في وقتٍ يترنّح فيه السودان تحت وطأة حرب طاحنة وتمزّق مؤسسات الدولة، تبرز بعض التعيينات السياسية كمؤشرات واضحة على مسار "التمكين العكسي"، أي عودة الإسلاميين – الذين أُقصوا في أعقاب ثورة ديسمبر – من بوابة الحرب وتسويات القوة لا من بوابة المصالحة أو التوافق المدني. تعيينٌ رمزي... لكنه مُحمّل بالرسائل علمت صحيفة (السوداني) أن السفير بدر الدين الجعيفري، الذي كان نائبًا للمندوب الدائم لبعثة السودان في جنيف، قد تم اختياره لتولي منصب مدير مكتب رئيس الوزراء الجديد، د. كامل إدريس. هذا التعيين أثار اهتمام المراقبين ليس فقط لأن الجعيفري دبلوماسي محنك، بل لأنه يُعرف بانتمائه الإسلامي، وكان قد فُصل من العمل بقرار من لجنة إزالة التمكين خلال الفترة الانتقالية. الجعيفري عاد إلى الواجهة ضمن وفد رئيس الوزراء نفسه، حيث رافقه إلى العاصمة الإدارية بورتسودان، في خطوة تعني بوضوح أن الترتيبات الجديدة في هرم السلطة لا تمانع في استيعاب الإسلاميين، بل ربما تعتمد عليهم. السياق السياسي: لماذا الجعيفري؟ ولماذا الآن؟ الإسلاميون، كقوة موجودة في الظل، ظلوا يعيدون التموضع بعد الإطاحة بنظام البشير، وكانوا من أشد المساندين للمجهود الحربي للجيش ضد الدعم السريع. د. كامل إدريس، ذو الخلفية الدولية والمحايدة نسبيًا، ربما تم اختياره ليكون واجهة مقبولة للخارج، لكن تعيين الجعيفري يكشف أن الداخل يُدار بحسابات مختلفة تمامًا. لجنة إزالة التمكين كانت قد فصلت المئات من الكوادر الموالية للنظام السابق، وتعيين أحد رموزها في موقع تنفيذي حساس يعكس تراجعًا مؤسساتيًا خطيرًا عن مشروع الإصلاح. منطق "الضرورة العسكرية" وتمكين ما بعد الحرب ما حدث مع الجعيفري هو تجلٍّ لقاعدة أصبحت سائدة: "من يدعم الحرب، يجد موقعًا في الدولة". فالمؤسسة العسكرية التي باتت تدير المشهد، لم تعد تأبه بالمرجعيات السياسية أو الشعبية بقدر ما تبحث عن ولاء مضمون وخبرة موثوقة. في هذا السياق: يتم تمكين الكوادر الإسلامية بذريعة الوطنية أو الكفاءة. يتم إزاحة أي حساسية مدنية تجاه رموز النظام السابق، بحجة أن الأولوية الآن "للاستقرار"، وليس للعدالة الانتقالية أو التغيير. رسائل هذا التعيين- إعادة الاعتبار للإسلاميين بعد سنوات من العزلة، عبر مناصب تنفيذية لا عبر صناديق اقتراع. تآكل مشروع الثورة تدريجيًا، إذ لم يعد هناك تمييز بين من وقف ضدها ومن يُكافأ اليوم. تمكين محسوب لكنه استراتيجي، يعيد إنتاج نخبة الإنقاذ في مواقع حيوية للدولة. من يعود اليوم سيحكم غدًا؟ إذا كان تعيين السفير الجعيفري اليوم مجرد خطوة بيروقراطية، فغدًا قد يصبح عنوانًا لتحالف جديد بين القوى العسكرية والإسلاميين تحت مظلة الحرب. وبينما تقف القوى المدنية مشلولة وعاجزة عن إعادة تنظيم صفوفها، تمضي عجلة السلطة بلا فرامل أخلاقية. إن ما يحدث ليس مجرد إعادة تعيين، بل إعادة تدوير السلطة، على أنقاض ثورة ما زالت تبحث عن مكان لها في هذا الركام.
05-31-2025, 03:16 PM
Nasr Nasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11414
من الطبيعي أن الراعي يقود مجموعة من الخراف والنعاج في حالة كامل أدريس إنقلبت الآية هناك واحد من الخراف مطلوب منه أن يقود مجموعة من الرعاة الدهاة الماكرون ونشوف إلي أين تقود هذه الملهاة
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة