"إيمانويل ماكرون" من منظور التحليل النفسي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 10:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2022, 06:07 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20429

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"إيمانويل ماكرون" من منظور التحليل النفسي

    05:07 PM April, 25 2022

    سودانيز اون لاين
    osama elkhawad-Monterey,california,USA
    مكتبتى
    رابط مختصر



    إيمانويل ماكرون من منظور التحليل النفسي

    جلالة الطفل: إيمانويل ماكرون من منظور التحليل النفسي

    فريق تحرير سكون
    24/4/2022|آخر تحديث: 24/4/202202:08 PM (مكة المكرمة)

    سواء أكان يُثير حنقك وكراهيتك أو كان يُثير إعجابك ويلفت انتباهَك، فلا شكّ أنّ الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون أحد الشخصيات السياسية البارزة في سلوكه وقدراته مقارنةً بصغر سنّه و"طفولية ملامحه". ولا شكّ أن شخصية ماكرون مثيرة للجدل وكثيرة التناقض في المواقف والآراء السياسية، وهي تقلّبات حادّة في جوهرها، لكنّها تظهر للعَوام كانتقالات ناعمة، ذلك أن ماكرون من الشخصيات الذكية التي تسعى دائمًا في حياتها الخاصّة وكذا السياسية إلى إغواء الآخرين وإثارة إعجابهم عبر عقلنة الأمور وتبريرها المُفصّل الذي تُجسّده إجاباته المُتكرّرة عن أسئلة الصحافيين بـ"دعني أشرح لكَ الأمر".


    وكأيّ شخصية سياسية مثيرة للجدل، ثمّة صندوق أسود يحتوي على الأسرار النفسية لماكرون وسِجل سيكولوجيّ طويل يُفسِّر سلوكياته ومواقفه، معظمها يظهر على السطح بصيغة النجاح والإنجازات وتحقيق الأهداف، وجزء آخر غير قليل منها يظهر على هيئة نرجسية مَرَضية ورغبة عارمة في إغواء الآخرين وجوع شديد لإثارة إعجاب الآخرين واستباحة مطلقة للحدود الأخلاقية في سبيل تميّزه وتفرّده ونجاحه الشخصيّ، لدرجة دفعت مُحلّلين نفسيين لوصفه بأنّه "جلالة الطفل" الذي مهما ترقّى سياسيًّا واجتماعيًّا فإنه ما يزال يتصرّف كطفل عالِق عند حاجاته الطفولية.

    لكل ما سبق وأكثر، سنأخذك في هذا التقرير عبر رحلة نفسية لنشأة إيمانويل ماكرون وحتى وصوله إلى سدّة الحكم في فرنسا، ومن ثمّ نستعرض آراء المحلّلين النفسيين حيال شخصيته وآراء بعضهم المثيرة للجدل حول تعرّضه للإغواء الجنسيّ في مراهقته من قبل زوجته الحالية، وكيف انعكس ذلك على شخصيته وسلوكه وتقلّبات آرائه السياسية.

    كلّ شيء مُباح لتحقيق أهدافه: المراهق الذي ثابر للتزوّج من مُعلّمته المتزوّجة

    تبدأ القصّة من بلدة "أميان" في شمال فرنسا، حيث وُلد ماكرون في عام 1977 لأمّ طبيبة وأب يعمل طبيب أعصاب وفي منزل مستقرّ ماديًّا، بالإضافة إلى حضور عالٍ لجدّته "مانيت" خلال طفولته، والتي أسهمت بشكلٍ رئيسيّ في زرع بذور حبّ المعرفة وشغف القراءة في عقل ماكرون، الذي أشار في مناسبات عدّة إلى أنّ جدّته هي التي قدّمته للثقافة اليسارية وأفكار اليسار الفرنسيّ وشرحتها له منذ سنّ مُبكِّرة.

    اعتاد ماكرون على الدوام أن يكون الطفل المُميّز، والطالب المُجتهد في صفوفه. لكَ أن تتخيّل إيمانويل ماكرون في طفولته، شديد النباهة ومتّقد الذكاء، وقد أحاط نفسه بالكثير من الكتب، وكان واثقًا من نفسه لدرجة أنّه كان يُفضِّل أن يقضيَ وقته مع أولئك الذين يكبرونه في السنّ، ويرفض التسكّع مع الفتيات اللواتي في عمره، يتناول العشاء مع مُعلِّميه ويُناقشهم ويُحاورهم في ما يقرأ، وهذا الملمَح المهم من ملامِح شخصيته قد لازمه في شبابه، حيث تلبّسه هذا الشغف بأن يسبق أقرانه ويحتكّ بمَن هُم أكثرُ خبرةً منه وأعلى مَنصبًا، وهي إحدى الاتّجاهات الأساسية في شخصيته التي أسهمت في وصوله إلى الرئاسة.

    في ربيع عام 1993، وقف المراهق ذو الخمسة عشر عامًا على خشبة المسرح ليُؤدّي مسرحية "لغة الكوميديا" للشاعر والمُؤلِّف الدراماتيكي الفرنسيّ "جان تارديو"، والتي لعب فيها دور شخصية الفزّاعة بطريقة استثنائية شدّت انتباه الحاضرين، وسيُلقيها هذا الفتى المُراهق أمام زوجته المُستقبلية "بريجيت ترونيو"، والتي كانت معلّمة الدراما في مدرسته آنذاك، والتي وصفته في أحد الأعمال الوثائقية: "لقد لَعِبَ دور الفزّاعة، أتذكّر ذلك جيدًا، لقد كان مُذهلًا، وقد أثار إعجابي من شِدّة حضوره على المسرَح".

    كانت "بريجيت ترونيو" تكبره بـ24 عامًا، وكانت حينها في التاسعة والثلاثين من عمرها ومُتزوِّجة ولديها أطفال حين وقع ماكرون في حبّها، وكان من بين أطفالها الثلاث ابنة في نفس عمر ماكرون. في مشهد أقرب إلى أن يكون حبكة لفيلم أو رواية رومانسية مليئة بالتحدّيات الجوهرية والموانع الاجتماعية، وبالرغم من جميع هذه المُعيقات الواضحة لمسار العلاقة منذ بدايته فإنّ ماكرون قد أسرّ لبريجيت في إحدى المُناسبات: سأتزوّجُكِ مهمّا كلّف الأمر.

    لم تكن علاقة ماكرون ببريجيت ترونيو علاقة يسيرة، بل واجه كلاهما عددًا من العوائق في سبيل إنجاحها، بدءًا من مقاومة بريجيت نفسها وممانعتها، ومرورًا بعائلة ماكرون التي عارضت هذه العلاقة بشدّة، وانتهاءً بأوضاع بريجيت ترونيو الزوجية. وقد تعمّدت عائلة ماكرون إبعاده عن بريجيت عبر التخطيط لإكمال دراسته في باريس، ومع هذا فقد كان ماكرون يتواصل بشكل شبه يومي مع بريجيت عبر الهاتف ويتحدّثان لساعات دون أن يحول البُعد الجغرافي بينهما من استمرار العلاقة. وفي عام 2006، وضمن خطّة لتحويل علاقتهما إلى علاقة رسمية، أقدمت "بريجيت ترونيو" على الطلاق من زوجها بعد 14 عامًا من لقائها الأوّل بماكرون، وتزوّجا في عام 2007 بعد أن طلب من أطفالها تزويج والدتهم، حيث وصفته "تيفين أوزيير"، ابنة بريجيت، بأنّه كان عنيدًا وشديد الإصرار، وقد قام بعمل مُثير للدهشة حتّى يتمكّن من طلب يد بريجيت للزواج.

    تُعطينا قصّة وقوع ماكرون في حُبِّ زوجته المُستقبلية وقدرته على تحقيق مُراده عددًا من الدروس الإدراكية والسلوكية على مستوى علم نفس الشخصية: فأولًا، لا يبدو أنّ ماكرون من النوع الذي يهاب المخاطرة والمغامرة، بل على العكس تمامًا، فهو يسعى لاختراق المساحات "المُستحيلة" وإثارة إعجاب الآخرين عبر التمكّن من تحويل المُستحيل إلى مُمكن. وثانيًا، يبدو أنّ ضميره الأخلاقي صامت، ولا حضور له حين يُقرّر هدفًا في رأسه، فسواء أكانت عشيقته مُتزوّجة أم لا، وسواء أكان لديها أطفال أم لا، فإنّه سيسعى لانتزاعها مهما كلّفه الأمر. وثالثًا، لديه شعور عالٍ بالاستحقاق النفسي وبالكفاءة الذاتية والجدارة التي تجعله يُعطي وُعودًا مُبكِّرة لأهداف وغايات لا يُصادق عليها الواقع، وهو أمر قد عاد عليه بنتائج إيجابية وناجحة في بعض نواحي حياته، لكنّه مَنحى خطر يرتبط ببعض السمات النرجسية التي تُعمي صاحبها في أحيان كثيرة أخرى.

    بالإضافة لذلك، يبدو أنّ الكفاءة العقلية والذهنية لماكرون تجعله يضيق بأقرانه ذرعًا ويُحجِم عن الاختلاط بهم، لهذا يشعر دائمًا بحاجته ورغبته إلى الاحتكاك والتواصل مَع مَن هُم أكبر منه عُمرًا وأكثر منه خبرة، وقد تُعطينا علاقته مع زوجته وعلاقته مع فرانسوا هولاند -الرئيس الفرنسي السابق- وغيرهم من رجالات الدولة وخبراء الاقتصاد والسياسة مَلمَحًا مهمًّا عن طبيعة الندّية العقلية التي يبحث عنها ماكرون. وأخيرًا، يبدو أنّ ماكرون ينتمي إلى فئة المُجتهدين والمُثابرين من أنماط الشخصية الذين يخُطّطون مُسبَقًا ويستغرقون وقتهم في التدبير لتحقيق أهداف بعيدة المَنال دون أن يُثيروا الصخب والضجيج خلال رحلتهم لتحقيق أهدافهم. ولم يكن هذا مُجرّد كلامًا نظريًّا، فقد استطاع ماكرون أن يجذب أنظار رجال كبار أحاطوا به، إذ تمكّن خلال دراسته الفلسفة من الالتقاء بأحد أكبر الفلاسفة الفرنسيين، وهو الفيلسوف "بول ريكور"، وساعده على إعداد وتحرير كتابه "الذاكرة، التاريخ، النسيان".

    الّلعب مع الكبار: طريق مضمون للرئاسة

    في سنة 1999 توجّه ماكرون لدراسة العلوم السياسية بجامعة العلوم السياسية بباريس، في هذه المرحلة بدأت بعض النقاط في شخصيته تظهر جلية، كرغبته الدائمة في انتزاع إعجاب الناس المحيطين. بعد تخرجه اجتاز ماكرون امتحان المدرسة الوطنية للإدارة التي تعتبر مدرسة عليّة القوم التي كونت الموظفين الساميين والوزراء، تخرج من المؤسسة وكان من بين أفضل 15 طالبًا، وعُيِّن بالمُفتشيّة المالية.

    التقى ماكرون بالمُفكِّر والكاتب الفرنسي من أصول يهودية جزائرية "جاك أتالي"، الذي كان يُشرف على لجنة تحمل اسمه بتكليف من نيكولا ساركوزي، لإيجاد أفكار تساعد على إعادة إنعاش الاقتصاد الفرنسي. لعبَ "جاك أتالي" دورًا حاسمًا في فتح فصل جديد من حياة ماكرون، فصل من شأنه أن يكسبه ثروة ويزيد من قبضته على النظام المالي العالمي، حيث كان يعمل ضمن وظيفة في بنك "روتشيلد" الباريسي الشهير، إلّا أنّ هذا قد أكسبه في المُقابل ازدراء اليسار الفرنسي الذي ينظر إلى المصرفيين بوصفهم أشرارًا يعيثون في الأرض الفساد. ولأنّ الحياة في القطاع الخاصّ مهما كانت مُجزية إلّا أنّها في حدودها القصوى عاجزة عن تحقيق أهداف سياسية كُبرى بحجم الأهداف التي يتطلّع إليها ماكرون.

    اقترح أتالي على ماكرون الدخول في مجال السياسة عبر الانتخابات السياسية والعمل مع فرانسوا هولاند الذي كان يستعد حينها لانتخابات 2012، حينها كان هولاند في حاجة إلى مستشار اقتصادي. انضمّ ماكرون لفريق هولاند إذن بوصفه مستشارًا اقتصاديًّا، وبعد وصول هولاند إلى الرئاسة، اقترح عليه منصب سكرتير عام ومساعد في الاقتصاد والمالية.
    تمكّن ماكرون على إثر ذلك من اختراق قصر الإليزيه، ذلك القصر الفرنسي الفخم الذي يسكنه الرئيس المنتخب. بدأ ماكرون في دراسة المداخل والمخارج، لم يكن يرغب في البقاء فقط مستشارًا اقتصاديًّا لهولاند، بل كان يطمح إلى ما هو أبعد من ذلك: الرئاسة، وقد كان ماكرون واضحًا ومباشرًا في مسعاه، ففي الوقت الذي كان فيه مُفتشًا في المالية في سنّ الخامسة والعشرين، كان ماكرون يقول إنّه خلال السنوات المقبلة سيكون رئيسًا للبلاد.

    خلال فترة وجوده داخل القصر الرئاسي، أبدى ماكرون اهتمامًا واسعًا بجميع التفاصيل، كان يطرح العشرات من الأسئلة كل يوم، ويحاول ربط علاقات الصداقة مع الجميع، من الحرس الرئاسي أمام القصر إلى الطباخين وصولًا إلى الوزراء وضيوف هولاند، كما فعل ذلك أثناء الدراسة. وقد كان وزراء هولاند يزورون مكتبه حتى ساعات متأخرة من الليل، وكان لديه القدرة والموهبة على الحديث مع أي شخص مهما كان منصبه من منطلق "الندّ للندّ"، حتى أُطلق عليه لقب "الأمير الصغير"، مقربون من الإليزيه في هذه المرحلة قالوا إن كلّ شيء في طريقة كلامه واهتمامه بمنظره وشكله كان يوحي بأنه يحاول الوصول إلى ما هو أبعد من سكرتير أو مستشار اقتصادي.


    دخلت عملية التخطيط لهذا "السطو السياسي" على قصر الإليزيه مرحلة جديدة بعد أن غادر ماكرون القصر الرئاسي محتجًّا على عدم تعيينه في الحكومة الأولى لمانويل فالس، لكن الأخير ضغط على هولاند حتى يمنح ماكرون حقيبة الاقتصاد في الحكومة الثانية، وهذا ما تمّ بالفعل. كان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند ينظر إلى ماكرون على أنّه ابنه الروحي، لكنّ هذه العلاقة، وإن كانت تبدو منسجمة في الظاهر، إلّا أن ماكرون كان يُسِرّ لعدد من المُقرّبين منه وللصحفيين بعدم رضاه عن سياسات هولاند، وأنّه كان سيُغيِّر كثيرًا من الأمور في حال كان هو على رأس السلطة، فقد أحسّ ماكرون على الدوام بأنّه شخص مُميّز، وأنّه أفضل بكثير من العديد من الذين يجلسون على مقاعد السلطة في البلاد.

    في مكتبه بصفته وزيرًا للاقتصاد، بدأ ماكرون يبحث عن أرضية صُلبة من العلاقات مع عليّة القوم، فبدأ باستقبال الكتّاب والعلماء والمثقفين والمحللين والممثلين والمغنّين، لدرجة جعلت مقربين من هولاند يخبرونه أنّ شيئًا ما يُعدّه الوزير الشاب الوسيم في الكواليس. في تلك الأثناء، أسّس ماكرون تياره "إلى الأمام" بالفرنسية "(E)n (M)arche"، الذي يتشارك مع اسمه في الحرفين الأولين. وكان بالفعل قد أخبر هولاند بهذا الأمر من قَبِيل "أريد خلق تيار سياسي شبابي"، لكنه لم يفصح كثيرًا عن أهدافه، ولم يكن هولاند معارضًا، كان يظنّ أنّ هذا التيار قد يخدمه أيضًا بطريقة أو بأخرى.

    أعلن ماكرون الذي كان وزيرًا للاقتصاد في حكومة اشتراكية يسارية أنّ تياره الجديد لا ينتمي لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، هو تيار وسطي مُستقلّ، يأخذ من كلّ تيار ما يعجبه ويترك الباقي. لكن، ورغم هذا التصريح، أظهر ماكرون ميلًا أكثر إلى اليمين، ليس الجمهوري فحسب، بل والمتطرف، فقد داوم خلال تلك فترة على لقاء "فيليب دي فيليي"، الجنرال اليميني العنصري الذي كان أحد رجال حملة "إيريك زمور" الأخيرة، وبالرغم من هذا، فإنّ ماكرون مهما شكّل من أحلاف إلّا أنّه ينأى بنفسه عن أن يتخندق في معسكر واضح ويرفض أن يتم اختزاله بأدلوجة واضحة، ففي إحدى اللقاءات الصحفية صرّح ماكرون: لستُ اشتراكيًّا، أنا أعمل في حكومة اشتراكية، وهذا أمر مختلف.

    للوصول إلى المكانة التي يحلم بها، كان ماكرون يحتاج إلى تحييد وإبعاد ثلاث جهات رئيسية: الرئيس السابق، والحزب الاشتراكي اليساري، والحزب الجمهوري اليميني. لم ينتظر ماكرون إعلان هولاند عن عدم ترشُّحه لتقديم أوراقه للانتخابات، بل أقدم على ذلك قبل هذا الإعلان، بعد أن قفز من مركب هولاند الغارق وقدّم استقالته من الحكومة.

    لكنّه لم يقفز وحيدًا، بل جذب معه "إيف لو دريان"، وزير الدفاع اليساري السابق ووزير خارجية فرنسا الحالي، الذي عرض عليه الالتحاق به في حالة فوزه بالحكومة، وهو ما حرم اليسار من أحد أكثر وزراء التيار شعبية، وعلى اليمين انتدب ماكرون "إدوارد فيليب"، الذي سيصبح رئيسًا للحكومة، ففي إحدى المُناسبات قال ماكرون لفيليب: لا داعي لتضييع الوقت في بناء يمين جمهوري متهالك في الوقت الذي نحتاج فيه إلى بناء فرنسا التي أنهكها التعب. وانتهت العملية بالإطاحة بـ"مارين لوبين"، زعيمة اليمين المتطرف.

    محلّلون نفسيون: ماكرون نرجسيّ وماكر يحرّكه الجوع لإثارة إعجاب الآخرين

    على مستوى التحليل النفسي لشخصية إيمانويل ماكرون، فقد قام "أدريانو سجاتوري"، الطبيب والمُحلِّل النفسي الإيطالي، بمُراجعة عدد من الأدبيات التي طالَعت الحياة الشخصية الخاصّة لماكرون، وقد أشار "سيجاتوري" إلى أنّ حيثيات وقوع ماكرون في حبّ بريجيت له قصّة أخرى من حيث النشأة، قصّة مُثيرة للجَدَل ومُناقضة تمامًا للرواية الرسمية، والتي تتحدّث عن تعرّض ماكرون للتحرّش والإغواء الجنسيّ المُتعمّد من قبل أستاذته بريجيت، التي سعت بشكلٍ جدّي لإغوائه نفسيًّا وجسديًّا انطلاقًا من استبطانها رغبة هذا المراهق الشاب بالوجود، وإثارة انتباه أولئك الذين يكبرونه بالسنّ.

    يقوم التشريح النفسي الذي صاغه سجاتوري لشخصية ماكرون على أنّ هذا الانتهاك النفسي والجسدي لذاتية ماكرون قد انعكس على هيئة الرغبة العميقة والحثيثة لانتزاع بريجيت من زوجها، وخوض علاقة عاطفية على هيئة زواج تعويضيّ لإصلاح حادثة التحرّش وإعادة السيطرة على مسار حياته العاطفي والنفسيّ من خلال فعل انتقامي بهيئة ناعمة ورومانسية.


    وكما يحدث لأي مراهق يتعرّض لتجربة الإغواء الجنسيّ المُتعمّد، فإنّ أهم درس نفسي وإدراكي يستقرّ في نفسه هي قدرة الآخرين على انتهاك المحرّمات واختراق الحدود الأخلاقية المسموحة، وذلك بعد تساؤلات عدّة عن دوافع شخص ما بانتهاك حرمة جسده، تنتهي بالاصطدام بحائط الرغبة بأنّ هذا الشخص أراد أن يحقّق هدفًا ورغبة بداخله، وقد فعل ذلك دون أن يُراعي أيّ مُحرّمات أو ضوابط، وهو ما سينعكس على ماكرون بتبنّي رؤية ومنظومة إدراكية للواقع مفادها: إباحة كلّ شيء في سبيل تحقيق أهدافي وطموحاتي ورغباتي الشخصية بحسب ما أشار لذلك الطبيب النفسي سجاتوري في تحليله.


    بحسب المُحلِّل النفسي الفرنسي رولاند غوري، فإنّه لا يُمكِن فهم ماكرون بمعزل عن أهمية ومركزية حضور العنصر النسائي في حياته، وحين نتحدّث عن العنصر النسائي فهذا لا يعني أنّه يعشق النساء أو أنّه يهوى أن يكون مع نساء كُثُر أو أنّ لديه رغبات جنسية غير منضبطة، ولكن ما نتحدّث عنه هنا بحسب رولاند غوري هنا هو رغبته بوجود عنصر "الأمّ" الراعية والحانية الأكبر عمرًا والأكثر خبرة والتي يحتاج إلى إثارة إعجابها واكتساب تأكيدها المتواصل لما يفعل، بدءًا من أمّه التي شكّلت نرجسية طفلها اللامتناهية، ومرورًا بجدّته التي كرّست ثقته المُفرِطة بنفسه، وانتهاءً بزوجته التي تكبره بأربع وعشرين عامًا وتقوم من حيث الوظيفة الرمزية مقام الأمّ الحانية والمُؤكّدة لشعور ابنها على الدوام.
    من هنا، فإنّ هناك ثلاثة ملامح رئيسية تُشكِّل شخصية إيمانويل ماكرون: أوّلًا، منظومة إدراكية لا تؤمن بوجود حدود أو ضوابط أخلاقية ثابتة تلجم جماح رغباته وطموحاته الشخصية. وثانيًا، شعوره بالقدرة المُطلقة على فعل أي شيء والسيطرة على أي شيء عن طريق الإغواء وإثارة الإعجاب. وثالثًا، النرجسية الخفيّة (covert narcissism) التي تُوصَف بالنرجسية الخبيثة أو الماكرة التي تستطيع إخفاء ملامحها المَرَضية بالرغم من شعور داخلي عميق ومُهيمن على أهمّية الذات وأفضليتها وتفوّقها على كلّ أولئك الموجودين من حولها. هي نرجسية تصفها المُحلّلة النفسية "نانسي ماك ويليامز" بأنّها تُمكّن أصحابها من بلوغ أعلى المناصب السياسية، فمن الصحيح أنّ الشخص المُعتلّ نفسيًّا يُمكن أن يكون مُنحرفًا وقاتلًا مُجرمًا مكانه السجن، لكنّه إن امتلك قدرة عالية على التنظيم والذكاء الاجتماعي فبإمكانه أن يصيرَ رئيسًا للولايات المُتحدة دون أن يشعر أحد بأنّه مُعتلّ نفسيًا، كما تُشير لذلك "نانسي ماك ويليامز".

    تتضح ملامح النرجسية الخفية والماكرة وتتكشّف في مواقف لا حصر لها، مُستندةً على الشعور العالي بالاستحقاق، وعن طريق سمة الميكافيلية النفسية في علم نفس الشخصية، والتي تُشير لاقتناع الفرد بأنّ الضحايا يستحقّون ما يجري لهم. وأفضل تجسيد لهذه الملامح المَرَضية هو الحالة الهستيرية التي تُصيب ماكرون عند تعرّضه للانتقاد أو حين يتم تحدّي آرائه السياسية، وهو مشهد قد تكرّر كثيرًا حين تراه يتحدّث عن الفقراء بصيغة أقرب للتوبيخية، وحين يُهين الأيدي العاملة في شمال فرنسا ويختزلهم بوصفهم مجموعة من المُدخنين ومُدمني الكحول والجهلة، وهي أفكار تظهر على السطح بين الحين والآخر بشكلها العاري والمُجرّد عن أي صوابية سياسية كما سيظهر لاحقًا في حديثنا عن قناعاته السياسية والأيدولوجية.

    المُشخّصون باضطراب الشخصية النرجسية يصعب عليهم الشعور بالندم ويصعب عليهم أن يروا أنفسهم على خطأ، وماكرون بحسب الطبيب النفسي سجاتوري من النرجسيين الذين يصعب عليهم الشعور بالندم حيال ما يقولون أو حيال ما يؤمنون به، وحين يتعرّض ماكرون للإحراج أو المُساءلة فإنّه يبذل جُهدًا أكبر للتبرير وإعادة صياغة كلامه، لكنّه لا يُعبِّر عن ندمه أبدًا على مقولاته المثيرة للجدل؛ لأنّه لا يشعر بالذنب أساسًا، ومن الصعب على الشخصية النرجسية أن تشعر بالذنب من الأساس. لهذا نجد أنّ ماكرون كما أشار أحد المحلّلين النفسيين لديه إشكال حقيقي في الحفاظ على مسافات جيدة مع الناس، فهو إما أن يتصرّف بشكلٍ مبالغ في التكبر والاستعلاء، وإما أن يتصرف على النقيض من ذلك، فيحاول الظهور بمظهر المتواضع والقريب جدًّا من الشرائح المجتمعية المختلفة، فنجده يرقص مع الشباب.

