لا يختلف اثنان في أن العالم الغربي، عمومًا، والعالم الأوروبي على وجه التخصيص، قد قطع شوطًا طويلاً وشاقًا من خلال تفكيره في حدود العلاقة الفاصلة بين مجالين، بدا لفترة من الزمن أنهما مجتمعان غير قابلين للانفصال؛ المجال الديني والمجال الدنيوي. إذ احتكرت المؤسسة الكنسية، لفترة ليست بالقليلة، تدبير المجال السياسي، إضافة إلى احتكارها تدبير المجال الروحي. وعليه، لم يسمح لأي شخص، تحت أي ظرف كان، التفكير من خارج المقولات التي تفرضها البابوية، تلك التي تدعي لنفسها التجسيد الحق للمثال الإلهي، ومن ثمة تُلْحَقُ بالأفراد صفات من قبيل: التقوى والورع والطاعة متى اتبعوا الخط المستقيم الذي تفرضه المؤسسة الكنسية، هي الراعي، وهم الرعية. أما تلك التي سولت لها نفسها الزيغ عن القطيع، فسيكون مصيرها لا محالة الضياع والتيه. هذه هي الصورة التي فرضتها الكنيسة على جموع المؤمنين؛ إما الطاعة التامة والمطلقة للإرادة البابوبة تعبيرًا مباشرًا عن الإرادة الإلهية أو التيه في الأرض مقدمةً لمصير أخروي لا يحسد عليه.
هذه الصورة القاتمة التي طبعت القرون الوسطى الأوروبية، من خلال خنق اللاهوت الأرثوذوكسي للمبادرات الرامية للتفكير الحر، تغيرت بفضل المجهود الجبار لعديد من المفكرين الذين كسروا الاعتقاد السائد أن الحقيقة مطلقة، فقد أودعها الله في عقول فئة قليلة من رجال الدين دون سواهم، أولئك الذين أجبروا بقوة الحديد والدم الجميع على السير على هداها. لقد استعيض عن هذه الوضعية بغيرها بفضل أهم الإصلاحات التي شهدها الغرب الأوروبي؛ أي الإصلاح الديني، إذ يعد لا محالة أهم الإصلاحات التي تمخضت عنها باقي الإصلاحات: سياسية واقتصادية[1] واجتماعية...إلخ. وعليه يمكن القول إن العالم العربي الإسلامي ملزم بتوسيع دائرة الإصلاح الديني مقدمةً أساسيةً من دونها تظل الإصلاحات الأخرى مجرد مشاريع بالقوة دون أن تجد لها طريقًا للتحقق على أرض الواقع. إن أهمية الإصلاح الديني في الغرب تتبدى من خلال إعطاء الأهمية للفرد شخصًا مسؤولاً عمّا يصدر عنه من أقوال وأفعال أولاً، وجسر الهوة بين العبد وربه من خلال الأهمية المعطاة للكتابات المقدسة: العهد القديم والجديد ثانيًا، وثالثًا التشديد على حرية المرء في الاعتقاد، وهذه باعتقادنا من بين أهم الإضافات التي حملها مشروع الإصلاح الديني، إذ كل حديث لاحق عن فصل السياسة عن تدبير الحقل الديني وجد جراثيمه الأولى والتأسيسية في كتابات مارتن لوثر، الذي كتب، بنفس فكري، في ضرورة حرية المعتقد مع التأكيد على الفصل بين السلطتين: الروحية والمدنية.[2] والحاصل، أن أهمية الإصلاح الديني تكمن في كونه عبّد الطريق لكل أشكال التقدم الذي عرفه الغرب الأوربي.
قد يعترض معترض بالقول إن الإصلاح الديني الذي دشنه الغرب الأوروبي لا يعني العالم العربي الإسلامي، لاختلاف مقدمات النظر، أهمها أن الغربي الأوروبي عرف المؤسسة الكنسية التي شكلت الوسيط بين العبد المؤمن وربه، وكلنا يعلم حجم الثروة التي خلقها الحكام في أوروبا بفضل التجارة في صكوك الغفران، في حين أن الدين الإسلامي يخلو من السلطة الكهنوتية التي قد تلعب دور الوساطة بين الله والعباد "لا رهبانية في الإسلام"، والإسلام يخير الفرد بين الإيمان من عدمه، إذ يقول الله تعالى: "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"[3]. غير أن التاريخ الإسلامي القديم والحديث يظهر لنا بجلاء أن الهوة بين إسلام الوحي والإسلام الممارس على أرض الواقع هوة شاسعة، ذلك أن الكلام الجميل الذي جاء يحث على حرية المرء في الاعتقاد، وغياب الوساطة بين المؤمن والله، والعدل والكرامة لم يجد له صدى في ممارسات الشعوب من جهة، والحكام ورجال الدين من جهة أخرى، إذ نلحظ اليوم مدى العنف، والحقد والكراهية التي تحرك جزءًا عريضًا من الفئة الأولى؛ أي الشعوب، التي تتصدى بشكل باثولوجي لكل المشاريع الداعية إلى الحرية التفكير والحكم على الأشياء والتصرف بدعوى أنها تخالف منظومة العقيدة، تصدٍ قد يصل إلى حدود التهديد بالقتل،[4] وأما تحالف الفئة الثانية؛ أي الحكام ورجال الدين، فقد أخر، للأسف الشديد، حركة التطور والتقدم. بهذا المعنى يمكن الجزم بأهمية الإصلاح الديني، باعتباره محطة تاريخية لا مجال للتغاضي عنها بغية: تفكيك الوثوقيات واليقينيات التي عششت في أذهان كثيرين ردحًا طويلاً من الزمن من جهة أولى. والاستعاضة عن عقل المطلق الذي نعتقد باحتوائه لمقولات مطلقة يظل الإله الضامن الوحيد لصحتها، بعقل نسبي يؤمن بالإبداع لا الاتباع من جهة ثانية. وتعزيز فكر الاختلاف بدلاً من ثيولوجيا التطابق والتماهي القاتلة لروح المبادرة من جهة ثالثة.
1- مارتن لوثر المصلح الديني:
يلحظ الواحد منا، وهو يقرأ بعض الكتب التي تناولت بالدارسة المسار الفكري لمارتن لوثر التوقف عند السيرة الذاتية للرجل، إذ يتم الإجماع على الطابع الغرائبي والعجائبي الذي وسم السنوات الأولى من حياته؛ شخصية قلقة جدًا، وبناء نفسي قد يبدو للإنسان العادي أنه غير سوي، وجسد أتعبه المرض[5]. يمثل مارتن لوثر أنموذجاً من الشخصيات المعدودة على رؤوس الأصابع، تلك التي لم ترضى بالوضع القائم، فأبدعت، بلغة "توماس كوهن"، براديغم جديد يختلف أشد الاختلاف عن براديغم القرون الوسطى، لقد بلور نظامًا من المعرفة لم تعهده الثيولوجية الكلاسيكية، أهم مميزاته التشديد على العودة إلى الكتابات المقدسة: العهد القديم والجديد،[6] والاتصال المباشر بالكلام الإلهي بدلاً من اللجوء إلى رجال الدين الذين احتكروا عملية تأويل الكتاب المقدس، لهذا يلحظ قارئ مؤلفات مارتن لوثر، وقد جاءت غالبيتها عبارة عن رسائل أو مقالات مطولة بمناسبة حدث ما، استناده على أقوال الكتاب المقدس، باعتباره السلطة العليا التي تعلو على سلطة البابا في روما. أما العمل الأساس الذي جعل من مارتن لوثر الشخصية الأبرز في أوروبا فهو العمل الذي حمل عنوان: "الأطروحات 95" التي عالج فيها بشكل رئيس مسألة صكوك الغفران التي استغلتها البابوية في روما من أجل خلق ثروة ضخمة،[7] إذ يؤكد لوثر أن طريق الخلاص لا يتحقق إلا عبر جسر الإيمان.
لقد تحلى مارتن لوثر بجرأة وشجاعة لا مثيل لهما لمواجهة السلطة البابوية بكل جبروتها وطغيانها، إذ آمن إيمانًا لا تشوبه شائبة بالإرادة والعناية الإلهيتين اللتين رافقتاه منذ نشأته، هو الذي أخذ على عاتقه مهمة تحرير الثيولوجية المسيحية في الوقت الذي رغب فيها والده ولوج سلك القانون. يتلخص المشروع اللوثري بضرورة العودة إلى النصوص المقدسة بغية قطع الطريق أمام أشكال البدع وكافة الهرطقات المكونة لجملة التوصيات والقرارات التي يخرج بها رجال الدين في مجالسهم المغلقة، وهي قرارات تتلخص في ضرورة الخضوع التام والمطلق للسلطة البابوية، باعتبارها التجسيد الأمثل للإرادة الإلهية، ونحن نعلم مدى التهديدات الحقيقة التي تلقاها لوثر من روما، غير أن اهتجاسه بإخراج أوروبا من عالم الظلمات والخرافة إلى عالم التنوير والعقل مكّنه من إحداث انعطاف جذري في التاريخ الأوروبي خاصة، والكوني عامةً.
1-1- الإصلاح الديني سؤال الحرية:
إن الناظر في التاريخ الأوروبي، في العهد الوسط، يتبدى له بأوضح النظر جملة الانتهاكات والجرائم الدراماتيكية التي ألحقتها المؤسسة البابوية بمجموع الأفراد الخارجين عن طاعاتها، إذ فرضت على الجميع نمطًا واحدًا من السلوك والعيش ليس على الفرد الحياد عنه، وحكمت بقبضة من حديد على جميع المجالات سواء التي تهم حياة الإنسان على الأرض، أو تلك التي تعد معبرًا للوصول إلى الخلاص. من هنا كان الرهان الأساس لكل من السلطتين السياسية والدينية تشديد الخناق على الجميع حرصًا على عدم تشكل فئة من الأفراد الأحرار القادرين على هدم الأوثان والأصنام التي عمرت لقرون من الزمن في عقول رجال الدين الذين حرصوا على تأمين لاهوتهم الأرثوذوكسي المانع لنسائم الحرية، فراحوا يُفَسّقون ويُبَّدعون ويُكَّفرون، بل ويقتلون ويحرقون كل من سولت له نفسه قول الحقيقة، مقابل تكريسهم لشتى أشكال الزيف والخداع التي تهم خدمة مصالح فئة بعينها تحوم حول المؤسسة الكنسية.
في هذا السياق، تأتي الجدة التي حملت مؤلفات مارتن لوثر كونها حررت الحقل الديني من السلطة الضيقة لرجال الدين الذين ادعوا الوساطة بين المؤمنين والله، إذ كان هم لوثر رفع الموانع والحواجز بين الفرد المؤمن والله الذي يعلم وحده سريرة الأفراد، وحده القادر على إدخال عباده الجنة أو النار. أما رجال الكهنوت، فقد لعبوا من الأدوار أكبر مما هو مسموح به وشرعي. إن أحد أهم الإضافات التي حملها مشروع الإصلاح الديني بزعامة مارتن لوتر التي أكدت على ضرورة احترام حرية الأفراد في الاختيار دون إشهار لأسلحة الحقد والبغض في وجه المخالفين في العقيدة، لكن دون أن يعني ذلك أن الرجل قد رفع من منسوب الحرية ليتجاوز حدود القانون، كلا ما كان هو ليدافع عن هذه النظرية التي قد تؤدي إلى الفوضى والخراب، بل دعا إلى ضرورة احترم المسيحي التقي والورع للقانون المعمول به من طرف الدولة حفظًا لأمن وسلامة الجميع. فإذا كان المسيحي يجيد أيًّا من المهن أو الحرف التي تساعد الأغيار، فلا بد من أن يقوم بها. في مقابل ذلك، على الدولة أن تضمن للأفراد منسوبًا من الحرية يسمح لهم بالتعبير عن ما في أفئدتهم، إذ ما معنى أن نجبر الأفراد على اتباع مسار ليسوا بمقتنعين به، إذ النتيجة الحتمية هي تشجيع الكذب، والبهتان والزور.
من هنا يمكن القول، إن تنظير فلاسفة العقد الاجتماعي والليبراليين لعلاقة الدولة بالحرية، إنما وجدت الإرهاصات الأولى مع مارتن لوثر، إذ تجد، على سبيل المثال، تقاطعًا كبيرًا بين "رسالة في اللاهوت والسياسة" لاسبينوزا، وما خطه لوثر عن علاقة المملكتين: مملكة الرب ومملكة الإنسان. وقد تجد بعض الفقرات التي تذهب إلى حدود التطابق، خاصة حينما يتحدث لوثر عن ضرورة تمتيع الأفراد بحرية المعتقد. الحاصل، لسنا نتزيد القول إن أقررنا بفضل الإصلاح الديني في الأعم الأغلب مما أنتجه التراث الغربي على مدى ستة قرون.
1-2- الإصلاح الديني: السلطة الدنيوية والسلطة الروحية
من بين أمهات المسائل التي شدد عليها المشروع الإصلاحي ضرورة الفصل بين السلطتين: الدينية والمدنية، أو ما بات يعرف بــ"العَلمانية"، ومرد ذلك استقرائه للتداخل غير المرغوب بين عمل رجال السياسة ورجال الدين، إذ تحالفت الفئتان على فرض نمط معين من الإيمان والاعتقاد. لقد عمل لوثر على رسم خط مائز بين مملكتين: الأولى مملكة السماء، الرب مشيدها، والثانية مملكة الأرض، الإنسان بانيها، ولا مجال لتداخل المملكتين درءًا لفسادهما، فلكل سلطة قوانينها وتشريعاتها الخاصة. "إن السلطة الدنيوية تعمل في حدود القوانين المرتبطة بالجسد والممتلكات الخارجية. أما أرواح العباد، فالله وحده القادر على التحكم بها".[8]
هكذا، تبدأ مع لوثر بوادر التأسيس للعلمانية في أوروبا، إذ تقتصر مهمة رجال الدولة على تدبير المجال السياسي وتنظيم العلاقات بين الأفراد، أما مسألة الخلاص، والثواب، والعقاب، وسؤال الجنة والنار فتلك شؤون تهم، بشكل حصري، العلاقة بين العبد وربه، على اعتبار أن السلطة السياسية إذا شاءت فرض معتقد بعينه على المؤمنين فسيكون لذلك نتائج عكسية، وذلك لأن باب النفاق والخداع سيفتح على مصراعيه. وحدها حرية الشخص في الاعتقاد من عدمه هي التي تضمن صفاء المعتقد وطهارته، يقول لوثر[9] في هذا السياق: "يريد الله لعقيدتنا أن تشيد، حصرًا، على الكلام الإلهي"، مضيفًا[10]: "لا يستطيع أحد من دون اللجوء إلى الله، الإحاطة المعرفية بأفكار ومشاعر الشخص؛ وعليه لابد من اللجوء إلى منهج آخر غير منهج القوة والعنف." والحاصل إن كل تدخل لدولة، بالقوة، في فرض معتقد معين على الأفراد يظل تدخلاً غير شرعي في شأن يهم العبد والله. ومن ثم قطع لوثر الطريق أمام رجال الدولة والدين الذين تاجروا في أرواح العباد.
على سبيل الختم:
الحاصل من كل ما سبق، ضرورة الإصلاح الديني لكل أمة أرادت أن تجد لنفسها موضع قدم ضمن الأمم المتقدمة والمتطورة، ونحن نعتقد أن العالم العربي الإسلامي مدعوٌ اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الأخذ بمقدمات الإصلاح الديني كما تبلورت في العالم الغربي، بعيدًا عن التشرنق الذاتي والتطبيل لخصوصية تجبرنا على العيش في عوالم ارتكاسية. إن ما يعيشه العالم العربي الإسلامي اليوم عمومًا، والعالم العربي على وجه التخصيص، يفرض علينا وقفة تأمل ونظر عميقين في أسباب هذا الانحدار المهول في سلم الثقافات، إذ الانغلاق التام على الذات انتصارًا لمذهب أو عقيدة قدم لنا في نهاية المطاف أشكال مختلفة من التطرف الديني الذي ذهب إلى حدود حمل السلاح بغية إجبار الجميع على الدخول إلى الدين الحق ضاربين عرض الحائط الآية القرآنية التالية[11]: "وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".
03-18-2024, 05:36 AM
adil amin adil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 39159
اكبر مصلح ديني مسلم في العالم العربي والاسلامي هو الاستاذ محمود محمد طه كنز سوداني معرفي تجاهله اهل العلم الذى لا ينفع والايدولجيات المصرية والعربية المعطوبة في السودان ده احسن كتاب قريتو 2022 https://www.0zz0.com واليسار البائس لازال يفنط في الساحة الدين ضرورة كونية للانسان في الكوكب وفقا لاستراتجيات العقل البشري الثلاث والعلمانية ليست اعلى وعي بشري على الاطلاق https://www.0zz0.com
03-18-2024, 05:40 AM
adil amin adil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 39159
Quote: نظرية المعرفة في الفكرة الجمهورية السودانية
عادل الامين
الحوار المتمدن-العدد: 5666 - 2017 / 10 / 11 - 11:19 المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان https://www.0zz0.com
قائمة على النص القراني من سورة الروم قال الله تعالى ((وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) صدق الله العظيم إن البيئة التي نعيش فيها إذن إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي.. و هذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة، التي ظهر قصورها، و إليها يرجع فساد الحكم، و قصور الحكام، و المحكومين .. ما هي الروح؟؟ هي الجسد الحى الذي لا يموت!! و في المرحلة ،قبل ظهور الجسد الحي، الذي لا يموت، فان الروح هي الطرف اللطيف من الجسد الحاضر - الروح هي العقل المتخلص من أوهام الحواس، ومن أوهام العقل البدائي الساذج .. الروح هي العقل المتحرر من سلطان الرغبة - الهوى .. ونحن لا نصل إلى الروح إلا بالإيمان، و بتهذيب الفكر، ومن أجل ذلك قال النبي الكريم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به..)) و ما جاء به هو الشريعة، والطريقة، والحقيقة .. هذا شرط أول الطريق.. "15" يسمي كارل ماركس اشتراكيته: الاشتراكية العلمية .. في حين يسمي اشتراكية روبرت أوين: الاشتراكية المثالية.. و الناس يتحدثون، في الوقت الحاضر، عن العلمية بتأثر كبير برأى كارل ماركس عن اشتراكيته، ولكنهم غير دقيقين في هذه التسمية .. اشتراكية ماركس علمانية، و ليست علمية .. و كذلك كل ما يتحدث عنه الناس الآن، إنما هو علماني، وليس علميا .. الفرق بين العلمية، والعلمانية، أن العلمانية علم ناقص .. و تجيء العبارة عنه في القرآن: ((وعد الله ، لا يخلف الله وعده، و لكن اكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون!!)) سماه، ونفي عنه، أنه علم .. قال ((لا يعلمون)) ثم قال ((يعلمون ظاهرا)) .. وهذا الظاهر إنما هو المادة كما تتبادر إلى حواسنا .. العلمانية تتعلق بالحياة الدنيا - الحياة السفلى - حياة الحيوان، وتغفل عن الحياة الأخرى .. الحياة العليا، وهي حياة الإنسان .. كارل ماركس ينكر الغيب، و ينكر الحياة الأخرى، وتتعلق اشتراكيته بالسعي في الحياة الدنيا، وفي، ظاهرها، و من ثم فهو علماني، و ليس عالما .. العالم هو الذي ينسق بين الحياة الدنيا، و الحياة الأخرى، على غرار العبارة النبوية: ((الدنيا مطية الآخرة)) .. العالم ذكي، والعلماني شاطر.. و الفرق بين الذكي والشاطر أن الذكي يملك ميزان القيمة، و يقيم الوزن بالقسط .. و الشاطر لا يملك هذا الميزان، فهو يخبط كحاطب ليل .. الذكي يعرف الوسائل و الغايات، و ينسق بينها، فلا يصرف، في سبيل الوسيلة، من الجهد، ما ينبغي أن يصرف في تحصيل الغاية .. والشاطر قد يفني حياته في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل، والغايات.. الدنيا وسيلة الآخرة، فيجب أن تنظم بذكاء، و بعلمية لتتأدى إلى الغاية المرجوة منها.. و لا يستطيع ذلك العلمانيون وإنما يستطيعه العلماء..
"16" الحضارة الغربية الحاضرة بشقيها - الاشتراكي والرأسمالي - إنما هي حضارة مادية – قيمة الإنسان فيها مهدرة، وقيمة الحطام مرتفعة.. هي حضارة، و ليست مدنية.. هي حضارة التكنولوجيا الهائلة، والآلات الرهيبة، ولكن الإنسان فيها ليس سيد الآلة .. لقد نمت التكنولوجيا الثروة بصورة خيالية، و لكن، لغياب القيمة، لم يكن هناك عدل في توزيع الثروة، و إنما انحصـرت في أيدي القلة، وأصبح الفقر نصيب الكثرة، فذهل الغني، بالغنى، عن إنسانيته، كما شُغل الفقير، بالفقر، عن إنسانيته، فانهزم الإنسان، في هذه الحضارة المادية، الآلية الهائلة، المذهلة.. لقد وصلت هذه الحضارة إلى نهاية تطورها، ووقف طلائعها في نهاية الطريق المقفول - طريق المادية الخالية من الروحية.. ولابد للبشرية التي سارت في هذا الطريق العلماني حتى بلغت نهايته من أن تعود لتدخل من جديد، في الطريق العلمي .. "17" من الأمم الإسلامية أمم متقدمة، بمقاس الوقت الحاضر، فدخلت خلف طلائع الحضارة الغربية في هذا الطريق العلماني، و قطعت فيه شوطا، به اعتبرت متقدمة، في الوقت الحاضر.. و من الأمم الإسلامية أمم متخلفة، بمقاس الوقت الحاضر، فلم تصل حتى إلى مفترق الطريقين - الطريق العلمي والطريق العلماني - هي بذلك اعتبرت متخلفة .. أما نحن السودانيين، فإننا، بفضل الله علينا، نقف اليوم في مفترق الطريقين .. لقد دخل بعضنا في طريق الحضارة الغربية الحاضرة، تبعا لطلائـع هذه الحضارة، و لكنه لم يوغل، و لم يبعد عن مفترق الطريقين .. أما الشعب فانه بفضل الله علينا، وعلى الناس، يقف عند مفترق الطريقين، تماما، محتفظا بأصائل طبائعه التي قد قدها الله تعالى له من شريحة الدين.. أما نحن الجمهوريين، فبفضل الله علينا، و على الناس، قد امتد بصرنا حتى رأينا قافلة البشرية الحاضرة، و هي تقف حائرة، عند نهاية طريق العلمانية المسدود، وأصبح واضحا عندنا، أن علينا لأن ندخل بشعبنا طريق العلمية حتى نكون للبشرية - قل للإنسانية - طليعة جديدة .. طريق العلمية طريق مفتوح على الإطلاق، و سير الإنسانية فيه سير سرمدي .. فهو يحقق فيه، كل حين، قدرا من إنسانيته، ومن كرامته، ومن عزه، ومن كماله.. و ليست لكمال الإنسان نهاية، لأن نهايته عند الله ((وأن إلى ربك المنتهى)) ولا منتهى لكمال الله تبارك و تعالي. "18" إن العلمية لا تستغني عن العلمانية، وإنما تضعها في موضعها، و هو موضع الوسيلة من الغاية، على غرار ((لدنيا مطية الآخرة)) .. فمن استغنى بالدنيا عن الآخرة، فقد ضل ضلالا بعيدا .. ومن حاول أن يطلب الآخرة بدون الدنيا فقد ضل .. والقصد القويم هو أن تأخذ من دنياك زاد الراكب، إلى أخراك .. هذا هو المقصود بقولنا إن العلمية لا تستغني عن العلمانية .. الحضارة العلمانية، المادية الآلية، الحاضرة، حضارة عملاقة، و لكنها بلا روح، فهي تحتاج إلى مدنية جديدة تنفخ فيها هذا الروح، وتوجهها الوجهة الجديدة، التي تجعلها مطية للإنسان بها يحقق إنسانيته، وكماله.. وهذا ما علينا أن نقدمه نحن من الاسلام.. إن الطريق العلمي الجديد الذي على الشعب السوداني أن يدخله منذ اليوم، هاديه كتاب الأجيال - القرآن - و دليله محمد، النبي الأمي، الذي جسد القرآن، في اللحم و الدم .. فمعرفة الأكوان - العلمانية - ومعرفة الله - العلمية - يجب التنسيق بينهما بعلم، لان الأكوان إنما هي مطية الإنسان، في سيره إلى الله .. يقول تعالي: ((سنريهم آياتنا في الآفاق، و في أنفسهم، حتى يتبين لهم: أنه الحق.. أو لم يكف بربك ، انه على كل شيء شهيد؟؟)). ويقول: ((خلقت الأكوان للإنسان، وخلقت الإنسان لي)). و هذا هو معنى قوله تعالي: ((ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن!!)). "19" علينا أن نعلم أنفسنا! و أن نعلم شعبنا، وأن نعيد تعليم المتعلمين منا، من جديد، فنخرجهم من الطريق العلماني، إلى الطريق العلمي.. إن علينا لأن ننشئ التربية، و التعليم .. فأما التربية فببعث سنة النبي فينا معاشة .. و هي معنى "العدل": العدل بين العبد و الرب، و العدل بين العبد ونفسه، والعدل بين العبد وأهله، والعدل بين العبد والناس، والعدل بين الناس.. و هذا كله وارد في الكتب الجمهورية – "طريق محمد" و "أدب السالك في طريق محمد" و"الرسالة الثانية من الإسلام" و"رسالة الصلاة" و"تعلموا كيف تصلون" الخ، الخ .. وسيكون مجال التربية التعليم الرسمي، في المدارس، والمنابر الحرة، في كل ميادين القرى، المدن، ومنابر المساجد، و منابر المدارس، والمعاهد، والجامعات، و كل مجاميع الشعب .. و أما التعليم الرسمي سيكون مجاله المدارس، و المعاهد، والجامعات، هو تعليم يقوم على العلم المادي التجريبي، حتى يتقن المواطن، والمواطنة، المقدرة على تصميم الآلة، وصنعها، واستعمالها، و صيانتها، لكي يكون نافعا لمجتمعه بتسخير العالم المادي لخدمته .. لقد قلنا إن العلم المادي، و العلم الروحي، قد اتفقا على وحدة الوجود، و ذلك يعني أن بيئتنا التي ظللنا نحاول التعرف عليها في الآماد السحيقة بوسيلة العلم المادي، والعلم الروحي، قد ظهرت لنا على حقيقتها، بفضل الله علينا، ثم بفضل هذين العلمين.. إن علينا لان نعيد توجيه برامج تعليمنا حتى يجد الفرد منا المقدرة على المواءمة بين حياته وبيئته هذه الجديدة، ولما كانت هذه البيئة الجديدة، إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي، كما سبق أن قررنا، أصبح على الحى أن يعلم مظهرها ومخبرها - خصائصها و كنهها - وهذا ما يوجب تعلم العلم المادي، التجريبي، والعلم الروحي، كليهما، لكي يتم تواؤم الحى مع بيئته هذه القديمة، الجديدة.. **** المفكر السوداني الراحل محمود محمد طه (كتاب ديباجة الدستور 1984)
أستاذ عادل بالإضافة لما طرحت واليك هذه الكتابات أن وجدتها تعرض لك فكرة الإصلاح الديني وخطابه في جاءت به بعض الكتابات لسودانيين كتاب "التحرر من الوعي الديني" للكاتب السوداني عبد الله علي إبراهيم: يناقش الكتاب ظاهرة الوعي الديني في السودان ويسعى إلى تحريره من القيود التي تفرضها عليه المؤسسات الدينية التقليدية. كتاب "الإسلام السوداني: الدين والسياسة والثقافة" للكاتب السوداني محمد جلال هاشم: يقدم الكتاب تحليلاً تاريخيًا واجتماعيًا للإسلام في السودان، ويركز على العلاقة بين الدين والسياسة والثقافة. مقال "الدين والسياسة في السودان: قراءة في الخطاب الديني" للكاتب السوداني الطيب زين العابدين: يناقش المقال العلاقة بين الدين والسياسة في السودان، وينتقد استخدام الدين لأغراض سياسية. مقال "التطرف الديني في السودان: الأسباب والعلاج" للكاتب السوداني حسن مكي: يناقش المقال أسباب التطرف الديني في السودان، ويقترح بعض الحلول للحد من هذه الظاهرة. نماذج أدبية:
رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للكاتب السوداني الطيب صالح: تتناول الرواية صراع المثقف السوداني مع هويته الدينية والثقافية. مسرحية "الرسول" للكاتب السوداني عبد الله علي إبراهيم: تتناول المسرحية حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من منظور نقدي. ديوان "ظلال على الرمال" للشاعر السوداني محمد مفتاح الفيتوري: يتضمن الديوان قصائد تتناول قضايا دينية واجتماعية من منظور نقدي. وامكن هنالك كتاب للأستاذ عطا البطحاني رؤية معاصرة لإسلام أهل السودان ولكن لم أجده في المراجع المدرجة بمكتبة الجامعة الإسلامية
03-19-2024, 05:05 AM
adil amin adil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 39159
سلام ابو الزهور السودنيين والاسلام بحث كبير مع احترامي لي ديل كلهم الحلقة المفقودة في دارونية المثقفين السودانيين عبر 100 سنة بس انهم اهملو المدرسة السودانية التي تطرخ الاسلام المعاصر في ابهى صوره مدرسة الفكرة الجمهورية والاسالذ محمود محمد طه مكتبة الفكرة الجمهورية كنز سوداني كبير جل المثقفين ديل مستلبين ويستعملون ادوات تحليل عاطلة ومالين الساحة ضجيج وكلهم كانو و والا زالو مؤدلجين بالله شاب ما تجاوز 40 سنة اكتشف الفكرة والاستاذ محمود اسمو د عبدالله الفكي البشير https://www.0zz0.com والف كتالبن عنها لحدي هسة ما لقيت زول عرف بالاستاذ والفكرة بالمستوى الراقي ده الجماعة اليساريين ديل طارو ليهم في راسم الكيزان والسلفيين وقالو الدين ذاتو ما بنفع ونحن علمانيواااا سنين طويلة ولم كبرو بدو يرجعو للدين علي استحياء لا يخلو من كبر اي سوداني ما قرا 20% من كتب الاستاذ محمود ما مثقف ولا مفكر .. وقرررط علي كده وهسة نظرية المعرفة الفكرة الجمهورية دي انا عولمتها ونشرتها في الحوار المتمدن للعربفونيين عبر العالم ولي قدام بترجما انجليزي كمان للعالم وبعد داك لكل حادث حديث التعامل مع الدين مفروض يكون بالعقل بابعاده الثلاث مش عقل المعاش بس ؟؟ عبدالله علي ابراهيم ده عمي طوالي بالمناسبة من بلدنا مورة ولسه متوهم انه اشايقية عرب وكان عندي سجالات معاه في الفيس ولامي لي رجرجة حولو طردوني يعني في حلقة مفقودة في السودان لازم نجدا عن من هم السودانيين والبعض مركب شريحتين وامركيا هواه
هل امريكا حريصة علي الديمقراطية في السودان؟؟ وهل الشيوعي والبعثي والناصري والاخواني والسلفي قوى ديمقراطية تعبر عن هوية السودانيين الحضارية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ام هم مجرد زبد واصر لم يذهب جفاء ومعطل السودان ؟؟ #الثورة_الثقافية2024
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة