قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركون .. (١) ..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 08:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-12-2022, 04:54 AM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركون .. (١) ..

    03:54 AM April, 12 2022

    سودانيز اون لاين
    محمد الجزولي-Australia
    مكتبتى
    رابط مختصر












    (شتلة اطفالي الخضراء تُغرس في سجن كوبر ) !
    محمد الجزولي _
    كُتبت في ١٩٩٢

    هذا اليوم تحديداً ، افقت من النوم بحيوية ونشاط غير معتاد ، وكانت الشمس في عسرة ولوجها من الليل ، قمت بحذر من سريري وحملت الصابونة والبشكير وفرشة الاسنان والمعجون ، وتحركت على صوابع اقدامي تحاشياً ان اصدر صوت ازعج به بقية العنبر الذي يقبع في ثبات نوم عميق ، يغسلون به رهط تفكير النهار في الوطن والاهل .. وبحركة خبرناها تماماً فتحت باب العنبر ذو القضبان الطولية ومغطى بخيش ليعينا على تقلب الفصول المناخية ، بحيث لا يصدر صوته اللعين ..

    وخرجت متوجهاً صوب الحمامات التي تقبع في الجانب الشرقي كعريس جديد وكنت اردد اغنية حمد الريح " شال هم فرقتك قلبي يا عيون " .. فاليوم اكملت الأربعة اشهر متنقلاً بين المعتقلات الى ان رسى بي الحال بعنبر المديرية بسجن كوبر ، وهذا هو يوم زيارة أهلي بعد ترقب وإنتظار كانوا وكنت لا نعلم عن بعضنا شئ طيلة هذا الوقت ! .. فعلموا بترحيلي الى السجن ، قدموا طلب اذن زيارة ، وجاءت الموافقة بعد تعسر ، وهذا هو اليوم المشهود ، فكنت في غاية السعادة التي كانت فيضان مطر نزل ليطفي نار قلقي عليهم طيلة هذه الفترة ..

    خرجت من الحمام ، واخذت ركن ، اتشمس فيه واطلق العنان لتفكيري ! ، من سيأتي في الزيارة ، وماهي الاخبار التي سأسمعها ، ويا ربي ماذا حدث لهم بعد هذه الفترة ، وما هي اخبار المعتقلين الاخرين من اهلي ، وسرحت في التفكير .. حتى افاقني منه عادل بصوته الجهوري الحنون : " هييي ها بتجن - نَزلَّتَ صحة التفكير زاتو ياخ .. - قوم اشرب الشاي خلاص كلها ساعات وتشوفهم" ، - وعادل دخل المعتقل وزوجته حامل لا يعلم ولا تعلم عنه شئ لقرابة السنة ، قضاها متنقلاً ببيوت الاشباح وزنازين الامن ، ورسى به الحال في سجن كوبر ، وفي انتظار زيارة مرتقبة - ، وشاغلني وتحدثنا قليلاً وضحكنا كثيراً وذهب في طريقه للحمام ، تنبهت ان القسم دبت فيه الحيوية والنشاط وغُمر بشمس الصباح ، وطفق المعتقلين يمارسون ما تعودوا عليه ، هناك من بداء رياضة المشي الروتيني اليومي ، وهناك من يتجهون نحو الحمامات يحملون ادواته والبشكير ، وهناك من يوزع الشاي باللبن الصباحي ، وهناك من يجلسون يتسامرون في الركن الغربي الجنوبي حيث يكون الظل ما زال باقياً ،، ، وهناك من يقلب موجة الرادي بين الاذاعات عله يسمع خبراً يسعده ويزرع امل من بين هذا السجن النهاره كليله ،
    وهنا الرفيق الجميل "رفسنجاني" - هكذا ينادونه لشبه الشديد بالرئيس الايراني هاشم رفسنجاني - يطرز بأنامله الماهرة في الزراعة حقله الذي زرعه لوحده ، واطعمنا منه جميعاً ، وهناك من يقبع داخل العنابر ما بين نيام وكُسالى ومتسامرين واصحاب الكتاب .

    وبعد ان تناولت الشاي مغمس عليه "رغيف" ناشف احرص على تجميعه من البواقي لأجففه واحتفظ به للشاي فهو لا يحلو لي الا به ، استبدلت ملابسي التي تسولتها من الرفاق في "طول حجمي" ، واخرج لي رفيق زجاجة عطر بها بخات معدودات يخبئها ليوم زيارته او اطلاق سراحه , واجتهدوا معي اصدقائي من الرفاق ان يعدوني لهذه الزيارة في ابهى صورة ،

    يتبع >>>






                  

04-12-2022, 05:41 PM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: محمد الجزولي)

    وكان الوقت يجري ببطء شديد والصباح ابى ان يفارق وقته ، والزيارة متوقع لها منتصف النهار .


    >>>>>>
                  

04-12-2022, 06:20 PM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: محمد الجزولي)

    وبعد ان تسلحف الوقت كما يشاء ، فُتح باب القسم ، الذي هو بمثابة باب الحياة والاحباط لنا ، بفتحه تدخل ناس وتخرج ناس اما للحياة الخارجية اما لمعتقلات اخرى او زيارات او عيادات ،وتاتي منه الاخبار الطيبة والاخبار التي لا تسر ، اطل الشاويش "استيف" براسه وانتصب عسكرياً في وقفته ينظر لنا اول ما رآنا ننظر له جمعاً في ترقب ، قال بلكنته المحببة لقلوبنا " مافي شي ناس زيارات يلا ارح " .. وبداء ينادي في الأسماء من الورقة التي يحملها ،

    فخرجنا من القسم سبعتنا العليهم كشف الزيارة اليوم ، في مقدمتنا الشاويش " استيف " يمشي بزيه العسكري وجسمه المفروع القامة كما انه يقود كتيبة عسكرية ، ونحن خلفه تاره نرفع ايادينا بالسلام لبعض حبيسين الزنازين المنتشرة في قسم الورشة الملاصق لقسمنا ، ويشغالونا ونشاغلهم بماهو طيب ، وتاره نسلم بالايادي على بعض العساكر الذين يمرون من امامنا ، ولا ننسى في سلامنا هذا ان نعطي منه نصيب مقدر لعمنا الشايقي - كهذا كنا نناديه - الشاويش الذي يحرس زنازين المنتظرين الاعدام ، كان طيباً ودوداً تحس بأنه اباك او خالك او عمك ، وتحسه مرات اقرب اليك من حبل الوريد ، وهو الرجل المناسب في المكان المناسب ليخفف على المساجين المنتظرين الموت بحنيته وطيب معدنه فهو انسان بحق وحقيقة ، ..
    ومن ثم دلفنا الى قسم السراية - في وسط السجن - وهو من اهم واخطر الاقسام في السجن ، فهو خليط بين عتاولة الاجرام ، في سرقة ونهب والاغتصاب والدعارة وتجارة المخدرات بانواعها ، وبه صنوف من البشر من مختلف الاعمار والاقاليم يقبعون في زنازين على ثلاثة طوابق ، يصيحون لنا بالأيادي من نوافذها وهم يرددون الاناشيد التي يسمعونا ننشدها في استقبال معتقلين او ترحيل معتقلين او اطلاق سراح "وهذا نادر ما كان يحدث" ، او انتقال معتقل الى الرفيق الاعلى ، وحفظوها عن ظهر قلب فنبادلهم التحايا بالتلويح ، ولغة الايادي والاصابع ،..
    وهنا تحايا خاصة نتوقف لنلقيها للمسجون جمال "دقلش" وكان دائم الجلوس الصباحي بجوار المسرح على سجادة كبيرة وتبدو عليه ملامح ومظاهر التدين الشديدة ،، نلقي عليه السلام ويدعو لنا .. فتعودانا في ذهابنا للعيادة او مقابلة الظباط ان نمر نسلم عليه ونتجاذب معه بعض من ما تيسر من حديث بما يجود به مزاج الشاويش ، وكنا من المبهورين بقصصه فترة صبانا ، وجمال من المحتالين الذين اثاروا الجدل في مطلع الثمانينات ، وكان جُل اهتمامه في الاحتيال متركز في دائرة الشرطة والجيش ، فذاع صيته ، وكانت قصصه حديث المدن ، منها الصحيح ومنها المنسوج من وحي الخيال وكان ما يميزه بانه فارع طويل ووسيماً كوسامة ممثلين هوليود . وتم القبض عليه اخيراً بعد ان ( دَوُخ ) الشرطة بلغة الشارع لفترة طويلة جداً من الزمن ، وحُكم عليه بالمؤبد داخل سجن كوبر .

