لم يكن صباح التاسع عشر من يوليو الماضي يومًا عاديًا في بورتسودان، فالملياردير السوداني المعروف أشرف سيد أحمد الكاردينال، مالك فندق مارينا (كورال سابقًا)، استُدعي على عجل إلى جهة أمنية للتحقيق. السبب المعلن: متأخرات فواتير إقامة ضباط ونزلاء من الجيش السوداني في فندقه، والتي بلغت نحو 4 ملايين دولار. لكنّ ما جرى خلف الأبواب المغلقة كشف عن أن القضية أعمق وأكبر بكثير من مجرد فواتير فندقية.
صفقة المليارات الثلاثية
وثائق ومصادر مطلعة أكدت أن جوهر الصراع يدور حول مبلغ ضخم يصل إلى 220 مليون دولار، يمثل الجزء المتبقي من اتفاق ثلاثي الأطراف بين: 1. وزارة المالية السودانية 2. حكومة جنوب السودان 3. أشرف الكاردينال
القصة بدأت حين نفذ الكاردينال أعمالًا لصالح حكومة جنوب السودان ترتب عليها استحقاق مالي قدره 270 مليون دولار، وبما أن جوبا لديها عائدات نفطية مودعة لدى وزارة المالية السودانية، تم التوصل إلى اتفاق يقضي بأن تسدد الخرطوم المبلغ مباشرة للكاردينال.
50 مليون وصلت… والباقي في مهب الريح
بعد أشهر من الانتظار، حصل الكاردينال على 50 مليون دولار فقط، فيما ظل المبلغ المتبقي (220 مليون دولار) معلقًا بلا تفسير رسمي، ولا قدرة للكاردينال على العودة للمطالبة به من حكومة جوبا، التزامًا بالاتفاقية الموقعة.
خيوط قديمة بين جوبا والخرطوم
علاقة الكاردينال بحكومة جنوب السودان لم تولد اليوم، بل تعود إلى سنوات ما بعد استقلال جوبا في 2011، حين برز رجل الأعمال السوداني كأحد أبرز المستثمرين والموردين في مشاريع البنية التحتية واللوجستيات هناك. خلال تلك الفترة، أدار الكاردينال شبكة من المشاريع المرتبطة بتأمين إمدادات النفط ونقل المعدات، ما جعله شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا لحكومة الجنوب، وفي الوقت نفسه، لاعبًا له حضور قوي في الخرطوم بفضل علاقاته الواسعة مع شخصيات نافذة في المؤسسة العسكرية والدوائر السياسية. لكن هذه العلاقة المزدوجة، التي أتاحت له العمل في شطري السودان، أصبحت لاحقًا مصدر توتر، فملف أموال صفقة الـ 270 مليون دولار لم يعد مجرد مستحقات تجارية، بل تحوّل إلى عقدة سياسية واقتصادية معقدة؛ إذ يتقاطع فيه نفط الجنوب بأموال مودعة في وزارة المالية السودانية، مع نفوذ الجيش ورجال المال في الخرطوم. ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن بعض الأطراف داخل الخرطوم ترى أن هذا المبلغ يمثل ورقة ضغط، فيما يعتقد آخرون أنه استحقاق واجب السداد وفق اتفاق ملزم، لكنهم يخشون أن يؤدي دفعه إلى إضعاف موقف الحكومة في مفاوضات مالية وسياسية حساسة مع جوبا.
تقاطعات المال والسياسة
الصفقة الضخمة، التي تبدو في ظاهرها نزاعًا ماليًا، تفتح أبواب الأسئلة حول النفوذ الاقتصادي والسياسي بين الخرطوم وجوبا، ودور كبار رجال الأعمال في شبكات المصالح العابرة للحدود. هل يعكس احتجاز الكاردينال لساعات مجرد خلاف مالي، أم أن هناك ضغوطًا سياسية خلف الكواليس لطي هذا الملف؟ وما الذي يدفع الجيش السوداني للتصعيد في قضية بهذا الحجم وفي هذا التوقيت؟
صمت رسمي وأسئلة معلقة
حتى اللحظة، لا وزارة المالية ولا قيادة الجيش قدمت رواية رسمية. لكن المؤكد أن الصراع دخل مرحلة جديدة، خاصة بعد أن خرج إلى العلن، وأصبح الرأي العام يتساءل: هل يحصل الكاردينال على أمواله؟ أم أن المبلغ الضخم سيبقى ورقة مساومة في لعبة النفوذ السياسي والاقتصادي في السودان؟؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة