Quote: مفهوم المبادئ فوق الدستورية صورة Yek Dem Yek Demمارس 6, 2025
المحامي محمد ملا*
فكرة “المبادئ فوق الدستورية” ليست جديدة وإن كانت تسميتها حديثة وقد سميت (فوق دستورية) للتركيز على أهميتها الجوهرية في بناء هيكل الدستور، لقد سبقت إلى المبادئ فوق الدستورية دول ديمقراطية بقرون عدة تمتد إلى الميثاق العظيم للحريات في إنكلترا (وثيقة الماكنا كارتا) التي تم سنها في عام 1215، وكانت أول ميثاق للحدّ من سلطة الملك، ووثائق حقوق الإنسان التي أصبحت في صلب أغلب دساتير العالم كإعلان حقوق الإنسان، ووثيقة الحقوق في دستور الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1791، والتي سعت لضمان الحريات المدنية وغيرها من المواثيق.
تعريف المبادئ فوق الدستورية: هي مجموعة من القواعد والأحكام، يتم رفعها إلى مرتبة أعلى من مرتبة الأحكام الدستورية نفسها، فتكون مطلقة ثابتة سامية، محصّنة ضد الإلغاء والفسخ والتعديل، عند تعديل الدستور، أو تغييره، أو حتى تعطيله، وتصبح فوق الدستور وحدّاً عليه، ولا تجوز مخالفتها بمواد دستورية أخرى، وتكون المحكمة الدستورية ملزمة بمراعاتها وتطبيقها، حتى لو لم تكن متضّمنة في الدستور.
وهي مبادئ يتم التوافق عليها مسبقاً، وقبل المباشرة في كتابة الدستور، من قبل جميع القوى والمكونات المجتمعية الموجودة، دون استثناء.
مضمون هذه المبادئ عموماً هو: الحريات العامة، والكرامة الإنسانية، والحريات العامة، حقوق الإنسان الأساسية، وعدم التمييز بين المواطنين، والتي يكتسبها الإنسان لمجرد كونه إنساناً، وقد أصبحت حقوقاً عالمية، وواجبة الاحترام والتطبيق بعد تبنيها من قبل الأمم المتحدة، وتضمينها في «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الصادر عن المنظمة الأممية، في عام ١٩٤٨م ، ثم في العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ١٩٦٦م، وكثيراً ما أصبحت تضاف إلى الدساتير الوطنية، ولهذا السبب وضعت في مقام سام غير قابل للإلغاء والتغيير، وليس لأنها مستمدة من القانون الدولي أو مرتبطة بالمبادئ الملزمة، فالمبادئ فوق الدستورية تقطع الطريق على عودة التطرف والديكتاتورية من خلال اللعبة الديمقراطية (نظرية تحصين الديمقراطية)، وهذه المبادئ ليست شرطاً لازماً أن تتم بنص داخل الدستور، ويرجع ذلك لسبب بسيط هو كما يعلم الجميع أن الدستور يمكن أن يكون عرفياً أي غير مكتوب. لقد دلت تجربة جنوب أفريقيا أيضاً ان المبدأ الدستوري يمكن أن يكون في وثيقة منفصلة، وأيضاً قد شهدنا دولاً عدة في العالم وذات أنظمة مستقرة بدون وثيقة دستورية مكتوبة وأوضح مثال انجلترا، ومن أشهرها أيضاً المبادئ فوق الدستورية الواردة بالدستور التركي والتي كرست علمانية الدولة التركية وفي عدة دول أخرى.
فلا بّد إذن من قطع الطريق على احتمالات من هذا النوع، عبر التوافق على مبادئ فوق الدستورية غير قابلة للتجاوز أو التعديل، تضمن الحقوق والحريات العامة والأساسية للجميع، وأهمية الحديث حول هذه المبادئ المحصنة يكمن في عدم التلاعب بالدستور في التغيير والتعديل والتعطيل، وتبقى هذه المبادئ ثابتة راسخة لضمان حقوق جميع المكونات وعدم التمييز وتثبيت حقوق الانسان ضد أي انتهاك يحدث ضمن أية سلطة كانت.
———
* المصدر: صفحة اتحاد المحامين الكورد.
———–
* جريدة “الوحـدة” – العدد /347/ – 1 آذار 2025م – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي).
في تاريخنا السياسي تم التعدي على المبادئ فوق الدستورية في الحقبة البرلمانية التي أعقبت ثورة أكتوبر 1964، وكان ذلك عندما تم تعديل المادة 5 / 2 وعلى ذلك تم حظر الحزب الشيوعي السوداني وتم طرد نوابه المنتخبين في البرلمان.
المادة 5 / 2 تنص على أن "لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون".
أنقل من كتاب "الأخوان الجمهوريون" هؤلاء هم الأخوان المسلمون الجزء الثاني قصة حل الحزب الشيوعي السوداني: حل الحزب الشيوعي والجمعية التأسيسية
في جلسة الجمعية التأسيسية بتاريخ 15/11/1965 قدم اقتراح من ستة من النواب هم: الطيب جدّو، عبدالرحمن أحمد عديل، عبدالقادر أوكير، مضوي محمد أحمد، محمد كرار كجر، ومحمد يوسف محمد بتكليف الحكومة بالتقدم بمشروع قانون حل الحزب الشيوعي. وقد عقّب السيد رئيس الجمعية على الإقتراح بقوله: (وحسب علمي فإن هذا الإقتراح الذي نحن بصدده اقتراح دستوري وأود أن أؤكد بأنه في حالة عمل الحكومة بهذا الإقتراح فإنه من الممكن اللجوء الى الهيئة القضائية فإذا رات أنه غير دستوري فسوف يصبح الإقتراح لاغيا)!! وتحدّث في تلك الجلسة الدكتور حسن الترابي مؤيدا الإقتراح بقوله (يحلو للشيوعيين أن يفسروا الظواهر بأنها مؤامرات حتى ولو كان أحدهم جالسا تحت شجرة وبال عليه الطير لقال أن الأمريكان وراء ذلك الطير)!! ونحن نعتذر للقاريء عن إيراد هذا التعبير النابي، الذي اردنا بإثباته هنا على زعيم الأخوان المسلمين أن ندّلل على مبلغ ما عند هذا التنظيم من أدب الدين!! فهذا التعبير يرد من دكتور في القانون، وزعيم لقبيل يدّعي العمل في مجال الدعوة الإسلامية، أمام جمعية تأسيسية منوط بها أمر التشريع، ووضع الدستور!! ومضى الترابي يقول: (اننا لا نطالب بحل الحزب الشيوعي لأن طالبا قد قال ما قال وصحيح أنه أشعل تلك العاطفة الجامحة ولكن الناس قد خرجوا على اختلاف ميولهم الحزبية كأفراد وموظفين ومثلما خرجوا في الحادي والعشرين من أكتوبر)!! أنظر كيف يقارن الدكتور الترابي خروج الناس في ثورة أكتوبر بخروج الأنصار والأخوان المسلمين والمضللين في مظاهرات حل الحزب الشيوعي!! وفاز الإقتراح، بالطبع!! فالمؤامرة كان قد أعد لها المسرح، تماما!! وفي جلسة الجمعية التأسيسية بتاريخ 22/11/1965 قدّم مشروع قانون التعديل.. ونصه: (تعدّل المادة 5 من دستور السودان المؤقت (المعدّل سنة 1964) على الوجه التالي: يضاف الحكم الشرطي الآتي في آخر البند (2) من المادة 5: - (على أنه لا يجوز لأي شخص أن يروّج أو يسعى لترويج الشيوعية سواء كانت محلية أو دولية أو يروّج أو يسعى لترويج الإلحاد أو عدم الإعتقاد في الأديان السماوية أو يعمل أو يسعى للعمل عن طريق استعمال القوة أو الإرهاب أو بأي وسيلة غير مشروعة لقلب نظام الحكم) يضاف البند الجديد الآتي بعد البند (2) من المادة 5: ("3" كل منظمة تنطوي أهدافها أو وسائلها على مخالفة الحكم الشرطي الوارد في ذيل الفقرة (2) تعتبر منظمة غير مشروعة وللجمعية التأسيسية أن تصدر أي تشريع تراه لازما لتنفيذ أحكام ذلك النص) وفي جلسة الجمعية التأسيسية رقم 34 بتاريخ 8/12/1965 أجيز مشروع قانون التعديل بالأغلبية.. وكان ممّن عارضه في تلك الجلسة السيد كمال الدين عباس الذي قال: (إن هذا التعديل الذي يقضي بطرد النوّاب إنما هو طعنة نجلاء للنظام الديمقراطي فالدساتير لم تقم لحماية الأغلبية من الأقلية وإنما قامت وتقوم لحماية الأقلية من تغوّل الأغلبية) وقال (إن دوائر الخريجين قد أقيمت لكي تمكن فئة من أبناء هذا الشعب من الإشتراك في تمثيل إرادة الشعب وهذه الفئة تمتاز بالثقافة على بقية قطاعات الشعب وهم أصحاب العقل المستنير والرؤوس المفكرة..) وفي جلسة للجمعية التأسيسية بتاريخ 16/12/1965 قدّم الدكتور الترابي اقتراحا يقول (أرجو أن اقترح انه من رأي هذه الجمعية أن: 1- تقرّر أنه بحكم الدستور والقانون قد سقطت العضوية من السادة: حسن الطاهر زروق، عزالدين علي عامر، محمد ابراهيم نقد، عمر مصطفى المكي، الرشيد نايل، عبدالرحمن عبدالرحيم الوسيلة، الطاهر عبدالباسط، جوزيف قرنق. 2- وان تكلّف رئيسها بحفظ النظام في الجلسات بابعاد أولئك الأفراد.) ورفعت الجلسة، وقد اتخذ قرار اسقاط عضوية النواب الشيوعيين الثمانية من الجمعية التأسيسية!!
الأزمة الدستورية
ورفع النواب الشيوعيون المبعدون قضية دستورية لدى المحكمة العليا ضد تعديل الدستور، وكل ما ترتب عليه من آثار... فحكمت تلك المحكمة بعدم دستورية ذلك التعديل. وقد جاء في قرار المحكمة (مجلة الأحكام القضائية 1968 صفحة 10) ما يلي: جوزيف قرنق وآخرون ضد مجلس السيادة وآخرين م ع/ت م/93 /1965 يقول السيد صلاح الدين حسن قاضي المحكمة العليا: (فإذا قبلنا زعم محامي المدّعي عليه بامكان تعديل هذا الدستور المؤقت بدون أي قيود، كما تعدّل القوانين العادية، فإن ذلك ينتهك النظرية الأساسية للدساتير المكتوبة باعتبارها قوانين عليا وأساسية، كما يقول البند (3). كما أن ذلك الزعم ينتهك الضوابط والضمانات للحقوق الأساسية. هذا بالإضافة الى أننا سنحصل على نتائج غريبة جدا. فمثلا وحسب نص البند (55) فإن 2/5 أعضاء الجمعية التأسيسية يشكلون النصاب القانوني، وهذا يعني 93 عضوا فقط. وهكذا، فيمكن لأغلبية النصاب القانوني والتي قد تكون 98 عضو فقط أن تمحو الفصل الثاني تماما، وهو الفصل المتعلّق بالحقوق الأساسية، كما يمكنها أن تزيل الهيئة القضائية. وهكذا فإن هذه الفكرة تهدم أساس الدساتير المكتوبة). هكذا كان رأي المحكمة العليا... غير أن السيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء، آنذاك، أعلن: (إن الحكومة غير ملزمة بأن تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية) – الرأي العام يوم 13/1/1967. وهكذا تعرّض القضاء السوداني على يدي الصادق المهدي لما لم يتعرّض له، حتى في عهد الإستعمار من تحقير – وذلك بإعتبار أحكامه أحكاما تقريرية غير ملزمة التنفيذ. ونشأت بذلك الأزمة الدستورية، وأصدر الدكتور الترابي كتابه (أضواء على المشكلة الدستورية) في الدفاع عن قرار الجمعية التأسيسية. وقد صدر، في الرد عليه، كتاب (زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان: (1) الثقافة الغربية (2) الإسلام) للأستاذ محمود محمد طه وقد جاء فيه، تحت عنوان (عقلية الترابي) صفحة 8: (ومفتاح عقلية الدكتور الترابي ومفتاح ثقافته، في هذا الباب، يمكن أن يلتمس في فقرات كثيرات من كتابه هذا الغريب، ولكننا نرشح هنا لهذا الغرض قوله من صفحة 16 ((وليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه للتفريق بين نص ونص على أساس أن هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل، ولا ما يسند الزعم بأن لفصل الحقوق الأساسية خاصية تميزه في هذا الصدد عن سائر الفصول، فكلها تستوي في قوة مفعولها، وأيما قانوني تعلل بمجرد الأهمية النسبية لهذا الفصل أو ذاك في تقديره الشخصي، فإنما هو متكلف لا شاهد له من الدستور، ومغالط لا حجة له من القانون، ومعتبط يتجنى على القانون. ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور لكان فصل الحريات من أضعفها لأنه يخضع للتشريع)) ) وجاء في الرد على هذه العبارات من كتاب الأستاذ محمود صفحة 13، وصفحة 14 ما يلي: (وإنما قام نظام الحكم الديمقراطي ليجعل كل هذه الحقوق الأساسية مكفولة، والدستور الذي هو لازمة من لوازم الحكم الديمقراطي: هو القانون الأساسي، وهو إنما سمي قانونا أساسيا لأنه ينصص على هذه الحقوق الأساسية، وإنما سميت الهيئة التي تضع الدستور جمعية تأسيسية لأنها تضع القانون الأساسي، وواضح أن الحقوق الأساسية إنما سميت حقوقا أساسية لأنها تولد مع الإنسان .. الحياة والحرية، هي حقوق لأنها لا تمنح ولا تسلب في شرعة العدل .. وهي أساسية لأنها كالغذاء وكالهواء والماء .. ويمكن إذن أن يقال أن الدستور هو (حق حرية الرأي) وأن كل مواد الدستور الأخرى، بل وكل مواد القانون، موجودة في هذه العبارة الموجزة كما توجد الشجرة في البذرة) ويمضي الأستاذ محمود ليقول (ولو كان الدكتور الترابي قد نفذ إلى لباب الثقافة الغربية لعلم أن المادة 5 (2) من دستور السودان المؤقت غير قابلة للتعديل . وهذه المادة تقول "لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون" وهي غير قابلة للتعديل لأنها هي جرثومة الدستور، التي إنما يكون عليها التفريع .. وهي الدستور، فإذا عدلت تعديلا يمكن من قيام تشريعات تصادر حرية التعبير عن الرأي فان الدستور قد تقوض تقوضا تاما .. ولا يستقيم بعد ذلك الحديث عن الحكم الديمقراطي إلا على أساس الديمقراطية المزيفة .. وهي ما يبدو أن الدكتور الترابي قد تورط في تضليلها). . وجاء في صفحة 27 من كتاب الأستاذ محمود (الشيوعية مذهبية زائفة في جوهرها، ولكن لها بريقاً خلاباً - وهي لا تحارب إلا بالفكر الإسلامي الواعي - وهو في السودان موجود . ولكن حل الحزب الشيوعي يحرم الفكر الإسلامي الواعي من فرصة مواجهة الشيوعية لتخليص الناس من شرورها . و الشيوعية تشكل خطراً على البلاد ويزيد من خطر الشيوعية وجود الطائفية .. والحق أن الخطر الماثل على البلاد إنما هو من الطائفية، ومحاربة الشيوعية بهذه الصورة الزرية يصرف الناس عن خطر ماثل إلى خطر بعيد . فلمحاربة الشيوعية حاربوا الطائفية. و تزييف الطائفية للدين قد أيأس شبابنا من الدين، وجعلهم يلتمسون حلول مشاكل بلادهم في مذهبيات أخرى، وعلى رأسها الشيوعية، فالطائفية مسئولة مسئولية غير مباشرة، ولكنها مسئولية فعالة، عن نشر الشيوعية، والترابي وقبيله سمحوا لأنفسهم أن يكونوا ذيلاً للطائفية، فهم يحاربون الشيوعية باللسان وينشرونها بالفعل. إن مثلهم مع الشيوعية، ومع هذه البلاد، مثل الصديق الجاهل، الذي يريد أن ينفع فيضر) وهكذا كانت معارضتنا لحل الحزب الشيوعي، لا دفاعا عن الشيوعية بقدر ما كان دفاعا عن الديمقراطية حتى لا يقع عليها التزييف باسم حماية العقيدة الدينية، مما له أبلغ الضرر بالتربية السياسية لهذا الشعب. وقد بينا رأينا في الماركسية في العديد من كتبنا ومنشوراتنا وأحاديثنا... من حيث الأخطاء الأساسية في النظرية، وما القته من ظلال على التطبيق ... ككتاب (الماركسية في الميزان) وكتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) وكتاب (مشكلة الشرق الأوسط) وكتاب (التحدي الذي يواجه العرب)...
08-15-2025, 09:10 AM
Yasir Elsharif Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 51775
وقد لاحظت وعجبت لما سمعته من أن الحزب الشيوعي السوداني يرى إرجاء موضوع "المبادئ فوق الدستورية" إلى أن يبت فيها المؤتمر الدستوري. جاء ذلك في بيان الحزب الشيوعي السوداني بتاريخ 3 أبريل 2025 هنا في الفقرات باللون الأحمر:
Quote: الحزب الشيوعي السوداني المكتب السياسي حول ميثاق الحكومة الموازية والتعديلات الدستورية لحكومة الامرالواقع؛
ظلت الازمة السودانية تتجدد وتتواصل علي الرغم من الثورات المشهودة بعد الاستقلال، وظلت جهود الثوار وتضحياتهم تذهب هدرا، بعد ثورة أكتوبر 1964، انتفاضة أبريل 1985، وثورة ديسمبر 2019. تكررت في هذه الثورات والانتفاضات ظاهرة اختطاف ثورات الشعب السوداني، لصالح القوي التي استلمت السلطة بعد خروج المستعمر من بلادنا، واصبحت بحكم الواقع بديلاً ووكيلاً مخلصاً لقوى الاستعمار العالمي والاقليمي بعد رحيلها من بلادنا عبر التقاطعات بين مصالحها التاريخية مع قوى الاستعمار. وفي سبيل الحفاظ علي هذه المصالح الضيقة والتي لا تمت باي صلة لمصالح شعب السودان. لعبت هذه القوى أدواراً تاريخية في استخدام المؤسسة العسكرية في الانقلاب على حكومات الفترات الديمقراطية قصيرة الاجل، لقطع الطريق أمام أي بصيص أمل لاحتمال التحول الديمقراطي للوصول الي الحكم المدني الديمقراطي. ووصف الزميل الراحل محمد إبراهيم نقد هذه الظاهرة بـ(الحلقة الشريرة). وهي ما زالت تتكرر إلى يومنا هذا من خلال هذه الحلقة. سعت قوى وطنية معروفة في تكوين تحالفات تستند على رؤية مشتركة للتصدي للقضايا التي تواجهها كثير من الدول التي تعاني من إرث الاستعمار والمعروفة بدول التحرر الوطني.
كشفت تطورات الوضع في السودان ان القوى الإقليمية والدولية، لا تزال تصر على الهيمنة على موارد بلادنا، واستغلال الظرف الجيوسياسي لبلادنا بالاستعانة بقوي داخلية تسعي للمحافظة على امتيازاتها التاريخية، أو تلك التي توفرت لها من خلال اختطاف ثورة ديسمبر المجيدة.
ليس أمرا جديداً، أو غير مألوف أن تسعى أي قوى سياسية، حركات مسلحة، منظمات مجتمع مدني، أو أي كيانات سودانية؛ الى تقديم المبادرات والأفكار المتنوعة بهدف معالجة هذه الأزمة السودانية الممتدة منذ فجر الاستقلال حتى وراء ذلك التاريخ. هناك نماذج لهذه المبادرات من بينها التجمع الوطني الديمقراطي، قوى الإجماع الوطني، قوى التغيير الجذري. هذه المبادرات كلها اتفقت على أن هذه المحاولات والمواثيق هي اجتهادات من هذه القوى، يتم طرحها للجماهير لمناقشتها للوصول إلى رأي جماهيري بشأنها.
المخالف لهذه الرؤية أن طرفي الحرب في مجموعة بورتسودان وفي نيروبي يسعيان الى فرض الوصاية على شعب السودان، وكلاهما يفتقران إلى أي شرعية دستورية. لقد أوضح حزبنا سابقا أن الحرب الجارية في السودان وإطالة امدها إلى مايقارب العامين من قبل الإسلاميين والدعم السريع بهدف السلطة والثروة والتمكين للمحاور الدولية والإقليمية التي تسلح طرفي الحرب، سوف تؤدي إلى مزيد من التفكك للبلاد بعد انفصال الجنوب، ويستمر نذر التقسيم التفكك بما حدث الأحد 22 فبراير من توقيع على ميثاق تأسيس حكومة موازية بين الدعم السريع والحركة الشعبية شمال، إضافة إلى قوى سياسية مسلحة و أهلية، وتضمن الميثاق أهدافاً ومبادئ منها إيقاف الحرب وإيصال المساعدات والعلمانية الخ..
ما يثير التساؤل هو التوقيع على ميثاق لتأسيس حكومة مع مليشيا الدعم السريع وهي المتورطة منذ تأسيسها، مدعومة من النظام البائد، في جرائم إبادة جماعية وتهجير قسري ونهب وسلب واغتصاب في دارفور منذ العام 2003، والقمع الوحشي للمواكب السلمية كما حدث في هبة سبتمبر و مجزرة فض الاعتصام، وانقلاب 25 أكتوبر الذي قاد إلى الحرب اللعينة الجارية والتي ارتكبت فيها جرائم حرب خلاف ارتباطها بالمحاور مثل الإمارات التي تنهب ثروات الوطن، مما يقود إلى انفجار الوضع وتقسيم البلاد.
في المبادئ العامة في الميثاق، أن الدولة السودانية تقوم على مبدأ الوحدة الطوعية شعوبها واقاليمها، مايضمن التعايش السلمي، وفي حالة عدم اقرار العلمانية في الدستور، يحق لجميع الشعوب السودانية ممارسة حق تقرير المصير، أي الانفصال. ويلاحظ في أكثر من موقع في الميثاق الحديث عن الوحدة الطوعية و العلمانية دون إتاحة مساحة للتفاوض والنقاش حول المفهوم والتوصل إلى توافق عبر مؤتمر دستوري يحول دون انفصال اي جزء من الوطن.
ويلاحظ التناقض بين البند 14 والبند 20 من الميثاق، ففي البند 14: " يؤسس جيش وطني جديد وموحد ومهني وقومي.." الخ.. في حين ورد في البند 20: " الاقرار بحق الحركات المسلحة في الاستمرار في الكفاح المسلح كوسيلة من الوسائل المشروعة للمقاومة والنضال من أجل التغيير لبناء السودان الجديد." !
وفي الجانب الأخر، تسعى حكومة الأمر الواقع في بورتسودان إلى شرعنة وجودها باستغلال الوثيقة الدستورية المعيبة والتي تم تقويضها بالانقلاب عليها في الـ 25 من أكتوبر 2021 وإعلان تعديلها بحذف مواد وإدخال موادا جديدة وتعديل ثالثة.
يتضح من التعديلات مدى التشبث بالسلطة وتكريس حكم الفرد وبقبضة حديدية أقوى من ماكانت عليه تحت الحكم الثلاثيني المباد، وذلك بالعودة إلى الدولة الدينية وجعل مصادر التشريع الشريعة الاسلامية والأديان الأخرى والتقاليد، وإسقاط جريمة إشعال الحرب وتدمير الوطن والجرائم ضد الإنسانية والعودة لبدعة ابعاد المجلس التشريعي (صوت الشعب) واستبداله بمجلسي السيادة والوزراء بخدعة (إلى حين تكوينه) كما حدث إبان الفترة الانتقالية!. إضافة إلى جعل مجلس السيادة رأساً للدولة ورمزاً لسيادتها رغما عن تكوينه الذي يطغى عليه منسوبو القوات المسلحة والحركات المسلحة، دون ذكر حلاً للمليشيات أو تنفيذاً للترتيبات الأمنية.. DDR. وفي غياب المجلس التشريعي، يتم تعيين وإعفاء رئيس الوزراء وتعيين الوزراء وقائد الشرطة وحكام الأقاليم ورئيس القضاء ونوابه، وتعيين وإعفاء القائد العام للقوات المسلحة (بعد توصية هيئة وقيادة القوات المسلحة) كذلك إعلان حالة الطوارئ رغم العبارات الملتوية. وجعل إعلان الحرب بمشاركة القوات المسلحة رغم التواء العبارات.
خلاصة الأمر، بعد قراءة التعديلات على الوثيقة الدستورية المزعومة، يثضح استغلال فلول النظام البائد لظروف الحرب التي أشعلوها عمداً لوأد الثورة والعودة إلى نظامهم المباد، وأحكام قبضتهم على السلطة بصورة أشد شراسة ووحشية.
ان تكوين حكومة موازية أو إجراء حكومة الأمر الواقع لتعديلات دستورية أو غيرها؛ سوف يقود ذلك إلى مزيد من التوترات تحت ظل تصاعد الحرب بين الإسلامويين في الجيش ومليشيا الدعم السريع التي تسيطر على معظم إقليم دارفور، الشئ الذي سوف يعجل بانفصال دارفور واستطالة الحرب. مما يتطلب الإسراع بالتصعيد الجماهيري وتكوين الجبهة الجماهيرية القاعدية العريضة لحماية وحدة الوطن وخروج العسكر ومليشيا الدعم السريع من السياسة والاقتصاد، وعدم الإفلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم حرب وضد الإنسانية... واستكمال أهداف ثورة ديسمبر المجيدة وتعزيز السلام والحكم المدني الديموقراطي واستدامة التداول السلمي للسلطة.
المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني 3 ابريل 2025م.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة