الأحزاب السياسية المعارضة تعتبر "أن اللجنة المكلفة إجراء حوار لا تتصف بـ "الاستقلالية" المطلوبة وفقاً لالتزامات بريتوريا لاحت بوادر أزمة جديدة بين القوى السياسية "التيغراوية"، في أول اجتماع دعت إليه اللجنة المكلفة إجراء حوار بين القوى السياسية والمجتمعية من أجل تهيئة الأجواء لتشكيل حكومة موقتة تدير المرحلة الانتقالية، وفقاً لمقررات اتفاقية بريتوريا للسلام التي تنص على تشكيل "حكومة وفاق" موقتة تشارك فيها مختلف الأطياف السياسية، إلى حين تنظيم انتخابات تشريعية بالتنسيق مع الحكومة المركزية.
وتمثلت بداية الأزمة في تشكيل اللجنة التحضيرية التي يقودها الجنرال تادسي وريدي، إذ اعتبرت الأحزاب السياسية المعارضة "أن اللجنة تسيطر عليها جبهة تحرير تيغراي"، ولا تتصف بـ "الاستقلالية" المطلوبة وفقاً لالتزامات بريتوريا.
وبلغت ذروة المواجهة بانسحاب ثلاثة من أهم أحزاب المعارضة، وهي حزب المؤتمر "بايتونا"، وحزب الطليعة الثالث، وحزب الاستقلال "التيغراوي"، من أول مؤتمر عقدته اللجنة الأربعاء الماضي.
وأصدرت الأحزاب المنسحبة بياناً مشتركاً عددت فيه أسباب انسحابها، كما تغيب عن اللقاء أيضاً قائد الجيش "التيغراوي" الجنرال صادقان جبريتنسائي الذي يعد أهم شخصية قيادية على المستويين العسكري والسياسي، وقاد الحرب كمسؤول أول، كما شارك في مفاوضات جنوب أفريقيا التي أفضت إلى الاتفاق الشامل للسلام، كما أنه كان وزيراً سابقاً للدفاع في الحكومات الإثيوبية المتعاقبة.
انسحاب وإدانة
وقالت الأحزاب المنسحبة في بيانها، إنها حاولت مراراً خلق حالة وفاق، وطي صفحة الماضي مع الجبهة التي ظلت تسيطر على الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في إثيوبيا عموماً ثم في الاقليم، وذكرت بمواقفها أثناء قيام الحرب التي انضمت إليها من دون الأخذ بالاعتبار خلافات الماضي، وأكدت أن "تشكيل عضوية المؤتمرين المنوط بهما تشكيل الحكومة الموقتة، يكشف مرة أخرى تغول الجبهة ومحاولاتها الحثيثة لتهميش القوى الأخرى وإقصائها بغرض الانفراد بمراكز القوة والقرار"، ودعت الأحزاب الثلاثة الجبهة إلى "مراجعة سلوكها الإقصائي والقبول بمشاركة المعارضة بشكل فاعل ومناسب لتمثيلها في الشارع، حتى لا تفشل مرة أخرى نتيجة الانفراد وسياسات الإقصاء والهيمنة".
وفي حين لم ترد الجبهة على بيان الأحزاب المعارضة، ومضت في عقد الجلسات التشاورية، أثار غياب الجنرال صادقان جبريتنسائي جدلاً في الأوساط السياسية والشعبية، لا سيما وأنه ظل يعاني من التهميش إلى حين بدء الحرب، وانحاز لمطالب الجبهة وقاد الحرب ثم مفاوضات السلام في جنوب أفريقيا.
وتوقع مراقبون حدوث خلافات بين القيادات العليا للجبهة حول استحقاقات المرحلة الانتقالية والعلاقة مع المركز، فضلاً عن ترتيبات تسريح المقاتلين وإعادة دمجهم داخل الجيش النظامي.
اقرأ المزيد
السؤال اللغز... ما عدد ضحايا إريتريا في حرب "تيغراي"؟
توازنات القوى تهيمن على خيارات "تيغراي" والحكومة الإثيوبية
ماذا يلي بدء انسحاب القوات الإريترية من إقليم تيغراي؟ وقال ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إن "غياب الجنرال الأكثر تأثيراً عن جلسات الحوار ينذر بحدوث خلافات داخل بيت الجبهة"، وربط الناشطون بين التطور الأخير وما حدث في بداية الألفية الجديدة، بعد انتهاء الحرب الإريترية - الإثيوبية واصفين ذلك بـ "التصفية"، بخاصة أن الجبهة بحاجة إلى تحديد أسباب خسارتها الحرب ما أدى إلى توقيع اتفاق "مذل" أجبرها على نزع سلاحها.
انفراد بثوب تعددي
وبالنظر لتشكيل المؤتمر التأسيسي، فإن اللجنة اعتمدت نسب محاصصة أثارت جدلاً واسعاً، وذلك بتحديدها نسبة 30 في المئة من المقاعد لصالح حزب "جبهة تحرير تيغراي"، و15 في المئة لمجموع الأحزاب الأخرى، و25 في المئة لعناصر جيش "تيغراي"، و30 في المئة لمؤسسات المجتمع المدني، واعتبرت المعارضة هذا التوزيع "غير منصف تماماً، ففضلاً عن انه يمنحها فقط نصف مقاعد ما حصلت عليه الجبهة، فهو أيضاً يمنح الجبهة مزيداً من المقاعد في الجيش والمجتمع المدني" ذلك لأن معظم عناصر الجيش "التيغراوي" هم بالأساس مناضلون في الجبهة، كما أن المؤسسات التي تم اختيارها لتمثيل المجتمع المدني محسوبة في الأغلب على الجبهة، وبانسحاب الأحزاب المعارضة تبقى الجبهة الحزب السياسي الوحيد الممثل في المؤتمر التأسيسي.
وانتقد الناشط التيغراوي، المعروف بموالاته للجبهة، ألولا سلمون قرارات اللجنة معتبراً أنها "تكرس سياسات الهيمنة والانفراد"، وقال سلمون في برنامجه على قناة "TMH" المحسوبة على الجبهة "إن تشكيل المؤتمر التأسيسي بشكله الحالي، يتناقض تماماً مع استحقاقات المرحلة الانتقالية، التي تتطلب توافقاً وطنياً، ليس لأن ذلك منصوص عليه في اتفاقيات بريتوريا وحسب، بل لأن ذلك يكرس سياسات تتناقض مع التزامات الجبهة وبياناتها الرسمية خلال فترة الحرب"، وأضاف "إن تجربة الحكم في أديس أبابا التي اعتمدت على التهميش والإقصاء، هي التي قادت إلى هذا المصير، وتكرار السياسات ذاتها وانتظار نتائج مغايرة يعد عبثاً سياسياً"، وطالب قيادات الجبهة "بإعادة النظر في هذا التشكيل الذي ينذر ببوادر أزمات داخلية قد تؤثر في النسيج السياسي والاجتماعي للمرحلة المقبلة"، وعدد سلمون مجموعة من التجارب والأمثلة لنتائج انفراد الجبهة، وما جلبته هذه "السياسات على الشعب التيغراوي من ويلات ليس أقلها الحرب الأخيرة"، مؤكداً "أن تشكيل المؤتمر التأسيسي يكشف عن تفرد في ثوب يوحي بالتعددية".
تدابير خاصة للحظة استثنائية
بدوره، قال السياسي "التيغراوي" دادي دستا إن "تقييم سياسات هذه المرحلة ينبغي أن يخضع لسياقات اللحظة التاريخية التي يعيشها الشعب التيغراوي وقواه السياسية"، مؤكداً "أنها لحظة استثنائية تتطلب تدابير خاصة واستثنائية، ولا يمكن الحكم عليها بالإجراءات الطبيعية"، ولفت دستا إلى أن "النسب المعلن عنها لديها مبررات تتعلق بدقة المرحلة، لا سيما بعد حرب ضروس استمرت أكثر من عامين استهدفت وجود التيغراويين كشعب"، بالتالي "ليس الوقت المناسب الآن للحديث عن المحاصصة السياسية وحساب مكاسب كل حزب".
وأضاف "في الحالات الاستثنائية، قد تعطل الدساتير وتفرض أحكام طوارئ عرفية"، مؤكداً "أن هذا الوضع يمكن تجاوزه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة إذ من المزمع عقدها في أجواء تتصف بالسلوك الديمقراطي"، وقال إن "على الأحزاب المعارضة تقدير الوضع السياسي الدقيق والتسامي عن المحاصصة السياسية من أجل إنجاح المرحلة ككل"، وختم أن "التيغراويين بالكاد يحاولون تجاوز واقع التصفية العرقية، وعليه، من مسؤولية القوى السياسية تجاوز خلافاتها ومنطق الربح والخسارة والنظر إلى التحديات التي تهدد بقاء تيغراي من عدمه، وعلى رغم جدية المطالب المتعلقة بتكافؤ الفرص، فإن الانسحاب من المؤتمر التأسيسي لا يزيد إلا من تعقيدات هذه المرحلة".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست