المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-26-2023, 07:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
المنبر العام
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-24-2022, 06:50 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف

    05:50 AM May, 24 2022

    سودانيز اون لاين
    محمد عبد الله الحسين-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    المحبوب عبدالسلام..
    هو شخصية مثيرة للجدل منذ أن اتخذ مواقف مستقلة إلى حد ما أو إلى بعيد حسب الحالة من تنظيم الجبهة القومية الإسلامية. ‏كنت أقرأ له و استمتع له أحيانا
    و لكن قراءة و استماعا عابراً... وذلك قد يعود إلى أن الساحة الثقافية و السياسية كانت تموج ‏بقامات كبيرة أو هكذا حسبناها..وكذلك كانت تموج بأحداث سياسية
    وتحولات عميقة لم تدع لنا الوقت لنهتم بالثقافة أو تحديدا ‏بالثقافة المختلطة بالسياسة و لا بالسياسيين المثقفين أو المثقفين السياين مثل المحبوب.‏
    هذه مقدمة أسوقها لتبرير فتحي لبوست أعرض فيه بعض مقالاته أو مقابلاته ...ليس بالضرورة اتفاقا أو تماهيا معها و لكنها تفتح ‏لنا كوة تسمح لنا بالنظر إلى
    السياسة و الساحة السياسية بقلوب مفتوحة..خاصة من شخصيات يمكن تسميتها بالشخصيات القلقة..‏
    أكرر ليس هذا إلا ترحيبا برياح و بموضوعات عميقة تستحق أن نقرأها و أن نتأملها دون أن تسبق آراؤنا المسبقة و مواقفنا فتح ‏صدورنا وعقولنا لكل الآراء خاصة
    عندما تكون آراءً جريئة و مستقلة أو تحاول أن تكون كذلك..‏
    سأحاول تنزيل المقالات و المقابلات لاحقا إن شاء الله






                  

05-24-2022, 08:32 AM

سامي سالم
<aسامي سالم
تاريخ التسجيل: 05-10-2015
مجموع المشاركات: 28

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: محمد عبد الله الحسين)

    تحية وإحتراما
    المحبوب عبد السلام المحبوب مفكر وكاتب إسلامي لايشق له غبار وقد آثر بطبعه الهادىء المتوازن الذي عرفته به منذ أن كان رئيسا لأتحاد طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم في مطلع الثمانينات أن يكون ممسكا بعصا التوجه السياسي من وسطها ، فلم نجد من قدح في أمر الرجل بشيء مما إمتلئت به الساحات والأسافير من كيل الإتهامات و إخفاقات الحركة الإسلامية . الرجل جدير بأن يكون له دور كبير في مستقبل العمل السياسي والثقافي في السودان .
    ننتظر منك التمدد في سبر أغوار الرجل ، فوراء هدوءه آلاف المعاني
                  

05-24-2022, 09:26 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: سامي سالم)

    ألف مرحب أخ سامي
    إن شاء الله سنحاول التعرف على آراء د. المحبوب فهي تستحق الاحتفاء بها ،سواء اتفقنا او اختلفنا معها..

    يجيء احتفاؤنا به لأنه من السياسيين القلائل في ساحتنا السياسية ممن استطاعوا فك حبل و إسار و أغلال التنظيم ، خاصة تنظيم عتيد و متشابك و مترامي الأطراف الاجتماعية
    و مؤثر على كل المستويات، فهو ليس بالشيء الهيّن.. وقد سبقه في أن يستقل برأيه بعض ممن انضوا لتنظيمات عقائدية في اليسار ..و لكنهم هم قلة في تنظيم الجبهة..
    شكرا أخ سامي للمتابعة..
    وفيما يلي إضاءة موجزة عن المحبوب عبدالسلام:
    هو مدير مركز ألف باء للدراسات. خريج كلية الآداب من جامعة القاهرة فرع الخرطوم عام 1981، وحائز على دبلوم في العلوم السياسية من جامعة كارديف (بريطانيا) 1983، وعلى دبلوم الدراسات المعمَّقة في علم الاجتماع من جامعة باريس الثالثة عام 1989. عمل مديرًا لإدارة الإعلام الخارجي في وزارة الإعلام والثقافة السودانية (1990–1992)، وأمينًا عامًّا لهيئة الأعمال الفكرية ما بين 1996-2000، ومحاضرًا في جامعات أوروبية وأميركية بين عامي 2009 و2013. من مؤلَّفاته: "تأملات في تجربة العشرية الأولى لحكم الإنقاذ".)
    منقول..كما هو
                  

05-24-2022, 11:30 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: محمد عبد الله الحسين)

    ما دفعني لفتح البوست تحديداً ذلك بعد قراءة الروزنامة الأسبوعية ...التي كتبها المحبوب عبدالسلام بدلاً ‏من صاحبها كمال الجزولي..‏
    وجاءت الكتابة في شكل مقالات أو مذكرات واننطباعات وفق أيام الأسبوع..وتعرض فيها لمدينة جوبا و ‏النزاع بين سلفاكير ونائبة وتطرق الحديث
    لمدينة جوبا ثم مدينة نيروبي ثم لقاء صلاح أحمد ابراهيم ‏والطيب صالح و صلاح يصارع المرض.. وتعرض للمفاصة..و إشارات عن الشيخ الترابي و
    المضايقات ‏داخل الحزب و العديد من الموضوعاتالتوثيقية في قالب أدبي و لغة عالية ..فالمقالات دسمة و مفيدة لكل ‏من يهتم بتاريخ و سياسة البلد . ‏
    المهم سأحاول ابتداء أن أنزلها كاملة. ‏
                  

05-24-2022, 11:37 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: محمد عبد الله الحسين)

    المحبوب عبد السَّلام: يَا مَوْلايَ أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى قُرْطُبَة؟!
    سودانايل

    رُفع بواسطة رئيس التحرير: طارق الجزولي 23 مايو, 2022
    23 مايو, 2022


    ضيف على الرُّوزنامة
    المحبوب عبد السلام
    (مفكــر وباحــث سـودانـي، أسـتاذ
    متخصص في الدراسات الإسلامية)

    مولايَ أينَ الطَّريقُ إلى قُرطُبَة؟!

