ليلة الامس وانا جالس على طرف العنقريب فى بيت والدتي فى مكان ما عزيز الى روحي، ذلك العنقريب وللصدفة، هو ذات العنقريب الذي كان يجلس عليه جدي، اوان نزوحنا الاول فى ديسمبر ١٩٨٧ من جنوب السودان، بسبب الحرب ايضا، جالس احتسي قهوة شديدة المرارة، تفوح منها رائحة بن قوية وكأنها تنبعث من غرفة مغلقة، حيث تتخذ داخلها قرارات الحروب العبثية، فى هذه اللحظة راسلني صديق اسفيري لم يحدث ان التقيته من قبل، يعيش مشردا فى مكان ما فى مدينة ما فى هذا العالم الذي هاجر اليه، بعد ان دك الجنجويد قريته وحرق اهله داخل قطاطيهم، اخبرني انه فى هذه اللحظة بالذات يشعر بألم حاد فى قبله وان روحه احترقت وصار رمادها مثل رماد قطية والدته، ذلك الرماد الذي اختلط برماد جسد والدته، فبات عنده مقدسا تزروه رياح صياح القتله، عندها توقف عن المراسلة لوقت ما، ثم عاد الي برسالة يعتذر فيها عن انه انفجر باكيا وظلت دموعه تنزل رمادا وليس ماء عينين. من يصنع الحرب هم اعداء الحياة، فسلام يأتي به شيطان خير من حرب يصنعها انبياء يكذبون باسم الحقيقة، ليس هنالك ما يجعلنا نؤمن بأن احدهم على حق طالما انه يحرق القلوب ويصلب ارواحنا على فوهات البنادق، فصاحب الحق دوما يترك موقفه من اجل ارواح الناس ويسعي بين الناس بالحقيقة سلما لينتصر الحق، وهو منتصر لا محالة. الحرب محرقة الاوطان بأيدي بنيها الوالغون فى الضلال وحب الذات وكراهية الانسان، نحن الآن نعيش حقبة من حربنا المتصلة منذ وقت طويل، حرب ظل اوارها مشتعلا كقنديل الشيطان، يغذيها الكثير من البؤس ورجس من عمل السودانيين انفسهم، بني جلدتنا التى نجر عليها شوك الكراهية والاحقاد والاطماع والعمالة وبيع ارواح وتراب الوطن لآخرين يبتسمون كلما سلموهم مذقة لحم من جسد بريء. انها الحرب يا سادتي، تمارس نموها فى ترابنا الوطني وتتسع رقعتها كلما منحوا سلاحا اكثر جودة ومالا وفيرا وسلطة ممذقة مثل شراميل الضحايا، هي لم تبدأ فى ١٥ ابريل، لكنه التاريخ الذى وصلت فيه الى وكر الافاعي الكبير، حيث تصنع المكائد وتباع ارواحنا وترابنا الوطني، هذا الموت ظل معتملا هكذا فى مختلف بقاع السودان، ناصبا ساريته، يوجه بوصلته كيفما ارادوا له ان يتجه ونظل نحن الموتي نسأل: منذا الذي يدير هذه الامور! فتعلوا قهقهات شيطانية، تخرج من افواه كبيرة مثل قبور جماعية منسية بين زخات الرصاص، من يديرها يحدثنا كل يوم من وراء حجاب بني جلدتنا المضخين بعبير دمائنا، الموشاة اعناقهم ببريق الذهب المدفون بين جثثنا، يحدثنا عن حقنا فى الحياة، فيأتي صوته صدي لصراخهم أنهم يتقاتلون من اجل رفاهنا وحريتنا وانهم بأفواه البنادق وقذائف الطائرات، انما يصنعون لنا سلام الاقوياء الذي نراه الان باعيننا المفقوءة ونتحسسه باصابعنا المقطوعة، حسنا يا ارباب الموت وصناع الرماد، انتم تضعون على اعناقنا قلادات من قصدير رصاصكم الحارق، تلبسوننا اثواب من جلدونا المسلوخة بسيوف طائراتكم الآتية من جحيم مفركم الابدي بحق الحياة، اقتلونا كما تشائون، احرقوا بيتونا التي بنيناها بعرق اعمارنا المملوءة بالكدمات، حيلوا ايامنا وذكرياتنا الى رماد تضعونه على شفاهكم اسودا مثل زينة مومس مسكينة وانتم مومسات الاوطان، فقط اعلموا شيئا واحدا فقط: لم نموت فى كل حروبكم ولن نموت ايضا فى هذه الحرب، سنخرج من قبورنا مرة أخري متدثرين اكفاننا البيضاء ، على رؤوسنا تيجان خصراء من اوراق الاشجار، نحمل على اكتافنا اقداح المونة لنبني لنا بيوتا جديدة ووطن جديد، نسوره منكم بحطب من غابات صبرنا الابدي، اعلموا ايها القاتلان وكبار القتلة الملتحين وصناع الموت الذين يحدثونكم بالذهب والكراسي، اننا خلقنا هنا لنبقي، لنموت الف مرة ونحيا الف مرة، لنحترق ونزهر فى هذه الارض التي انتم لا تنتمون اليها، انتم تنتمون الى موتكم الابدي، الى شيطانكم الذي خلقكم من لحيته المخلوقة من ذيله النجس. نعم، لا للحرب ولا لكل من يتخذ الحرب خيارا لتحقيق ذاته ولو كان دينا يعبده، فالله ليس الهاكم، انتم الهكم مدافعكم والذهب وشيطانكم كسير الجناح، لذلك سيقط بكم الى مذبلة كنيف الايام والتواريخ. لا مكان للاصطفاف سوي ضفة لا للحرب ولا توجد حرية وسلام وعدالة تتحقق بأفواه البنادق..... فمن يؤمن بالحياة يناضل بالسلم من اجل الحياة... ولا خيار امامنا سوي تكوين جبه مدنية واسعة الطيف الوطني من كل قوانا المدنية المؤمنة بالحرية والسلام والعدالة، يعلو صوتها فوق ازيز الطائرات ودوي المدافع، حينها ستنهزم لعلعة الرصاص ويخرج الموتي من قبورهم وهم يهتفون: المجد لله فى الاعالى وعلى الارض السلام وللناس المسرة .......
05-16-2023, 10:46 AM
Nasr
Nasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10841
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة