الكبتاغون: أفيون جديد في معركة السودان على الوعي في زمن تحترق فيه الخرطوم بنيران صراع عسكري لا يرحم، وتُهدم أحلام شبابها الثائر على وقع طلقات المدافع، ظهرت قصة أخرى لا تقل خطورة: قصة الكبتاغون. لم يعد الصراع في السودان مجرد حرب على الأرض والسلطة، بل تحوّل إلى معركة أشد ضراوة على الوعي، وعلى مستقبل جيل كامل. إنها قصة نظام عسكري، ورث السلطة من ثورة سلمية، يرى في شبابها قوة هائلة تهدد وجوده، فيلجأ إلى أسلحة جديدة أكثر قذارة من الرصاص. من ثورة سلمية إلى حرب مدمرة: صناعة المخدرات كأداة إلهاء بعد ثورة ديسمبر المجيدة، التي أسقطت حكم البشير، أدركت النخب العسكرية أن السيطرة على السلطة لا تقتصر على قمع المظاهرات. بل تكمن في تفكيك الوعي الثوري الذي يجمع الشباب حول مطالب الحرية والعدالة. إن أي نظام عسكري، يخشى بطبيعته من أي حراك شبابي منظم، لأن هذا الحراك يمثل قوة تغيير حقيقية تهدد هيمنته. لذا، حين اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، لم تكن مجرد صراع تقليدي بل كانت فرصة للنظام لإعادة تشكيل المشهد، ليس بالسلاح وحده، بل بأسلحة أخرى تخدم أهدافًا سياسية عميقة.
لقد كشف اكتشاف مصنع الكبتاغون في منطقة "الجِيلي" شمال الخرطوم عن وجه آخر لهذه الحرب. المصنع، الذي قادر على إنتاج آلاف الأقراص في الساعة لم يكن مجرد صدفة أو مشروع تجاري عشوائي. بل هو جزء من شبكة إقليمية منظمة تسعى إلى تحويل السودان إلى أرض خصبة لصناعة وتجارة المخدرات، تمامًا كما حدث في سوريا.
الكبتاغون: السلاح المثالي لإفراغ الثورة من محتواها يمكن قراءة انتشار الكبتاغون في السودان من زاوية سياسية بحتة. فبينما يتم استخدام هذه الحبوب لـ "تخدير" المقاتلين ورفع قدرتهم على التحمل في المعارك، فإن تأثيرها الأعمق يمتد إلى المجتمع السوداني الأوسع. الكبتاغون وغيره من المخدرات، يمثل أداة قوية لإلهاء الشباب وإخراجهم من دائرة الفعل السياسي.
الهدف ليس فقط تخدير المقاتلين، بل تخدير الوعي الثوري نفسه.
بينما كان شباب السودان يملؤون الشوارع بالهتافات واللافتات، مطالبين بدولة مدنية، فإن أي تحوّل لهم نحو الإدمان والمخدرات يعني القضاء على المحرك الرئيسي للثورة. إن النظام العسكري، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يستفيد من وجود حالة من الفوضى المجتمعية، يغرق فيها الشباب في مشاكل شخصية واجتماعية، بدلًا من التركيز على قضاياهم الوطنية الكبرى. \ إن هذا يشبه زرع قنبلة موقوتة في جسد المجتمع، هدفها تدمير القدرة على المقاومة والتحليل والنقد.
من دمشق إلى الخرطوم: خارطة الفساد العسكري إن وجود روابط قوية بين مصنع الكبتاغون المكتشف في السودان والشبكات الإجرامية السورية، التي كانت تحت حماية النظام السابق هناك، يعزز هذا التحليل. بعد انهيار صناعة المخدرات في سوريا إثر سقوط نظام الأسد، تبحث هذه الشبكات عن ملاذات جديدة. وتجد في السودان، الذي تحكمه حالة من الفوضى العسكرية، بيئة مثالية للعمل.
هذه الشبكات الإجرامية لا تعمل بمعزل عن السلطة. بل تتداخل مصالحها مع مصالح الأطراف العسكرية الحاكمة، التي تستفيد من عائدات هذه التجارة غير المشروعة لتمويل حربها وتثبيت حكمها.
هل المعركة على الأرض أم في الوعي؟ لقد كشفت الحرب في السودان أن الصراع ليس مجرد حرب على الأرض، بل هو معركة أعمق على مستقبل المجتمع السوداني. اين يتحول بلد بأكمله إلى ساحة لصناعة المخدرات، فهذا يعني أننا لا نخسر فقط حاضرنا، بل نبيع مستقبل الأجيال القادمة بأقراص سريعة الذوبان.
السؤال الأصعب ليس من يقاتل من، بل كيف يمكن لجيل كامل أن ينجو بوعيه من هذا القمع المزدوج: قمع السلاح، وقمع المخدرات. إن المقاومة اليوم لم تعد مجرد مواجهة بالبنادق، بل هي معركة للحفاظ على العقل والوعي، ضد محاولات النظام لإغراقهما في مستنقع الغفلة والدمار.
08-02-2025, 04:01 AM
wedzayneb wedzayneb
تاريخ التسجيل: 03-05-2003
مجموع المشاركات: 2170
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة