دولة المواطنة: رسالة إلى السلفيين الجدد وجميع السلفيين طبعاً بجميع أحوالهم وأشكالهم!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 07:08 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-24-2022, 10:45 PM

محمد جمال الدين
<aمحمد جمال الدين
تاريخ التسجيل: 10-28-2007
مجموع المشاركات: 5403

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دولة المواطنة: رسالة إلى السلفيين الجدد وجميع السلفيين طبعاً بجميع أحوالهم وأشكالهم!

    09:45 PM June, 24 2022

    سودانيز اون لاين
    محمد جمال الدين-The Netherlands
    مكتبتى
    رابط مختصر



    سلسلة دولة المواطنة "2".. رسالة إلى السلفيين الجدد

     مرفق "8 حلقات"  معنونة ب: رسالة إلى السلفيين الجدد!

    كل واحدة من الثمانية  تتناول موضوعا محددا يخص دولة المواطنة "دولة المستقبل/الدولة المشروع".  وقد عنونتها برسالة إلى السلفيين الجدد من باب النقد الذي أقصده بناء ويتلبس الحب الخالص والإحترام ولا يضيع الرؤية..  ولا اعني تنظيم كوش الذي اعز واحترم بل أعني التيار الكوشي العريض الذي يلتئم حول تاريخ مجيد "سالف" وجلنا منه بقصد او بغيره. فالرسالة عامة وتعني أكثر بكل من يقول بمرجعية هويوية للدولة إي كانت "عرقية أو دينية/مذهبية أو تاريخية أو آيدويولوجية".  وشيء اخر مهم بدوره.. ليس في الرسالة نقد أو إعتراض لحزب أو تنظيم ينشأ على أساس الهوية والمرجعيات الثقافية واللغوية ذات الخصوصية ورعايتها والحفاظ عليها والعناية بالإرث والتراث المادي والرمزي.. بل ذلك قد يكون محببا..  ولكن لا بد أن يلتزم أي  كيان سياسي من ذلك النسق بالقاعدة    "الذهبية" لدولة المواطنة وهي: الحقوق والواجبات الدستورية المتساوية للمواطنين في الرقعة الجغرافية.. وذلك أحسبه مشروحاً تفصيلياً في متن الرسائل المرفقة.

      والهدف المعلن  لا غيره: إثارة حوار بناء من نوع جديد حول الدولة التي نريد في القرن الواحد وعشرين.. ونحن نعيش كل هذا الأسى والبؤس والفشل برغم خيرات بلادنا الوفيرة وسواعد شبابنا الفتية. 

    وشكراً مقدماً لصبركم معي وتفهمكم لغاية المقصد.

    1

    رسالة إلى السلفيين الجدد (الكوشيين الاجلاء وما اليهم من اهل الحضارات القديمة العظيمة)..  حلقة "1-8"

    السلفيون الجدد هم ببساطة الكوشيين.  ناس كوش. القوم الذين يقولون بأن مرجعيتنا في كوش ووجب العودة إليها لأنها الأصل  وأعظم نقطة مشرقة في تاريخنا وبل تاريخ البشرية قاطبة.

     النقطة الأخيرة صحيحة. لكن الخطأ الجسيم أن تظن أن كوش هي المكان الذي عاشت فيه في زمانها  والجين الذي في دمك. أي أن كوش ستعود. لن تعود.  الحضارة أي حضارة عبارة عن فكرة (نظام إداري محكم وخطة إستراتيجية) ليست وجوه بشرية جامدة أو حجارة صامدة.

     كوش لن تعود. لأن كوش ببساطة لم تمت!.  

    هي عائشة كل الوقت أمام أعيننا ولكن جلنا عنها غافلون.  الفكرة رحلت إلى أماكن أخرى طقسها أنسب وأرضها أخصب بعد أن تصحر مركز الحضارة وإزدادت درجة الحرارة وما عاد المكان هو ذاته كرمة ونبتة كما كانتا بين الاعوام 5000 ق م و 1500 ق م. 

     فرحلت الحضارة (رحلت الفكرة في تجليات عديدة) إلى أرجاء أخرى جنوب وشمال مركزها الأول إلى الجيزة في الشمال حيث جفت مستنقعات الدلتا وأصبح المكان أرحب وظلت ترحل بشكل مستمر ناحية الجنوب الذي بدوره تجف مستنقعاته ويصبح المكان أرحب في  البجراوية ثم سوبا ثم سنار.. ترحل في أقساط مستمرة إلى الجنوب من مركزها دوما..  ورحلت الفكرة في ذات الوقت وقبله وبعده إلى: العراق والأغريق/اليونان  وإلى الروم والفرس وإلى الصين وإلى أكسوم وإلى أورشليم القدس وإلى مكة  والأندلس ثم أخيراً إلى بريطانيا وأمريكا وسويسرا واليابان وهولندا “مثال”. 
      
    فأنت لن تعيد كوش لأن لونك أسمر مثل ألوان أهل الحضارة الأوائل.. هذا مجرد وهم كبير ومحاولة كسولة للتغطية على العجز والفشل الحضاري والهزيمة أمام الآخر. 

     لأن كوش ليست لون بشرة ولا مجرد شفرات جينية  ولا إهرامات أو آمون أو الأله رأس الأسد  بل فكرة ديناميكية متحركة ومتحررة. والفكرة رحلت.

      عليك أن تستعيد الفكرة قبل أن تنظر إلى لونك. لان ألوان أخرى أخذت الفكرة وواصلت الحضارة.  

    إذن ماذا علينا أن نفعل لنحقق السلام والأمن والعيش الرغد والتكنولوجيا لنغزو ونستكشف الفضاء؟.

    علينا بالفكرة. ببساطة الخطة الإستراتيجية العلمية. القول بأننا كوشيون أو لون واحد أو تاريخ واحد  لن يمنعنا من ذبح بعضنا البعض كما هو حادث في كل أرجاء أفريقيا ليست ارض السودان فحسب (مذابح مستمرة في لايبيريا والكنغو ورواندا والصومال  وانقولا وجنوب السودان  بعد إنفصاله وإلخ) ولن يحقق  لنا ذلك وحدة وطنية.  لم يحدث. وفي غياب الفكرة يحدث التخلف أيضاً بفظاظة في أرجاء أخرى من حولنا في الشرق. العرب لم تمنعهم عروبتهم ولا دينهم الأعم الواحد من قتل بعضهم البعض والحروب المستمرة في غياب الفكرة.
     
    بعد نستطيع أن نستخدم الآثار الحضارية في الثقافي والمتعة بها وفي السياحة وترقية المناشط الإقتصادية.. ليس إلا.. وذلك من الاهمية بمكان.

     لا توجد حضارة  منقرضة أعادت نسخ نفسها من جديد في زمكان جديد.. مستحيل.. هو  مثله وخيال السفر في الماضي او المستقبل.. مستحيل..  أتعس الشعوب الآن وأفقرها هي الشعوب التي أحتضنت أولى الحضارات البشرية:  السودان ومصر والعراق وسوريا واليمن والصومال "حضارة بونت" والمكسيك "الأنكا"   واليونان "أرسطو" وإيطاليا  "بقراط" أمثلة.  لسببين ضياع الفكرة وتغير الأحوال المناخية.  وهذا بالزبط ما حدث لحضارة السودان الكوشية:  ضاعت الفكرة من جراء تصحر البيئة أي رحلت إلى عوالم أخرى أرحب.. وتلاقحت الفكرة مع طقسها الجديد في كل مكان ذهبت إليه.

     وهي ترحل بشكل مستمر. ترحل ولا تموت. ترحل ولا تعود هي ذاتها إن عادت بل تعود وفق شروط الزمكان. 

    قوموا أيها السلفيون الجدد إلى أداء الواجب ودعوا الأماني اللذيذة المخدرة "الترامادول" فأنتم لستم أهل الفكرة. أهل الفكرة  أولى العزم ماتوا منذ الأزل والفكرة رحلت. 

     قوموا أصنعوا فكرتكم الحضارية الجديدة  التي تقوم على الخطة الإستراتيجية في الزمكان والعيش السلمي المشترك الذي يقوم على الوعي العلمي والعملي بالمصلحة المشتركة والإحترام المشترك ووفق حقوق وواجبات متساوية للمواطن "الفرد"  ووفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلانات المعضدة له.

    محمد جمال الدين.. سلفي سابق

    2

    رسالة إلى السلفيين الجدد (الكوشيين) حلقة 2

    من نحن في السودان كبشر وألوان ورؤى.. في سبيل تفتيش الهوية ثم نفيها!.

    ملاحظة: إستباقية: هذه هي الحلقة "2” من سلسلة رسالة للسلفيين الجدد.

    ماذا كان يعرف السودانيون أنفسهم في الماضي؟. نعني إلى أين يرجعون أنفسهم من حيث العرق والدين والتاريخ؟.

    وقبل محاولة الإجابة على هذا السؤال موضوع الكلام لا بد أن نحدد وقت   أي معنى لكلمة "الماضي" الواردة أعلاه.   لنبدأ من نشوء سنار 1503م. 

     والسبب أن كلما ما ذهبنا إلى الوراء تصعب المهمة بسبب شح المراجع المكتوبة والمحققة.  لأنني أتصور أن خلال فترة الممالك المسيحية يعرف الناس أنفسهم على أساس قبائلهم من حيث الدم وعلى أساس المذاهب الدينية (اليعقوبية والمالكانية) من حيث  العقيدة وعلى اساس مليكهم من حيث الكتلة.

    وقبل سنار نستطيع أن نرصد بإختصار ثلاث تحولات حضارية كبرى.  التحول من الإله آمون (كرمة ونبتة)  إلى أبادماك، حوالى  "350 ق م" (البجراوية/مروي)     ومن أبادماك إلى يسوع حوالى “400م إلى 1502م” (سوبا/علوة) وهنا نلاحظ أن مركز الحضارة دوماً ينتقل إلى الجنوب أو العكس من طيبة وكرمة ينتقل إلى الدلتا المصرية بعد أن جفت المستنقعات التي كانت تغطي المساحة .  وفي كلتا الحالين لنفس الأسباب: تغير الأحوال المناخية والبيئية إلى الاسوأ وتصحر مكان الحضارة الأول بحيث أصبح رويداً رويداً غير صالح لتواصل النسق الحضاري.

    التحولات الحضارية الكبرى:

    هناك أربعة تحولات حضارية كبرى في تاريخ السودان القديم والوسيط وأربع تحولات سياسية كبرى في تاريخ السودان الحديث.. شكلت جغرافيتنا وديمغرافيتنا ولغاتنا و ألسننا ومخيالنا وألواننا وشكلت التقاسيم الإجتماعية والعقدية والآيدولوجية وجعلتنا نكون هكذا نحن بكل ما بنا من خير وشر لنا والبشرية. 

    كل تلك التحولات أخذت بعناق بعضها البعض في سلسلة متواصلة من الإنسجام والنفي والإصطحاب والإلغاء.
    التحولات الحضارية الكبرى الأربعة:

    1- مرحلة الإله آمون (السودان الأقدم) حوالي  7000 سنة قبل الميلاد إلى حوالي 350 قبل الميلاد. ويعني ذلك شعوب عديدة وجغرافيات عديدة وطبقات حاكمة وأخرى محكومة وبالضرورة إذن صراعات إجتماعية من لحظة إلى أخرى وضمنه تحول العاصمة الحضارية من كرمة جهة الشمال إلى نبتة جهة الجنوب لكن دون أن يحدث إنقلاب حضاري شامل.

     فالتحول الحضاري الثاني  سيحدث عند لحظة مروي.   

    2- التحول الحضاري الثاني (مرحل الإله أبادماك) حضارة مروي 350 قبل الميلاد إلى حوالي 350 ميلادية بداية بالمؤسس "أركماني"، وتحولت العاصمة الحضارية مرة ثانية من نبتة إلى جنوب أبعد (مروي) وهي البجراوية حالياً بالقرب من شندي.

     هذا التحول الكبير ألغى آلهة الماضي وبالضرورة ألغى أو أفنى الطبقات السابقة الحاكمة وحول اللغة الرسمية من الكوشية القديمة إلى المروية  وربما حدث خراب للعواصم الحضارية السابقة (كرمة ونبتة “مثال”)  أكبر مما حدث في إسطورة سوبا.

     ولكن دائما كل تحول يحمل كثير من الصبغات الوراثية لما سبق.

    3- التحول الثالث: من أباداماك إلى يسوع المسيح حوالي 400 م إلى حوالي 1500 م  هذا التحول الكبير ألغى بدوره آلهة الماضي وحول وجهة العبادة من البركل إلى أورشليم القدس  وبالضرورة ألغى أو أفنى الطبقات السابقة الحاكمة وربما حدث خراب للعواصم الحضارية السابقة  وتحولت اللغة الرسمية من المروية إلى اليونانية (لغة الكتاب المقدس “توجد مثلاً  بمتحف الخرطوم  الآن أكثر من 80 وثيقة منحوتة على الصخر باللغة اليونانية تروي قصص الممالك المسيحية اليعقوبية بالذات في عهدها الأول). 

     وتحولت العاصمة مرة ثالثة من مروي في الشمال إلى جنوب آخر (سوبا) علوة المملكة الأهم.. هكذا كانت تفعل كل دول الهويات في التاريخ (صيغة العرق الواحد والدين الواحد والتاريخ الواحد والأسرة الواحدة الحاكمة).

     تلك هي الصيغة الوحيدة في تاريخ البشرية فيما قبل دولة المواطنة الغربية الحديثة. ففي التاريخ من المستحيل أن يعيش عرقان في نفس المكان والزمان ويتمتعان بذات الحقوق والواجبات ولا دينان ناهيك عن تعدد ديني ولا تاريخان ولا أسرتان حاكمتان.. ذلك من أسباب خراب سوبا ومن قبله خراب كرمة وخراب نبتة وخراب مروي.. والخرابات الأخرى في تاريخ البشرية قاطبة.

     4- التحول الحضاري الرابع والأخير هو "سنار" حوالي 1503-1821م.  هذا التحول الكبير ألغى بدوره آلهة الماضي وحول وجهة العبادة من أورشليم القدس إلى مكة.

     وتحولت اللغة الرسمية من اليونانية والقبطية إلى العربية  وتحولت العاصمة مرة رابعة  من سوبا  في الشمال إلى جنوب آخر أبعد  (سنار).

     وبالضرورة هذا التحول الحضاري الكبير ألغى أو أفنى الطبقات السابقة الحاكمة .. ولدينا تصور أنها جماعات من الشعب الأخير الذي كانت تتشكل منه الطبقات العليا الحاكمة السياسية والدينية والمقدسة وكانت جماعة أو شعب "العنج" في أغلب التصورات.  

    شرح مكرر للأهمية: في التاريخ من المستحيل أن يعيش عرقان في نفس المكان والزمان ويتمتعان بذات الحقوق والواجبات ولا دينان ناهيك عن تعدد ديني ولا تاريخان ولا أسرتان حاكمتان.. ذلك من أسباب خراب سوبا والخرابات الأخرى في تاريخ البشرية قاطبة (مكرر للضرورة!).

    ولكن دائما كل تحول يحمل كثير من الصبغات الوراثية لما سبق. 

    التحول الحضاري السناري هو الأخير وما نزال نعيشه حتى هذه اللحظة وفق هذا التصور.. إذ معظم عناصر ذلك التحول ما تزال قائمة في أرض الواقع من حيث الجوهر، ولو أنه يتزلزل أمام التحولات الديمغرافية الجديدة والآيديولوجيات الجديدة والوعي الجديد بدولة المواطنة والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان وأخيراً موجة العولمة.

    ودولة المواطنة سيكون فيها فناء النسق السناري. بحيث ستكون سنار آخر حضارة  هويوية في تاريخ الرقعة الجغرافية  المسماة السودان. 
      

    ولكن حدثت وتحدث تحولات سياسية كبرى داخل النسق السناري نفسه دون أن تلغيه كاملاً بل عاشت فيه وبه. وسنجد أن  لكل تغيير سياسي كبير إضافته المميزة سلباً أو إيجابا على مجمل النسق.

    التحولات السياسية الكبرى الأربعة:

    1- التركية الأولى 1821-1885م.. أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهره من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية الرسمية  والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. الإضافة المميزة التي حدثت مع التركية الأولى هي عملية توحيد ممالك ومشايخ وسلطنات الرقعة الجغرافية.. "هذا بإختصار طبعا”. 

    2- الدولة المهدية 1885-1900م بدورها أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهر النسق من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. والشىء المميز الذي جاءت به المهدية أنها  أدخلت مفهوم الدولة الأممية الذي لم يكن من خيال سنار. 

    3- التركية الثانية (العهد الإنجليزي) 1900-1956م.. أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهر النسق من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. والشىء المميز الذي جاءت به مرحلة الإنجليز  أنها  أدخلت مفهوم "المدنية" لاول مرة بشكل حاسم في تاريخ السودان الحديث. والمدنية هي البنت الشرعية للمشاريع الحديثة التي أسسها الإنجليز مثل كلية غردون ومشروع الجزيرة والسكة حديد. 

    4- مرحلة الإستقلال 1956- الآن.. أحتفظت بنفس النسق السناري فقط حدثت تغييرات شكلية لم تمس جوهر النسق من حيث التراكيب الإجتماعية و الوجهة العقدية والنظم السياسية العليا والقاعدية واللغة السائدة. فقط الشىء المميز الذي جاءت به مرحلة الإستقلال التي نعيشها الآن  أنها  أدخلت مفهوم الديمقراطية وتمسكت بنظام ويست منستر البرلماني.  وتميزت المرحلة بالإنقلابات العسكرية والإضطرابات السياسية والحروب الاهلية وإنتهاك حقوق الإنسان وذلك بسبب غياب صيغة للعيش السلمي المشترك جامعة لشعوب السودان. وحدث عند هذه المرحلة  إنقسام البلاد عام 2011 إلى دولتين بدلاً من واحدة تأسست عام 1821م "هذا بإختصار طبعا)”  

    نحن الآن نعيش هذه اللحظة من تاريخنا.. حسب هذا التصور.
     ويبدو  ان هذه اللحظة السنارية في خواتيمها.. انها تتزلزل.. لا تملك ذات اليقين  الاول.. لذا جاء سؤال  الهوية من  جديد في الزمكان الجديد.

     تتزلزل أمام التحولات الديمغرافية الجديدة والآيديولوجيات الجديدة والوعي الجديد بدولة المواطنة والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان وأخيراً موجة العولمة.

    ودولة المواطنة سيكون فيها فناء النسق السناري .. بحيث ستكون سنار آخر حضارة  هويوية في تاريخ السودان “وفق هذا التصور”.   

     ونشهد هذه الأيام الاخيرة  تفتيشا محموما عن جذر يجمع الناس تحت مظلة واحدة مثل "الأفريقانية والزنوجة والكوشية والسودانوية و العروبة”..  وهو خطا!.

    اذ نحن ما نزال نعيش في زريبة التاريخ “نعيش في خيال دولة الهوية”.

    لنفكر في ميثاق لدولة المواطنة!

    وهنا تصور موجز لتطور الدولة في تاريخ البشرية “وفق هذا التصور”:

    1- دولة الهوية (دولة الماضي) وهي: 1- دولة العرق الواحد 2- المذهب الديني الواحد 3- التاريخ الواحد 4- الأسرة الواحدة الحاكمة تتضمن الفرد الواحد الحاكم. ففي التاريخ  (دولة الهوية) مستحيل أن يعيش عرقان في نفس المكان والزمان ويتمتعان بذات الحقوق والواجبات ولا دينان ناهيك عن تعدد ديني ولا تاريخان ولا أسرتان حاكمتان.. ذلك من أسباب خراب كرمة وخراب نبتة وخراب مروي وخراب سوبا والخرابات الأخرى في تاريخ البشرية قاطبة..  وما يزال الماضي يعيش بين ظهرانينا.

    2- دولة المواطنة (دولة الحاضر): دولة الحقوق والواجبات المتساوية لجميع البشر فوق الرقعة الجغرافية بغض النظر عن العرق والدين والتاريخ والإيدلوجيا وكل الاختلافات الممكنة.  وبعد هذه الدولة تميز مواطنيها ايجابا على مواطني الدول الأخرى وتكسب لهم (مادياً ومعنوياً) على حساب الآخرين من كانوا. بما ان المواطن وحدة سياسية وإقتصادية في الحيز الجغرافي المحدد. وهذه الدولة خطوة كبيرة في تطور نظم السياسة في تاريخ البشرية وهي أفضل "فورميلا" حتى الآن على ما بها من قصور.

    3- دولة الإنسانية (دولة المستقبل اي الدولة المشروع) وهي دولة إلغاء الحدود والجغرافيا وجوازات السفر أي هي دولة ما بعد المواطنة: دولة الإنسانية.. دولة حقوق الإنسان الكاملة وحقوق الحيوان وحقوق الطبيعة (الطبيعة = النبات والأرض وطبقة الأوزون “مثال”). 

    ملاحظة: نحن ما نزال نعيش خيال دولة الهوية أي اننا متأخرون عن البشرية في عوالمها الأخرى بعدة قرون.. ولذا يكثر الحديث بيننا عن "الهوية".

     ونشهد هذه الأيام تفتيشاً محموماً عن جذر يجمع الناس تحت مظلة واحدة مثل "الأفريقانية والزنوجة والكوشية والسودانوية و العروبة” وهذا طبعا خطا لان المفترض اننا منوعون شديد التنوع وعلينا فقط ان نجد فورميلا لإدارة تنوعنا لا إلغائه باي حجة كانت لان ببساطة هذا ارتداد في سلم الحضارة.

     وما ذلك إلا من خيال دولة الهوية، دولة التاريخ دولة الماضي، الدولة المنقرضة وهي الدولة السائدة في مخيال جل شعوب أفريقيا والشرق الأوسط ليس السودان فحسب.

    ولنا إن رأينا بعض المعقولية لهذا التصور أن نفكر معاً في صيغة للعيش السلمي المشترك تقوم على الوعي العلمي بالذات الجماعية وبالبيئة الطبيعية المحيطة بنا.. اي السعي إلى إنجاز الوعي بالمصلحة المشتركة والمصير المشترك والإحساس بالتحديات المشتركة وإذن الإحترام المشترك في الجغرافيا المتوافق عليها أي كانت وبغض النظر عن تنوع هويات الناس.. وعندها فقط نستطيع أن نتلمس طريقنا دستورياً وفي الوعي الشعبي في سبيل دولة المواطنة.. دعك الآن من دولة الإنسانية فهي مشوار أطول!.

    وشئ مهم جداً أن النداء بإستمساكنا بدولة المواطنة هو الترياق لنا في تنوعنا في ذاتنا وللذين يقولون او عندهم حقا او في التصور (لا يهم) جذور تاريخية في السودان أو القبائل الحدودية. فدولة المواطنة تعني:
    دولة الحقوق والواجبات المتساوية لجميع البشر فوق الرقعة الجغرافية بغض النظر عن العرق والدين والتاريخ والإيديولوجيا وكل الاختلافات الممكنة لمواطني البلاد المحددة ولا يشمل جيرانهم من الشعوب الأخرى مهما كانت تداخلاتهم العرقية والثقافية والتاريخية وهذا هو الحال عند كل دول الأمم المتحدة فوق كوكب الارض في هذا الزمان.. فالسودان ليس استثناء. انت مهما كان عندك عرق مشترك مع جماعة سودانية راهنة أو حتى أخوك أو أختك الشقيقة مباشرة تسكن السودان كمواطنة وفق الدستور السوداني
    بما أنك أنت مواطن دولة أخرى لا يحق لك إدعاء أنك سوداني عشان في زول قريبك يسكن السودان ناهيك عن قبيلة مشتركة وتاريخ.. المواطنة حالة قانونية بحتة ويحددها الدستور لا قرابات الدم والتاريخ المشترك والممالك المشتركة في التاريخ.

    بعد دراسة تداخلات الإثنيات والحضارات التاريخية مهمة للتثاقف ولسلام الشعوب وللوعي العلمي بالتاريخ وللسياحة ليس إلا. . لكن قضية المواطنة شئ آخر وحالة قانونية بحتة كما أسلفنا.

    محمد جمال الدين

    تتواصل الرسالة إلى السلفيين الجدد للأهمية.

     * تلك كانت الحلقة الثانية من سلسلة رسالة إلى السلفيين الجدد.
    3

    رسالة إلى السلفيين الجدد.. حلقة 3

    دولة المواطنة!

    دولة المواطنة.. لا وصف لها غير ذلك. أي ذلك وصفها وتعريفها شعبيا ً وقانونياً ودستوريا ً.. وإسمها جمهوية السودان..  لا وصف ولا اسم ولا هوية لها غير ذلك.

     دولة المواطنة فحسب لا علمانية ولا مدنية ولا إشتراكية ولا لبرالية “مثال”: لا توصيف لها أشمل ولا أكمل من: (دولة المواطنة).

     وصف الدولة التي نريد "الدولة المشروع" كعلمانية أو مدنية توصيف يعاني عدة مشاكل، سنصفها في هذه الحلقة للأهمية.

     ثم نذهب إلى تفصيل دستور دولة المواطنة  التي نعني في الحلقات القادمة من هذه السلسلة. 

    العلمانية وحدها ليست كافية في حالة تطورنا التاريخية الراهنة.  والدولة المدنية غير ممكنة واقعياً لأن المؤسسة العسكرية ستظل واحدة من مؤسسات الدولة المهمة. بل الصحيح 
    حكومة مدنية لا دولة مدنية. والحكومة "السلطة التنفيذية" جزءً من كلية الدولة وليست الدولة. أي حكومة ونظام إداري مدنيين مثل النظام المدني الامريكي أو الياباني "مثلاً"  يدير مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية وكلما يتبع لها ويلحق بها، وذلك من أهم مميزات الدولة العصرية. 

    كما أن الدولة العلمانية كمصطلح تعني فصل الدين عن الدولة والسياسة لتتحقق دولة غير منحازة لمذهب عقدي محدد وغير معادية لآخر بل دولة محايدة أو تقف على مسافة واحدة من كل الأديان والمذاهب الدينية المحتملة في الرقعة الجغرافية (هذا اظنه معلوم).  وهو فهم متقدم في سلم التطور والتحضر السياسي العالمي لم نصله نحن بعد بصورة كاملة.. وهو مطلوب طبعا ولكن نحن هنا نقول أنه بعد غير كافي أي ناقص. 

     فلمشكلة عندنا أكبر والقضية أكثر تعقيدا من مجرد فصل الدين عن الدولة!.

      بل وجب أيضا فصل الدولة عن العرق والتاريخ وهما أشد أثراً من الأديان أي كانت.  والا فالعلمانية وحدها ليست كافية في دولة منحازة عرقياً أو تاريخياً. وإن كان العرق معلوم فبالتاريخ نعني دولة منحازة إلى ثقافة آحادية أو حضارة من حضارات الماضي السالفة، مثال القول ب: سوبا أو سنار أو كوش أو أي سلف من الحضارات السالفة.

     ذلك بدوره خطأ ينتقص من المواطنة المتساوية مثله والانحياز لعقيدة أو عرقية محددة.  إذ ينطوي على تمييز مسبق وبالتالي  مهددا ً للحقوق والواجبات المتساوية لجماعة أو جماعات محتملة من مواطني دولة المواطنة.

    فالعلمانية وحدها ليست كافية في حالتنا كون الدولة يمكن أن تكون علمانية ولكن عسكرية او/و منحازة لعرقية محددة في الرقعة الجغرافية (مثال دولة رواندا في التسعينيات). 

     والدولة المدنية تستطيع أن تكون دينية وعرقية فقط غير عسكرية في أحد الحالات كما ضربنا المثال بإيران الراهنة.  والدولة العلمانية تستطيع أن تكون عرقية وعسكرية مثال ليبيا أيام نظامها السابق والأمثلة من حولنا كثيرة في الأقليم القريب والعالم البعيد.

     وعندما ننظر بروية للدولة الغربية الحديثة، الموصوفة  ب "العلمانية" من باب المقارنة،   سنجد إذن أن لحظة تطورنا التاريخية مختلفة عن الغرب عندما التزم العلمانية حلا لازمة الدولة والدين “يأتي تفصيله في مستقبل هذه السلسلة التي تهدف إلى إثارة جدل بناء حول ميثاق ودستور دولة المواطنة وكيفية وضع أسسها العملية في أرض الواقع”.

    الحالة الصحيحة في لحظة تطورنا الاجتماعية الراهنة أن نجعل الدولة محايدة تجاه كل مصادر الهويات الاجتماعية التي تجلل   الساحة (العرقية والدينية والتاريخية.. والآيديولوجية أيضاً).

     فالدولة  لا يجب أن توصف بإشتراكية أو لبرالية أو أي مذهب من المذاهب قديمها (الفاطمية في مصر)  وحديثها (الجماهيرية العربية الإشتراكية العظمى) كله خطأ.. وتلك مجرد أمثلة لا حصر. 
     
    كون تلك أيضاً آيديولوجيات ومذاهب هويوية تنطوي على مهددات الإنتقاص  من الحقوق والواجبات المتساوية لمواطني الرقعة الجغرافية "دولة المواطنة" مثلها والأعراق والمذاهب الدينية والتاريخ. 

    بعد تستطيع الحكومة (لا الدولة) أن تنفذ برنامج إقتصادي إشتراكي أو لبرالي دون أن يمس ذلك  مبادئ دستور دولة المواطنة.. ذلك يحدث في العالم الغربي "الحديث" كل الوقت دون مشكلة.

     وتستطيع أن نشئ حزب سياسي تسميه مؤتمر البجا أو حركة كوش أو حركة تحرير السودان أو الحزب الديمقراطي الإسلامي أو الحزب اللبرالي الكجوري.. بشرط فظ وواضح:  دون أن يتعارض ذلك مع مبادئ دولة المواطنة وإلا يستم حل  ذلك الكيان المارق على الدستور، من المفترض.

    فدستور دولة المواطنة يعني بالحقوق والواجبات المتساوية لمواطني البلاد.  وتلك هي القيمة الأعلى والأسمى الما فوق دستورية.. لأن على أساسها ينبني الدستور ويمسى المواطن كمواطن سوداني كامل الحقوق والواجبات حسب ذلك العقد الإجتماعي بينه والدولة. 

    في الحلقة المقبلة سنفصل أكثر في معنى المواطنة ودولة المواطنة.  ومن أين يأتي الدستور واللغة الرسمية والقوانين المدنية والجنائية .. وماذا سنفعل بالاهرامات وبالثقافة والفلكلور والجلابية والتوب والمركوب والموسيقى والوازة والجراري وغناء الحقيبة (امثلة لا حصرية). 
    وسنتحدث تفصيلياً عن واقع السياسة السودانية هذه اللحظة ومستقبلها.  وعن إتفاقية جوبا وقضايا أقاليم السودان ومركزه.. وإطروحات المركز والهامش والبحر والنهر والمثلثات والمربعات.  وعن النزعات العنصرية والظلامات التاريخية  وخطابات الكراهية. كما علاقة السودان بالأقليم والعالم.. وختامه: أفق دول المواطنة الحقة.

    محمد جمال الدين.. تلك كانت الحلقة الثالثة من سلسلة: رسالة إلى السلفيين الجدد

    4

    رسالة إلى السلفيين الجدد  .. حلقة 4

    من أين برزت كوش من غياهب التاريخ لتقول بجمعنا من جديد تحت رايتها في القرن الواحد وعشرين؟!.

    من أين جاء سؤال الهوية اكثر سطوعا وحدة في هذه الأزمان الأخيرة دون غيرها؟!. 

    ثلاثة أسباب: السبب الأول الإستعمار الغربي وزلازل الرق وتجارته إلى الكاريبي وأمريكا الشمالية والثاني الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي/اللبرالي والإشتراكي/السوفيتي والثالث غياب دولة المواطنة.

    السبب الأول عبرت عنه بجلاء فلسفة البان أفريكانزم "الأفرو عمومية" في  أفكار وتجليات تنظيمية  مختلفة.. أسسها أولاً الأفارقة الأمريكانيين والكاربيين في حدود العام 1900م. ثم أنتظمت أفريقيا   الغربية  والوسطى لاحقا.  وهي بإيجاز وفي جملة واحدة فلسفة فكرية وسياسية همها الأول رد الإعتبار للأرقاء الأفارقة وبالذات في أمريكا والكاريبي الذين وقعت عليهم مظالم تاريخية فظة ما تزال نتائجها ماثلة في الواقع حتى تاريخ اليوم.  كما أنها آلية للوحدة الهادفة إلى تكوين كتلة تاريخية تحقق الهدف المعلن.  غير ان البان أفريكانزم لم تتسبب في تصحية النزعات العرقية و التاريخية في حيز الدول الأفريقية عندما نالت إستقلالها لأنها كانت تعمل من داخل نظام الكلية الإشتراكية. لكنها بعد  كانت الأرضية التي أنطلقت منها تساؤلات الهويات الجزئية بعد إنهيار أو تراجع الحلف السوفيتي وتزلزل مفاهيم وأنظمة الإشتراكية والشيوعية  أمام المد اللبرالي الرأسمالي "سيأتي تبيانه تفصيلياً، لاحقا”. 

    إذ سؤال الهوية (الهويات الجزئية)  جاء اكثر حدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي.  قبل ذلك كانت الشعوب والجماعات  متكتلة على أسس كلية وإنسانية كونية وأسس طبقية لا يوجد عندها فرصة لسؤال العرق والتاريخ. 

     وكان الشعار الجبار "يا عمال العالم اتحدوا".  وأن العالم منقسم إلى شرق وغرب (او شمال وجنوب) وكان الغرب الرأسمالي الليبرالي ممثلا في منطقتنا في الخليج. ونستطيع أن نقسم الأقليم الشرق أوسطي والقارة الأفريقية في أربعة أحزمة أو خطوط أيام الحرب الباردة وما تزال بعض أثارها (الحرب الباردة) ماثلة في أرض الواقع.

     الأول خط الخليج: (السعودية/الامارات/عمان/قطر/البحرين/الكويت ونضف لهم الأردن وإسرائيل لأنهما يتبعان عملياً للحلف الغربي أثناء الحرب الباردة وحتى الآن في الضد من روسيا والصين وإيران .

     وهذا هو الخط السلفي او قل للدقة  كان سلفياً (إسلامي/عبري/رأسمالي/غربي). إتخذ من المذاهب السلفية آديويولوجيات لنظام الدولة. والعروبة في حالة  هذا الخط مجرد عرق مقول به من باب التاريخ اذ هو غير فاعل آيديولوجيا.  وتسيلح هذا الخط: غربي/امريكي على وجه الاطلاق. 

     والخط الثاني  هو ما يمكن تسميته بالخط "العروبي الليبرالي" في المغرب العربي (تونس/الجزائر/المغرب/موريتانيا) يتبع او يتحالف مع فرنسا في المجمل جل الوقت . وتسلحه مختلط (روسي/غربي). 

     والخط الثالث والمهم" العروبي الإشتراكي: (العراق/سوريا/لبنان/فلسطين/مصر/السودان/ليبيا/واليمن.  جل تسلح هذا الخط روسي صيني.  وهو في معظم الوقت في عداء مع الخط الأول الغربي الرأسمالي.. وربما حتى تاريخ اليوم.. ونشهد ذلك في سودان اليوم في المظاهرات التي يقودها اليسار الإشتراكي ضد الإمارات والسعودية وفي التراشقات اللفظية من الأحزاب الإشتراكية والعروبية ضد أنظمة هذه الدول. 

    وقبل إسبوع واحد من الآن قال المتحدث باسم الخارجية الإماراتية (قرقاش) فيما معناه  أن: الحزب الشيوعي السوداني ما زال يعيش خيال الحرب الباردة.   والحقيقة أن الحزب لا يعيش الخيال فحسب وإنما هو حزب ماركسي لينيني  حتى الآن في تصور الكثير من الناس (هذه مجرد أمثلة لا حصرية لتبيان الحالة عملياً أرجو عدم التركيز عليها جدلياً وترك الفكرة الجوهرية).

    ومفهوم العروبة عنده آيديولوجيا (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) تسبقها وتصبغها الإشتراكية في الضد من الخط الأول الذي لا تمثل عنده العروبة آيديولوجيا وإنما الدين/أمة محمد (وفق مناهج السلفية على الأقل في الماضي، هناك تحولات كبيرة تحدث الآن في الواقع) وهو متحالف في داخله (مجلس التعاون الخليجي). 

     
    ولنتذكر من جديد: العراق (حزب البعث العربي الإشتراكي). سوريا 
    (حزب البعث العربي الإشتراكي) ولبنان تابعة للخط الإشتراكي وفلسطين منظمة فتح كانت تنشط من لبنان. ومؤسس منظمة فتح جورج حبش ماركسي لينيني. وتوجه الحركة العمومي  كل الوقت عروبي إشتراكي. 

    مصر جمال عبد الناصر (عروبية إشتراكية) وليبيا (العربية الإشتراكية العظمى) واليمن (الحزب الاشتراكي اليمني) حكم اليمن حتى العام 1990. وكانت حركة ظفار الإشتراكية تنطلق من اليمن لمحاربة مسقط والخليج. 

    والسودان موضع حديثنا هنا يتبع الخط الإشتراكي جل الوقت ويعادي الخط الأول (رسميا ً) جل الوقت.  وكان اسم الحزب الحاكم  في عهد  النميري (الإتحاد الإشتراكي السوداني) وتسليح الجيش السوداني حتى تاريخ اليوم روسي/صيني/إيراني بما في ذلك الحركات المسلحة والدعم السريع مع لمسات غربية جديدة لكنها ضئيلة. 

     والخط الرابع والأخير: خط عموم القارة الأفريقية ما وراء الصحراء، أيضاً إشتراكي (بان أفريكانزم) متحالفة جل الوقت من الخط العروبي الإشتراكي تحت بند التحرر من الإستعمار الغربي الرأسمالي. إلى الحد الذي تزوج أب العمومية الأفريقية (نيكروما) من فتحية المصرية وأنجب منها ولداً أسماه جمال عبد الناصر، يعيش الآن بمصر ويعمل في مركز الأهرام بالقاهرة. 
     
    وهنا لا يوجد تفضيل قيمي   او ضده ولا ذم او مدح لخط من الخطوط او المفاهيم.. فقط وصف للحالة وفق هذا التصور.

     الحرب الباردة شكلت خيال العالم الحديث برمته وما يسمى بثورات  الربيع العربي مخطط لها منذ أيام الحرب الباردة وعندها إستراتجيتها وتمويلها وأهمه وأوله تجريد تلك الأنظمة من الحلف والتسلح الروسي/الصيني وأخيراً الإيراني.. وفي المقابل كان الاتحاد السوفيتي ينشط في الضد من الحلف الغربي وجميع احلافه في العالم وهو حال روسيا الراهنة في تجليها الجديد. 

    فكل الدول التي حدث عندها الربيع العربي وتفككت تسليحها روسي/صيني/إيراني .. لنا أن نلاحظ ذلك بسهولة.

    وكلها  من الخط العروبي الإشتراكي أو مندغمة معه.
     ولنا أن نتبين بعد قليل أن لذلك  علاقة مباشرة ببروز  سؤال الهوية الذي نحن اليوم بصدده. 

     أي هو ما فعلته الليبرالية من نجاح في تفتيت الكلية الاشتراكية القائمة على الكلية الكونية "وَيَا عمال العالم اتحدوا" كشعار كلي جماعي وشمولي (هنا لسنا مع أو ضد الإشتراكية أو اللبرالية هذا مجرد توضيح مفهومي أو نحن في باب الحياد العلمي حد هذا التصور).

    كانت الليبرالية تعمل على ايقاظ البنيات التفصيلية مثل القبائل والطوائف ومن هنا برز سؤال الهوية بشكل أكثر حدة (بداية بالثمانينيات من القرن الماضي وحتى الآن) طبعاً بالإضافة إلى عوامل أخرى بدورها مهمة.

    وقلنا أن الثورات الربيعية حدثت في أراض  الدول ذات الجيوش المسلحة بأسلحة  روسية أو/و  صينية أو/و إيرانية.  ما عدا تونس التي عولجت مشكلتها على وجهة السرعة.

     لكن مصر عانت قدراً من الزمن  بعد صعود حركة الأخوان إلى سدة الحكم ثم إزاحتها.. والعراق انقسمت وليبيا تتقسم والسودان انقسمت بالفعل وسوريا ما تزال تعاني حتى أضطرت روسيا (ست الاسم) للحضور المسلح بنفسها الى ساحة المعركة. 

       واليمن تعاني بدورها لذات الاسباب وبسبب الحضور الفارسي المعضد من الخلف بالحلف الروسي/الصيني.  

     ولأن أعظم تجارة العالم في السلاح وليس البترول  ولا الذهب..   وذلك  جزءً من الصورة الكلية. كما تجارة السلاح  تتبعها مصالح  وتبادلات تجارية موازية وأحلاف سياسية  وإستراتيجية. 

    الخلاصة  أن تراجع الأنظمة والمفاهيم الإشتراكية قبيل وبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي قاد إلى الإحتماء بالهويات الجزئية  (القبلية والجهوية والمذهبية والتاريخية) مصاحبة لتزلزل أو إنحسار أو غياب المفاهيم الكلية الجامعة في الخط العروبي الإشتراكي وفي خط عموم أفريقيا ونتج عنه في بعض الحالات إنقسام الدولة نفسها. 
     
    السبب الثالث والاخير والأهم والخطير هو: غياب دولة المواطنة.. بل وغياب ثقافتها أيضا.. وضمنه غياب  صيغ علمية وعملية واستراتجية للعيش  السلمي المشترك في  الرقعة الجغرافية.. وبالتالي الارتكاس في خيال  دولة الهوية التاريخية.

    تتواصل:
    رسالة إلى السلفيين الجدد.

    محمد جمال الدين

    5

    رسالة إلى السلفيين الجدد  .. حلقة 5

    وردني سؤال مكرر مرات عديدة على أثر سلسلة "رسالة إلى السلفيين الجدد" والسؤال المكرر بعدة صيغ، هو: ألسنا في حاجة لإسطورة كي نؤسس دولة؟. مثل شئ نجمع عليه كلنا  يأتينا من التاريخ وأمجاده  و الدين ومذاهبه  و سكان الأرض  وأعراقهم وثقافاتهم وادابهم وفنونهم؟.

     الإجابة قطعاً:  لا!. ليس في فضاء دولة المواطنة بل الإسطورة من مخلفات مخيال دولة الهوية. 

    لكن قبل محاولة الإجابة دعوني أعرج قليلاً  على تخلق وتطور دولة المواطنة في منشأها الأوروبي. والذي ذكرنا أنه مختلفا عن لحظة تطورنا الراهنة. وللأسباب التي قلنا بها في الحلقة الأولى والثانية من هذه السلسلة. 
    ولسبب آخر أهم وهو أن الإستعمار الغربي قطع التمرحل الذاتي "الطبيعي" لكثير من مجتمعات الجنوب.  وطبعاً منها السودان محل حديثنا هنا.. وحاول القفز بها فوق هوة التاريخ وحشر النظم الغربية والمدنية  الحديثة داخل أنساق تاريخية غير مهيئة لها بالكامل.
    فأوروبا حظيت بتطور طبيعي وصولاً لدولة المواطنة وحقوق الإنسان. ولو كانت دولة المواطنة هي أفضل صيغة  لنظم الحكم والإدارة منذ مهد البشرية حتى الآن، فهي بعد ليست كاملة.  فكل دولة تعيش وتشغل  حيزها  الجغرافي وحده من حيث الحقوق والواجبات المتعلقة بالمواطنين كجواز السفر وحق الإنتخاب والترشح.. والضرائب مقابل التمتع بالخدمات الأخرى.

     فالمواطنة هنا لا تشمل مواطني الدول الأخرى هذا واقع طبعا. فكل دولة تعيش فضاءها. الدولة في أوروبا تطورت من دولة الهوية إلى المواطنة دون إنقطاع في النقيض من حالتنا في السودان والشرق بأجمعه.

    ما حدث في أوروبا كالتالي:
    إن كانت دولة الهوية هي: 1- دولة العرق الواحد 2- المذهب الديني الواحد 3- التاريخ الواحد 4- الأسرة الواحدة الحاكمة تتضمن الفرد الواحد الحاكم. 
    تم حل مشكلة الأعراق قبل مشكلة الدين التي حلت مؤخراً بداية بإتفاقية ويستفاليا عام 1648م أي بنهاية حرب الثلاثين عاما 1618-1648م. وهذه الإتفاية هي حجر الأساس للعلمانية. 

    ولكن القضية لم تنتهي هنا:

    اذ تخلصت أوروبا ايضا ورويدا رويدا من الأسر المالكة بابتداع النظم الدستورية الجمهورية.. ثم احتفظت بتلك الاسر التاريخية التي خدمت شعوبها في لحظتها التاريخية (دولة الهوية)    وجعلتها ك"أنتيك" و جزء من ارثها وفلكلورها مع بعض المهام السيادية والرمزية المحببة. 

     وتخلصت أوروبا أخيرأً من نظام حكم الفرد الواحد عبر النظم الديمقراطية الحديثة. 
     وبذلك أنتهت دولة الهوية ومخيالها   ليس في اوروبا وحدها بل في كل مجتمعات الغرب بمعناه الشامل.

    لا ننسى سؤالنا الأول: ألسنا في حاجة لإسطورة كي نؤسس دولة مواطنة؟. وقلنا مبدئياً أن الإجابة: لا.

    دولة المواطنة هي دولة العقد  

     الإجتماعي (العيش السلمي المشترك) وهي دولة الخطة الإستراتيجية (دولة العلم والموضوعية). 

    الإسطورة من خيال دولة  الهوية “المنقرضة” والتي لا نزال  نعيش كثير من مخيالها  لأننا نعيش في عالمنا السحري "اللا علمي"  والذي لا تجربة عنده من ثقافة دولة المواطنة ليس في السودان فحسب بل جل أرجاء أفريقيا والشرق الأوسط.  

    ويحدث خلط يسبب تشويشاً كبيراً لمفهوم دولة المواطنة يتمثل في عدم الفرز بين الدولة وفضاء المجتمع (الشعب) فالدولة في صيغتها المثلى مجرد أجهزة إدارية محايدة لا منحازة أي تقف على مسافة واحدة من جميع كيانات المجتمع الممكنة. ولكن التنوع هو خاصية المجتمع وحده “الشعب”..   ودولة المواطنة (دولة العصر)  مجرد عقد اجتماعي لا غير،  في النقيض من دولة الهوية. 

      إذ أبرز مميزات دولة الهوية  التاريخية: إعتمادها على مفهوم "الأمة" الأمة  الواحدة. و الأمة  تعني  مجموعة من الناس تجمعهم أصول مشتركة  عرقية أو/و عقدية أو/و  وتاريخية أو/و آيديولوجية.

     وإذن تلك هي دولة الإسطورة. فعندها لا بد من تراتبية  في العرق وتراتبية في العقيدة وترابية في الشرف التاريخي والأمثلة لا حصر لها في التاريخ والراهن.. أو تراتبية حسب النسق  الآيديولوجي كما هو حال دولة الصين هذه الأيام “مثال للبيان”. 

    وهذه التراتبية هي ما نعنيه بخيال/تراث دولة الهوية المقيم بالفعل في عقول كثير منا بوعينا أو لا وعينا. هذه التراتبية في حاجة للإسطورة لتدوم وتبقى كأسطورة النقاء العرقي والإختيار الإلاهي او التفوق الحضاري اي كان أو الأولوية الحضارية أو كمال النسق الآيديولوجي إلخ. 

    في الضد من ذلك فدولة المواطنة لا تعرف الأمة ولا تعترف بالأمة وتتعامل مباشرة مع الفرد "المواطن" بغض النظر عن أصوله العرقية  والدينية والتاريخية وقناعاته الآيديولوجية والأقليم الذي يعيش به. 

    هذه السلسلة المعنونة برسالة إلى السلفيين الجدد هدفها إثارة حوار بناء  حول "دولة المواطنة" وكيفية إنجاز صيغة للعيش السلمي المشترك في دولة حديثة معاصرة لا إعتبارات عندها للعرق ولا التاريخ ولا المذاهب الدينية ولا الجهات أو التوجهات أي كانت. أي أن عدو حوارنا هذا رقم واحد: هو مخيال دولة الهوية كما جاء شرحه بتفصيل في الحلقة الثانية من هذه السلسلة. وتلك كانت الحلقة الخامسة. 

     تتواصل رسالة إلى السلفيين الجدد.

    محمد جمال الدين

    6

    رسالة إلى السلفيين الجدد.. حلقة 6

    دولة المواطنة هي دولة إحترام التنوع وحسن إدارته  لا قمعه!

    الحديث الآن وفي السابق عن هامش ومركز وأفريقانية وزنوجة وعرب إلخ.. كلها بلا إستثناء دعوات إرتكاسية إرتدادية عن تطور التاريخ السياسي للبشرية.. وطبعاً  عندها أسبابها الموضوعية. هي في جملة واحدة: في معظمها  دعوات صريحة وضمنية لدولة هوية مضادة للقائمة الان والتي من المفترض لا نريد لها بديلاً من جنسها.. دولة المواطنة تعني  الإحترام والإحتفاء بتنوع المجتمع وادارته لا قمعه.. دولة الهوية لا تعيش بلا قمع التنوع وإسكاته، بل تموت في الضد من دولة المواطنة، إذ لا تكون بلا إعتراف كامل بالتنوع وحسن إدارته. وقد قلنا في الحلقات الماضية بأسباب صعود النزعات الهويوية في العقود الأخيرة من عمر السودان وبل ايضاً الأقليم المحيط بنا.

    عند هذه النقطة، راجع لطفاً من جديد الحلقة الفائتة رقم "5” من هذه السلسلة ولنصطحب معنا النقاط التي وردت عندها بالذات فيما يتعلق بكيفية تحول الدول الأوروبية الحالية من دول هوية تاريخية  إلى دول مواطنة حديثة.

    فالهوية تُمارس ولا تفرض على مستوى الدولة. تتعدد هويات المجتمع وهوية الدولة واحدة "قانون".  بمعنى آخر فإن الدولة عليها أن تحترم هويات الناس قاطبة. وتقف على مسافة واحدة من جميع  بنيات المجتمع المتعددة.

     فمن أراد أن يقول مثلا بأنه من عشيرة بني هلال فله ومن أراد أن يقول بأنه جده الأول يوناني فله ومن أراد أن يقول لا أصل ولا فصل له فله.  ومن أراد أن يقول أن ليس لي جذور في أي مكان في الأرض غير هنا فله. ومن أراد أن يقول أنا مسلم سني صوفي أو أشعري، مالكي شافعي، أو جمهوري أو وهابي إلخ.. فله  ذلك.. دون أن يسعى أحدهم للإعتداء على حقوق الآخرين في ممارسة حرياتهم الدينية.. إذن تلك مشكلة..  أنت مسيحي لا يهم من أي الطوائف فلك ذلك.. ومن أراد أن يقول أنا كجور أو  ديانة أبادماك فله ذلك، أو أنا بوذي، أو لا دين له على وجه الإطلاق فله ذلك. دون أن يعتدي أحد على الآخر وإلا فذلك خلل في دولة المواطنة يعالجه الدستور بالحسم والصرامة  اللازمتين. 

     ومن أراد أن يقول بأنه من أرومة  تاريخية عظيمة  "كوشي حبوبتي كنداكة مثلاً"  أو أي كان فله ذلك، ومن أراد أن يقول أنا من الأشراف آل بيت النبي محمد، فله ذلك، جميل، لكن دون أن يطلب من الآخرين تقبيل يده عسفاً، إذن سيدخل السجن، إلا من أراد وشاء بنفسه تقبيل الأيادي التي ظنها مباركة فهو أيضاً له ذلك.. إنها حريات شخصية "حقوق". 

    كل اللغات والعادات والتقاليد الإجتماعية تكون محترمة. 

    وحتى الإختلافات الشخصية في خيارات وأذواق البشر "المواطنين"  توضع في الإعتبار من حيث الزي "المظهر"  والمأكل والمشرب والرقص والغناء والعبادة إلخ.. كما الإنتماءات الآيديولوجية:  أنت لبرالي تمام، أنت إشتراكي تمام، لكن دون أن تقول بتحويل الدولة إلى لبرالية أو إشتراكية “مثلاً”. تلك برامج إقتصادية متحركة ومتحولة ولكن حقوق وواجبات المواطنة هي الثابت المقدس وحده.

      ومن أراد أن يتزوج على الطريقة الإسلامية المدنية فالدستور يبيح له ذلك والذي يريد الزواج على الطريقة المسيحية وهو مسيحي أو غيره لا توجد مشكلة  من المفترض. ما دام المواطن يمارس حقوقه الدستورية. وكذا تسجيل المواليد والوفيات وطقوس الأعراس وشعائر  الجنازة إلخ.

     وإذا تبنت الدولة رسمياً لغة من اللغات القديمة أو الحديثة بما يناسب واقع المجتمع والعالم من حولنا، تمام، فقط أن لا يعطي ذلك الحق لمتحدثي اللغة بالأصالة أي حقوق إضافية على بقية المواطنين. وكذلك بالنسبة للأزياء والأغاني والأدب والفكلور والنشيد الوطني.  تلك موروثات مشتركة ويتم التعامل معها كملك عام "ميري".

    وبل لك إن كان ولا بد أن تؤسس حزب إسلامي ديمقراطي او سمه ما تشاء.. فدولة المواطنة في منشأها الأوروبي نفسه فيها بعض  الأحزاب التي تحمل إسم   الأحزاب  المسيحية الديمقراطية "في هولندا وألمانيا مثلا"،  لكن الحزب المسيحي لا يطالب بأن تصبح الدولة مسيحية. إذن هذه دعوة للحرب بين بنيات المجتمع لأن المسيحية ذاتها طوائف عديدة وتنظيمات عديدة مثلها والإسلام وبقية الأديان كما هو حال الأعراق والثقافات.  وإنما   الدولة مجرد جهاز إداري محايد والحزب المحدد لديه برنامج "حكومي مرحلي" عنده جدول زمني محدد يستطيع أن ينجزه  في فترته الانتخابية إن أمكن.  وإذا سقط الحزب يسقط البرنامج المحدد، والذي في كل الأحوال لا يجب أن يمس الحقوق والواجبات المتساوية للمواطنين.. تلك نقطة حاسمة في دولة المواطنة وهي الحد الفاصل بينها ودولة الهوية التاريخية المنقرضة .. وإذا تعارض الحزب السياسي مع الدستور يتوقف الحزب كله. وكذا الأمر بالنسبة للأحزاب الليبرالية والإشتراكية الأخرى أو أي كانت. 

    مثل هذا النظام الذي يحترم تنوع المجتمع ويديره بالصورة المثلى سيمثل   وحده حاضنة مناسبة للسلم والإستقرار والحضارة. كما علمتنا تجارب الدولة القائمة الآن والتي تعمل بنظام "المواطنة" الكاملة دون السماح لهوية من الهويات بفرض صبغتها المذهبية او المجتمعية على الدولة. وإلا إذن من هنا يبدأ الشقاق والحرب كما علمتنا تجاربنا الدامية في السودان الذي أنقسم لذات السبب سنة 2011 ومهدد بمزيد من الإنقسامات إن لم نعتمد نظام دولة المواطنة  الذي يعترف بالتنوع ويحترمه بدلاً من قمعه.

     وقمع التنوع من ممارسات دولة الهوية التاريخية التي ما نزال نعيش مخيالها في الريف والمدن. إذن نحن أمامنا طريق ربما كان طويلاً وشاقاً في تأسيس نظام راسخ لدولة المواطنة وتوطيد ثقافتها. كما أن دولة المواطنة ذاتها إجراء وسيرورة مستمرة التطور.. إذ بدورها ليست كاملة في أعظم تجلياتها في الغرب الاوروبي حيث منشأها الأول، ولكنها بعد، هي أفضل معادلة ممكنة حتى الآن  لإدارة التنوع ومن ثمة سلام وتوافق وتصالح المجتمع مع نفسه وسبباً في التفوق التكنولوجي والحضاري، كما تقول به التجارب الماثلة أمامنا في بريطانيا واليابان وهولندا ونيوزلندا وماليزيا، وفي سودان العهد الإنجليزي، على سبيل المثال لا الحصر.

    في المرة القادمة سنتحدث عن لماذا "رسالة إلى السلفيين الجدد" تحديداً.. وعن العنصرية المجتمعية الواقعية وفي الميديا السايبرية  وعن خطابات الكراهية.. والأسباب والحلول الممكنة.. في طريق تثبيت مفاهيم المواطنة ودولتها.

    محمد جمال الدين.. رسالة إلى السلفيين الجدد

    7

    رسالة إلى السلفيين الجدد.. حلقة 6

    دولة المواطنة هي دولة إحترام التنوع وحسن إدارته  لا قمعه!

    الحديث الآن وفي السابق عن هامش ومركز وأفريقانية وزنوجة وعرب إلخ.. كلها بلا إستثناء دعوات إرتكاسية إرتدادية عن تطور التاريخ السياسي للبشرية.. وطبعاً  عندها أسبابها الموضوعية. هي في جملة واحدة: في معظمها  دعوات صريحة وضمنية لدولة هوية مضادة للقائمة الان والتي من المفترض لا نريد لها بديلاً من جنسها.. دولة المواطنة تعني  الإحترام والإحتفاء بتنوع المجتمع وادارته لا قمعه.. دولة الهوية لا تعيش بلا قمع التنوع وإسكاته، بل تموت في الضد من دولة المواطنة، إذ لا تكون بلا إعتراف كامل بالتنوع وحسن إدارته. وقد قلنا في الحلقات الماضية بأسباب صعود النزعات الهويوية في العقود الأخيرة من عمر السودان وبل ايضاً الأقليم المحيط بنا.

    عند هذه النقطة، راجع لطفاً من جديد الحلقة الفائتة رقم "5” من هذه السلسلة ولنصطحب معنا النقاط التي وردت عندها بالذات فيما يتعلق بكيفية تحول الدول الأوروبية الحالية من دول هوية تاريخية  إلى دول مواطنة حديثة.

    فالهوية تُمارس ولا تفرض على مستوى الدولة. تتعدد هويات المجتمع وهوية الدولة واحدة "قانون".  بمعنى آخر فإن الدولة عليها أن تحترم هويات الناس قاطبة. وتقف على مسافة واحدة من جميع  بنيات المجتمع المتعددة.

     فمن أراد أن يقول مثلا بأنه من عشيرة بني هلال فله ومن أراد أن يقول بأنه جده الأول يوناني فله ومن أراد أن يقول لا أصل ولا فصل له فله.  ومن أراد أن يقول أن ليس لي جذور في أي مكان في الأرض غير هنا فله. ومن أراد أن يقول أنا مسلم سني صوفي أو أشعري، مالكي شافعي، أو جمهوري أو وهابي إلخ.. فله  ذلك.. دون أن يسعى أحدهم للإعتداء على حقوق الآخرين في ممارسة حرياتهم الدينية.. إذن تلك مشكلة..  أنت مسيحي لا يهم من أي الطوائف فلك ذلك.. ومن أراد أن يقول أنا كجور أو  ديانة أبادماك فله ذلك، أو أنا بوذي، أو لا دين له على وجه الإطلاق فله ذلك. دون أن يعتدي أحد على الآخر وإلا فذلك خلل في دولة المواطنة يعالجه الدستور بالحسم والصرامة  اللازمتين. 

     ومن أراد أن يقول بأنه من أرومة  تاريخية عظيمة  "كوشي حبوبتي كنداكة مثلاً"  أو أي كان فله ذلك، ومن أراد أن يقول أنا من الأشراف آل بيت النبي محمد، فله ذلك، جميل، لكن دون أن يطلب من الآخرين تقبيل يده عسفاً، إذن سيدخل السجن، إلا من أراد وشاء بنفسه تقبيل الأيادي التي ظنها مباركة فهو أيضاً له ذلك.. إنها حريات شخصية "حقوق". 

    كل اللغات والعادات والتقاليد الإجتماعية تكون محترمة. 

    وحتى الإختلافات الشخصية في خيارات وأذواق البشر "المواطنين"  توضع في الإعتبار من حيث الزي "المظهر"  والمأكل والمشرب والرقص والغناء والعبادة إلخ.. كما الإنتماءات الآيديولوجية:  أنت لبرالي تمام، أنت إشتراكي تمام، لكن دون أن تقول بتحويل الدولة إلى لبرالية أو إشتراكية “مثلاً”. تلك برامج إقتصادية متحركة ومتحولة ولكن حقوق وواجبات المواطنة هي الثابت المقدس وحده.

      ومن أراد أن يتزوج على الطريقة الإسلامية المدنية فالدستور يبيح له ذلك والذي يريد الزواج على الطريقة المسيحية وهو مسيحي أو غيره لا توجد مشكلة  من المفترض. ما دام المواطن يمارس حقوقه الدستورية. وكذا تسجيل المواليد والوفيات وطقوس الأعراس وشعائر  الجنازة إلخ.

     وإذا تبنت الدولة رسمياً لغة من اللغات القديمة أو الحديثة بما يناسب واقع المجتمع والعالم من حولنا، تمام، فقط أن لا يعطي ذلك الحق لمتحدثي اللغة بالأصالة أي حقوق إضافية على بقية المواطنين. وكذلك بالنسبة للأزياء والأغاني والأدب والفكلور والنشيد الوطني.  تلك موروثات مشتركة ويتم التعامل معها كملك عام "ميري".

    وبل لك إن كان ولا بد أن تؤسس حزب إسلامي ديمقراطي او سمه ما تشاء.. فدولة المواطنة في منشأها الأوروبي نفسه فيها بعض  الأحزاب التي تحمل إسم   الأحزاب  المسيحية الديمقراطية "في هولندا وألمانيا مثلا"،  لكن الحزب المسيحي لا يطالب بأن تصبح الدولة مسيحية. إذن هذه دعوة للحرب بين بنيات المجتمع لأن المسيحية ذاتها طوائف عديدة وتنظيمات عديدة مثلها والإسلام وبقية الأديان كما هو حال الأعراق والثقافات.  وإنما   الدولة مجرد جهاز إداري محايد والحزب المحدد لديه برنامج "حكومي مرحلي" عنده جدول زمني محدد يستطيع أن ينجزه  في فترته الانتخابية إن أمكن.  وإذا سقط الحزب يسقط البرنامج المحدد، والذي في كل الأحوال لا يجب أن يمس الحقوق والواجبات المتساوية للمواطنين.. تلك نقطة حاسمة في دولة المواطنة وهي الحد الفاصل بينها ودولة الهوية التاريخية المنقرضة .. وإذا تعارض الحزب السياسي مع الدستور يتوقف الحزب كله. وكذا الأمر بالنسبة للأحزاب الليبرالية والإشتراكية الأخرى أو أي كانت. 

    مثل هذا النظام الذي يحترم تنوع المجتمع ويديره بالصورة المثلى سيمثل   وحده حاضنة مناسبة للسلم والإستقرار والحضارة. كما علمتنا تجارب الدولة القائمة الآن والتي تعمل بنظام "المواطنة" الكاملة دون السماح لهوية من الهويات بفرض صبغتها المذهبية او المجتمعية على الدولة. وإلا إذن من هنا يبدأ الشقاق والحرب كما علمتنا تجاربنا الدامية في السودان الذي أنقسم لذات السبب سنة 2011 ومهدد بمزيد من الإنقسامات إن لم نعتمد نظام دولة المواطنة  الذي يعترف بالتنوع ويحترمه بدلاً من قمعه.

     وقمع التنوع من ممارسات دولة الهوية التاريخية التي ما نزال نعيش مخيالها في الريف والمدن. إذن نحن أمامنا طريق ربما كان طويلاً وشاقاً في تأسيس نظام راسخ لدولة المواطنة وتوطيد ثقافتها. كما أن دولة المواطنة ذاتها إجراء وسيرورة مستمرة التطور.. إذ بدورها ليست كاملة في أعظم تجلياتها في الغرب الاوروبي حيث منشأها الأول، ولكنها بعد، هي أفضل معادلة ممكنة حتى الآن  لإدارة التنوع ومن ثمة سلام وتوافق وتصالح المجتمع مع نفسه وسبباً في التفوق التكنولوجي والحضاري، كما تقول به التجارب الماثلة أمامنا في بريطانيا واليابان وهولندا ونيوزلندا وماليزيا، وفي سودان العهد الإنجليزي، على سبيل المثال لا الحصر.

    في المرة القادمة سنتحدث عن لماذا "رسالة إلى السلفيين الجدد" تحديداً.. وعن العنصرية المجتمعية الواقعية وفي الميديا السايبرية  وعن خطابات الكراهية.. والأسباب والحلول الممكنة.. في طريق تثبيت مفاهيم المواطنة ودولتها.

    محمد جمال الدين.. رسالة إلى السلفيين الجدد

    8

    رسالة إلى السلفيين الجدد  8 - 8 “أخيرة"
       شرح وتلخيص

    شرح وتوضيح: على أثر عنوان هذه السلسلة "رسالة إلى السلفيين الجدد" هل نحن نقول أن التاريخ غير مهم وأن الأصل الكوشي لا معنى له؟.  لا طبعاً، إذن أنت ربما فهمت هذه الكتابة غلط بالكامل!. 

    هل خطر لك أن هذه الكتابة تقوم ضد أي إنتماء سياسي لتنظيم إسمه كوش أو مؤتمر البجا أو مع سلفيين او تقدميين آخرين مثلا؟. مرة ثانية للأسف مثل هذه الخاطرة  غلط بالكامل!.

    إذن ماذا؟.  

    هذه السلسلة هدفها إثارة حوار بناء حول "دولة المواطنة" في الضد  من
    دولة الهوية (دولة الماضي) المنقرضة.

     ودولة الهوية المعنية هي : 1- دولة العرق الواحد الأعلى وغيره دون  2- المذهب الديني الواحد  وما غيره دون 3- التاريخ الواحد  وما غيره دون 4- الأسرة الواحدة الحاكمة تتضمن الفرد الواحد الحاكم وما دونهم محكومين إلى أمد  غير معلوم.
     هي دولة الكتلة الصماء  ( الامة الواحدة) في الضد من دولة المواطنة دولة الفردانية (الفرد كوحدة سياسية وإقتصادية)..  

    رقم واحد: دولة المواطنة ضد أي عرق أو قبيلة أو عشيرة أو أي وشائج دم تقول بالسموء  أو أي شكل من أشكال التكتل السياسي والإقتصادي والرمزي الذي قد يتسبب في الإنتقاص من حقوق الآخرين. هذا رقم واحد.

    كما أن دولة المواطنة في مستواها الثاني "علمانية" تقف على مسافة واحدة من إعتقادات كل المواطنين في الرقعة الجغرافية. 

    وتلاتة: دولة المواطنة لا تعترف بأي تكتل تاريخي أو ثقافي عنده أي تميز أو نقاء من أي نوع بل تقف على مسافة واحدة من كل التواريخ والثقافات الممكنة في الرقعة الجغرافية في المقدار والنوع.. (من هذه النقطة بدأت هذه السلسلة "رسالة إلى السلفيين الجدد"). 

    وأربعة: دولة المواطنة لا يحكمها أشراف  "أغنياء" ولا بروليتاريا  "فقراء"  بل هي دولة الجميع دون أن ينتقص ذلك من الحقوق والواجبات المتساوية للمواطنين في الرقعة الجغرافية.

    وخمسة: دولة المواطنة لا يحكها فرد مهما كان "لا ديكتاتورية" فهي دولة ديمقراطية تحفظ حق الترشح والإنتخاب للجميع بذات القدر. 

    ودولة المواطنة من المفترض أن تنجز حقوق وواجبات المواطنة المتساوية دون أن يتعارض ذلك من حيث الجوهر مع حقوق البشر الآخرين في الحياة “الإنسان المطلق أو الآخر”  إشارة إلى محتوى الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان.

    وإنطلاقاً من القاعدة الذهبية الما فوق دستورية وهي (الحقوق والواجبات المتساوية) فإن من أهم الأشياء  أن دولة المواطنة عمادها التنوع لا قمعه وإحترامه لا غض الطرف عنه.. والأهم حسن إدارته رسمياً وإجتماعياً بما يحقق السلام للجميع (كل المواطنين) بلا فرز على أي أس كان.

    ففي دولة المواطنة ليس من المفترض أن نشبه بعضنا البعض بل العكس نحن منوعون شديدي التنوع ولكن بعد نستطيع أن نعيش في سلام وفق القاعدة الذهبية (الحقوق والواجبات المتساوية).

    هل تبدو لأول وهلة هذه الفكرة حالمة أو رومانسية؟.

     لا، لا أظن، لأن لا سبيل غيرها وإلا أننا سنكرر من جديد دولة هوية جديدة بمصاحبة مخيالها من نزعات عنصرية وخطابات كراهية وإقصاء وإقصاء مضاد وهكذا تدور دائرة التخلف عن ركب الحداثة والعصر والحضارة. وهو للأسف ما يقول به واقعنا المعيش.

    الهوية من بروبقاندا الحرب والإنقسام والمواطنة هي المستقبل والوحدة في التنوع.

    إذن ماذا نفيد أنفسنا من الإعتناء بالتاريخ ودراسته، والكشف الأثري وقراءة نقوش الأقدمين ونبش تراثهم والمسح الجيني لأجسادنا ودمانا؟.

    أنه يعطينا معنى أعمق للوعي بتنوعنا لنحسن إدارته ويعطينا وعي بتجارب بشر سبقونا في الوجود بما جنوا وكسبوا من خير وفير وشر ايضا. 

    كما أن ذلك يمثل رمزية مهمة للإلتقاء الوجداني والثقافي للوطن الواحد وبل الأوطان المتعددة مثل الاتحاد الاوروبي.

     لكن مرة ثانية دون يعطي ذلك حق أعلى أو واجب أدني لأي مواطن من المواطنين في الرقعة الجغرافية.  ودون أن يعطي جنسية البلد المحدد لمواطن بلد آخر لمجرد أن لغة أو لسان الأخير او عقيدته او مذهبه أو آيديولوجيته أو سحنته أو لونه أو جينه بمعنى دمه مطابق للآخر.. لا.

    وعليه هنا لا معنى ولا قيمة  للمسوحات والفحوصات الجينية التي كثيراً ما نسمع بها تجرى بين الفينة والأخرى في أضابير المعامل الطبية المغلقة وتخرج نتائجها تحدثنا عن تشابهنا أو بضده. تمام، نحترم.

     لكن لا قيمة لها ذات اهمية  في مفهوم دولة المواطنة.  لكن ربما لها قيم أخرى عظيمة بدورها: ثقافية وعلمية وأكاديمية وطبية وسياحية ومتعة الكشف، ليس إلا.

    وتلك العلة مثلها  وما نشهد هذه الأيام الاخيرة من تفتيش محموم عن جذر يجمع الناس تحت مظلة واحدة مثل:

     الأفريقانية والزنوجة والكوشية والسودانوية و العروبة والانهار والبحار وإلخ.. وهذا طبعا خطأ بين. لأن المفترض اننا منوعون شديدي التنوع (لا نشبهنا) وعلينا فقط ان نجد "فورميلا" لإدارة تنوعنا لا إلغائه باي حجة كانت.

    إذن فإنه من خيال دولة الهوية، دولة التاريخ دولة الماضي، الدولة المنقرضة وهي الدولة السائدة والمقيمة في مخيال جل شعوب أفريقيا والشرق الأوسط حتى تاريخ اليوم ليس السودان فحسب. وما ذلك إلا إرتداد وإرتكاس أكيد عن سلم الحضارة، وفق هذا التصور.

    تلك كانت الحلقة الأخيرة "8” من سلسلة رسالة إلى السلفيين الجدد.

    محمد جمال الدين






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de