أصدر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قراراً يقضي بإخضاع جميع القوات المساندة التي تعمل مع الجيش وتحمل السلاح لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتعديلاته، على أن تكون تحت إمرة القادة العسكريين في المناطق المختلفة. القرار، الذي دخل حيز التنفيذ في 16 أغسطس 2025، قُدم باعتباره خطوة لترسيخ حكم القانون وتعزيز مبدأ وحدة القيادة والسيطرة. لكن هذا القرار يطرح أسئلة كبرى تتجاوز نصوص القانون إلى عقلية إدارة المؤسسة العسكرية نفسها. من زاوية أولى، يمكن النظر إليه كخطوة في اتجاه "المهنية العسكرية"، عبر محاولة إخضاع كل من يحمل السلاح لتراتبية الجيش وقوانينه. وهي استجابة لمطلب وطني طالما دعا إلى إنهاء ظاهرة الجيوش الموازية والقوات غير المنضبطة التي أنتجتها الحرب. لكن من زاوية أخرى، يعكس القرار أيضاً نزعة "الهيمنة" التي طبعت علاقة الجيش بالسلطة منذ عقود. فبدلاً من أن تكون العملية جزءاً من رؤية إصلاح أمني شاملة متفق عليها سياسياً جاء القرار بقرار فردي من القائد العام، ما يجعله أقرب إلى إعادة إنتاج مركزية القوة بيد القيادة العليا للجيش. التجربة السودانية علمتنا أن القوانين العسكرية وحدها لا تبني جيشاً مهنياً، بل تحتاج لإرادة سياسية جماعية، وعقد وطني جديد يعيد تعريف العلاقة بين القوات النظامية والمجتمع المدني. فالخوف أن يتحول القرار إلى مجرد إعادة "صبغ" مليشيات سابقة بالزي العسكري، دون معالجة جذور المشكلة: الولاءات المتعددة، الانتهاكات، وانعدام العقيدة العسكرية الوطنية الجامعة.
*البرهان أراد أن يرسل رسالة بالانضباط والسيطرة. لكن التحدي الحقيقي يظل في: هل الجيش السوداني قادر على الانتقال من عقلية الهيمنة والسيطرة إلى عقلية المهنية والالتزام بالعقد الديمقراطي الجديد؟
08-17-2025, 11:23 PM
صديق مهدى على صديق مهدى على
تاريخ التسجيل: 10-09-2009
مجموع المشاركات: 11389
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة