|
Re: ما كتبه الوليد مادبو بعد قضية التجريح في أ (Re: زهير ابو الزهراء)
|
المقال الذي بسببه رفعت القضية ضد الوليد مادبو
د. الوليد علي مادبو يكتب: قرناص: عار الدولة ولذّة الطاعة
دكتور الوليد آدم مادبو يكتب: رجل الدولة: كسر المرايا ووزر الخطايا د. الوليد علي مادبو يكتب: قرناص: عار الدولة ولذّة الطاعة
إهداء: إلى كل امرأة سُلب صوتها باسم التقاليد، وسُلب جسدها باسم الدولة، ثم قيل لها: هذا هو “القدر”… هذا النص لكِ، لنكسر الصمت، ونمنح اللغة أنيابًا.
في سيرة سعادة السفيرة، لا شيء يُترك للصدفة. كل شيء محسوب، مُرَقَّم، وموقَّع عليه بأختام رسمية. هي امرأة، نعم، لكن الأصح أنها ملف مُصنّف تحت بند “الاستخدام المؤقت”. تنقّلت بين زيجات لرجال من رتب عليا: سفير، ثم وكيل، ثم وزير. لا يُقال إنهم تزوّجوها، بل تداولوا عليها كما تُتداول الملفات في مكاتب السيادة. ما حدث لها لم يكن حبًا، ولا حتى رغبة خالصة، بل إجراء إداري يتم بمرسوم داخلي لا يُنشر في الجريدة الرسمية.
هي ليست “قرناص” الاسم، بل “قرناص” الوظيفة. جسدها ليس جسدًا فرديًا، بل مسرحًا لعرض طويل عن هيمنة الدولة على أكثر مناطق الحياة خصوصية: الحب، الشوق، الرغبة. زيجاتها ليست قصصًا رومانسية، بل محطات في مسيرة رجل الدولة، حيث يُكافأ بالأنثى كما يُكافأ بالسيارة الحكومية. المرأة هنا ليست شريكة بل “امتياز”.
الزواج في هذا السياق ليس عهدًا، بل مكرمة. والطلاق ليس فشلًا، بل نقل إلى موقع أعلى.
كل علاقة بقرناص كانت بمثابة “توسيم”، تُمنح لمن أثبت طاعته للدولة وأجهزتها. قرناص، بهذا المعنى، ليست امرأة تُحب وتُغدر وتُنسى. بل مرآة ترى الدولة فيها نفسها، وترى فيها فسادها في أجلى صوره. جسدها يُخبرنا بما لا تكتبه الصحف: أن الحب في دولة كيزانية خاضع للرقابة، وأن الرغبة لا تُمارس إلا ضمن المسموح به سياسيًا.
فلماذا لا يغار الرجال؟ لأنهم ليسوا عشّاقًا، بل وكلاء. يغار العاشق حين يشعر أن محبوبته تُهدّد فردانيته، أما الوكيل فلا يغار لأنه لا يملك شيئًا. كل منهم يسلّم المرأة كما يُسلّم عهدة حكومية. لا يَسأل عن مشاعرها، بل عن “الجهة التالية التي ستتسلّمها”. ولذلك تصبح قرناص ضحية دون أن يُسعفها أحد، لأن لا أحد يراها كامرأة، بل كأداة في آلة طاعة كبرى.
ما بين أنوثتها وسلطتهم مسافة تُقاس بالرتب. كلما ارتفع منصب الرجل، ازداد تعامله مع جسدها كأرض يجب “إدارتها”، لا مشاركتها. كل لمسة تُشبه إصدار قرار. كل قبلة تُشبه توقيعًا بالأزرق الداكن. الجسد ليس منطقة حرة، بل وزارة قائمة بذاتها، لها موظفون وسجلات وتواريخ استلام وتسليم.
وهنا، في هذا التواطؤ الجماعي، تلعب الدولة لعبتها القذرة. تُفرغ الجسد من لذته، ثم تُعيد تعبئته بلذة الطاعة. قرناص لا تتأوّه من الحب، بل من اختناق. كل شهوة تُترجم كأمر عمليات، وكل نشوة تُسجَّل كنجاح إداري.
لماذا تهتم الدولة بجسد امرأة؟ لأنها تعرف أن السيطرة الكاملة لا تكتمل إلا حين تُخضع كل شيء — بما في ذلك الرغبة. الجسد الأنثوي ليس مجرد كائن بيولوجي، بل خريطة للسيطرة. فإذا امتلكتَ جسد المرأة، فقد امتلكت المجتمع من الداخل، من أضعف حلقاته وأكثرها حساسية.
