مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7*****

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 08:17 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-05-2023, 08:34 PM

حسن كجروس
<aحسن كجروس
تاريخ التسجيل: 12-06-2019
مجموع المشاركات: 77

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7*****

    08:34 PM June, 05 2023

    سودانيز اون لاين
    حسن كجروس-USA
    مكتبتى
    رابط مختصر



    August 23.2004
    (7)
    كان حظنا آواخر التسعينات ونحن بعد يفع في مضمار الهجرة بالقاهرة ، ان قابلنا صديقتنا ماما ماجوك. اختصرت لنا الطريق، غطتنا بجناج امومتها الدافئ حينما كنا نصر علي ركوب موج بحر المجون. كانت تحرسنا وتحمينا من جنوح اول الشباب وهوس الاغتراب والهجرة .كانت تلهمنا الثبات وعدم اليأس من الحياة .
    كانت تخرجنا من فوضي مكان لا تحكمه القوانين المتعارف عليها خارج شارع الهرم.
    تهب مسرعة لنجدتنا حين يعلق احدنا في لجج الليل المحفوفة بكثير من المخاطر - والتي اقلها السقوط في شبكات تجارة الاعضاء او الموت بالسقوط في مزالق المجون الكثيرة - .
    كانت صديقتنا ماما ماجوك هي دليلنا لعوالم حياة مشردي الحروب والمهاجرين في القاهرة. كانت هي نفسها محاربة قديمة . رمتها قسوة الحروب لازقة القاهرة وحواريها الضيقة .وجدت نفسها وحيدة الا من اطفالها الاربعة. اثنان منهما مات اباهما في الغابات بعد ان حرقت نيران الحرب قريتهم الصغيرة. ورثها بعده اخاه الاصغر ، تزوجها في معسكر ايواء في اطراف كمبالا . انجبت منه طفلين آخرين ،لكنه تركها وعاد للحرب في الادغال.
    هو ايضا اختفي مع من اختفي من أبناء حركات المقاومة المسلحة ولا احد يعرف ان كان ميتا ام حيا.
    تم ترحيلها هي وأطفالها مع عدد من ضحايا الحرب بطائرة تتبع للامم المتحدة. نقلتهم الطائرة من معسكر التجميع بشمال يوغندا وافرغتهم علي ارصفة مطار القاهرة. اعطاهم الموظف أرقاما لمتابعة طلب هجرتهم مع مكتب اللجؤ بالقاهرة.
    امضت ماما ماجوك واطفالها الاربعة ليال من غير طعام.
    دفعها طول إجراءات اللجؤ و قسوة شتاء القاهرة من رصيف المطار لارصفة مصر الجديدة .وجدت نفسها تجر أطفالها نحو ميدان التحرير حتي انتهي بها التشرد لاطراف الجيزة . لا أحد يكلف نفسه عناء المساعدة.
    قسوة الجميع اجبرتها علي العمل بالبيوت بعد ان مات اصغر اطفالها علي رصيف ميدان التحرير بردا وجوعا ومرضا.
    (لم تكن وحدك يا صديقي بهنس...)
    لاجل ابنها الذي بقي ، ولأجل اختيه الصغيرتين ،كانت تغسل وتكنس وتمسح ، وتتحمل العنصرية والاحتقار مقابل بقايا الطعام لتطعم ثلاثة افواه صغيرة جائعة.
    كبر أطفالها فصارت بنتها الكبيرة تعمل في شقق فقراء القاهرة الذين علي فقرهم كانوا يجدون لذة في القسوة علي ضعفها. كانوا لها كالكفيف يتسلي بضرب الميت.
    ابنها الصبي انضم لمجموعة تسمي (عصابات النيقرس). كانوا صبية مراهقين من اطفال ضحايا الحروب . وجدوا انفسهم منبوذين من المجتمع فتماسكوا بعضهم البعض للامساك بذيل الحياة .كانوا يحمون بعضهم ، حال تعرض أحدهم لتحرش الصبية والبلطجية في احياء جنوب القاهرة .
    كانت ماجوك قادرة علي تطبيب جراح اطفالها الظاهرة ،لكن لا احد يعلم مقدار ما يعانيه اطفال الحروب من جراح نفسية.
    كانت ماجوك صورة من التسامح.
    بمقدار ما رأته بحياتها من عنصرية و قسوة وظلم وتشرد، كانت لها قدرة نبيلة علي التسامح ومقايضة الكراهية و الاستهتار بحب ومسئولية.
    كانت تبتسم وتسخر من كل شئ حولها حتي ونحن في عز المأساة.
    سألتها مرة عن سر ابتسامتها هذه ونحن نعيش كل هذه التعاسة ! .قالت :(نحن مجبرون علي الابتسام لأن وجوهنا تخفي مشاعرنا .بدون ابتسامة بيضاء واسعة تبدو وجوهنا غاضبة فيخافها الآخرون).
    قالتها وضربت علي كتفي واستغرقت في ضحكة عميقة وهي تنحني ممسكة ببطنها من شدة الاستغراق في الضحك.
    (لا تكن شفافا اكثر من اللازم ، ستنكسر كالزجاج مع اول اصطدام بالواقع)
    رسمت بعض الجدية علي وجهها وقالت: (هذه هي الحقيقة انهم يخافوننا لأننا مختلفون. ليس هنا في القاهرة فحسب ، اينما تذهب ستجد بين الناس نوعا ما من العنصرية .حتي ولو أخذنا خمسة أخوة الي جزيرة نائية، فانهم سيخلقون نظاما طبقيا للتفاضل فيما بينهم مع مرور الوقت .حتي وهم متشابهون ،فسيجدون وسيلة اخري للتفاضل.
    (خذ الحكمة من أفواه المقهورين).
    كانت ماما ماجوك متصالحة مع ذاتها ، ومع واقع التشرد الذي أجبرتها عليه ظروف الحرب. وفقت اوضاعها هنا في سوق المهاجرات المشردات .
    حكت لي انها منذ أن وطئت اقدامها ليل الهرم عرفت ان خياراتها محدودة لخيار واحد هو (الرضا بالقليل و ضمان النجاة). فمن لم تمنحه الطبيعة القدرة علي الانكسار في المجون فعليه إيجاد بدائل أخري.
    اشتغلت ماجوك في إدارة شئون المشردات مستعينة بالكنائس والمساجد ، فنجت من امتهان المجون.
    قالت لي مرة : انها تعرف كل بنات الليل المشردات وتساعدهن في البقاء علي قيد الحياة. هن هنا بلا ارادتهن، فلا أحد يدخل عالمنا هذا باختياره .كل هؤلاء الفتيات لايملكن مالا ، ولا اوراقا ثبوتية ، ولا قريب ولا صديق يهتم بامرهن . لابد مما ليس منه بد اذا .انا هنا حلقة وصل بين المشردات ورجال ونساء البر في المساجد والكنائس والمنظمات ، والمراكز الصحية الخيرية. اساعد الفتيات بمتطلبات النساء الضرورية واطعمة وملابس وأدوات صحية .
    كانت صديقتي ماما ماجوك تدرك تماما ما يدور من حولها ، لذلك اتفقنا علي انها حتما من سلالة ملوك غابات اعالي النيل. لولا ظروف الحرب لكان لها شأنا عظيما.
    انظر لجمال سوادها الابنوسي اللامع ولاعتدال هامتها ولطول قامتها الذي يجعلها تري كل مضمار الحياة من اعلي.
    ماما ماجوك كانت تعلم من أين أتت لكنها لا تعلم لماذا انتهي بها الأمر الي هنا .وبضحكة جميلة من وجهها الحنون اخبرتني ان غدا سيكون اجمل . هي لا تهتم بما يحمل غدا






                  

06-05-2023, 09:07 PM

حسن كجروس
<aحسن كجروس
تاريخ التسجيل: 12-06-2019
مجموع المشاركات: 77

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7***** (Re: حسن كجروس)

    ***********
    (6)
    اعود للطائرة بذات حركة يد الرضيع امامي، يلعب بعقد علي صدر امه يحركه يمنة ويسرة .انا معلق بين الوعي واللاوعي. احدق في عتمة الطائرة، فيخرج من العتمة هذه المرة صديق معاناة السفر و الهجرة. كان يحرك زجاجة البيرة يمنة ويسرة و فجاة يندفع لحلقة الرقص ليندلق بين فتيات الليل في حماس وشهية بصالة الرقص بنادي افريكانا بشارع الهرم.
    لم يكن ثمة أحد يهتم كثيرا بامر فتيات في عمر الزهور من القرن الافريقي او من غرب ووسط افريقيا تقطعت بهن السبل في القاهرة. وصديقنا يقلب عينيه المحمرتين بينهن، حسرة علي ما انفق من شبابه بين رواكيب بائعات الشاي في اسواق الناقة والمويلح .
    كانت نفس القصص ونفس التراجيديا عندما تهد الحروب حائط الستر عن النساء بموت الرجال الشجعان .تموت الرجولة فيمن نجا من الرجال. يصبح الرجل حيا ميتا .يحتسي الشاي والقهوة ويبرم شاربه نكاية في ضعف أرملة اضطرت لبيع الشاي بعد أن تركها زوجها.
    قصص المهاجرات هي نفسها في عشوائيات أطراف مدن السودان او في اطراف القاهرة فلكل واحدة منهن قصة تبكي قلب من يسمع.(نحن ضحايا الحروب)بعضهن تم ترحيلهن من دول الخليج لأسباب صحية او بسبب انتهاء اقامات الاستقدام، وبعضهن حضرن مع زوج او حبيب او قريب بغرض الهجرة لدول الامن و الحرية والرفاهية في العالم الأول. نفس الدول التي تصنع أسلحة الحروب وتزرع الطغاة في دول العالم الثالث.
    يسافر شباب الدول الفقيرة بالتهريب، هجرات غير شرعية نسب الموت فيها اضعاف نسب النجاة. وتبقي الشابات علي امل اللحاق بهم، بنسبة نجاح في الهجرة لا تزيد عن الواحد بالمائة . يتكدسن في مبان مهجورة او شقق ايجار تنقصها ابسط الخدمات باحياء القاهرة الفقيرة.
    بلا إقامة رسمية ولا حياة كريمة يختفين مع اول خيوط الفجر ولا يخرجن الا بهبوط الظلام. تماما كالخفافيش .
    لا احد يهمه امرهن، لانهن في حسابات الدولة لاوجود لهن .بعضهن لا يتحدثن لا لغة عربية ولا انجليزية . يتواصلن مع العالم بالاشارة والايحاءات الرخيصة ويتعرضن للابتزاز والانتهاك من كل صنوف الرجال.
    يصمتن علي كل ما يتعرضن له ، خوف التعرض للترحيل او السجن .
    يتحملن كل ذلك ويصبحن اكثر ضعفا للمفترسين كلما تاخر الليل وقل الطلب عليهن.
    حينها يصبحن بضاعة رخيصة ملقاة علي ارصفة شارع الهرم، لمسافر علي عجلة من امره ، أو طالب علم فقير مبتعث من دول أفريقيا ، أو مغامر مشرد مثلهن يحلم بهجرة غير شرعية حتي ولو لاسرائيل ان تعذرت اوروبا.
    الفتاة المحظوظة منهن من تحظي بسفير افريقي ، أو لاعب كرة محترف ، أوشيخ خليجي متصابي، أو أحد اثرياء الصدفة من عصابات التنقيب عن الذهب في صحاري افريقيا، فهؤلا يدفعون بسخاء
                  

06-05-2023, 09:13 PM

حسن كجروس
<aحسن كجروس
تاريخ التسجيل: 12-06-2019
مجموع المشاركات: 77

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7***** (Re: حسن كجروس)

    **********************
    (1)
    وقفت صديقتي ماما ماجوك تودعني هي وبنتها الصغري أمام صالة المغادرة بمطار القاهرة .كانت تحاول إخفاء دموعها وهي تشكرني علي زيارتهم بعد كل هذه السنوات.
    ابنها الكبير هاجر لأستراليا وتزوج هناك .بنتها الكبري تزوجت قريبها وهاجرت معه لبريطانيا. بقيت ماما ماجوك وبنتها الصغيرة بالقاهرة.
    حكت لي انها أخيرا شعرت بالاستقرار المادي والنفسي بسبب ما يرسله لها ابنها وبنتها الكبري .اشترت شقتها هذه والحقت بنتها بمدرسة جيدة .
    هل صارت مصر ارحم و احن علي ماما ماجوك و بنتها من جوبا و الخرطوم .؟؟
    ماجوك مثلي لا تعرف لأي السودانين تنتمي فجنوب السودان يعتبرها شمالية ماندكورو (Man do cruel ) (كما لقنها المستعمر الانجليزي لاهلنا في جنوب السودان) والسودان الشمالي يرفض منحها الهوية السودانية عقابا علي الانفصال.(كما يشيع دعاة الانفصال بالشمال).
    ودعتها ووعدتها بزيارات اخري كلما توقفت بالقاهرة .
    لا أحد يعرف ما تحمله ماما ماجوك داخلها من حب للسودان الكبير أو كما يحلو لها. ( السودان تور ابوقرن) .
    لقد كانت سيدة كريمة نبيلة معنا ايام تشردنا في القاهرة اواخر التسعينات لم يكن يجمعنا الا غرفتها الباردة المظلمة الضيقة وحضنها الدافئ الفسيح في ليالي شتاء لا ترحم .
    كانت تتقاسم معنا قوتها وقوت عيالها و تتنازل لنا عما كانت هي أحوج منا له.
    كانت ماما ماجوك تخاف عليّنا بقلب الام وهي لا تكبرنا الا بسنوات قليلة ونحن نتسكع نهارا بين السفارات طلبا للهجرة وليلا يهيم بعضنا بين الحانات طلبا لما ينسي مرارة التشرد .
    كانت تسألني كلما قابلتها في زحام أزقة العتبة ان كنت جائعا أو في حاجة لمال، او كما كان يحلو لها : (يازول انت كويس)؟؟؟وهي جملة لمن لا يفهم لغة أهل السودان تعني الكثير !!!!!!
    كم اشكر الزمان ان سمح لي بمقابلتها مرة اخري في زيارتي هذه للقاهرة بعد عقود من الزمان .وجدت وجهها كما تركته بل أكثر ابتساما ونضارا وصلابة.
    الان أودعها وانا في غاية الطمأنينة انها علي ما يرام. اتممت إجراءات السفر وجلست علي مقعدي يمين الطائرة جهة النافذة .
    (2)
    اما ماما نوره بورتكاليس عنوان هذا الاستجرار ، فهي موظفة بالامم المتحدة جلست الي جواري في رحلتنا هذه من القاهرة لنيويورك.
    كانت اول الامر تبدو عصبية او ربما انها كانت قلقة من صحبة الاغراب مع توقعات رحلة طويلة كهذه.
    كانت تنظر حولها بحذر حال كل الركاب عند معاينة جيران المقاعد في المركبات العامة.
    حاولت ان أطمئن قلقها بايماءات من راسي و بابتسامات بريئة ثم بتحية انجليزية رسمية .
    بادلتني التحية بابتسامة مترددة .
    وضعت معطفا وظرفا جلديا يحوي الكثير من الاوراق علي مقعدها .وقفت تطلب مساعدة المضيفة في رفع حقيبة متاعها الشخصي في الادراج العلوية.
    جلست قربي بحذر كانها تتحاشي ان تمس يدها مسند مقعدي.
    كنت ابتسم لها كلما نظرت نحوي حتي اطرد الخوف عن قلبها تجاه سمرتي البائنة. هنا تذكرت حكمة لصديقتي ماجوك ساحكيها لكم لاحقا (ابتسم فانت في نظرهم اسود قبيح .ابتسم فسيخافونك ان لم تفعل ).
    اجتهدت في كسر حاجز الصمت مع هذه العجوز الخائفة بمزيد من التودد وسألتها عن الوقت ثم تحدثنا عن رحلتنا المزمعة. ادهشها اول الامر اجادتي الإنجليزية بلهجة اهل بوسطن.
    قالت بعفوية من رفع الكلفة -انها اول الامر ظنتني من جهة الصعيد او أسوان،
    ثم أعقبت ساخرة:( هؤلاء قدرهم الا يخرجوا من صعيد مصر الا عمالة رخيصة للخليج أو ان تفني اعمارهم عساكر سخرة لضباط الجيش والشرطة من ابناء القاهرة- برجوازية مصر الجدد-) وافقتها بهزة مترددة من راسي لنتجاوز الحرج فتنهدت بحسرة.
    اخبرتها ان أصلي من السودان .التفتت نحوي بكامل جسدها .أخذت تتمعن ملامحي كانها تتأكد من توافق شكلي مع القالب النمطي لهويتي السودانية .
    سالتني باستغراب ان كنت من شمال ام جنوبه؟
    (هذا السؤال دلالة علي انها تعرف ما يدور بالسودان الكبير أكثر مما يعرف العوام في شمال الوادي ).
    اجبتها باني من السودان (جنوبه وشماله) او بمعني اخر انا اصلا لم افوض احدا للانفصال، ولااعترف به .
    كنت اضغط الحروف نطقا لتفهم ما اقول فمنذ الانفصال (لشمال وجنوب) قانونيا لم تعد دولتي السودان موجودة علي خارطة الامم المتحدة. سوداني الذي اعرفه مساحته مليون ميل مربع، يتمدد من عنق افريقيا الي سرتها، اي من حلفا شمالا الي نيمولي جنوبا .
    لم تدري كيف تشاطرني الحسرة ،فأخذت تحدثني عن زياراتها السابقة للخرطوم وجوبا ، وكيف أنها ترانا شعبا واحدا رغم الانفصال.
    وافقتها ظاهريا لكني كنت اعلم انها مجرد كلمات مواساة لا غير .
    حدثتني بعد ذلك عن طبيعة عملها في البلدان الفقيرة، وكيف ان المراة والطفل هم من يدفع فواتير عدم الاستقرار الذي يعقب الحروب والاضطرابات الأمنية و تبعاتها الكثيرة .
    كانت تصمت كلما علا صراخ طفل في المقاعد المجاورة .تنهض مستفهمة تتمعن الطفل وهو يتلوي في حجر امه حتي تطعمه الام ثديها ليسكت عن البكاء.
                  

06-05-2023, 11:41 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48784

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7***** (Re: حسن كجروس)

    يااااااه !!!

    شكرا لك يا حسن كجروس

    مع التحايا لك ولماما ماجوك
                  

06-07-2023, 04:49 AM

حسن كجروس
<aحسن كجروس
تاريخ التسجيل: 12-06-2019
مجموع المشاركات: 77

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7***** (Re: Yasir Elsharif)

    (3)
    جارتي نوره بورتكاليس إمرأة في اواخر الستينات .تبدو صغيرة الحجم لكن ملامح وجهها صارمة جادة . اظنها شخصية ادارية تهتم بالتفاصيل الدقيقة.
    لونها يشبه لون الطلح المبلول، وقوامها نحيف رقيق كاعواد القمح شئ فيها يذكرني امي.
    لكنها لا كامي تبدو عصرية أنيقة ,ترتدي بدلة حمراء وقميصا ابيضا منفوش الياقة وبنطلونا رماديا قصير.
    تكسو وجهها مسحة جمال قديم ,لا تضع عليه سوي احمر شفاه خفيف تكاد لا تراه ان انت توقفت للتمعن.
    تبدو جذابة تحت التجاعيد ,فهي بلا شك كانت من أوائل من نلن حظ التعليم والتوظيف من نساء هذه المنطقة.....
    ردت علي نظراتي بتعريف بسيط عن نفسها وهي تمسح بمنديل ورقي علي نظارتها الطبية المعلقة حول عنقها بسلسلة ذهبية دقيقة.
    اخبرتني انها مصرية من اصول يونانية، تعمل الان مستشارا باليونيسف. حضرت للقاهرة لحضور مؤتمر يختص بتطعيم الأطفال في أفريقيا و الشرق الأوسط، بعد الاضطرابات الأخيرة وحالة اللادولة في كثير من بلدان المنطقة الفقيرة.
    كانت تحدثني بجدية كاني ادير معها حوارا متلفزا علي الهواء.
    اخبرتني عن ارتفاع معدلات التشرد الأسري، عن البطالة وعن الهجرة الغير مقننة ، عن ارتفاع معدلات الطلاق والعنف المجتمعي نتيجة الصراعات القبلية والدينية والسياسية في المنطقة.
    كانت تتحدث مستدلة بأرقام وإحصائيات حقيقية .
    عرجنا بالحديث في معارج كثيرة .كانت تتحدث باشفاق عن حال النساء في بلادنا .
    سألتني فجاة عن أسباب سفري !!!
    حدثتها عن سودان نهاية التسعينات وعن هجرتي عند انسداد الأفق وقتها بسبب الحروب العبثية التي كانت تجد من يتحمس لها بعد كل اتفاقية سلام.
    تحدثنا بعد ذلك عن التحول و التغيير الذي تحدثه الهجرة في مفاهيم المهاجرين وتبدل رؤيتهم للحياة ككل ,وعن علاقتهم بالمرأة والدين والوطن.
    استنكرت علئ طول اغترابي. قالت ان:( ضحايا هجراتنا الطويلة هذه هي اوطاننا امهاتنا والزوجة والأطفال .انهم الخاسر في كل الاحوال سواءا تركناهم خلفنا أو اصطحبناهم معنا للمهاجر).
    تناولنا افطار الطائرة واكتفت جارتي العجوز بقطع من البرتقال ومياه معدنية.
    ساد صمت طويل قطعته هي بلفت انتباهي لامرأة تجلس علي يسارنا تحاول إرضاع صغيرها مستترة بجزء من خمارها بينما زوجها منهمك في افطاره ، يأخذ ما شاء من صينية طعامها وهي مشغولة بارضاع صغيرهما.
    همست جارتي بورتكاليس في أذني مستنكرة سلوك الزوج :(هكذا هم معشر الرجال يظلمون زوجاتهم يستأثرون بكل شئ ويعاملون النساء كانهن ظل)
    اشاحت عني بوجهها فهي كانت تبدو فعلا في حالة غضب حقيقي من سلوك الزوج الأناني.
    لم أجد ما ادافع به عن سلوك جارنا فتشاغلت عن غضبها بشاشة التلفاز امامي . صمتت ووضعت سماعاتها علي اذنيها واغمضت عينيها و جسدها النحيل يهتز مع اهتزاز الطائرة .
    كنت اتلصص النظر للطفل بالمقعد المجاور وهو ممسك بثدي امه في فمه بعناية، يحرك يده يمنة ويسرة يتلاعب بعقد يتدلي من عنقها فوق صدرها فيلمسه تارة ويخطئه اخري.
                  

06-07-2023, 04:52 AM

حسن كجروس
<aحسن كجروس
تاريخ التسجيل: 12-06-2019
مجموع المشاركات: 77

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7***** (Re: حسن كجروس)

    *******************
    (4)
    اخذت صور القهر الذي نمارسه علي امهاتنا واخواتنا وزوجاتنا وبناتنا تتزاحم في مخيلتي بعد حديث جارتي نوره بورتكاليس.
    صارت الاشياء تتارجح امامي يمنة ويسرة في اهتزاز رتيب مع حركة اهتزاز يد الرضيع بعقد امه .كان ذهني معلق بين النوم واليقظة يغوص مني في لجة اللاوعي و المرئيات امامي تتلاشي شيئا فشيئا.
    خرج وجه ذاك الرجل الذي اعرفه جيدا من عتمة ذاكرتي البعيدة .اخذت صورته تتضح شيئا فشيئا .كان صديقي يجلس أمام امه وهو يحرك كوب الشاي الفارغ علي المنضدة بقلق في حركة رتيبة يمنة ويسرة .
    كان صديقي كثير التشكي لامه من زوجته الجديدة .كان يصر علي انها لا تجيد الطبخ .سال امه عن طبيخ تقليدي اشتهرت به بين أهل قريتنا.
    شعرت الام ان ابنها -وهو عريس جديد- ربما اصابته متلازمة الحنين للعزوبية . ربما سيظلم زوجته الجديدة كنوع من حالات الدفاع الاسقاطي- حين يهرب المضطرب النفسي عن الأسباب الحقيقية لمعاناته لاسباب بديلة-.
    اجابته امه بكل ذكاء ومكر الانثي (ان الزمان قد تغير وان طبيخها ما عاد يليق باذواق جيل اليوم ).همست له ان زوجته لا تزال عروسة جديدة وعليه أن يصبر علي طريقتها في الطبخ حتي يألفها ، فهي شابة صغيرة وتعرف الكثير عن فنون المطبخ العصري .كانت الام وكأنها تدرك الصراع داخل نفس ابنها .
    كان يصر علي مقارنة زوجته بامه قائلا: لست وحدي يا امي فطعامك يتحدث عن حلاوته كل من اعرفهم ، زوجتي لا تجيد الطبخ مثلك.
    ضحكت امه بخجل لمحاولته الإطراء عليها كرشوة ليكسبها في صفه ضد عروسته الصغيرة. قالت وهي تعاند دمعة وغصة:
    كم تمنيت يا ولدي لو ان حديثك هذا خرج من فم ابيك، لكنه مات وهو متيقن ان طبخ امه كان اطعم من طبخي وها انت تسير علي اثره، وكما يقولون (من شابه اباه فما ظلم) .
    كانت امه مثل كل النساء في بلادنا من الموصومات بالتخلف. تتم مقارنتهن ظلما بنساء أوروبا ومحاكمتهن بنفس المعيار بينما معطياتهن اقل بكثير مما هو متاح للنساء في الدول المتقدمة من تعليم وحرية ومساواة وظروف معيشية وصحة نفسية .ليس من العدل الحكم علي غير المتساوين بمعيار واحد.
    (5)
    النساء في بلادنا صبورات ، يسعدن بخدمة من حولهن. يمضين الساعات الطوال في المطابخ لاعداد الطعام و يكتفين من الاكل بفتات الخبز وما التصق من بقايا الطعام بالصحون.
    انه نوع من نبل العطاء الذي لا ينتظر اطراءا ولا ثناءا .هذا ما لا تجيده نساء الدول المتقدمة ممن انتزعن حق المساواة بالرجال وحصلن علي التعليم والوظيفة .
    ملايين النساء مثل امه وامي في البلدان المتخلفة يولدن ويعشن مثل الظلال لا رغبات ولا أحلام ولا طموحات شخصية.
    ما ان يتجاوزن الطفولة وبظهور الأنوثة علي ملامحهن. يصبح العقل هو سبب الشقاء .بلوغ الفتيات سن الرشد عندنا جريمة تودعهن خلف أسوار البيوت.
    حتي من يولدن في أسر متعلمة يخرجن للدراسة والوظيفة ،لكن الراغب والمراقب يتتبعان خطواتهن ،والانظار تحاصرهن اينما ذهبن .حرية المراة مقيدة بالاعراف والتقاليد، ومجهضة بالفهم الخاطئ لحقوق المرأة في الدين .
    عيون الطرقات ومجالس الرجال من حولهن، اما متربص ناقد أو متتبع طامع .الويل كل الويل لمن تخطو منهن خطوة غير محسوبة. فالاخطاء عند بناتنا محفوظة مكتوبة وحكمها مؤبد.
    تكون حدود أحلام الفتاة في بلادنا ان يأتي من يطلبها للزواج لتخرج من سجن الاسرة الذي اعتادت جدرانه واشغاله الشاقة، لسجن الزوجية الانفرادي الذي قد يجلب نوعا من التغيير، لكن مصيرهن ان يقضين النهار مصلوبات امام المواقد وفي الليل مصلوبات علي حفر الدخان لاستجداء شهوة من قعر دواخلهن لإشباع زوج اناني.
    اما من فاتهن قطار الزواج، فيقبعن في الدار يغسلن ويمسحن ويطبخن حتي تموت فيهن غريزة الانوثة ويموت فيهن الاحساس بذواتهن. يحترقن مثل الشموع ولا يخرجن من اقبيتهن الا للقبر بعد خفوت شعلة الحياة في وجوههن.
    وصديقي يهز راسه وامه تحاول ان تعيد ترميم صورة زوجته في قلبه أخذ وجه صديقي يتلاشي تدريجيا وهو يحرك كوب الشاي يمنة ويسرة.
                  

06-07-2023, 04:55 AM

حسن كجروس
<aحسن كجروس
تاريخ التسجيل: 12-06-2019
مجموع المشاركات: 77

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7***** (Re: Yasir Elsharif)

    شكرا لتوقفك دكتور ياسرالشريف هذا استجرار قديم وكأن التاريخ يعيد نفسه في حلقات متشابهة
                  

06-07-2023, 07:30 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25067

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع جارتي نوره. رحلة عبر المحيط ***** 7***** (Re: حسن كجروس)

    شكراً حسن أن أشركتنا في هذه السياحة الجميلة بقلمك الرشيق
    أول مرة أطالع كتابة (طويلة) دون الشعور بملل من القراءة
    واصل هذا الإندياح الجميل

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de