|
Re: السودان- من أوهام «القيمة المتخيلة» إلى ش� (Re: زهير ابو الزهراء)
|
سلام ابوالزهور. هذا مقال ايضا يصب فى معنى قريب من مقالك
Quote: متلازمة السودنة: عندما يحجب الوهم شمس الحقيقة عبدالله محمد ادم كمبالا/ اول يوليو ٢٠٢٥
متلازمة ( السودنة) هل هي وهم التفرد وأزمة الاغتراب عن الواقع؟ في ضاحية من ضواحي " مدينة كمبالا" اليوغندية، بين أزيز الحياة الجديدة للاجئين سودانيين فروا من جحيم حرب أبريل ٢٠٢٣، حدثتني إحدى الأمهات بكلمات قلبت في نفسي تراب الذاكرة، فقد كنا في طريقنا الي مستشفي ( Mukono) ،حيث طلب مني صديق نقل ابنتها المتألمة بطلق الولادة إلى المستشفى، و في محاولة لتخفيف وطأة الغربة والوجع و كسر حاجز الصمت الذي خيم في سيارتي، سألتها عن الفرق بين السودان و يوغندا: الطقس، الخدمات، العمران، وطيبة الناس وهدوئهم. لم تتردد الام في الإجابة: "أي صح، بلدهم سمحة، بس لو ما السودانيين كانوا يلقوا القروش دي من وين عشان يبنوا بيها؟" كانت بالنسبة لي لحظة صادمة فبينما ستلد ابنتها في مستشفى يعمل، على أرض غريبة قدمت لها مرفقاً حيوياً غائباً في وطنها، لا مثيل له في عاصمتنا المدمرة،كان همها الأول هو التقليل من شأن مضيفيها، مستندة إلى وهم قديم متجذر: "تفرد السوداني"و"أفضليته". لقد اخترت الصمت وقتها، خوفاً من جرح كبرياء زائف، لكن السؤال الذي ظل يلح في داخلي: إلى متى نعيش هذا الوهم؟ ألم يحن وقت تشريح هذه الظاهرة السودنية ( متلازمة السودنة)؟ و معرفة أعراضها المتجذرة فمتلازمة السودنة ليست مجرد نكتة ثقافية؛ إنها حالة جمعية عميقة الجذور، تظهر في أعراض متعددة، اولها وهم التفرد والأفضلية و الاعتقاد الراسخ بأن "السوداني أفضل شعب الله"، متفرد في الذكاء، الكرم، الأصالة، وحتى المظهر. هذه النظرة تجعل تقييم الآخرين مشوهاً، فتحول إيجابياتهم (كفاءة الخدمات في يوغندا مثلاً) إلى دليل على "حاجتهم" للسوداني وماله، لا على كفاءتهم هم ، و نسب تطور دولة الامارات مثلا الي كمال حمزة و بقية السودانيبن ، إنه انفصال خطير عن الواقع، يحول دون رؤية النماذج الناجحة واستخلاص الدروس. و ثانيا انكفاء النخبة و احتكار المعرفة ،فالمتعلمون السودانيون، بدلاً من أن يكونوا شعلة تنوير وتغيير، غالباً ما ينغلقون في أبراج عاجية أو "نوادٍ خاصة" حيث تجتمع النخب في مؤتمرات فاخرة ومنتديات مغلقة "تنقش" فيها المعلومات، لكنها قلما تتسرب إلى الشارع أو الريف، فمهندسو الزراعة لا يمدون يد الخبرة للمزارع البسيط، والأطباء لا ينظمون قوافل التوعية الصحية الواسعة، الي حيث الحوجة اليها والأكاديميون يكتبون لأقرانهم فقط، ظاهرة تجعل المعرفة سلعة محتكرة، لا حقلاً للبذار والتطوير المجتمعي. و ثالثا تبديد الطاقات والمواهب في دوامات بيروقراطية فارغة و هذا هو المأساة المضاعفة، شاب يبذل الغالي والرخيص ليحصل على أعلى الدرجات في الهندسة أو الطب أو الإدارة، في امريكا و اوربا ليجد نفسه عند العودة محاصَراً في متاهة بيروقراطية قاتلة، طاولة مكتب، وأقلام بألوان مختلفة، للتوقيع على خطابات تصديق الوقود و تحربك سيارات المؤسسة، فالعقول اللامعة تُحشر في وظائف "Desk Oriented"، مهمتها التوقيع والروتين، لا الابتكار والإنتاج، ففي السودان طاقات هائلة تتبخر في فراغ المؤسسات الفاشلة، بينما يظل الوهم سائداً بأن "السوداني متفوق"و الثمن اغتراب عن الواقع وتأخر تاريخي ،هو ثمن هذه المتلازمة الباهظ ،فهي تعمّق الاغتراب و تجعل السوداني غير قادر على رؤية عيوب وطنه بوضوح، أو تقييم تجارب الآخرين بموضوعية و تقاوم التغيير، فمن يعتقد أنه الأفضل لا يرى حاجة للإصلاح أو التطوير و هذه الظاهرة تهدر الطاقات و تحبس العقول والكفاءات في سجون الوهم والروتين بدلاً من توظيفها في البناء فمتلازمة السودنة هي التي تغذي الصراع،لان الشعور بالتفرد المطلق يجعل قبول الآخر أو التعايش مع المختلف، داخل السودان نفسه، أمراً معقداً. و هنا السؤال كيف نتعافى؟ اعتقد ان الاعتراف بالمشكلة هو أول خطوات العلاج،فنحن السودانيون نحتاج إلى جرأة في نقد الذات، لتفكيك أسطورة "التفرد" و الأفضلية المطلقة و الاعتراف بأن لدينا مشاكل عميقة وأن الآخرين قد يفوقوننا في جوانب كثيرة، و هذا ليس نقصاً بل بداية القوة،و علينا تكريس ثقافة العطاء المجتمعي و على النخبة العلمية والمهنية أن تخرج من عزلتها ،فنقل المعرفة والتطوع لخدمة المجتمع ليس ترفاً، بل واجب وطني وضرورة للبقاء، المؤتمرات يجب أن تتحول إلى خطط عمل، والمعرفة يجب أن تصل إلى القرى والمناطق المهمشة،و بذلك يمكن إعادة هيكلة المؤسسات لتحرير الطاقات من سجن البيروقراطية و خلق بيئات تشجع الابتكار والإنتاجية، وتوظف الكفاءات في مواقع صنع القرار الحقيقي والتنفيذ الميداني، لا في التوقيع على الأوراق فقط. النزوح قد اتاح للناس فرصة الانفتاح على العالم و دراسة تجارب الدول التي نجحت، خاصة في إفريقيا،فعلينا دون غرور أو تعالٍ الاستفادة منها بموضوعية وتكيفها مع واقعنا مشوار مستشفي Mukono, كان صفعة واقع, فكلمات تلك الأم اللاجئة، رغم مرارتها، كانت مرآة كشفت وطناً يعيش على أمجاد واهية بينما تنهار أسس حياته ، و "متلازمة السودنة" ليست قدراً محتوماً، لكن الخروج منها يتطلب شجاعة مواجهة الذات الجماعية، والتخلي عن الكبرياء الزائف، والبدء في البناء من الصفر، بعقول متواضعة وقلوب عاملة وأيادٍ تمتد بالخير لا بالادعاء، فالشعوب التي تنتصر هي التي تتعلم من أخطائها، لا التي تتوارى خلف أوهام تفردها بينما ينهار العالم من حولها، فالنيل يجري، والشمس تشرق، والسؤال يظل قائماً: إلى متى هذا الوهم باننا الافضل من غيرنا؟
|
| |

|
|
|
|
|
|
Re: السودان- من أوهام «القيمة المتخيلة» إلى ش� (Re: Mahjob Abdalla)
|
أخي محجوب عبدالله السلام عليكم ورحمة الله، في البداية اشكرك شكرا جزيلاً على مشاركتك بهذا المقال القيم الذي كتبه عبدالله محمد أدم و يتناول فيه قضية جوهرية تتعلق بواقع السودان السياسي والاجتماعي. أقدّر عُمق التحليل ووضوح الرؤية في نقد خطاب “القيمة المتخيلة” وأهمية الفعل السياسي الجاد لبناء مؤسسات الدولة واستعادة احترامها. أود أن أوضح أن مقالي الذي نشرته يحمل توجهًا مختلفًا من حيث التركيز، لكنه يتقاطع معه في الإيمان بأن الخطابات الوطنية الثقافية وحدها لا تكفي لحل الأزمة السودانية. ومع ذلك، يختلف مقالي في بعض المحاور التي تتناول أيضًا دور الثقافة والفكر في تشكيل وعي المواطن السوداني وإمكانية توظيفها كرافعة للتغيير السياسي والاجتماعي. أرى أن ما تفضلتم به يشكل إضافة مهمة للنقاش، خاصة في التأكيد على ضرورة بناء تحالفات مجتمعية حقيقية وتفعيل القوى المدنية ومؤسسات الدولة. أتمنى أن تتسع مساحة الحوار لتشمل تنوع الرؤى والخبرات، فالسودان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى نقاش شامل وبنّاء يجمع بين الواقع السياسي العملي وأبعاد الوعي الثقافي والاجتماعي. شكراً مرة أخرى، وأرحب بأي فرصة لمزيد من التبادل الفكري معكم. مع خالص التحية والتقدير.
| |
 
|
|
|
|
|
|
|