في سيرة قرناص تتجلّى دولة لا تكتفي بمراقبة السوق والجامعات والمساجد، بل تدخل السرير، وتُعيد ترتيب الأجساد بما يتناسب مع تراتبيتها. كل من يلمسها، يعتقد أنه “ارتقى”، وكل من يفارقها، يشعر أنه “أُعفي”. هي وحدها تدفع الثمن، لكنها لا تُبدي ألماً، بل صمتًا مُهذبًا كصمت المكاتب الحكومية.
وهنا، يبرز سؤال جوهري: هل قرناص ضحية؟ أم أنها، بوعي أو بدونه، اختارت أن تلعب الدور المطلوب منها في مسرحية الطاعة؟ الجواب معقّد. فهي ليست امرأة ساذجة، ولا آلة صمّاء. بل هي انعكاس عميق لمنظومة تعيد تعريف المرأة ضمن شروط الذكورة السلطوية: امرأة تُعطى لا لأنها مرغوبة، بل لأنها تُصلح أن تكون “وسيلة ترفيع”.
نساء كثيرات من تلك الشاكلة. لسن أسماء، بل رموز. يملأن الشقق الرسمية، يُشاركن في الولائم، يضحكن أمام الكاميرات، ويَبكين في الحمامات. يُلبسن الحجاب كأنه تصريح مرور، ويَسكتن كأن في أفواههن “تعميم سري”. لسن نساءً عاديات، بل شهودًا صامتين على عصر اختلط فيه العار بالعرف، والطاعة بالحب، والدولة بالجسد.
والدولة، في النهاية، لا تعاقب على الفساد فقط، بل تُعاقب على الحب أيضًا. من يحبّ خارج نظامها، يُعاقب كمن سرق من ماليتها. فالرغبة الحرة، في عرف الكيزان، شكل من أشكال التمرّد.
ختاماً، في بلادٍ تتواطأ فيها السلطة واللغة على إخضاع المرأة، تصبح “زيجات قرناص” أخطر من المعارك، وأبلغ من المراسيم. فهي تسرد، بلا صوت، قصة وطنٍ يُدار من تحت الطاولة، حيث لا قانون إلا الهوى السلطوي، ولا أنوثة إلا بمقدار ما تُرضي “الأجهزة”. لكن التاريخ لا يُكتب بالأوامر، بل بالجرح المفتوح. وقرناص — بكل ما تحمله من صمت ودمع ودهشة — هي بداية هذا الجرح.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ما كتبه الوليد مادبو بعد قضية التجريح في أ (Re: بدر الدين الأمير)
|
عندما كتبت هذا البوست، كنت أسعى للحوار الفكري بيننا، أخي ود الأمير، في قضيتنا المسكوت عنها. لكنني اليوم أدرك أن الحوار وحده لم يعد كافيًا، وأن منطق الاستسلام والفهم السطحي لا يرقى إلى حجم الجراح التي نعانيها ولا إلى وحشية النظام الذي يغتصب حاضرنا ويُهدر مستقبلنا. مانيفستو تمرد الوعي أم القبر؟ في قلب هذا الجحيم السياسي والاجتماعي الذي نعيش فيه، يتجلى التشريح الفلسفي والواقعي لعقلية المثقف السوداني، التي تحولت إلى مفارقة متناقضة، نصفها في اللاوعي ونصفها الآخر في غيبوبة الاختيار. هنا حيث يستعر الصراع بين: وعي بالواقع المرير، وخوف من مواجهة الحقيقة، ورغبة جامحة في التمويه خلف الأقنعة الثقافية.
الجسد الأنثوي- ميدان معركة السلطة واستعباد الروح الجسد الأنثوي في بلادنا ليس حكاية عن امرأة بقدر ما هو سرد عن موت الأمة وهو يتسلل عبر الحميمية، إذ تحولت الأنثى إلى "رسم بياني" سياسي يُدار مثل وزارة، تُعطى وتُسلب كامتيازات بيروقراطية، لا كإنسان يملك كرامته وحريته. هذا التشويه الجسدي والروحي هو انعكاس مريع لعقلية السلطة التي تمارس القهر من خلال أسوأ أشكال الهيمنة، متجاوزة كل القيم الإنسانية لتفصل الجسد عن الذات والأنثى عن إنسانيتها، محولة إياها إلى مجرد أداة طيعة لخدمة رجالات "الدولة". المثقف السوداني- بين التواطؤ والتمرد الكاذب أنت، يا مثقف السودان، أصبحت قطعة من لعبة استبدادية تكتيكية. عقلك – في أحسن حالاته – متحف للعبارات الفضفاضة التي تتردد في الأروقة الأكاديمية، لكنها بلا تأثير ميداني. وفي أسوأ حالاته، أداة طيعة تسرّب المعلومات للنظام، تزيّن له وجه القبح، وتُلهي الجماهير بجدليات لا تنقذ. أنت تتحدث عن الحرية والكرامة، وأنت تسكت عن النساء اللاتي يُشحنّ كالسلع، عن الفساد الذي ينهش جسد الوطن، وعن الدم الذي يُسكب في الشوارع بلا حساب. لغتك مسكونة بالمهادنة والرياء، تغطي على واقع قاتم من الخضوع والخيانة. فلسفة القوة والهيمنة- دروس من فوكو وهيغل المثقف الذي لا يفهم أن "السلطة معرفة"، كما قال فوكو، هو مثقف ضائع. السلطة لا تُمارس فقط من خلال القوة الجسدية، بل من خلال التحكم في الخطاب، في الجسد، وفي الرغبات. لذا فإن جسد المرأة السودانية ليس فقط "جسدًا" بل هو موقع نزاع استراتيجي لصراع أعمق على السيادة والحرية. هيغل علمنا أن التاريخ هو صراع الوعي بالذات، وأن التحرر الحقيقي لا يأتي إلا عبر مواجهة "الآخر" الظالم. لكن المثقف السوداني ما زال يهرب من "الصراع" ويتخذ مواقف مترددة، رافضًا أن يكون فاعلاً ثوريًا يُعيد تشكيل الوعي الجماعي، مقدمًا حوارات هامشية، بينما الوطن يحترق. التمرد الصادم- لغة الجرح والانتفاضة حين يُسكّت صوت الأنثى، يُسكّت صوت الوطن. حين يُقتل الحب، يُقتل المستقبل. تمرد المثقف يجب أن يكون خارج القوالب اللغوية المكررة، تمردًا صادمًا يعيد الاعتبار للغضب كوقود للتغيير. *ليس المطلوب أن نكون مجرد ناقلين للآلام، بل أن نكون صناع أزمات في النظام القائم، نعري التواطؤ، ونفجر صمت الرعب. يجب أن نعيد الكلمة من قبورها، ونزرع الفوضى الإبداعية التي تقتلع جذور الفساد والجمود. المأزق الوجودي- إما الثورة أو الموت البطيء المثقف السوداني اليوم بين مطرقة الاستلاب الفكري وسندان الخضوع الاجتماعي. إما أن يُعيد بناء وعي الجماهير ويقود تمردًا ثقافيًا حقيقيًا، أو يصبح شاهد زور على مأساة لم يُحرك ساكنًا. التمرد ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية. حرب على العقل والروح، على الجسد والذاكرة، على الحب والحرية. في السودان، إما أن نثور بكل عناويننا، أو نموت بصمت نفايات التاريخ.
حقيقة هذا هو موعد الوعي أو القبر، وللمثقف الاختيار. واليك هذا القصيد من وحي المقال------
في قُرى الوجعِ نامَ الصَّوْتُ والسَّفَرُ والنَّارُ في القلبِ لكنْ يَنخَرُ الحَذَرُ
"يا أيُّها المُثقَفُ" السُّودانُ يسألُكم أينَ الثَّوَابِتُ في سِفْرٍ لها قَدَرُ؟
هل الجسدُ الأنثويُّ الآنَ في بَلَدي صَفْحٌ يُدارُ كَـ"وزارةٍ" لها سَهَرُ؟
تُباعُ كالسلعةِ الرَّخيصةِ في سوقٍ وتُسْتَبَاحُ كَـ"كِرْسِيٍّ" لهُ خَطَرُ؟
يا أيُّها الشَّاعِرُ المَخذولُ في لُغَةٍ هل النِّساءُ على الجُدرانِ تُحْتَضَرُ؟
أينَ التَّمَرُّدُ في عَيْنٍ رَأَتْ دَمَنَا يَسِيلُ في الشَّارعِ الدَّامي ويَنْقَهِرُ؟
أينَ الفَخارُ الذي كُنَّا نُردِّدُهُ أينَ القَصَائِدُ أمْ قد سَكَنَها القَبْرُ؟
تتكلَّمُونَ عنِ الحُرِّيَّةِ في قُصَرٍ والوطنُ يَلْبَسُ ثوبَ الذُّلِّ ويَنكَمِشُ!
تتكلَّمُونَ عن الكرامةِ في حُلُمٍ و "الوَطنُ" يُقْتَلُ في مَيدانٍ لهُ شَهَرُ!
يا أيُّها القلمُ المسجونُ في أَمَلٍ قَبْلَ النِّضَالِ، قَدْ سُلِبَ الوَطَنْ!
قد أَيُّهَا السُّودانُ، يا أَرضَ مَآتِمِنَا قد غادرَ الجَّرحُ أصحاباً فهل يَنْتَصِرُ؟
يا سُّودانُ يا صُوتَنا الغَائِبَ هل أنتَ تَنْتَظِرُ الثُّوَارَ، أمِ الثُّوَارُ هُمْ في انتظارك !
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ما كتبه الوليد مادبو بعد قضية التجريح في أ (Re: زهير ابو الزهراء)
|
بعيداً عن من هم كرتي وقرناص ودفع الله الحاج وكونه كيزان فاسدين وكدة من الاسطوانات..
لكن الوليد ىدم مادبو عاوز يعمل فيها شهيـد كلمة وعاوز يصنع من نفسه اديب وشاعر حوكم سياسياً.. ودا ما صحيح .. بل في هذا المقال يحاكم زيو وزي او واحد من كتبة جريدة الدار بتاع ولاد البلال الطيب فاصلن فحوى مقاله لا يختلف عن خطها التحريري لولا فخامة اللغة وتقعر الالفاظ..
ويجي زهير يقول ليك فوكو وهيغل وما ادري ايش من هيــك خرابيط مثقفاتية المساء الغارق في نص
| |

|
|
|
|
|
|
Re: ما كتبه الوليد مادبو بعد قضية التجريح في أ (Re: HAIDER ALZAIN)
|
أعود لسجال ابراهيم ابرسي فيما قلت واليكم مقاله
إبراهيم برسي 11/08/2025
“اكتب يا هيبا، فمن يكتب لن يموت أبدًا.” هكذا يبدأ الهمس في أذن الراهب الحائر بين جدران ديره، وهكذا يبدأ أيضًا صراع كل كاتب يواجه سلطةٍ تحاول أن تحيله إلى صمت أبدي. في زمن هيبا، كانت جدران الكنيسة تزن الكلمة بميزان العقيدة. في زمننا، تتبدّل الجدران: قد تكون قاعة محكمة، أو شاشة إعلامية، أو ملفًا قضائيًا يُطوى فيه العمر على هامش تهمة.
اليوم، يواجه الدكتور الوليد مادبو حملة شعواء تسعى لمحاكمة نصوصه الكاشفة، وهي لا تحاكمه هو، بل تحاكم إمكانية أن توجد الحقيقة خارج أسوارهم البائسة. كما قال نيتشه: “ كل حقيقة هي جيش من الاستعارات”، والاستعارة التي تنفلت من يد السلطة تتحول إلى تمرّد لا يمكن ضبطه.
فوكو، في تتبعه لمسارات السلطة، كان يدرك أن أخطر ما يهدد نظامًا ما ليس السلاح ولا العصيان المسلح، بل النص الذي يخلخل يقيناته، النص الذي يفضح اللغة التي تتخفّى بها السلطة وهي تعيد تشكيل الجسد والضمير على مقاسها. النص هنا ليس حبرًا على ورق أو شاشة هاتف، بل جسد متمرد، والكاتب ليس شخصًا، بل ساحة مفتوحة للصراع بكل أنواعه.
قرأتُ مقالات مادبو التي تضمنتها "ثلاثية قرناص" كما لو كنتُ أطالع فصلًا مفقودًا من عزازيل. هناك، كان هيبا الراهب يدوّن يومياته في مواجهة مؤسسة تحاصره، لا خوفًا من زلة لسان، بل من أن تتحول كلماته إلى نبوءة بالحرية. كانت الكنيسة تحاكم الجسد الذي أحب، والفكر الذي تجرأ على النظر خارج المألوف، بالمنطق ذاته الذي تحاكم به سلطة اليوم الوليد مادبو، أو بالأحرى سلطة الأمر الواقع في بورتسودان- تحويل السؤال إلى تهمة، وجعل الحق في السرد جريمة مكتملة الأركان.
في عزازيل، كان هيبا ممزقًا بين لذّة الجسد وسوط العقيدة، بين حنينه إلى مريم وسقف الدير الذي يضيق كلما تنفست الحرية. وفي مقالة مادبو، بدت قرناص – لا كاسم، بل كأيقونة – تمثل الوجه الآخر لتلك السلطة التي أراد هيبا أن يتحرر منها: سلطة تجعل الأنوثة أداةً للتزيين السياسي، وتحيل الحب إلى وظيفة، وتحول الجمال إلى قسم العلاقات العامة للدولة، ومن ثم تُوزَّع كهبات وهدايا مغلفة في أوراق أنيقة تحمل عبارات وجملًا دينية.
لكن في سياق السودان، لهذا الوجه الآخر اسم وعنوان: الجبهة الإسلامية القومية. الجماعة التي زعمت أنها جاءت “لتطهّر” المجتمع، بينما كانت تزرع في جسده سرطان القمع والفساد. التي سنّت قوانين النظام العام لتجلد النساء في الأسواق، ومنحت الامتيازات لمن اختارتهم كواجهة “متدينة” لترويج مشروعها المزعوم. هي نفسها التي أرهبت الصحفيين والمفكرين، ومنعت الكتب، وأغلقت المنابر، ثم ابتسمت أمام الكاميرات وهي توزع صكوك الغفران السياسي.
السفيرة التي ترفع اليوم دعوى ضد الكاتب – والدعوى التي رفعها النظام باسمها – تكرر خطى أولئك الذين جرّوا محجوب شريف إلى المعتقل، وطاردوا حميد والدوش وغيرهم، ووضعوا أسماء الكتّاب على قوائم الممنوعين من السفر. ليست القضية فردية، بل امتداد لزمن كانت فيه الكلمة جريمة تستدعي العقاب.
فوكو كان سيقرأ ما حدث للوليد مادبو كتجسيد للسياسة الحيوية: كيف تدير السلطة حياة الأفراد وأجسادهم وسردياتهم، وكيف تجعل القانون أداة لإعادة إنتاج الطاعة. ويوسف زيدان كان سيرى في هذا الاستدعاء صدى لمحاكم التفتيش: المطلوب ليس إقناع المفكر بخطئه، بل إرغامه على قبول تعريف السلطة للصواب.
إنهم لا يحاكمون مادبو لأنه أساء لشخص – وهو لم يفعل – بل لأنه جرّد خطابهم من قماشه الرثّ، وواجههم بلغة لا يمكن وضعها في محاضر الاتهام دون أن يعترفوا بأنهم الطرف الآخر في الرواية في ذلك، يضع الكاتب نفسه، عن وعي، في المسافة الحرجة التي وقف فيها هيبا: بين رغبة الاعتراف وخوفه، بين حق الجسد في أن يكون شاهدًا وحق الروح في أن تكون حرة. ما فعله مادبو ليس هجومًا شخصيًا، بل مراوغة على طريقة الكبار: انزلاق بالكرة إلى قلب الشبكة التي تحرسها السلطة، لتكتشف متأخرة أن الملعب لم يكن لها أصلًا. ولهذا، فإن محاكمهم، مهما علت جدرانها، ستظل عاجزة عن محاكمة النص الذي خرج من سلطة اللحظة ودخل أرشيف الضمير.
التاريخ لا يحفظ أسماء القضاة ولا لوائح الاتهام، بل أسماء الذين قاوموا قبح السلطة بالكلمة. ستزول الجبهة الإسلامية كما زال كل طغيان، لكن وقائعها ستظل شاهدًا على سؤال بسيط: كيف تصنع سلطة عدوها من الشعراء والكتّاب؟ وحين تُفتح دفاتر المحاكم الحقيقية، لن يُسأل مادبو عمّا كتب، بل ستُسأل الجبهة عمّا فعلت، وحينها لن ينفعها وشاح دبلوماسي ولا بيان تبرير.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ما كتبه الوليد مادبو بعد قضية التجريح في أ (Re: زهير ابو الزهراء)
|
ردّ على إبراهيم أبرسي
لم تكن معركتي قطُّ مع من ينتسبونَ إلى فكرةٍ أو طيفٍ سياسيٍّ بعينه، بل مع تلك المنظومةِ المريضةِ التي تُحوّلُ جسدَ الإنسانِ، لا سيما جسدَ المرأة، إلى مجردِ رايةٍ تُرفعُ في حروبِ الهويّةِ، أو سلعةٍ تُباعُ في سوقِ السياسة. وسواءٌ تزينتْ هذه المنظومةُ بقدسيةِ الشريعةِ أو ادَّعتْ زيفَ الحداثة، فهي عندي سيان. إن علّتي لا تنبعُ من صراعٍ مع تيارٍ أو جماعة، بل من هذا الهيكلِ الاجتماعيِّ المترهلِ الذي منحَ هؤلاءِ وغيرَهم فرصةَ استعبادِ العقولِ والأجسادِ. وهذا الهيكلُ هو ما يستحقُّ أن يُقتلعَ من أساسِه؛ فهو الذي كرّسَ سلطةَ النظامِ الأبويِّ، الذي يُقيّمُ المرأةَ بعفافٍ مُراقبٍ أو بجمالٍ مُؤدلَج، وأشبعَ الخطابَ الدينيَّ بالجمودِ، ليُشرعنَ تفاوتًا مصطنعًا بين البشرِ وبثَّ في عروقِ المجتمعِ أخلاقًا ذكوريةً لا ترى في المرأةِ سوى أداةٍ للزينةِ أو رمزٍ للشرفِ. ليس هدفنا أن نُبدِلَ طاغيةً بآخرَ، فالمبدأُ واحدٌ ما دامت الآليةُ هي ذاتها: قمعُ الأصواتِ، واحتكارُ الحقيقة، وقسرُ الهوياتِ على قالبٍ واحدٍ. فمن يخشى الكلمةَ ويسجنُها، سواءٌ كان درعهُ اسمَ الله أو رداءَ التنوير، فهو عدوٌّ لروحِ الحرية. إن معركتَنا الحقيقيةَ ليست في إصلاحِ قشورِ السلطةِ، بل في إعادةِ نحتِ العقدِ الاجتماعيِّ من جديد؛ عقدٍ يقومُ على دولةٍ مدنيةٍ متسامحةٍ، لا تُعلي من شأنِ دينٍ أو عرقٍ أو تُسلّمُ زمامَها لذكوريةٍ متسلطة وعلى مواطنةٍ قانونيةٍ تُحرّرُ الفردَ من عبءِ هويتِه الثقافيةِ أو انتماءاته الدينيةِ، وعلى اقتصادٍ منتجٍ يُفَكّكُ أواصرَ التحالفاتِ المُحكمةَ بين قوى الريعِ، من عسكرٍ، ورجالِ دين، ورأسِ مال. بالنسبةِ لي، لم تكن الكتابةُ يومًا ترفًا فكريًا، بل هي معولي الذي أهدمُ به سقفَ هذا الواقعِ الخانقِ. وأؤمنُ أن أيَّ مشروعٍ يرتكزُ على ذكوريةٍ متحجرةٍ، في السلطةِ كانَ أم في المعارضة، محتومٌ عليه الفشلُ أمامَ هذا الوعيِ الذي يتشكّلُ فينا.
إلى إبراهيم أبرسي والوليد مادبو
إن ما بيننا ليس خلافًا على التفاصيل، بل على البوصلة ذاتها؛ أنتم ترون الصراع من نافذة التاريخ السياسي وتبدّل القوى، أما أنا فأراه من تحت جلد البنية التي تصنع تلك القوى وتعيد إنتاجها، مهما تبدّلت الأسماء واللافتات. أقدّر دفاعكم عن الكلمة الحرة، لكن الكلمة عندي ليست فقط مقاومة لسلطة قائمة، بل مقاومة لشرطٍ اجتماعي وثقافي يجعل تلك السلطة ممكنة أصلًا. وحين نواجه السلطة دون أن نفكّك هذا الشرط، فإننا نُبقي الباب مفتوحًا لعودة القمع بثوبٍ جديد. إن أي مشروع — إسلاميًا كان أو حداثيًا — إذا لم يبدأ من تفكيك البنية الذكورية والوصاية على الجسد والعقل، فهو مشروع أعور، يرى نصف الحرية ويغفل نصفها الآخر. الحرية ليست معركة شعارات، بل إعادة صياغة العلاقة بين الفرد والجماعة، بين الجسد واللغة، بين الهوية والمواطنة. وأقولها بوضوح: لا أبحث عن بطولة في مواجهة تيار بعينه، بل عن اقتلاع الجذر الذي يسقي كل طغيان، سواء رفع المصحف أو الكتاب المقدس للحداثة. أما النهايات، فقد حسمها التاريخ من قبل: كل منظومة لا تحترم الجسد والعقل مصيرها الاندثار، مهما تلونت أو تجملت. زهير عثمان
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: ما كتبه الوليد مادبو بعد قضية التجريح في أ (Re: بدر الدين الأمير)
|
التحيات الطيبات استاذ زهير و الاخوة المتداخلين مع المحبة و مالو فوق برضو على كلام ود الامير الامير انقل ما كتبه الاستاذ خالد
Quote: حين يتوارى مادبّو خلف ستار النقد الأدبي هاربًا من وطأة القانون
في عالم الكتابة الصحفية، يظلُّ الفارق بين النقد المسؤول والهجوم الشخصي حدًّا فاصلاً يميِّز الكاتب الملتزم عن صاحب القلم المنفلت؛ فالنقد المسؤول يستند إلى وقائع موثَّقة وتحليلٍ موضوعي، بينما ينحدر الهجوم الشخصي إلى مساحة التشهير والتجريح مهما حاول صاحبه أن يكسوه بلبوسٍ أدبي أو فلسفي.