    الإثنين
    نيروبي من فوق. المدينة كما تحبها أن تكون صغيرة وجميلة وخضراء. صحيح أن الطريق إلى المطار يأخذك إلى أحياء ما تزال تعانى لتخرج من الظلمات إلى النور، ولكن مساحات أكواخ البلاستيك والقصدير تضيق لصالح منازل تليق بالإنسان. وجيوب الغيتو تتلاشى لتقوم جوارها دور أنيقة مزودة بالكهرباء والماء النظيف، ساخناً وبارداً. والخنقة المرورية التي اشتهرت عنها تنفرج لتمتد الشوارع الفسيحة ذات النطاق مثنى وثلاث ورباع وأكثر. الجسور تمتد فوقاً وتحت وبين، والشوارع العرضية التي كانت نادرة تزيد، تشق الغابات لتصل المدينة بعضها ببعض، تختصر المسافة وتقرب الوقت. ورغم أنها مدينة في غابة استوائية تقوم على جبل يكاد لا ينقطع عنه الغيث المهطال أسبوعاً طوال العام، فإنها منذ حين عَلّمت بعوضها أن يسكن إلا من طنين قليل! فالقاعدة في صحة البيئة أن يجتهد الإنسان في مقاومة الآفات، والطبيعة تتجاوب وتستجيب. الاقتصاد يقوى ويزدهر، والشركات تغيض وتزداد، فما الذى ينقصها لتحجم؟! وما الذى يخيف رأس المال المحلي والأجنبي أن يستثمر؟! الديمقراطية تترسخ، وتمتد، والسياسة تستقر، ومن ثمَّ يطمئنُ الاقتصاد، الأسواق تمتد على المحجة البيضاء، والمقاصف الضخمة تقوم، والمولات، إن شئت، تتنافس في الأناقة والجمال وتعدد الاختيار، وتفوز العاصمة الكينية بالأكبر مساحةً بعد الأكبر على الاطلاق في جوهانسبرج، وهي، بعد، لم تهجر ثراء تراثها ومصنوعاتها اليدوية المبدعة. فأسواق الماساي تقوم كل سبتٍ وأحدٍ، تعرض مصورات المهوقنى والزان والأبنوس والتيك وتبدع في الأشكال، الأسد والنمر بالحجم الطبيعي، والأفيال والغيلان بكل الأحجام، والزراف، كما هم الرجال والنساء في مختلف أحوالهم، وكلها تكاد تنطق من جمال، بل إن معرض الأعمال اليدوية المستمر في كينيا منذ قرون هو مسرح أخاذ، ورواية حَيّة يحكي عبرها الجماد كم هو نابض بالحياة، وملهم لها. كما تقوم، إلى جانب ذلك التراث، الأسماء التي ما يزال السودانيون يستدعونها في حنين، شل ما تزال محارتها تتلألأ، وموبل تلمع حروفها، وباتا تفهم في الأحذية. لم تجنح الغابة لفوضى التغيير كما هم السارحون في الصحراء! لا تصلح العرب في بلاد لا تصلح فيها الابل، أو كما قال ابن الخطاب عليه تمام الرضوان.
    في أغسطس المقبل تواصل كينيا عملها الديمقراطي المنتظم منذ ١٩٩١م، فتخوض انتخابات رئاسية وولائية ونيابية يتنافس فيها عدد كبير من المرشحين في المستويات كافة. عرف جومو كنياتا، وهو من الآباء المؤسسين، أن الزمان قد تبدل، وأنه آن أوان التغيير، وها هو ابنه أوهورو قد أكمل عهدته الثانية يتأهب ليغادر، يفسح المجال لرايلا أودينقا، ووليم روتو، وميسوكا، يتنافسون على مقعد الرئاسة. وتذكرون، بلا ريب، كلونزو مسيوكا، لقد صعد اليوم ولم يعد بينه وبين المقعد الأسمى إلا خطوة، الأرجح أنها لن تكتمل هذه الدورة، ولكن تتجدد له الفرصة في بضع سنين، يجرجرونه اليوم إلى المحكمة العليا، ولا ضير، فقد ذهب رئيسه من قبل إلى محكمة الجنايات الدولية بلاهاي وبرأ ساحة نفسه بنفسه! والحق أنه، منذ أن انفجر العنف القبلي بعد انتخابات ٢٠٠٧م، وفرح الأنبياء الكذبة، وطفقوا يرددون مقولتهم النافقة بأن الديمقراطية لا تصلح لأفريقيا، خاب فألهم، وها هي كينيا في كل مرة تصلح من أمر ديمقراطيتها، وتمضي خطوة إلى الإمام. ففي ٢٠١٧م ألغت المحكمة العليا نتيجة الانتخابات، ورضخ الرئيس عن طيب خاطر، فأُعيدت الانتخابات وفاز. الديمقراطية هي أسوأ نظام بين أخريات أشد سوءاً بكثير، وما ذلك إلا لأن الانسان كان ظلوماً جهولاً!

    الثُّلاثاء
    مطار جوبا كما هو منذ أن وقفتُ فيه عام ٢٠٠٨م. عقد ونيف من الزمان خلى. فرح للشمال، فرح للجنوب، فرح للتقدم والتنمية. خجلاً لتلك الحروب التي تجعل الدم جغرافيا، قصيدة محمد المكي ابراهيم التي كنت أمسك بها إمساك يحي بالكتاب، أبدعها بين يديّ اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢م، وكان، كحالي اليوم، يندب حظ السودان، لكنه يأمل في مستقبل مشرق قريب. على حين راح العراق يؤمم بتروله، والجزائر تجمع قبضتها الدامية، وتهوي بها في رؤوس العساكر والمستوطنين، تجري ويمشون للخلف، لم يكن ود المكي، ولا أيٌّ من نخب ذلك الزمان، يتصورون أن النميري سينقض غزله بيديه، ويضيف فصلاً في كتاب التمادي في نقض العهود لا ينتهي الا بفصلٍ آخر، ومقاتل كثيرة، واتفاقية سلام أشد إحكاماً وتفصيلاً من الأولى، ولكن يتواطأ على نقضها ليس الرئيس وحده، بل نظام بأكمله تتنافس رؤوسه على إفشال بعضهم البعض، تعينهم قوات صديقة! سمعت قبل أيام أحد رموز نيفاشا من الشماليين يقول إن الاتفاقية لم يصنعها الخارج، ولكنها كانت من عمل عقولهم وأيديهم، ورغم أن ذلك لا يقول كل الحقيقة فقد كان عملهم الدؤوب هو الاختلاف على الوثائق التي يقدمها الوسطاء قبل أن يعود هؤلاء، مرة أخرى، بمقترحات جديدة لفض الخلاف بين الدين والدولة، بين حق تقرير المصير والمشورة الشعبية، بين تمويل الجيش الشعبي من المركز وتبرع الوسطاء أنفسهم بالتعهد بتمويله وتدريبه، بين قسمة البترول مناصفة أو بالعدل بين ولايات السودان! عجب كثير وأعجب منه أن يتآمر نظامٌ ضد دولته، وينقض اتفاقية قضى أعواماً في جدالها قبل أن يوقعها، وقد أسماها رئيسه “الاستقلال الثاني للسودان”!
    عندما حطت الطائرة في مطار جوبا كان الكتاب الذى أقرأه هو “السياسة العرقية” للباحث الأميركي فيليب روسلر، والذى، للمفارقة، يبدأه بمدخل يسرد، بالتفصيل، قصة الخلاف بين الرئيس ونائبه عام ٢٠١٦م، والذى أفضي لأحداث مروعة في جوبا ومدن أخرى في الجنوب. لكنه، بعد ذلك، يخصص نحو ٤٥% من صفحات الكتاب البالغة (٣٨٩) لقصة دارفور، يستهلها بسؤال نبيه: لماذا لم ينجح تمرد المهندس داؤود يحي بولاد عام ١٩٩٢م، فيما أفلح الطبيب خليل ابراهيم في صك آذان العالم عام ٢٠٠٣م؟! وإذ يناقش المؤلف، وفق منهج جديد تخلى فيه علم الاجتماع السياسي عن تبنى تفسير الأزمات الكبيرة وفق الجدليات الكبيرة، صراع الهامش والمركز، وتناقض المزارعين والرعاة، وقسمة السلطة والثروة، كما تجاوز ذات العلم، بهذا المنهج الجديد، السرديات المفصلة، فإن الكثير من الباحثين ينال الماجستير والدكتوراة لأنه أعان جامعته، ومَن وراءها، بتفاصيل نشأة الصراع، وتطوره، وأسماء قادته، وتاريخ معاركه، ومفاوضاته، فهو، ببساط، يورد ذات السرديات المفصلة. المنهج الجديد الذى انتهى اليه ذلك العلم المهم هو المزاوجة بين الماكرو والميكرو. وفيما يشير المؤلف الى عشرين بلداً افريقياً تجنب الحرب الأهلية فإن هنالك تسعة عشر أخرى قد تورطت فيها بالكامل! ففي افريقيا عادة ما تخوض حرب التحرير قبيلتان، الكبرى والأصغر، ومع الاستقلال يتولى زعيم الأولى منصب الرئيس، فيما يصبح زعيم الثانية نائب الرئيس، ليبدأ الصراع الأزلي! فالرئيس يظل مهجوساً موسوساً بأن نائبه يفكر بالانقلاب عليه، فيجفف موارده كافة، ثم يقصيه، فلا يجد النائب بداً من اشتراع الحرب الأهلية الشاملة، أو “مأزق الانقلاب والحرب الاهلية” كما أسماها المؤلف. الحكمة ألا تقصى مواطنيك أو تقتلهم فتضطرهم للحرب، وألا تجفف منابعهم فتلجئهم الى شرب الدماء! يعجز الكثيرون عن إبداع الفكرة العبقرية للحل الوحيد، وهو الاستيعاب، لا لأنهم أغبياء، ولكن بسبب شح الأنفس، فالشح والطمع هما موئل الغباء الذى يحجب البصر، فيغدو الانسان عدو نفسه، ويروح يطلق النار على قدميه! آفة الحرب الأهلية، وإن ضمنت انتصار فصيل لأنه الأوفر قوة مادية، أنها تورث الفتن المتناسلة التي تحبس البلاد عن الاستقرار والتقدم، بل وعن السياسة، دعك عن الديمقراطية!

    الأربعاء
    «يوم طلعت القمرا/ أخير يا عشاي تودينا لي اهلنا/ بسألوك مننا»! عبرت البارحة ذكرى وفاة صلاح أحمد ابراهيم (١٧ مايو ١٩٩٣م). كان آخر لقاء له مع الطيب صالح قبل ذلك ببضعة أشهر، عندما جاء صلاح الى لندن ليشهد المحاضرة التي سيقدمها الطيب عن المتنبئ في المركز الثقافي العربي. كان صلاح يكتم داءً قد برى جسده، فارتاع الروائي للهزال الذى ذوى بجسد الشاعر، لكن اختار أن يبادره بما ينعش الروح مرحباً:
    ــ «يوم طلعت القمرا»!
    ضحك الشاعر، وفيما بعد استعاد المداعبة المرحبة والحزن يعتصره، مستذكراً بقية الاغنية الجميلة «بسألوك مننا»، فقال:
    ــ «فعلاً سنُسأل جميعاً عن السودان»!
    كان الشاعر شاحباً للحد الذى لا يمكن أن تخطئه العين، أو يصطبر اللسان على السؤال عنه، فعبرت حيرة الروائي عن نفسها:
    ــ «يا زول مالك»؟! ضحك الشاعر ضحكته المجلجلة لكنها، تلك المرة، كانت على حافة القبر، قائلاً:
    ــ «والله أنا اموت ليكم جنس موتة»!
    مات صلاح أحمد ابراهيم موتة جميلة كما يقول الفرنسيون لمن رتب أمره قبل أن يمضى الى الرحلة الأخيرة، قاد سيارته بنفسه الى مبنى السفارة، وجلس إلى السفير د. نورالدين ساتي، وأودعه وصيته التي وزع فيها تركته القليلة، لا يدع سانحة تلوح فيها طرفة دون أن يشفعها بطرفة، دعا ابنة أخته من لندن الى باريس، وأهداها سيارته الصغيرة، محتفظاً بالأخرى التي منحتها له السفارة القطرية، ثمَّ نظر إلى ساعته، قائلاً وهو يودعها:
    ــ «بعد ثلاث ساعات ستكونين بالقرب من الحدود، عندئذٍ سأبلغ الشرطة الفرنسية أن سيارتي قد سرقت»!
    كان أكثر ما أرَّق الشاعر شبح التجزئة الذى بات يهدد السودان، ويلوح من وراء المعارك التي كان يشنها الجيش الشعبي، وانتصاراته وهو يجتاح مدن الجنوب! وكان ساخطاً لا يرى في مشروع الحركة الشعبية إلا مؤامرة لتقسيم السودان، يردد مرةً بعد مرة:
    ــ «أنا إن شاء الله أموت قبل ما أشوف السودان بتقسم»!
    ثم يستدعى النكتة في غمرة حزنه المقيم:
    ــ «الجنوبي اذا رفدوه من وظيفته يدخل الغابة، وإذا فطوه في الترقية يدخل الغابة، أما الشمالي فكل الذى يفعله اذا اصابه ذلك، يأبى غداءه، ويدمدم وجهه، ويقبل على الحيطة، الشـمـالي الوحـيـد الذى هـدد بدخـول الغابـة كنـت انا، وكنـت قاصـد غابة الخــرطـوم»!
    الغريب أن الشاعر مات بعد يوم واحد من ذكرى تأسيس الحركة الشعبية في ١٦ مايو، وتزامن إيداعه المستشفى الأمريكي بباريس مع ذروة المفاوضات في أبوجا الثانية، حيث لاحت فرصة حقيقية لسلام حقيقي. كان الفريق سلفاكير، رئيس الجنوب الحالي، هو رئيس وفد المفاوضات، يومئذٍ، عن الحركة، وإلى جانبه يوسف كوة. وكانت الانقاذ قد انتدبت، يومها، د. على الحاج الى فرانكفورت، حيث وقع اتفاقية تشير بوضوح الى اعتماد حق تقرير المصير. كانت الحركة راضية، لأول مرة، بحكم ذاتي موسع يقارب الكونفدرالية ولا يبلغها، حتى لا يثير مخاوف الحكومة، ولكن الأخيرة بدأت مؤامرتها على نفسها، ولم ترد مطلقاً لعلي الحاج أن يعود بطلاً للسلام، فوضعت شرطاً لتوقيع الاتفاقية عبور الجسر الى نمولي، وقد بلغت انتصاراتها، عندئذٍ، حدوده، وما يزال سلفا كير يسأل: «لماذا أعطيتم كل ذلك في اتفاقية الخرطوم للسلام، بينما كانت الحركة الأم تطلب أقل منه»!
    يكره الكثيرون استعادة الحقيقة، ولو للاعتبار، خوف الطغاة من الاغنيات خوف الغزاة من الذكريات، قل موتوا بغيظكم!

    الخميس

    كتبت مقالاً بسيطاً، ظاناً، لأول وهلة، أن أهل مشورتي سيشيرون علي بعدم نشره، فيطويه النسيان، لكنهم لم يفعلوا، بل تحمسوا لنشره! يسعد الكاتب كثيراً لو أثار مقاله ضجة، وانهالت عليه الردود من ذوى الحس. لحسن حظ مقالي، وربما لسوئه، استدعى ردوداً من ذوي الحس ومن غيرهم، غيرهم لا أقف عندهم، ولا يسترعون انتباهي، بل ذكروني بزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون لرومانيا في أغسطس ١٩٦٩م. كان نيكسون حفياً بالرئيس الروماني شاوشيسكو، لأنه الوحيد الذى استقبله بعد خسارته الانتخابات أمام جون كيندي، بينما ازوَرّت عنه موسكو وأخواتها أوان الحرب الباردة! لكن فاز نيكسون، وزار رومانيا، واستقبله شاوشيسكو، بينما نزل لشوارع بوخارست مليون روماني يحملون الزهور، مما أثار حيرة نيكسون، فتساءل: «لم أكن اتصور أنهم يحبون أميركا الى هذا الحد»! فبادره شاوشيسكو بحيرة مقابلة: «وأنا لم أكن أتصور أنهم يكرهون الاتحاد السوفيتي الى هذا الحد»!
    النخبة القيادية التي نظمت الحملة ضد مقالي، وحملت أعوانها حملاً على الرد، هي، كما وصفها «الشيخ»، بين يدى «المفاصلة»، ولا تزال: «الشريحة القيادية التي وليناها المناصب العليا فارتكبت جنايات خطيرة، خانت قسم الدستور، العهد الأعلى للبلاد، ونكثت بقسم الولاء للحركة، وخربت نظام الحكم الاتحادي لتجور على ولايات السودان»! ثم لما خاطبه د. غازي، وبادله «الشيخ»الرسائل، كان كمن استدعى آيةً بعد انقطاع الوحى: «القيادة التي تسببت في الفتنة تبقى في القاعدة حتى الممات»! كان صديقنا صلاح المليح في ريدنج حفيا بتلك الكلمة، فاتخذها تعويذة منهم، وتسبيحةً يرددها في كل حين. لقى أحد هؤلاء في مطار هيثرو، فبادره هذا بالسلام، لكن، لمَّا لم يشأ لسان صلاح أن يرد التحية، جاوبه: «في القاعدة حتى الممات»!
    مشكلة هؤلاء الصحاب أنهم ما زالوا يتبعون الرجال، ويظنون أننا نفعل، ورغم أنهم أبلغوني عبر الردود أنهم لا يقبلون النصيحة إلا من داخل حوش الطائفة، فإني مضطر أن أذكرهم بوصية الكاتب الكبير: «ها هي الحياة تمنحكم فرصةً أخرى، والحياة عادةً ليست سخيةً في منح الفرص، الأوفق لدنياكم وآخرتكم وللسودان أن تعكفوا على أنفسكم، تتعهدونها بالطهارة من شهوات السلطة، وهوى العودة إليها، وأن تعضوا على العمل الخالص لله، فكل مزاعمكم عن التصوف هي مما وصفه ابن عربي بأنه لا طائل منه، ولا جدوى، كل استقامة لا تُرى في الاعوجاج لا يُعوَّل عليها، كل بداية لا يجر عليها صاحب النهاية لا يعول عليها، كل اسلام لا يصحبه ايمان لا يعول عليه»، أو كما قال (ابن عربي؛ الرسائل، صفحة ٣٣٩).
    ومما لا يعول عليه، أيضاً، المراجعات المدعاة بغير رؤية وبغير إخلاص. فبعد مقالي «راشد الغنوشي إنجاز المؤجل» دعاني كبير في المؤتمر الوطني وناقشني في ما فصلته في كلمتي تلك، وعن المخاطر والتحديات التي تجابه حركة الإسلام السياسي من النهضة إلى حماس، وكان واعياً لمأزق ثالوث «الحكومة ــ الحزب ـ الحركة»، أو «الحاءات الثلاث» في قولهم، بعد أن كان ظاهراً وباطناً ضمن حركةٍ واحدةٍ! أما كبيرهم فقد استدعاني، بدوره، وطمأنني على مستقبل الدولة، وثباتها، أشهراً قبل طوفان ديسمبر، ولكن عليهم فقط أن يواجهوا أسئلة الحركة، ثم ذهب يُعرِّض بي في إفطارٍ رمضاني!
    سأل أحد طلاب الجامعات «الشيخ» في لقاء مفتوح: «بعد أن نقرأ مساهمتك في المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع، ماذا نقرأ في أدب الحركة؟! هل نجد غير مؤلفك في موضوع المرأة؟! هل نستطيع الكف عن قراءة فاطمة المرنيسى ونوال السعداوي وألفة يوسف، بل وسيمون دي بفوار وميشيل فوكو، وهل نستطيع الهروب من أسئلة العصر التي يطرحونها»؟! أما «الشاحنات العباسية»، في مقولة قديمة لصديقنا عبد المحمود الكرنكى، والتي تملأ حمولتها من العصر العباسي، وتفرغها في القرن الحادي والعشرين، فأيضاً لا تعنينا في شيء، لا سيما إذا كانت طبعة ثانية غير أصيلة جُمعت على عجل في شط العرب أو بحر القلزم، ولما تبلغ بعد السؤال عن شواطئ الأندلس، ونوافذ قرطبة، أو حتى تلقى ابن رشد وابن عربي. مقولة واحدة استوقفتني لصديقٍ قديم في تسجيل مطول يرد فيه على من دافع ودفع عن المقال، هو مثال آخر لحالة التكديس والشيئية التي تستعرض، بغير ضابط ولا ناظم، أفكاراً ومقولات لفلاسفة ومفكري الألسنية الغربية الحديثة، دون أدنى شعور بالفصام المحزن بين التمترس في الطائفية والعقل النقدي الذي أبدع تلك الأفكار وفتح آفاق الحداثة. ربما لو عاد صديقنا من غربته الطويلة، واغترابه المتطاول، يجد في أجيال أبنائه، وابناء ابنائه، من يعينه على عبور الجسر، ويوقظه من حلمه الجميل!

    الجمعة

    الخرطوم من فوق. منذ مايو ١٩٩١م، وهي تتمدد على جانبي النيل صفراء يرتد اليك عنها البصر. منذ ذلك التاريخ، وذات عودة من القاهرة، كان الى جانبي في الطائرة الفنان التشكيلي د. أحمد عبد العال، على روحه غيوث الرحمة، فما يزال دعاؤه الملحف أسمع صداه: اللهم بدل هذا الحال .. اللهم بدل هذا الحال! بعد نحو ثلاثة عقود، لقيت، بغير تدبير، الفنان التشكيلي الآخر د. راشد دياب في مناسبة زفاف، ودار حوار طريف بينه وبين صديقنا صديق الأحمر، حينما قدمته إليه بأنه أحد أعمدة الحوار الوطني الدائر، وقتها، في قاعة الصداقة، فلم يفوِّت راشد الفرصة بغير سؤال صديق: «لكن هل هناك حوار بغير حرية»؟! أجاب صديق: «الحرية متوفرة .. ألا يقيم مركزك نشاطه كل يوم»؟! أجاب راشد: «نعم، ولكن، لكى أفتتح معرضاً لفنان تشكيلي شعبي يبلغ من العمر سبعين عاماً أضطر للانتظار في مكاتب الأمن حتى الثامنة لكي أحصل على الاذن، بينما الافتتاح في التاسعة»! قال صديق: «جيد أن تناضل من أجل الفن والأمور تتحسن»! عقَّب راشد قائلاً: «أنا لست مناضلاً سياسياً، إنما فنان لا أعرف كيف أخدم بلدي الا بالفن، لكن هل الأمور تتحسن فعلاً؟! أراهنك، نذهب بالسيارة الآن حتى الكدرو، فلو وجدت شيئاً واحداً تحسن، أو موجوداً في مكانه، دلني عليه وتكسب الرهان»!
    كان مكان المناسبة ناحية امتداد الدرجة الثالثة، نحو ٤٠ كيلومتر من نهاية الرهان.
    أنقل عن منصور خالد: «كانت مطالب الأقربين، دوماً، وما زالت، أقل كثيراً من اصلاح الكون، هي باختصار: الماء الصالح للشرب لكل مواطن، التعليم لكل تلميذ، المعاهد الفنية لكل راغب من الكوادر الوسيطة، المشافي والدواء للمرضى، الطرق التي ينقل عبرها المنتج إنتاجه الى الأسواق، الطاقة التي تضئ المنازل والمكاتب وتدار بها المصانع، القوانين التي تحمى حقوق الزارع والعامل وصاحب العمل، الادارة الجيدة لكل هذا لأن نجاح الأنظمة يعتمد على كفاءتها الداخلية في أداء ما نذرت نفسها لأدائه. إن أفلحنا في هذا أرضينا الله والوطن» (تكاثر الزعازع، صفحة ٧٣١).

    السبت
    خاضت ارتيريا حرب تحرير مريرة، لكنها الآن تشق طريقها نحو الاستقرار، وتتهيأ لاختبار الاختيار بين كفاحها النبيل والقيم الانسانية العالمية. هذا الاسبوع تحل ذكرى استقلالها (٢٥ مايو ١٩٩٣م). ويتفاجأ زوار عاصمتها أسمرا بانتظامها، وبمناخها المعتدل، وبطقسها الاجتماعى البهيج. ومن أجواء احتفالات العام الماضي كتبت محررة بى بى سى مارى هاربر، عن نظافة المدينة، واصطفاف النخيل في شوارعها، حيث يُحتسى الاسبرسو تحت المظلات الواسعة. سينما العاصمة المشيَّدة عام ١٩٢٠م بمثابة دار للأوبرا ذات طراز معماري فريد تعلوه ستائر مخملية، حيث عزفت أوركسترا لايبزج فلهارمونيك النشيد الوطني الإريتري، إلى جانب السيموفونية الخامسة لبيتهوفن.

    الأحد

    تستحق ذكرى الشاعر العظيم أن نقف عندها مرةً ثانية في آخر الاسبوع. ففي ذلك الأحد، عندما قررنا أن نأتى غداءنا بمطعم المدينة الجامعية، قبل أن ندلف الى لقائنا الأسبوعي معه فى مقهى جورج الخامس بجادة الشانزليزيه، انتبهنا الى وجود طالب جزائري من أصول أمازيغية الى جانبنا. كنا قد استغرقنا فى نقاش عن القرآن وعلم النفس مواصلة لحوار مستمر مع صديقنا الدكتور صادق عبد السلام الازيرق، ثالثنا فى الجلسة الراتبة، وقد أكمل لتوه غالب بحثه الميدانى، ويتأهب لتقديم أطروحته للدكتوراة فى جامعة باريس الثامنة حول أنماط الطب النفسي التقليدى. ربما غاظ الطالب الجزائرى أن يتفاصح هؤلاء السود بكل هذه العربية عن القرآن! فحتى ذلك الحين (أواخر عقد الثمانين من القرن الماضي) كانت طائفة مقدرة من الطلاب الجزائريين، لا سيما المنحدرين من أصول أمازيغية، لا تتحدث بالعربية، خاصة الذين انتظموا منهم، منذ التعليم قبل المدرسى، المنهج الفرنسى، فباغتنا قائلاً بالفرنسية:
    ــ «هل تعرفون أن نبيكم كان يأتى بالافارقة بقيادة الصحابى بلال ليسلوا زوجته عائشة بالرقص»؟!
    وصلت الرسالة كاملة، ولا مناص من المواجهة، فرددت عليه ببرود:
    ــ «وأنت هل تعلم أن كاتباً جزائرياً عظيماً اسمه مالك بن نبى لاحظ أن الفرنسيين ينادون الجزائريين ذوى البشرة الاشد بياضاً منهم، والشعر الأشقر مثلك بالضبط، ينادونهم بالزنوج»؟!
    لم يكمل دهشته قبل أن يسدد إليه د. صادق الطعنة النجلاء الثانية:
    ــ «أنا أعلم لماذ تقول ذلك، لأن نمساوى يهودي اسمه سيجموند فرويد قال إن كل الدين والفن يأتى من اللاشعور الجنسي»!
    ترك طعامه وخرج، وتركنا طعامنا وخرجنا. وعندما بلغنا المقهى كان الشاعر يحمل غليونه، ويرسل بصره بعيداً، وعندما سردنا له الواقعة، أراد أن يهدئ من روعنا، فبادرنا بالقول:
    ــ «وأنتم هل تدرون من الذى لقينى قبل مجيئكم؟! شاب سوداني سلم علي، وعرفني بنفسه، قال إنه مبعوث من منظمة الفاو لبحث دكتوراه، فى جامعة روما، عن حشرة تأكل التفاح»!
    صمت الشاعر هنيهةً ثم واصل حديثه:
    ــ «أتدرون ما الذى حدث بعد عودة هذا الشاب الى شقته؟! الحشرة فتحت الباب، ودخلت عليه، قائلة له: عامل فينى دكتوراه مالك .. جيتكم أكلت تفاحكم»؟!
    جدير بالذكر أن قصتنا ألهمت صلاح احمد إبراهيم لكتابة واحدة من أجمل مقالاته بعنوان «بلال»، وقد نشرتها «مجلة المعلم» التى كان يصدرها اتحاد المعلمين مطلع تسعينات القرن الماضى.

    *
                  

05-25-2022, 10:31 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: محمد عبد الله الحسين)

    للتاريخ....

    المحبوب عبد السلام ‏ لقاء في عام 2015‏
    ‏: لم اتوقع أن يتخلى أمين حسن عمر وسيد الخطيب عن الترابي ‏
    ‏2015/08/27‏
    التفاصيل هنا: ‏https://www.alnilin.com/12714976.htm‏https://www.alnilin.com/12714976.htm‏ قال القيادي البارز بالمؤتمر ‏الشعبي “المحبوب عبد السلام” ان علاقته بالأمين العام للحزب د. حسن الترابي لم تعد حميمية كما ‏كانت وأن المناخ السياسي والاجتماعي السائد والتحول الذي طرأ على الحزب أثر على تلك العلاقة، ‏وقال انه أوقف زياراته الخاصة للترابي، وقال ان لذلك أسباباً واشارات لكنه رفض الافصاح عنها، ‏برنامج (فوق العادة) الذي تبثه قناة الشروق ويقدمه الاستاذ ضياء الدين بلال أثار العديد من النقاط ‏المثيرة مع المحبوب فالى مضابط الحوار: ‏
    كتبت كتاب (الحركة الاسلامية دائرة الضوء وخيوط الظلام) والذي أثار كثيراً من الجدل هل فعلاً انت ‏كتبت هذا الكتاب وأنت غاضب؟
    ‎-‎‏ كتبت بعد المفاصلة بعشر سنوات، ويمكن أن يعبر عن انفعال وليس عن غضب انه انفعال وانا ‏ذكرت ان هذا الصراع وانني لست محايداً وانا طرف في هذا الصراع ومنحاز لطرف فيه. هل يمكننا ‏القول بأنك كتبته بانفعال غاضب؟ ‏
    ‎-‎لا الانفعال نفسه كان في المقدمة الي كتبتها قبل فترة طويلة من كتابة الكتاب، ولم تكن جزءاً منه، ‏ولكن الكتاب نفسه يمكن أن يكون فيه بحث حقيقي وموضوعي وأنت قلت “أثار جدلاً” وهي عبارة جيدة ‏وأعجبتني ولكن لم يثر الجدل بحيث ينبغي أن يتجادل الناس حول الكتابة داخل المؤتمر الوطني، حيث ‏لم يرد على الكتاب بكتاب، ولا بندوات، ولكنه منع. أود أن أعرف الروح التي كتبت بها الكتاب هل ‏هي روح السياسي المتعارك مع الآخرين أم هي روح الموثق التاريخي للتجربة أو الحقبة؟ ‏
    ‎-‎أنا كتبت حقائق ظلت خافية، ومواقف تمت تعميتها، بصورة متعدمة وقوية جداً وأنا قصدت أن اكشف ‏هذه المواقف وأحلل الكثير من الحقائق. هي محاولة تشويهية لصورة المؤتمر الوطني من طرف ‏مخاصم؟ هذا هو الذي حاولوا أن يصرفوا به الناس عن قراءة الكتاب، مثلاً انا قرأت لكثير من ‏الصحفيين الذين كانوا يوالون المؤتمر الوطني، يشيرون الى أن هذا محض افتراء ونشر للغسيل القذر ‏ولكن جوهر الكتاب لم يناقش. كأن الكتاب كان حملة استهداف لعلي عثمان محمد طه من خلال اظهاره ‏بمظهر انه وراء كل ما حدث؟
    ‎-‎‏ هذه من الاشياء التي أحببت أن أوضحها والتي غطى عليها الاعلام واعماها تعمية شديدة نسب كل ‏الاشياء للشيخ الترابي، ولكن الشيخ علي عثمان كان حاكماً مطلقاً لعدد من السنوات، وانا أردت ‏لمصلحة الحقيقة ولمصلحة التاريخ والحركات الاسلامية الاخرى أن أبين هذا التناقض بين الذي يملك ‏‏“السلطة التنفيذية” وبين الذي يملك سلطة الالهام. ان قلنا لك بتجرد عال قدم لنا نقداً ذاتياً للكتاب بعين ‏القارئ والمتابع بعد مرور هذه السنوات؟ ‏
    ‎-‎هذا النقد الموضوعي الذي يتعلق بمضمون الكتاب وما آلت اليه تجربة الحركة الاسلامية عامة ‏وتجربة الاحياء الاسلامي كلها، وقبل أيام كتب الظافر الحركة الاسلامية التي أمينها العام الشيخ الزبير ‏لا تستطيع أن تفتح حساباً مصرفياً لأنها غير مسجلة في أي جهة في الدولة وهذا مأزق في تقديري وكما ‏عبر عنه الاخوان المسلمون في مصر فان هذه الحركة أكبر. أليست لديك أي ملاحظات نقدية عليه بعد ‏كل هذه السنوات؟
    ‎-‎‏ أكيد، انت اذا كتبت عموداً في الصحيفة اليوم تكتب غداً عموداً افضل منه وأنا كتبت الكتاب كنت ‏سأكتبه بطريقة أفضل، مثلاً فيما يتعلق بجوانب مهمة لم نولها ما تستحق من البحث، مثلاً ثورة التعليم ‏العالي هذه لم نوفها حقها في الكتاب. هل انت قدمت نفسك كشاهد ملك على التجربة لتبرئة ذاتك أو ‏تنظيمك أو الشيخ الترابي؟ ‏
    ‎-‎هو طبعاً شاهد الملك لا يتبراً، ولكن ينجو من العقوبة، وانا يمكن أن أكون مسؤولاً عن أشياء في ‏الانقاذ. مثل؟ ‏
    ‎ -‎ليست مسئولية كبيرة مثل المسائل المتعلقة بالاعلام تحديداً، نحن في فترة من الفترات كان ينبغي أن ‏يكون موقفنا أشد وضوحاً فيما يتعلق بحرية الاعلام وحرية الصحافة، وفي المؤتمر الاول للاعلام كنا ‏منحازين لأن تكون هناك صحيفة مملوكة لحزب واحد، وأن نضيق على اصدارات الصحف. ‏
    صحيفة السوداني
                  

05-25-2022, 11:49 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: محمد عبد الله الحسين)

    إن استعراضنا لمقالات ومقابلات د. المحبوب عبدالسلام تعتبر فرصة توثيقية تحكي عن التحولات ‏الفكرية لدى المثقف السوداني المنتمي لتنظيم عقائدي وارتباط تلك التحولات الفكرية مع ما يجري في ‏الساحة السياسية.‏
    ليس الغرض من هذا العرض تقريظ أفكار أو النيل منها كما أن الغرض ليس تمجيد أشخاص أو النيل ‏منهم..و لكنها فرصة لمتابعة ومعرفة ومتابعة ردود الفعل لسياسي أو مثقف بناء على ما يمكن اعتباره ‏تطورا فكريا. وهنا لا ننسى المعاناة في الجوانب النفسية والعاطفية المرتبطة بالحوارات الداخلية التي يجريها ‏الفرد مع نفسه حتى يتخذ قرار فك الارتباط مع فكرة كبرى أو تنظيم ما..ولا يفوتنا القلق التي يعانيه مثل ‏هذا الشخص وهو يتوقع أو يتخيل ردود الأفعال المحتملة جراء موقفه..‏وكما ذكرت فإن ظاهرة الخروج من التنظيمات الكبرى دونها خرت القتاد وبالتالي فهي ليست كثيرة.
                  

05-28-2022, 09:56 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10010

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: محمد عبد الله الحسين)

    يخطئ الاسلاميون لو ظنوا أن التاريخ يمكن أن تعاد صناعته ..
    بقلم: المحبوب عبد السلام
    صحيفة سودانايل
    4 مايو, 2022


    العجز عن التغيير لا بل عن فهمه

    يخطئ الاسلاميون السودانيون لو ظنوا أن التاريخ يمكن أن تعاد صناعته ويعطى نفس النتائج وفق منهج عملياتى يريد أن يختبر فى المجتمع ما يختبر فى مختبرات العلوم البحتة، ورغم أن التاريخ والمجتمع يتبدل أمام النواظر والبصائر فإن البصائر النافذة وحدها قادرة على إكتناه مدى عمق التغيير وسعة التحولات التى سيحدثها، فإبن خلدون بعد أن كتب مجلداته التسعة عن تاريخ الأمم جلس لاربعة أعوام يتأمل فيما كتب قبل أن يكتب المقدمة، بل إن السبب الرئيس الذي حداه لكتابة المقدمة هو ما أبانه في الصفحات الأولى من مقدمته: إن الانسان كأنما يتبدل من أصله والبشرية كأنما تستأنف من جديد. أما إذا غادرنا القرن العاشر الذى كان يُبصر عبره إبن خلدون تحولات البشرية الجذرية ويعجز الذين ولدوا فى القرن الحادى والعشرين عن لمس تلك التحولات التى تعصف بهم، وجدنا وزير الخارجية البريطانى هارولد ماكميلان يخبر بكل ما أوتى الانجليزي من لباقة فى خطابه عام ١٩٦٩ الجماعة العنصرية فى جنوب افريقيا والذى اشتهر باسم ( خطاب رياح التغيير ) : بوصفى عضو رفيق فى الكمنولث أقول إننا نرغب صادقين فى دعمكم وتشجيعكم ولكنى أتمنى ألا يقلقكم إن قلت لكم بصراحة إن جوانب من سياستكم تجعل ذلك الدعم مستحيلاً إلا إذا قبلنا أن نخون مبادئ نؤمن بها حول حقوق ومصائر الشعوب الحرة.
    ولو كانت العملياتية تجدى لأجدت مدير العمليات السابق وهو يخطط وفق ذلك المنهج لاحتواء التغيير مع إضفاء اللمسة اللازمة التى فرضتها طبيعة المؤسسات فى دولة الانقاذ، فإذ كان التاريخ فى منتصف ثمانينات القرن الماضى يقبل أن يتأخر الفريق عبد الرحمن سوار الدهب أياماً وليال عن القيادة العسكرية التى كانت ترى بوضوح ألا سبيل إلا الإطاحة بالنميرى ونظامه وكان الشارع يغلى غلى المرجل لان ثقافته الفقهية كانت توهمه أن هنالك بيعة فى عنقه لأمير المؤمنين الرئيس، فإن أحوال ثورة ديسمبر لا تشبه زمان أنتفاضة أبريل ١٩٨٥ فلم يعد مجدياً مع الشارع ولا مع العالم الكبير أن تتقدم اللجنة الأمنية ببيانها يعلنه رئيسها ويمضى الأمر كما كان مرتباً له. بل إن التاريخ يعيد نفسه مرة كمأسأة ومرة كملهاة وقد لا يعيد نفسه البتة فى الزمان الجديد المتجدد، وقد كرر المحاولة أيضاً رئيس الأركان الأقرب بوضعه الى وضع المشير لاحقاً سوار الذهب لاستلام السلطة عبر بيان والسلام كما هو معهود فى كل العالم عن انقلابات رؤساء الاركان قبل أن يتفاجأ كما تفاجأ الشاعر الجاهلى الذى عاد الى مكة بعد فتح الاسلام ولم يجد مثابته التى كان يكرع الخمر فيها فخاطب صاحبتها: وليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحيطت بالرقاب السلاسل.

