للتوثيق: مقالات السيد/ يوسف عزت المعنونة "بين الثورة والسكين جنجويد"

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 10:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-13-2023, 08:56 PM

Moutassim Elharith
<aMoutassim Elharith
تاريخ التسجيل: 03-15-2013
مجموع المشاركات: 1273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
للتوثيق: مقالات السيد/ يوسف عزت المعنونة "بين الثورة والسكين جنجويد"

    08:56 PM June, 13 2023

    سودانيز اون لاين
    Moutassim Elharith-UK
    مكتبتى
    رابط مختصر



    بين الثورة والسكين جنجويد! (1)
    الأفندية الذين حكموا الدولة حينا بالانقلابات العسكرية وحينا بالديمقراطيات القصيرة لم يكن لديهم مشروع لبناء دولة المواطنة.

    يوسف عزت
    المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع

    الجمعة 9 يونيو 2023
    صحيفة العرب اللندنية

    رابط النشر: https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-1https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-1

    رغم شح الوقت نسبة للظروف الراهنة التي فرضتها الحرب لكني كلما أجد القليل من الوقت أتابع كتابات لأتبيّن مواقف عدد من الأصدقاء الذين جمعتنا بهم صفوف العمل العام والنضال الطويل من أجل وطن خير ديمقراطي، وطن زرعوا في مخيلتنا منذ الطفولة صورته بالأشعار والأغاني وعشنا ذلك الحلم حتى هذا العمر. كنا وما زلنا نحلم بأن يأت يوم ويتأسس ذلك الوطن الذي يتساوى فيه الجميع (حبا وشعرا وموسيقى) وطن يفخر به كل المنتمين إليه ويشاركون في رسم مستقبله ولديهم الحق في التعبير عن رؤيتهم لبنائه، وطن يمثل مصالح جميع سكانه ويعالج جراح عقود من الحروبات والقتل. وطن تمزقت أطرافه لكن نستطيع مماسكة ما تبقى منه فقط بالنقد ومواجهة الحقيقة لا أن تهزمنا مصالحنا الضيقة سواء كانت جهوية أو نخبوية.

    غادر أهل الجنوب بعد أن كنا نراهم في الخرطوم يسكنون العمارات التي هي تحت التشييد وفي أطراف المدينة ويعملون في المهن الهامشية لعقود. لم نكن نسأل أنفسنا ما الذي دفعهم من ديارهم ليأتوا للعيش في هذه الظروف البائسة؟ وكنا نغني ونتحدث عن وطن بينما لم نكن نرى عذابات الضحايا حولنا، كانت مأساة الجنوبيين أعمق من أن نفهمها، ففوق اللغة والممارسات الاستعلائية تجاههم كان هنالك إنكار تام أن مأساتهم مرتبطة بالدولة في مستواها المركزي وليست قضية خاصة تتعلق بالجنوب، فرغم ما ظل يعبر عنه الدكتور جون قرنق بأن ليس للجنوب قضية منفصلة عن قضية السودان، وعبر عن ذلك منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان بوضوح عندما قال إن القضية هي السودان كله وإن الأزمة مرتبطة بطبيعة الدولة التي خلفها الاستعمار البريطاني وطريقة تداول السلطة فيها.

    لم يجد أغلب الشعب السوداني أن هذه الدولة تعبر عنه أو يمكنها حل قضاياه ولم يتم تطوير الاستقلال لتأسيس دولة وطنية تستطيع حل قضايا التنمية المتوازنة وأشكال الهوية واقتسام السلطة، وهي القضايا التي قادت إلى الحروب المستمرة في السودان حتى اليوم.

    لكن الأفندية الذين حكموا الدولة حينا بالانقلابات العسكرية وحينا بالديمقراطيات القصيرة لم يكن لديهم مشروع لبناء دولة المواطنة التي تسع الجميع كما يتردد في الشعارات، وظل الإنكار المستمر بأن هنالك سودانيين لديهم حق مشروع في أن يجدوا أنفسهم جزءا من الدولة ويشاركوا في مؤسساتها على المستوى القومي والمحلي، لكن أقصى ما أنتجته الصفوة من خطاب متقدم هو إعطاء الجنوبيين الحكم الذاتي ليحكموا أنفسهم بأنفسهم، وذلك أيضا كان حلا متقدما في حينه، لكن أن يكون لديهم طموح في حكم الدولة فذلك لم يخطر ببال أي أحد أو يمكن تصوره، حتى أحدث دكتور جون قرنق الفرق بأن اخترق الشمال وظهرت الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال في جبال النوبة وفي النيل الأزرق ولاحقا دارفور ثم الشمال البعيد، حيث تدافع الآلاف للانضمام إلى الحركة الشعبية بعد توقيع اتفاق نيفاشا، وهو ما شكل رعبا محليا وإقليميا وحتى عاليما.

    تلك هي مأساتنا ولم أقرأ حتى اليوم رؤى نقدية لما جرى في 2011 واختيار الجنوبيين للاستقلال بأغلبية ساحقة. سكت الجميع ولم يحمّل أحد نظام المؤتمر الوطني هذه النتيجة لأننا جميعنا متواطئون وعلى مر التاريخ جميع الحكومات المتعاقبة استخدمت العنف لإخضاع الجنوبيين وتنصلت من التزاماتها قبل الاستقلال وبعده ونقضت اتفاقية أديس أبابا وأفشلت اتفاقية “الميرغني قرنق”، والطبيعي أن تكون النهاية هذه النتيجة ولا يستطيع أحد لوم الجنوبيين الذين اختاروا الاحتماء من الرصاص بالانفصال.
    كتب شاب بارع الكتابة اسمه محمد حسبو في موقع “سودان للجميع” قبل الاستفتاء بأيام أن المثقفين الشماليين سيتجالدون بالسياط إذا اختار الجنوب الانفصال وكنت من المنتظرين للنقد الذي سيقوم به مثقفو الصفوة لتجربة الجنوب والعمل على تلافي حدوثها في أقاليم أخرى تتشابه فيها القضايا التي قادت إلى استقلال الجنوب، ولكن حتى كاتب ذلك المقال نفسه لم أسمع له صوتا بعد الانفصال، سكت الجميع بشكل محزن.

    برزت الأزمة في دارفور لذات الأسباب والقضايا التي واجهها الجنوبيون وصعدت القضية إلى كل مكان وحدث الانقسام العرقي المدعوم من الخرطوم وأحدث دمارا على كل المستويات، أخرجت الدولة آلتها العسكرية لحسم التمرد وارتكبت تجاوزات خطيرة وصلت إلى حد وصفها بالإبادة الجماعية. ولم يتحرك أحد للوقوف على الخراب الذي خلفه عنف الدولة هناك، لا حزب ولا منظمات ولا نشطاء ولا كتاب، وحتى الآن لم أطلع على توصيف لذلك العنف من الكتاب والمهتمين، وحتى بعد سقوط النظام لم تذهب مجموعة للتحقيق في حجم الجرائم التي ارتكبت هناك ولا المأساة التي خلفتها الحرب على مدى عشرين سنة.

    يقول لك بعضهم نرفض حميدتي لتاريخه في دارفور. من الذي يعرف حميدتي وتاريخه؟ ومن الذي يعرف ما جرى في دارفور أو مهتم بأن يعرف؟ لماذا لم يتم رفض البرهان وهو الذي عمل منذ أن كان ملازما أول في وسط دارفور حتى أصبح قائدا للمنطقة وقاد العمليات وهجر أكثر من 750 ألفا من قراهم إلى أن صار معتمدا لنيرتتي في قمة جبل مرة، ويقول البعض إنه قال قولته الشهيرة “أنا رب الفور”؟ من ذهب ليرى كيف يعيش الناس في معسكرات اللاجئين بشرق تشاد ومعسكرات النازحين في الداخل والاستماع لروايتهم عن الحرب؟ كل ذلك الواقع المزري اعتقدنا أن الثورة ستعالجه.

    وبالنسبة لنا فإن الأزمة أكبر من خلافات الصفوة الفكرية حول الاقتصاد الرأسمالي أو الاشتراكي وأكبر من سفسطة الليبراليين الجدد الذين يتحدثون عن الحقوق الفردية والجماعية للمجموعات النسوية والمثليين، الأزمة أن الملايين من السودانيين أحرقتهم آلة الدولة وفاق عنفها كل حد منذ الاستقلال وحتى اليوم. هنالك أصوات رصاص لم تتوقف، هناك أطفال يحتمون بكهوف الجبال من ضربات الأنتينوف في جبال النوبة ودارفور، هنالك بيوت من القش أحرقت ونزح سكانها تاركين خلفهم ذكريات عظيمة، أشياؤهم الصغيرة لا تقل أهمية عن لوحات دافينشي أو هدايا الوالدين. من يعبر عن هؤلاء؟ عبرت عنهم تنظيماتهم التي أنتجوها بكل تشوهاتها القبلية وطموحات قادتها في الوظائف، لكنها تظل مكونات عبرت عن المظالم الحقيقية لهذه الشعوب ورفعت قضيتهم إلى المستوى العالمي دون أن تتعامل الصفوة مع الأمر بأن هنالك سودان جديدا يتشكل من بين دخان القنابل وأن السودانيين من كل الأقاليم أصبحوا يعبرون عن مظالمهم وقضاياهم بعيدا عن الأحزاب الصفوية والبيوتات التي تعتبر أن السودان هو الخرطوم ومناطق الوعي والاستنارة التي تشكلت ما بعد ميلاد الدولة المستقلة.

    غارقة هذه الصفوة في قضايا بعيدة كل البعد عما يجري في كردفان ودارفور والشرق والنيل الأزرق وسنار والشمالية ونهر النيل، غارقة في صراعاتها الفكرية عبر قراءة الكتب المستوردة، وتشبه اختلافاتها اختلافات مشجعي برشلونة وأرسنال في كافيهات الخرطوم.









                  

06-13-2023, 08:57 PM

Moutassim Elharith
<aMoutassim Elharith
تاريخ التسجيل: 03-15-2013
مجموع المشاركات: 1273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للتوثيق: مقالات السيد/ يوسف عزت المعنونة andq (Re: Moutassim Elharith)

    بين الثورة والسكين جنجويد! (2)
    فكرة الحفاظ على الدولة ومؤسساتها غير مفهومة وما المصلحة في الحفاظ على دولة لم نر منها سوى البندقية والإقصاء وعدم الاعتراف.
    السبت 10 يونيو 2023

    يوسف عزت
    المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع

    صحيفة العرب اللندنية

    رابط النشر: https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-2https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-2

    الحرب تدور في كل مكان وتلفزيون السودان غارق في الأغاني والأغاني المتبوعة بضحكات المرحوم السر قدور له الرحمة وكـأن شيئا لم يكن، سجالات الصفوة في المنابر تتهرّب من مواجهة الأزمة وحتى مشاركات مثقفي تلك المناطق في المنابر المتاحة تُقمع ولا تريد الصفوة سماع ما يعكر تباريها في استعراض قدراتها الفكرية وتنظيراتها التي لا علاقة لها بحريق القرى أو أرقام الضحايا التي تنشر يوميا في صفحات الميديا. إذا تحدث القادمون من المناطق البعيدة عن السودان كدولة أو عن مفاهيم قومية سريعا يتم تحنيطهم في الجغرافيا أو القبيلة لأن من يتحدث عن الشؤون القومية لابد أن يكون من جغرافيا محددة أو ما جاور ذلك من حلال.

    تبعنا الصفوة سنين عددا وصدقنا شعارات الثورة وبناء وطن وقرأنا الكثير من التنظير من يمين ويسار وحتى أحاديث محمد جلال هاشم الذي ينظّر ويدعو إلى تحطيم جهاز الدولة الذي خلفه الاستعمار وبناء سودان جديد، صدقنا كل ذلك ولكن اتضح لي أن كل تلك الترهات الفكرية مجرد قشرة يبتز بها المثقفون بعضهم بعضا في إطار القدرات الفكرية والتنظيرية لتحقيق وضعية المثقف العضوي وغيرها من الأوصاف التي لا علاقة للواقع بها. الآن لمّا وصلت الحرب إلى الخرطوم انحاز حتى محمد جلال هاشم وآخرون كثر إلى آلة الدولة الاستعمارية التي كان يسعى لتحطيمها محمد جلال هاشم، لكنه يريد فعل ذلك بنفسه وبالكلام فقط في المنابر طبعا، فهو لا يملك ولا "مُخباطا" لتحطيم ذلك الجهاز الاستعماري، و"المُخباط" هو ما يحمله الرّاعي ليهش به غنمه لمن لا يعرفون. نقول لمحمد جلال تعال الآن نظّر لمرحلة ما بعد تحطيم الدولة تعال وأرنا كيف نبني دولة جديدة بدلا من الهروب للاحتماء بسلاح الدولة الاستعمارية ذاتها وأنت من حرضت على طرد الجنجويد ونزع الغطاء السياسي عنهم وإعادتهم إلى حواضنهم الاجتماعية ونفذ البرهان وعلي كرتي توصياتك بالحرف.

    هذا الجيش بغض النظر عن سيطرة الإخوان المسلمين عليه في الثلاثين سنة الماضية فقد ظل هو العصا الغليظة لإخضاع كل من يعارض الدولة القائمة ويحمي مصالح فئات ظلت تتداول السلطة عسكريا وديمقراطيا، وتستخدمه لحسم من يعارض أو يحتج أو يتطلع إلى أن يكون جزءا من إدارة الدولة. هذا الجيش لم يكن يمثل كل السودانيين وارتكب كل ما لا يخطر على بال في الجنوب وفي جبال النوبة وفي النيل الأزرق وفي الشرق وحتى في الخرطوم وأد كل الديمقراطيات ولكن يظل هو الجيش حامي الحمى (جيشنا جيش القوة، دخل الجبال جوه وحارب يوسف كوة)، وضباط وجنود الجيش هم أبطال يقاتلون في جبال النوبة ويحرقون ويحسمون أي تطلعات للنوبة أو غيرهم، فذلك مشروع ومبرر فالجيش لا يُنتقد فهو العجل المقدس الذي لا يمكن السماح بتغيير تركيبته الموروثة. والحديث عن الجيش ليس من أغراض هذه الكتابة لكن الصمت على تلك الجرائم والهروب من مواجهة الأسئلة الصعبة قادا إلى المأساة التي تعيشها البلاد اليوم.

    ألاحظ وقوف جيلنا جيل التسعينات بالجامعات السودانية مع الجيش عدا قلة قليلة ترفع شعار "لا للحرب" وهو شعار مقبول وكلنا نردده "لا للحرب"، لكن هل يوقف الشعار الحروب دون مناقشة أسبابها؟ هل يوقف الشعار الحرب الراهنة أم هنالك خطوات لا بد من اتخاذها؟ جيلنا نحن مع الحرب!

    نحن دخلنا الجامعات في التسعينات وانتمينا إلى التنظيمات السياسية المختلفة وجميعها كانت منضوية تحت رايات التجمع الوطني الديمقراطي، وناضلنا في أصعب الظروف لمواجهة عنف الجبهة الإسلامية وكان هدفنا استعادة الديمقراطية والتأسيس لوطن لكل السودانيين، وفي سبيل تحقيق ذلك رفع التجمع شعار الثورة الشعبية المحمية بالسلاح وأقر في مواثيقه استخدام السلاح لإسقاط حكم الجبهة الإسلامية، وفتحت جميع الأحزاب يمينها ويسارها معسكرات للقتال في إريتريا وكانت مهامنا تعبئة الشارع وفي يفاعتنا تلك كنا مصدقين لما يقال لنا من كلام، إذا خرجت طلقة من الجبهة الإسلامية ستقابلها طلقة من التجمع وأن الحرب ستنتهي في الخرطوم ويتم اقتلاع النظام اقتلاعا، صدقنا تلك الشعارات وخرجنا في الشوارع في سبتمبر 95 و96 وهتفنا وكلنا حماس أن هنالك قوة تحمي ظهرنا، ودفعنا الثمن عنفا واعتقالات وتعذيبا.

    تخرّج أصدقاؤنا من الجامعات وسافروا إلى الشرق ملتحقين بالجبهة وكانوا أبطالا في نظرنا وتخرّجنا بعدهم وسافرنا للالتحاق بالتجمع لنجد أن الغالبية كانوا يجهزون حقائبهم للسفر إلى المنافي الجديدة التي فتحت في القاهرة وغيرها. هنا أذكر أنني ذهبت إلى مكتب الصديق عادل (رُز) مدير مكتب الأستاذ فاروق أبوعيسى عليه الرحمة عندما كان نقيبا للمحامين العرب، وصدفة التقيت الأستاذ وتجاذب معي الحديث في صباح باكر وتعرّف علي بالطريقة السودانية العادية: أنت منو ومن وين ودرست شنو… إلخ، وبعد أن عرف خلفيتي ومن أين أتيت قلت له: أريد الالتحاق بالجبهة الشرقية للقتال، قال لي بأبوية ظاهرة: أنت شاب من البدو ودرست ودخلت السياسة والمتعلمين منكم عددهم قليل، وأرى أن عليك أن تهاجر وتتعلم لأن مجتمعك يحتاجك متعلما وليس مقاتلا لتساهم في تنمية مجتمعك والسودان.

    تلك الوصية حافظت عليها، ورغم خلفيتي كقانوني إلا أنني في كندا اخترت دراسة فض النزاعات والتنمية الدولية، رغم علمي أن ذلك التخصص ليس مطلوبا في سوق العمل الكندي، بل لأن فكرة العودة إلى السودان لم تفارقني يوما. إن أصدقاءنا الذين يقفون ضد الحرب اليوم لم يعملوا ضدها في ذلك الوقت، بل تبنوا شعاراتها والسؤال من كانت ستقاتل قوات التجميع الوطني الديمقراطي؟ هل هنالك قوة أخرى غير الجيش السوداني؟ وهل لم تشتبك قوات التجمع مع الجيش في همشكوريب وكسلا والحدود؟ لماذا صار اليوم الجيش خطا أحمر؟ وهل الذين يقاتلهم الجيش ويريد سحقهم جنجويد وقتلهم حلال؟

    الأمر يحتاج إلى مصداقية مع النفس، إذا كان الناس يرفضون الحرب فيجب مناقشة أسباب الحرب في السودان، وليست الحرب التي تدور اليوم في الخرطوم هي بأول الحروب ولا تنفصل أسبابها عن بقية الحروب التي دارت في البلاد، فإذا أردنا جعلها آخر الحروب وأظن أن ذلك ممكن، علينا التحلي بالشجاعة والصدق فالاستهبال السياسي أورد البلاد الهلاك ودفع شعبنا ثمن ذلك في كل مكان بما في ذلك الخرطوم اليوم.

    الكثير من الناس يتحدثون عن ضرورة الحفاظ على الدولة، ما الذي تبقى من الدولة القديمة ليتم الحفاظ عليه؟ وما الذي يجعل الناس يعملون على الحفاظ على دولة لا تمثل مصالح كل السودانيين؟ مقولة الحفاظ على الدولة يرددها اليسار واليمين إذا كان فعلا لدينا يمين ويسار في هذه البلاد، لأن ما أراه من كل هذه المسميات يمين ويسار وغيرهما هو من جملة الأوهام التي يتم تصديرها لأمثالنا.

    فكرة الحفاظ على الدولة ومؤسساتها غير مفهومة وما المصلحة في الحفاظ على دولة لم نر منها سوى البندقية والإقصاء وعدم الاعتراف، دولة ضحاياها بالملايين، دولة أحرقت الأطراف جميعها من أجل كراسي سلطة لا قيمة لها، دولة صفوتها ليست على استعداد لأن تعرف القضايا التي تهم الملايين من الذين يعيشون في حواف الصحراء أو في معسكرات النزوح أو في القرى النائية.

    صفوة مشغولة بصراعات لا رابط بينها وبين القضايا الوطنية الحقيقية، وقد صارت الطريقة الوحيدة للحفاظ على الدولة المعنية هي القتل والسحق، وتلك كلفة عالية جدا قادت إلى ما يحدث اليوم. الورطة كبيرة لأن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه، والضرورة تستدعي صناعة مستقبل بدلا من الاحتماء تحت لافتات الجيش و"الكيزان" وحالة التوهان الظاهرة حتى من الذين حشوا رؤوسنا بفكر الثورة والحل الجذري وغيرهما، عليهم الآن أن يساهموا في بناء دولة جديدة خالية من الحروب، ولكي يتحقق ذلك نحتاج إلى نقد حقيقي لموروث دولة ما بعد الاستقلال وما جرّته على بلادنا من مصائب أو يصمتوا وينحازوا لخيار (عمسيب) بتاع دولة البحر والنهر، وأخشى أن ذلك أيضا غير ممكن لأن وحدة السودان أمر لا لعب فيه وأن شعب الشمال والشرق الذي يتحدث عمسيب باسمه يرغب في العيش بسلام مع الآخرين، فقد تضرر أهل الشمال والوسط من الدولة ذاتها الموصوفة بأنها دولة المركز أو الجلابة، فسكان الشمال الذي رأيته بعيني هم أكثر حاجة من غيرهم إلى التنمية والخدمات والسلام مع بقية شعوب السودان، بينما النخبة التي تحكم وتنهب وتحمّلهم وزر أفعالها جلبت لهم المصائب ولكل البلاد، وعلى السودانيين أن يجلسوا جميعا للاتفاق على دولة تمثل مصالح الجميع، فذلك هو الحل الوحيد والطريق لتحقيق شعار "لا للحرب".
                  

06-13-2023, 08:58 PM

Moutassim Elharith
<aMoutassim Elharith
تاريخ التسجيل: 03-15-2013
مجموع المشاركات: 1273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للتوثيق: مقالات السيد/ يوسف عزت المعنونة an (Re: Moutassim Elharith)

    بين الثورة والسكين جنجويد! (3)
    بمجرد سقوط البشير أول ما فكرت فيه بعض النخب هو تمزيق صورة حميدتي التي علقها الشباب في النفق.
    الاثنين 12 يونيو 2023

    يوسف عزت
    المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع

    صحيفة العرب اللندنية
    رابط النشر: https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-3https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-3


    العسكر للثكنات والجنجويد ينحل وبعدين؟
    أتأمل هذا الشعار منذ إطلاقه والتسويق له وترسيخه كحل للأزمة والمدهش أن من يرددونه أشخاص ذوو كفاءة سياسية وعلمية! إذا استثنينا الشباب الذين يرددون الكثير من الشعارات التي لا يفهمون أو يعرفون خطورتها بالصورة المطلوبة. هذا شعار يحمل أقصى درجات التطرف ورفض أي قادم جديد ولم يشرح لنا مرددوا هذا الشعار الكيفية التي ينحل بها الجنجويد (الدعم السريع).

    أتابع الجدل في وسائل الإعلام وأستغرب، فهنالك طرق معروفة وأصبحت علما في كيفية دمج القوات وتكوين الجيش الواحد في أي دولة خارجة من حروب وفيها تعدد للجيوش سمها ميليشيات أو أي شيء، فالحقيقة المعروفة أن السودان فيه أكثر من جيش وأكثر من ميليشيا بما في ذلك ما يسمى بالقوات المسلحة السودانية، تحولت إلى ميليشيا حزبية وجهوية فلا هي قومية على مستوى قيادتها ولا هي وطنية تحمي البلاد، وكل تاريخها أنها تقتل الشعب السوداني بلا رحمة.

    الذين يطلقون شعار الجنجويد لابد أن ينحل ينطلقون من فكرة ترى في الدعم السريع خطرا على الدولة ، وهي ذات الدولة التي يلتقي في الحفاظ عليها “الكيزانو اليسار” والليبراليون إلا بعض القليلين الذين في عز الأزمة يقدمون صوتا مختلفا. قادتني صدفة قبل شهور لدخول “الكلبهاوس” وأنا لست من رواده، وأثناء بحثي وجدت غرفة أنشأها شاب اسمه إيهاب عدلان لمناقشة موضوع يتعلق بخطر الدعم السريع. وإيهاب عدلان هذا أنا لم ألتقه في حياتي وهو ليس من جيلنا لكن بيننا أصدقاء مشتركين وكل الذي اتذكره كان قادما للسودان من أميركا في إجازة في عام 2022 واتصل بصديق أخبرني أن إيهاب طلب منه أن يتواصل معي لتجهيز شقة وسيارة له ومبلغ 7000 دولار يحتاجها لقضاء إجازة مع والدته، واستغربت من هو إيهاب عدلان؟ وما علاقة الدعم السريع به لتجهز له هذه الطلبات؟ حاول ذلك الصديق تلميع إيهاب لي وبأنه مهم ونجم في “الكلبهاوس” ويهاجم الدعم السريع ويمكن إسكاته طالما طلب هذه الأشياء البسيطة، ولكني لم أكن مهتما بإسكات الأصوات التي تهاجم الدعم السريع وقتها بل بمشروع استعادة المسار المدني الذي نعمل فيه ليل نهار، واعتذرت له بأنني لا أعرف إيهاب عدلان ولست معنيا بتوفير شيء له وقلت له دعه يهاجم الدعم السريع فالموضوع لا يهم كثيرا وهو نشاط في غرف “الكلبهاوس” ولا قيمة له على الأرض. كما أنني لست معنيا بدفع رشاوى لأحد يريد أن يسخر نشاطه لابتزاز الدعم السريع بالمال.

    دخلت تلك الغرفة لأسمع ووجدت أن المتحدث الأساسي فيها كان عبدالله علي إبراهيم الذي كتب عن اقتصاد الحاكورة مبررا ظهور الجنجويد، وشرعن للنظام تجييشه البدو الرحل البسطاء للقتال في دارفور، ويؤسس لهم فكريا ويسندهم بماركسيته المبذولة لتبرير أي فعل ترتكبه الدولة.

    تلك الغرفة الإلكترونية تناولت كيفية التصدي لخطر حميدتي على الدولة. كان حميدتي في ذلك الوقت الرجل الثاني في الدولة ولكنه في ذهن هؤلاء هو خطر عليها! استمعت إلى حديث عبدالله علي إبراهيم وإلى أحاديث شباب آخرين يفكرون في أفضل الوسائل للتخلص من حميدتي، واقترح أحدهم أن تصفية حميدتي كما تمت تصفية قرنق ذلك أفضل وأقصر الطرق، وانتظرت تعليق عبدالله علي إبراهيم على مقترح ذلك الشاب ولكن خاب ظني ولم يقل الرجل الذي يصنف نفسه بشيخ الماركسيين السودانيين وصدّع رؤوسنا بذكرياته مع أستاذه عبدالخالق محجوب الذي يحاول جاهدا ربط تاريخه الشخصي به للانتفاع من رمزيته، حيث سكت عبدالله وهو ما يعني أنه يؤيد ما قيل بأن حميدتي خطر يهدد الدولة ولابد من التخلص منه ومن جيشه.
    شعار “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل” لم يشرح لنا كيفية حل الدعم السريع، هل يضع هؤلاء سلاحهم ويعودون من حيث جاؤوا أم يجبرون على ذلك أم وفق تفاوض أم كيف؟ فإطلاق الشعار سهل ولكن تنفيذه على أرض الواقع يحتاج إلى شرح، فالموصوفون بالجنجويد هم الذين قاتلوا نيابة عن السلطة والدولة المزعومة التي يستمتع أمثال عبدالله علي إبراهيم بظلها منذ الاستقلال وحتى اليوم، هم وقود الحروب جميعها منذ قوات السلام التي كانت رئاستها في مدينة واو بجنوب السودان وحتى قوات المراحيل التي قاتلت النوبة وحتى آخر أداة تم ويتم استخدامها في حروب هذه الدولة التي لا تنتهي. الفرق في قيادة قوات الدعم السريع التي تعي أن الدولة تريد استخدامها كأداة ومتى ما استقرت الأحوال يتم كسر الأداة والتخلص منها، ولذلك حين انطلقت ثورة ديسمبر كان حميدتي واضحا في انحيازه وقوات الدعم السريع للثورة وقدمت فيها مجهودا لا ينكره إلا منافق.

    لم يضع حميدتي قواته في خدمة البشير كما توقع الكثيرون وتبنى شعارات الثورة وأنا شاهد على أن بعض النخب وبمجرد ما سقط البشير أول ما فكرت فيه تمزيق صورة حميدتي التي علقها الشباب في النفق، وذلك عبر إطلاق الشعارات والأغاني (ديل جنجويد جنجويد رباطة) وغيرها، وتوزيع القصاصات الصغيرة التي تهاجم حميدتي في ميدان الاعتصام، وأنا كنت موجودا وآخرين نراقب ما يجري من خيمتنا (ثوار البادية).

    كنت أعرف أن نخبة النادي القديم لا تريد قادما جديدا من خارجها لديه قرار ويستطيع أن يكون جزءا من تشكيل مستقبل الدولة بما يملكه من قوة عسكرية واستقلالية وسند شعبي، ولذلك بدأت الحملات المنظمة بطريقة فيها إسفاف. كل ذلك مفهوم ودوافعه مفهومة ولكن أم الكبائر المحاولات المستميتة التي سعى الناس بكل قوتهم، إسلاميين على يسار، لإلصاق تهمة فض الاعتصام بقوات الدعم السريع، رغم أن القوة الوحيدة التي اعتقلت ضباطا برتب عليا متهمين بفض الاعتصام هي قوات الدعم السريع، والجميع في قرارة أنفسهم يعلمون من دبر وخطط لفض الاعتصام، لكن كانت الفرصة مؤاتية للتخلص من هذا القادم الجديد. إن الدولة بكافة الذين يريدون الحفاظ عليها سواء كانوا إسلاميين أو يساريين، وأنا اليوم في شك من هذه المسميات لأنني أرى اصطفافا ذابت فيه هذه الأوصاف، واتفقت كتابات كل من نظنهم مفكرين وعقلانيين وقادة رأي على التخلص من حميدتي والدعم السريع، ولكن السؤال هل إن ذلك ممكن دون حرب؟

    ما قام به البرهان ومن يقفون خلفه من الإسلاميين يوم الخامس عشر من أبريل هو التحقيق الكامل لذلك الشعار “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، إذ اتبعوا خطوات مرتبة حيث بدؤوا بإعلان قوات الدعم السريع قوات متمردة بسحب ضباط القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى المنتدبين إليها وضرب ما تبقى بالطائرات والدبابات وسحقهم والتخلص منهم واغتيال حميدتي وكافة قيادات الدعم السريع، وبهذا يزول الخطر عن الدولة وتعود الأغاني كما كانت.
                  

06-13-2023, 08:58 PM

Moutassim Elharith
<aMoutassim Elharith
تاريخ التسجيل: 03-15-2013
مجموع المشاركات: 1273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للتوثيق: مقالات السيد/ يوسف عزت المعنونة an (Re: Moutassim Elharith)

    بين الثورة والسكين جنجويد! (4)
    الحديث عن قيادة الجيش وضرورة أن تعكس التنوع السوداني من المحرمات التي لا يجب الحديث عنها.
    الثلاثاء 13 يونيو 2023

    يوسف عزت
    المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع

    صحيفة العرب اللندنية
    رابط النشر: https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-4https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-4

    قرأت لأسماء كثيرة كنت أظن أنها متجاوزة لفكرة حماية الدولة من خطر السودانيين الآخرين، وهؤلاء يحاولون بقدر الإمكان استخدام أسمائهم التي في الذاكرة والتي صنعوها بتبني شعارات العدالة وقبول التنوع وبناء الدولة على أسس جديدة لتبرير ما فعله البرهان، ويبررون لوقوفهم مع الجيش باعتباره مؤسسة وطنية ولا يهم سيطرة الكيزان عليها، فنحن فقط من كنا نصدق أن الكيزان ومشروعهم يجب أن يهزموا لينفتح أفق لبناء دولة المواطنة، لكن الكيزان وغيرهم دولتهم هي القائمة الآن ولا توجد مشكلة في الحفاظ عليها لأن ضياعها سيفتح أبواب الخطر ليس من حميدتي وحده ولكن من آخرين أيضا، فإذا لم تستطع الصفوة احتمال حميدتي ابن ثقافتها العربية الإسلامية لا أعتقد أن لديها ولو مجرد احتمال لقبول عبدالعزيز الحلو أو عبدالواحد أو مني أركو مناوي! ولنختبر ذلك حين غياب البرهان أو القبض عليه أو موته وتحول مالك عقار إلى رئيس للدولة وليس ذلك ببعيد. الورطة كبيرة لكن حلها ليس في مساندة الجيش أو الدعم السريع، الحرب حلها في التفكير في أسباب الحروب والتي هي واضحة للجميع وقال حميدتي قبل فترة “الشنلاقي ما خلى عميان”، ربما لم يستوعب الناس المعنى، والشنلاقي هو طبيب عيون بلدي يعالج العميان في قرى وأرياف دارفور، والمعنى أننا جميعنا أبصرنا ولذلك فليتوقف الناس عن التعامل مع الآخرين بالذاكرة القديمة.

    طيب، نُفذ قرار حل الدعم السريع بالطريقة التي نادى بها الناس فماذا كانت النتيجة؟ هل تم الحل وسلم جنود الدعم السريع أسلحتهم وسياراتهم وغادروا أم تحولت البلاد إلى رماد؟ هذا ما كنا نعمل ليل نهار لتفاديه ونتحدث مع الناس من أجل إيجاد حلول مقبولة وممكنة. أيهما الأفضل القتل والإبادة لقوات الدعم السريع في قلب الخرطوم أم العمل على بناء الجيش المهني الواحد المتنوع وغير المحزّب؟

    حين قُدمت ورقة الدعم السريع في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري وخاطبت المشكلة في بعدها الحقيقي وكيفية بناء الجيش وشروط الإصلاح المطلوبة بما في ذلك شروط دخول الكلية الحربية، وحيث تساءلت هل كانت هنالك فرصة لأمثال حميدتي للوصول إلى بوابات تلك الرتب؟ وهل أبواب الكلية الحربية السودانية مشرعة ومفتوحة ليتخرج منها كل الناس؟ تلك الورقة هيّجت الجيش وداعميه على الدعم السريع وقيادته، فالحديث عن قيادة الجيش وضرورة أن تعكس التنوع السوداني من المحرمات التي لا يجب الحديث عنها، وذلك ما عرضته الورقة بكل وضوح وانسحب ممثلو الجيش قبل الوصول إلى التوصيات النهائية لأن “الكلام دخل الحوش”.

    قرأت مقالا للواثق كمير من منفاه يكتب عن أن الدمج وموضوع القيادة الموحدة هو سبب الحرب، ليبرر انحيازه للجيش والكيزان مستشهدا بعبدالله علي إبراهيم في أن العداء للكيزان مجرد لوثة حتى وإن حملوا أسلحتهم وقاتلوا ونشروا قناصتهم لقتل الدعم السريع فهم يحمون الدولة. ولكن سأعود للكتابة المفصلة عن ذلك في وقت آخر، والأمر لا علاقة له بالدمج فذلك أمر تم الاتفاق عليه وتوقيعه من القائد العام للجيش وقائد الدعم السريع والقوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، وموضوع أن يكون رأس الدولة هو القائد الأعلى لقوات الدعم السريع يتطابق مع نصوص قانون قوات الدعم السريع ولا خلاف عليه، وتم النص عليه في الدستور الانتقالي الذي صاغته لجنة المحامين ووقع عليه البرهان وحميدتي يوم الثالث والعشرين من أكتوبر 2022 بحضور القوى المدنية، وأيضا تم التوقيع على ورقة عرفت بورقة الإصلاح والدمج والتحديث يوم الخامس عشر من مارس 2023.

    يبدو أن الديمقراطية وشعاراتها لم تعد هدفا وأن الحفاظ على الدولة حتى وإن كانت تحت حكم الكيزان هو الأهم، نحن صدقنا وبذلنا جهدنا خلال عامين للعودة إلى مسار التحول الديمقراطي منذ إعادة حمدوك بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2022 وحتى توقيع الاتفاق الإطاري يوم الخامس من ديسمبر، كل ذلك الجهد ليس مطلوبا، وديمقراطية يأتي بها حميدتي وقواته غير مرغوب فيها، فقط العسكر للثكنات والجنجويد ينحل بالقتل وبالطرد “فهؤلاء التتار الجدد” كما قرأت في نعتهم يعكرون مزاج الصفوة بأغاني أم رُدس وأهازيجهم التي تحتاج إلى ترجمة.
    أكتب هذا ليس لإدانة شخص ولا للتعميم فوسط هذه الأزمة هنالك الكثيرون الذين يقفون مع خيارات الشعب السوداني ومع بناء دولة المواطنية والعدالة، وفي شوارع الخرطوم يقاتل كل السودان عكس ما يتم تصويره بأن هؤلاء من دارفور وبدو صحراء، قادمون من بعيد وعابرون للحدود كما كتب عنهم الليبرالي أو الذي لا أعرف اتجاهه الآن عادل عبدالعاطي في مقال هزيل وسطحي يصف بدو الصحراء بأنهم متأثرون بفكر القذافي ومعهم مرتزقة عابرون للحدود، في تطابق فج مع خطاب الكيزان حلفائه الجدد.

    إن قناعتي أن هذه الدولة الوطنية التي تجمع السودانيين وتتحاور فيها الثقافات المتعددة في جو ديمقراطي يساهم في بنائها أبناء السودان جميعهم في الغرب وفي الشرق والشمال وفي الجنوب الجديد وفي الوسط وفي كل شبر من هذه البلاد.

    الشباب الذين يقاتلون في شوارع الخرطوم اليوم ربما يمثل القادمون فيهم من دارفور ومن البوادي 40 في المئة. أما البقية فمن كل السودان وإن كان قائدهم حميدتي من دارفور ويتم تنميطه في القبيلة والجغرافيا، فهو لا ينظر إلى نفسه في هذا الإطار، وقد عبر عن ذلك منذ وقت بعيد، وهم مؤمنون بما يقاتلون من أجله، وجميعهم ومنذ انحيازهم للثورة في 2019 يتلقون تنويرا مستمرا عن الموقف من التحول الديمقراطي والدولة المدنية، ولذلك تجدهم يعرفون جيدا من يقاتلون ومن يقف في طريق تلك الدولة، وبمستجدات الحرب أصبحت القناعة الراسخة لديهم هي بناء دولة تسع الجميع فعلا لا قولا، دولة تحترم شعبها إن جاؤوا من الصحراء أو من طين النيل الأزرق أو من جبال الشرق أو رمال الشمال.
    بدون تلك الدولة المختلفة تماما عن الدولة التي يريد الناس الحفاظ عليها وعلى أجهزتها لا يوجد شيء يوحد السودان أو يغري بالبقاء ضمن حدوده، ولا أعتقد أن هنالك عاقلا يتحالف لحماية الدولة القديمة كما نرى من البعض محاولاتهم باستجداء آخرين لتحالفات جديدة مع ضحايا عنف ذات الدولة لتظل الدولة بذات النهج.

    ما يحدث اليوم فتّح عيون الجميع على أن أي تحالف نهايته هي التي يواجهها شباب الدعم السريع في الإعلام وفي الأرض. حين تقول سارة فاروق كدودة ابنة المناضل فاروق كدودة ابن الشرق في صفحتها “بقيت أفرح بظهور البرهان، حاجات وهمية خلاص” فذلك هو انكسار الحلم التقدمي الذي زرع في الأجيال الجديدة ثم تخاذل عنه أمثال عبدالله علي إبراهيم ومحمد جلال هاشم والواثق كمير وآخرين كثر عندما رأوا بأم أعينهم الدانات في الخرطوم والطائرات والجثث ملقاة على الشوارع، وتلك نتيجة حتمية للصمت على جرائم الدولة والهروب من مواجهة عنفها تجاه المجتمعات السودانية في الأطراف أو ما يعرف بالهامش، التنظير للثورة وتحطيم جهاز الدولة الاستعماري يريده محمد جلال هاشم في خطب المنابر التي تمنحه صفات المثقف الثائر ويحقق ذلك مكاسب معنوية جمة ويلقبه البعض بـ”أب زرد”، ولكن هل تخيل محمد جلال الكيفية التي يتم بها تحطيم جهاز الدولة أم هو متفاجئ؟ وهل له مصلحة فعلية في تحطيم جهاز الدولة التي صنعته ومنحته الألقاب وأجلسته في المنابر وباسم الثورة والعدالة والرفض حاز على مكاسبه الاجتماعية ويرى في الجنجويد خطرا يهدد موقعه المعارض داخل منظومة الدولة؟ ومن له مصلحة في تحطيم جهاز الدولة؟ هل سيقوم المستفيدون من هذه الدولة بتحطيمها أم المكتوون بنارها والمقصيون والمقتولون والمقاتلون لحمايتها؟ يحدث الآن حل الجنجويد وحل الدولة وحل كل شيء فهل هنالك إمكانية وشجاعة للاعتراف بالأزمة حتى يجلس الجميع بتواضع لحل سياسي يمنح الشعب السوداني فرصة لحياة آمنة ومستقرة؟
                  

06-13-2023, 08:59 PM

Moutassim Elharith
<aMoutassim Elharith
تاريخ التسجيل: 03-15-2013
مجموع المشاركات: 1273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: للتوثيق: مقالات السيد/ يوسف عزت المعنونة an (Re: Moutassim Elharith)

    بين الثورة والسكين جنجويد! (5)
    بدلا من البحث عن حلول لأزمة الجفاف جاءت الدولة بمشروع غريب وهو الأسلمة والتعريب ورفعت شعارات تسعى لمحو ثقافات الآخرين وفرض استعرابهم بالقوة.
    الأربعاء 14 يونيو 2023

    يوسف عزت
    المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع

    صحيفة العرب اللندنية
    رابط النشر: https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-5https://alarab.co.uk/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AC%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%8A%D8%AF-5

    من هم الجنجويد:
    لم يكن لعرب دارفور مشكلة مع جيرانهم ومع أهل دارفور عامة وعاشوا منذ مجيئهم من شمال أفريقيا كبدو ضمن النسيج الاجتماعي للمنطقة، يمارسون حياتهم البدوية حيث ينشقون خريفاً إلى ما بعد وادي الهور ويلتقون هناك بالمرحال الصبحاني القادم من شمال كردفان ويعودون في الصيف إلى الصعيد في رحلة معروفة، ولديهم مسارات مفتوحة تمر بكل الحواكير ولهم علاقات مع كل القرى التي يمرون بها ومواسم نزولهم من دار الريح تكون بمواقيت معلومة مرتبطة بما يعرف بالطليق، وهو ما بعد الحصاد. وكانوا جزءا من سلطنة دارفور لسبعة قرون عاشوها في سلام وأمان وتسامح، تزوجوا من كل الأسر واحتفظوا بثقافتهم العربية البدوية وبرقصاتهم وأشعارهم وسباقات هجنهم، لا يستعلون على شخص ولا ينظرون إلى عروبتهم على أنها ميزة فوق الآخرين، متسامحين مع ذواتهم ويخضعون لسلطة السلطان الذي هو من الفور ولأي إدارة أهلية يمرون بها في ترحالهم وفق أعراف موروثة.

    الجفاف والتصحر اللذان شهدتهما المنطقة في بداية ثمانينات القرن الماضي تسببا في نشوب خلافات عادية بين الراعي والمزارع لأن مساحات الرعي ضاقت. ولكن الأمر الذي يعتبر غير عادي هنا هو انشغال السلطة عن الأزمة وبدلا من البحث عن حلول جاءت الدولة بمشروع غريب وهو الأسلمة والتعريب ورفعت شعارات تسعى لمحو ثقافات الآخرين وفرض الاستعراب بالقوة فكان من الطبيعي أن يقاوم الناس ذلك المشروع، فأهل دارفور مسلمون قبل انضمامهم إلى السودان واللغة العربية هي اللغة الرسمية لسلطنة دارفور منذ نشأتها، فما هو الإسلام الجديد والعروبة اللذان تريد سلطة الخرطوم فرضهما على الناس؟

    بدأت الحروب ولجأت الدولة إلى هذا المخزون البدوي الأكثر تهميشاً لاستغلاله في مواجهة المكونات التي تعايشنا معها لقرون وفي المقابل أخطأت حركات المقاومة المركزية عندما استثنت المكون العربي البدوي الأفريقي؛ فالعرب في أفريقيا هم أفارقة مثلهم مثل المكونات الأفريقية الأخرى. وكان جوهر الموضوع هو بناء دولة التعدد، وأفريقيا عموما ودارفور التعدد فيهما واقع وكان مستوعباً في نظام السلطنة، إلا أن حركات المقاومة تبنت شعارات أفريقيانية متطرفة في بداية انطلاقها كرد فعل على برنامج السلطة الإسلامي العروبي المتطرف هو الآخر.

    السلطة هي التي جيشت وصرفت المليارات وكان عوض ابن عوف الذي أصبح لاحقاً رئيسا ليوم واحد حينئذ قائدا للاستخبارات في القوات المسلحة وهو المشرف على القيادة بينما الاستقطاب متروك لموسى هلال مقابل المال على كل رأس. أدخلوا في رؤوس هؤلاء البدو البسطاء فكرة أنهم جزء من الدولة العربية ولا بد من حمايتها من المد الأفريقياني، وهكذا ربطوا البدو البعيدين كل البعد عن الدولة وحمايتها بمشروع أحرق البلاد وخلق شرخاً سيتطلب من أهل دارفور قضاء عقود في إصلاحه.

    معظم الكتاب ينظرون إلى الصراع في دارفور على أنه قبلي ويتحاشون ذكر دور الدولة والجيش في تحويل الصراعات البسيطة إلى صراعات مركّبة، وحتى كتاب سليمان حامد القيادي الشيوعي الذي صدر في بداية حرب دارفور والمعنون بـ”دارفور، وضع النقاط على الحروف” كان “فضيحة” وكشف لي مدى عدم معرفة الصفوة بالسودان وبدارفور حيث بدا عبارة عن منشور ليس فيه أي حرف مفيد دعك من النقاط! وأذكر أني ناقشت العم التجاني الطيب له الرحمة حول جهل سليمان حامد بدارفور وهو في قيادة الحزب الشيوعي، قال لي “لا سليمان وصل إلى حد نيالا بنفسه!” وذلك كشف لي أن حتى التجاني يرى أن الوصول إلى نيالا كاف لأن يفهم الشخص دارفور وتعقيداتها.

    مشروع الجبهة الإسلامية وهي في السلطة لا يختلف عن المشاريع التي قبلها، الفرق أن الجبهة الإسلامية كانت واضحة ولا تغلف مشروعها بعبارات منمقة بل فرضته بقوة السلاح، سلاح الجيش ذاته الذي استخدمته جميع السلطات المتعاقبة. قبل الجبهة الإسلامية كنا مجرد مخزن للأصوات لحزب الأمة الذي يتشدق قياديوه، ومن بينهم مبارك الفاضل، بأنه مازالت لديه عضوية داخل الدعم السريع تمده بالمعلومات وتؤكد له موت حميدتي! مبارك الذي عليه إزالة اسم المهدي من اسمه، لأننا نحن أولاد أنصار ونحترم المهدي الإمام لأن أهلنا كانوا يقدسونه، لا أظن أن له ذكرا في ألسنة هؤلاء الشباب ولا مستقبل له في دارفور، فحينما كانت الطائرات التي تضرب شباب الدعم السريع منذ 15 أبريل حتى كتابة هذا المقال تدك قرى دارفور، كان مبارك ربيباً للبشير وعوض الجاز ويبحث عن الاستوزار والمال وهو الذي لم ينتصر في أي معركة من أجل الشعب السوداني منذ صباه حتى كهولته الراهنة، ولا يحمل مشروعاً سياسياً غير مصالحه مستقلا اسم المهدي كعلامة للبزنس السياسي.

    إن استخدام هؤلاء البدو كأدوات ورميهم غير ممكنيْن مرة أخرى، هم وخلفهم بواديهم وقراهم في الصعيد وفي سنار والنيل الأزرق وجبال الشرق سيكونون جزءاً من مستقبل هذه البلاد إذا قدر لها ألّا تنهار، وعلى الجميع أن يتقبلوا هذه الحقيقة مهما كانت مرة ومزعجة لأن هذا هو الواقع فهم ليسوا “مقطوعين من شجرة” ويمثلون حواضن أكثر عددا من غيرهم ولا يخشون الخيار الديمقراطي الذي بالتأكيد سيفرز أيضا سلطة مختلفة لأن أي ديمقراطية قادمة سيخوضونها أصالة ويطرحون برنامجهم ويتحالفون مع من يلتقي معهم من النادي القديم أو القوى الجديدة، وليست هنالك أصوات يأتي بها مبارك الفاضل أو غيره مرة أخرى للسلطة محمولاً إلى كراسي الوزارات على أكتاف قواعدهم، فقد انتهى ذلك الزمن.

    ختاماً هذه كتابة، أو تداعٍ، وستتبعها كتابة أخرى إذا توفر الوقت عما جرى ويجري وسأكتب كفاعل في الأحداث وممثل لقائد قوات الدعم السريع في العملية السياسية منذ أن بدأت بالاجتماعات الخاصة حتى وصولنا إلى الحرب يوم 15 أبريل، وتلك كتابة توثيقية ربما تكون أكثر دقة من هذه، ومع كل أصوات الرصاص نقول إن ثمة حلما بوطن على الذين يؤمنون به ألا تخذلهم الجغرافيا أو محاولات الحفاظ على الدولة القديمة، والحرب سيئة وليست خياراً ولكن يمكن تحويل مأساتها إلى بناء مستقبل، وأمامنا رواندا أقرب نموذج خرجت من الإبادة لتكون من أقوى الدول في المنطقة فلماذا لا نصنع نحن تاريخا جديدا لبلادنا؟



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de