كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: محاولة الإجابة على سؤال الحل الدائم (أزمة (Re: محمد جمال الدين)
|
نظرة في سلوك ومخيال الزول السوداني "في المتوسط"!
لاحظت عبر بحث سايكلوجية الزول السوداني ان هناك ثلاث بنى اجتماعية تشكل وتسيطر على مخيال الزول بالكامل وفي الريف والمدينة على حد سواء.. المخيال الحسي والمعنوي.. والحسي مثل ذوق الطعام والشهية والعطور والمعنوى مثل الذوق الموسيقي ومقاييس الجمال والقبح (امثلة ليست حصرية) وهذه البنيات الثلاثة هي : بنية القبيلة (العشيرة) وبنية الطريقة (التصوف) وبنية المدنية (حديثة دخلت مع الانجليز) ولاحظت ان بنية القبيلة ذكورية القيادة بالكامل كما بنية الطريقة وان البنية المدنية مفتوحة القيادة لكنها من جانب اخر تضع قيودا على المراة اثقل: فالحجاب والنقاب والعباءة السوداء من منتجاتها ولا تعرفهم القبيلة ونظارها ولا الطريقة وشيوخها في تاريخهما.
كما ان عزل النساء ماديا عن الرجال في المدن غير معهود في الريف الى عهد قريب وربما حتى الان.. الريف اكثر انفتاحا وبراءة وتسامحا مع المراة.
ولكن ما نراه هذه الايام ان بنيتي العشيرة والطريقة الان مُتأثِّرتان بالمدنية الحديثة وعاداتها الدخيلة او قل الجديدة نسبيا.. وطبعا لكل اسبابه الواقعية.
كما العكس صحيح.. فالمدنية عندنا مخترقة بارث القبيلة والطريقة.. وتستطيع ان تجد شخصا موظفا كبيرا في بنك من البنوك الحديثة ومولودا ابا عن جد في مدينة الخرطوم ولكنه في ذات الوقت درويش عشائري بدرجة ملحوظة والعكس يحدث اذ كثير من القرويين متمدنين اكثر من اهل المدن!
وتلك البنى الثلاثة معا تشكل القاعدة التي يقوم عليها مخيال الزول السوداني ولكنها في ذات الوقت متشاكسة ومتصادمة مع بعضها البعض وبالذات تناقض بنية القبيلة مع البنية المدنية مما قاد الى نتيجتين خطيرتين في ارض الواقع:
عدم الاستقرار السياسي على المستوى العام كون بنية القبيلة أقوى وأقدم من الدولة التي لم تجدد ذاتها لتصبح دولة مواطنة كي تحد من سطوة القبيلة شبه المطلقة.. فالسياسة والبزينس والحرب والسلام في يد القبيلة اولا.. وهي تشكل وتفض الدولة اولا كل الوقت وحتى الان.. غير أن بنية الطريقة أصبحت تنكمش وتأخذ مكانها رويداً رويداً البنية المدنية ولو بقسط صغير وبطيء.. وكل لاسبابه.
والنتيجة الثانية: الانفصام في الشخصية اي في مخيال الفرد السوداني وربما على وجه الإطلاق فقط بدرجات مختلفة.. كون مخيالات البنيات الثلاثة يعيشان جنباً إلى جنب في العقل الباطن لذات الشخص.. فقط بدرجات مختلفة وفي الريف والمدينة على حد سواء.. بمعني أنك انت تستطيع أن تكون متمدن/عشائري/زاهد أو درويش في ذات الوقت ولا يهم مستوى تعليمك الأكاديمي ولا أين تسكن أو تقيم في الريف أو المدينة .. ولا يهم إتجاهك السياسي فالأمة والشيوعي والحركة الشعبية "مثلاً" كله واحد هنا.. ولك أن تتخيل شخصية نقد الراحل الشيوعي المعروف سكرتير عام الحزب الشيوعي ونقد الله الزعيم الراحل من حزب الأمة (شبه متطابقان في السلوك العام والسماحة والأريحية وإن كانت لهما سلبيات فستكون أيضاً شبه متطابقة برغم الإختلاف الجذري في التوجهات السياسية والآيديولوجية.. لاحظ أيضاً مصادفة تطابق الإسم “نقد”) وذلك طبعاً في تقديري الخاص وهو مجرد مثال للبيان لا الحصر طبعا.
بل حتى السلفي/الوهابي السوداني يستطيع أن يكون سلفي ودرويش صوفي عشائري ويشتم المتصوفة كل يوم وهو لا يعلم.. وذلك ربما هو السر بأن منظمة مثل داعش لم تلق لها أرضاً خصبة سهلة وممهدة في أرض السودان كما وجدت في العراق وسوريا وأرجاء أخرى من العالم نسبة لإختلاف البنيات المشكلة لمخيالات تلك الشعوب.
وهو أيضاً السر وراء شجاعة وتضحية الجيل الحديث والثوري من البنات والأولاد الجدد.
وبذات القدر فإن المخيال المنبني على تلك البنيات الثلاثة ينطوي على عيوب خطيرة أهمها الإنفصام الذي قلنا به للتو "أعلاه”.
وذلك من نتيجة بحث سايكلوجية الزول السوداني.
تلك مقدمة 2 ونواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محاولة الإجابة على سؤال الحل الدائم (أزمة (Re: محمد جمال الدين)
|
أربعة تحولات حضارية كبرى وأربعة تحولات سياسية كبرى جرت عبر تاريخ الرقعة الجغرافية المسماة الآن السودان.. كلها تمت عبر العنف المادي!
لكن قبل ذلك (على أثر ذكر "السودان" الرقعة الجغرافية المسماة الآن السودان ) ماذا كان يعرف السودانيون أنفسهم في الماضي؟. نعني إلى أين يرجعون أنفسهم من حيث العرق والدين والتاريخ؟.
وقبل محاولة الإجابة على هذا السؤال موضوع الكلام لا بد أن نحدد وقت أي معنى لكلمة "الماضي" الواردة أعلاه. لنبدأ من نشوء سنار 1503م.
والسبب أن كلما ما ذهبنا إلى الوراء تصعب المهمة بسبب شح المراجع المكتوبة والمحققة. لأنني أتصور أن خلال فترة الممالك المسيحية يعرف الناس أنفسهم على أساس قبائلهم من حيث الدم وعلى أساس المذاهب الدينية (اليعقوبية والمالكانية) من حيث العقيدة وعلى اساس مليكهم من حيث الكتلة.
وقبل سنار نستطيع أن نرصد بإختصار ثلاث تحولات حضارية كبرى. التحول من الإله آمون (كرمة ونبتة) إلى أبادماك، حوالى "350 ق م" (البجراوية/مروي) ومن أبادماك إلى يسوع حوالى “400م إلى 1502م” (سوبا/علوة) وهنا نلاحظ أن مركز الحضارة دوماً ينتقل إلى الجنوب أو العكس من طيبة وكرمة ينتقل إلى الدلتا المصرية بعد أن جفت المستنقعات التي كانت تغطي المساحة . وفي كلتا الحالين لنفس الأسباب: تغير الأحوال المناخية والبيئية إلى الاسوأ وتصحر مكان الحضارة الأول بحيث أصبح رويداً رويداً غير صالح لتواصل النسق الحضاري.
التحولات الحضارية الكبرى:
هناك أربعة تحولات حضارية كبرى في تاريخ السودان القديم والوسيط وأربع تحولات سياسية كبرى في تاريخ السودان الحديث.. شكلت جغرافيتنا وديمغرافيتنا ولغاتنا و ألسننا ومخيالنا وألواننا وشكلت التقاسيم الإجتماعية والعقدية والآيدولوجية وجعلتنا نكون هكذا نحن بكل ما بنا من خير وشر لنا والبشرية.
كل تلك التحولات أخذت بعناق بعضها البعض في سلسلة متواصلة من الإنسجام والنفي والإصطحاب والإلغاء. التحولات الحضارية الكبرى الأربعة:
1- مرحلة الإله آمون (السودان الأقدم) حوالي 7000 سنة قبل الميلاد إلى حوالي 350 قبل الميلاد. ويعني ذلك شعوب عديدة وجغرافيات عديدة وطبقات حاكمة وأخرى محكومة وبالضرورة إذن صراعات إجتماعية من لحظة إلى أخرى وضمنه تحول العاصمة الحضارية من كرمة جهة الشمال إلى نبتة جهة الجنوب لكن دون أن يحدث إنقلاب حضاري شامل.
فالتحول الحضاري الثاني سيحدث عند لحظة مروي.
2- التحول الحضاري الثاني (مرحل الإله أبادماك) حضارة مروي 350 قبل الميلاد إلى حوالي 350 ميلادية بداية بالمؤسس "أركماني"، وتحولت العاصمة الحضارية مرة ثانية من نبتة إلى جنوب أبعد (مروي) وهي البجراوية حالياً بالقرب من شندي.
هذا التحول الكبير ألغى آلهة الماضي وبالضرورة ألغى أو أفنى الطبقات السابقة الحاكمة وحول اللغة الرسمية من الكوشية القديمة إلى المروية وربما حدث خراب للعواصم الحضارية السابقة (كرمة ونبتة “مثال”) أكبر مما حدث في إسطورة سوبا.
ولكن دائما كل تحول يحمل كثير من الصبغات الوراثية لما سبق.
3- التحول الثالث: من أباداماك إلى يسوع المسيح حوالي 400 م إلى حوالي 1500 م هذا التحول الكبير ألغى بدوره آلهة الماضي وحول وجهة العبادة من البركل إلى أورشليم القدس وبالضرورة ألغى أو أفنى الطبقات السابقة الحاكمة وربما حدث خراب للعواصم الحضارية السابقة وتحولت اللغة الرسمية من المروية إلى اليونانية (لغة الكتاب المقدس “توجد مثلاً بمتحف الخرطوم الآن أكثر من 80 وثيقة منحوتة على الصخر باللغة اليونانية تروي قصص الممالك المسيحية اليعقوبية بالذات في عهدها الأول).
وتحولت العاصمة مرة ثالثة من مروي في الشمال إلى جنوب آخر (سوبا) علوة المملكة الأهم.. هكذا كانت تفعل كل دول الهويات في التاريخ (صيغة العرق الواحد والدين الواحد والتاريخ الواحد والأسرة الواحدة الحاكمة).
تلك هي الصيغة الوحيدة في تاريخ البشرية فيما قبل دولة المواطنة الغربية الحديثة. ففي التاريخ من المستحيل أن يعيش عرقان في نفس المكان والزمان ويتمتعان بذات الحقوق والواجبات ولا دينان ناهيك عن تعدد ديني ولا تاريخان ولا أسرتان حاكمتان.. ذلك من أسباب خراب سوبا ومن قبله خراب كرمة وخراب نبتة وخراب مروي.. والخرابات الأخرى في تاريخ البشرية قاطبة.
4- التحول الحضاري الرابع والأخير هو "سنار" حوالي 1503-1821م. هذا التحول الكبير ألغى بدوره آلهة الماضي وحول وجهة العبادة من أورشليم القدس إلى مكة.
وتحولت اللغة الرسمية من اليونانية والقبطية إلى العربية وتحولت العاصمة مرة رابعة من سوبا في الشمال إلى جنوب آخر أبعد (سنار).
وبالضرورة هذا التحول الحضاري الكبير ألغى أو أفنى الطبقات السابقة الحاكمة .. ولدينا تصور أنها جماعات من الشعب الأخير الذي كانت تتشكل منه الطبقات العليا الحاكمة السياسية والدينية والمقدسة وكانت جماعة أو شعب "العنج" في أغلب التصورات.
شرح مكرر للأهمية: في التاريخ من المستحيل أن يعيش عرقان في نفس المكان والزمان ويتمتعان بذات الحقوق والواجبات ولا دينان ناهيك عن تعدد ديني ولا تاريخان ولا أسرتان حاكمتان.. ذلك من أسباب خراب سوبا والخرابات الأخرى في تاريخ البشرية قاطبة (مكرر للضرورة!).
ولكن دائما كل تحول يحمل كثير من الصبغات الوراثية لما سبق.
التحول الحضاري السناري هو الأخير وما نزال نعيشه حتى هذه اللحظة وفق هذا التصور.. إذ معظم عناصر ذلك التحول ما تزال قائمة في أرض الواقع من حيث الجوهر، ولو أنه يتزلزل أمام التحولات الديمغرافية الجديدة والآيديولوجيات الجديدة والوعي الجديد بدولة المواطنة والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان وأخيراً موجة العولمة.
ودولة المواطنة سيكون فيها فناء النسق السناري. بحيث ستكون سنار آخر حضارة هويوية في تاريخ الرقعة الجغرافية المسماة السودان.
ولكن حدثت وتحدث تحولات سياسية كبرى داخل النسق السناري نفسه دون أن تلغيه كاملاً بل عاشت فيه وبه. وسنجد أن لكل تغيير سياسي كبير إضافته المميزة سلباً أو إيجابا على مجمل النسق.
التحولات السياسية الكبرى الأربعة:
1- التركية الأولى 1821-1885م.. أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهره من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية الرسمية والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. الإضافة المميزة التي حدثت مع التركية الأولى هي عملية توحيد ممالك ومشايخ وسلطنات الرقعة الجغرافية.. "هذا بإختصار طبعا”.
2- الدولة المهدية 1885-1900م بدورها أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهر النسق من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. والشىء المميز الذي جاءت به المهدية أنها أدخلت مفهوم الدولة الأممية الذي لم يكن من خيال سنار.
3- التركية الثانية (العهد الإنجليزي) 1900-1956م.. أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهر النسق من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. والشىء المميز الذي جاءت به مرحلة الإنجليز أنها أدخلت مفهوم "المدنية" لاول مرة بشكل حاسم في تاريخ السودان الحديث. والمدنية هي البنت الشرعية للمشاريع الحديثة التي أسسها الإنجليز مثل كلية غردون ومشروع الجزيرة والسكة حديد.
4- مرحلة الإستقلال 1956- الآن.. أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهر النسق من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. فقط الشىء المميز الذي جاءت به مرحلة الإستقلال التي نعيشها الآن أنها أدخلت مفهوم الديمقراطية وتمسكت بنظام ويست منستر البرلماني. وتميزت المرحلة بالإنقلابات العسكرية والإضطرابات السياسية والحروب الاهلية وإنتهاك حقوق الإنسان وذلك بسبب غياب صيغة للعيش السلمي المشترك جامعة لشعوب السودان. وحدث عند هذه المرحلة إنقسام البلاد عام 2011 إلى دولتين بدلاً من واحدة تأسست عام 1821م "هذا بإختصار طبعا)”
نحن الآن نعيش هذه اللحظة من تاريخنا.. حسب هذا التصور. ويبدو ان هذه اللحظة السنارية في خواتيمها.. انها تتزلزل.. لا تملك ذات اليقين الاول.. لذا جاء سؤال الهوية من جديد في الزمكان الجديد.
تتزلزل أمام التحولات الديمغرافية الجديدة والآيديولوجيات الجديدة والوعي الجديد بدولة المواطنة والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان وأخيراً موجة العولمة.
ودولة المواطنة سيكون فيها فناء النسق السناري .. بحيث ستكون سنار آخر حضارة هويوية في تاريخ السودان “وفق هذا التصور”.
ونشهد هذه الأيام الاخيرة تفتيشا محموما عن جذر يجمع الناس تحت مظلة واحدة مثل "الأفريقانية والزنوجة والكوشية والسودانوية و العروبة”.. وهو خطا!.
اذ نحن ما نزال نعيش في زريبة التاريخ “نعيش في خيال دولة الهوية”.
لنفكر في ميثاق لدولة المواطنة!
وهنا تصور موجز لتطور الدولة في تاريخ البشرية “وفق هذا التصور”:
1- دولة الهوية (دولة الماضي) وهي: 1- دولة العرق الواحد 2- المذهب الديني الواحد 3- التاريخ الواحد 4- الأسرة الواحدة الحاكمة تتضمن الفرد الواحد الحاكم. ففي التاريخ (دولة الهوية) مستحيل أن يعيش عرقان في نفس المكان والزمان ويتمتعان بذات الحقوق والواجبات ولا دينان ناهيك عن تعدد ديني ولا تاريخان ولا أسرتان حاكمتان.. ذلك من أسباب خراب كرمة وخراب نبتة وخراب مروي وخراب سوبا والخرابات الأخرى في تاريخ البشرية قاطبة.. وما يزال الماضي يعيش بين ظهرانينا.
2- دولة المواطنة (دولة الحاضر): دولة الحقوق والواجبات المتساوية لجميع البشر فوق الرقعة الجغرافية بغض النظر عن العرق والدين والتاريخ والإيدلوجيا وكل الاختلافات الممكنة. وبعد هذه الدولة تميز مواطنيها ايجابا على مواطني الدول الأخرى وتكسب لهم (مادياً ومعنوياً) على حساب الآخرين من كانوا. بما ان المواطن وحدة سياسية وإقتصادية في الحيز الجغرافي المحدد. وهذه الدولة خطوة كبيرة في تطور نظم السياسة في تاريخ البشرية وهي أفضل "فورميلا" حتى الآن على ما بها من قصور.
3- دولة الإنسانية (دولة المستقبل اي الدولة المشروع) وهي دولة إلغاء الحدود والجغرافيا وجوازات السفر أي هي دولة ما بعد المواطنة: دولة الإنسانية.. دولة حقوق الإنسان الكاملة وحقوق الحيوان وحقوق الطبيعة (الطبيعة = النبات والأرض وطبقة الأوزون “مثال”).
ملاحظة: نحن ما نزال نعيش خيال دولة الهوية أي اننا متأخرون عن البشرية في عوالمها الأخرى بعدة قرون.. ولذا يكثر الحديث بيننا عن "الهوية".
ونشهد هذه الأيام تفتيشاً محموماً عن جذر يجمع الناس تحت مظلة واحدة مثل "الأفريقانية والزنوجة والكوشية والسودانوية و العروبة” وهذا طبعا خطا لان المفترض اننا منوعون شديد التنوع وعلينا فقط ان نجد فورميلا لإدارة تنوعنا لا إلغائه باي حجة كانت لان ببساطة هذا ارتداد في سلم الحضارة.
وما ذلك إلا من خيال دولة الهوية، دولة التاريخ دولة الماضي، الدولة المنقرضة وهي الدولة السائدة في مخيال جل شعوب أفريقيا والشرق الأوسط ليس السودان فحسب.
ولنا إن رأينا بعض المعقولية لهذا التصور أن نفكر معاً في صيغة للعيش السلمي المشترك تقوم على الوعي العلمي بالذات الجماعية وبالبيئة الطبيعية المحيطة بنا.. اي السعي إلى إنجاز الوعي بالمصلحة المشتركة والمصير المشترك والإحساس بالتحديات المشتركة وإذن الإحترام المشترك في الجغرافيا المتوافق عليها أي كانت وبغض النظر عن تنوع هويات الناس.. وعندها فقط نستطيع أن نتلمس طريقنا دستورياً وفي الوعي الشعبي في سبيل دولة المواطنة.. دعك الآن من دولة الإنسانية فهي مشوار أطول!.
وشئ مهم جداً أن النداء بإستمساكنا بدولة المواطنة هو الترياق لنا في تنوعنا في ذاتنا وللذين يقولون او عندهم حقا او في التصور (لا يهم) جذور تاريخية في السودان أو القبائل الحدودية. فدولة المواطنة تعني: دولة الحقوق والواجبات المتساوية لجميع البشر فوق الرقعة الجغرافية بغض النظر عن العرق والدين والتاريخ والإيديولوجيا وكل الاختلافات الممكنة لمواطني البلاد المحددة ولا يشمل جيرانهم من الشعوب الأخرى مهما كانت تداخلاتهم العرقية والثقافية والتاريخية وهذا هو الحال عند كل دول الأمم المتحدة فوق كوكب الارض في هذا الزمان.. فالسودان ليس استثناء. انت مهما كان عندك عرق مشترك مع جماعة سودانية راهنة أو حتى أخوك أو أختك الشقيقة مباشرة تسكن السودان كمواطنة وفق الدستور السوداني بما أنك أنت مواطن دولة أخرى لا يحق لك إدعاء أنك سوداني عشان في زول قريبك يسكن السودان ناهيك عن قبيلة مشتركة وتاريخ.. المواطنة حالة قانونية بحتة ويحددها الدستور لا قرابات الدم والتاريخ المشترك والممالك المشتركة في التاريخ.
بعد دراسة تداخلات الإثنيات والحضارات التاريخية مهمة للتثاقف ولسلام الشعوب وللوعي العلمي بالتاريخ وللسياحة ليس إلا. . لكن قضية المواطنة شئ آخر وحالة قانونية بحتة كما أسلفنا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محاولة الإجابة على سؤال الحل الدائم (أزمة (Re: محمد جمال الدين)
|
دولة المواطنة (هي الحل) لكن كيف السبيل!
دولة المواطنة.. لا وصف لها غير ذلك. أي ذلك وصفها وتعريفها شعبيا ً وقانونياً ودستوريا ً.. وإسمها جمهوية السودان.. لا وصف ولا اسم ولا هوية لها غير ذلك.
دولة المواطنة فحسب لا علمانية ولا مدنية ولا إشتراكية ولا لبرالية “مثال”: لا توصيف لها أشمل ولا أكمل من: (دولة المواطنة).
وصف الدولة التي نريد "الدولة المشروع" كعلمانية أو مدنية توصيف يعاني عدة مشاكل، سنصفها في هذه الحلقة للأهمية.
ثم نذهب إلى تفصيل دستور دولة المواطنة التي نعني في الحلقات القادمة من هذه السلسلة.
العلمانية وحدها ليست كافية في حالة تطورنا التاريخية الراهنة. والدولة المدنية غير ممكنة واقعياً لأن المؤسسة العسكرية ستظل واحدة من مؤسسات الدولة المهمة. بل الصحيح حكومة مدنية لا دولة مدنية. والحكومة "السلطة التنفيذية" جزءً من كلية الدولة وليست الدولة. أي حكومة ونظام إداري مدنيين مثل النظام المدني الامريكي أو الياباني "مثلاً" يدير مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية وكلما يتبع لها ويلحق بها، وذلك من أهم مميزات الدولة العصرية.
كما أن الدولة العلمانية كمصطلح تعني فصل الدين عن الدولة والسياسة لتتحقق دولة غير منحازة لمذهب عقدي محدد وغير معادية لآخر بل دولة محايدة أو تقف على مسافة واحدة من كل الأديان والمذاهب الدينية المحتملة في الرقعة الجغرافية (هذا اظنه معلوم). وهو فهم متقدم في سلم التطور والتحضر السياسي العالمي لم نصله نحن بعد بصورة كاملة.. وهو مطلوب طبعا ولكن نحن هنا نقول أنه بعد غير كافي أي ناقص.
فلمشكلة عندنا أكبر والقضية أكثر تعقيدا من مجرد فصل الدين عن الدولة!.
بل وجب أيضا فصل الدولة عن العرق والتاريخ وهما أشد أثراً من الأديان أي كانت. والا فالعلمانية وحدها ليست كافية في دولة منحازة عرقياً أو تاريخياً. وإن كان العرق معلوم فبالتاريخ نعني دولة منحازة إلى ثقافة آحادية أو حضارة من حضارات الماضي السالفة، مثال القول ب: سوبا أو سنار أو كوش أو أي سلف من الحضارات السالفة.
ذلك بدوره خطأ ينتقص من المواطنة المتساوية مثله والانحياز لعقيدة أو عرقية محددة. إذ ينطوي على تمييز مسبق وبالتالي مهددا ً للحقوق والواجبات المتساوية لجماعة أو جماعات محتملة من مواطني دولة المواطنة.
فالعلمانية وحدها ليست كافية في حالتنا كون الدولة يمكن أن تكون علمانية ولكن عسكرية او/و منحازة لعرقية محددة في الرقعة الجغرافية (مثال دولة رواندا في التسعينيات).
والدولة المدنية تستطيع أن تكون دينية وعرقية فقط غير عسكرية في أحد الحالات كما ضربنا المثال بإيران الراهنة. والدولة العلمانية تستطيع أن تكون عرقية وعسكرية مثال ليبيا أيام نظامها السابق والأمثلة من حولنا كثيرة في الأقليم القريب والعالم البعيد.
وعندما ننظر بروية للدولة الغربية الحديثة، الموصوفة ب "العلمانية" من باب المقارنة، سنجد إذن أن لحظة تطورنا التاريخية مختلفة عن الغرب عندما التزم العلمانية حلا لازمة الدولة والدين “يأتي تفصيله في مستقبل هذه السلسلة التي تهدف إلى إثارة جدل بناء حول ميثاق ودستور دولة المواطنة وكيفية وضع أسسها العملية في أرض الواقع”.
الحالة الصحيحة في لحظة تطورنا الاجتماعية الراهنة أن نجعل الدولة محايدة تجاه كل مصادر الهويات الاجتماعية التي تجلل الساحة (العرقية والدينية والتاريخية.. والآيديولوجية أيضاً).
فالدولة لا يجب أن توصف بإشتراكية أو لبرالية أو أي مذهب من المذاهب قديمها (الفاطمية في مصر) وحديثها (الجماهيرية العربية الإشتراكية العظمى) كله خطأ.. وتلك مجرد أمثلة لا حصر. كون تلك أيضاً آيديولوجيات ومذاهب هويوية تنطوي على مهددات الإنتقاص من الحقوق والواجبات المتساوية لمواطني الرقعة الجغرافية "دولة المواطنة" مثلها والأعراق والمذاهب الدينية والتاريخ.
بعد تستطيع الحكومة (لا الدولة) أن تنفذ برنامج إقتصادي إشتراكي أو لبرالي دون أن يمس ذلك مبادئ دستور دولة المواطنة.. ذلك يحدث في العالم الغربي "الحديث" كل الوقت دون مشكلة.
وتستطيع أن نشئ حزب سياسي تسميه مؤتمر البجا أو حركة كوش أو حركة تحرير السودان أو الحزب الديمقراطي الإسلامي أو الحزب اللبرالي الكجوري.. بشرط فظ وواضح: دون أن يتعارض ذلك مع مبادئ دولة المواطنة وإلا يستم حل ذلك الكيان المارق على الدستور، من المفترض.
فدستور دولة المواطنة يعني بالحقوق والواجبات المتساوية لمواطني البلاد. وتلك هي القيمة الأعلى والأسمى الما فوق دستورية.. لأن على أساسها ينبني الدستور ويمسى المواطن كمواطن سوداني كامل الحقوق والواجبات حسب ذلك العقد الإجتماعي بينه والدولة.
في الحلقة المقبلة سنفصل أكثر في معنى المواطنة ودولة المواطنة. ومن أين يأتي الدستور واللغة الرسمية والقوانين المدنية والجنائية .. وماذا سنفعل بالاهرامات وبالثقافة والفلكلور والجلابية والتوب والمركوب والموسيقى والوازة والجراري وغناء الحقيبة (امثلة لا حصرية). وسنتحدث تفصيلياً عن واقع السياسة السودانية هذه اللحظة ومستقبلها. وعن إتفاقية جوبا وقضايا أقاليم السودان ومركزه.. وإطروحات المركز والهامش والبحر والنهر والمثلثات والمربعات. وعن النزعات العنصرية والظلامات التاريخية وخطابات الكراهية. كما علاقة السودان بالأقليم والعالم.. وختامه: أفق دول المواطنة الحقة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: محاولة الإجابة على سؤال الحل الدائم (أزمة (Re: Biraima M Adam)
|
أهلاً ود أبا
Quote: روعة ومتعة .. كالمعتاد .. ما قصرت يا ول أبا محمد جمال ..
نرفع البوست لمزيد من القراءة ..
|
الله ما روعك 😀.. شكراً للتشجيع البديع.
أما بالنسبة لرفع البوست فأنا عارف كلامي كتير والناس بتحب الساندوتشات الصغيرة والفكاهة والتسلية ودا حق.. بس أنا المواضيع الطارحها أظنها تحتاج شرح تفصيلي وتلك هي القضية.. ولذا ما مشكلة، البقدر يقرأ مشكور والبقدر يتداخل مشكور أكتر والما بقدر معذور سلفاً.. وتلك هي القاعدة في عموم بوستات أخوك.
| |
|
|
|
|
|
|
|