    بحسب المُحلِّل النفسي "سِراج حافظ"، خلال استضافته في إذاعة "Europe1"، فإنّ ماكرون بحسب التحليل النفسي مُغرَم جدًّا بنفسه، ويحارب دفاعًا عن الحفاظ على صورته المُتميِّزة، وأنّه على الدوام يحتاج إلى التأكيد الذاتي من قِبَل امرأة أكبر عُمرًا، وهو لا يستطيع تخيّل امرأة أكبر منه سنًّا بوصفها خصمًا أو بوصفها أيّ شكل آخر غير الأمّ الحانية، ولهذا فإنّه لا يستطيع تقبّل ماريان لوبين أبدًا، ويواجهها ضمن منطق خلافي لا يقتصر على السياسة فحسب، ولكن من منطلقات نفسية عميقة.

    تتجلّى النرجسية الخبيثة لماكرون من خلال حواراته ومناقشاته، إذ بحسب المُحلّل النفسي "سِراج حافظ" يبذل ماكرون جُهدًا كبيرًا كي يظهر كما لو أنّه شديد التركيز والانتباه مع الآخر، ويُريد أن يظهر كما لو أنّه مُستعدّ لفهم الآخر وتقبّل ما سيقوله، لكنّه يفعل هذا كلّه وهو مقتنع داخليًّا بأنّ كلّ ما سيقوله الآخر مُجرّد كلام فارغ لن يُؤثِّر بقناعاته الشخصية، ويُفكِّر أكثر في كيف يستثمر الموقف واللحظة الحالية لإغواء المُشاهدين والحضور وإثارة إعجابهم، فهو لا يبحث عن الإعجاب لمُجرّد الإعجاب، وإنما الإعجاب الذي يخدم أهدافه ويهدف إلى إقناع الآخرين بآرائه وتوجّهاته.

    إثارة الإعجاب أهمّ من المبادئ السياسية، كيف نفهم قناعات ماكرون السياسية؟

    لفهم القناعات الفكرية والأيديولوجية لماكرون، تجب العودة إلى سنوات التسعينيات، كان ماكرون حينها متأثّرًا كثيرًا بالخطّ الرسمي، سواء في المدرسة أو في الإعلام. خلال هذه السنوات، كان الخطاب السائد ينظر إلى أنّ أوروبا هي الحلّ المستقبلي للعالَم، وأنّها ستجمع شتات شعوب المنطقة وتنهي حالة الاحتقان القومي بعد نهاية الحرب الباردة. قارّة جديدة تشكّل دولة فيدرالية شبيهة بالولايات المتحدة الأمريكية، كان ماكرون يرى في تشكيل اتحاد أوروبا ذلك الحلم القادر على الحفاظ على فرنسا وعنفوانها كما كانت تقول وسائل الإعلام، وظل محافظًا على هذه الفكرة حتى الآن، فهو مرشح أوروبا الأوحد تقريبًا.

    اقتصاديًّا، يرى ماكرون في النظام النيوليبرالي الحلّ الحقيقي، هو لا يقتنع كثيرًا بأفكار اليساريين حول ضرورة دعم حقوق العمال والعمل لساعات أقلّ والرفع من الأجور. كان ماكرون يرى في الهجرة فرصة لفرنسا لتوفير اليد العاملة بسبب معدلات الولايات الضعيفة في البلاد، لكن بعد ذلك بدأ في الحديث عن تأمين الحدود ومراقبة الهجرة وفرض سلطة الدولة بشكل أكبر على الذين يصلون ببطاقات إقامة، وفرض تعلّم الفرنسية للحصول على إقامة مُطوّلة.

    وبالرغم من المجهود الكبير الذي يظهره للتودّد للناس، فإنّ الرئيس الفرنسي هو ابن أسرة ميسورة، ينظر بنوع من التعالي إلى الطبقات الشعبية، وهذا يظهر بوضوح في حواراته مع المواطنين الغاضبين، فقد قال في مرة لأحد العاطلين بأنّه إن عبر الشارع فقط فسيجد عملًا بسهولة، للدلالة على أنّ هذا العاطل هو الذي لا يريد العمل. وقال في مرة أخرى -وكان حينها وزيرًا للاقتصاد- لأحد المُحتجِّين بأنّه يلبس بدلة بـ3000 يورو لأنّه يعمل، في حين أنّ العامل العادي يتحصل على 1200 يورو فقط للعيش رغم عمله الشهر كاملًا دون انقطاع.

    نشأ ماكرون في جو التسعينيات، حيث انتشرت الفردانية المتطرّفة في المجتمعات الغربية وتركيز الأشخاص على أهدافهم ومصالحهم قبل المصلحة العامة، ومن ثم فإن أي نجاح يعود أساسًا إلى مجهود الفرد وفضل هذا النجاح للفرد نفسه، بالنسبة إلى الناجحين في هذا الجيل فإن الفاشلين استحقوا الفشل لأنّهم السبب وراء هذا الفشل، مستبعدين أيّ مُحدّدات موضوعية.

    ومن الواضح أنّ الرئيس الفرنسي ببرغماتية شديدة في مجال الأفكار الأيديولوجية، فقد عمل مع حكومة اشتراكية، وبعدها أعلن حياده بين اليمين واليسار، ثم بعد توليه الحكم بدأ يخاطب بقراراته شريحة اليمينيين المتطرفين الذي يشكلون الفئة الناخبة لمارين لوبين، فعيّن "جيرارد دارمنان" وزيرًا للداخلية، وهو المعروف بتطرفه وعنصريته التي دفعته لانتقاد لوبين يومًا ما ويقول لها إنها أصبحت هشة وطرية فقط في تناولها لموضوع الحضور الإسلامي، بجانب وزراء آخرين لهم مواقف عنصرية واضحة من قبيل وزيرة المواطَنة "مارلين شيابا"، ووزير التعليم "ميشيل بلانكير".

    اعتمد ماكرون على إستراتيجية يمينية متطرفة، وأشرف على إصدار قانون الانعزالية الإسلامية سيّئ السمعة، حاول جمع الناخبين، ففتح المجال للفاشيين كـ"إيريك زمور" الذي قال إنّ ماكرون التقى به وعبّر له عن اتفاقه معه حول مجموعة نقاط من بينها غزو المهاجرين للبلاد وخطر الحضور الإسلامي، لكنّه تحفّظ على الخطوات التي اقترحها زمّور لكونها ستدفع البلاد نحو حرب أهلية حسب ما ذكر زمور نفسه. والآن، وخلال الجولة الثانية للانتخابات الحالية، عاد ماكرون للتحذير من اليمين المتطرف وخطورة أفكاره، وانتقد لوبين التي تريد منع الأكل الحلال والحجاب في المجال العام، وهو ما يُعيدنا للتحليل النفسي لشخصية ماكرون بوصفه نرجسيًّا خبيثًا يحترف التلاعب بالكلمات والعبارات؛ كي يُثير إعجاب الآخرين ويحتوي أكبر عدد ممكن منهم.

    ————————————————————————-

    المصادر:
    How Macron, the boy who preferred the company of adults, became president of France. (France 24)
    Macron à l’Elysée, le casse du siècle
    Inside Macron’s unconventional love story – Melissa Bell (CNN)
    Individual Level Analysis of France President Emmanuel Macron. – Renny candradewi Puspitarini, Sofiatul Afkarin (2018)
    "Macron est un psychopathe" : l’analyse d’un psychiatre italien Adriano Segatori
    Un psy analyse la personnalité d’Emmanuel Macron : "Deux ans de présidence ont transformé un ado tout feu tout flamme en quelqu’un qui s’est aguerri" – Europe1
    «Europe, libéralisme, immigration.. L’idéologie de Macron est celle des années 1990!» – Par Laurent Chalard (FigaroVox)
    "Emmanuel Macron ne gouverne pas les Français, il les soumet" – Huffpost
    Psychoanalytic Diagnosis, Second Edition: Understanding Personality Structure in the Clinical Process 2nd Edition. – Nancy McWilliams
    المصدر : الجزيرة






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de