انطلاقًا من هذا المبدأ، يأتي الحديث عن المقالة الأخيرة للدكتور الوليد مادبّو في موقع الراكوبة بتاريخ 11 أغسطس 2025، التي لجأ فيها إلى ما يشبه الهروب إلى الأمام في مواجهة دعوى التشهير التي رفعتها عليه في دولة قطر السفيرة أميرة قرناص؛ إذْ استعصم الدكتور بأسلوبٍ أدبي واستشهادٍ فلسفي لتحويل القضية من نزاعٍ قانوني محدَّد إلى معركةٍ فكرية مفتوحة يختبئ فيها خلف أقوال الأدباء والفلاسفة ونبرة المثقَّف المتمرّد، ربما من باب التوهُّم أن هذا الغطاء سيتيح له الإفلات من تبعات القانون، وتخفيف وطأة الإحراج الاجتماعي الذي جرَّه على نفسه برعونة.
الأزمة في مقالة مادبّو ليست في موقفه فحسب، بل في منهجيته، أو بالأحرى في غيابها؛ فقد أجهض مقالته بالتمادي في مهاوي الشخصنة الفجَّة والمغالطات، التي تنمُّ عن ضعف تقدير المآلات؛ إذْ افتقر نصُّه إلى الحسّ القانوني الذي يُفترَض أن يتحلَّى به أيّ كاتبٍ في ظلّ دعوى قضائية قائمة، فضلاً عن أنه أكاديميٌّ وخبيرٌ في الحوكمة. هذا الغياب المريع للحسّ القانوني صادمٌ، لأنه صادرٌ عن رجلٍ ظلَّ يحمل أحلامًا كبيرة في قيادة حكومة وطنه، وها هو ذا يفشل في إدارة معركته الإعلامية بأدنى درجات الحذر والانضباط المطلوبين في العمل العام. فبدلاً من الاكتفاء بمواجهة الدعوى في ساحتها القانونية، وهو المسار الطبيعي لمثل هذه القضايا، آثر الدكتور إعادتها إلى ساحة الصحافة، مُمعِنًا في المكابرة، ومحاولاً تغليف مقالته بثوبٍ فلسفي منمَّق، وكأنَّه يظنُّ أن استدعاء مرجعٍ أدبي يجعل من نصِّه نظريةً يُحتذى بها، أو دليلاً معتمدًا في المحاكم.
جاء توظيف الدكتور الأدب ليضيف طبقةً أخرى من المراوغة؛ إذْ حاول أن يُضفي على مقالته طابعًا فكريًا ذا بعدٍ نظري، بينما هو في الحقيقة نصٌ جدليّ مبنيّ على أسلوبٍ مُلتبِس يخلط بين النقد العام والتجريح الشخصي، ويغلّف الأغراض السياسية بطلاءٍ ثقافي. لا يمنح هذا الاستغلال الانتقائي للأدب والفلسفة المقال شرعيةً، بل يضع صاحبه أمام مأزقٍ قانوني لتجاوزه النقد إلى التشهير، ومأزقٍ أكاديمي لإخلاله بالمنهجية والموضوعية. وهنا يبرز الخلل الجوهري في إدراكه للفصل بين الإبداع الأدبي وبين المسؤولية القانونية؛ فالفلسفة والأدب قد يفتحان آفاقًا فكرية، لكنهما لا يمنحان حصانةً من القانون، ولا يحميان صاحب النصِّ إذا تجاوز النقد إلى التجريح.
أما المأزق الأكاديمي، فيتمثَّل في افتقار الدكتور مادبّو إلى الرصانة العلمية، التي يُفترَض أن يتحلَّى بها الأكاديمي، إذْ راهن على خطابٍ مبهمٍ يُخفي خلفه مآرب سياسية، مُستسهلاً بناء فرضيته على حالةٍ فردية معزولة، ليخرج بنتيجةٍ كان من المفترض أن يكون محلُّها البحوث العلمية المُحكَّمة، لا المقالات الصحفية العابرة؛ فالأكاديمي الرصين لا يتهوَّر في إصدار أحكامٍ عامة بهذه الخِفَّة من منبرٍ صحفي، لأن المنابر الصحفية بطبيعتها آنية، انفعالية، ومفتوحة على التأويلات، وليست ساحةً لتقرير نتائج علمية أو اجتماعية حاسمة. وقد عمَّم الدكتور هذه النتيجة بلا سندٍ بحثي، في مخالفةٍ صريحة لقواعد البحث الاجتماعي، التي تقوم على عيناتٍ ممثّلة ودراساتٍ مُحكَّمة، لا على حُجَّةٍ قائمةٍ على استثناء. يبعث هذا السلوك التعميمي المُخِلّ من الدكتور على القلق، ولا يُسْتَبعد أن يثير لدى بعضهم الشكوك بشأن مدى التزامه بنزاهة البحث العلمي، وخاصةً إذا بدا أنه لا يتورَّع عن استخدام وسائل تُمكِّنه من الوصول إلى نتائج تثبت فرضياته. ولا يخفى أن آفة البحث العلمي الكبرى هي الغرض.
قد يكون هذا النوع من الاستدلال الانتقائي مألوفًا في المقالات الدعائية أو الخطابات السياسية، لكنه لا يليق بخبير حوكمةٍ، بل يُعَدُّ إخفاقًا مهنيًا وأخلاقيًا؛ فالمسؤول الأكاديمي، قبل السياسي، مُطالبٌ بأن يلتزم بالتحقُّق، والدقَّة، والمصادر الموثوقة، وألا يبني سرديَّاته على هوى الخصومة، أو انفعال اللحظة.
ولعلَّ ما يغيب عن الدكتور مادبّو، أو يتغافل عنه، أنه يريد أن يُحْكَم على مقالته وفقًا لمقاصده الأدبية وحدها، متجاهلاً أن النصوص المنشورة، بمجرَّد أن ترى النور، تصبح ملكًا للتأويل العام، ويُقَاس أثرها بما يفهمه الجمهور، لا بما يختزنه الكاتب في نيَّته الخاصة. وهذا مبدأ أساسي في الفضاء العام؛ فالنصُّ لا يعيش في عقل مؤلِّفه فحسب، بل في عقول قرائه، وما يُفهَم منه هو الذي يحدِّد أثره الاجتماعي والسياسي، سواء اتفق الكاتب مع ذلك التأويل أو لم يتفق. فإذا فهِم الجمهور من نصِّه أنه إساءةٌ شخصية، فإن القانون سيتعامل معه على هذا الأساس، ولن تنفعه حينها الاستشهادات بسقراط أو نيتشه أو غيرهما.
وهكذا يتضح أن الفارق بين زولا ومادبّو ليس في الموضوع فحسب، بل في المبدأ والمنهج. كتب زولا لفضح ظلمٍ مؤسَّسي، بينما كتب مادبو ليصفِّي حسابًا سياسيًا، ثم حاول أن يُلْحِقه بجدلٍ وطني وفلسفي. واجه زولا السلطة بقوُّة الحقّ، بينما واجه مادبّو فردًا بسلطة القلم المنفلت من ضوابط المسؤولية. وما فعله مادبّو لا يضرُّ خصمه فحسب، بل يُسيء إلى صورته هو أولاً بوصفه في عداد المثقَّفين والأكاديميين الطامحين إلى القيادة، فالقائد الذي لا يَزِن كلماته في معركةٍ شخصية، لن يكون أقدر على ضبط قراراته في معركةٍ وطنية.
خالد محمد أحمد 12 أغسطس 2025 |
مودتى و تقديرى
| |

|
|
|
|
|
|
|