدَوْلَةِ (الذَهَبِ) وَالعُنْفِ المُمَنْهَجِ، وَتَحَوَّلَت إِلَى جِهازٍ رَأْسُمالِيٍّ طُفَيْلِيٍّ يُعِيدُ إِنْتاجَ التَبَعِيَّةِ لِلإِمْبِرْيالِيَّةِ (عَلاقاتِها مَعَ “فاغْنَر” الرُوسِيَّةِ وَدَوِيلَةِ الإِماراتِ مِثالاً). وَقَبُولُها كَشَرِيكٍ فِي “كُتْلَةٍ تارِيخِيَّةٍ” دُونَ تَفْكِيكِ بِنْيَتِها الاِقْتِصادِيَّةِ-العَسْكَرِيَّةِ يَعْنِي القَبُولَ بِأُسُسِ النِظامِ الرَأْسُمالِيِّ المُتَوَحِّشِ القَدِيمِ نَفْسِهِ الَّذِي ثارَ عَلَيْهِ الشَعْبُ السُودانِيُّ فِي 19 دِيسَمْبِرَ 2018م.
    (5)
    يُقَدِّمُ المَقالُ مَشْرُوعَ تَحالُفِ “تَأْسِيسِ” السِياسِيِّ كَمَشْرُوعٍ “عِلْمانِيٍّ دِيمُقْراطِيٍّ لا مَرْكَزِيٍّ”. وَلٰكِنْ مِن مَنْظُورٍ مارْكِسِيٍّ، أَيُّ مَشْرُوعٍ سِياسِيٍّ لا يَضَعُ فِي صُلْبِ اِهْتِمامِهِ مَسْأَلَةَ السُلْطَةِ الطَبَقِيَّةِ – أَيْ مَنْ يُسَيْطِرُ عَلَى مَوارِدِ البِلادِ وَيُوَجِّهُ الاِقْتِصادَ – هُوَ مَشْرُوعٌ إِصْلاحِيٌّ يَمِينِيٌّ لا يَمُتُّ بِصِلَةٍ لِعَمَلِيَّةِ التَغْيِيرِ الجَذْرِيِّ. قَبُولُ الدَعْمِ السَرِيعِ كَشَرِيكٍ دُونَ نَزْعِ سِلاحِهِ وَتَفْكِيكِ اِقْتِصادِهِ الحَرْبِيِّ يَعْنِي عَمَلِيّاً إِخْضاعَ المَشْرُوعِ السِياسِيِّ بِرُمَّتِهِ لِهَيْمَنَةِ البُرْجُوازِيَّةِ الطُفَيْلِيَّةِ المُسَلَّحَةِ. هذه لَيْسَتْ “جَدَلِيَّةً”، بَلْ هِيَ اِسْتِسْلامٌ لِلقُوَّةِ الغاشِمَةِ تَحْتَ شِعارِ “قِراءَةِ الواقِعِ”.
    (6)
    تَضَمَّنَ الاِدِّعاءُ المَرْكَزِيُّ لِلمَقالِ أَنَّ الحِزْبَ الشُيُوعِيَّ أَسِيرُ “البُرْجُوازِيَّةِ الصَغِيرَةِ” المَدِينِيَّةِ (مُوَظَّفُونَ، مِهْنِيُّونَ) الَّتِي تَمِيلُ إِلَى الشِعاراتِ وَالمَواقِفِ الأَخْلاقِيَّةِ بَدَلاً مِن الخُطَطِ الواقِعِيَّةِ. وَلَعَمْرِي هذا تَحْلِيلٌ مُشَوَّهٌ وَغارِقٌ حَتَّى أُذُنَيْهِ فِي الاِنْتِقائِيَّةِ؛ صَحِيحٌ أَنَّ البُرْجُوازِيَّةَ الصَغِيرَةَ، بِحَسَبِ المارْكِسِيَّةِ، طَبَقَةٌ مُتَأَرْجِحَةٌ. وَلٰكِنْ فِي لَحْظَةِ الاِنْفِجارِ الثَوْرِيِّ، يَكُونُ جَناحُ الثَوْرَةِ المُتَقَدِّمِ هُم كَوادِرُ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ الَّذِي يَضُمُّ بِالإِضافَةِ لِلبُرْجُوازِيَّةِ الصَغِيرَةِ العُمّالَ وَالمُزارِعِينَ إِضافَةً لِلجَأْنِ المُقاوِمَةِ بِتَشْكِيلاتِها المُخْتَلِفَةِ لِيَكُونُوا فِي تِلْكَ اللَحْظَةِ الحَرِجَةِ الحامِلِ الفِعْلِيِّ لِمَشْرُوعِ التَغْيِيرِ الدِيمُقراطِيِّ الجَذْرِيِّ لِأَنَّ الشُيُوعِيِّينَ وَالطَبَقاتِ المُهَمَّشَةَ وَالضَعِيفَةَ هُم الأَكْثَرُ تَأَثُّراً بِاِسْتِغْلالِ الدَوْلَةِ الرَأْسُمالِيَّةِ وَتَحالُفِها مَعَ الإِمْبِرْيالِيَّةِ. هذه حَقِيقَةٌ لَمْسِها كُلُّ مَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَمْعِ وَهُوَ شَهِيدٌ فِي مَجْرَى أَحْداثِ ثَوْرَةِ 19 دِيسَمْبِر الماثِلَةِ وَالحاضِرَةِ فِي الأَذْهانِ دَعْ عَنْكَ ثَورَتَيْ أكتوبر 1964م وَأَبْرِيل 1985م.
    (7)
    هذا مِنْ ناحِيَةٍ وَمِن ناحِيَةٍ أُخْرَى دَعْنِي أَسْأَلُ كاتِبَ المَقالِ مَنْ هِيَ القُوَى الاِجْتِماعِيَّةُ الَّتِي يَقُودُها تَحالُفُ “تَأْسِيسٍ” الَّذِي يَمْتَدِحُهُ؟ أَلَيْسَتْ تَحالُفاً بَيْنَ بُرْجُوازِيَّةٍ طُفَيْلِيَّةٍ مُسَلَّحَةٍ (الدَعْمِ السَرِيعِ) وَقِطاعاتٌ مِنْ بُرْجُوازِيَّةٍ تَقْلِيدِيَّةٍ وَ”بُرْجُوازِيَّةٍ صَغِيرَةٍ” مِنْ مَناطِقِ الهامِشِ تَسْعَى لِلحُصُولِ عَلَى حِصَّةٍ فِي السُلْطَةِ؟ المَقالُ يَنْتَقِدُ “بُرْجُوازِيَّةً صَغِيرَةً” تَدْعُو لِلدِيمُقْراطِيَّةِ وَالتَغْيِيرِ الجَذْرِيِّ، بَيْنَما يُبارِكُ تَحالُفاً تَقُودُهُ “بُرْجُوازِيَّةٌ طُفَيْلِيَّةٌ” مُسَلَّحَةٌ وَقِطاعاتٌ أُخْرَى مِنْ البُرْجُوازِيَّةِ الصَغِيرَةِ، مُتَناسِياً أَنَّ الأَخِيرَةَ قَدْ تَلْتَحِقُ بِأَيِّ قُوَّةٍ مُهَيْمِنَةٍ بَحْثاً عَنْ مَكاسِبَ فَوْرِيَّةٍ، مِمّا يَضْعُفُ أُسُسَ تَكْوِينِ أَيِّ سُلْطَةٍ مَدَنِيَّةٍ دِيمُقْراطِيَّةٍ مُسْتَقِرَّةٍ. وَمِنْ هذا المُنْطَلَقِ فَإِنَّ اِتِّهامَ السَيِّدِ كودي لِلحِزْبِ الشُيُوعِيِّ بِالتَمَسُّكِ بِـ”مَرْكَزِيَّةٍ” مَدِينِيَّةٍ هُوَ مِن بابِ إِلْقاءِ الكَلامِ عَلَى عَواهِنِهِ كَيْفَما اِتَّفَقَ بِلا تَفْكِيرٍ وَلا رَوِيَّةٍ لِأَنَّهُ بِبَساطَةٍ يَتَجاهَلُ نِضالَ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ التارِيخِيِّ مِن أَجْلِ قَضايا الهامِشِ وَالعَدالَةِ الاِجْتِماعِيَّةِ. المَوْقِفُ المَبْدَئِيُّ لَيْسَ “مَرْكَزِيّاً” بَلْ هُوَ رَفْضٌ لِاِسْتِبْدالِ هَيْمَنَةِ مَرْكَزٍ قَدِيمٍ (الجَيْشُ وَقُوَى اليَمِينِ الدِينِيَّةِ وَالطائِفِيَّةِ) بِمَرْكَزٍ جَدِيدٍ مَبْنِيٍّ عَلَى اِقْتِصادِ عُنْفٍ وَنَهْبِ (الدَعْمِ السَرِيعِ وَالقُوَى الاِنْتِهازِيَّةِ المُتَحالِفَةِ مَعَهُ).
    (8)
    يَتَضَمَّنُ الاِدِّعاءُ المَرْكَزِيُّ لِلمَقالِ أَيْضاً اِتِّهامَ الحِزْبِ بِـ”الجُمُودِ المِيتافِيزِيقِيِّ” وَعَدَمِ تَطْبِيقِ المادِّيَّةِ الجَدَلِيَّةِ الَّتِي تَفْرِضُ تَغْيِيرَ الوَعْيِ مَعَ تَغَيُّرِ الواقِعِ. وَلَعَمْرِي هٰذا يَجْعَلُ مِن المادِّيَّةِ الجَدَلِيَّةِ “فيتيش” أَوْ(صَنم) عِوَضاً عَن كَوْنِها أَداةَ تَحْلِيلِ وَهُوَ اِسْتِخْدامُ دوجَمائِيُّ فيتيشي لا عَلاقَةَ لَهُ بِالجَدَلِ المادِّيِّ. الجَدَلِيَّةُ لا تَعْنِي التَكَيُّفَ السَلْبِيَّ مَعَ أَيِّ واقِعٍ فَرَضَتهُ القُوَّةُ العَسْكَرِيَّةُ؛ بَلْ تَعْنِي تَحْلِيلَ تَناقُضاتِ هذا الواقِعِ الجَدِيدِ وَالعَمَلِ عَلَى حَلِّها لِصالِحِ الكادِحِينَ. فَالواقِعُ الجَدِيدُ الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنهُ الكاتِبُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَناقُضاتٍ صارِخَةٍ: تَناقُضٌ بَيْنَ خِطابِ تَحالُفِ “تَأْسِيسِ” الدِيمُقراطِيِّ وَطَبِيعَةِ القُوَّةِ المُسَلَّحَةِ المُهَيْمِنَةِ داخِلَهُ (الدَعْمُ السَرِيعُ). وَتَناقُضٌ بَيْنَ مَطالِبِ الجَماهِيرِ بِالحُرِّيَّةِ وَالعَدالَةِ وَالكَرامَةِ وَبَيْنَ تَحالُفٍ يَشْرَعْنَ قُوَّةً قَمِعَت وَقُتِلَت وَنَهَبَت واغتصبت هذه الجَماهِيرِ. المَوْقِفُ الجَدَلِيُّ الحَقِيقِيُّ هُوَ الكَشْفُ عَن هذه التَناقُضاتِ وَالعَمَلِ عَلَى حَلِّها، وَلَيْسَ القَفْزُ فَوْقَها وَالاِدِّعاءَ بِأَنَّ “الكُتْلَةَ التارِيخِيَّةَ الجَدِيدَةَ” قَدْ حَلَّتْ كُلَّ شَيْءٍ. مَوْقِفُ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ، بِرَفْضِهِ التَطْبِيعَ مَعَ قُوَّةٍ مُهَيْمِنَةٍ مُسَلَّحَةٍ، هُوَ مَوْقِفٌ مادي جَدَلِيٌّ لِأَنَّهُ يُسَلِّطُ الضَوْءَ عَلَى التَناقُضِ الرَئِيسِيِّ الَّذِي يَتَغافَلُ عَنْهُ كاتِبُ المَقالِ.
    (9)
    يَسْتَخْدَمُ الأُسْتاذُ كودي لِفَرْطِ الدَهْشَةِ وَالعَجَبِ مَفْهُومَ غرامشِي عَن “الأَزْمَةِ العُضْوِيَّةِ” لِيَصِفَ عَجْزَ الحِزْبِ عَن فَهْمِ الواقِعِ الجَدِيدِ!!؛ وَهُنا نَكْتَشِفُ أَنَّ تَشْخِيصَ كاتِبِنا مَعْكُوسٌ تَماماً. فَالأزْمَةُ العُضْوِيَّةِ الحَقِيقِيَّةُ فِي السُودانِ هِيَ أَزْمَةُ هَيْمَنَةِ النِظامِ القَدِيمِ (الإِنْقاذِ وَتَحالُفاتُهُ) وَاِنْهِيارُهُ دُونَ قُدْرَةِ أَيِّ قُوَّةٍ عَلَى فَرْضِ هَيْمَنَةٍ جَدِيدَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ. ما يُسَمِّيهِ الكاتِبُ “كُتْلَةٌ تارِيخِيَّةٌ جَدِيدَةٌ” هُوَ مُحاوَلَةٌ لِتَرْقِيعِ هذه الأَزْمَةِ عَبْرَ تَحالُفِ هَشٍّ وَغَيْرِ عُضْوِيٍّ بَيْنَ قُوَى مُتَعارِضَةِ المَصالِحِ الطَبَقِيَّةِ (بُرْجُوازِيَّةٌ طُفَيْلِيَّةً مُسَلَّحَةً مَعَ قُوىً مِن الهامِشِ). هذا التَحالُفُ لا يَحُلُّ الأَزْمَةَ العُضْوِيَّةَ بَلْ يُعَمِّقُها لِأَنَّهُ يَبْنِي “حَلّاً” عَلَى أَساسٍ عَنِيفٍ وَغَيْرِ دِيمُقْراطِيٍّ، مِمّا يَضْمَنُ اِسْتِمْرارَ الصِراعِ. الحِزْبُ الشُيُوعِيُّ، بِرَفْضِهِ هذا “الحَلُّ”، يَرْفُضُ المُشارَكَةَ فِي جُرْمِ تَرْقِيعِ الأَزْمَةِ العُضْوِيَّةِ بَدَلاً مِن إِيجادِ الحُلُولِ الجِذْرِيَّةِ الشامِلَةِ لَها.
    (10)
    الخُلاصَةُ:
    مَقالُ الأُسْتاذِ خالِد كودي بَعِيداً عَن كَوْنِهِ تَحْلِيلاً “واقِعِيّاً”، فَهُوَ لا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ سِوَى أيديولوجِيّاً تَبْرِيرِيَّةٍ بائِسَةٍ بِالمَعْنَى المارْكِسِيِّ لِأَنَّهُ بِكُلِّ بَساطَةٍ:

    يَعْقَلْنَ وَيُشَرِّعْنَ الهَيْمَنَةَ الجَدِيدَةَ لِتَحالُفِ “تَأْسِيسٍ” وَيُقَدِّمُها كَحَتْمِيَّةٍ تارِيخِيَّةٍ (“التارِيخُ لا يَعُودُ إِلَى الوَراءِ”).
    يُخْفِي التَناقُضاتِ الطَبَقِيَّةَ الأَساسِيَّةَ تَحْتَ مُصْطَلَحاتٍ فَضْفاضَةٍ مِثْلِ “الكُتْلَةِ التارِيخِيَّةِ” وَ”المَشْرُوعِ العِلْمانِيِّ الدِيمُقْراطِيِّ”.
    يُشَيْطِنُ المُعارَضَةُ المَبْدَئِيَّةُ لهذا التَحالُفِ (مَوْقِفُ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ) وَيُصَوِّرُها عَلَى أَنَّها جُمُودٌ وَ”مِثالِيَّةٌ” وَ”تُشْبِهُ إِنْكارَ كُرَوِيَّةِ الأَرْضِ”، بَيْنَما هُوَ يُقَدِّمُ قِراءَةً سِحْرِيَّةً مِثالِيَّةً لِمَشْرُوعِ تَحالُفٍ غَيْرِ مُتَماسِكٍ الطَبَقِيَّةِ.
    يَخْدِمُ مَصالِحَ طَبَقِيَّةً مُحَدَّدَةً، وَهِيَ مَصالِحُ القُوَى الطُفَيْلِيَّةُ المُسَلَّحَةُ وَشُرَكاؤُها الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِلحُصُولِ عَلَى شَرْعِيَّةٍ سِياسِيَّةٍ مِنْ خِلالِ خِطابِ “الواقِعِيَّةِ” وَ”التَكَيُّفُ مَعَ المُتَغَيِّراتِ”.
    إِنَّ المَوْقِفَ المارْكِسِيَّ الثَوْرِيَّ الأَصِيلَ لَيْسَ التَمَسُّكَ الحَرْفِيَّ بِشِعاراتِ الماضِي، وَلٰكِنَّهُ أَيْضاً لَيْسَ الاِسْتِسْلامَ لِلقُوَّةِ الغاشِمَةِ تَحْتَ ذَرِيعَةِ “قِراءَةِ الواقِعِ”. المَوْقِفُ المارْكِسِيُّ هُوَ التَشَبُّثُ بِالأُسُسِ الطَبَقِيَّةِ لِلصِراعِ وَالعَمَلِ عَلَى بِناءِ قُوَّةٍ جَماهِيرِيَّةٍ قادِرَةٍ عَلَى حَلِّ التَناقُضاتِ لِصالِحِ الكادِحِينَ، وَلَيْسَ لِصالِحِ البُرْجُوازِيَّةِ الطُفَيْلِيَّةِ المُسَلَّحَةِ أَوْ أَيِّ شَكْلٍ مِن أَشْكالِ الاِسْتِغْلالِ. مِن هذه الزاوِيَةِ، فَإِنَّ بَيانَ الحِزْبِ الشُيُوعِيِّ، رَغْمَ أَيِّ قُصُورٍ فِيهِ، أَكْثَرُ اِتِّساقاً وَاِلْتِصاقاً بِالمَنْهَجِ المادِّيِّ الجَدَلِيِّ مِن مَقالِ السَيِّدِ كودي الَّذِي يُهاجِمُهُ، لِأَنَّهُ بِبَساطَةٍ شَدِيدَةٍ يُمْسِكُ بِالجَوْهَرِ الطَبَقِيِّ لِلصِراعِ وَلا يَسْتَسْلِمُ لِلوَقائِعِ المَفْرُوضَةِ بِقُوَّةِ السِلاحِ.
    تَيْسِيرُ حُسَن إِدْرِيسَ
    24/09/2025م






                  

09-30-2025, 02:28 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار ممتع ومفيد في شأن الرباعية وبيان الح� (Re: Nasr)

    وللمزيد من المتعة والفائدة هاكم مقالة عاطف عبد الله
    Quote:


    الرباعية بين الحل الوطني وأزمة خطاب الشيوعي

    ورقة تحليلية بقلم : عاطف عبدالله

    22 ديسمبر 2025



    خلفية

    أصدرت “المجموعة الرباعية” – المكوَّنة من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر – في 11 سبتمبر 2025 بياناً تضمَّن مبادرة متكاملة لحلّ الأزمة السودانية، في ظلّ واقع سياسي وعسكري بالغ التعقيد، شهد قيام حكومتين متوازيتين في البلاد، بما يُنذر بسيناريو انفصال فعلي واستمرار النزاع المسلح في عدّة جبهات.

    مضمون المبادرة

    · التمسك المبدئي بوحدة الدولة السودانية واستقلالها وسيادتها.

    · رفض أي حلّ عسكري للأزمة، والعمل على إيجاد تسوية سياسية شاملة.


    · الدعوة إلى هدنة لثلاثة أشهر بين مختلف الأطراف، بهدف تمكين وصول المساعدات الإنسانية العاجلة للمدنيين المتضررين.

    · إطلاق عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة، تمتد تسعة أشهر، تفضي إلى قيام حكومة مدنية تحظى بثقة المواطنين.

    · إبعاد الجماعات الراديكالية المتطرفة عن صياغة المستقبل السياسي، وبصورة خاصة تيار الإسلام السياسي الذي هيمن على السلطة في العهد السابق.

    · رفض التدخلات الإقليمية التي من شأنها تأجيج الصراع أو تغذيته عسكرياً.

    تهدف هذه الورقة إلى تحليل فرص نجاح المبادرة في ضوء التطورات العسكرية والسياسية في السودان، مع تناول مواقف القوى الفاعلة، ولا سيّما الحزب الشيوعي السوداني.

    ردود الفعل على المبادرة

    تباينت مواقف القوى السياسية السودانية تجاه مبادرة الرباعية: رحّب بها بعضهم، رفضها آخرون، فيما آثر فريق ثالث مسك العصا من الوسط.

    · تحالف “صمود”: صرح قائدة الدكتور عبدالله حمدوك بأن البيان يتطابق مع رؤية تحالفه لإنهاء الحرب عبر حل سياسي، والتمسك بوحدة السودان، وإبعاد “الإخوان المسلمين” عن المشهد السياسي.


    · تحالف “تأسيس”: يرى في بيان الرباعية خطوة إيجابية نحو حل مدني لكنه يفتقر إلى التفاصيل التي تضمن تحقيق أهدافهم السياسية المتمثلة في قيادة المرحلة الانتقالية.

    · الحكومة في بورتسودان: أعلنت رفضها للمبادرة، معتبرةً إياها تدخلاً في الشؤون الداخلية، وأكدت أنها غير ملزمة بأي مبادرة لم تُشارك في صياغتها، مشددة على أن أي حلّ يجب أن يبدأ باستسلام قوات الدعم السريع لا بالتفاوض معها.

    · الحركة الإسلامية: أصدرت بياناً رافضاً، واعتبرت المبادرة جزءاً من مخطّط دولي وإقليمي لإقصاء تيارها من المشهد السياسي، ووصفتها بأنها «وصاية» وتدخّل سافر في الشأن السوداني، مؤكدة أن مصير البلاد يحدده شعبها وحده.

    · تحالف التغيير الجذري: رفض المبادرة واعتبرها “تدخلاً سافراً في سيادة السودان وتعدياً على استقلال قراره الوطني”، متهماً دول الرباعية بالسعي لفرض “وصاية كاملة” على الشعب وثورته، وتحويل البلاد إلى أداة في صراعات إقليمية ودولية، ورأى أن الهدف الحقيقي هو رهن القرار الوطني لمصالح تلك الدول.

    ومن اللافت أن معسكر الرافضين، رغم تقاطعاته في الموقف، يختلف في دوافعه: فالحكومة في بورتسودان والحركة الإسلامية ترفضان بدافع الحفاظ على سلطتهما، بينما يرفضها تحالف “التغيير الجذري” انطلاقاً من تمسّكه بالسيادة الوطنية ورفضه لأي تسوية مع المكوّن العسكري.

    موقف الحزب الشيوعي من مبادرة الرباعية

    جاء موقف الحزب الشيوعي السوداني وسطياً؛ إذ أبدى ترحيباً حذراً ببعض بنود المبادرة، لكنه سجّل في الوقت نفسه تحفظات ومطالب محددة، وهو ما ستتناوله هذه الورقة بالتفصيل لاحقاً. لتناول موقف الحزب الشيوعي بالتحليل، نستند إلى مصدرين مترابطين: كلمة الميدان (16 سبتمبر 2025) وبيان المكتب السياسي (21 سبتمبر 2025).

    قراءة الميدان

    تناولت كلمة الميدان – التي يعدّها عادة المكتب السياسي للحزب – بيان الرباعية بقراءة نقدية ربطته بسياق إقليمي ودولي أوسع، وأشارت بوضوح إلى أن:

    · البيان يسعى إلى فرض تسوية تفاوضية تُشرعن مشاركة فعّالة للقوات المسلحة وأطراف النزاع، بدلاً من محاسبتهم على إشعال الحرب.

    · المبادرة مرتبطة أساساً بحماية مصالح واشنطن وحلفائها (أمن البحر الأحمر، منع التمدد الإيراني-الحوثي، الحد من نفوذ الإسلاميين).

    · هذه المصالح هي المحرك الأساسي، لا الحرص على المسار المدني أو حقوق الشعب السوداني.


    · الحل الخارجي يرمي إلى تكريس مصالح الرباعية، بينما الحل الحقيقي يكمن في الداخل عبر ضغط القوى الثورية الرافضة للحرب وتمسكها بأهداف الثورة.

    البيان الرسمي للحزب

    أكد الحزب الشيوعي السوداني في بيانه عدداً من النقاط الجوهرية:

    · الترحيب الشكلي بأي جهد يهدف إلى وقف الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

    · التشكيك في نوايا الرباعية، مذكّراً بدورها في إشعال الحرب واستغلالها اقتصادياً وسياسياً.

    · الإشارة إلى أن تركيز الرباعية على خطر تسيد الإسلاميين وربطه بالوجود الإيراني–الحوثي يعكس بالأساس دوافعها لحماية مصالحها، أكثر من كونه تعبيراً عن حرص صادق على المسار المدني.

    · التأكيد على أن الحل للأزمة السودانية يوجد في الداخل عبر الجماهير وتنظيماتها، من خلال حلّ الدعم السريع والحركات المسلحة والمليشيات، وتقديم قادتها للمحاسبة، وتأسيس جيش قومي مهني، واستكمال مهام ثورة ديسمبر من حيث توقفت في 19 ديسمبر 2019 بعد تدخل اللجنة الأمنية لعمر البشير.

    الملاحظات التحليلية

    من خلال المقارنة بين كلمة الميدان والبيان الرسمي يمكن استخلاص الآتي:

    · الحزب لا يرفض من حيث المبدأ أي جهد يوقف الحرب أو يفتح الممرات الإنسانية ويحمي المدنيين.

    · يرى في تأكيد البيان على وحدة البلاد ورفض الحل العسكري عناصر إيجابية يمكن البناء عليها.

    · اتفق النصّان على أن بيان الرباعية يستبطن مصالح خارجية، وأن الحل يكمن في الداخل.

    · يتلخص موقف الحزب في ترحيب مشروط وحذر: يوافق على وقف الحرب والإغاثة ووحدة الدولة، لكنه يرفض العملية السياسية كما صيغت لعدم استبعاد الجيش والدعم السريع ولغياب ضمانات المحاسبة، ويرى أن المبادرة تخدم مصالح القوى الدولية أكثر من الثورة. ومع ذلك، يظل خطابه أسيراً لمقولات ما قبل الحرب، ما يجعله بحاجة إلى تطوير أدوات قراءة الواقع وصياغة بديل مدني جامع قادر على استثمار أي مبادرة لصالح مشروع الثورة.

    إشكالات الخطاب

    يُلاحَظ على خطاب الحزب الشيوعي أنه لم يُبرِز بوضوح ترحيباً صريحاً بالمبادئ الجوهرية التي وردت في بيان الرباعية (وقف الحرب، حماية المدنيين، إقامة سلطة مدنية)، بل اكتفى بالتركيز على التشكيك في نوايا الرباعية. كما أغفل البعد الاستراتيجي للمدنيين؛ إذ لم يطرح مبادرة عملية لتوحيد القوى المدنية تحت مظلة واحدة تكون الطرف الأساس في مخاطبة المجتمع الدولي وقيادة المرحلة الانتقالية.

    هذا القصور يهدد بتحويل الموقف إلى مجرد ردّ فعل، ما يترك المجال مفتوحاً أمام الأطراف العسكرية والإسلاميين للتعامل المباشر مع المبادرات الدولية. كما أن تمسك الحزب بوصفات ديسمبر 2018 جعله يبدو منفصلاً عن التحولات العميقة التي أعقبت انقلاب 2021 وحرب أبريل 2023: انهيار البنى المؤسسية، نزوح الملايين، وقيام حكومتين متوازيتين مدعومتين من قوى إقليمية متباينة المصالح. وقد برزت في هذا السياق تحالفات جديدة مثل «صمود»، الذي يحظى بثقل جماهيري داخلي واحترام معتبر خارجياً، إلى جانب تحالفات قائمة على قواعد اجتماعية وقبلية وجهوية مثل «تأسيس»، وهما فاعلان لا يمكن تجاوزهما في أي تسوية قادمة.


    يمكن القول إن أبرز مخرجات موقف الحزب أنّه، رغم إبدائه ترحيباً محدوداً ببعض بنود بيان الرباعية، قدّم جملة من المطالب والاعتراضات التي تُعد في جوهرها من مسؤوليات القوى الوطنية الداخلية لا من مهام أي جهة خارجية، مثل حلّ قوات الدعم السريع، تقديم قادتها إلى المحاسبة، وإعادة بناء جيش قومي مهني، وتحقيق العدالة الانتقالية، وتفكيك التمكين. غير أن هذه المطالب طُرحت من دون تقديم تصور واقعي للتعامل مع البنى المسلحة والمشاريع السياسية التي وُلدت من رحم الحرب.

    هذا الموقف يضع الحزب أمام مفترق طرق: فإما الانخراط في تحالف مدني واسع ينسجم مع إرثه التاريخي ويمنحه حضوراً في المعادلة المقبلة، أو الانكفاء وراء شعارات لم تعد كافية للتأثير في سياق معقد ومتغير. وفي حال اختار العزلة، قد يواجه خطر التهميش لصالح قوى مدنية أخرى أكثر تنظيماً وحضوراً، ما يضعف مساهمته في صياغة المستقبل المدني.

    كما أن الخطاب المتكرر حول “وحدة قوى الثورة” وحصرها في الداخل وحده يبدو قاصراً عن استيعاب الواقع؛ إذ إن جزءاً كبيراً من الكوادر والقيادات الثورية بات خارج البلاد، إما بفعل الاستهداف المباشر من سلطات بورتسودان للقيادات ولنشطاء الشباب، أو نتيجة للنزوح الجماعي الذي فرضته الحرب. وبالتالي فإن أي مقاربة واقعية تتطلب الاعتراف بدور الداخل والخارج معاً في بناء جبهة مدنية قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي وفرض أجندة وطنية مستقلة. إن التمسك بالشعارات، بمعزل عن المتغيرات البنيوية، جعل خطاب الحزب يقف خارج السياق الجديد الذي تشكّل بعد انهيار الخرطوم وبروز سلطة موازية في بورتسودان، فانتقل من التحليل المادي للتناقضات إلى تكرار رمزي لبرامج سابقة، منفصل عن الوقائع الاجتماعية والسياسية المستجدة. بينما تستدعي القراءة الماركسية الحقيقية النظر إلى اللحظة الراهنة كطور جديد في تشكّل الدولة السودانية.

    هواجس ومخاوف الحزب الشيوعي

    يخشى الحزب أن يُختزل المكوّن المدني في جبهتين رئيسيتين: “صمود” بقيادة عبدالله حمدوك، و”الكتلة الديمقراطية” بينما تُهمَّش بقية القوى، بما فيها الحزب نفسه.

    بالنسبة إلى تحالف “الكتلة الديمقراطية”، يدرك الحزب أنهم مجرد “نمور من ورق”: على الرغم أن من مكوناتها التي تضم حركات مسلحة أبرزها حركتي وزير المالية الحالي جبريل ابراهيم وحاكم إقليم دارفور مني أركي مناوي ومجموعات صغيرة من أحزاب الموز الموالية لتنظيم الإخوان، مناصرة للجيش وداعمة لاستمرار الحرب. واجهات أنشأها المؤتمر الوطني وأجهزته الأمنية، وتولت مصر رعايتها وتسويقها خارجياً بوصفها تنظيماً مدنياً “غير إسلامي” موازياً لـ”صمود”.

    أما الهاجس الحقيقي للحزب فيتجسد في تحالف “صمود”، الذي يُعدّ اليوم أكبر مظلة للقوى المدنية المنبثقة من ثورة ديسمبر، ويحظى بمكانة معتبرة إقليمياً ودولياً، لقيادة الدكتور حمدوك له بصفته آخر رئيس وزراء شرعي للبلاد، ويُنظر إلى “صمود” كأبرز مرشح لقيادة المرحلة الانتقالية المقبلة – ربما لا منفرداً، لكنه بلا شك صاحب النصيب الأوفر في ضوء موازين القوى الراهنة، بعد إستبعاد الإسلاميين، ومن هذا المنطلق يرى الحزب أن طرح الرباعية لفكرة “حكومة مدنية” لا يعني سوى ما يطلق عليه “إعادة إنتاج شراكات الدم”، لكن بصيغة توازنات مختلفة.

    نحو مقاربة بديلة

    · داخلي تعبوي: يركّز على تنظيم الجماهير عبر لجان المقاومة والنقابات والكيانات الاجتماعية، ورفض أي عودة للعسكر أو الإسلاميين.

    · خارجي براغماتي: استثمار أي مبادرة دولية لوقف الحرب وإعادة المسار المدني، مع التشديد على استقلال القرار الوطني.

    · توحيد القوى المدنية: داخلياً وخارجياً، لتكوين جبهة واسعة تمثل الشارع السوداني الرافض للحرب ولإعادة تدوير النظام القديم.

    خارطة طريق عملية:

    تحويل بيان الرباعية إلى فرصة وطنية يستدعي اتخاذ خطوات واضحة:

    1. الترحيب بالمبادئ الجوهرية: إعلان موقف صريح بدعم ما ورد في البيان بشأن وحدة السودان، سيادته، وقف الحرب، وحماية المدنيين.

    2. توحيد القوى المدنية: العمل على قيام مظلة وطنية عريضة تمثل الشعب في أي عملية تفاوضية قادمة، على أساس برنامج حدّ أدنى يقوم على وحدة الدولة، رفض الحسم العسكري، ووقف مؤقت للقتال يتيح وصول الإغاثة.


    3. آلية رقابة وطنية: الدعوة إلى تكوين لجنة وطنية تضم ممثلين عن القوى المدنية الحقيقية، النقابات، منظمات المجتمع المدني، ومراقبين مستقلين؛ تُكلف بمتابعة تنفيذ الهدنة والإشراف على ترتيبات الانتقال.

    4. خطة انتقال سودانية مكتملة: تقديم تصور واضح يتضمن جداول زمنية، ضمانات دستورية مؤقتة، وآليات للمحاسبة والعدالة الانتقالية، بحيث يُلزم الجهات الضامنة بالتعامل معها.

    5. انتقال قصير نحو سلطة مدنية: يعقب ذلك قيام سلطة مدنية انتقالية، تُستبعد منها قوى المؤتمر الوطني وأتباعه، ويُرفض خلالها أي تدخل إقليمي يمس استقلال القرار الوطني.

    إن طرح هذه الخطة السودانية المتكاملة للانتقال المدني سيُلزم المجتمع الدولي بالتعامل مع القوى المدنية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب وثورته المجيدة.

    خاتمة

    إن خطاب الحزب الشيوعي يحتاج إلى تطوير واقعي يمكّنه من طرح بديل مدني جامع، قادر على تحويل أي مبادرة إلى فرصة تخدم مشروع الثورة، بدلاً من الاكتفاء بموقع المعترض أو الناقد الخارجي.

    يبقى الحذر من الأجندات الخارجية مشروعاً وضرورياً، غير أن الذكاء السياسي يكمن في تحويل الضغوط الدولية من تهديد إلى رافعة. فالشعب السوداني، الذي صنع ثورة ديسمبر، ما زال قادراً على فرض إرادته متى ما جرى توظيف المبادرات الخارجية لصالحه لا ضده. عندها فقط يمكن أن تتحول مبادرة الرباعية من عامل ضغط على السودان إلى قوة داعمة للمسار المدني الديمقراطي.
                  

09-30-2025, 03:11 PM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 34306

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار ممتع ومفيد في شأن الرباعية وبيان الح� (Re: Nasr)

    ما في اى متعة يا Nasr، بل أضغاث أحلام للشيوعية المهترئة من رأسها.

    بريمة
                  

09-30-2025, 04:50 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار ممتع ومفيد في شأن الرباعية وبيان الح� (Re: Biraima M Adam)

    برضو رأي يا بريمة
    يكون كويس لو وريتنا إنها أضغات ليه ومهترئة كيف ؟؟؟؟
    منكم نستفيد ويبقي الحوار أكثر متعة
                  

09-30-2025, 04:50 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11414

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار ممتع ومفيد في شأن الرباعية وبيان الح� (Re: Biraima M Adam)

    برضو رأي يا بريمة
    يكون كويس لو وريتنا إنها أضغات ليه ومهترئة كيف ؟؟؟؟
    منكم نستفيد ويبقي الحوار أكثر متعة
                  

09-30-2025, 05:01 PM

صديق مهدى على
<aصديق مهدى على
تاريخ التسجيل: 10-09-2009
مجموع المشاركات: 11389

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار ممتع ومفيد في شأن الرباعية وبيان الح� (Re: Biraima M Adam)

    شكرا بريمة ناصر الرفيق او الاخ يقصد بمتعة مزحة ههه لذا نشكره لانه يؤذن فى مالطا ههههه
    حبيبنا بريمة الحزب الشيوعي السوداني قيادات وكوادر دائما يبكون على الماضي وينقضون الآخرين دون جدوى ديل عندهم أوديب سيظلون هكذا هههههه ما عارفين الشعب السوداني وضعهم فى الرف منذ انتصار ثورة ٢٠١٩ التي انتزعت حكم حليفهم الانقاذ لذلك هؤلاء زي ديك العدة لو حاولت تطرده بيطير بكسر العدة واذا تركته بخرا فيها هههه
    تحياتي
    بريمة
    ومعذرة ناصر وجدتك فى نفس المحطة التي تركتك فيها ان تشغل عقلك شوية ولا تجعله رهن. الاشارة هههه
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de