    ولو كان التاريخ يعيد نفسه لنجح انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر واكتمل بدره هلالاً، فقد توهم الذين تبرعوا بالنصيحة المسمومة للفريق البرهان أن ما فعلوه فى رمضان ١٩٨٩ يمكن أن يعاد فى اكتوبر ٢٠٢١، إذا انتظمت الثورة التى حملت الكتاب فى رمضان وعرفت بثورة المصاحف إشارة الى الاحتجاج على تجميد قوانين سبتمبر وإتفاق الميرغنى قرنق يومئذ، بينما كان التنظيم يحكم خطوات للانقلاب فيذهب العميد الى القصر رئيساً ويذهب الشيخ الى السجن حبيساً، فلم يفلح اعتصام القصر فى فيما أفلح فيه السيناريو القديم رغم أن التنظيم اليوم أثرى مالاً وأوسع أنتشاراً ولكن بلا رؤية ولا خطة كالتى كانت فى الايام الخوالى ويمكن أن تقول بلا قيادة رغم أن المقارنة غير واردة أصلاً لكن تلك قصة أخرى. فالعقل القديم الذى صور لجماعة الاعتصام أن العودة القديمة الى جذور المجتمع (أمراء القبائل، شيوخ التصوف، الزعامات الأهلية الخ) وتعبئتهم ضد مشروع الحرية والتغيير وحشدهم حول القصر يمكن أن يعيد سيناريو منتصف العقد الثمانين من القرن الماضى، هو زاته العقل البالى الذى صور لفلادمير بوتن أن غزوه اليوم لأكرانيا لن يختلف عن غزو الاتحاد السوفيتى العظيم لتشيكوسلوفاكيا عام ١٩٦٨، والتى لم يسعف رئيس وزرائها دبوتشيك إلا أن يُتاتى ويعترف بشرعية الدبابات الروسية وهى تجوس خلال عاصمة بلاده، فبوتن لو شهد كل مؤتمرات العالم وهو فعلا يشهد كثيراً منها، لن يدرك أن العالم قد تغير والى الابد منذ دوبتشيك بل منذ غزوه القريب للقرم فى العام ٢٠١٤، فهو ربيب الكرملين الشيوعى الذى تربى فيه و قدكان والده طباخ القصر وهو ايضاً ربيب الكى جى بى الذى لا يؤمن الا بالقوة، وإذ وقف كثير من اصحاب الضمائر الحرة فى روسيا نفسها ضد قرار رئيسهم الطاغية تجاوب معه كثيرون فى العالم العربي وفى العالم الاسلامى وكما لاحظ الفيلسوف المغربى الكبير عبد الله العروى أن أكثر العبارات وروداً فى العالم العربى تعليقاً على الغزو هى: إزدواجية المعايير، الاستكبار العالمى، الاستعمار الجديد الخ، بل هم يتوافقون تماماً مع رؤية بوتن التى اوردها فى خطابه قبل يومين من الغزو والتى رددها بطريرك روسيا : إن الصراع هو امتداد لصدام جوهرى بين العالم الروسى الأوسع والقيم الليبرالية الغربية).

    يؤكد مالك بن نبى وهو مفكر يحتفل به غالب تيار الاسلام السياسى دون استيعاب دقيق لأفكاره، يؤكد على مرحلة الصراع بين الأفكار القاتلة والأفكار الميتة، فوفقاً لنظرية الصراع الفكرى هنالك دائماً أفكار مستوردة منبتة عن محيطها الأصيل ومستنبة فى بيئة العالم الاسلامى وهنالك ايضاً أفكار ميتة تربتها الأصيلة هى ذات بيئة العالم الاسلامى ولكنها أضحت جسماً ميتاً يهدد جسد الأمة الناهضة عندما دارت عليها دورة التاريخ وماتت، فالتصوف الذى كانت طرقه يوماً فكرةً حيّة ترقى بالوجدان من عصبية القبيلة الى رحاب الدين أصبح اجتماعاً حول الزردة (طبق الفتة) وتغييباً متعمداً للعقل، فالعقل الغربى عندما ينحط يغرق فى المادية والعقل الاسلامى (عقل المسلمين) عندما ينحط يغرق فى الخرافة. وعندما ينصرف تيار الاسلام السياسى الذى كان قبل قرن من اليوم تياراً ثورياً واعداً هو اليوم فكرة ميتة عاجزة عن التواصل مع قوى المجتمع الحية من الشباب والنساء وفئاته المبدعة من الأدباء والفنانين، ولكنه يجد نفسه فى التواصل مع الفئة الماضوية الساكنة مع الأفكار والرؤى الميتة والتى كانت إبان حملاته الجبهوية فى ستينات القرن الماضى(جبهة الميثاق) وفى ثمانينيات القرن الماضى (الجبهة الاسلامية القومية) هى جذور المجتمع التى يبعث فيها الحياة بدعوته للشريعة ويحررها من أطرها القديمة لصالح مشروعه الحديث، بل هى اليوم فى حاجة شأن تيار الاسلام السياسى نفسه الى التحديث والذى ربما يتيسر لها أن تبلغه لأنها كيان طبيعى يستجيب حتماً لتقدم التاريخ، سوى أن تيار الاسلام السياسى هو كيان مصطنع وفق مصطلحات علم الاجتماع السياسى وليس نعتاً يقصد به الاساءة، هو كيان مصطنع يتبدد فى التيه من طنجة الى جاكرتا وفقاً لجغرافيا بن نبى نفسه وهو يعجز عن التحديث فضلاً عن الحداثة.

    لقد جاءت الانقاذ نفسها مع آخر زفرة تنفسها العالم القديم فى عام ١٩٨٩، إذ شهد آخر العام بداية التحولات المهولة قبل أن يشرق نور الفجر الجديد بتمامه خلال ثقوب جدار برلين، ففي ديسمبر من ذات السنة أفتتحت بوابة براندنبورغ وبدأت الجمهوريات السوفيتية بالتحرر واحدةً تلو الأخرى، ثم إنزاح الستار الحديدى عن دول شرق أوربا كافة وتجلت الولايات الأمريكية قطباً واحداً ونذير شؤمٍ على أحلام دولة الاسلام السياسى. وإذ تعذر وتعسر على قيادة الانقاذ المسترشدة بإلهام الحركة الاسلامية عندئذٍ أن تدرك عمق التحولات التى يقبل عليها العالم، فقد تأخرت المقاومة لها أعواماً لدى معارضتها، فلم تكن ثورة الاتصالات قد تقدمت كما هى اليوم وانطلت مخادعة الانقاذ بضعة أشهر على العالم الخارجى وريثما تتمكن قوى المعارضة من التجمع وتنظيم نفسها وتوثيق مواثيقها فى بضع سنين ( التوقيع على ميثاق اسمرا فى يونيو ١٩٩٥)، فقد تبلورت معارضة إنقلاب ٢٥ اكتوبر قبل أن يقع الانقلاب فقد بدت إرهاصاته واضحة، بل إن معالم إنهيار الوضع الانتقالى كانت بينة منذ ان حاصرت الانتقال ملةٌ متهافةٌ وأحاطت برئيس الوزراء بطانةٌ خاسرةٌ خاصةً فى المرحلة الأولى، ورغم أن ذلك مما حسبه الانقلاب فى صالحه فقد كانت دفعة التحولات وقوتها أكبر منهما، فمنذ الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل (نيفاشا ٢٠٠٤) إنبسطت مساحة للحرية رغم أنف الانقاذ وبسبب من ضعفها يومئذٍ، إستمعت وقرأت وشاهدت الأجيال الشابة مئات الكتب والمقالات والمسرحيات والقصائد والأغنيات والأناشيد والأفلام ومعارض الفن التشكيلى كلها تصب فى مجرى الوعى الجديد، بل توالت تطبيقات الاعلام الاجتماعى مع الثورة الصناعية الثالثة ومع ثورة الاتصالات برنامجاً إثر برنامج تنقل جلسات الاستماع وحفلات الفرق الغنائية الموسيقية والمحاضرات والبث الحى الذى يتيح لأيّما شخص أن يغدو محطةً للبث مهما استغلها وشغلها الانفصاميون والمنفصمون وغالبهم من هلوسة القديم الذى يرى فى النور اشباح الظلام، فجاءت ثورة ديسمبر عنواناً للوعى الجديد من الذين درسوا وتخرجوا فى مدارس ومعاهد وجامعات ثورة التعليم الانقاذية، ولكن كما يلاحظ مالك بن نبى أيضاً أن منهج التكديس والشيئية يذوب مع أول سطوع للشمس لتجلو عن الوجدان الجديد، فديسمبر هى أيضاً ثورة وعى من أجيال اليوم ضد سائر الأجيال السالفة، وهى أيضاً تحفر وتمضى فى المجرى الأعمق للتاريخ الذي ظلت نجومه تضئ منذ الشرعة الدولية لحقوق الانسان والعهد الدولى لحقوق الانسان وميثاق الحقوق الطبيعية والاجتماعية ومواثيق البيئة وحتى سيداو.

    يقترن ضعف البصيرة بالتاريخ والمستقبل إرتباطاً وثيقاً مع ضعف الوعى بالعالم وربما الاستهانة بالعلاقات الدولية، فكانت جماهير الانقاذ دائمة التغنى ( أميركا روسيا قد دنا عذابها)، حتى عندما بدأت معالم الوعى الجديد توثق صلاتها مع العالم وتبرز فى حركات احتجاج ولو خافتة (قرفنا، شرارة، التغيير الان، المبادرة الشبابية)، ثم المنظومات الموصولة بالعمل الانسانى والخيرى والاغاثى (نفير، صدقات، شارع الحوداث) ثم فى انتفاضتين (يونيو ٢٠١٢، سبتمبر ٢٠١٣)، فجاء ضعف التقدير لوقع انقلاب ٢٥ اكتوبر على علاقات السودان الخارجية امتداداً لاستهانة الانقاذ بالمجتمع الدولى، وإذ أمهل التاريخ يومها الانقاذ بضعة سنين بعد محاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس المصرى حسنى مبارك (يونيو ١٩٩٥) لتضحى بغطرستها وشيخها ومرجعيتها الفكرية والروحية ثم تبدل جلدها وتجلس لتوقع نيفاشا، لم تجد سلطة الانقلاب يوماً واحداً قبل تنقطع عنها المعونات وتتنزل عليها العقوبات وتجمد عضويتها فى المنظمات الدولية والاقليمية،ويحتاج الانسان لمقدار هائل من حسن الظن حتى يتوهم أن الذى تبرعوا بالنصيحة القاتلة لم يكونوا يدركون ذلك.

    فى الانتقال وفى غيره هو هنالك طريق واحد لحل المشكلات هو الطريق الصحيح أو كما يقال كثيراً فى الصحافة العربية (لا يصح إلا الصحيح)، وإذ لا تعدم مشكلات الوطن أبداً من يبسط لها الحلول والبدائل من أبنائه النابهين النابغين فى مختلف مجالات المعرفة، فإن الذى يعسر على الحس الإدراك السليم هو الغرض الذى يحرف الرؤية والهوى الذى يتلبث أصحاب الغرض، فقد توالت على السودان عدة مراحل وفترات وصفت بالانتقالية وهى كذلك بالفعل، كان آخرها قبل الثورة هى المرحلة الانتقالية التى امتدت لستة أعوام وفق ما نصت عليه إتفاقية السلام الشامل، وهى ايضاً وفقاً لنصوص الاتفاقية ووفقاً للذين وقعوها خاصةً فى جانب الحركة الشعبية مرحلة تعيد تأسيس وحدة السودان على أصولٍ جديدة، تمثلت فى الاعتراف بالتنوع الاثنى والتعدد الثقافى بالمواطنة المتساوية أصلاً للحقوق والواجبات وبإجماع الشعب مصدراً للتشريع ثم بوثيقة الحقوق والحريات، كما نصت فى أول فقراتها على المصالحة الوطنية الشاملة التى يقودها طرفا الاتفاق الوطنى والشعبية، وبالتمييز الايجابى الشامل للمناطق التى همشت مدى تاريخ الدولة السودانية، ووضعت لذلك البرامج والخطط المفصلة والمصفوفات الموقوتة، فكانت خريطة الانتقال واضحة كما كانت واضحة اول إنتصار ثورة ديسمبر المباركة وكما هى واضحة اليوم. فنجاح الانتقال وإنقاذ السودان من التجزئة والتقسيم والتشظى ليس مرهوناً بإستئناف العداوات واستعادة المرارات والتلبث عند روح الاقصاء والاستئصال ولكن بتمثل روح الوطن الذى يسع الجميع والاستمساك بالديمقراطية منهجاً لادارة الخلاف، بل لقد أضحى مفهوماً لدرجة البداهة أن البلاد التى مزقتها الحروب والخلاف السياسى تحتاج ايضاً لقدر كبير مهم من التسامح وأبدعت لذلك الصيغ التى لم تغفلها وثيقة الدستورية عندما أشارت للعدالة الانتقالية، ولكنها استعاضت عنها فى الممارسة العملية بالإثرة إى استئثار الحكام دون سائر الشعب بالمكاسب وأهم من ذلك استفرادهم بالسياسة واحتكارهم للقرار أو كما قال النبى الكريم عليه السلام ستكون من بعدى إثرة. أما الذين جعلوا همهم الانتقام من الانتقال لأنه استلب منهم سلطةً حقيقية أو بالأحرى سلطة متوهمة لدى الكثير ممن يصطفون معهم، فانقل لهم كلمات الدكتور منصور خالد فى شرحه لفلسفة المهاتما غاندى: على أن كثيرين يخطئون فهم المدلول الحقيقى للمعارضة التى كان يقودها المهاتما غاندى فى الهند ضد الامبراطورية، إذ يصفونها مرة بالعصيان أو الجهاد المدنى بيد أن ال آستيا قراها (الاسم الذى كان يطلق على الجهاد الغاندى) لا تعنى هذا ولا ذاك، انما تعنى المغالبة الروحية أى هزيمة الخصم أخلاقياً. فالذى يحتاجه السودان ليس الشقاق كما يعرف الجميع كما انه ليس السعى لاستعادة سلطة مجربة أفضت الى الخسران، ولو عن طريق الطرق المستمر بالدعوة للانتخابات التى تستبطن نقص القوى الجديدة فى التمرس على حشد الدوائر وإدارة المنافسة عبر صناديق الاقتراع، فذلك هدفٌ ظلت الأجندة الغربية التى يكرهونها تضعه دائماً غايةً لأهدافها ومقترحاتها للحل، وهو الحل الذى انتهى بالبلاد التى لم تكمل وعيها بالديمقراطية ولم تقيم مؤسساتها وعلى رأسها الأحزاب الموسسة على الرؤى والبرامج والمنتخبة قيادتها، انتهى بكثير من تلك التجارب الى الحرب الأهلية الشاملة Full Scale Civil War
                  

05-28-2022, 05:49 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 22877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: محمد عبد الله الحسين)

    سلام محمد
    المحبوب رجل متصالح مع نفسه جدا
    لا اعتقد الجبهة الاسلامية اخرجت مثله كمثقف
    درجنا ان نقول على الكيزان لما يحاربوا الابداع " ليس بينهم مبدع"
    لكن المحبوب الوحيد الذي يقف كمثقف واعي مهما اختلفنا معه
    احب كتاباته الراتبة وغيرها من الكتابات الرصينة .
    بإختصار المحبوب من زمرة مثقفي بلدنا الكبار
                  

05-28-2022, 11:15 PM

Abdelrahim Mohmed Salih
<aAbdelrahim Mohmed Salih
تاريخ التسجيل: 04-13-2016
مجموع المشاركات: 958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المحبوب عبدالسلام.. كسياسي وكمثقف (Re: حيدر حسن ميرغني)

    تحياتى يا محمد عبدالله
    للامانه لا استطيع تكمله مقالات المفكريين من الكيزان لاسباب مختلفه ليس فقط إهتمامهم بزخرفه لغه المقال على حساب المضمون معظمهم يبكون على الحليب المسكوب
    حكموا السودان بغلظه وفشلوا فى تطبيق نظرياتهم فى الحكم ومراجعاتهم المزعومه لن تعدوا ان تكون سوى محاولة تمديد صلاحيه لجسد ميت
    اين كان ضمير المؤمن فى سنوات التمكين وفرد الظلم بأسم الله تعالى عما يقولون..
    اين يقف المحبوب عمليا وايدلوجيا الان؟ هل نفض يدة من اخوانه ام ما يزال من اهل الاصلاح من الداخل؟

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de