تشهد الأزمة السودانية تعقيدات متزايدة مع تباين الرؤى والمصالح بين الأطراف الفاعلة داخليًا وخارجيًا. بين حكومة بورتسودان التي يقودها الجيش السوداني بزعامة عبد الفتاح البرهان، وتحركات القوى المعارضة في نيروبي، والدعم الذي تقدمه أنقرة لقوى مختلفة، تتشكل خارطة سياسية جديدة تعكس الصراع بين تيارات الإسلاميين، والنخب المركزية، والحركات المسلحة التي ترفع شعار "دولة أهل الأرض الأصليين".
حكومة بورتسودان: الإسلاميون والجيش في معركة البقاء منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، عزز الجيش السوداني وجوده في بورتسودان، حيث تحولت المدينة إلى مركز السلطة الفعلية للحكومة المعترف بها دوليًا. الإسلاميون، الذين عادوا بقوة إلى المشهد عبر تحالفاتهم مع الجيش، يرون في بورتسودان فرصة لاستعادة نفوذهم السياسي بعد سقوط نظام عمر البشير في 2019.
تسعى هذه القوى إلى فرض سيطرتها على مؤسسات الدولة، مستخدمة خطابًا يعيد إنتاج فكرة "الدولة القومية الإسلامية" مقابل ما تسميه "مشروع تفكيك السودان" المدعوم خارجيًا. دعم الإسلاميون قرارات البرهان الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بتعديلات القوانين وتعزيز وجود القوات المسلحة في المشهد السياسي، باعتبارها الضامن الوحيد لبقاء السودان موحدًا. يتهمون قوى نيروبي بمحاولة إقامة "دولة علمانية" تستند إلى نفوذ الحركات المسلحة ذات الطابع العرقي، التي يسعون إلى تحييدها أو مواجهتها عسكريًا. نيروبي: الحركات المسلحة ومشروع "دولة أهل الأرض الأصليين" تمثل العاصمة الكينية نيروبي مركزًا لقوى المعارضة المسلحة والسياسية التي تسعى لإعادة تشكيل المشهد السوداني وفق رؤية تتجاوز الهيمنة المركزية التي مارستها الخرطوم لعقود.
تحالف "تأسيس"، الذي يضم حركات سياسية ومسلحة من غرب السودان وجبال النوبة، يقود مشروعًا يهدف إلى إعادة توزيع السلطة والثروة بشكل أكثر عدالة، مستندًا إلى فكرة أن أهل الأرض الأصليين هم الأكثر تأثرًا بالاستبداد السياسي والإقصاء التاريخي. تنظر هذه القوى إلى الإسلاميين كقوة رجعية تسعى إلى إعادة إنتاج دولة قائمة على الإقصاء والاستغلال، وترى أن مشروعها السياسي يجب أن يكون قائمًا على تفكيك البنية التقليدية للدولة المركزية. تحظى هذه القوى بدعم دولي وإقليمي، لا سيما من دول ترى في نيروبي منصة مناسبة لاحتضان تيارات التغيير السودانية، خصوصًا تلك المناهضة للمؤسسة العسكرية. أنقرة: تحالفات متشابكة بين الإسلاميين والمعارضة المسلحة تلعب تركيا دورًا معقدًا في الأزمة السودانية، حيث تجمعها علاقات وثيقة ببعض التيارات الإسلامية لكنها في الوقت نفسه لا تعارض التحالف مع قوى المعارضة المسلحة التي تسعى لإعادة تشكيل الحكم في السودان.
تركيا، التي حافظت على علاقات متينة مع حكومة البشير، تجد نفسها الآن في وضع معقد، إذ أن دعمها للإسلاميين يجب أن يكون محسوبًا بدقة حتى لا تخسر نفوذها بين الأطراف الأخرى. من ناحية أخرى، هناك تقارير عن دعم تركي لبعض الفصائل المسلحة التي ترى أنقرة أنها يمكن أن تلعب دورًا مستقبليًا في أي تسوية سياسية، خصوصًا في ظل ضعف الدعم الغربي المباشر لهذه الحركات. تحاول تركيا استغلال موقعها كقوة إقليمية عبر تقديم دعم اقتصادي واستثماري، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع كافة الأطراف لضمان موطئ قدم في أي سيناريو مستقبلي. التصادم بين المشاريع الثلاثة: أي مستقبل ينتظر السودان؟ مع تبلور هذه المشاريع الثلاثة، يبقى السودان أمام عدة سيناريوهات محتملة:
انتصار مشروع بورتسودان، ما يعني تعزيز قبضة الجيش والإسلاميين على السلطة وإعادة إنتاج النظام المركزي التقليدي، لكن مع استمرار العزلة الدولية وتصاعد المقاومة الداخلية. نجاح مشروع نيروبي، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير جذري في شكل الدولة السودانية، لكنه قد يصطدم برفض القوى التقليدية التي لن تقبل بفقدان نفوذها بسهولة. تسوية إقليمية تقودها تركيا ودول أخرى، تجمع بين مطالب الحركات المسلحة والإسلاميين، لكن نجاحها يعتمد على مدى استعداد الأطراف لتقديم تنازلات حقيقية. في النهاية، لا تزال الأزمة السودانية مفتوحة على جميع الاحتمالات، لكن المؤكد أن الصراع بين الإسلاميين، الحركات المسلحة، والقوى الإقليمية سيظل العامل الرئيسي في تحديد ملامح السودان الجديد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة