Quote: سمعة الإمارات المتدهورة تهدد نفوذها الاستثماري في أوروبا فضائح الإمارات في يوليو 29, 2025
176 شارك قررت المفوضية الأوروبية فتح تحقيق رسمي ومعمّق في صفقة استحواذ شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) على عملاق الصناعات الكيميائية الألمانية “كوفيسترو”، في خطوة غير مسبوقة تحمل بين طياتها دلالات أبعد من الجوانب التجارية أو التقنية وتبرز مجددا أن سمعة الإمارات المتدهورة تهدد نفوذها الاستثماري في أوروبا.
وبينما يبلغ حجم الصفقة نحو 14.7 مليار يورو، فإن حجم العاصفة التي أثارتها يتجاوز كثيرًا هذا الرقم، ليمس جوهر علاقة الاتحاد الأوروبي بالإمارات، ويضع تساؤلات عميقة حول حدود التداخل بين المال السياسي والديناميات الصناعية في قلب القارة العجوز.
دعم غير شفاف… وقلق أوروبي صريح
التحقيق الذي أطلقته المفوضية لا يركّز على “المال” فقط، بل على مصدره، ودوافعه، والبنية التي تحكمه.
فوفق بيان رسمي من بروكسل، هناك “مخاوف جدية” من أن تكون أدنوك قد حصلت على إعانات مالية غير معلنة من الحكومة الإماراتية، عبر جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، مما يمنحها ميزة غير عادلة في منافسة الشركات الأوروبية ضمن السوق الموحدة.
الأمر لم يتوقف عند الدعم المالي. مسؤولون أوروبيون ذهبوا بعيدًا في تصريحاتهم، معتبرين الصفقة محاولة “مموّهة” للتمدد الجيوسياسي الإماراتي في قطاع صناعي حساس، يتعلّق مباشرة بأمن الطاقة والتقنيات المتقدمة وسلاسل الإمداد.
وإحدى العبارات اللافتة التي وردت على لسان عضو بلجنة المنافسة الأوروبية كانت: “نحن لا نُخضع الأموال فقط للفحص… بل الأجندات التي تقف خلفها”.
كوفيسترو ليست مجرد صفقة
شركة كوفيسترو ليست شركة عادية يمكن التعامل مع استحواذها بمنطق السوق الحر. فهي أحد أركان الصناعات الكيميائية الدقيقة في أوروبا، ومرتبطة ببرامج أبحاث حساسة في الذكاء الصناعي الأخضر والتكنولوجيا النظيفة.
كما أنها مورد مهم في قطاع الطاقة وصناعة السيارات والتجهيزات الطبية.
استحواذ أدنوك عليها يعني، بحسابات بروكسل، منح أبوظبي بوابة دخول مباشرة إلى قلب الصناعة الألمانية، مع ما يرافق ذلك من احتمالات تسريب تقنيات ومعرفة حساسة إلى كيانات غير أوروبية، وربما أمنية، دون ضمانات واضحة للحوكمة أو الاستقلالية.
أوروبا ترد بلغة القانون والسيادة
التحقيق الذي أعلنته المفوضية الأوروبية يُعد الأول من نوعه بموجب “قانون الإعانات الأجنبية” الجديد، الذي بدأ تطبيقه عام 2023 بهدف حماية السوق الموحدة من التدخلات الأجنبية غير الشفافة.
ويعكس هذا الإجراء نقلة نوعية في تعاطي الاتحاد الأوروبي مع تدفق رؤوس الأموال من دول لا تلتزم بنفس المعايير الديمقراطية أو الشفافية أو الحقوق البيئية والاجتماعية.
مارغريت فيستاغر، المفوضة الأوروبية للمنافسة، أوضحت بلهجة صارمة أن “الاتحاد لا يقبل تشويه قواعد المنافسة، وأن الدعم الخارجي لا ينبغي أن يكون بطاقة دخول لشراء أصول استراتيجية أوروبية”. تصريحها لا يهاجم الصفقة فحسب، بل يوجه رسالة شاملة لكل استثمار قادم من أنظمة تُصنف على أنها “شبه مغلقة”.
أبوظبي في مأزق الصورة والسمعة
في أبوظبي، لم يكن القلق من نتائج التحقيق محصورًا في صفقة كوفيسترو فقط، بل في ما يمكن أن تمثله من “سابقة” لتصنيف الإمارات كجهة داعمة “عدوانية” في الأسواق العالمية.
فمثل هذا التصنيف من شأنه أن يفتح الباب لإعادة فحص كل الصفقات السابقة التي تورطت فيها موانئ دبي وأدنوك ومبادلة، سواء في الموانئ أو التكنولوجيا أو الطاقة المتجددة.
وفقًا لتقارير إعلامية مسربة، قال طحنون بن زايد في جلسة مغلقة: “إذا كُسرت صفقة كوفيسترو، ستتحول الإمارات من مستثمر مرغوب إلى ممول مشبوه”. هذا التحول، إن حدث، لن يكون ماليًا فقط، بل سياسيًا واستراتيجيًا.
سجل حقوقي قاتم… وبيئة غير مواتية
من خلف الكواليس، لا يغيب عن صنّاع القرار الأوروبيين أن الإمارات – رغم براعتها في تقديم نفسها كـ”دولة حديثة” – تحمل سجلًا مظلمًا في قضايا الحريات والحقوق.
فالأوضاع الحقوقية المتدهورة، وغياب حرية التعبير، والافتقار إلى الشفافية البيئية والمالية، تُعد من العوامل التي تُضعف موقع أبوظبي كجهة استثمارية موثوقة في السوق الأوروبية.
النائب الأوروبي الألماني سفين غيغولد لخص هذا القلق بقوله: “لا يمكننا السماح لأنظمة قمعية بالسيطرة على صناعاتنا، فيما تستخدم أرباح النفط لتبييض ممارساتها”.
ما بعد كوفيسترو: المسار نحو المجهول
إذا قررت المفوضية الأوروبية – بحلول ديسمبر 2025 – عرقلة الصفقة، فإن التأثير سيكون مدويًا، ليس فقط على الإمارات، بل على مجمل السياسات الأوروبية تجاه الاستثمارات الخليجية. ستكون تلك إشارة قوية إلى أن أوروبا باتت مستعدة لوضع “خطوط حمراء” أمام المال السياسي، مهما بدا مغريًا من الخارج.
وقد تتحوّل “كوفيسترو” إلى ملف رمزي، يُعاد استخدامه كلما طرقت أبوظبي باب صفقة جديدة. فكل درهم إماراتي سيكون من الآن فصاعدًا مطالبًا بإثبات “براءته” من التوجيه السياسي، ومن مصادر التمويل غير النزيهة.
الاستثمارات لا تعني النفوذ المجاني
الدرس الذي يترسّخ من هذا المشهد هو أن السمعة باتت عملة لا تقل أهمية عن رأس المال. فمهما بلغت شهية أبوظبي للشراء والتمدد، فإن صورة الإمارات كدولة بلا شفافية، ومُتهمة بالاختراق الناعم، ستقف حائلًا أمام تحويل الأموال إلى نفوذ مستقر ومقبول.
الصفقة لم تُرفض بعد، لكن الرادار الأوروبي اشتغل. وقد تكون هذه بداية النهاية لمشروع إماراتي استثماري يقوم على شراء “ما لا يمكن أن يُكتسب بالثقة”.
فبينما كانت الإمارات تحاول دخول السوق الأوروبية من بوابة المال، خرجت من نافذة الاتهام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة