النبأ العظيم .. قراءة معاصرة للتنزيل الحكيم

Quote: لقد كانت النقطة الفاصلة في حياة الدكتور المهندس، التي غيرت مساره ودفعته للتعمق في الدين وعلومه، حادثة جرت معه في أعقاب حرب حزيران 1967. ففي أول خطبة صلاة جمعة استمع إليها بعد الحرب، في جامع العفيف بدمشق، قال خطيب الجامع: "هزمنا لأن النساء يخرجن كاسيات عاريات". خرج الدكتور شحرور من الجامع غاضباً على الإمام الذي يصور المرأة كسبب للهزيمة، ولم يلبث أن التقى بأحد الشيوعيين الدمشقيين الذي قال له: "هزمنا لأننا نصوم شهر رمضان". ومن يومها أدرك محمد شحرور، كما أخبرني أن المشكلة هي بالضرورة في الفكر العربي مؤمناً وملحداً، وحاول جاهداً البحث عن حل لها.

Quote: قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(الأحزاب 56) وسألني أحدهم : ما معنى صلاة الله على النبي؟ وما معنى صلاتنا عليه؟ ولماذا قال على النبي ولم يقل على الرسول؟ وهل الصلاة هي ركوع وسجود؟ أقول إن أصل الصلاة من الصلة، وصلة الله معنا، وليست مع النبي، هي إخراجنا من الظلمات إلى النور {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} وصلاة النبي على المؤمنين هي رحمة وسكينة لهم {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ}. وصلاة الله وملائكته على النبي هي صلة الوحي مباشرة لبعثه رسوﻻً. أما لماذا قال على النبي وليس على الرسول ﻷن النبي كان مجتهداً في مقام النبوة، وبالتالي اﻻجتهاد ما زال قائماً إلى اليوم، والغيبيات هي من مقام النبوة وسيظل تأويلها مع الزمن إلى أن تقوم الساعة. بينما في مقام الرسالة كان على الرسول البلاغ فقط {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ}، وفي بلاغ الرسالة كان معصوماً {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} ولم يكن معصوماً من مقام النبوة، لذا فإن أطروحات عدالة الصحابة وعصمة اﻷئمة وعصمة آل البيت أطروحات كاذبة ﻷنها ذات منشأ سياسي بامتياز. والله صلى على النبي وطلب منا أن نصلي عليه، ونحن كررنا اﻵية وهذا غير مطلوب أصلاً، أي طلبنا من الله مرة ثانية أن يصلي عليه، والمفروض أن نقول {إن الله وملائكته يصلون على النبي ونحن نصلي ونسلم عليه) وليس (صلى الله عليه وسلم)، وصلتنا مع النبي تكون في البرلمانات ومراكز اﻷبحاث العلمية، وهي صلة متطورة، بينما صلتنا مع الرسول تكون من خلال الشعائر، وهي ثابتة لا تتطور مع الزمن، وينطبق عليها "كل بدعة ضلالة". أما الصلاة الشعائرية التي تتضمن الركوع والسجود، والتي نتوضأ لنقوم بها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ} فهي تختلف عن صلاة الصلة التي ﻻ تحتاج الى وضوء أو إقامة، وهنا يجب أن نميز بين المصلين ومقيمي الصلاة، فبمجرد أن تذكر اسم الله فأنت من المصلين لقوله تعالى {قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى} وعندما قال تعالى {إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر}لم يقصد إقامة الصلاة أينما وردت في التنزيل الحكيم، و مقيمو الصلاة هم بالضرورة من المصلين، والعكس غير صحيح ذلك أن المصلين ينقص إيمانهم بدون إقامة الصلاة. وﻻحظوا أن عكس "المصلين" في التنزيل الحكيم هو "المجرمين"، والمجرم من قطع صلته بالله وكذب بالله واليوم اﻵخر، وهؤﻻء ليس لهم حساب عند الله إطلاقا {وﻻ يسأل عن ذنوبهم المجرمون} و {هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون} و {كلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} و {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ولاحظوا أنه هنا ذكر أن من سهى عن الصلة مع الله فأول خطوة له هي تكذيب الدين كله (قطع الصلة مع الله نهائياً) وقطع فعل العمل الصالح مع الناس، وقوله {يمنعون الماعون} على وزن فاعول، ككلمة الحاسوب وتعني تكرار الحساب، والماعون من المعونة المستمرة ﻷكثر من مرة وليس مرة واحدة، ونحن نقول أيضاً أن القاتل مجرم ﻷنه بعملية القتل قطع صلته بالمجتمع وبفعل الخير، أي أن من له صلاة بشكل ما مع الله هو ليس مجرماً، بل هو من المسلمين لقوله تعالى {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ}. ونحن استعملنا كتباً أخرى غير التنزيل الحكيم لنطلق اﻷحكام على الناس بأنهم ليسوا مسلمين، وعلى رأس هذه الكتب كتب البخاري ومسلم . وأنا أسأل من يستعملهما ليقتل الناس : هل عنده وكالة من الله بأن ما يقوم به صحيح {سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ}؟. وهكذا نعلم أن المصلين هم المسلمون، ومقيمي الصلاة هم المؤمنون، وأن أكبر الخدع ما قاله الفقهاء (بني اﻹسلام على خمس).