    وبين الحد الفاصل من مبنى قسم السراية وحتى البوابة الضخمة والتي لا تستطيع عبورها الا من مخرج صغير تنحني ! لتخرج منه ،، يُطبق عليك صمت وتفكير لا إرادي ومتلاحق في كيف سنرى اهلنا !! ! وما هي الاخبار التي سنسمعها ! ، ومن سيأتي في الزيارة ! فمنا من يتوقع اخوه او خاله ، واخر زوجته واطفاله من الرنك ، واخر تعتبر ثاني زيارة له في سنتين يتوقع غالباً زوجته وابناءه واخته وزوجها وشقيقه ، واخر سيرى والدته واخوانه من عطبرة ، واخر سوف يرى زوجته بعد ستة شهور بعد اعتقاله من جوارها في ليلة الزفاف ! وانا احلم ان اشوف امي واخواتي وعيالهم اطفالي الحلوين واصحابي والاهل وناس الحِلة من جم ، خطواتنا كانت تسابق نبضات القلوب المتشوقة وعطشانة لرؤية الأهل والاحباب ، ولم نكترث حتى للإنحناءة المهينة لعبور البوابة التي كانت كباب جنة اللقياء لأرواحنا الغائبة عنا .



    يتبع >>>>>>
                  

04-13-2022, 02:07 PM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: محمد الجزولي)

    وتكحلت عينانا برؤية الزائرين من بعيد وهم يصطفون في الأماكن المخصصة للزيارة في لهفة وشوق وقلق وحزن ، وتفرقنا مهرولين لنظفر باحضان الاهل ورائحتهم اكسجين حياتنا. وكان في مقدمة من زاروني ، اطفالي الأحباء طارق ، مريم ، غسان ، مي ، خالد ، الشفيع وبين اياديهم المتشابكة بحذر يكسوه محنة شتلة خضراء مشتولة بحب وضمير ، شتلة ساهم كلهم في دفن جنينها في باطن تراب وضعوها في علبة صفيح قديمة أُعدت لهذه المهمة بعناية ، ووهبت "لخالو " ، وبالتأكيد وصلت لمبتغاها الان بعد انتظار ، وهي بين يدي الان بنفس الحذر والحب ، ووقفت من جلوسي على ركبتي بعد احتضانهم ، لتقع عيناي على اجمل وجه اعشقه حد الثمالة ، وكنت ابحث عنه طيلة ركام الأربعة اشهر الماضية ، وجه امي وبدر عمري ، كان شاحباً لكن عيناها كما هي قوية وصلبة في مثل هذه المواقف التي اختبرتها واصبحت خبيرة في التعامل معها ، عينها التي تدربنا على ان ننظر لهما كل ما ضاقت بنا الحياة ونزلت بنا المظالم ، لنجدهما دليل صبر وجلد وثبات ، .. واطلت من بين ابتسامتها الحنونة ووسيمة وفخورة كلماتها بوجه مهلل " الحمد لله الشفت اخرهم هنا معتقل ، اها عاد تنكرب وتبقى قدرها " وضحكنا واطل شوق ولهفة وعناق من اخواتي وصاحبي محمد ومصطفى الذان وغيرهم من الاصدقاء ورفاق الدرب بدعمهم لأسر المعتقلين لا يقلون بسالة ونضال من المعتقلين انفسهم .. وتحلقوا صغاري حولي يبحلقون سعداء وتدور في عيونهم المضئية ووجوهم المُشرقة التي لا اشبع ولا اكتفي من رؤاها كثير من الاسئلة والاستفسارت ، وفي ربع ساعة الزمن المخصص للزيارة ، تطمئنا على احوال بعضنا ، واخبار البلد والشعب في همس ، وبكينا وضحكنا " وتكاوينا " ، ونُقلت الي اخبار فرح وترح من الاهل و المعارف ، للمنتقلين قرأنا الفاتحة وترحمنا على ارواحهم ، الفرحين دعونا لهم بالسعادة والهناء ، وحبايب لزموا أسِرَّة بيضاء ، توجهنا لهم ابتهال الى الله عز وجل بالشفاء والصحة والعافية ، وتخلل كل ذلك مداعبتي وملاطفتي للصغار ، ولم ينسوا ان يخبروني ان استاذي ومديري عملي في - المركز الطباعي - الاستاذ " شريف مطر " جزاه الله عنا كل خير قد وافق على ان تعمل شقيقتي معه في مكاني بقسم التصوير الطباعي حتى لا اخسر الراتب ، انه عمل الفرسان النبلاء بلا شك ، وجاء صوت هادم اللذات ومفرق الاحباب " الزيارة انتهت يلا" ، بهذه الكلمات التي كُنت ابغضها ، انهى لنا هذا العسكري بصوته الاجش وجامد لحظات وددنا ان لا تنتهي او تُقطع ، لكن امر الحاكم على المحكوم ، فودعنا بعضنا بالصلابة والثبات المعتاد والمداعبات التي لم نتخلى عنها حتى في احلك الظروف ، وافترقنا في طريقين مفترقين ، على امل الرؤية في الزيارة القادمة المقرر لها بعد ثلاثة لأربعة شهور من الان . فرجعنا ونحمل في قلوبنا الم فراق الاحبة ومسامعنا معبئة بضجيجهم وضحكاتهم ونحيب بكاءهم ودعواتهم ومشاغلاتهم ، واكياس وشنط مليئة بالملابس والغيارات النظيفة وعلب مربى وطحينية وبسكويت وادوات حلاقة ومزيل عرق وسجائر ، يحملها لنا من يُسمون بالسجناء المضامين ، وهي فئة من النزلاء المحكومين بالمؤبد وفترات طويلة ، قضت من الوقت ما تيسر لها ان تكسب ثقة ادارة السجن بحسن السلوكيات وجيد المعشر وعف اليد من السرقات ، فتُوكل اليهم مهام عدة داخل السجن وفي بيوت الظباط ، وأحياناً ارسالهم في مشاوير خارج السجن وهؤلاء عاداً ما يكون الفوا السجن ولا يعرفون ملاز غيره وكثيرون تربوا في احضانه فولجوا اليه صغاراً في السن .. وكنت انا احمل الشتلة بين يدي كما احملهم جميعاً اطفالي الاحباء ليناموا/ن معي على سريري كما درجت العادة ، وفي رجعتنا هذه المرة لم نرعى اهتماماً بالتحايا والاناشيد والهتافات التي تُلقى لنا من مساجين السراية ، ولم نلتفت لجمال دقلش هل ما زال جالساً في مكانه ام انتقل لزنزانته ، ولم ننتبه حتى لعمنا الشاويش الشايقي ، ولم نصافح احد مِن مَن مروا امامنا ، ولم نعر التفاتاً لضجيج ومشاغبات نزلاء الورشة .

    يتبع >>>>>

    (عدل بواسطة محمد الجزولي on 04-13-2022, 02:09 PM)

                  

04-16-2022, 05:28 AM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: محمد الجزولي)

    دلفنا الى القسم عائدين ، والكل هنا في ترقب للأحداث والأحوال في الخارج ويمنون انفسهم بسمع اخبار عن ذويهم وحال البلد والشعب تطفي عطش سجنهم ولياليهم الجامدة وباردة ، ويتسألون ويستمعون ، ونشط بعضهم يحللون وشرع بعض في تحضير الطعام واخر للعب الكتشينة واخرين يتسامرون وانشغل بعض في التحضير لبروفات عمل ثقافي مسائي ، وبعض ذهب للاستمتاع بتدخين السجائر الذي كان من اصعب ما يواجه المدخنين داخل السجن لقلته ، .. ومنهم من اقلع بسبب هذا ومنهم من لجأ "للتمباك" كبديل ..
    وانشغلت انا في ترتيب مكان لشتلتي الخضراء ، واخير صنعت لها مكاناً على نافذة الشباك القضيبي المغطى بالخيش جوار سريري ، فحلت بيننا ضيف عزيز وغالي ، ووجدت الاهتمام من الكل .

    وتدور عجلات الزمن .. وظلت ونيستي وشغلتني بالعناية بها كما انني ارعى صغاري المُهدينها لي ، اسقيها ، انظفها ، وكانت مصدر وطاقة دينمو محرك لإلهامي ، وارى فيها وجوه صغاري واشتم فيها رائحة بيتي والحِلة ، كنت اناجيها ونتسامر سوياً وتعلقت بها جداً جداً ، وكنت لا أطيق ان اكون بعيد عنها لذا تجدني طيلة الوقت لا اود ان أبرح العنبر ، ظلت تلك العلاقة بيني وبين شتلتي الخضراء تنمو وتزدهر وظلت هي تنمو وتزدهر واوراق فروعها اكتست بالاخضر اللامع ، تارة تتصور في نظري بنوتة حليوة بتكبر وتحلو ، وتارة اراها ولد حلو ومقدم ،

    الا ان جاء يوم رأيتها تزبل وتصفر جوانب اوراقها ، فتوارت لي كاحد اطفالي او كلهم/ن يتلوا/ن الماً ويتمكن منهم/ن المرض العضال وهم/ن لا يقون على شئ وينظروا/ن لي يطلبون/ن المساعدة ، هرولت في الحال مسرعاً الى الرفيق والخبير الزراعي رفسنجاني لأجد عنده الخلاص والحل ، فجاء معي من عنبره الملاصق لعنبرنا ، وتفحصها ، وقال لي ان هذه النوع من الشتول لا ينتظر طويلاً في ( الاصيص ) وعليه نقل الشتلة الى الارض فوراً ! والا ستُذبل وتموت لان (الاصيص) ضيق على جزورها التي بددت تمتد وتطول ، كسرت هذه الكلمات حُلمي بانني سأراعيها واكبرها وارجع بها لأطفالي نشتلها من جديد على ارض البيت ! ، كيف هذا ولم يخطر ببالي ابداً انها ستغرس على ارض سجن ! وتظل الى الابد حبيسة داخله ! ، وربما اخرج انا وتبقي هي لا حول ولا قوة لها ويا عالم ماذا سيحدث لها داخل هذا السجن اللعين ، فنحن البني ادمين نبغضه فما بالك بالزرع ! . لكن انت تريد وانا اريد والله يفعل ما يريد .
                  

04-16-2022, 05:31 AM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: محمد الجزولي)

    اتفقت مع الخبير رفسنجاني انه سيفسح لها مكان في حديقته ، وان شاء الله سيتم (حبسها ) ! على ارض السجن بعد العصر ،
    قبل مبارة الطائرة التي تقام كل يوم وكانت من الفعاليات المحببة لكل افراد القسم لعيبة ومشجعين ويحرصون عليها >>>>


    يتبع ..
                  

04-18-2022, 10:15 AM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: محمد الجزولي)

    في دقائق معدودة كان خبر غرس شتلة اطفالي كالنار في هشيم القسم والكل يتحدث عن الشتلة ما بين ، مداعباً ، ومحللاً ، ومتأسفاً لكونها حا تختفي من العنبر والشباك ، وبين مؤيد لغرسها قبل ان تموت ، وهناك من لا يهتم بالامر شئيا ويعتقد هذه برجوازية "ساي" ! ، لكن هناك من كان متضامناً بشكل عظيم ، وعمل بسرعة ماكوكية انتج عن موكب مشهود تحرك في تمام الثالثة عصراً من خلف عنبر "المجانين" من جهة الشمال مروراً بعنبر "الفنانين" غرباً ويحازيه ليشق ميدان الطائرة الفاصل بين المطبخ وعنبر "اللوردات" وعنبر المجانين والفنانين ، وكان في مقدمته شتلة اطفالي اراها تنظر الي في سعادة وعتاب ، فسعادتها بأدي المناضلين التي تحملها ، تلك الايادي الشريف الصلبة والتي لم يُدس فيها مال حرام بل هي من دست مال حلال لكثير من المحتاجين والارامل والايتام ، وعتابها اننا لا ندري حين شُتلت بأي ارض ستغرس !! ..

    مشهد الختام ..
    بعد ان نُزلت في الارض بعناية ، وسُويَّت جنباتها برفق كان منظرها في غاية البهاء برغم اطراف اوراقها الصفراء ، وذبول محياها ، وكنت احس بأن جذورها الان تمدد ساقيها الى الامام وتصدر ذلك الصوت الذي نصدره عندما نستلقى على سرير بعد يوم جهيد . فالجذور في راحتها لا تفرق بين ارض السجن والبستان .

    ووقفنا حولها بهيبة حضور وصدق صوت جهور نردد انشودة الرائع ميرغني شقلبان ..
    شعب مسافر شعب مسافر زي موجات النيل الدافر
    رسم الصورة ونحت اللوحة
    سقى ميلاد البذرة السمحة
    قامت نخلة وشجرة طلحة
    ومن بيناتم طلعت قمحة
    شعب مسافر شعب مسافر زي موجات النيل الدافر

    ودار الزمن .. وظللت ازورها واقف على الاهتمام بها وسقياها والنظر لها ومناجاتها وكلمات الاسف تندفع من قلبي لها برغم انها ايعنت وفرهدت اوراقها واخضرت ، الا ان غرسها داخل سجن كان يشعرني بالاسى والمظلمة ، وتم اطلاق سراحي بعد شهور من غرس شتلة اطفالي داخل سجن كوبر ، فكانت اخر ما وقعت عليه عيناي وانا مغادر القسم .

    ويسدل الستار .
    محمد الجزولي
    بيت السوق ( امدرمان )
    ——————-
                  

04-28-2022, 12:56 PM

ahmad almalik
<aahmad almalik
تاريخ التسجيل: 04-03-2003
مجموع المشاركات: 752

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: محمد الجزولي)

    قصة جميلة ذات ابعاد انسانية عميقة، اضافة لتوثيقها لفترة مظلمة من تاريخ بلادنا، وليتك تحاول اصدارها في كتاب مع مزيد من التوثيق والشهادات عن تلك الفترة. لك التحية
                  

04-29-2022, 05:51 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10847

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: ahmad almalik)

    يا للجمال وشكرا علي هذا الإبداع
    صمودكم الأسطوري في وجه ديكتاتورية الإنقاذ
    هو الأساس الصلب والجذر القوي للثورة السودانية
                  

04-29-2022, 09:59 PM

محمد الجزولي
<aمحمد الجزولي
تاريخ التسجيل: 08-16-2007
مجموع المشاركات: 2983

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قصاصة من دفتر ذكريات السجن المُهمل ومركو� (Re: ahmad almalik)

    Quote: قصة جميلة ذات ابعاد انسانية عميقة، اضافة لتوثيقها لفترة مظلمة من تاريخ بلادنا، وليتك تحاول اصدارها في كتاب مع مزيد من التوثيق والشهادات عن تلك الفترة. لك التحية


    اخي
    ahmad almalik

    لك التحية على حضورك الجميل
    ومعك ندعوا الله عز وجل ان نراه كما تريده يا عزيزي ..
    هذه الفترة برغم ظلامها ومظالمها ، ووثقوا الرفاق جزء منها اعتبره ضئيل جداً لما تحمله ،
    لكن بنفس المستوى ، كان هناك جوانب " سمحة " وانسانية وطريفة حد الضحك المدمع وهذا هو الجانب الذي اتمنى
    ان يخرجه الرفاق من حُكى ، هناك رفاق وثقوا لهذه الجماليات لكنها ليست بالقدر الكافي ، في وجهة نظري
    تسلم كتير وشكراً ليك المرور والتشجيع والدعم

    تقديري واحترامي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de