تتجه السلطات السودانية لإعلان يوم السادس من أبريل/نيسان المقبل، إجازة رسمية في جميع أنحاء البلاد مع إغلاق الجسور داخل العاصمة، وذلك بالتزامن مع موعد توقيع التسوية السياسية ودعوات للتظاهر من قبل تنسيقيات لجان المقاومة، والكيانات الثورية الأخرى، التي تطالب بإسقاط الانقلاب وتحقيق الحكم المدني والقصاص لـ «شهداء الثورة». وقالت مصادر لـ «القدس العربي» إن لجنة أمن ولاية الخرطوم رفعت بالفعل توصيات بخصوص عطلة الخميس واعتماد التحوطات الأمنية اللازمة من قبل رئاسة حكومة الولاية ومجلس الوزراء. وانطلقت في مدن العاصمة الخرطوم، المواكب الدعائية لتظاهرات 6 أبريل/نيسان، الذي يصادف بالتوازي مع التسوية، ذكرى انتصار ثورة 1985 التي أطاحت بالرئيس الأسبق، جعفر محمد نميري، كذلك ذكرى بداية اعتصام القيادة العامة قبل سقوط نظام عمر البشير، وقبل ارتكاب مجزرة القيادة الشهيرة التي راح ضحيتها الآلاف من الجرحى والمصابين والمفقودين. وترفض «لجان المقاومة» بشكل مطلق التسوية الجارية بين القوى العسكرية وبعض القوى السياسية المدنية، وترى أنها لا تحقق أهداف الثورة التي تنادي بعودة العسكر إلى الثكنات وتحقيق الدولة المدنية والعدالة. كما تعتبر أنها محاولة لإرجاع الأوضاع لما كانت عليه قبل انقلاب 25 أكتوبر/تشرين 2021، وانتاج شراكة جديدة بين قادة العسكر وقوى الحرية والتغيير بالإضافة للقوى التي التحقت بها. ويشهد السودان حراكا ثوريا مستمرا منذ أربع أعوام ازدادت وتيرته عقب انقلاب العسكر واستيلائهم على السلطة، وصعدت «لجان المقاومة» كقائد متقدم في الساحة وعملت على تنظيم العمل الميداني وإشعال التظاهرات والترتيب للوقفات الاحتجاجية. وطوال الفترة الماضية التي استمرت نحو عام ونصف ظلت تنسيقيات المقاومة تصدر الجداول الشهرية للمواكب المركزية في الخرطوم ومدن السودان الأخرى. في المقابل، ظلت الأجهزة الأمنية تواجه تلك الاحتجاجات والتظاهرات بالقمع المفرط، الذي تسبب حسب الاحصائيات في قتل (125) متظاهرا، وتعرض نحو (4) آلاف آخرين إلى إصابات بالغة منها فقدان إحدى الأطراف عن طريق البتر للساق أو اليد. وحسب المكتب الطبي لمصابي ثورة ديسمبر، هناك (8) مصابين في حالة غيبوبة كاملة و(34) أصيبوا بالشلل الدائم معظمهم من صغار السن وبينهم فتيات، و(34) آخرون فقدوا إحدى أعينهم. وتعد «العدالة» القضية المركزية الأبرز التي تحرك غالبية الفاعلين في الشارع الثوري السوداني الذين يرون أن التسوية السياسية الجارية تغافلت عنها بل ومهدت الطريق للإفلات من العقاب بالنسبة للقادة العسكريين ومرتكبي الانتهاكات بحق الثوار.
تحايل
وفي إفادات سابقة، قال كشة عبد السلام، والد الضحية، عبد السلام كشة، وهو أحد قيادات تحالف التغيير الجذري المناهض الأبرز للتسوية، إن الاتفاق الإطاري بين العسكريين وبعض المدنيين ومؤتمر العدالة والعدالة الانتقالية الذي نظمته قوى «الإطاري» مؤخراً هو «تحايل ومحاولة للإفلات من العقاب وعقد شراكة دم جديدة مع المكون العسكري المتهم لدينا بارتكاب جرائم قتل الثوار ومجزرة فض الاعتصام».
توصية بإعلان إجازة رسمية يوم 6 نيسان… وإغلاق الجسور داخل العاصمة
ورأى والد الضحية، الذي اغتيل ابنه في مجزرة فضّ اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة، وكان أحد الفاعلين في الاحتجاجات الأولى التي أسقطت نظام البشير، أن «إهمال قضية العدالة والخيانة التي تتم في هذا الملف هو سبب رئيس في الحالة الاقتصادية المتردية». وقال: «نحن نعيش الآن ضنكاً معيشياً وفساداً مستشرياً، إقامة العدل هي بوابة الاستقرار والحياة». وفي السياق، يؤكد مراقبون أن قضية العدالة لم يتم التطرق لها في الاتفاق السياسي بوضع دقيق يعالج المشكلة، ورغم إيراد بروتوكول خاص بها في المسودة، إلا أنه تحاشى ذكر أي سيرة لمحاسبة مرتكبي مجزرة فض الاعتصام أو ضحايا الانقلاب أو تكوين لجان تحقيق خاصة كما جرت العادة في اتفاقات مشابهة مثل الوثيقة الدستورية السابقة. بالرجوع إلى الاحتجاجات في السودان خلال شهر رمضان، يلاحظ أنها أخذت طابعاً مختلفاً استند بصورة أساسية على الإفطارات الرمضانية مع أسر ضحايا الثورة وإحياء ذكرى أبنائهم وتجديد المطالبة بالقصاص. ويشار إلى أن تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم كانت قد وضعت جدولاً خاصا للتظاهرات المركزية في شهر رمضان، إذ حدد يومي (6) و(20) أبريل/نيسان الموافقين (15) و(29) رمضان موعداً للتظاهرات الضخمة، فيما حدد أيام (11، 18، 25) من أبريل للاإطارات المركزية للشهداء. لكن في الناحية الأخرى، يقول متابعون إن الحراك الثوري والتظاهرات شهدا خفوتا وتراجعا بسبب انقسام الشارع حول قبول التسوية ورفضها وعدم وجود خطط وآليات واضحة لإسقاط الانقلاب. وأصحاب هذا الرأي يشيرون إلى أن التركيز على الإفطارات الرمضانية «مؤشر لتراجع حماس الشارع». وعلى ضوء ذلك، يوضح بعضهم أنه في حال التوقيع على الاتفاق السياسي فإن الشارع سيشهد مزيداً من التراجع، خاصة بعد انسحاب عناصر القوى السياسية الموقعة على الاتفاق. وقال الصحافي والكاتب محمد سعيد حلفاوي، إن «ضعف الحراك في رمضان هو نتيجة متوقعة للضعف الذي شهدته الفترة التي سبقته، وذلك لعدم وجود خطط للحراك في ظل تكرار الأسئلة لدى البعض عن المصير والنهايات التي تقود لها التظاهرات المستمرة منذ عام ونصف للمطالبة بإسقاط الانقلاب». وأضاف لـ «القدس العربي» إن «لجان المقاومة تمر بلحظات صعبة، وتحتاج إلى جلسات لتقييم عملها ووضع خطط مستقبلية». وأوضح أن «التسوية الجارية أثرت في الحراك لافتقاد اللجان للخبرة السياسية التي انسحبت حتى في التعامل مع الاحتجاجات والترويج الإعلامي لها بالشكل المطلوب». وزاد: «الشارع ورغم الضعف البائن تتحرك فيه الكتلة الصلبة من منطلقات تحقيق العدالة». وواصل: «الشارع مهيأ للقيام بهبة شعبية في أي وقت خاصة وإن عوامل نجاح الحكومة المقبلة ضعيفة». ولفت إلى أن لجان المقاومة «تحتاج إلى جانب مراجعة الأداء والتقييم، أن تتقدم قياداتها للمشهد، لا أن تترك أهداف الثورة رهينة لفعل السياسيين الآخرين، وأيضا بجانب حاجتها إلى تبني خطاب جديد يبعث الأمل ويوضح للناس مستقبلهم في ظل نجاح الثورة ويعدهم بالرخاء ووقف نهب موارد البلاد وكل ما من شأنه تحريك الكتلة الحرجة لمصلحة الثورة وتحييد بقية الناس».
«نفس طويل»
في المقابل، نفى الناطق باسم تنسيقيات لجان المقاومة ـ ولاية الخرطوم، حسام علي، تراجع زخم التظاهرات، وقال إنهم «منذ الدخول في منعطف التسوية أدركوا أنهم مقدمون على معركة تحتاج إلى نفس طويل وصبر، بالتالي، يحتاجون إلى تقسيم وتوظيف الجهود والطاقات بشكل فعال وذكي». وأوضح أن «الحراك المتصل بالإفطارات مع أسر الشهداء لديه دوره الاجتماعي والثوري والرسالي والسياسي، وهو كغيره إحدى الأدوات المهمة من أجل إسقاط الانقلاب». ورفض ادعاء البعض بأن الأجهزة الأمنية قللت من بطشها اتساقاً مع الشهر الفضيل، وقال:»الانقلابيون سبق وأن قاموا بفض اعتصام القيادة العامة في رمضان، كذلك هناك العديد من الجرائم التي ارتكبت من قبلهم في حق الثوار في هذا الشهر الفضيل، بالتالي هم لن يراعوا حرمة الشهر الكريم في أي وقت». وحول مدى تأثير التسوية على الحراك، قال إن «التسوية ليست إلا عقبة إضافية في طريق إسقاط الانقلاب، ونحن نركز بدقة في الهدف الرئيسي المتمثل في إسقاط وإبعاد العسكر». وأكد أن العدالة هي الأساس المتين الذي يبنون عليه أهدافهم» مشيراً إلى «محاولات الانقلابين للإفلات من العقاب ومخاوفهم من جريرتهم في حق الشعب السوداني سوف تلقي بظلالها على الترتيبات الأمنية الجارية». وأضاف: «أي بنيان لا يؤسس على العدالة هو هش وآيل للسقوط تحت أي لحظة». ولفت إلى أن «العمل جار في الإعداد والتنظيم لمليونية (6) أبريل/نيسان المقبلة «،لافتاً إلى أنها ستكون حلقة أولى من سلسلة حراك طويل قادر على إحداث اختراقات مفصلية في المشهد السياسي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست