**مذكرات فتاة شقية **

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 04:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-27-2023, 01:01 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10929

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
**مذكرات فتاة شقية **

    12:01 PM February, 27 2023

    سودانيز اون لاين
    محمد عبد الله الحسين-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    دائما أبحث عمن يشاركني الشغف...حينما أعثر على شيء جديد أو موضوع غريب أو مثير...

    أو خارج ما اعتدنا عليه من موضوعات...
    وهذا الكتاب لم أقرأه فقد وجت عرضا له من كاتبةنابهة في تويتر اسمها تماضر ..كتبت عنها من قبل أسأل عمن تكون فاهتديت لها..

    اليوم وجدتها تعلق على مقال تقديمي لهذا الكتاب قدمه الكاتب و الأستاذ والباحث الفذ د. عبدالله علي ابراهيم بعنون ( البندرة) وهو

    اشتقاق نجره من كلمة البندر...

    حتى لا أطيل سوف أنشر مقالات و تعليقات عن هذا الكتاب ..

    عنوان الكتاب:
    مذكرات فتاة شقية .. التأليف: فاطمة محجوب عثمان

    وهي بالمناسبة شقيقة المرحوم عبدالخالق محجوب.






                  

02-27-2023, 01:28 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10929

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: **مذكرات فتاة شقية ** (Re: محمد عبد الله الحسين)


    مذكرات فتاة شقية .. التأليف: فاطمة محجوب عثمان


    477


    مذكرات فتاة شقية .. التأليف: فاطمة محجوب عثمان
    17 ديسمبر, 2021

    الناشر : دار مدارات الخرطوم 2019

    علم "التاريخ الاجتماعي" هو العلم الذي يتناول الحياة اليومية لعوام الناس، يهتم بالمجموعات البشرية ويصف أحوالهم ويدرس أنماط حياتهم، والمظاهر المادية لنشاطهم في أعمالهم الاقتصادية، وتقاليدهم، وعاداتهم، كالمأكل، والمشرب، والملبس، وتجاذبات الحياة اليومية في أسواقها وطرف ظرفاها وغيره. وكتاب مذكرات فتاة شقية للأستاذة فاطمة محجوب عثمان يعتبر أحد ضروب ذلك النوع من العلوم.

    ما دفعني لاقتناء الكتاب وشوقني للاطلاع عليه هو أن كاتبته هي شقيقة الشهيد عبد الخالق محجوب، وقدم للكتاب تلميذه الدكتور عبدالله علي إبراهيم، وقلت في نفسي أن مذكرات شقيقته ومقدمة تلميذه لاشك سوف ترسم لي ملامح طفولة هذه الشخصية الفذة التي خطت اسمها بأحرف من نور في تاريخ النضال الوطني، لكنني حقيقة وجدت الكتاب أبعد ما يكون عن ذلك، وكما ذكر الدكتور عبدالله علي إبراهيم في تقديمه للكتاب (يتوقع المرء من كتاب بقلم الأستاذة فاطمة محجوب عثمان ود كسبة، الشقيقة الأصغر لأستاذنا عبد الخالق محجوب، سكرتير الحزب الشيوعي حتى مصرعه الفاجع بعد فشل انقلاب 19 يوليو 1971 ، أن يكون عن هذا الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس. إلا أن أسعد ما في هذا الكتاب وأبرك أنه كتاب عن طفولتها وتعليمها وامتهانها التعليم. حقها حلالاً بلالاً كما نقول. ولم يزد دور عبد الخالق عن غيره من أخوتها، أو حتى آخرين في الحي السيد المكي الذي نشأوا فيه) انتهى النقل.

    الكتاب يتناول التاريخ الاجتماعي لمدينة أمدرمان في مرحلة خصبة في تشكيل ملامح المجتمع الأمدرماني الحديث في فترة أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، والتاريخ الاجتماعي يحسبه البعض أحد فروع علم الاجتماع لكنه من وجهة نظر أخرى هو المدخل لدراسة التاريخ بصفة عامة، خاصة في ظل وجود قوانين تحكم التطور الاجتماعي وترصد التحولات من نظام اجتماعي إلى آخر ويستنبط القوى المحركة لتلك التحولات كما جاء في المادية التاريخية الجدلية التي توصل لها كارك ماركس وفردريك أنجلز حيث كان الاعتقاد السابق أن التاريخ سلسلة من الأحداث غير المترابطة تشكلها الصدف.

    هناك الكثير من الكتب التي تناولت التاريخ الاجتماعي لمدينة أمدرمان، لكن ما يميز كتاب (مذكرات فتاة شقية) عدا كونه صوت أنثوي يستحق الاحتفاء هو قدراته الفذة في تناول الحراك اليومي للحي الأمدرماني بتفاصيله وخصوصياته في تلك المرحلة البكر في تاريخ المدينة (مراحل الانصهار الأولى) مرحلة تشكلها، وعكس الكتاب النشاط المهني للنساء العاملات، صورت ووثقت بدقة وشفافية وعمق لمهن وأنشطة اندثرت، ولتلك التي في طريقها للاندثار، مثل مهن ستات الظار ودقاقات الشلوفة والشلاخات وعاملة الصحة اللائي يأتين على البسكليت والطهارات وصانعات الثياب "الفرات" والطواقي وبائعات الكسرة والربيت والفسيخ والدكوة والمريسة.. إلخ .. مهن ووظائف قدمت لها المؤلفة في دقة وصف كأننا أمام فيلم وثائقي حيث تقدم الشرح للعمل والطقوس التي تصاحبه وأنقل لكم هنا بعض من تصاويرها تصف دق الشلوفة للعروس هذا النص:

    ( ... حاجة (فضة) تسكن في حي السيد المكي وهي من الحلب المهنة التي اشتهرت بها هي دق الشلوفة للعروس والتي تعد طقوسها ضمن الاستعدادات التي يقومون بها قبل الفرح " تحضر حاجة (فضة) حاملة شنطة الشغل بها أدوات عبارة عن دستة إبر مربوطة في حزمة واحدة، و(صفراوية السمك والسكن) وغالباً ما تبدأ حفلة دق الشلوفة بعد تناول طعام الفطور من عصيدة بالتقلية وشية خروف العريس الذي يحضره خصيصاً لتلك المناسبة، تحضر العروس وسط الزغاريد والتشجيع (بتنا) وأما العروس فغالباً ما تكون في ذعر . ترقد بعد أن توضع تحت رأسها عدد من المخدات لتعلية الرأس وتجلس (فضة) في بنبر تعاونها أخرى، تفتح الصندوق وتخرج الأدوات وتبدأ العملية والنسوة يحطن (بعنقريب دق الشلوفة) ووسط الزغاريد تبدأ حاجة فضة في الغناء:

    دقوله دقوله بت الراجل أب شورة

    دقولة ما تبكي بت الراجل العرضي

    والليلة حار باكر ضحك قرقار

    تستمر هذه العملية زهاء ثلاث ساعات تقريباً، ثم تؤخذ العروس في حالة يرثى لها والشلوفة تكون قد تمددت حتى وصلت الحنك. (دق الشلوفة) كان من علامات الجمال وثانياً ما بتخلي العروس تتشوق للراجل يعني (الإحساس في هذه الشلوفة انتهى!). وتواصل الكاتبة .. " بعد مضي أسبوعين تأتي (فضة) لتزيل القشرة بالزيت تكون الشلوفة برت وأخذت لون الوشم الأخضر الجميل، ويرسل العريس مرة ثانية حق حاجة (فضة) الحلوى والبلح وإذا كان مقتدرا خروف وليمونادة، وتتنادى النساء لجلسة صباحية لتناول الحلويات .. وإذا كمان فطور يكون أفضل". انتهى النقل

    وهكذا دواليك وصفها الدقيق لكل المهن الأخرى مثل التشليخ والزار وللنساء الجبلابيات وهن يقمن بغزل القطن بالمترار وما يتبع تلك المهن والممارسات من طقوس وأهازيج ورقص وغناء، كل ذلك من خلال أفعالها الشقية وشيطنتها وهي طفلة مما جعلها في مواجهة دائمة مع (الخيزرانة) عصا الوالد وقرصات الحبوبات الموجعة.

    أجادت (فطين) كما كانت تنادى وأبدعت في رسم صورة للمجتمع حيث أفردت جلَّ الكتاب لمراحل طفولتها وبعض صباها في المدارس وعلاقتها بالمعلمين والمعلمات في ظل المستعمر وتناولت كذلك أنشطة أشقائها عثمان وعبد الخالق وعلي ومحمد خلال مراحل الطفولة والصبى المبكر ومن قبل تناولت نشاط الوالد محجوب عثمان الثقافي والاجتماعي والسياسي.

    على الرغم من تمتعي وانبهاري بالسياحة الإثنوغرافية الأمدرمانية وللمواقف الطريفة للكاتبة وهي تحكي عن شقاوة طفولتها إلا أنني لا أنكر أنني كنت أبحث من بين السطور عن تلك البيئة التي تخلق فيها ونشأ ذلك العبقري المغوار الشهيد عبد الخالق محجوب وعن طفولته.

    ولد عبد الخالق في أمدرمان حي السيد المكي في 23/09/1927، في منزل متواضع مبني من الطين تتوسطه شجرة ظليلة يقع بمنطقة الشهداء شمال مستشفى امدرمان، البيت مكون من ثلاث غرف وديوان للرجال حمام وتكل ومزيرة بزيرين من الفخار، غرفة للوالد محجوب عثمان تحتوي على دولاب مكتبة وعنقريب وشماعة وطاولة للطعام وغرفة يتشارك فيها عبد الخالق مع اشقائه عثمان وعلي ومحمد وغرفة الثالثة لشقيقاته البنات فاطمة وآمنة وهدى. عثمان هو الشقيق الأكبر وآمنه هي التي تليه ثم علي ثم فاطمة ثم محمد وآخر العنقود هي هدي التي توفيت وهي في المرحلة الثانوية. وكانت والدته (أم النصر بت الحسن) قد توفيت في 1944 وهو في السابعة عشر من عمره.

    في مذكرات فتاة شقية استشفينا ذلك النبع الذي أنتج لنا عبد الخالق، فوالده (محجوب عثمان ود كسبه) درس الخلوة والأولية في جبل البركل بالشمالية ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بعد تخرجه في 1920التحق بالعمل في الري المصري بمنطقة جبل أولياء، بعد فترة وجيزة تم فصله نسبة لأنه كان يكتب مذكرات الاحتجاج للعمال المصرين المطالبين بزيادة أجورهم.

    في 1922 حصل على وظيفة في مصلحة البوسطى وهناك تعرف على عرفات محمد عبدالله المناضل والوطني الغيور وتوضدت علاقته به حتى صارت أسرية، كان عرفات يحرر مجلة "اللواء الأبيض" في منزله بحي الدباغة ويحضر راجلا أو على ظهر حمار تفاديا للمخبرين إلى منزل صديقه (محجوب أفندي) لمراجعتها واضافة ما يرى انه مهم حتى تخرج المجلة في ثوب قشيب حيث كانت المجلة من أقوى أسلحة النضال ضد المستعمر.

    في نادي الخريجين تعرف (محجوب أفندي) على الشاعر (أحمد محمد صالح) مؤلف النشيد الوطني والذي قامت بينهما صداقة وطيدة خاصة بعد أن أسسا لليالي أدبية شهرية مرة بمنزل محجوب ومرة بمنزل أحمد واتسعت دائرة تلك الليالي الأدبية وجذبت أليها لفيف من المثقفين أمثال الأستاذ عثمان إبراهيم اسحق والأستاذ الشيخ محمد مكي شبيكة.

    في تلك البيئة نشأ (عبد الخالق محجوب) وقضى طفولته، وتفتح وعيه، وكان ككل الأطفال له شقاوته ومغامراته مع شقيقه الأصغر (علي محجوب) حيث كانا الأكثر قرباً، ربما بحكم السن، وكلاهما يحبان القفشات والضحك كانا خلال الاجازة الصيفية يمارسان نشاطاً تجاريا فيقومان ببيع عصير "العرديب" و"الكركدي" لأطفال الحي تحت ظل الشجرة الظليلة التي تتوسط دارهم، وكانا مولعان بالذهاب إلى المولد، يأخذان ما توفر لهم من بيع العصائر ويذهبان إلى سوق الزلعة "سوق الأطعمة داخل المولد" وذات يوم أكثرا من تناول تلك الأطعمة فأحس "علي" بالطمام وآلام البطن وتصرف عبد الخالق ودخل به مستشفى امدرمان حيث تم اسعافه ورجعا إلى البيت متأخرين واكتشف الوالد فعلتهم فعوقبا ومنعا من الذهاب للمولد وأكل الأطعمة الملوثة. كان (عبد الخالق) حينها في المرحلة الوسطى بمدرسة الأميرية و(علي) في السنة الأولى بمدرسة بيت الأمانة.

    ومن ذكريات طفولتهما حينما مثلا دور الطبيب والممرض مع (علي سينجر) الذي يعمل طباخاً بالمنزل بعد مرض الوالدة فقررا أن يقوم (علي) بدور فحيص وعبد الخالق بدور الطبيب فأوهما علي سينجر بأنه مريض مصاب بتعفن في الفم وعليهما علاجه فغضب علي سينجر واشتكاهم للوالد الذي عاقبهما بالجلد بالخيرزانة.

    وكان لعبد الخالق محجوب نشاطه الرياضي كذلك حيث كان يلعب لفريق أشبال حي السيد المكي وكانوا يمارسون اللعب في (ميدان الحديد) وكان فريق الكرة مكون من عزالدين كبوشية، خضر طلحة، عوض بخيت، قمر الأنبياء، علي محجوب وعبد الخالق محجوب وإبراهيم الشبلي. اللعب كان يوم الخميس وذات يوم وفي أحد المباريات وكان فريق عبد الخالق منتصرا على الفريق الآخر بهدفين لصفر مما أثار حماقة أحد لاعبي الفريق الآخر يدعى (قمر الأنبياء) الذي دخل في مشادة كلامية مع عبد الخالق وتناول حفنة من طين الزبالة ورمى بها وجه عبد الخالق وعينيه مما تسبب له في (رمد يرجي).

    تطور نشاط عبد الخالق وصار عضوا بلجنة نادي النهضة (وكان أول نادي أنشيء في الحي) حيث استأجر عبد الخالق منزلا مكونا من غرفتين بعد أن جمع تبرعات من شباب الحي وتبرع بقية سكان الحي بالكراسي والتربيزات والمزيرة وكان للنادي أنشطة ثقافية ومسرحية وسينما متجولة وليالي غنائية يحيها الفنان (عثمان فرفشة) الذي يتغني بالأناشيد الوطنية (أيها الروح الطروبة .. نحن من وادي العروبة .. رمز سودان جديد .. أنشد الطير غناء وارتدى العلياء ثيابا .. شعبنا الفن بداه.

    ويغني المرحوم عبد الرحمن مختار لحسن عطية (يحي الحب دام صفانا عاش النيل الروانا). لجنة النادي كانت مكونة من عبد الرحمن مختار، عبدالخالق محجوب، شمس الدين أحمد ياسين، الهادي بابكر، علي محجوب، وحمد الملك وآخرين.

    (يا منايا حومي حول الحمى واستعرضنا)

    هذه بعض ملامح من طفولة وصبا الشهيد عبد الخالق محجوب الذي فارقنا حين تدلى عنقه من حبل المشنقة في سجن كوبر في يوم الأربعاء الموافق 28/07/1971 وهتافه لا يزال يشف آذاننا (عاش نضال الشعب السوداني ... عاش نضال الحزب الشيوعي).

    عاطف عبدالله

    [email protected]

                  

02-27-2023, 02:16 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10929

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: **مذكرات فتاة شقية ** (Re: محمد عبد الله الحسين)


    كتب سعادة السفير جمال محمد ابراهيم أقرب إلى القلب:
    عَـنْ فَـتـاةٍ شَــقِـيّة. .إسْـمُهَا فاطِـمَة
    جمال محمد ابراهيم
    (1)
    ليسَ كلّ من كتب كتاباً عن قصّة حياته أوعن تجاربه الحياتية ، يسلم من أمرٍ أو أمرين. . وربما ثلاثة أمور. .
    أوّل الأمور التي ينبغي على من يكتب تجربته الحياتية - أو من يكتبها له قلمٌ آخر، أوتكون سيرة غيرية مَحضَة – أنْ ينأ ي عن حكايات تعطي الشخصية محور السيرة ، أكثر ممّا عـندها، فيقع الكاتب في فخ تضخيم الذات، فيبعد عن التواضع الموضوعي ,
    الأمر الثاني، هو الجنوح بنية قاصدة أو بعفوية بريئة ، إلى كتابة جوانب وإغفال أخرى، بما قد يفضي إلى إضعاف المصداقية ومحورها الموضوعية، وإلى خلخلة الصدقية وهي التركيز على وقائع دون أخرى، وبما يقترب من الكذب الصُّراح .
    الأمر الثالث الذي على الكاتبِ مراعاته ، هو أن يكتب شهادة خاصّة وصادقة عن تجربته في بيئته الثقافية بكافة جوانبها ، فليس له أن يكتب تاريخاً تسجيلياً ومدرسياً عن تلك البيئة، إلا بقدر تأثّره بما فـيها، وتأثيره بما تركه عليها. ذلك ما يعطي الكتابة جدتها وحيويتها.
    تلك محض خاطرات طرأتْ على الذهن، ساعة اطلاعي على كتاب الأستاذة الجليلة فاطمة محجوب عثمان ، والذي عنونته "مذكرات فتاة شقية"، وصدر عن دار مدارات للنشر والتوزيع في عام 2019م. لم تعمد فاطمة على تضخيم داتها ، ولم تتعمّد إنتقاءاً أو إغفالا، كما راعتْ معايير الشفافية والصدقية في الذي كتبت. .
    (2)
    توزّعتْ أوراق كتابها من دفاتر ذكرياتٍ طازجة ، كتبتها بقلم سلس امرأة ذكيّة الذّاكرة، بهيّة الحضور، عن أيام طفولتها، وعن سنوات صباها، ثمّ عن عقود حياتها العمليّة . حين أمسكتْ قلمها – وهي المعلمة القديرة- جلست من عُلاها، تُمعن النظر وتستعيد آفاق حياتها ، وتسترجع كما في "فلاش باك" السينما ، وقائع فيها الطريف من سردٍ شائقٍ مِمراح، كما فيها المُحزن ممّا ينفـطِـر له القلب. في كلِّ ذلك، أجد في عتبات كتابها الصّدق كله ، إذ هيَ في "شقاوتها" سادرة لم تبرحها قـيـد أنملة، فوضعتْ تلك الصّفة في عنوان كتابها دون مواربة . في مقدمته الضّافية ، كتبَ صديقنا البروف عبد الله علي ابراهيم "الأتبراوي"، شيئا عن تلك الشقاوة فاستلف من لغة الفرنجة لفظ (trickster) ، وهي بالعربية أقرب إلى لفظ "المحتال". غير أنّي رأيت في ذلك اللفظ المُترجَم وما حوى من إضمارٍ سلبي، بعضَ ظُـلمٍ لفـتاة شــقـية في براءةٍ تصدر عن ذكاءٍ وقّـاد، خلتْ مقاصد أفعالها العفوية مِن الإضرار "الشرّاني" ، وإن جاء في وصفٍ قاله بعضُ جيران أسرتها، وهيَ تُمعن في شقاوة طفولتها: "تلـك المُنجِّضة الحَي". . ! لكنك تراهم أوّل من يسعى لالتماس التخفيف لدى والديها فلا ينزلان بها العقاب، وهو مستحقٌ في نظرهما.
    حين أمعنتُ النظر في غلاف كتاب الأستاذة فاطنة محجوب عثمان، رأيتُ صورة امرأة لها عينان تشعّان ذكاءاً وتطفـر منهما "شقاوة أمدرمانية" بائنة. أقول لصديقي "الأتبراوي" العزيز : إن افتتاننا بأم درمان افتتانٌ لا يتزحزح، فهي مدينة آسِـرة بحق. .
    (3)
    كنتُ أدشّـن روايتي عن القبطي الأخير ، في نادٍ سودانيٍّ في بيروت عام 2018 ، وكانت الدكتورة آمنة بدري نائبة رئيس جامعة الأحفاد للبنات، حاضرة في تلك الأمسية الثقافية، فأنكرتْ عليّ قولي عن مدينتي أم درمان، أنّها مدينة مصنوعة. بالطبع ما رميتُ من قولي أنها مصنوعة مثلما يصنع النّجار الأثاث الخشبي . كلا. كان في بالي كيفَ اختار الإمام المهديّ عاصمته، بعيداً عن الخرطوم التي أنشأها "الـتُـرُك" ، إذْ كان أوّل حلوله قبل انتصار ثورته ودخوله الخرطوم، أن أقام بين ظهراني أهلنا بالفتيحاب والجموعية على ضفاف "بحر أبيض"، جنوبي أم درمان الحالية. . وشمالا حتى السروراب والازيرقاب وغيرهما، ثمّ صار البحران "الأبيض" و"الأزرق"، نهراً واحداً هو النيل، منبسطاً في واديه إلى مصر. . هكذا اختارها الإمام عاصمة لدولته، ومن بعد، جاء الخليفة التعايشي ليتساكن من جاء من مختلف الأصقاع السودانية، ومن كلِّ الإثنيات المتباينة، في عاصمة دولة الإمام. كانت تلك "بقعة المهدي" ، بقعة التساكن والتعايش والتصاهر ، من "فـِتـيح للخـوْر للمزالِـق . ."، وللمسالمة وحي العرب وأبي روف وبيت المال والعرضة وأبوعنجة والموردة والملازمين . . ثم كانت أم درمان تتخلّق كما شاءتْ لها فسيفساؤها الإثنية ، بسودانوية باهرة حـَقـّة. كثيرة هي المُدن السودانية التي شابهتْ أم درمان في تكويناتها الاجتماعية ، وفي تساكن عناصرها على اختلاف خلفيات أصولهم. إلا أنَّ أم درمان بقيتْ عاصمة وطنية ، فبـزّت سِواها من المُدن في صياغة جملة ثقافاتها من قيمٍ وأعرافٍ وفنونٍ ورياضة، باتجاه هوية جامعة. .
    (4)
    هذه الصبيّة التي أصولها في الشمال ، نشأتْ يافعة في الوسط الأم درماني ، وكسبتْ وعيها في تلك المدينة ، وارتوتْ من سقي نيـلها، ومن تنوّع أصول ساكنيها . وليسَ ما ننكره عليها، أنها شـبّـت في أم درمان "سَـينا" و "الهادي نصر الدين" و"بت بـتي" و"نصر الدين جكسا" و"صديق منزول" و "الكباكا" ، ومطربين وشعراء خرجتْ تسجيلاتهم من "حقيبة" صلاح أحمد، ولا يحصى لهم عدد. نشأت فاطمة بنت محجوب عثمان "ست الشقاوة"، في بيئة المدينة ، وعرفتْ أسواقها ودكاكينها ، ناس هريدي وجورج مشرقي وعباس رشوان والتيمان ، ومداخل "سوق الموية"، ومحلات شارع العدني، أوّل حيّ "الرّكابية"، وشارع كرري . شـبّتْ في حيّ "السيد المكيّ" فعرفت حواريه وبيوته ، الأسر الكبيرة فيها والصغيرة. تابعتْ زفّـة المولد في محيط جامع الخليفة، وبعد أن استهوتها "بِت أم لِعاب" أياما، هاهي تتلمّظ شـفتاها بعرائس حلاوة مولد حقيقية، وبالسمسمية والفولية، ليسَ بعيداً عن سوق "الزلعة" المجاور. .
    (5)
    ها هي واقفة وحدها في كتابها وما حوى من مشاهدات عاشتها، ورصدتْ بعيونٍ فاحصة وقائع تفاصيلها . بعضها كانت شاهدة غير معنية، وبعضها كانت هي طرفٌ فيه، وبعضها كانت هي بطلته بلا منازع . نالتْ فاطمة في كلِّ ذلك، ما كسبتْ من ثناءٍ وتقريظ ، ولكن أيضاً مِن عقابٍ وجلدٍ بالفلقة على يدِ والدها ، أو بقرصات في الورك بـ"مصاصة" التمرِ من يـدِ أمّهـا. كلّ ذلـك لا يتم إلا بحضور شهود يثبتون وقائع بعض شقاواتها وفيهم إخوة لها ، بينهم من تجلّه وتعـزّه ، ويجلّهُ معها ويعـزّه لاحقاً سودانيون كثرٌ، وقد استشهد في ملابساتٍ انقلابيةٍ، تحت مقصلة جبارٍ ظُلما .
    وقف شاعرُ السودان محمد الفيتوري وقتذاك، يرثي شقيق فاطمة "ست الشقاوة" ، في بكائية بعد استشهاده تحت المقصلة، فكتب :
    صَــوْتـُكَ
    بـيـرقُ وَجهِــكَ
    قـبــرُكُ. .
    لا تحفـِروْا لـيَّ قـبْــرا
    سـأرقُـدُ فـي كُـلِّ شِـبْـرٍ مِـنَ الأرضِ
    أرقُـدُ كالـمـاءِ فـي جَـسَـدِ الـنـيْـلِ
    أرقُـدُ كالـشمـسِ فَـوْق حُـقُــولِ بـلادي
    مِثـلِـي أنـا ليـسَ يسْـكُن قـبـــرا . .

    إنّهُ الشهيد عيدالخالق محجوب عثمان. .
    تلك قصيدة رثاءٍ صادقة بليغة، كلفتْ الشاعر محمد مفتاح الفيتوري إسقاط الجنسية السودانية عنه، وهو المُسلاتي إبن الجنينة. .
    (5)
    كتبتْ الأستاذةُ فاطمة محجوب عثمان، بنت أمّ النصر، كتابها عن أيامٍ عاشتها . عن لحيظات حياة لم تزِد عليها، إلا بما رأتْ وبما سمعتْ . حكتْ عن شقاوتها . عن براءة الحكي عن بعض المسكوت عنهُ دونما مُبرّر. حتى وإن لم يرِد في كتابها شيءٌ عـن شقيقها الشهيد ، تظلّ روحه هائمة في صحبة سطورها عن الأسرة ، حضوراً بهياً في ذلك الغـياب النبيل.
    قال الشاعر التُركي المناضل ناظم حكمت :
    أجملُ البحَــارِ،
    هُو البحرُ الذي لم تذهب إليهِ بَعـد
    وأجملُ الأطفالِ،
    هُم الذين لم يكبروا بعد
    وأجملُ الأيام،
    هيَ التي في انتظـارنا
    وأجملُ القصـائد،
    هي تلـك التي لم نكتبها بعـدْ

    وأجمل الكلام وأصدقه، هو ذلك الذي لم تكتبه لنا فاطمة محجوب عثمان، عن شقيقها الشهيد. .
    غيرَ أنّ ما كتبتْ تلك المعلمة الحصيفة من توثيقٍ، أسـماه صديقي البروف عبداللهِ علي ابراهيم: "إثنوغرافية المدينة" ، فإنّهُ سَـردٌ أمـدرمانيّ صادقٌ وشـفيف، عن سنوات الخمسينيات والستينيات (وإن تجنبت الكاتبة إيراد أيّ تاريخ ميلادي مُحدّد) ، وتوفّر مادته ينابيعَ لكتابةٍ إبداعيةٍ أوسع مساحة ، عن وقائع غاية في الطرافة ، وعن شخصيات - إناثاً وذكورا- وكـأنّها استدعتهم من أحلام طفلة ، شـغـفـت شـغـفاً ملكَ عليها لـبّها بكلّ الذي رأتْ والذي سمعتْ في مدينتها تلك . حدّثتْ فاطمة محجوب عن "عم جادو" بائع الفواكه. عن "حاجة حليمة" والاستدانة التي أغضبت الوالد، ولكن أكسبتْها تعاطف أخويها علي وعبدالخالق. حكَتْ عن نسوان الزّار وعن نساءٍ مشبوهات. عن "هِـلانة" وبيت الخياطة. عن "أم بليـنا" وأغانيـها : "ود أبْ رنّاتْ. .قاضي القضاة". عن مسرح أقامته من فوق طاولة المكواة في بيتهم، وَعن العجوز "أبو الكِر" وزوجته |مدينة"، وعن آخرين كثر. .
    هذه "فاطـنـة السّــمحـة" ، وقد خرجَــتْ من بطــن الأحاجـي في حيّ "الســيّـد المــكي" بأم درمان، وكتـبـَتْ لنا كتـاباً عـنوانه : "مذكـرات فـتـاة شـقـية". . .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de