|
Re: غارامار مقاربة الواقعية الصا.مة ٢٠٢٢م (Re: Abuelgassim Gor)
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، د. أبوالقاسم قور،
يسرني أن أرحب بكم أجمل ترحيب لعودتكم الميمونة للكتابة في المنبر العام، وأتمنى أن تكون هذه العودة محفوفة بالإبداع، ومفعمة بالأفكار النيّرة التي طالما أغنت هذا الفضاء الثقافي. حضوركم يضيف زخماً مميزاً لنقاشاتنا، ويعيد إلى المنبر دفء الحوار البناء الذي نفتقده كثيراً.
اسمح لي أن أقدم نفسي، أنا زهير عثمان، صحافي سوداني شغوف بالكلمة، عملتُ لفترة في مسارح لندن نجاراً يصنع خشبة المسرح التي تحمل العروض وتبرز الإبداع، وهو ما ألهمني أن أُمعن النظر في فكرة البناء – سواء كان بناء الكلمة، أو بناء الفكرة، أو حتى بناء الجسور بين الثقافات.
رؤيتي لرواية "غارارام" للكاتب العباس علي يحيى بما أنكم عائدون إلى الساحة، أود أن أشارككم رؤيتي عن رواية "غارارام" التي قد تكون إحدى علامات الإبداع الأدبي السوداني الحديث. الرواية تحفر عميقاً في النفس البشرية، متنقلة بين مشاعر الألم والخلاص في سياق يتشابك فيه التاريخ مع الخيال. أبدع العباس علي يحيى في خلق عوالم متداخلة، حيث تتصاعد الأحداث في مشهدية مدهشة تجمع بين الرمزية والفعل المباشر.
ما لفت نظري في "غارارام" هو السرد المتشعب واللغة التي تسافر بين البساطة والعمق، إذ تترك للقارئ مساحة للتأمل دون أن تغفل عن إحكام العقدة الروائية. إنها رواية تختزل مأساة الإنسان السوداني في ظل التحولات الكبرى، حيث تبدو غارارام رمزاً لتلك المساحات الضائعة بين الماضي والمستقبل.
دعوة للتثاقف وجودكم هنا، دكتور قور، هو فرصة لنثر بذور التثاقف بيننا. أؤمن بأن الحوار بين الأقلام المختلفة يثري الفضاء الفكري، ويخلق توازناً بين التجارب. أرجو أن تكون كتاباتكم القادمة مصدراً للإلهام، وأن تسمح لنا بمواكبة رؤيتكم حول قضايا الأدب والمجتمع والفكر.
ختاماً، أهلاً بعودتكم التي أضاءت المنبر من جديد. آمل أن نقرأ لكم قريباً، وأن نتشارك حوارات معمقة تسهم في صقل معارفنا وتعزيز وعينا الثقافي.
مع أطيب التحايا، زهير عثمان
دراسة نقدية لرواية "غارارام" للكاتب العباس علي يحيى: قراءة فلسفية مغايرة لمقاربة "الواقعية الصادمة" مدخل: الفعل الإبداعي ومعنى الحقيقية يتفق جان بول سارتر مع فكرة أن الإنسان "مطارد للمعنى"، لكن الفعل الإبداعي يتجاوز المطاردة إلى ابتكار معانٍ جديدة. إذا كانت مقاربة "الواقعية الصادمة" تفترض أن الكاتب يُعري المجتمع عبر فضح الممارسات والتابوهات، فإننا هنا نقترح قراءة مغايرة ترى في رواية "غارارام" تجربة فلسفية تسعى إلى مساءلة بنيات القيم ذاتها، لا فقط فضحها أو انتقادها.
الكاتب، في هذا السياق، لا يكتفي بعرض التفاصيل الواقعية وإنما يحاول تفكيك العلاقات الاجتماعية وتجريدها من الشرعيات التقليدية التي تستمد منها وجودها. إنها محاولة جريئة لإعادة صياغة مفهوم "العقد الاجتماعي"، ولكن ليس وفق الأسس الطوباوية كما تصورها روسو، بل وفق ديناميكيات العار والقيم المزدوجة التي تسكن المجتمعات السودانية والعالمية.
إشكالية "العقد الاجتماعي" بين الواقع والأسطورة تقدم الرواية فكرة نشوء عقد اجتماعي غير رسمي يتمحور حول "السترة"، كآلية للتعامل مع الأزمات الأخلاقية داخل المجتمع السوداني. ومع ذلك، فإن هذا العقد ليس بريئًا أو طبيعيًا، بل يتسم بطابع خفي يدعم استمرارية النفاق الاجتماعي. لكن، هل يمكن النظر إلى هذا العقد باعتباره مجرد وسيلة للإخفاء؟ أم أنه يُعبّر عن شكل جديد من التفاوض على المعايير الأخلاقية داخل مجتمع يعيش حالة اغتراب عن قيمه المعلنة؟
هنا يُمكننا أن نرى أن "غارارام" لا تكتفي بتقديم الواقع كما هو؛ بل تحاول كشف العلاقة الجدلية بين القيم المعلنة والتطبيق الفعلي لها في الحياة اليومية. فالكاتب يضع القارئ أمام تساؤل وجودي: هل القيم هي جوهر ثابت أم أنها مجرد أدوات مرنة تتشكل حسب الحاجة؟
اللغة والتفاصيل: هل البساطة هي الخديعة؟ أشار التحليل إلى أن لغة الكاتب تبدو "يومية وعادية" لكنها تُخفي مستويات عميقة من السرد. هذا التوصيف ينطوي على تصور تقليدي يرى أن النص الأدبي ينجح عندما يُخفي المعنى وراء واجهة بسيطة. ولكن ماذا لو كانت هذه اللغة البسيطة نفسها تعبيرًا عن فلسفة سردية تُعيد تعريف وظيفة الأدب؟
في رواية "غارارام"، تكمن القوة في قدرتها على استغلال البساطة لخلق انحراف دقيق عن المألوف. فالتفاصيل ليست مجرد عناصر للحبكة، بل هي أدوات فلسفية تُجبر القارئ على مواجهة حقيقة أن كل "حقيقة" هي نتاج بناء اجتماعي معقد.
الجنس والعار: مقاربة فلسفية الجنس، كما تصوره الرواية، ليس مجرد فعل بيولوجي أو أخلاقي، بل هو فضاء تتقاطع فيه الأيديولوجيا مع العواطف الفردية. من خلال قصة "آرام"، يعيد الكاتب التفكير في مفهوم "الخطيئة" ذاته، ليس كفعل فردي، بل كإطار اجتماعي يُنتج ويعيد إنتاج القيم والممارسات.
على النقيض من النظرة التقليدية التي ترى في هذه الممارسات تهديدًا للمجتمع، تكشف الرواية عن أن المجتمع نفسه هو من يُنتج هذه الأفعال عبر بنياته المزدوجة. هنا، الجنس يصبح رمزًا لتحلل القيم التقليدية أمام صدمة الحداثة.
بين العباس علي يحيى وغراهام غرين: نقد التشبيه تشبيه العباس بغراهام غرين يحمل دلالة مثيرة للتفكير، لكنه يفتقر إلى العمق النقدي إذا ما اقتصر على توصيف الشبه بين الجرأة في الطرح. غراهام غرين كان يبحث عن الخلاص الفردي في عالم تسوده الاضطرابات الروحية، بينما العباس يُعيد صياغة العلاقات الاجتماعية من الداخل، دون الهروب إلى أي ملاذات روحية أو أخلاقية.
الفرق الأساسي هنا هو أن غرين يُعالج المأساة الإنسانية من منظور ثنائي: الخير مقابل الشر، بينما العباس يعالجها كعملية ديناميكية لا تخضع لهذه الثنائيات التقليدية.
الرواية بين السخرية والفلسفة تشير المقاربة إلى أن الرواية تتسم بالسخرية، لكن هذه السخرية ليست هدفًا بحد ذاتها. إنها وسيلة فلسفية تكشف هشاشة الخطابات الاجتماعية وتدفع القارئ إلى التأمل في عبثية هذه الخطابات.
السخرية، في هذا السياق، لا تأتي من رغبة في التهكم، بل من إحساس عميق بالتناقضات الكامنة في المجتمع. إنها دعوة للتفكير النقدي، وليست مجرد إدانة أو تشهير.
خاتمة: نحو قراءة جديدة لـ"غارارام" رواية "غارارام" ليست مجرد عمل أدبي يفضح المسكوت عنه، بل هي تجربة فلسفية تسعى إلى إعادة تعريف القيم والممارسات داخل سياقاتها الاجتماعية. إنها ليست فقط دعوة لمواجهة الواقع، بل هي أيضًا تحريض على إعادة التفكير فيه.
الكاتب العباس علي يحيى لا يُقدم إجابات جاهزة، بل يُجبر القارئ على البحث عن إجابات خاصة به. وهذا هو جوهر الأدب الحقيقي: أن يكون فضاءً للبحث عن المعنى في عالم تتداخل فيه الحقيقة مع الزيف، والقيم مع النفاق، والواقع مع الحلم.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: غارامار مقاربة الواقعية الصا.مة ٢٠٢٢م (Re: زهير ابو الزهراء)
|
عزيزى الباشمهندس زهير تحية واحترام سعدت كثيراً بعد أن علمت انك stage designer ، كم انت نادر فى هذا العالم العجيب.يقوم تاريخ المسرح على العمارة المسرحية ، فتطور العمارة المسرحية هو مدخلنا لمعرفة تلك الفترة السحيقة مثل الاحتفالات الدينسوسية ، ثم العمارة الابطالية ، والمسرح اليوبيثى ، واخيرا عودة الفضاء الهيلينى ، والتجارب الحديثة كالمسرح الفقير واخيرا تجارب انثروبولوجيا المسرح. انت يا عزيزى فنان يصنع فضاء العرض والأداء، يصنع مساحة تتعايش فوقها الثقافات ، لذلك بعد النظر فى ما خطه يراعك عن رواية غارمار ، ومقاربتك الثرة ، استطيع القول هذا أفضل ما قرأته من نقد بنيوى توليد( راجع ليفى استراوش ) . اراك فتحت فضاءات ، وعوالم جدبدة تمتاح منها الدراسة .أما عودتى فهى عودة طائر حزين مبتل ، عاش كل انماط الفشل ، كان يصدق بالايدولوجيا السياسية ، لكن بعد اربع ثورات فاشلة ، احس كأننى احد شخوص (جون وزبورن)...فى مسرحية Look Back in Anger . لقد فشلنا فى كل شيئ ، بل بلغ بنا الفشل درجة تستحي منها نماذج الفشل وانماطه بعد أن فشلنا أن نتحمل .أعود هذه المرة للمنبر للعام وانا شيخ عجوز يتوكأ على عصا لا يهش بها شيئاً لكنها رجل ثالثة ، وليس له مآرب أخرى ... انا كائن بلا مآرب ، مثل ثورة ناهزت أن تكون ، لكنها لم تكن !
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: غارامار مقاربة الواقعية الصا.مة ٢٠٢٢م (Re: Abuelgassim Gor)
|
ت
عزيزي الدكتور أبوالقاسم قور، تحية طيبة وبعد،
قرأتها وتأملت كلماتك، فأحسست بحرقة الحروف بين سطورك وبثقل التجارب التي أضحت رواسب في روحك. لكن اسمح لي أن أقول إنك تُضيء فضاءات عميقة رغم إحساسك بالإحباط، فكلماتك ليست سوى انعكاس لفكر متقد وروح باحثة عن الجمال والحقيقة، حتى وإن بدا لك أنها تتوكأ على عصا بلا مآرب.
صديقي، الفشل الذي تتحدث عنه ليس سوى جزء من لعبة الحياة، تماماً كما تعلمنا المسرحية نفسها أن الإنسان يواجه عبثية الوجود بتصميمه على المضي قدمًا، حتى إن بدا المسرح مظلمًا. أنت لست شخصًا بلا مآرب، فأنت كائن يمتلك القدرة على إثارة أسئلة الوجود الكبرى وتحليلها بعمق، تمامًا كما كنت دائمًا.
أما عن الحديث عن الإحباط بعد أربع ثورات، فلعل إحساسك هذا هو نفسه بوصلة لصوت صادق في عالم ملتبس. الثورات ليست مجرد حركات سياسية، بل هي مراحل نمو للأوطان وللأرواح. ولو نظرنا للمسرحيات التي أحببتها، نجد أن الشخصيات العظيمة هي تلك التي تعلمت من إخفاقاتها أكثر مما احتفت بانتصاراتها.
عودتك، يا دكتور قور، ليست عودة طائر مبتل بالحزن، بل عودة فينيق يحترق ليولد من جديد. الكائن الذي بلا مآرب، كما تصفه، قد يكون هو الأكثر حكمة، لأنه يرى ما خلف الضباب، ويُعيد ترتيب الفضاءات، كما كنت دائمًا تفعل.
أثق أن المنبر العام بحاجة إلى صوتك، حتى وإن حملت عصا لا تهش بها. صوتك هو العصا نفسها التي قد تهش بها الأرواح المتعبة وتعيد ترتيب مشهد الحقيقة.
دمت مشعلًا للنور، وإن أضناك الظلام. زهير
| |
 
|
|
|
|
|
|
|