ليس كل من ارتدى عباءة الدين وليًا، وليس كل من رفع شعار "الإسلام هو الحل" ناصحًا. ففي ساحات الحرب بالسودان، يبرز صنف من "البلابسة" – كما يسميهم الناس – أولئك الذين يسترون عورات السياسة بلباس القداسة ويغسلون جرائم الحرب بماء الدين، ويقدّمون أنفسهم كحراس للإيمان، وهم في الحقيقة حراس للامتيازات والسلطة.
هؤلاء "البلابسة" ليسوا أبرياء ولا مجرد أنصار، بل شركاء كاملون في الجريمة. يقفون في صف الجيش لا لأن الجيش يمثل الشرعية أو الوطن، بل لأنه آخر حصن لإمبراطوريتهم الاقتصادية وسلطتهم السياسية التي نسجوها خلال ثلاثين عامًا من الاستبداد والفساد. إنهم يدافعون عن امتيازاتهم، لا عن قيم الشعب.
يتبارون في إلقاء الخطب المنمقة، ويتسابقون في إصدار البيانات الرنانة، يزيفون وعي الجماهير بسردية زائفة: أن هذه الحرب "حرب وجود" وليست حرب مصالح، وأنها "معركة دين" وليست معركة سلطة. لكن دماء الأبرياء التي تسيل في دارفور والجزيرة والخرطوم تكذبهم. فأي دين هذا الذي يقتل الأطفال ويشرّد العائلات ويدمر المستشفيات؟ وأي إيمان هذا الذي يصمت على المجازر ويبارك المجرمين؟
لقد كانوا السبب الرئيس في تمزيق الوطن بسياساتهم الإقصائية والعنصرية، وكانوا وقودًا لحرب الجنوب حتى انفصل، واليوم هم وقود حرب جديدة تهدد بما تبقى من السودان. إنهم يرفضون الاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية التي يتميز بها السودان، ويظنون أنهم وحدهم أصحاب الحق والحقيقة. الموقف واضح ولا يحتمل الالتباس: هذه الحرب ليست حربًا مقدسة، بل حرب مدنسة بامتياز. ليست "جهادًا" كما يزعم البلابسة، بل مجزرة كبرى بحق الوطن. ولا يمكن أن يكون السلام حقيقة وهؤلاء جزء من العملية السياسية دون محاسبة، ودون تخلّيهم عن مشروعهم الاستئصالي.
الشعب السوداني، الذي خرج في ثورة ديسمبر رافعًا شعار الحرية والسلام والعدالة، لن يسمح أن يُختطف مرة أخرى باسم الدين، أو أن يُقتل باسم حمايته.
نعم.. نحن ضد الحرب. ضد من يتاجر بالدين. ضد من يحوّل الجيش إلى أداة لحماية حزب ضيق. ضد كل من يتكلم باسم السماء وهو يعمل لدنياه الضيقة.
والخلاص لن يتحقق إلا بفضح هذه الفئة، وعزل منهجها الإقصائي، وبناء عقد اجتماعي جديد يقوم على المساواة والمواطنة الكاملة، ويضع السلطة والثروة في يد الشعب، لا في يد بلابسة السلطة ومجانين الاقتصاد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة