المعز عبد المتعال سر الختم:وداعًا أُمّي

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 10:35 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-10-2023, 06:22 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المعز عبد المتعال سر الختم:وداعًا أُمّي

    06:22 PM May, 10 2023

    سودانيز اون لاين
    بكرى ابوبكر-Peoria Arizona USA
    مكتبتى
    رابط مختصر






    عشت معها مثل ديك ينام على حبل السعادة، عين مفتوحة تحرس مشاعرنا، وعين مغمضة تخشى هول الفراق.
    عشت معها مشدوهًا بروعة الأمومة، بعطفها وهي تدنو وتمسح عنّي دمع اليُتم، بحضنها حين تحتويني برفق وتطوّقني بلهفة حانية، بعطر وجودها الآسر، بالشذى والأريج والفواح.
    شعور جارف جمعني بها في كل لحظة من حياتي، كنت اراها في حكايات الطفولة، في فرحتي بالقيردون ومطاردة أحلامي العصيّة؛ إذ رميت عين الشمش مُتوسّلًا؛ اقايض سن الحمار بسن الغزال، لو اسرفت في شقاوتي وعاقبتني بحرماني من اللعب، أو اغرتني وكافأتني بِطرّادة.
    كنت اراها في دُجى الليالي وخطاها تتهادى لعناقي، في النهار وهي تتفقّدني، في حركة يدها الخفيّة وتنبيهي خلسة لوجود الضيوف، في عضّها لأصبعها لو بدر مِنّي ما لا يليق، في قرصها لفخذي وفي ربتها الحنين على كتفي، في توبيخها الصارم وفي عتابها الرقيق.
    كنت اراها في نخيل كُوكّا وسنابل القمح، في هفهفة العرجون وتمايل السبيط، في القلّوُق والقنديلة، في القُسيّبة وبيوت الطين، في المُشرع والوابور، في مسيد "أبو جارة" ومرتق "هُرج"، في القيف وطمي الجروف، في هدأة النيل وهياج الدميرة.
    كنت اراها في أشجار كرري وشموخ الجبال، في الإشلاق ومدرسة المشاة، في الميري وهيبة المجروس، في بهاء الجالوص وسماحة الكنتين، في النهارات الأليفة وسطوع الليالي، في جلسات "الحوش" وسخاء القمر، في "تلفزيون الشارع" والأنس الحميم.
    كم مرّة طاف بي خيالها وأنا جالس للطعام، استعدت ذكريات الطفولة، التفافنا حول طعامها اللذيذ؛ بزهو القرقريبة ورائحة العجين المُر، بطعم الكِسرة بأم رقيقة وحين تحلب بيديها الأغنام، مع رغوة الشُخب ومذاق "الإنقِشي"، حين تُمرّر يدها على الصاج لا تخشى حرارته، بجمال "الكابات" ورواء الروب؛ بإغواء القُرّاصة وثرثرة "التركين" الرحيم.
    تتراءى امامي ذكريات بعيدة، استيقاظها المُبكّر مع طلوع الفجر، حين نفيق على شمس حنانها ويغمرنا دفء الشروق، بشاي الصباح ونشوة الارتشاف، بترتيبها لمُخلايتي وساندوتش الفطور، بتحفيزها الدائم ودعواتها المنهمرة، بوصاياها التي تُلاحقنا وتُمطرنا بالاهتمام.
    تنهشني أطياف الذكريات، اذكر الآن سرير الأطفال، عتمة المخزن، أنبوبة الغاز، والعنقريب العتيق، اذكر شوّال البلح، حفنة "الجُرُم والأسليه"، علبة الطلاء، ابرة الكروشيه، وطوق الباب، اذكر دروس محو الأُميّة، الزرّيعة، طقوس رمضان، افطار الشارع، صواني الخبيز، وكسوة الاعياد، اذكر برج الحمام، بيت الدجاج، صوت الموتور، دفق الصهريج، وذاك السياج، اذكر فصل الخريف، بلهفتها وهي تُراقب هطول المطر، اهتمامها بالطورية وخوفها من انسداد المجرى العنيد، مع جاراتها؛ حين تسعد بزياراتهن، بقفشاتها وتفاعلها مع المسلسلات.
    تجتاحني ملامحها الرقيقة، حين يتفتّق ورد شلوخها بالضحك وتترقّرق دموعها أوان البكاء، دندنة الأغاني ومزاجها الرائق، طريقتها في الأكل؛ حين تنزع اللب من قطعة الخبز وتكتفي بالقليل، انهماكها بفصوص"القِريِب فُروت"، ارتشافها للشاي الأخضر، مقاومة جفنيها للنعاس، ارتدادهما للصحو المُفاجئ، واستسلامهما لسباتها الوديع.
    فقدت أبي في طفولتي، عوّضتني أُمّي بالدفء والحنان والأمان، اغدقت عليّ بالحُب والعطف والاهتمام، كانت أبي وأُمّي ودنيتي، كانت ضميري ومرآة روحي، سبابة زاجرة تُلوّح لحظات طيشي ونزقي، سحابة من الرضا تُظلّلني، قلب خافق بالحُب، وأمل متوهّج في عتمة الأيام.
    مزجتْ أُمّي بين الشدّة واللين، والسطوة والاعتدال، والاتزان والمزاح، ارملة جسورة؛ صمدتْ بقوّة وتحمّلت قسوة الظروف، امرأة قويّة وحكيمة، تعبتْ من رهق الحياة ولم تنكسر، قاستْ من اجلنا دون انحناء، تألمّتْ وصبرتْ، عانتْ طويلًا من لطمات القدر؛ تشبّثتْ بقشة الصبر في موج آلامها الهادر، وعبرتْ بنا رغم العتمة والرياح.
    عرفت معها معنى الشعور بالأمان، برقّتها وهي تضمّني وتهمس لي: "يو يو أونِي، يو يو تود أونِي"، كنت اشفق عليها مِنّي وتشفق عليّ من شرور الزمن، كنت أُقبّلها كثيرًا، استلقي سعيدًا على صدرها، اضع رأسي ولا أنام، اتوسّد حنانها، تبتسم حتى يلوح سِنّها الذهبي، أشُم عطر وجهها وارتاح على تجاعيد الشلوخ، تفرد لي جناح الأمومة وتحتويني، تحنو عليّ برفق، تُداعب شعري؛ ونتوه معًا في خمائل الحنان.
    لا يزال صوتها يُهدهدني وهي تشدو:
    "جوني زاروني
    شايلين أزهار
    شايلين الليل
    قلبوه نهار
    وأنا ما قايل سمحين
    زي ديل بزوروني
    حبايبي الحلوين"
    هل وصلك الإهداء؟؛ حين انتخبت لكِ من شِعر حُمّيد:
    "إنتِ يا ضرعًا تكرّمش
    شان يرضّعني الجسارة
    إنتِ في منفاي رفيقة
    وفي حشا الأشواق حرارة
    يا هُدى الناس الحيارى".
    هل سمعتي أنين بكائي وأنا اتحدّث إليكِ في الهاتف ويرتد إليّ صدى الزهايمر وتشويش الذاكرة؟ كنت اناجيكِ كُلّما بلغ بي الشوق ذروته وتعذّر سفري إليكِ، كُلّما حاصرني طيفِك اجدني اجلس في نفس الأماكن التي جلستي فيها، اتحسّس وجودك بلوعة، كأنّ رائحة عطرك في كل مكان، كأنّ توبك تحت كل وسادة وبقايا شعرك على كل مشط، الكُحل والمرآة والمقعد المُتحرّك، شوربة الخضار والهبهان والنعناع، كأنّي أشُم رائحة شواء تروق لنا؛ تنبعث من عيون "عيش الريف".
    أين أنتِ يا أُمّي؟، أين عذوبة اللحظات وهدأة البال وصفاء الأيام؟، أين الإلفة؟، أين الحُب والحنان والأمان؟، رحلتْ أُمّي، لا عكاز يسندني بعدها ولا اتكاء، مضتْ وتركتني وحيدًا في صحراء الأسى؛ كل ماءٍ حولي سراب، كل خميلة هجير، كل ضوء عتمة، كل حرف غثاء، كل ثوب كفن، كل صوت أنين، كل فرح سرادق، كل اريكة نعش، كل عطر حنوط، وكل مكان ضريح.
    عشت معها مثل ديك ينام على حبل السعادة، عين مفتوحة تحرس مشاعرنا، وعين مغمضة تخشى هول الفراق، فقأ رحيلها عيني، تمزّق حبل السعادة، صرت بعين واحدة؛ تعاني هول الفراق.

    المعز عبد المتعال سر الختم
    9 مايو 2023
    نيوبريتن، كونيتيكت
    الولايات المُتّحدة الأمريكية






                  

05-11-2023, 11:08 PM

جلالدونا
<aجلالدونا
تاريخ التسجيل: 04-26-2014
مجموع المشاركات: 9390

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المعز عبد المتعال سر الختم:وداعًا أُمّي (Re: بكرى ابوبكر)

    لا حول و لا قوة الا بالله
    نسأل الله لها الرحمة و المغفرة و العتق من النار
    تعازينا الصادقة للاخ المعز و الاسرة الكريمة
    و نسأل الله ان يعينهم بالصبر و السلوان فى مصابهم الجلل و فقدهم العظيم
    و لا نقول الا ما يرضي الله
    انا لله و انا أليه راجعون
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de