غادرت عالمنا في القاهرة الأستاذة زهراء إبراهيم الباهي وذهبت عند رب رحيم كريم. بعد رحلة من العطاء والإيثار مع رائدات العمل المجتمعي والنقابي ومساعدة كل من حولها منذ وصولها إلى بريطانيا. عرفتها من خلال زوجها المرحوم جلال إسماعيل عوض الله، الذي رافق أسرته من بورتسودان إلى كيمبريدج هروباً من عسف ومضايقات أجهزة الإنقاذ زمنذاك. رحلت الأستاذة زهراء بعد حياة حافلة بالمساهمة الفاعلة في رحاب "الإتحاد النسائي"، وتعزيزها لوجوده المجتمعي مع رفيقة دربها الأستاذة فاطنة أحمد إبراهيم، وفي دعم صمود الأسر السودانية في خضم تحديات المهجر. وعرفناها بمشاركتها الفاعلة وبجهودها وتبرعها السخي لفعاليات المطالبة بالديمقراطية والسلام والعدالة الاجتماعية. وكنت أناديها دوماً "يا فاطنة الزهراء" شقيقة "فاطنة السمحة". لهما الرحمة ولرفيق دربها الصنديد "العم جلال". المرحوم "جلال إسماعيل" كان، كالعادة، قوياً وصامداً وجسوراً. عرفته المعتقلات والسجون منذ ستينيات القرن الماضي. وكان في طليعة مقاومة الاستبداد والديكتاتوريات والأنظمة الشمولية. منذ حقبة الجنرال عبود ومروراً بالجنرال نميري وإلى الجنرال البشير. كان رمزاً للانحياز للمحرومين وفاعلاً في تنظيم أهالي شرق السودان عامة، وبورتسودان على وجه الخصوص. كما كان معطاءاً في الدعم المالي المستمر لكل احتياجات العمل الديمقراطي. لم أعرف ذلك من قبل، ولكن كم كان تداعي الذكريات ورفيق خياراته النقابي المعتق عبداللطيف محمد بشير (كمرات) يحدثنا عنه في حضوره، وهو المتواضع العفيف، في جلسة لندنية منعشة للروح وملهمة في ظروف خانقه وقتها تكتم أنفاس أهل السودان. كانت بريطانيا مقصداً للمهنيين وفي مقدمتهم الأطباء للتدريب ولتحسين ظروفهم المادية. وتكاثروا من مختلف الاتجاهات والمهن مع تصاعد موجات القمع، وشهدت بريطانيا موجات متواصلة من اللجوء منذ العهد المايوي. وأصبح عددهم الآن يقارب 90 ألفاً. ولكنها في تصاعد بوتيرة متسارعة مع نيران النزاعات الجهوية والحرب الأهلية والهجرة العابرة للصحراء والبحار بشكل كبير. تطرق وقتها الزميل "كمرات" عن جهودهم في مدينة كارديف لتجميع شتات أهل السودان في جالية تستطيع من خلالها الأسر التكيف مع تحديات بريطانيا وظروف السودان. وكم كان ممتعاً وملهماً ان اتابع بصمت النقاش الهاديء الذي يستند لخبرات سياسية ونقابية غنية. اتفق وقتها عند خلاصة النقاش ان من الضروري الانتباه إلى التمايز بين الأوضاع السابقة والتحديات التي سيواجهها أهل السودان مع تصاعد موجات الهجرة إلى بريطانيا (والغرب عامة). وفجأءة نظر كليهما لي وتبادلا الحديث في ان الجاليات ستكون أقرب إلى أوضاع النقابات في مهامها وأهدافها وتكوينها. مصادر عضويتها مختلفة ولكن أساسها واحد. وأن هنالك فرق شاسع بين جاليات المغتربين في دول الخليج وجاليات السودانة في الغرب. ولذلك يجب الانتباه والتركيز على ما يجمع ويخدم الاحتياجات المباشرة لعضويتها، والابتعاد الصارم عن أي استغلال أو توظيف سياسي. لقد كان هذا الحديث من سنوات طويلة وعند كل خلاف أو صدام في أي من جالياتنا هنا أستعيد حكمة كمرات والعم جلال. لم تتغير روح "العم جلال"، كما كنت أناديه، عندما كان معنا في بريطانيا، وكما كان في بورتسودان، ورفيقة حياتة زهراء الباهي. كان منزلهم مفتوحاً على الدوام ورمزاً للكرم والروح السمحة الساخرة. غادر عالمنا الزميل "عبداللطيف كمرات" ظهر الجمعة (8/6/2012)، ورحلت "فاطنة السمحة" في فجر يوم السبت (12/8/2017)، ولحقهم "العم جلال" من بورتسودان في منتصف يوليو 2020. تدحرجت الأيام ولكن ذكرياتهم وشخوصهم كلهم عصية على النسيان. وسيظلوا مشاعل تنير دروب حياتنا الشائكة، ورموزاً كما غادروا حياتنا بجسارة ملهمة. يحملون سيرة مجيدة ونستعيد ذكراهم وذكريات الصمود الشامخ وصيرورة انفعالات ناصعة. ونتمعن في تفاعلاتهم الإيجابية المستمرة. لهم الرحمة والمغفرة بقدر ما قدموا من عطاء من أجل وطنهم. ولكن ما يعزي النفس، أيضاً، ان ذكراهم عطرة في قلوب كل من عرفهم، وستظل مساهماتهم نوراً وهاجاً في أوساط جاليتنا في بريطانيا. ونستذكر مواقفهم القوية، حيث كانوا مرجعاً من التجارب في التواصل الاجتماعي. ونماذج تحتذى في التضامن الأسري والحس التنظيمي السياسي المتقدم. ودعمهم المتواصل لخيار المقاومة والصمود. السكينة والرحمة لروحهم المقدامة وإنسانيتهم الطاغية وحبهم للخير. وهم في جنات النعيم مع الخالدين والخالدات الذين رحلوا وقوفاً ولم يركعوا لسلطان.
لقد شق خبر رحيل زهراء الباهي يوم الثلاثاء (12/8/2025) على الجميع، واصابهم بالأسى والحزن الممض. نشاطر أسرتها الصغيرة العزاء الحار: هيثم وهديل وهاني وهشام وهمام وندعو لهم بعظيم الأجر والثواب. والصبر والسلوان لأرحامها، والعزاء موصول إلى كل عارفي فضلها، ولعموم زميلاتها في "الإتحاد النساني" في بريطانيا والسودان.
08-20-2025, 05:27 PM
Ali Alkanzi Ali Alkanzi
تاريخ التسجيل: 03-21-2017
مجموع المشاركات: 10940
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة