منذ أن تسلّم جبريل إبراهيم، زعيم حركة العدل والمساواة، منصب وزير المالية، تحوّلت وزارة المالية من مؤسسة تُعنى بإدارة موارد الدولة إلى أداة لخدمة أجندات ضيقة، تهدف إلى تعزيز نفوذ حركته على حساب المصلحة الوطنية. ما يحدث اليوم في مشروع الجزيرة، أكبر مشروع زراعي في إفريقيا، ليس مجرد فساد مالي عابر، بل هو عملية ممنهجة لتفكيك أصول الدولة وبيعها بثمن بخس، تحت غطاء الحرب وإعادة الإعمار. مشروع الجزيرة: من رمز السيادة إلى غنيمة الحرب مشروع الجزيرة، الذي كان يُعتبر لسنوات طويلة رمزًا للسيادة الوطنية والأمن الغذائي، أصبح اليوم تحت مقصلة الصفقات المشبوهة. تقارير موثوقة كشفت عن اتفاقيات سرية بين قيادة الجيش وحركة العدل والمساواة، تمنح الأخيرة سيطرة على أجزاء من المشروع الزراعي العملاق، مقابل استمرارها في القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع. هذه الصفقة ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من التحركات الهادفة إلى إضعاف المشروع وتحويله إلى مصدر للتمويل والنفوذ السياسي لصالح حركة جبريل إبراهيم. تعيينات مشبوهة وإدارة موازية لم تكن تعيينات عناصر من حركة العدل والمساواة، مثل عبد السلام الشامي وسفيان الباشا، في لجنة إعادة إعمار مشروع الجزيرة مجرد صدفة. بل كانت خطوة مدروسة لإحكام السيطرة على إدارة المشروع، وتحويله إلى أداة لخدمة مصالح الحركة. هذه التعيينات أثارت غضب المزارعين، الذين رأوا فيها بداية النهاية لمشروعهم الزراعي، وتحويله إلى غنيمة حرب تُدار وفقًا لأجندات سياسية وليست زراعية. جبريل إبراهيم: من زعيم مسلح إلى وزير فاسد جبريل إبراهيم، الذي انتقل من حمل السلاح إلى حمل حقيبة وزارة المالية، لم يتخلَّ عن أساليبه القديمة. فبدلًا من أن يكون وزيرًا للدولة، تحوّل إلى وزير لحركته، يستغل منصبه لتمكين عناصرها من السيطرة على موارد البلاد. الاتفاقيات الغامضة مع شركة "زبيدة"، والتي لم تُكشف تفاصيلها، تُشير إلى محاولات لبيع أراضي المشروع تحت غطاء الاستثمار الزراعي، في صفقة تُهدّد مستقبل الأمن الغذائي للسودان. الرشوة السياسية: الولاء المسلح مقابل الامتيازات الاقتصادية ما يحدث اليوم في مشروع الجزيرة ليس سوى نموذجًا لسياسة "الرشوة السياسية"، حيث تُمنح الحركات المسلحة امتيازات اقتصادية لقاء استمرارها في القتال إلى جانب الجيش. هذه السياسة، التي وصفها المحامي حاتم السنهوري بأنها "شرعنة السيطرة على موارد الدولة"، تُهدّد بتحويل السودان إلى دولة مُفكّكة، تُدار مواردها عبر صفقات غير قانونية، وتُوزّع ثرواتها على أساس الولاء المسلح وليس الكفاءة أو المصلحة الوطنية. إعادة إعمار أم إعادة تقسيم؟ جبريل إبراهيم يحاول أن يظهر بمظهر رجل الدولة، متحدثًا عن إعادة الإعمار وإصلاح الاقتصاد، لكن الواقع يكشف عن نوايا مبيتة لاستغلال موارد البلاد لصالح حركته. حتى المبادرات التي يروج لها، مثل "قوافل العودة الطوعية"، ليست سوى واجهة سياسية لتعزيز نفوذ حركته في الإقليم الأوسط، واستغلال قضية النازحين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. السودان على حافة الهاوية مشروع الجزيرة ليس مجرد أرض زراعية، بل هو رمز للسيادة الوطنية والأمن الغذائي. أي محاولة لبيعه أو تخصيصه لصالح حركات مسلحة هي بمثابة إعلان حرب على المزارعين وعلى مستقبل السودان. ما لم يتم التصدي لمخططات جبريل إبراهيم وحركته، فإن السودان سيتحول إلى دولة مُباعة بالتقسيط، حيث تصبح أصولها غنائم للحركات المسلحة، بينما يدفع المواطنون الثمن الأكبر في شكل فقر وتهميش وضياع للحقوق.
السودان اليوم على مفترق طرق: إما أن يتم استعادة مؤسسات الدولة وحماية مواردها من النهب، أو أن نستسلم لمصير مظلم، حيث تُحكم السيطرة على البلاد من قبل قوى تُقدّم مصالحها الضيقة على حساب مستقبل الأجيال القادمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة