Quote: الذهب والخبز والموانئ: كيف تحوّل السودان إلى رهينة لمطامع الإمارات؟ فضائح الإمارات في يوليو 30, 2025
0 137 شارك بات السودان، البلد الشاسع الغني بالموارد، في قلب صراع جيوسياسي واقتصادي لا يرحم، يدفع شعبها ثمنه من دمه ومعيشته للتحول البلاد إلى رهينة لمطامع الإمارات.
فمنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تسارعت وتيرة التدخلات الخارجية، وعلى رأسها الإمارات التي لا تخفي طموحاتها المحمومة للهيمنة على الذهب السوداني، أراضيه الزراعية، موانئه البحرية، بل وحتى قراراته السيادية.
رغم الخطاب الإماراتي “الوسيط” والداعم للاستقرار في العلن، تظهر الحقائق على الأرض وجهًا آخر: وجه دولة تُغذّي الصراع وتستثمر فيه، وتُوظّف أدوات اقتصادية وتجارية لتحقيق أجندة توسعية على حساب دولة متهالكة في قلب إفريقيا.
أولاً: الذهب.. شريان الحرب وتمويل الدمار
يمثّل الذهب السوداني حجر الزاوية في تمويل الحرب الجارية. فوفقًا لتقديرات متقاطعة، يتم تهريب نحو 90% من إنتاج الذهب السوداني إلى خارج البلاد، وغالبيته العظمى ينتهي في الإمارات سواء عبر مطار بورتسودان، أو عبر شبكات تهريب تمتد من دارفور إلى ليبيا ومنها إلى دبي.
في عام 2022 وحده، بلغت صادرات السودان الرسمية من الذهب إلى الإمارات نحو 2.29 مليار دولار، لكن هذا لا يشمل الكميات المُهرّبة التي تُقدّر بأضعاف هذا الرقم، ما يعني أن عائدات غير شرعية تُموّل صراعات داخلية، وتُغذّي قوات مثل الدعم السريع، التي تتهمها جهات دولية بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق.
المفارقة أن الذهب المنهوب يُغسل ويُدمَج في النظام المصرفي الإماراتي عبر أدوات مالية وشركات وهمية، مما يسمح لقادة الحرب بشراء السلاح وتوسيع رقعة النفوذ على حساب المدنيين، بينما تغضّ الإمارات الطرف، أو تشارك في التسهيل.
ثانيًا: الزراعة.. سلة خبز السودان تُطعم الإمارات
في وقت يرزح فيه ملايين السودانيين تحت وطأة المجاعة والتهجير، تحصد الشركات الإماراتية ثمار الأراضي الزراعية الخصبة. إذ تعتمد الإمارات على استيراد ما يقرب من 90% من احتياجاتها الغذائية، وقد وجدت في السودان البديل المثالي لأمنها الغذائي.
قبل اندلاع الحرب، كانت الشركات الإماراتية تزرع أكثر من 50 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، مع صفقات مرشحة لزيادة المساحة إلى 162 ألف هكتار إضافية. ليست هذه مجرد استثمارات عابرة، بل توسع استراتيجي يحوّل السودان إلى مزرعة خلفية للإمارات، دون أن تُستثمر العائدات لصالح الاقتصاد السوداني.
اللافت أن هذه الشركات غالبًا ما تُعفى من الضرائب، وتستغل الموارد المائية السودانية بلا قيود، وسط تواطؤ حكومي وصمت من النخبة السياسية المتواطئة، ما يطرح أسئلة ملحة حول مفهوم “السيادة الزراعية” في بلدٍ لا يستطيع إطعام مواطنيه.
ثالثًا: الموانئ.. السيطرة على البحر الأحمر
الإمارات تدرك أن من يُمسك بالموانئ يتحكم في التجارة والقرار السيادي، ولذلك اندفعت بقوة لتوقيع صفقة ضخمة مع الحكومة السودانية لتطوير ميناء أبو عمامة مقابل 6 مليارات دولار، تشمل منطقة حرة بطول ساحل البحر الأحمر.
لكن هذه الصفقة، التي أُبرمت قبيل اندلاع الحرب، قوبلت برفض شعبي واسع واتهامات بتقويض السيادة الوطنية. فالسيطرة على بورتسودان تعني فعليًا التحكم في شريان التجارة الخارجية، وهو ما يُحوّل الميناء من مورد وطني إلى بوابة نفوذ أجنبي.
أسوأ من ذلك، أن بعض التحركات الإماراتية تهدف إلى إضعاف الموانئ البديلة التي قد تستخدمها أطراف لا تدين بالولاء لأبوظبي، في إطار سعيها المحموم لتكريس التفوق على طول الساحل الإفريقي من عدن إلى سواكن.
رابعًا: الهيمنة المصرفية.. غسل الأموال وتمويل الصراع
لم يقتصر الحضور الإماراتي على الذهب والموانئ، بل امتد إلى العمود الفقري للاقتصاد: النظام المصرفي.
من بنك الخرطوم الذي خضع جزئيًا لإدارة استثمارية إماراتية، إلى بنك الخليج الذي يربطه مراقبون بقوات الدعم السريع، تبدو المصارف السودانية اليوم ساحة لتبييض الأموال المنهوبة، وتحويلها إلى أدوات هيمنة لا تخدم التنمية بل تسهّل الحرب.
حتى عائدات الذهب المهرب تجد طريقها إلى الإمارات عبر هذه الشبكات المصرفية، التي تُسهّل التحويلات المشبوهة وتُخفي الأصول، ما يجعلها جزءًا من منظومة الحرب، لا من حلولها.
خامسًا: حرب بالوكالة: الرياض ضد أبوظبي
في خلفية كل ذلك، يتكشّف صراع إقليمي على النفوذ بين السعودية والإمارات.
ففي حين تدعم الرياض الجيش السوداني رسميًا، تميل الإمارات إلى دعم قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو دعم لا يقتصر على المال، بل يتعداه إلى اللوجستيات والتدريب وحتى الأسلحة، بحسب تقارير أممية وتسريبات استخباراتية.
السودان، بهذا المعنى، لم يعد ساحة نزاع داخلي، بل بات ملعبًا لصراع خليجي على النفوذ والموارد والموانئ. ووسط هذا الشقاق الخليجي، تدفع الشعوب السودانية الثمن: نزوحًا وجوعًا وانهيارًا كاملاً للدولة.
الهيمنة لا تأتي بالدبابات فقط
تُجيد الإمارات استثمار الأدوات الاقتصادية كوسائل للهيمنة: الذهب يُهرّب، والموانئ تُشترى، والمصارف تُسيطر عليها، والمزارع تُستغل، وكل ذلك في دولة تنهار. إنها حرب بلا مدافع، لكنها تترك آثارًا أعمق من الرصاص: تدميرٌ ممنهج لدولة نامية، وتحويلها إلى ملحق اقتصادي وأمني.
حين تنظر الإمارات إلى السودان، لا ترى دولة ذات سيادة، بل مصدرًا للذهب والغذاء والنفوذ. أما الشعب السوداني، فليس أكثر من رقم في معادلة الاستغلال: تُنتزع أرضه، يُسرق ماله، ويُستخدم وقودًا في حرب بالوكالة لا ناقة له فيها ولا جمل.
وفي النهاية، لا يمكن فهم مآلات السودان دون الإشارة الصريحة إلى دور أبوظبي في تشكيل هذا الجحيم الممتد. وإذا أراد المجتمع الدولي وقف النزيف، فعليه أن يبدأ من هناك: من الإمارات.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة