مع استمرار الحرب الداخلية في السودان، يتشكل واقعان متوازيان على الأرض: مناطق تخضع لسيطرة الجيش وتعمل وفق سلطة مركزية، ومناطق أخرى تخضع لسلطات أمر واقع من مليشيات أو حركات مسلحة، حيث يتباين مستوى الأمن والخدمات والاقتصاد بشكل واضح. سلطة مركزية مقابل سلطات أمر واقع في مناطق سيطرة الجيش، القرار السياسي أكثر انضباطًا ويصدر من قيادة واحدة، مما يمنحها إطارًا إداريًا موحدًا، حتى وإن كان يخضع لاعتبارات عسكرية أكثر من كونه مدنيًا. في المقابل، المناطق الخارجة عن هذه السيطرة موزعة بين فصائل متعددة، كل منها يفرض قوانينه وأجندته، ما يخلق بيئة سياسية متشظية تفتقر إلى رؤية وطنية جامعة. الأمن.. نسبي لكنه هش الأمن في مناطق الجيش نسبيًا أفضل في المراكز الحضرية، لكن تفرض الحواجز ونقاط التفتيش قيودًا على الحركة والتجارة. أما خارج هذه السيطرة، فيتراوح الوضع بين هدوء نسبي في بعض القرى والمناطق القبلية، وفوضى مسلحة في مناطق أخرى تشهد صراعات بين الفصائل أو نشاطات إجرامية منظمة. اقتصادان في بلد واحد الاقتصاد في مناطق الجيش يعمل تحت رقابة مشددة، مع استمرار تداول العملة المحلية، وإن كان يعاني من التضخم وتقلبات السوق. بالمقابل، الاقتصاد في مناطق خارج سيطرته يعتمد بشكل أكبر على العملات الأجنبية أو نظام المقايضة، بينما يشكل التهريب والتجارة الموازية شريان الحياة الأساسي.
الخدمات.. المدن الكبرى أفضل حالًا الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه والكهرباء لا تزال تعمل جزئيًا في المدن الخاضعة للجيش، رغم الانقطاعات المتكررة ونقص الموارد. أما في مناطق النزاع النشط، فالمستشفيات شبه غائبة والتعليم معطل، ولا يبقى أمام السكان سوى الاعتماد على منظمات الإغاثة وحلول بديلة مثل المولدات والآبار.
مستقبل غامض الفجوة بين هذه المناطق تعمق الانقسام الداخلي وتؤسس لواقع مزدوج قد يصعب تجاوزه حتى بعد توقف الحرب. فالاختلاف في أنماط الحكم، ومستوى الأمن، وطبيعة الاقتصاد، والبنية الخدمية، كلها عوامل قد تكرس الانقسام إذا لم تُعالج عبر تسوية شاملة وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس موحدة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة