من نيالا إلى لواندا وجوبا: الدولة بوصفها أداة لإعادة إنتاج السيطرة بقلم: إدوارد كورنيليو (1) لحظة التحوّل في نيالا: تشكُّل السلطة خارج المركز في إحدى أكثر اللحظات حساسية في التاريخ السوداني المعاصر، أعلن تحالف “تأسيس” قيام حكومة موازية من قلب نيالا، في خطوة تحمل أكثر مما يبدو على السطح. الحدث لا يقتصر على تنازع سياسي، بل يكشف عن تشققات عميقة في بنية العلاقة بين المركز والأطراف، بين الهيمنة العسكرية والطموحات المدنية، وبين الوعود الثورية واستمرار أدوات التحكم القديمة. حين يُعاد تشكيل السلطة من خارج الخرطوم، هل يتغير مضمون الدولة أم فقط وجه من يُمسك بزمامها؟ (2) احتكار أدوات العنف وإعادة تدوير السيطرة في إعلان الحكومة الموازية، لا نجد ملامح لمشروع إنتاجي أو اجتماعي جديد، بل تكرار لأدوات الهيمنة ضمن سردية جديدة. القوى المسلحة في الأطراف تستند إلى تمثيل رمزي للهامش، لكنها لا تطرح أسئلة الملكية أو العدالة أو الإنتاج. فالصراع يدور حول من يحتكر أدوات الدولة، وليس حول تغيير منطقها الأساسي. تجربة مشابهة أنغولا، حيث احتفظ حزب واحد بسلطة ما بعد الحرب مستفيدًا من ريع النفط، دون بناء مؤسسات إنتاجية حقيقية. أما جنوب السودان، فاختزل لحظة الاستقلال في توزيع المناصب وتقاسم الموارد، مما أدى إلى تصدع الدولة إلى كيانات إثنية ومحاصصات متنازعة. (3) من الاقتصاد إلى الريع: حين يُقصى المجتمع السودان، أنغولا، وجنوب السودان اختاروا الريع لا الإنتاج، واحتكار الموارد بدلًا من توزيعها. الذهب في السودان، النفط في أنغولا وجنوب السودان، تحالفات إقليمية وعسكرية… جميعها أدوات تُقصي العمال، تهمّش الفلاحين، وتُغفل الأسئلة الجوهرية حول توزيع الثروة وتوظيفها في بناء المجتمع. الدولة، في هذه السياقات، لا تُبنى على قاعدة إنتاجية أو مؤسساتية، بل تُعاد صياغتها كمنصة لتداول السيطرة، يُستبدل فيها المركز لا المنظومة. (4) حين يتحوّل الهامش إلى مركز… بدون مشروع مختلف تحوّل نيالا إلى مركز جديد لا يحمل معه مشروعًا مختلفًا عن الخرطوم، كما أن لواندا في أنغولا، وجوبا في جنوب السودان، تحوّلتا إلى مراكز سياسية تعيد إنتاج النموذج القديم بأسماء جديدة. فما الذي يتغير حين تتبدل الأسماء دون أن تتغير الهياكل؟ هل يستطيع الهامش أن يُنتج دولة مختلفة، أم أنه ينحصر في إعادة تدوير أدوات السلطة؟ (5) غياب خطاب العدالة الاجتماعية: مأزق التغيير دون رؤية شاملة في التجارب الثلاث، يظل خطاب العدالة غائبًا لصالح مقاربات إثنية وعسكرية، دون التفات حقيقي للعمال، الفلاحين، النساء، أو قضايا الملكية. السلطة تُعاد صياغتها كأداة نفوذ، لا كمساحة لصياغة مشروع تحرري يعيد بناء العقد الاجتماعي. (6) خاتمة تحليلية اللحظة السودانية الراهنة، كما مثّلتها أحداث نيالا، ليست استثناءً بل جزءًا من نمط إقليمي يتكرر بصيغٍ مختلفة. في كل تجربة، تتحوّل الدولة إلى وسيلة لإعادة إنتاج السيطرة، وتتراجع مفاهيم التحرر أمام منطق الريع والمحاباة. حين يُعاد تشكيل السلطة دون تغيير جذري في بنيتها، تظل الدولة حقلًا لتدوير النفوذ لا لإعادة بناء الحياة العامة.
07-28-2025, 05:17 PM
Nasr Nasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11414
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة