منذ اندلاع الحرب في السودان، سادت السردية الرسمية التي تصوّر الصراع على أنه مواجهة بين "الجيش الوطني" وقوات الدعم السريع. لكن تقارير عديدة – أبرزها تقرير SPT – تكشف أن خلف هذه الواجهة تكمن شبكة أوسع وأخطر المشروع الإسلاموي الذي أعاد إنتاج نفسه عبر تفكيك مؤسسات الدولة، وتغذية الحرب بمليشيات وأدوات دمار ممنهج. الحقيقة التي تتكشف ليست مجرد تنازع سلطتين مسلحتين، بل صراع وجودي بين مشروع إسلاموي يستمد شرعيته من العنف والهيمنة الأيديولوجية، ومشروع مدني يسعى لإنقاذ السودان من التفكك. المحور الأول: الهندسة العكسية للدولة الإسلاميون لم يكتفوا بالعمل السياسي، بل قاموا بعملية هندسة عكسية للدولة السودانية، حوّلوا عبرها المؤسسات الوطنية إلى أدوات حرب. اختراق الهيكل العسكري والأمني: الجيش: تحوّل من مؤسسة وطنية إلى غطاء قانوني للمليشيات عبر توظيف الولاءات الأيديولوجية (80% من الضباط إسلاميون)، وإضعاف التراتبية العسكرية لصالح قيادات موازية (مثل البلال، الداروتي). المخابرات: تحولت بالكامل إلى جهاز قمع سياسي (100% من ضباطها إسلاميون) يوظَّف لمراقبة الخصوم وتجنيد المليشيات. اقتصاد الحرب الموازي: تهريب الذهب من دارفور بغطاء كتائب “العمل الخاص”. صفقات أسلحة إيرانية وتركية مقابل موارد (ذهب، قمح). السيطرة على البنوك والموانئ لتأمين تمويل مستدام. التجنيد الأيديولوجي: استخدام خطاب "الدفاع عن الإسلام" لتعبئة الشباب. استغلال المدارس الدينية كمعسكرات للتعبئة ("البنيان المرصوص"). شراء الولاءات عبر رواتب تفوق دخل الموظف الحكومي. المحور الثاني: تشريح المليشيات الإسلاموية شبكة المليشيات ليست مجرد وحدات عسكرية، بل أدوات لتدمير المجتمع وإعادة صياغته: المليشيا القيادة الدعم الخارجي الدور التخريبي فيلق البراء بن مالك علي كرتي إيران/تركيا ضربات بالطائرات المسيّرة ضد المدنيين كتائب العمل الخاص أحمد هارون تجار سلاح محليين تطهير عرقي في دارفور/كردفان أسود العرين نافع علي نافع قطر قمع المظاهرات في الخرطوم لواء النخبة غندور خبراء أوكرانيون اغتيالات سياسية وتفجيرات
التقنيات الحديثة- طائرات مسيّرة إيرانية (شاهد-136) تستهدف المدنيين. حرب إلكترونية: اختراق حسابات النشطاء وتجميل صورة المليشيات إعلامياً.
المحور الثالث: المشروع الجيوسياسي الإسلاموي
الحرب ليست محلية فقط، بل أداة لإعادة تموضع الإسلاميين في الإقليم.
تحالفات خطرة -إيران: مقابل موطئ قدم في البحر الأحمر. تركيا: تدريب “البراء” على حرب المدن. أطراف مناوئة للغرب: تحويل السودان إلى منصة تصدير للفوضى في تشاد وإثيوبيا. تفكيك الدولة: إفراغ مؤسسات الصحة والتعليم، وملء الفراغ بخدمات تابعة للمليشيات لضمان الولاء. إحياء الدولة العميقة عبر تحالف قادة المليشيات مع بيروقراطية الدولة. سيناريوهات المستقبل -أسود: صوملة السودان بحرب أهلية لا تنتهي. رمادي: تقسيم السودان إلى كيانات (شمال إسلامي/جنوب علماني). أبيض (ضعيف): انتفاضة شعبية مدعومة إقليمياً تعيد بناء الدولة وتجرد الإسلاميين من السلاح. الحرب كاستراتيجية بقاء الإسلاميون لا يقاتلون من أجل النصر العسكري، بل من أجل النجاة السياسية. يدمرون أي أفق لبناء دولة مدنية بدعوى “محاربة العلمانية”. يحوّلون الجيش إلى واجهة زائفة تخفي سلطة المليشيات. يمددون الفوضى لتظل مصدرًا للثراء والهيمنة. السودان اليوم ساحة لصراع مشروعين: مشروع إسلاموي يرى الدولة غنيمة والسلطة حقاً دينياً. مشروع مدني يسعى لإنقاذ فكرة السودان كوطن. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يمكن تفكيك شبكة المليشيات الإسلاموية دون تدخل دولي جريء؟ الإجابة القاسية: لا. فقد تحوّلوا إلى دولة داخل الدولة. ومع ذلك، يذكّرنا التاريخ أن الطوطم يسقط عندما تنكشف أكاذيبه ويكتشف الناس أنه ليس إلا قناعاً للقهر.
08-19-2025, 04:49 AM
صديق مهدى على صديق مهدى على
تاريخ التسجيل: 10-09-2009
مجموع المشاركات: 11389
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة