|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* " الأنا " ـ ليســت أمــراً شخصيـــاً :-
على المستوى الجماعي فإنَّ المنظومة الذهنية " نحن مُصيبون ، و هُم مُخطئـِون " هي متجذرة عميقاً في تلك الأجزاء من العالَم ـ حيث النزاع بين أُمتين أو عِرقين أو قبيلتين أو دينين أو أيديولوجيتين ـ طويل الأمد ، وجذري ، ومُزمِن . كل من طرفَي النِزاع يتماهَى مع منظوره الخاص ، مع " قصته " الخاصة ، أي مع الفكر ، وكل منهما عاجز بالتساوِي عن رؤية أنه قد تكون هنالك قصة أُخرى وأن هذه القصة قد تكون صحيحة . يتكلم الكاتب هاليفي عن إمكانية " تعايُش سردين مُتنافسين " ، لكن في نواحٍ عديدة من العالَم ـ الناس غير مُستعدين بعد أو غير راغبين بفعل ذلك . كل من الطرفين يعتقِد أنه يمتلِك الحقيقة ويعتبر نفسه ضحية و " الآخر شراً " ، ولأنه قد وضع هذا الآخر في إطار مفهومي وشيطنه ـ بوصفه العدو ـ فيمكنه قتله وممارسة شتى أنواع العُنف عليه ، وحتى على الأطفال ـ من دون الإحساس بعذاباتهم وإنسانيتهم . يصبح الطرفان عالِقين في دوامة مجنونة من الجرائم والعقوبات ، الأفعال و ردود الأفعال . يصبح واضحاً هُنا أن " الأنا " البشرية ـ في مظهرها الجماعي ـ أي كـ " نحن " ضد " هُم " ، هي أكثر جنوناً من " إنني " ، أي " الأنا " الفردية ، رغم أن الآلية هي نفسها . إلى حد كبير فإن جزءاً كبيراً من العُنف الذي مارسه البشر ضد بعضهم بعضاً ، لم يقترفه مجرمون أو مُختلون عقلياً ـ بل أشخاص طبيعيون ومواطنون مُحترَمون يعملون لخدمة " الأنا " الجماعية . ويُمكن أن يمضي المرء بعيداً ليقول أنه على كوكبنا هذا فإن " الطبيعي " يُعادل الجنون . فما هذا الذي يقبع في جذور هذا الجنون ؟ التماهي التام مع الفكر والعاطفة ـ أي " الأنا " . ما زال الجشع والأنانية والإستغلال والوحشية والعُنف ـ شديدة التغلغُل في كوكبنا . حين لا تتعرفها كتعبيرات فردية وجمعية لخلل وظيفي كامن أو لمرض عقلي ، فإنك تقع في خطأ شخصنتها . فأنت ركَّبت هوية مفهومية لفرد أو لمجموعة ما ، وتقول " هذه ماهيته ، هذه ماهيتهم " . حين تخلط بين " الأنا " التي تتصورها في الآخرين وهويتهم ، فإن هذا من عمل " الأنا " التي فيك أنت ـ التي تستعمل هذا التصوُّر الخاطيء لكي تقوِّي نفسها عبر الزعم بامتلاك جادة الصواب وبالتالي التفوُّق ، وعبر التفاعُل بالإدانة والتجريم وغالباً الغضب ضد عدو مُتصوَّر ما . هذا كله يُرضي " الأنا " بصورة كبيرة ، فهو يقوّي الإحساس بالإنفصال بينك وبين الآخر ، الذي كونه " آخر " يتضخم إلى حد أنك لا تعود قادراً على الإحساس بإنسانيتك الإعتيادية ، ولا تجذُرك في الحياة الواحدة ـ التي تشاركها مع كل البشر ـ أي لا تعود قادراً على الإحساس بسموك الخاص . وتنزع الأنماط الأنوية المحددة في الآخرين التي تتفاعل معها بقوة قصوى وتخطيء تصوُّرها كهويتهم ، إلى أن تكون الأنماط عينها الموجودة فيك ، لكنك غير قادر أو غير راغب على رصدها في ذاتك . بهذا المعنى هناك الكثير مما يمكنك تعلُّمه من أعدائك . فما هذا الذي فيهم يزعجك إلى هذا الحد ؟! أنانيتهم ؟ جشعهم ؟ حاجتهم إلى السُلطة والسيطرة ؟ انعدام النزاهة والصِدق لديهم وجنوحهم إلى العُنف أو أياً يكن ؟ كل ما تزدريه وترفضه بقوة في شخص آخر ـ موجود فيك أيضاً . لكنه لم يعُد شكلاً من أشكال " الأنا " ، وبذلك بات غير شخصي بتاتا . لم يعد الأمر يتعلَّق بماهية ذلك الشخص ، ولا بماهيتك أنت . فقط إذا خلطتَ هذا مع ماهيتك ـ تتحوَّل ملاحظتك له إلى تهديد يطاوِل إحساسك بذاتك .
* " أرض جديدة " إيكهارت تول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* الحــرب كإطـار ذهنـي :-
قد تحتاج ـ في بعض الحالات ـ إلى أن تحمي نفسك أو سِواك من أذيَّة شخص آخر ، لكن حذار أن تجعلها مُهمَّتك أن " تجتث الشر " ، إذ من المُرجَّح أن تتحوَّل أنت نفسك إلى الشيء نفسه الذي تُحارِب ضدَّه ، فمُحاربة اللا وعي سيؤدي بك إلى اللا وعي أنت أيضاً ، فاللا وعي ـ السلوك الأنَوِي المُختل وظيفياً ـ لا يمكن هزمه من خلال مُهاجمته ، فحتى لو هزمت خصمك فإن اللا وعي سيكون قد انتقل إليك بكل بساطة ، أو أن الخصم سيعاوِد الظهور بقناع جديد ، فكل ما تُقاتله تُقوّيه ، وكل ما تقاومه يثابِر ويبقى . تسمع غالباً ـ في أيامنا هذه ـ تعبير " الحرب ضد " هذا أو ذاك ، وكلما سمعت هذا التعبير أعرف أن هذه الحرب محكومة بالفشل . هناك الحرب ضد المُخدرات ، وضد الإرهاب ، وضد السرطان ، وضد الفقر ، وهكذا دواليك . على سبيل المثال : رغم الحرب ضد الجريمة والمُخدرات ، فقد كانت هناك زيادة دراماتيكية في الجرائم والإعتداءات المُرتبطة بالمُخدرات ـ خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية ، وقد ازداد عدد المساجين في الولايات المتحدة الأمريكية من رقم يقل عن ثلاثمائة ألف في العام 1980م ، إلى مليونين ومائة ألف سجين ـ عام 2004م . وقد منحتنا الحرب ضد المرض ، بين أشياء أخرى ـ المُضادات الحيوية . وفي البداية حققَت نجاحاً مُذهلاً ، وبدا أنها تُمكننا من تحقيق النصر في الحرب ضد الأمراض المُعدية ، لكن اليوم يتفق خُبراء كُثر على أن الإستعمال الواسع والخاطيء للمُضادات الحيوية ـ قد خلق قنبلة موقوتة وأن قوة مقاومة المضادات الحيوية التي تتمتع بها البكتيريا أو ما يُسمَّى " الحشرات الخارقة " ، ستؤدي على الأرجح إلى إعادة ظهور تلك الأمراض ، بما فيها الأوبئة . وبحسب " جورنال الجمعية الطبية الأمريكية " فإن المُعالجة بالعقاقير هي ثالث سبب للموت ـ بعد أمراض القلب والسرطان ، في أمريكا . تُشكِل " المُعالجة المِثلية " Homeopathy (معالجة الداء بالداء) والطِب الصيني عن بدائل ممكنة لمعالجة الأمراض ، لا تعامل المرَض كعدو وبالتالي لا تخلق أمراض جديدة .
إن الحرب هي إطار ذهني ، وكل الأفعال التي تنتج من مثل هذا الإطار ستؤدي إما إلى تقوية العدو " الشر المُتصوَّر " ، وإما ـ في حال رُبِحَت الحرب ـ ستخلق عدواً جديداً ، شراً جديداً مساوياً ، وأحياناً يفوق سوءاً ذاك الذي أُلحِقَت به الهزيمة . هناك وشائج متداخلة وعميقة بين حالة وعيك والواقع الخارجي . حين تكون تحت رحمة إطار ذهني كالحرب ، فإن إدراكاتك تصبح شديدة الإنتخاب (التخيّر) وشديدة التشوّه . بكلمات أخرى : سترَى فقط ما تريد رؤيته وستسييء تفسيره . يمكنك أن تتخيل أي نوع من الأفعال يمكن أن ينشأ من نظام مضلل كهذا . أو بدلاً من أن تتخيل ، شاهد فقط نشرة الأخبار هذه الليلة .
ميّـِز " الأنا " على حقيقتها : خلل وظيفي جماعي ، جنون العقل البشري . حين تُميزها على حقيقتها فإنك لا تدركها بصورة خاطئة على أنها هويَّة شخص ما . ما أن ترَى " الأنا " على حقيقتها حتى يصير أسهل عليك ألا تكون تفاعلياً تجاهها . فالمسألة لا تعود شخصية بالنسبة إليك . ليس هناك من تذمُّر ، ومن إلقاء اللوم واتهام وتذنيب للآخرين . لا أحد مُخطيء . بل إنها " الأنا " الموجودة داخل شخص ما ، هذه هي المسألة برُمتها . حين ترَى أن الجميع يُعانون من المرَض العقلي نفسه ، وبعضهم بحِدة أكبر من بعضهم ، فإنك تصبح متعاطفاً . لا تعود تمد الدراما ـ التي هي جزء من العلاقات الأنوية ـ بالمزيد من الوقود . وما هو هذا الوقود ؟! إنه التفاعليَّـة التي تتغذَّى منها " الأنا " .
* " أرض جديدة " إيكهارت تول .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* أتريــد الســـلام أم الدرامــا ؟!
إنك تُريد السلام ، ليس هنالك من لا يريد السلام . لكن ثَمَّة شيئاً آخر فيك يريد الدراما (التصعيد ، التوتُر) ، ويُريد النزاع . قد لا تكون قادراً على الإحساس به في هذه اللحظة ، قد تضطر إلى أن تنتظر وضعاً ما أو حتى حادثة ما ـ تطلق تفاعلاً ما فيك ـ أن يتهمك أحدهم بهذا الأمر أو ذاك ، ألا يعترف بوجودك ، أن يتطفَّل على منطقتك ، أن يشكك في طريقة قيامك بالأمور ، أن يجادلك في المال ... أيمكنك عندئذٍ أن تحِس بجيشان القوة الهائل في داخلك ، بالخوف و ربما بقناع الغضب أو العُدوانية ؟! أيمكنك سماع صوتك الخاص وهو يصبح قاسياً غاضباً ؟! أيمكنك أن تعي السباق الذي يقوم به عقلك للدفاع عن موقعه ، لكي يبرر ويهاجم وينحي باللائمة على شخص آخر ؟! بكلمات أخرى : أيمكنك أن تستيقظ على تلك اللحظة من اللا وعي ؟! أيمكنك أن تشعُر أن هناك شيئاً ما فيك ـ يخوض حرباً ، شيء ما يشعُر بأنه مُهدَّد ويريد البقاء بأي ثمن كان ، ويحتاج إلى الدراما لكي يؤكد هويته ، بوصفه الشخص المُنتصِر في هذا العمل المسرحي ؟! أيمكنك أن تشعُر أن هناك شيئاً ما فيك يُفضّـِل أن يكون مُصيباً على أن يكون في سلام ؟! .
حين تكون " الأنا " في حال حرب ، فاعلم أنه ليس إلا وهم يحارِب من أجل البقاء . هذا الوهَم يظن أنه أنت . ليس من السهل في البداية أن تكون موجوداً بوصفك " الحضور " الشاهِد ، خصوصاً حين تكون أناك في وضعية دفاع عن البقاء أو في نمط عاطفي ما ينتمي إلى الماضي ، وقد أُعيد تشغيله في الحاضر ، لكن ما أن تتذوَّق ذلك ، حتى تنمو في قوة " الحضور " ، وسترخي " الأنا " قبضتها عنك . وعندئذٍ ستدخل إلى حياتك قوة أعظم بكثير من قوة العقل . كل ما يتطلبه الإنعتاق من " الأنا " هو أن تكون على وعي بها ، بما أن الوعي و " الأنا " متنافران . إن الوعي هو القوة المَخفيَّة في اللحظة الراهنة (الحاضر) ، لهذا السبب يمكننا أن نُسميه أيضاً " الحضور " . الهدف الأقصى من الوجود الإنساني ، أي الهدف من وجودك ـ هو الإتيان بهذه القوة إلى عالمنا هذا . ولهذا السبب أيضاً لا يمكن تحويل الإنعتاق من " الأنا " إلى هدف يمكن تحقيقه في مرحلة ما مُستقبلاً . وحده " الحضور " يحررك من " الأنا " ، ولا يمكنك أن تكون حاضراً إلا " الآن " ، ليس في الأمس ولا في المُستقبل . وحده " الحضور " يمكنه أن يخلصك من الماضي ، وبالتالي يُحوّل حالة الوعي لديك .
ما هو الإدراك الروحي ؟! أهو الإعتقاد بأنك روح ؟! لا ، هذه فكرة ، ربما أقرب بقليل إلى الحقيقة من الفكرة القائلة بأنك من تقول شهادة الميلاد بأنه أنت . لكنها تبقى فكرة . أما الإدراك الروحي فهو أن ترَى بوضوح أن ما أدركه وما أختبره وما أفكر به أو أحس به هو بالمُطلق ليس ماهيتي ، وأنني لا أستطيع العثور على نفسي في كل هذه الأشياء الزائلة دوماً . وقد كان بوذا على الأرجح أول بشري رأى هذا بوضوح ، وبالتالي أصبحَت الأناتا Anata (اللا ذات) إحدى النقاط المركزية في تعاليمه . وحين قال السيد المسيح " أنكر ذاتك " ، فما عناه كان : أنكر ، (وبالتالي أبطِل) وهَم الذات . إذا كانت الذات ـ " الأنا " ـ هي ماهيتي فعلاً ، فسيكون من العبث " إنكارها " .
ما يتبقى هو نور الوعي الذي فيه تأتي وتذهب الإدراكات والتجارب والأفكار والمشاعر . هذه هي " الكينونة " ، المستوى الأعمق ، الذات الحقيقية . حين أعرف ذاتي على أنها هذا ، فمهما حصل في حياتي لا يعود ذا قيمة مُطلقة ، بل نسبية . أثمّـِنه ، لكنه يفقد جدِّيته المُطلقة وثِقَله . الأمر الوحيد الذي يهم هو هذا : أيمكنني الإحساس بكينونتي الجوهرية ، بذاتي ، حاضرة في خلفية حياتي طوال الوقت ؟! ولمزيد من الدقة ، أيمكنني أن أشعُر ذاتي في اللحظة التي تكون فيها ذاتي ، أي الآن ؟! أيمكنني الإحساس بهويتي الجوهرية كذات واعية ؟! أم أنني أضيّـِع نفسي في ما يحدث ، وأضيّـِع نفسي في العقل ، وفي العالَم ؟!
* " أرض جديدة " إيكهارت تول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: بدر الدين العتاق)
|
وعليكم السلام ـ أستاذ بدر الدين ومشكور على المرور الجميل ** * نعم ، الباحث عن غذاء للفكر ـ في مؤلفات إيكهارت ـ قد يُصاب بالإحباط والملَل ، وقد لا يستسيغ ما يكتب ، لأن مؤلفاته ليس فيها ما يُثير الفكر . * الشيء المُلاحظ في أسلوب ـ إيكهارت ـ أنه لا يُدافع عن دين ولا يدعو إلى دين ـ هو يتكلم عن " الحقيقة " مُجردة ـ لذلك بإمكان أي شخص ـ بصرف النظر عن خلفيته الثقافية أو الدينية أو العِرقية ـ أن يطلِع على مؤلفاته ـ من غير أي حاجز . * شخصياً ـ لا أرى مثالية في كتابات إيكهارت ، بل أرَى العكس تماماً .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
شكرا يا زميل المنبر المحترم: الصديق الزبير على إفتراع هذا البوست. بداية موفقة؛ بيد أني أختلف معك و الخال: بدرالدين العتاق ( والده خال الوالدة، رحمهما الله، لكني أكبره بعقدين من الزمان ) في تحليكما للمنهج الكتابي للمعلم الروحي: أيكهارت تول. New Age Philosophy is my niche.0
أنا مشغول جدا حاليا. سأفترع بوستا عن كتابات Mr. Tolle قريبا، بمشيئة الله.
طارق الفزاري
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: wedzayneb)
|
مرحبا أستاذ طارق الفزاري (ود زينب) ـ كما يحلو لك تسمِية نفسك ـ رحم الله والدتكم وخالها ، رحمة واسعة * الشكر لك وللأستاذ بدرالدين العتاق * مُمتَن كثيراً لمُداخلتكم ، وعظيم الشرف بمعرفتكم . ** * إيكهارت ـ موسوعة ومدرسة قائمة بذاتها ، واختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* جميـع البِنَى غيــر ثابتــة :-
أياً كان الشكل ، فإن الدافع اللا واعي وراء " الأنا " هو أن يُقوِّي صورة من أظن أنه أنا ـ الذات الشبحيَّة التي برزَت إلى حيّـِز الوجود عندما بدأ الفكر ـ وهو نعمة ونقمة كبيرة في آن ـ بالهيمنة وحجب الفرحة البسيطة إنما العميقة ، بصلَتي بالكينونة ، بالمصدر ، بالرب . أياً كان السلوك الذي تتخذه " الأنا " ، فإن القوة الخفية المُحركة تبقى هي ذاتها : الحاجة إلى البروز ، إلى إن تكون مميزة ، إلى أن تكون مُسيطرة ، الحاجة إلى السُلطة ، إلى الإهتمام ، إلى المزيد . وبالطبع الحاجة إلى الإحساس بالإنفصال ، أي الحاجة إلى المواجهة ، إلى الأعداء .
دائماً تريد " الأنا " شيئاً ما من الآخرين أو من الأوضاع الأخرى . هناك دائماً أجندة خفيَّة ، إحساس دائم بـ " هذا غير كافٍ بعد " ، بالنقصان الذي يحتاج إلى أن يُملأ . تستعمل " الأنا " الناس والأوضاع لكي تحصل على مُبتغاها ، وحتى عندما تنجح في ذلك فإنها لا تشعُر بالإشباع لوقت طويل ، وغالباً ما تحبطها أهدافها ، وفي الغالب الأعم تصبح الهُوَّة بين " ما أريده " و " ما هو موجود " ـ مصدراً للاستياء والألَم . أغنية " البوب " الشهيرة التي أصبحَت الآن من الكلاسيكيات " لا أستطيع الحصول على الإشباع " هي أغنية " الأنا " . والشعور التحتي الذي يحكم كل حركة " الأنا " هو الخوف . الخوف من أن تكون نَكِرة ، الخوف من اللا وجود ، من الموت ، ولكن أقصى ما يُمكن لـ " الأنا " فعله هو تغطية هذا الخوف مؤقتاً بعلاقة حميمة ، بممتلكات جديدة ، بالربح في هذا الأمر أو ذاك . الوهَم لن يرضيك أبداً . وحدها حقيقة ماهيتك ـ إذا ما أدركتها ـ ستحررك .
لِمَ الخوف ؟! لأن " الأنا " تنشأ بالتماهي مع الشكل ، وتعرِف في أعماقها أنه ليس من أشكال دائمة ، إنها دائمة الزوال . لذلك هناك دائماً إحساس بانعدام الأمان يحيط بـ " الأنا " حتى وإن بدت واثقة ـ ظاهرياً . بينما كنت أتنزَّه مع صَدِيق في المحميَّة الطبيعية الرائعة بجوار ماليبو في كاليفورنيا ـ وصلنا إلى خرائب ما ، كانت في الماضي منزلاً ريفياً ، وقد أتَت عليه النيران قبل عقود عِدة . مع اقترابنا من المنزل الذي أحاطَت به النباتات والأشجار من كل نوع ، رأينا لافتة على جانب الطريق ، وضعَتها السُلطات المسؤولة عن إدارة المَحميَّة ، وكانت تقول : " خطــر ، كل البِنَى غير ثابتة " ، فقُلت لصديقي : هذه سوترا (كلام مُقدَّس) . ووقفنا هناك مذهولين . ما أن تدرِك وتتقبل أن كل البِنَى (الأشكال) غير ثابتة ، حتى تلك المادية التي تبدو صلبة ، فإنك تشعُر بالسلام في داخلك . هذا لأن لحظ عُنصر الزوال في كل الأشكال ـ يوقِظَك على بُعد اللا شكل الذي في ذاتك ـ ذاك الذي يتجاوز الموت ، وقد أسماها السيد المسيح : " الحياة الأبدية " .
* " أرض جديدة " إيكهارت تول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* حاجـة " الأنا " ـ إلى الإحساس بالتفوُّق :-
هناك أشكال عديدة ، خفيَّة ، إنما مُهملَة بسهولة من " الأنا " قد تلاحظها في الآخرين ، والأهم في ذاتك . تذكَّر : في اللحظة التي تصبح فيها مُدرِكاً للأنا في ذاتك ـ فإن هذا الوعي الناشيء هو ماهيتك في ما يتجاوز " الأنا " ، أي هو ذاتك الأعمق ـ ذلك أن إدراك الزائف هو في ذاته بروز الواقعي . على سبيل المثال : أنت على وشك أن تُخبِر أحدهم بما جرَى : " خمّـِن ماذا ؟! أنت لا تعرِف بعد ؟! دعني أُخبِرك " . إذا كنت متنبّـِهاً بما فيه الكفاية ، حاضراً بما فيه الكفاية ـ فقد تتمكَّن من رصد إحساس لحظَوِي بالرِضا في ذاتك ـ قُبيل نقلك الخبر ، حتى وإن كان خيراً سيئاً . وهذا يرجع إلى حقيقة أنه لبرهة وجيزة هنالك ـ في عين " الأنا " ـ فقدان توازن بين تفضيلك ذاتك والشخص الآخر . خلال هذه البُرهة الوجيزة ـ أنت تعرِف أكثر من الآخر . الرِضا الذي تشعُر به هو رِضا " الأنا " ، وهو مُشتَق بشعور أقوى بالذات ـ قياساً بالشخص الآخر . حتى لو كان هذا الشخص هو الرئيس أو البابا ، فأنت تشعُر بالتفوُّق عليه في تلك اللحظة ـ لأنك تعرِف أكثر منه . كُثر من الناس مدمنون على النميمة جزئياً لهذا السبب . إضافة إلى ذلك فالنميمة غالباً ما تحمل معها عنصراً من النقد الخبيث والحُكم القِيَمي على الآخرين . وبالتالي فإنها أيضاً تقوِّي " الأنا " عبر التفوُّق الأخلاقي الضِمني ـ المُتخيَّل ـ الذي تشعُر به كلما أطلقتَ حُكماً سلبياً على أحدهم .
إذا كان أحدهم يمتلِك أكثر ، أو يعرِف أكثر ، أو يمكنه أن يفعل أكثر مني ، فإن " الأنا " تشعُر بالتهديد ، لأن الشعور بـ " الأقل " ، يُبدد إحساسها المُتخيَّل بالذات ـ بالمُقارنة مع الآخر ، قد تُحاوِل عندئذٍ أن تستعيد نفسها من خلال انتقاد أو الإنتقاص من قيمة ممتلكات أو معرفة أو قُدرات شخص آخر ، تُعزز نفسها من خلال الإرتباط به ـ إذا كان شخصاً مُهِماً في نظر الآخرين .
* " أرض جديدة " إيكهارت تول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* " الأنا " والشُهــرة :-
تمثّـِل الظاهرة المعروفة في ذكر الأسماء عرضاً ، أي أن تذكر بصورة عرضية معارفك ـ جزءاً من استراتيجية " الأنا " في اكتساب هوية متفوِّقة في نظر الآخرين وبالتالي في نظرها هي ـ عبر الإرتباط بشخص " مُهِم " . إن سُمّـِيَّة أن تكون مشهوراً في هذا العالَم تكمن في أن ماهيتك تصبح محجوبة بالكامل بصورة ذهنية جماعية . مُعظم الذين تلتقيهم يُريدون أن يُعززوا هويتهم ـ الصورة الذهنية عن ماهيتهم ـ عبر الإرتباط بك كشخص شهير . هُم أنفسهم قد لا يعرفون أنهم غير مهتمين بأمرك على الإطلاق ، بل فقط بتقوية إحساسهم المُتخيَّل بالكامل بذواتهم ، يعتقدون أنهم من خلالك يمكنهم أن يصبحوا أكثر أهمية ، ويسعون إلى إكمال أنفسهم من خلالك ، أو بالأحرَى ـ من خلال الصورة الذهنية التي لديهم عنك كشخص مشهور ، كهوية مفهومية جماعية تتجاوز الحياة .
ليست المُبالغة العبثية في تقدير الشُهرة إلا أحد تمظهرات الجنون الأنَوِي في عالمنا هذا . بعض المشاهير يقعون في الخطأ نفسه ويتماهون مع المِخيال الجماعي ـ الصورة التي رسمها الناس أو الميديا عنهم ـ ويبدأون بأن يروا أنفسهم فعلاً كأشخاص متفوقين على البشر العاديين الفانين . وكنتيجة لذلك يصبحون أكثر فأكثر اغتراباً عن أنفسهم وعن الآخرين ، أكثر شعوراً بالتعاسة وأكثر اعتماداً على استمرارية شعبيتهم . وإذ يُحيطون أنفسهم بأشخاص يُغذُّون فحسب صورتهم الذاتية هذه ، فإنهم يصبحون عاجزين عن إقامة علاقة أصلية .
لم يقع ألبرت أينشتاين ـ الذي اُعتبِر تقريباً كائناً خارقاً ، والذي كان قدره أن يصبح واحداً من أشهر الناس على الكوكب ـ لم يقع في فخ التماهي مع الصورة التي أنشأها العقل الجماعي عنه ـ فقد ظل متواضعاً ، وغير أنَوي ، بل إنه تكلم عن " التناقُض الهائل بين ما يحسبه الناس إنجازاتي وقدراتي ، وحقيقة من أنا وما أنا قادر على فعله ؟ " .
لهذا السبب ، من الصعب على شخص شهير أن يقيم علاقة أصلية مع الآخرين . فالعلاقة الأصلية لا تسيطر عليها " الأنا " المهووسة بصُنع الذات والسعي إلى الذات . في العلاقة الأصلية هناك تدفُق إلى الخارج للإهتمام المُنفتِح المُتنبّـِه نحو الشخص الآخر بحيث لا تكون هناك مصلحة على الإطلاق . الإهتمام المُتنبّـِه هو " حضور " . إنه الشرط اللازم لأي علاقة أصلية . " الأنا " دائماً إما تريد شيئاً ما ، وإما إذا كانت تعتقد أنه ليس بها حاجة لشيء في الآخر ، فتكون في حالة من اللا مبالاة التامة . لا يهمها أمرك . وهكذا هناك ثلاث حالات مهيمنة من العلاقات الأنوية ، هي : المصلحة ، المصلحة المحبطة (الغضب ، الإزدراء ، اللوم ، التذمُّر) ، واللا مبالاة .
* " أرض جديدة " إيكهارت تول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
الكريمان العزيزان الصديق الزبير وطارق الفزاري
حياكما الله
كنت عاوز أعلق لكل منفردا لكن الصفحة بتديني تلاتة تعليقات بس أو ردود فالرد هنا لكما معاً والعتب على الصفحة والله .
أنا لم أكن أعرف ايكهارت تول إلا عندما حدَّثني عنه الحبيب ود زينب وأهداني كتابين له وقرأتهما أكثر من مرة ولم أفهم أو لم استسيغ أو أهضم المحتوى وشعرت به خيالي للغاية ، فعزفت عن تكوين فكرة أنه يفكر بشكل جديد ولم أستطع ، لكنه متعة لمن يبحث فيه عن الفلسفة والبعد الإدراكي لجملة الحيوات .
محبتي لكما بلا منتهى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: بدر الدين العتاق)
|
شكراً ، أستاذ بدر الدين العتاق * إيكهارت تول ـ بيتكلم عن نفس الشيء ال اتكلموا عنه كبار المتصوفة ـ عبر التاريخ . * هو من المؤمنين بوحدة الوجود ، ومن دُعاتها ـ بس أسلوبو في التعبير مختلف . * وطبعاً كل صوفي بيكون محكوم بطريقتو الخاصة في العِبادة . * إيكهارت ما بيتكلم عن الدين بالمعنى التقليدي للدين ، ولا بيصادم عقائد الناس ، بيتكلم عن الحقيقة ـ بمصطلحات العلوم الإنسانية ـ ما اتخذ لُغة الدين للتعبير عن الحقيقة . * لذلك بإمكان كل الناس ـ على اختلاف ثقافاتهم واختلاف عقائدهم ـ الإستفادة من مؤلفاته ـ من غير أي حاجز أو حساسية ـ من أي نوع .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* لعب الأدوار : الوجــوه المُتعددة للأنا :-
إن " الأنا " التي تريد شيئاً من شخص آخر ـ و أيّ " أنا " لا تريد ـ ستلعب باستمرار مختلف من الأدوار لكي تحصل على " إحتياجاتها " ، سواء أكانت هذه الإحتياجات الكسب المادي ، أم الإحساس بالقوة ، أم التفوُّق ، أم التميُّز ، أم نوعاً ما من الإمتنان ، سواء المادي أم السايكولوجي . عادةً ما يكون الناس غير واعين البتة ـ للدور الذي يلعبونه . فهُم أنفسهم هذه الأدوار . وبعض الأدوار خفيّ ، وبعضها الآخر واضح تماماً إلا بالنسبة إلى الشخص الذي يلعبه . بعض الأدوار مُصمّم ببساطة للفت أنظار الآخرين . فــ " الأنا " تتغذَّى على اهتمام الآخرين ، الذي ليس إلا شكلاً من الطاقة النفسية . لا تعرف " الأنا " أن مصدر كل الطاقة هو في داخلك أنت ، لذلك فإنها تسعى على العثور عليها في الخارج . ليس الاهتمام معدوم الشكل الذي هو " الحضور " ما تسعى إليه " الأنا " ، بل الإهتمام الذي يتخذ شكلاً ما ، مثل الإعتراف ، المديح ، الإعجاب ، أو مجرد أن تكون ملحوظة بشكل من الأشكال ، لكي تحصل على اعتراف بوجودها .
إن الشخص الخجول الذي يخشى اهتمام الآخرين ليس بمنعتق من " الأنا " ، لكن " الأنا " التي لديه متناقضة ، فتريد اهتمام الآخرين وتخشاه في آنٍ معاً . والخشية التي لديها هي أن يتخذ الإهتمام شكل الرفض أو الإنتقاد ، أي شكل شيء يلغي الإحساس بالذات بدلاً من أن يعززه . لذا فإن خوف الشخص الخجول ـ من الإهتمام ـ أعظم من حاجته إلى الإهتمام . وغالباً ما يترافق الخجل مع صورة عن الذات ـ سلبية دائماً ، أي الإعتقاد الذي يحمله الشخص في داخله بأنه غير كاف . و أيّ إحساس مفهومي عن الذات ـ أي أن أرَى نفسي بهذه الصورة أو تلك ـ هو شكل من " الأنا " ، سواء أكانت هذه الصورة جيدة بصورة أساسية (أنا الأعظم) أو سلبية (لست بنافع) . وراء كل صورة إيجابية لدى المرء عن ذاته ـ ثمة الخوف المُستتر من أنه قد لا يكون جيداً كفاية ، ووراء كل صورة سلبية لديه عن ذاته ـ ثمة الرغبة المُستترة في أن يكون أعظم أو أفضل من الآخرين . وراء إحساس " الأنا " الواثق بالتفوّق والحاجة المُستمرة إليه ، هناك الخوف غير الواعي من الدونية . وبالعكس فإن " الأنا " الخجولة ، التي تشعُر أنها غير كافية ، التي تشعُر بالدونية ، لديها رغبة مُستترَة قوية بالتفوُّق . كثيرون يتقلبون بين مشاعر الدونية والتفوُّق ، بحسب الظروف أو الأشخاص الذين يحتكون بهم . كل ما تحتاج إلى معرفته وملاحظته في ذاتك هو هذا : كلما شعرت بالتفوُّق على أيّ شخص أو بالدونية أمامه ـ فإن هذه هي " الأنا " التي في داخلك .
* " أرض جديدة " إيكهارت تول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* التخلّـِي عن تعريف الـذات :-
مع تطوُّر الحضارات القبلية إلى الحضارات القديمة ، بدأت وظائف معينة تُمنح لبعض الناس : الحاكم ، الكاهِن أو الكهانة ، المُحارِب ، المُزارع ، التاجر ، الحِرفيّ ، العامل ، وهكذا دواليك . تطوّر نظام طبَقي . ووظيفتك ـ التي في أغلب الحالات ، وُلدتَ للقيام بها ، تُحدِد هويتك ، ومن أنت في عيون الآخرين ، كما في نظرك أنت . تتحوَّل وظيفتك إلى دور ، لكن في ذلك الحين لم تكُن مُعرَّفة كدور : بل إنها ماهيتك أو ما تظنه ماهيتك . وحدهم أولئك النادرون في تلك الحِقَب مثل بوذا ويسـوع ، رأوا اللا جدوَى المُطلقَة للنظام الطَّبَقي ، واعتبروه تماهياً مع الشكل ، و رأوا مثل هذا التماهي مع المشروط والمؤقَّت ـ يحجِب نور اللا مشروط والأبدي الذي يشعّ في كل كائن بشري .
في عالمنا المُعاصر ، أصبحَت البِنَى الإجتماعية أقلَّ صلابةً ، أقلّ وضوحاً في تعريفها مما كانت عليه . رغم أن الناس ما زالوا بالطبع مشروطين ببيئتهم ، لكنهم لم يعودوا مُكلَّفين بصورة آلية بوظيفة ما ، وبالتالي بهوية ما . في حقيقة الأمر ، في العالم المُعاصر ـ يزداد الناس المُشوَّشين حيال المكان الذي يناسبهم ، وحول أهدافهم ، وحتى حول ماهيتهم .
عادةً أهنيء الناس حين يقولون لي : " لم أعد أعرف من أكون " . فيبدون مُرتبكين ويسألونني : " أتقول إنه من الجيد أن يكون المرء مشوَّشاً ؟ " . " لا أعرف " ليس تشوّشاً ، فالتشوُّش هو :" لا أعرف ، لكن عليَّ أن أعرف " . أمن الممكن التخلّـِي عن الإعتقاد بأنك يجب أن تعرف من أنت أو بحاجة إلى أن تعرف ذلك ؟! بكلمات أخرى : أيمكنك الكف عن اعتبار الفكر هوية لك ؟! حين تتخلَّى عن الإعتقاد بأنك يجب أن تعرف من أنت أو تحتاج إلى ذلك ، فما الذي يحدث للتشوّش ؟ فجأة يزول . حين تتقبَّل بالكامل أنك لا تعرف ، تدخل فعلياً حالة من السلام الداخلي والوضوح ـ أقرَب من حقيقة ماهيتك مما يمكن أن يستطيع الفكر أن يصله . أما تعريفك لذاتك عبر الفكر فهو حد لذاتك .
* " أرض جديدة " إيكهارت تول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: من كتـاب andquot; أرض جديـــدة andquot; (Re: الصديق الزبير)
|
* الإدراك دونما تسميـة :-
معظم الناس يعون بصورة ظرفية خارجية ـ العالم المحيط بهم ـ لا سيما إذا كان محيطهم مألوفاً ، فالصوت الذي في الرأس يمتص معظم اهتمامهم ، بعضهم يشعر أنه أكثر حياة حين يسافر أو يزور أمكنة غريبة ، لأنه في مثل هذه الأوقات ـ يحتل الإدراك الحسي ـ الإختبار ـ يتطلب وعيهم أكثر مما يتطلب تفكيرهم ، يصبحون أكثر حضوراً ، بعضهم الآخر يظل مهووساً بالكامل بالصوت الذي في الرأس حتى في هذه الحالة . فإدراكاتهم وتجاربهم مشوهة بالحكم اللحظوي ، وبالتالي لا يكونون قد ذهبوا فعلاً إلى أي مكان ، وحدها أجسادهم التي سافرت ، بينما لم يبارحوا هم مكانهم الدائم : رؤوسهم .
هذا واقع معظم الناس : ما أن يجري إدراك شيء ما ، حتى توضع له التسميات والتفسيرات والمقارنات بسواه ، ويُحب أو لا يُحب ، أو يُسمَّى جيداً أو سيئاً ـ من قِبَل الذات الشبحية ـ " الأنا " . يكونون أسرى الأشكال العقلية ، والوعي بالأشياء لا بالفضاء . لا تبلغ اليقظة الروحية قبل أن تتوقف عملية التسمية القهرية اللا واعية ، أو على الأقل تصبح على وعي بها ، وبالتالي تتمكن من لحظها وهي تحدث ، فمن خلال التسمية (التصنيف) الدائمة تبقى " الأنا " في مكانها ومثلها العقل غير المُدرك ، متى توقفت التسمية وحتى بمجرد أن تعيها ، ينشأ فضاء داخلي ، ولا تعود شغوفاً بالعقل .
اختر غرضاً قريباً منك ، قلماً ، كرسياً ، كوباً ، نبته ، واستكشفه بصرياً ، أي أنظر إليه باهتمام عظيم ، بل بفضول ، وتجنب أي غرض لديه ارتباط شخصي قوي بك ، بحيث يذكرك بالماضي ، مثل من أين اشتريته ، ومن أعطاك إياه ، وما إلى ذلك . وتجنَّب أي شيء عليه كتابه ـ مثل الكتاب أو الزجاجة ، فهذا من شأنه إثارة الفكر . من دون جهد ، بل باسترخاء وتنبُّه ـ انتبه بالكامل لهذا الغرض ، لكل تفصيل فيه . إذا نشأت الأفكار ، لا تضطلع بها ، فليست الأفكار ما يثير إهتمامك ، بل فعل الإدراك نفسه . أيمكنك إخراج التفكير من عملية الإدراك ؟! أيمكنك النظر من دون أن يعلّق الصوت الذي في رأسك ، أو يستخلص الإستنتاجات ، أو يقارن أو يحاول فهم شيء ما ؟! بعد نحو دقيقتين ، دع نظرك يسرح في الغرفة حولك أو في أي مكان أنت فيه ، وستجد أن إنتباهك المتنبّه يضيء كل ما يقع عليه بصرك .
ثم أصغِ السمع إلى الأصوات التي تحيط بك ، استمع إليها بالطريقة نفسها التي نظرت فيها إلى ما حولك ، قد يكون بعض الأصوات طبيعياً ـ المياه ، الريح ، الطيور ـ بينما بعضها من صنع البشر ، بعضها قد يكون ساراً ، وبعضها الآخر مزعجاً ، لكن لا تميّـِز بين الجيد والسييء ، دع كل صوت يكون على حاله ، دونما تفسير . هنا أيضاً الإنتباه المسترخي ، ولكنه المتنبّه ، هو المفتاح .
حين تنظر وتصغي بهذه الطريقة ، قد تصبح واعياً بحضور هدوء خفي ربما يصعب لحظه للوهلة الأولى ، بعضهم يشعر به كسكون في الخلفية ، بعضهم الآخر يسميه سلاماً . حين لا يعود الوعي مستهلكاً بالفكر ، بعضه يبقى في حالته الأصلية ، غير المشروطة ، ومعدومة الشكل . هذا هو الفضاء الداخلي .
* ايكهارت تول " أرض جديدة "
| |
|
|
|
|
|
|
|