|
Re: الريف والمدينة في الرواية العربية (Re: حيدر حسن ميرغني)
|
يا صديقي حيدر تحياتي لقد قرات الكتاب من قبل وكنت قد كتبت لطلاب تحليل النصوص النقدية هذا الكلام وبحمدلله وجدت ما كتب موقفي من الكتاب أتفق مع فكرة أن الرواية ليست حكرًا على المدينة، لكنني أرى أن تطور الرواية العربية ارتبط بنشأة المدن المعاصرة لأنها كانت مركزًا للتحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى. أرى أن العلاقة بين الريف والمدينة ليست فقط علاقة موضوعية، بل هي بنية سردية داخل الرواية نفسها، حيث يتجاور العالم الريفي مع المديني داخل شخصيات الرواية وأحداثها.
أن هذا الطرح يفتح مجالًا واسعًا للنقاش حول العلاقة بين الرواية العربية وبيئتها، ويعيد الاعتبار للريف كفضاء إبداعي مهم. ومع ذلك، كان يحتاج إلى أمثلة تفصيلية وعمق إضافي في تحليل تأثير التحولات الاجتماعية الكبرى على تطور الرواية. الرواية العربية هي في الأساس فن يعكس الإنسان في مجتمعه المتغير، سواء كان في القرية أو المدينة. رفض زميلي استاذ تاريخ الادب طرحي وقال- أن الرواية قامت في المدن الاوربية أقدر رأيك الرافض لطرحي الذي يعيد نشأة الرواية العربية إلى البيئة الريفية وما تفرع عنها من تمثلات ثقافية واجتماعية، وأتفهم وجهة نظرك التي ترى أن الرواية كفن أدبي حديث ارتبط بالمدن الأوروبية وواقعها الحضري. ومع ذلك، دعني أقدم رفضًا تخيليًا لموقفك، مدعومًا بتحليل تاريخي وأدبي:
الرواية ليست حكرًا على المدن الأوروبية: نعم، نشأت الرواية كفن أدبي متأثر بتطور المدن الأوروبية الكبرى خلال عصر النهضة والصناعات الحديثة، ولكن ذلك لا يعني أنها تعبر حصريًا عن هذا الفضاء الحضري. الرواية شكل أدبي مرن يمكنه أن ينقل حكايات كل البيئات، بما فيها الريفية، وهذا ما أثبته الأدب العربي والعالمي على حد سواء.
التنوع الثقافي والبيئي أساس الإبداع الروائي- الرواية ليست مجرد مرآة للحياة في المدن، بل هي عمل أدبي يلتقط نبض الإنسان وتجاربه، سواء كان ذلك في الريف الهادئ أو المدن الصاخبة. العديد من الروائيين استلهموا قصصهم من بيئات ريفية وأخرى مدينية على حد سواء، معبّرين عن تقاطعاتها وصراعاتها.
السياق العربي يختلف عن الأوروبي- البيئة الثقافية والاجتماعية في العالم العربي تختلف جذريًا عن تلك الأوروبية. المدن العربية، تاريخيًا، لم تكن مجرد حواضر حضرية، بل كانت مرتبطة بالريف بشكل وثيق، حيث شكّلت القرى مصدرًا للأيدي العاملة والفكرية وحتى السياسية. لذلك، أي محاولة لحصر الرواية في إطار مديني أوروبي تتجاهل هذا السياق الخاص.
أدب الريف العربي دليل قاطع -لا يمكن إنكار أن الرواية العربية بدأت بوصف حياة الريف بكل تفاصيلها؛ أعمال مثل روايات عبد الرحمن الشرقاوي (الأرض) وتوفيق الحكيم (يوميات نائب في الأرياف) تؤكد ذلك. هذه النصوص ليست مجرد محاكاة لبيئات حضرية، بل تعبير عن هموم وقضايا الريف بشكل أصيل.
الرواية العربية ليست نسخة مطابقة للأصل الأوروبي- على الرغم من تأثر الرواية العربية بالأشكال الأدبية الغربية، إلا أنها لم تنسخها كما هي، بل أعادت تشكيلها وفقًا لاحتياجاتها التعبيرية وقضايا مجتمعاتها. لذلك، القول بأن الرواية "مدينية بالضرورة" يلغي هذا التطور المميز في الأدب العربي.
أرى أن الإبداع الأدبي لا يمكن تأطيره في حدود مكانية أو ثقافية ضيقة. الرواية، سواء نشأت في المدينة أو الريف، تبقى في جوهرها معبرة عن الإنسان بتجلياته كافة. وقد يكون هذا الاختلاف بيننا فرصة لتعميق النقاش حول هذا الموضوع، وإثراء فهمنا للرواية بوصفها شكلًا أدبيًا عالميًا.
ولازال النقاش ماضي بيننا في كل مناسبة هذه مشاركتي معك عسي أن تكون مفيدة
| |
 
|
|
|
|