حمد عثمان جبريل يكتب: حملة بلابسة ضده.. البرهان لم يعد حليفًا مضمونًا
في مشهد سياسي يتغيّر كل يوم، يشهد السودان لحظة فاصلة بانهيار تحالف صامت بين الفريق البرهان والتيار الإسلامي، فيما تُطرح تساؤلات عن من فقد الثقة أولًا، ولماذا اختار الإسلاميون المواجهة علنًا الآن؟
--- ❝ أصعب الخيانات هي تلك التي تأتي ممن ظننتهم حلفاء، لأنك لا تحتاط لها كما تحتاط من الأعداء. ❞
― نيكولو مكيافيلي
في مشهد السياسة السودانية، تُبنى الولاءات على الضرورة لا على المبادئ، لذلك ليس مستغربًا أن يخرج التيار الإسلامي – ممثلًا في رموزه الإعلامية والتنظيمية – عبر قنواته ومنصاته التي تدار علنا من تركيا، معلنًا، وبلا مواربة، أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان لم يعد حليفًا مضمونًا.. هكذا تتحدث علنا الحملة التي انتظمت ضده، بلغة لا تخفى حدّتها، وقد كشفت أن ما كان يُدار في الغرف المغلقة، بدأ يتسرّب إلى العلن، لا كخلاف عابر، بل كطلاق استراتيجي تم عن اقتناع.
ذلكم التحالف لم يكن يومًا علاقة حب، وإنما علاقة مصلحة. البرهان، القادم من عمق المؤسسة العسكرية، ابن الجيش لا ابن الحركة الإسلامية، ولو كان غير ذلك لما لهثوا خلفه ليسلمهم مفاصل السلطة في طبق من ذهب.. ولكنه تعامل معهم من موقع الحاجة بعد سقوط البشير.. كل كان يحتاج الآخر، ولذلك منحهم صمته، ففسّروه قبولًا.. احتاج سكونهم، فبادلوه الدعم. وتواطأت المرحلة على التقاء الطرق: "هو بحاجة لغطاء شعبي وسياسي، وهم بحاجة لمتنفّس بعد الإقصاء.. كلٌ لعب لعبته، لكن كِلا الطرفين كان يدرك أن هذا زواج مصلحة لا أكثر، وأن أول نُذُر الانفراج الدولي ستضعف جذوة الوفاق المؤقت.
بيد أن الإسلاميين لا يُجيدون الصمت حين يشعرون بأن الكرسي يبتعد.. وها هم بدأ صراخهم يسمع علنا.. فبعد أن تواترت مؤشرات التقارب بين البرهان وبعض المبادرات الدولية، خاصة تلك القادمة من (الرباعية) والتي تُخفي تحت لياقتها الدبلوماسية رغبة واضحة في طيّ صفحة الإسلام السياسي، بدأت نبرة "البلابسة" تتغيّر، من الدفاع عنه، إلى التلميح بخيانته.. من الترويج لحكمته، إلى الطعن في إخلاصه.. من الشراكة، إلى الاغتيال الرمزي.
لكنّ السؤال الأهم هنا.. ليس لماذا يهاجمونه الآن، بل "لماذا فقدوا الثقة فيه تحديدًا في هذا التوقيت؟". الواقع أنهم لا يهاجمون البرهان لأنه تغير، بل لأنه (لم يعُد يخدم مشروعهم كما كانوا يتوقعون).. لم يمنحهم ضمانات في أي تسوية قادمة، لم يعد يُظهر انحيازًا واضحًا ضد خصومهم، وربما – وهو الأهم – باتوا يعتقدون أن التوازنات الدولية والإقليمية تضغط عليه ليُقصيهم بهدوء، أو على الأقل، لا يُدافع عن بقائهم.. يقول لهم حديث ويفعل آخر .. بمعنى يشير بوضوح ان تقاربه الأخير مع مبادرات الرباعية، والتي تُفهم ضمنيًا بأنها لا ترحب بعودتهم للمشهد.
ثانيا: إعادة ترتيب المؤسسة العسكرية بطريقة تضعف نفوذ بعض القيادات المحسوبة عليهم، أو تُنهي أي مشروع موازٍ داخل الجيش.
ثالثا وهذا الأهم: تسريبات عن قبول البرهان بتسوية سياسية تشمل قوى ثورية ومدنية كانوا قد صُنّفوا كـ"خصوم أيديولوجيين" للتيار الكيزاني.
لكنّ من المؤكد أن البرهان، الذي بلغ "مفتشية الجيش" بعرق جبهات القتال والخبرات التراكمية وتراتبية الجيش، لا بنعومة السياسة، والذي عركَ المؤسسة العسكرية من الداخل حتى أصبح قائدها الأعلى، لم يكن غافلًا عن هذا التآكل البطيء في الثقة. فمن خبر بيت الأفاعي، لا يضع يده دون حساب. ومن قاد حربًا وجودية لثلاث سنوات ضد القوات التي خرجت من رحم القوات المسلحة، لا يترك ظهره مكشوفًا لخصمٍ كان حليفًا بالأمس.. هو يدرك يقينًا أن السياسة، خاصة في السودان، لا تقاس بالولاء، بل بموازين القوى، وأن أي حليف لا يملك القدرة على الصمود، سيختار النجاة بنفسه عند أول منعطف.
ربما يكون البرهان قد قرأ تصريحات الإسلاميين وحديثهم عن (البلاد مقبلة على فوضى) وكذلك صمتهم في الفترة الماضية، وسمع الهمس، وراقب إعادة التموضع، لكنه من المؤكد لن يتعجّل المواجهة. فقد يختار أن يستنفد أوراقه واحدةً تلو الأخرى، حتى تصل لحظة المكاشفة.. وها هي الحملة الإعلامية ضده تُعلن لحظة المكاشفة و الانفصال.. لحظة لا تفتقد دراما السياسة، ولا مكر التنظيمات، ولا حسابات من يعرف أن لحظة الخروج من المشهد قاسية، ومُهينة لمن اعتاد السلطة.
وحتى يبلغ الأمر ذروته ويتهيأ الإسلاميون لتحريك الشارع أو كسب ما تبقّى لهم من نفوذ داخل الجيش، خشية أن يتم دفن مشروعهم مع أي تسوية سياسية قادمة، يبدو البرهان في وضع لا يُحسد عليه. فإن هو خضع للضغوط الدولية وأقصاهم، جلب على نفسه سُخط خصوم يعرفون جيدًا مفاصل الدولة وأسرارها. وإن هو حافظ على علاقته بهم، خسر رصيد الثقة الدولي، وربما فُرض عليه العزل الناعم تحت لافتات "الانتقال المدني".
بقى ان نقول إن كانت الرباعية الدولية، تتابع ما يجري، ستدرك أن السودان لا يتحمّل تسويات سطحية تتجاهل عمق شبكة المصالح داخل الجيش والدولة العميقة. أما الشارع السوداني، فقد اعتاد أن يرى التحالفات تتكوّن وتنفرط، لكنّه هذه المرة يرقب مشهدًا أكثر تعقيدًا: خروج الإسلاميين من عباءة البرهان، لا يعني بالضرورة خروجهم من المشهد.. وربما كان في صراعه معهم الآن ما يحدد إن كان سينجو كقائد مرحلة، أم يُلقى على قارعة السياسة كلاعب انتهت صلاحيته.
وهكذا، في بلادنا التي اعتادت أن تتقاطع فيها خطوط المبدأ والمصلحة، لا تعود الخيانة وجهًا لعدو، بل خيارًا اضطراريًا لحليف شعر أن المعركة تقترب من خواتيمها.. وهو خارج الحسابات..إنا لله ياخ..الله غالب. #شبكة_رصد_السودان See less Comments حمدى السمانى الاسلاميبن الآن ليسو علي قلب رجل واحد ... فعلا سيتم انفصال بينهم والبرهان ولكن سيكون كما انفصال رمضان ٩٨ .. ناس المصلحة والسلطة وهم ال ٩٩ % من الكيزان سينحاذوا للبرهان صاحب السلطة والباقيين يا مشو عملو ليهم حزب زي المؤتمر الشعبي ٢ مثلا او كمان إنتظروا … See more 2h Reply Muaz Ogeel البرهان والإسلامويين وجهان لعملة واحدة . فقط التاريخ يعيد نفسه . (إذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا) . لن تنطلي علينا هذه الألاعيب بعد اليوم .... May be an image of 4 people and text that says "سابقا الان" 3h Reply عبدالعالي حسب الله اللهم انتقم من الكيزان بالكيزان اللهم شتت شملهم وفرق كلمتهم اللهم اجعلهم عبرة لمن يعتبر وعظه لمن يتعظ … See more 3h Reply Hasabelrasoul Saleh Idris ايوه هنا الاستاذية تتجلى بالفهم و الموضوعية ، و سبحان الله المشهد السياسي السوداني و كالعادة يتغير كل يوم و التغيرات في حد ذاتها ومفاجئات ، فقط السؤال الذي يلوح في الأفق : كيف تكون صورة المشهد السياسي في السودان في حالة الإطاحة بالجنرال البائس و تصفيته… See more 1h Reply Ismail Hamed Alhamry ونعمة بالله ماكتب لنا ولهذا البلد الكبير سيأتى حتماً ولو بعد حين 2h Reply Abaas Omar Omar من فارق درب الكيزان. اكيد يعمل لصالح الوطن 2h Reply Anhar Mohammed مهتم 29m Reply يوسف الفحل قيل لا تأمن المرأه او الكلب او العسكري فكيف امنو الكيزان بالعسكري معناه مخهم كلو مخاته مازي الكلاب 1h Reply ابوعبيده محجوب أين ذكاء القوه السياسيه الواعيه لتستفيد بالغطنه السياسيه والعمل لخلق واقع جديد يقنع الشعب وينشل الجيش من أنياب الماكرين اذهب للقصر رئيسا وانا للسجن حبيسا اذكيا أين السياسين الفطاحله 1h Reply جدو النيجيري النيجيري النجيري الله غالب 3h Reply ابراهيم سليمان عبود احذر عدوك مرة واحذر صديقك الف مرة فلربما غدر الصديق وهو اعلم بالمضرة 2h Reply احمد المصطفي مساعد المساعد بل بس 2h Reply Sayedahmed Babiker Bushara تم 3h Reply بشيرالعامري العوامره تم 2h Reply يوسف احمد تم 3h Reply Moustafa Mahmoud #لا_للحرب _نعم للسلام #الشعب السوداني _ضد الإرهاب والتطرف 1h Reply عبدالحليم علي مهتم 1h Reply محمد خالد صالح عارف تحليل واقعي بلغة رصينة وبعيدة عن لغة العواطف 45m Reply دفع الله حسين قرشي شكرا جزيلا 3h Reply محجوب تبن تم 1h Reply بعدق عتيق مسرحية 1h Reply Ali ShiekhMohamed م 2h Reply عبدالرحمن سليمان شكرا 2h Reply اسمر جميل أنتم شوهتم صورة الإسلام وبقيتو خصما علي الامة الإسلامية. لانو الاسلام دين المحبة والسلام ولكن أنتم تتخزون الاسلام لتنفيذ أجندتكم الخبيثة واللعينة من قتل و نهب وتشريد و تعذيب الناس منز العام 1987م الي يومنا هذا. والاسلام برئ منكم حتي يرث الله الأرض ومن… See more 3h Reply ام موفق لا للحرب 2h Reply Osman Musa Masaad اذا ما كتبتة هو الشي الحاصل بين البرهان والاسلامين كان لازم تربط الدور المصري او بالاصح توضح ماهو ..السياسة ليس فيها اماني بل خطوات وسلوكيات..المتوقع من ملة الاسلامين القتلة الحرامية مثير افتكر الخطر يكون من المليشيات. ثانيا دور وخانة حركات دارفور المت… See more 1h Reply عبدالله ابومشعل هههههه البرهان دا غيرو ولاشنو ياقحاتي في بارا والأبيض قاليك بل وفتك ومتك لآخر قحاتي كدكة سفارات ومنظمات ودويلة الشر والي آخر جنجويدي مرتزق وكفيلكم الإماراتي تتبلو بس ياحثالة البشر 1h Reply محمد خالد صالح عارف عبدالله ابومشعل للاسف تعليقك سطحي ينم عن خواء الفكرة والمنطق متكئ علي فكرة فاقد تربوي هذا ليس دفاعا عن كاتب المقال لكن عن عدم الموضوعية وضحالة فكرك 41m Reply Edited
"Most relevant" is selected, so some comments may have been filtered out.
09-30-2025, 12:08 PM
Hassan Farah Hassan Farah
تاريخ التسجيل: 08-29-2016
مجموع المشاركات: 12407
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة