تمثل رواية "المطاليق" نموذجًا فريدًا في السرد السوداني المعاصر، حيث تلتقي اللغة الشعرية الكثيفة والبنية الرمزية المركبة مع واقع سياسي واجتماعي معقّد. من خلال عالم رمزي مشبع بالفانتازيا، يرسم أحمد ضحية مشهدًا نقديًا للسلطة والفساد والمقاومة، ويخوض في قضايا الفقد، والذاكرة، والانتماء بروح فلسفية ذات طابع إنساني.
1. الثيمات الكبرى في الرواية- أ. السلطة والقمع والفساد- تُجسّد الرواية منظومة القمع من خلال شخصية "السلطان جبل الحديد" و"الجنكويز"، الذين يخططون لـ"القمع والإغراء" كأسلوب لحماية السلطة. يحكم السلطان الضعيف والمسيّر، تحت ظل "أبوشوتال" زعيم الجنكويز، حيث تختلط الشهوة بالحكم، والعنف بالمراوغة. ويتم تهريب ثروات الوادي، واختطاف العذراوات، في ظل سلطة تُعيد إنتاج استبدادها عبر أدوات جديدة.
"تكاثر الجنكويز كالنبات الطفيلي، وراحوا يمتصون دم الوادي وروحه، بينما السلطان لا يدرك أنه صار نمرًا من ورق."
ب. المقاومة والأمل: الرواية لا تغرق في العدمية، بل تُبرز أصوات المقاومة، متمثلة في "جقندي"، "سوميت"، و"المشردين". يعكس هؤلاء تطلع المجتمع للتحرر، حيث تُشكّل خطبهم، وحراكهم الشعبي، رفضًا صريحًا للقهر، وتعبيرًا عن الكرامة الشعبية.
ج. الذاكرة والحنين والفقد- تمثّل الذاكرة نواة سردية مهمة، لا بوصفها مجرّد أداة للحكي، بل كأداة مقاومة أيضًا. يعاني "جقندي" من ذاكرته المنهوبة، ويعيش مأساة حب ضائع. بينما تحنّ "حجب النور" إلى موطنها، ويورّث الحنين إلى "سوميت"، التي تحمل في ملامحها جراح الماضي، وأمل المستقبل. د. البُعد الروحي والتطهير- تنطوي الرواية على نزعة صوفية فلسفية عبر دعوة "جقندي" إلى "شكر الروح العظيمة"، والعودة إلى الأخلاق. تُمزج الحكمة بالقوة، وتتخذ الروح العظيمة موقع الرقيب الأخلاقي العابر للسلطات الأرضية.
2. الشخصيات المحورية- الشخصية رمزيتها جقندي الضمير الأخلاقي والمقاوم المتألم؛ حارس الحكمة والذاكرة السلطان جبل الحديد الاستبداد الضعيف؛ سلطة فاقدة للشرعية أبوشوتال السلطة الموازية؛ التخطيط والخداع باسم الأمن سوميت جيل جديد يحمل الحنين والتمرّد ست البنات وعاشميق الضحايا الذين يتحولون إلى عناصر مقاومة
3. بنية السرد واللغة -تعتمد الرواية بنية لا خطية، تتنقل بين الماضي والحاضر عبر الاسترجاع، التخييل، والذاكرة. تنقسم الأحداث إلى مشاهد رمزية، تتخللها حوارات فلسفية وأدبية.
اللغة فيها غنائية وكثيفة الرمزية، تمزج بين الصور الطبيعية والفانتازيا-"الوادي ملتف على نفسه كشرنقة مجهضة"، "الجنكويز مثل النبات الطفيلي"، "عشبة معونة النيل تهمس في الظلام".
4. الرموز والدلالات- الرمز دلالته وادي الذهب الوطن المنهوب – الحنين إلى الأرض الجنكويز القوى القمعية والفساد المؤسسي جبل كارناسي القداسة – الحكمة – الروح العظيمة الروح العظيمة العدالة المطلقة – المرجعية الأخلاقية عشبة معونة النيل الطبيعة/الأم – الشاهد الصامت على المأساة
5. القيمة الجمالية والفكرية للرواية - تمثّل "المطاليق" عملاً أدبيًا عابرًا للزمن، يجمع بين واقعية رمزية وبعد فلسفي وإنساني.
تنجح الرواية في تقديم صورة مركبة للسلطة في السودان، لا بوصفها مجرد قمع، بل منظومة اجتماعية وثقافية معقّدة.
كما تُعيد الرواية الاعتبار للمهمّشين (المشردين، النساء، العاشقين، الحكماء الصامتين) باعتبارهم الفاعلين الحقيقيين في التغيير.
رواية "المطاليق" لأحمد ضحية ليست فقط مرآة لواقع مأزوم، بل هي دعوة للتأمل، للرفض، ولإعادة بناء الوعي من داخل التجربة السودانية. من خلال توليفة سردية غنية وشخصيات رمزية و ترسم الرواية تراجيديا شعب محكوم بالخوف، لكنه لا يفقد صوته ولا ذاكرته.
إنها رواية عن الألم والمعنى، عن الانكسار والمقاومة، عن الطغيان والروح العظيمة التي لا تُقهر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة