|
Re: بين نيتشة وديستوفسكي (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
هل من علاقة بين الفكر والفن؟ علي حسين كاتب مثقف وقاريء ومطلع على الأدب والفلسفة... في المقال التالي يقدم مقارنة مفيدة بين نيتشة ودستوفيسكي... هذا مفكر والآخر أديب وفنان... المقارنة توضح كيف يلتقي الفن والفكر.... او بالأحرى الفن هو النبع الذي يستقي منه الفكر تساؤلاته الكبرى. المقال يقودنا إلى الزمن الذي كان هناك اناس مشغولون بالقضايا الكبرى بالإنسان والحياة. إلى المقال...
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: بين نيتشة وديستوفسكي (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
الدكتور محمد عبد الله الحسين متعك ربي بالعافية ، في هذا البوست المثقل بالتأمل والتساؤل، يفتح لنا نافذة نحو العلاقة العميقة بين الفكر والفن. هذا التساؤل، الذي يبدو بسيطًا في ظاهره، يحمل في جوهره تعقيدًا يلامس جوهر الإبداع الإنساني؛ كيف يمكن للفن، بكل ما فيه من عاطفة وصورة، أن يكون منبعًا للفكر، بكل ما فيه من منطق وتساؤلات كبرى؟ في هذا السياق، يضعنا الكاتب علي حسين أمام مقارنة فريدة بين اثنين من عمالقة الإبداع الإنساني: الفيلسوف المتمرد فريدريش نيتشه، والروائي العبقري فيودور دوستويفسكي. في هذه المقارنة، تتضح الروابط الخفية بين الفكر والفن، حيث يتجلى الفن كمرآة تسائل الفكر وتعيد تشكيل ملامحه. هذا المقال يعيدنا إلى الزمن الذي كان فيه المفكرون والفنانون منشغلين بالقضايا الكبرى، الزمن الذي كانت فيه الأسئلة عن الإنسان والحياة تشغل مكانة الصدارة في الإبداع الإنساني. فهل يمكن أن يكون الفن هو القنديل الذي يضيء طريق الفكر؟ أم أن الفكر هو اليد التي تحمل هذا القنديل؟
*\نيتشه ودوستويفسكي: الفروق والعمق الفلسفي بينهما
فريدريش نيتشه (1844-1900) وفيدور دوستويفسكي (1821-1881) يُعدان من أبرز الشخصيات في الفكر الغربي الحديث، لكنهما يختلفان جوهريًا في منهجيتهما ورؤيتهما للعالم والإنسان، رغم وجود نقاط تقاطع تتعلق ببحثهما العميق عن معنى الحياة والوجود. 1. منهجية الطرح نيتشه: الفيلسوف الراديكالي
نيتشه كان فيلسوفًا متمردًا على الأطر التقليدية، استخدم أسلوبًا شعريًا وأدبيًا حادًا في مهاجمة الأخلاق المسيحية، الميتافيزيقا، والمؤسسات الدينية. اعتمد على تفكيك الأفكار السائدة، خاصة مفهوم الحقيقة المطلقة، واستبدلها بنظريته في "إرادة القوة" بوصفها المحرك الأساسي للإنسان. رؤيته كانت تعبيرًا عن صراع داخلي ضد الجمود الثقافي والديني، وسعى لتحرير الإنسان من القيود نحو "الإنسان الأعلى" (Übermensch). دوستويفسكي: الروائي الإنساني
دوستويفسكي كتب أدبًا فلسفيًا يعكس صراعات وجودية عميقة. استند إلى السرد القصصي والتحليل النفسي لاستكشاف الأسئلة الكبرى حول الإيمان، الحرية، الخير، والشر. كان مهتمًا بالطبيعة البشرية في جميع تناقضاتها، حيث ركز على الصراعات الأخلاقية والتأثيرات الروحية للقرارات الفردية. كتاباته كانت مسرحًا للبحث عن معنى الحياة عبر تجربة الإيمان والمعاناة. 2. رؤية الإنسان نيتشه: الإنسان المبدع والمحطم
رأى نيتشه أن الإنسان الحالي مُكبَّل بالمفاهيم التقليدية (الدين، الأخلاق)، ويدعو إلى تجاوزها عبر تحقيق "الإنسان الأعلى". في فلسفته، الإنسان مسؤول عن خلق قيمه الخاصة وتحمل عواقب حريته المطلقة. اعتبر "موت الإله" علامة على ضرورة بناء نظام قيمي جديد بعيدًا عن الإرث الديني. دوستويفسكي: الإنسان المأزوم أخلاقيًا وروحيًا
كان دوستويفسكي يعتقد أن الإنسان كائن ضعيف، يتصارع بين الخير والشر. قدم رؤية عميقة لمأزق الإنسان الروحي، مؤكدًا أن الحل لا يأتي إلا عبر العودة إلى الإيمان بالله. ركز على الحرية والمسؤولية الأخلاقية التي تحكم اختيارات الإنسان. 3. الدين والإيمان نيتشه: ناقد للدين
اعتبر الدين، خصوصًا المسيحية، أداة لتقييد الإنسان وتثبيط إرادته. رأى أن الأخلاق المسيحية تعزز الضعف والخنوع، مما يعوق التطور الإنساني. أطلق مفهوم "موت الإله"، الذي يعبر عن انهيار النظام الأخلاقي التقليدي، داعيًا لبناء قيم جديدة على أنقاضه. دوستويفسكي: مؤمن معذب
رغم صراعاته الداخلية، كان دوستويفسكي متمسكًا بالإيمان المسيحي، واعتبر أن الإيمان يقدم النجاة والخلاص للإنسان. ركز على المعاناة كطريق للتطهر والتقرب إلى الله. يرى أن إنكار الله يؤدي إلى العدمية والفوضى الأخلاقية، كما عبّر عن ذلك في شخصية إيفان كارامازوف في "الإخوة كارامازوف". 4. موقفهما من الأخلاق نيتشه: أخلاق ما وراء الخير والشر
نقد نيتشه الأخلاق التقليدية، مشيرًا إلى أنها "أخلاق العبيد"، التي تروج للضعف والخنوع. دعا إلى "أخلاق السادة"، حيث يصنع الفرد قواعده الخاصة، متحررًا من القيم الجماعية. دوستويفسكي: الأخلاق المطلقة
كان دوستويفسكي يرى الأخلاق متجذرة في الإيمان بالله. ركز على مفهوم المسؤولية الفردية والجماعية، وأن الخطيئة والمعاناة جزء من التجربة الإنسانية. 5. الطرح الفكري نيتشه:
إرادة القوة كمبدأ أساسي للحياة. الإنسان الأعلى كهدف للتحول الإنساني. نقد الدين والأخلاق التقليدية. مفهوم العود الأبدي كاختبار للقدرة على قبول الحياة كما هي. دوستويفسكي: الإيمان بالله كمصدر للخلاص. الصراع بين الخير والشر في النفس البشرية. الحرية والمسؤولية الأخلاقية. المعاناة كطريق للتطهر والارتقاء الروحي. نيتشه طرح فلسفة تركز على تجاوز الإنسان لحدوده التقليدية من خلال التحرر من الدين والقيم السائدة، وكان يرى في القوة والخلق الإبداعي طريقًا للتطور. دوستويفسكي قدم رؤية إنسانية مؤلمة ومتصالحة مع الإيمان، حيث تُمثل المعاناة والبحث عن الله حجر الزاوية لفهم الحياة. رغم اختلافهما، كلاهما سعى للإجابة على أسئلة وجودية عميقة تتعلق بالإنسان ومعنى الحياة، مما يجعلهما رمزين خالدين للفكر الحديث.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: بين نيتشة وديستوفسكي (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
فلسفة يومية ماذا لو تحدث نيتشه مع دوستويفسكي ؟ علي حسين
لا شيء يثير القارئ مثل اللقاءات الخيالية بين العقول العظيمة: ماذا لو تحدث انشتاين مع قدوته سبينوزا ؟ كيف سيكون ردّ فعل جين أوستن على داروين؟ هل سيطمئن ماركس لأحاديث ستالين عن الشيوعية؟ قالت سيمون دي بوفوار إن سارتر تمنى لو أنّه التقى بسيغموند فرويد، كان سارتر في الرابعة والثلاثين من عمره عندما توفّي فرويد، وكانت في رصيده ثلاثة كتب هي: (تعالي الأنا موجود)، (التخيل)، ورواية (الغثيان)، وبعد شهر من وفاة فرويد -توفي في 23 سبتمبر عام 1939- أصدر سارتر كتابه الرابع (نظرية الانفعالات)، وفيه يسخر من نظرية اللاشعور الفرويدية، فطبيعة الوجود عند سارتر هي الوعي «بشيء ما»، أما حالة اللاشعور، فقد كان سارتر ينظر إليها باعتبارها مظهراً من مظاهر سوء النية عند أصحاب مدرسة التحليل النفسي، ومحاولة لإنكار الحرية التي يجب أن نختارها لمصيرنا. كان سارتر يؤمن أن فرويد عبقريّ، لكن عبقريّته لم توصله إلى إثباتات لا يمكن دحضها، وإنما في الإقناع وجذب الأتباع. من بين جميع الادباء والفلاسفة كان هناك رابط خفي لكنه متين بين دوستويفسكي ونيتشه ، في كتابه عن نيتشه يؤكد الناقد " يانكو لافرين " انه من المعقول ان لايكون دوستويفسكي قد سمع باسم نيتشه .. لكن هل سمع نيتشه باسم دوستويفسكي ؟ كانت المرة الاولى عندما عثر نيتشه عام 1886 اثناء تواجده في مدينة نيس الفرنسية وبالصدفة في احدى المكتبات العامة على مؤلفات دوستويفسكي ..يكتب نيتشه في احدى رسائله الى احد اصدقاءه :" هل تعرف دوستويفسكي ، ما من احد غير ستندال استطاع ان يرضيني ويهزني بالصورة التي نجح هو بالقيام بها ، انه عالم نفسي ، أنا على وفاق معه " .. وفي رسالة اخرى يبدي نيتشه اعجابه برواية " منزل الاموات " قائلا عنها انها اكثر الكتب الموجودة انسانية ،بينما كرر اعجابه برواية " في قبوي " واشار في رسالة اخرى الى أن روايات دوستويفسكي " اثمن مادة نفسية عرفها وانه شاكر وممتن له " ، وكان دوستويفسكي قد دعا الى تاكيد قيمة الذات الفردية التي حولها نيتشه فيما بعد ألى ارادة القوة ، فقد اعلن على لسان ايفان في ا" لاخوة كارامازوف " ان الذات الفردية هي المنبع الرئيسي لافعالنا مهما بلغ سوء حظ الانسان ومهما اصابه الاذلال ..يكتب عالم النفس الفرد ادلر ان :" اي انسان حساس ممن احسوا بمدى تنبه دوستويفسكي الى ما تتضمنه النفس البشرية من ميل الى الطغيان لا بد له من الاعتراف بضرورة اعتبار دوستويفسكي حتى ايامنا هذه معلما لنا ، المعلم الذي حياه نيتشه " . لا بد كذلك ان يكون نيتشه قد قرأ رواية الجريمة والعقاب ، ويجمع كتاب سيرة نيتشه ان سالومي الفتاة الروسية التي احبها نيتشه بجنون كانت هي التي دفعته الى معرفة الادب الروسي ..فالواقع ان معظم الموضوعات التي عالجها نيتشه ، كان دوستويفسكي قد كتب عنها شهادته ، فهو عالم نفس ومريض نفسيا ، ومن المؤكد ان فهمه للنفس البشرية قد ازداد عمقا بسبب طبيعته الخاصة ومرضه ، وما مر على حياته من تقلبات بين النجاح والاخفاق ، وهي الحياة التي وجد فيها نيتشه صدى لحياته ، وهناك سمة مشتركة بين الاثنين وهي ان اعمالهما جاءت نتيجة للصراع الداخلي الذي كلن يعيشانه ، فقد كان دوستويفسكي شكاكا غير مؤمن في داخله ،يصارع بشدة من اجل الايمان ، بينما كان نيتشه يحاول ان يستأصل آخر اثر ديني في داخله .. إلا ان الاهم بالنسبة الى نيتشه ودوستويفسكي هو ما يمكن ان نسميه الاهمية المطلقة للانسان في العالم والكون .. رفض دوستويفسكي ان يقبل بالوجود فارغا من رمز أعلى ، ومن هنا محاولاته في تخطي شكه كي يصير مؤمنا بالمعنى الحقيقي ، وفي حماسته للايمان ، اضطر الى استكشاف مسالة الله من زاوية المؤمن وزاوية الكافر ، ولهذا نجد ان دوستويفسكي يحاول التغلب على يأسه عن طريق التحول الى الدين ، الى الله ... يصرخ دوستوييسكي إذا كان الله غير موجود ، فان كل شيء مباح ، لكنه في الوقت نفسه كان يعرف انه حتى إذا كان الله موجودا ، فان كل شيء يمكن ان يظل مسموحاً .. لن يوجد ضمير بدون الله حسب دوستويفسكي ، رغم انه كان يعرف انه بين اولئك الذين يعبدون الله كان الكثيرون منهم بدون ضمير ..ان ابطال دوستويفسكي لا يمزقهم التردد بقدر ما يمزقهم اليقين بموت الله والرغبة المستمرة لوجود نظام او قانون يعوض عن ذلك الغياب . يكتب ه.د.لورنس ان ان حب دوستويفسكي للمسيح " يمتزج بكراهية منحرفة مسمومة للمسيح ، وعداءه الاخلاقي للشيطان ممتزج بعبادة خفية للشيطان . ان دوستويفسكي دائما منحرف ، وعلى الدوام مفكر شرير وكاشف هائل " . تشكلت وجهة نظر دوستويفسكي للعالم وهو في سن التاسعة والعشرين من عمره ، بعد ان واجه حكما بالاعدام خفف فيما بعد الى النفي الى سيبيريا .. انه الآن يُلقي نظرة جديدة على الحياة والعالم فهذه مدينته بطرسبورغ تبدو اليوم : " اكثر مدينة تربصا بالانسان على الارض .. انه يرى اليوم ان شيطان الثروة حقق سلطانه ، وان المواخير وبيوت الدعارة حلت محل الكنيسة .. انه يعلن الحرب ضد ما اسماهم " ثاقبي الارض " . " اصبحوا ما أنتم عليه" ، وهو تعبير صاغه لأول مرة في وكان عمره 22 عاما . ولعل صنع الحياة الخاصة فكرة راودت نيتشه منذ ان كان في الثالثة عشرة من عمره ..مثلما راودت دوستويفسكي . في احدى رسائله التي كتبها نيتشه في مرحلة الشباب يطرح سؤالاُ وجوديا :" لماذا خُلقت .. اكيد انني لم أُخلق إلا لألاحظ انني خدعت عندما خلقت هكذا " ، فيما اعتبر نيتشه الصراع مع الحياة هو الوسيلة الوحيدة للصمود والنمو .. فيما دعا دوستوفيسكي ايضا الى كفاح متواصل من اجل التاكيد على القيمة العليا للحياة . وقبل موته باشهر كتب دوستويفيسكي في يومياته انه حدث مرة ان التقى الانسان بالإله ، وسمى دوستويفسكي ذلك اللقاء ، اللحظة الحاسمة في تاريخ الجنس البشري . في كتابه فلسفة نيتشه يكتب المفكر الالماني" يوجين فينك " ان كراهية نيتشه الوحشية بل والشيطانية للمسيحية ، لا يفسرها إلا عدم امكانه التخلص منها ، ونقده للاخلاق ، ودعوته الى اللاخلاقية ، انما تفسر باستقامته المطلقة ، اما تمجيده للقوة ، فيرجع الى ضعف بنيته ، وسقم صحته ، فيما يعتقد كارل ياسبرز ان نيتشه يعبر عن ذاته الخاصة ، لكنه يريد ان يجعل من ذاته الخاصة ذاتا كلية :" انني ابحث كيف تكون ماساتي،ماساة عامة " . ان فلسفة نيتشه لا تخرج عن كونها تصويرا لماساة الحياة الحقيقية ، ولدور البطل في هذه الحياة ، الذي ينتصر على الآمها واحزانها ، وهو يختلف عن باقي البشر ، لكن هل هو نبي ، ام حكيم ، ام انسان فرد يبحث عن الحمكة في ذاته ؟ . يعتبر نيتشه انه يوجد شران يمنعان من بلوغ الحكمة ويجعلان الحياة الانسانية ذميمة : الماضي والمستقبل . ان بقينا مشدودين الى الماضي نسقط في الاهواء الحزينة ونتردى في الحنين والاحساس بالاثم او نكون في المستقبل ، في الامل ، في المثل الآتي الأعلى الذي يجعلنا بالذات نفرط في الواقع ويمنعنا من الاقامة في الحاضر، واذا كان نيتشه يريد تحطيم الاوثان ، فليس فقط للتحطيم من اجل التحطيم ، بل لإعداد حكمة اخرى ، حكمة خاصة بالمصلحة ، حكمة تقول نعم للعالم ، تتصالح مع نفسها ومع العالم . في هكذا تكلم زرادشت يذكر نيتشه ان في الماضي ، يتمثل التجديف ضد الإله ، ضد الدين ، ضد اوثان المؤمنين المقدسة .اما من هنا فصاعدا ، فسيقوم التجدبف في توجيه الاتهامات ليس ضد السماء، وانما ضد الارض :" ارجوكم بإلحاح ان تظلوا اوفياء للارض ، ولا تعتقدوا في ما يقوله البعض عن الامل الفوق ارضي ". لم يعتبر راسكولنيكوف بطل الجريمة والعقاب موت الإله أمراُ مسلما به فحسب ، بل انه كذلك قسم الجنس البشري إلى صنفين " نحبة " من السادة ، اقوياء الى درجة تجعلهم قانونا بانفسهم ، في عالم لا إله فيه ، وقطيع من الناس العاديين الذين لا عمل لهم إلا ان يتلقوا الاوامر وان يؤمنوا ، وان يطيعوا . يكتب نيتشه في اصل الاخلاق ، ان الانسان يُفضل ان تكون له إرادة العدم ، على الا تكون له إرادة بالمرة. حمل نيتشه المطرقة ليواجه بها المعتقدات الدينية والاجتماعية ، رفص الإله مثل ايفان كارامازوف عند دوستويفسكي ، بحماسة ، فايفان ثار بسبب آلام الاخرين ، بينما كانت ثورة نيتشه منصبة على الالم الذي فرض عليه مواجهته ، وكان من المفترض وهو المريض والعاجز ان يلتجيء الى الايمان من اجل العزاء والسلوى ، لكنه لم يكن على استعداد للاستسلام او الخضوع ، فقد اختار مثل ايفان طريق التمرد والعصيان ، وعلى حد تعبير اويغن فنك في كتابه " فلسفة نيتشه " ، لم تكن كبرياؤه تسمح له بان يهز ذيله امام الله ، خاصة اذا عرفا انه كان يعتبر نفسه تدا له :" إذا كان هناك من آلهة ، فكيف اطيق إلا اكون إها ، اذن فليس هناك آلهة " في روايات دوستويفسكي كما هو الحال في حياة نيتشه ، نشهد التفاعل الغامض بين الروح والمادة والفكر والعمل ، وشياطين العقل البشري ، والمرض البدني والاضطراب الروحي ، وألم المسيح الدائم مقابل معاداة المسيح . ونتذكر الرسالة التي كتبتها والدة راسكولنيكوف تدعوه فيها الى ان لايترك الصلاة لانها النجاة بالرسالة التي كتبها فرانزيسكا نيتشه إلى ابنها : "إذا كنت فقط سعيدًا ، فعندها سنكون سعداء. هل تصلي لله ، ، كما اعتدت ، وهل تؤمن بصلاح خالقنا ومخلصنا؟ أخشى في قلبي أن عدم الإيمان قد زارتك من جديد. إذا كان الأمر كذلك ، أصلي من أجلك. تذكر ، يا عزيزتي ، في طفولتك ، عندما كان والدك على قيد الحياة ، كيف كنت تصلي جالسا على ركبتي ، وكم كنا جميعًا سعداء بذلك " . يخبرنا دانيال بلو في كتابه " تشكيل فريدريك نيتشه " ان صاحب "هكذا تكلم زرادشت عانى في شبابه من حالات صرع دون أن يفقد وعيه. في كل قراءة لنيتشه نتوقف عند سؤال : عما إذا كانت الحيرة بين الخير والشر التي ادت الى جريمة راسكولنيكوف ؟ ، هي نفسها التي حثت نيتشه ان يحمل المطرقة لتهديم الماضي..
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: بين نيتشة وديستوفسكي (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
🌹 بمناسبة موضوع المقارنة بين نيتشة وديستوفيسكي، قد يتبادل إلى الذهن سؤال كسول ولكنه أيضا مثير للانتباه.
كانت القرون الماضية هي الفترات التي شهدت ظهور مفكرين وفلاسفة كبار، أثاروا جدالات فكرية عميقة وقدموا آراء لا زلنا نستظل بظلها.... بل ولاا زلنا نتجادل
حولها ونتفق. شغل هؤلاء وأولئك أنفسهم وشغلونا بإثارة موضوعات كبرى حول الكون الحياة البشر والإنسانية والأخلاق وأصل الشر والفساد في الإنسان والحياة..
فأين الآن أمثال هؤلاء الآن؟؟
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: بين نيتشة وديستوفسكي (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
فهل بعد اختفاء كانت وديكارت وشوبنهور ونيتشه وكيركجارد ماركس نضب الفكر وأجدب العقل البشري عن مثل هؤلاء المفكرين السابقين؟
ام أن الناس لم يعد يشغلها موضوعات الجدل الفكري وطغت الماديات حتى على تفكيرنا؟ أم أن أولئك ختموا خزائن الفكر بما قدموا؟
أم أن تلك الموضوعات كانت مجرد سفسطة جوفاء تجاوزتها النيوليبرالية العولمة؟
و ظهور طوفان الاختراعات التي باتت تشغل الناس وتستنفذ أوقاتهم وجهودهم وتفكيرهم فصاروا مجرد روبوتات باردة... ومجرد قطيع من ا السوائم
التي أكتفت باجترار ماقد سبق؟
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: بين نيتشة وديستوفسكي (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
ماذا لو تحدث نيتشه مع دوستويفسكي؟" لا أعرف أين كتب الأستاذ علي حسين مقاله عن "فلسفة يومية"، لكن صديقي الدكتور الفاضل محمد عبد الله الحسين جلبه لي موقع تحاور سوداني ، ولقد كان من دواعي سروري، ومعي كوكبة من المثقفين السودانيين في الداخل ومناطق الشتات والنزوح، أن نستمتع بقراءته. كانت المقالة نافذة عميقة على جدلية الفكر والفلسفة، حتى أن بعض الأصدقاء اقترحوا جمع مقالات مشابهة في كتاب مستقل. وبدا لي أن هذا السؤال - هذا الخيال - قد يُشكل بوابة لتأمل أوسع. في عالم الفكر، يجلس نيتشه ودوستويفسكي متقابلين، وجهاً لوجه، كل منهما يحدق في الآخر بعين تسبر أغوار الإنسان. يبدو نيتشه كمن يحمل المطرقة، يبحث عن أوثان يحطمها، بينما دوستويفسكي يمسك بقلم، ينقب في أرواح الشخصيات المكسورة عن الله الغائب أو الحاضر. كلاهما يرى الإنسان في قلب كل شيء، لكن أي قلب هذا؟ قلب يتردد بين إرادة القوة عند نيتشه وصرخة البحث عن الخلاص عند دوستويفسكي.
نيتشه يثور، يصرخ في وجه القيم التي يعتبرها قيوداً. يقول إن الأخلاق ليست إلا اختراع الضعفاء. يأتي دوستويفسكي ليهمس أن الأخلاق، وإن كانت قيوداً، فهي ما يبقي الإنسان على قيد الإنسانية. هنا يصمت نيتشه للحظة، كأنه يعترف بنقطة التقاء: الألم. نعم، الألم هو ما يعرفه كلاهما جيداً. لكن نيتشه يرى الألم قوة، يرى فيه تحدياً، مادة يصوغ بها الإنسان إرادته. دوستويفسكي، على النقيض، يراه امتحاناً، مرآة تعكس ضعف الإنسان واحتياجه لشيء أكبر منه.
ثم هناك الدين. نيتشه يصيح: "الإله مات"، ويحمل هذا التصريح كمطرقة لتحرير الإنسان. دوستويفسكي لا يجيب، لكنه يكتب. يكتب عن إيفان كرامازوف الذي يناقش الله، عن رسكولنيكوف الذي يهرب منه، عن الإنسان الذي لا يستطيع أن يعيش بدون إله حتى لو كان إلهه قاسياً. هذا الاختلاف بينهما ليس رفضاً مطلقاً، بل هو لقاء في منتصف الطريق، حيث يعترفان بأن الحياة مأساة، لكنهما يختلفان في الإجابة عن سؤالها الكبير: ماذا نفعل بهذه المأساة؟
لو التقت كلماتهما، لكان الحوار أقرب إلى صراع هادئ، نيتشه يعزف نغمة القوة والحاضر، ودوستويفسكي يغني أغنية الشك والحنين. كلاهما يعرف أن الإنسان وحيد في هذا الكون، لكن نيتشه يرى في الوحدة فرصة، بينما يجدها دوستويفسكي مأساة. هكذا يبقى كل منهما في طريقه، يلتفت أحياناً ليرى ظل الآخر، ويواصل السير، حاملاً فكرته كما يحمل الإنسان ألمه، كشيء لا يمكن التخلص منه، لكنه يجعله، في النهاية، إنساناً.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: بين نيتشة وديستوفسكي (Re: زهير ابو الزهراء)
|
\\
ماذا لو تحدث نيتشه مع دوستويفسكي؟ اللقاء الافتراضي بين الفكرين: المقال يستعرض تقاطع الأفكار بين نيتشه ودوستويفسكي، مما يعكس جدلية صراعهما مع قضايا الإنسان مثل الإيمان، الأخلاق، والمعاناة. كلاهما يرى الإنسان محورًا للوجود، لكن من زوايا متباينة. دوستويفسكي يبحث عن الله كضامن للمعنى، بينما يحاول نيتشه تخليص الإنسان من قيود الإله لإعادة تشكيل وجوده بحرية مطلقة. القلق الوجودي والبحث عن المعنى: يظهر توافق في اعترافهما بالمأساة البشرية. نيتشه، من خلال "إرادة القوة"، يرى الألم تحديًا يجب تجاوزه. دوستويفسكي، عبر شخصيات مثل إيفان ورسكولنيكوف، يعرض هذا القلق الوجودي كمعركة بين الإيمان واليأس. كلاهما يرفض الامتثال الأعمى، لكن نيتشه يُشيد بتمرد الإنسان ضد القيود، في حين يُظهر دوستويفسكي تعاطفًا مع ضعف الإنسان وسعيه للخلاص. . النقد الأخلاقي والديني: نيتشه يحطم الأوثان الأخلاقية والدينية التي يعتبرها عوائق أمام حرية الإنسان. في المقابل، دوستويفسكي يوازن بين الشك والإيمان، محاولًا إيجاد أخلاق تتجاوز حدود الدين التقليدي دون إسقاطه كليًا. فلسفة الحاضر نيتشه يدعو إلى عيش اللحظة والإيمان بالأرض، بينما دوستويفسكي يعترف بأهمية الماضي والدين، لكنه يحذر من استغلالهما. هذا التقابل يعكس رؤيتين متباينتين للحياة: التصالح مع الحاضر عند نيتشه، والحنين الروحي عند دوستويفسكي.
نتيجة التحليل- الاختلاف الجوهري بينهما يكمن في كيفية معالجة أزمة المعنى: نيتشه يرى الخلاص في تخطي المعتقدات التقليدية واحتضان القوة الذاتية. دوستويفسكي يعيد صياغة الإيمان كملاذ ضروري، رغم صراعه مع الشك. لو دار حوار بينهما، لكان لقاءً بين تمرد نيتشه العقلاني وشك دوستويفسكي الروحي، حيث يلتقيان في اعترافهما بقسوة الحياة، لكنهما يفترقان في الإجابة عن سؤال: "كيف نحيا؟".
| |
 
|
|
|
|
|
|
|