يتسائل كثير من الناس ببراءة لماذا فرض الله علينا الحرب وسلط علينا من لا يخافنا ولا يرحمنا؟! من يعمل في الحقل السياسي يري ويسمع العجب العجاب ولا تملك سوي أن تقول حسبنا الله ونعم الوكيل... وتظل تردد - ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا - {وما أردول إلا حالة ونموذج صغير لحال مسؤولي دولة الفساد والاستبداد والانحطاط الذي أوصلنا إليه دولة الإنقاذ ثم تواصل الانحدار لما بعد إنقلاب ٢٥ أكتوبر}.. إن أسباب إنهيار الدول السابقة الذي نقرأه في القرآن الكريم وفي كتب التاريخ وتلخصه مقدمة بن خلدون📚.. فقد وصلنا إلى هذه الأسباب بدرجة إمتياز فلم الإستغراب والاندهاش؟ أن أصابتنا هذه اللعنة ؟! الحمدلله حتي الآن العقوبة الربانية جاءت أخف قدرا مما كنت أتوقعه شخصياً.. فهناك امم وشعوب أهلكوا جميعاً بما كسبت أيديهم وأصابهم غضب من الله (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب). وقال ﷺ: (والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر ، أو ليُوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم).. هذه الحرب وهذه الفتنة الشاملة التي نعيشها هي إنعكاس طبيعي لحالة الإنهيار الأخلاقي والقيمي التي صارت جزء من حياتنا كمجتمع ودولة.. صار الفساد والكذب والنفاق جزء لا يتجزأ من سلوك مسؤولي الدولة ثم إنتقلت هذه العدوى إلى مؤسسات الدولة والقطاعات العامة والخاصة ثم إلى المجتمع ثم عم القري والحضر.. فسد المسؤولون حتي صار البعض منهم أخلاقهم كأخلاق الشياطين وطبعهم كطبائع الذئاب والخنازير !
كل الذي تسمعونه عن بعض المسؤولين من فساد وتفسق أخلاق الذي لا يخطر علي بال بشر للأسف حقيقة وما سمعتموه قليل من كثير..! أنا توقعت انهيار الدولة والعقاب الجماعي لنا من رب العالمين في آخر أيام البشير.. ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد.. وله في ذلك حكمة يعلمها هو.. بدأ الإنهيار الحقيقي لدولة الإنقاذ الوطني بعد مظاهرات سبتمبر ٢٠١٣م وبدأ التآكل من داخلها ، حيث تشظي الإنقاذيون الي تيارات أبرزها تيار نافع علي نافع وتيار علي عثمان وتيار صلاح قوش.. ووسط هذه التيارات الثلاثة هناك التائهون من شباب الإسلاميين الذين تتقاذفهم الأمواج فتراهم حياري بين معسكري القصر والمنشية قبل سقوط البشير بأربعة سنوات قام عمار السجاد وعن طريق أحد الرفاق بإضافتي في إحد قروبات الواتساب نصف أعضاءه من شباب الإسلاميين الذين ينادون بالإصلاح ويبحثون عن نقطة إلتقاء مع الآخر من الشباب المعارضين وأعتقد وقتها أنهم كانوا صادقين.. وجمع هذا القروب طيف كبير من عناصر المعارضة خاصة الشباب (في هذا القروب خضنا نقاشاً جادا وأحياناً حرباً سجالا تنقصها فقط قعقعة السلاح.. في هذا القروب وجدت فيه ما لم أجد عشره في مئات القروبات الأخري ، وجدت فيه من المعلومات ما يشيب له الولدان واكتشفت أني قبل ذلك كنت معارض مثالي ، كيوت ، صادق وعوير وحمل وديع وامارس السياسة بكثير من حسن الظن !. قبل ذلك كنت أعتقد خاطئاً أن الكيزان مجرد تنظيم أيديولوجي انحرف عن مساره واخطأوا التقديرات ويمكنهم الإستفادة من تجربتهم الثرة من الاخفاقات والفوضي التي خلفوها وأن يخوضوا معركة إصلاح بعيدا عن الشطط والهوس الديني). ما يميز هذا القروب كانت الصراحة ، كان أغلب الإسلاميين في لحظات تجلي مع الذات فرضها واقع دولتهم المنهارة ، وعجزهم عن إيجاد الدواء وابتكار الحلول.. من ناحية أخرى لم تكن المعارضة بأفضل حالا من الإسلاميين فقد أصابهم الوهن والإعياء ونضب ماعونهم من ابتكار الحلول حتي وصل بهم الحال أن طلب خالد سلك من المعارضة الإستسلام للأمر الواقع والمشاركة في الانتخابات المقبلة رغم تحكم الكيزان الفاسدين علي مفاصل الدولة ! وكان خالد صادقاً ونجد له العذر! وكذلك الحركات المسلحة أصابهم الوهن وتمزقوا وتفتتوا وصاروا أمراء حرب في دول الجوار.. كانت حركة العدل والمساواة وبعد معركة قوز دنقو تستجدي البشير عبر دولة قطر أن يجلسوا معهم في حوار والوصول لأي إتفاق ولو من باب حفظ ماء الوجه والعودة الى الخرطوم.. كان فلول النظام البائد من الرجرجة والدهماء وصل بهم العجز والوقاحة والتبلد أن اقترحوا في مسرحية الحوار الوطني أن ينصبوا البشير ملكا مدي الحياة.! وكان هؤلاء الرجرجة والدهماء هم من استلموا زمام الأمور في تلك المرحلة وأصبحوا صناع قرار في الشأن العام..! كان السودان في أيامهم تلك مثل الشاة المريضة الجائعة ومع ذلك يضغطون علي ضرعها لحلبها ولا يجدون الا النذر اليسير الذي لا تسمن ولا يغني من جوع، أصابتهم المسغبة حتي صرخ أهبلهم عبدالرحيم محمد حسين والي الخرطوم (الحتات كلها باعوها أجيب ليكم القروش من وين؟!) وتحول عمر البشير إلي نخاسا وشحادا دولياً كبيرا فعرض جيشه مرتزقة للخلايجة مقابل دريهمات وعرض السودان كله لروسيا مقابل الحماية وأن يظل هو في السلطة.. وكان إخوانه قد صاروا قوادين في كل شيء حتي باعوا الجواز السوداني لكل أجنبي يدفع بالدولار. كان القواد طه الحسيني الذي تدرج من قواد ود صغير إلي أن صار فريق قواد هو الآمر الناهي في شؤون الدولة وصار كبر نائباً للرئيس وبشارة أرور وزيراً للداخلية وموسي هلال مستشاراً للرئيس وحامد ممتاز منظراً وعرابا لهم! وتدرج حميدتي من جندي خلا حتي صار عميد خلا يأمر وينهي وبأمر منه يتم سجن الإمام الصادق المهدي وبموافقة منه يطلق سراحه.. في هذه الأجواء انزوي كل العلماء والكفاءات وأصحاب الضمير الحي حتي خيار الإسلاميين انزووا واصابتهم الحيرة والعجز.. كان الترابي يسعي جاهداً للملمة شتات الإسلاميين ولكن انطبق عليه المثل لن يصلح العطار ما أفسده الدهر.. كان الدبابون والسائحون والألف أخ كاليتامي وابائهم أحياء ، تتقاذفهم أمواج الخلافات.. كلهم أصابتهم اللعنة! في هذه الأجواء كان المتنفس الوحيد للشباب السوشيال ميديا التي أطلت بقوة ، الكل يتنفسون فيها ويزفرون الهواء الساخن.. وفي هذا القروب كان لا بد من لحظات تجلي مع الذات فتم فتح الكثير من الجروح من أجل إزالة القيح ودار فيه النقاش بكل صراحة عن المسكوت عنه.. وسمعت ما يشيب له الولدان..!! لأول مرة في حياتي أسمع بحفر الدخان للرجال وأن مسؤولين كبار في الدولة عندهم حفر دخان لهم ولغلمانهم وفتياتهم في البيوتات الخاصة وفي السفارات في أثيوبيا ومصر وماليزيا ودبي وغيرها.. وسمعت عن أشخاص صاروا مسؤولين ووزراء ووجهاء مجتمع ورجال أعمال لأنهم كانوا قوادين للمسؤولين الأعلي منهم درجة ! كان جزء من مهامهم وقبل أن يصيروا مسؤولين كبار هو أنهم قواد ! كانوا يقومون بتوفير الفتيات والغلمان والنساء الجميلات لكبار المسؤولين..!! كان الفريق قواد طه الحسيني يحتفظ لكل مسؤول في الدولة بملف خاص من الفساد الأخلاقي والسياسي والمالي لذا استطاع أن يرتقي علي أكتافهم وكل من تسول له نفسه مواجهته يعرض عليه كتابه فيصمت..
سمعت فيه عن قوادي الحرب الذين تنحصر مهمتهم في فتنة القبائل وتفكيك المجتمات ، يوكل إليهم الأمر بين الحين والآخر وهذه لم تكن عنصر مفاجأة بالنسبة لي فقد عاصرت عشرات الأمثلة بياناً عياناً في دارفور (مثلاً.. في نيالا كان المجتمع وأفراد الجيش يتداولون أن هناك شاحنات تخرج من مخازن القيادة العامة وهي محملة بالسلاح أحدهما تذهب إلى قبيلة التعايشة وأخري تذهب إلى قبيلة السلامات ليواصلوا الحرب فيما بينهم وعلي ذلك قس في كل الصراعات القبلية في دارفور وكردفان وما تزال حتي كتابة هذه الأسطر تعالج الصراعات القبلية بهذه الطريقة وليس آخرها صراع العرب والمساليت في الجنينة.. وهذه تقريباً هي المهمة الرئيسية الوحيدة التي يجيدها الجيش واستخباراته) !
عرفت في هذه القروب الصحفيين المرتشين ، والصحافيات المرتشيات ، وعرفت فيه المعارضين الفاسدين الذين يشبه سلوكهم سلوك المسؤولين القوادين والذين تم إختراق أغلبهم وتوثيق أفعالهم فصاروا معارضين أصواتهم عالية ولكن يعملون لصالح الإنقاذيين وسمعت عن فيديوهات مسجلة لمعارضين ومعارضات كبار تم توثيقها لهم وهم يمارسون الدعارة في شقق مصر وأفريقيا والخرطوم وغيرها فأدركت لماذا فجأة نجد أن مسؤولاً كبيراً أو زعيم معارضة انتكس في موقف من المواقف أو باع القضية! ولأول مرة سمعت عن شبكة الدعارة والشواذ الذين يحمون بعضهم بعضاً شملت حتي بعض أئمة المساجد والدعاة وانتشر هذا المرض بين بعض المتدينين وكانوا يجدون الحماية من أعلي سلطة في الدولة.. تم الكشف عن الفساد المالي والإفساد ونهب المال العام وممتلكات الدولة وبيع الأراضي والميادين وبيع الشرف وبيع كل شيء ! هذا الباب تحديداً لو تحدثت عنه عاماً كاملاً لن أستطيع أن أحصي ربع ما تم سرده ؛ {وأقسم بالله هذا السودان عظمه قوي جدا فمن هول ما رأيت وسمعت عنه وما فعل فيه الكيزان كان ينبغي أن يتمحي من الوجود زمان}.. سمعت فيه عن فساد المؤسسة العسكرية وهذا موضوع براااه.. فكل ما قرأته فوق عبارة عن نطفة فساد في محيط هذه المؤسسة التي تسمي بالجيش!!.. إن الدعم السريع وبكل ما يرتكبه من موبقات فهم ملائكة بالنسبة لمؤسسة الجيش..! ولسه الناس تتسائل لماذا لا ينتصر الجيش في هذا الحرب وكل الحروب التي خاضها من قبل ولسه البعض يسألني لماذا تقف ضد مؤسسة الفساد هذه !! في خضم هذه الأجواء كنت قد سألت أحد أعضاء القروب وهو أسعد التاي الذي لم يلد الإسلاميين أصدق منه.. سألته ما الحل؟ فقال لي نصا (تذبحوا كل الإسلاميين من أكبر واحد لأصغر واحد وتذبحوني أنا في الأخير) ، ثم أردف إن لم تفعلوا ذلك والله ما حتشوفوا الخير وقد صدق ! وأعتقد أنه وصل لهذا الإفلاس لأنه يعتقد أن أي إسلامي مصاب بفيروس ومرض عضال يصعب التعافي منه! (الناس تبحث عن هذا الفايروس عسي يجدوا لهم العلاج أو يلجأون لوصفة أسعد التاي فآخر العلاج الكي)..
أرسل الله لنا ثورة ديسمبر المجيدة عبر جيل كنا نحسبهم من الضالين وقضت على الدولة الظالمة ولكنا لم نحافظ علي مكتسبات هذه الثورة كالرجال..! دخلنا في تجربة فاشلة ومن أهم أسباب الفشل الآتــي :- ⭕ أولا: التآمر الذي فرضه النظام البائد وعناصره ومؤسساته التي لم يتم تفكيكها وفي مقدمتهم المؤسسة العسكرية ولم يتم محاكمة أي احد من رموز وعناصر النظام الفاسدين !!
⭕ ثانياً: التآمر الإقليمي والدولي وخاصة من دولة مصر عدوة السودان قديما وحديثا ومستقبلاً..!
⭕ ثالثاً: إن بعض العناصر الذين أوكلت لهم مهام الدولة لم يكونوا رجال دولة كما ينبغي وأقل من قامة الثورة العظيمة.
⭕ رابعاً: أن حكومة الثورة ورثت دولة منهارة وخزينة خاوية ومؤسسات فاسدة.. (كان الإمام الصادق المهدي وقبل سقوط البشير بيقول مين المغفل البيستلم السلطة بعد سقوط الإنقاذ؟)!
ثم حدث التآمر وجاء إنقلاب ٢٥ أكتوبر إمتداداً لدولة الإنقاذ الفاسدة فأنزل الله علينا العقاب الجماعي المؤجل.. الآن أمام السودانيين الفرصة لإعادة تأسيس السودان بأسس جديدة وبتراضي الجميع.. مطلوب الجلوس بتواضع وقناعة للبحث عن أسباب هذا التخلف في كافة مناحي الحياة وأسباب هذه الحروب التي تنشأ بين الفينة والأخرى.. أمامنا فرصة تاريخية أخيرة إذا لم نغتنمها هذه المرة سوف لن تقوم للسودان قائمة إلى الأبد وسنكون تاريخ وأثر بعد عين..
12-10-2023, 07:13 PM
مهيرة مهيرة
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 952
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ahmed hmed
مهيرة
Hafiz Bashir
Hassan Farah
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست