نقد علمي من ماهر الجوخ لميثاق تأسيس سلطة الشعب يستحق الحوار حوله

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 06:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-03-2022, 07:36 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10841

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نقد علمي من ماهر الجوخ لميثاق تأسيس سلطة الشعب يستحق الحوار حوله

    06:36 PM April, 03 2022

    سودانيز اون لاين
    Nasr-Los Angeles
    مكتبتى
    رابط مختصر



    تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) (1)
    حول (الدولة) وإجراءات إسقاط الإنقلاب
    30 مارس، 20227
    فيسبوك تويتر
    ماهر أبو جوخ ماهر أبو جوخ
    ماهر أبوجوخ

    أطلعت على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم من خلال مؤتمر صحفي نظمته في الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي والذي جاء بعد ترقب طويل لم يقتصر على الساحة المحلية فقط وإنما إمتد حتى للأطراف الإقليمية والدولية بالنظر للدور القيادي للجان المقاومة في مناهضة إنقلاب 25 اكتوبر وقياداتها الفاعلة للحراك الشعبي المنادى بإسقاط الإنقلاب وإستعادة الإنتقال والحكم المدني في البلاد.

    من المهم قبل التعليق على محتويات ما ورد بالميثاق بالإتفاق أو الإختلاف تثمين الجهد الكبير للجان المقاومة في إعداد تصوراتها لكيفية إستعادة الإنتقال وما يلى إسقاط الإنقلاب، ولعل تجربتنا السودانية ظلت تتسم منذ حقبة النضال ضد الإستعمار ومعركة الإستقلال وحتى ثورة ديسمبر 2018م وإسقاط ودحر النظام المباد بإنجاز مرحلة (التحرير) وملازمة التعثر لها في (التعمير) بسبب إعتبار أن ذرورة سنام الفعل وكمل البنيان وبلوغ تمامه سيكون عسيراً بمجرد إنجاز ذلك التحرير من الإستعمار أو الأنظمة الشمولية مع وجود قاسم مشترك بعدم الإستهداء بدروس وعبر التجارب البعيد والقريب منها والبداية، وهو ما جعل تجاربنا في كثير من الأحيان تبدو وكأنها تكرر وتنسخ نفسها في البدايات والنهايات والأزمات.



    مثلت ثورة ديسمبر 2018م وإنتصارها على النظام المباد علامة فارقة بمسار الثورات الشعبية السودانية إنتقل فيها الوعى بالديمقراطية والحرية لقيمتهما بعيداً عن الحالة الرمزية التي سادت تجارب سابقة، ولعل هذا يفسر ردة الفعل السريعة المناهضة للإنقلاب فور حدوثه فجر 25 أكتوبر 2021م وقبل الإعلان عن هوية أو حجج المدبرين له وبذات القدر فإن المقاومة لهذا الإنقلاب كانت شعبية في المقام الأول في معظم أنحاء السودان وقوامها الأساسي الشابات والشبان المصرين على إكمال أحلامهم المشروعة في دولة مدنية ديمقراطية وبالتالي تميزهم بين أخطاء النخبة والتجربة والقيادات السياسية وقناعتهم بالحكم المدني الديمقراطي.

    جميع هذه المعطيات جعلتنا فعلياً أمام جيل مختلف كلياً عن أجيال سابقة له ليس على مستوى الجسارة والشجاعة والصمود فقط وإنما في التحلى بصفات إضافية فهذا جيل صبور لا يستعجل النتائج يشكل قناعاته بمراكمة تجاربه وحواراته، ومؤقن أنه سيحقق في يوم ما مبتغاه وتطلعاته، ولعل تلك العزيمة مثلت كلمة السر لهزيمة كل أساليب وأدوات القمع والقهر والقتل والعنف المنتهجه من النظام الإنقلابي حتى باتت ضعيفة التأثير أمام عزيمتهم وقناعتهم ببلوغ الأحلام الممكنه في يوم ما رغم الطريق الطويل المفروش بدماء الشهداء ودموع الأمهات والأهل والأصحاب والالام الجراح.

    إزاء كل ذلك فإن جهد هذا الجيل ورؤاه تستحق التحية والإشادة والتقدير بذات الإمتنان والإحترام لبسالتهم في مواجهة القمع وستظل هامات سودانين وسوادنيات منحنيه على الدوام أمام تلك التضحيات وممتنه لها، وبذات القدر فإن أقل إسهام يقدم هو الإستجابة لطلب إبداء الرأي والنصح حول ما يتم طرحه على أمل أن يكون مفيداً.

    أستهل تعليقي هذا الإشارة لجزئية مرتبطة بميثاق تأسيس سلطة الشعب الصادر عن لجان مقاومة ولاية الخرطوم بإعتباره لاحق لعد من المواثيق الصادرة عن لجان مقاومة بولايات أخرى لكنه تمتع بميزات تفضيلية -ليس من بينها بكل تأكيد صدوره من المركز والعاصمة- من حيث الميقات والترقب الشعبي للإعلان عن فحواه والثقل والتأثير الذي تمثله لجان ولاية الخرطوم وترتب على تلك العوامل تمتع الإعلان عن هذا الميثاق بتغطية وتفاعل إعلامي أكبر بالإستناد للحجم العددي والنوعى للجان ولاية الخرطوم. على مستوى المحتوى نجد أن القضايا الواردة في الميثاق عبرت عن توجهات ورؤى أكثر إتساعاً.

    ضبط مفردة (الدولة)
    تلاحظ أن الميثاق إستخدام عدة تعريفات لدولة المستقبل بعد هزيمة الإنقلاب فسماها في المقدمة (الدولة الوطنية الديمقراطية) و(دولة مدنية حديثة) وفي الفقرة ثامناً أطلق عليها (الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة) وتكررت ذات التسمية في الفقرة تاسعاً ليطلق عليها في الفقرة أحد عشر (دولة وطنية ديمقراطية).

    أعتقد ان توصيف الدولة يحتاج للضبط والوحدة ضمن محتويات الميثاق الواحد لعدة أسباب ودون الدخول في جدل التعريفات والمصطلحات فأعتقد أن التوصيف المتفق عليه والسائد خلال العامين الماضيين هو (الدولة المدنية الديمقراطية) بإعتبارها أكثر دقة وشمولاً لمبتغي الثورة.

    خلال إعداد هذا المقال إطلعت على بعض محتويات تعليقات الحزب الجمهوري الذي تترأسه الأستاذة أسماء محمود محمد طه حول مقترح الميثاق ووجدت في ذلك التعليق إتفاقاً مع هذه النقطة بتفضيل إستخدام عبارة (الدولة المدنية الديمقراطية).

    إجراءات إسقاط الإنقلاب
    تناولت فقرة (إسقاط الإنقلاب) ثلاثة قضايا الأولي إسقاط الإنقلاب ومحاسبة كل الضالعين فيه والثانية إلعاء الوثيقة الدستورية برمتها ومراجعة كل الإتفاقيات المبرمة والمراسيم الصادرة منذ 11 أبريل 2019م ورفض أي دعوات للتفاوض المباشر أو غير المباشر مع الإنقلابيين والإستمرار في المقاومة السلمية.

    الملاحظة الأولي أن هذا المحور رغم عنوانه (إسقاط الإنقلاب) أغفل للشق الخاص بالإجراءات التي نتجت عن الإنقلاب (إعلان حالة الطوارئ والإجراءات المرتبطة بها، تجميد والغاء قرارات لجنة التفكيك، تعيين وإعفاء العاملين بما في ذلك السفراء .. الخ) وزاد الأمر إرباكاً الفقرة التي أشارت لإلغاء الوثيقة الدستورية برمتها ومراجعة جميع الإتفاقيات والمراسيم الصادرة منذ 11 أبريل 2019م، وهذا الإرباك يطرح سؤالاً حول الإنقلاب المراد إسقاطه هل هو الذي تم فجر ـ25 أكتوبر 2021م أم إنقلاب بمدى زمني ابعد يبدأ من 11 ابريل 2019م وبالتالي إعتبار المرحلة الإنتقالية التي تم الإنقلاب عليها في 25 أكتوبر أيضاً إستمراراً لذلك الإنقلاب الممتد ؟



    على المستوي النظري والدستوري والسياسي فإن النقطة الأساسية التي تمييز الإنقلابيين عن المقاوميين له هو (إنقلاب) المجموعة الأولي على الوضع الدستوري بإستخدام القوة ولذلك فإن المقاومين للإنقلاب يعتبرون هم الأحرص على التمسك بالإطار الدستوري القائم كموقف أساسي لمقاومة ومناهضة الإنقلاب دون أن يمنع ذلك وجود رؤى تدعو لتعديل أو تأسيس الإطار الدستوري بشكل جديد كلياً، ولذلك أعتقد أن الأصوب الحديث عن إعداد إطار دستوري جديد يتوائم مع متطلبات المرحلة الإنتقالية الجديدة وشكل ومؤسسات الحكم.

    بالنسبة لمراجعة الإتفاقيات المبرمة والمراسيم منذ 11 أبريل 2019م فمن الضروري تحديد المقصود منها على وجه الدقة ماهية هذه الإتفاقيات وطبيعتها وأطرافها المحليين أم الدوليين وهل يحصن هذا النص الإتفاقيات المبرمة قبل تلك الفترة الزمنية خلال سنوات حكم النظام المباد من 30 يونيو 1989م وحتي قبل سقوطه في 11 أبريل 2019م ؟

    في تقديري يحتاج هذا النص لإحكام وضبط إضافي بحيث يبدو متسقاً مع المواقف المناهض للإنقلاب ومعبراً عن التصور المستقبلي بحيث لا يكون موجهاً للإلغاء وإنما تأسيس إطار دستوري جديد يكفل تحقيق الإنتقال المدني الديمقراطي وفق الترتيبات الدستورية المتفق عليها.

    التفاوض بين الشكل والنتيجة
    أعتقد أن البند الخاص بمسألة الرفض المطلق للتفاوض تحتاج لإعادة صياغة فعلى المستوي التاريخي لتجربة الثورات الشعبية الثلاثة بالسودان فإن عملية تسليم السلطة والإنتقال من الأنظمة الشمولية تمت عبر مفاوضات وبالتالي يجب التركيز على (نتيجة المفاوضات) وليس (شكل المفاوضات).

    عند الإطلاع على مقدمة الميثاق نجده قدم توصيفاً أدق لمقصد رفض التفاوض حينما اشار نصاً (لا شراكة فيها مع القوي المضادة للثورة في السودان ولا تفاوض فيها على إبعاد المؤسسات العسكرية بالكامل من الحياة السياسية، ولا شرعية فيها للانظمة الشمولية ولا مساومة فيها على حق شعبنا في الحياة). أعتقد أن هذا النص يعتبر أكثر ضبطاً وشرحاً لمقصد عدم التفاوض من النص المشار إليه سابقاً الوارد في الفقرة (أولاً-3) من الميثاق. رغم ذلك من الضروري الإقرار لحاجة النص الوارد في المقدمة بحاجة لبعض الإحكام للصياغة.

    من المبادئ الأساسية التي تحتاج للتأكيد في الميثاق ضمن إسقاط الإنقلاب هو النص على (انهاء الشراكة مع المكون العسكري) بإعتبار ان الوضع الطبيعي خضوع المؤسسات العسكرية والنظامية للمؤسسات الدستورية المدنية وكان الإستثناء هو جعل ممثلي المؤسسات العسكرية (شركاء) إلا أن نهاية تلك الشراكة بالإنقلاب باتت تسوجب إعادة الوضع لطبيعته بإلغاء الشراكة بسبب مآلات تلك التجربة وفشلها.

    بجانب ما ذكر سابقاً اقترح تطوير هذا البند بحيث يتضمن إلغاء كل الإجراءات التي إتخذها الإنقلاب وإبطالها سواء كانت ذات طبيعة تنفيذية أو قانوينة، نظراً لكون تلك الإجراءات هي المعبرة عن (الإنقلاب) ووجوده ونتائجه، وبالتالي فإن إبطالها يعني إنتهاء الإنقلاب وفي ذات السياق تجنب الدخول في مماحكات التفسيرات بإعتبار أن تلك القرارات مشمولة بـ(المراجعة) أسوة بـ(الاتفاقيات والمراسيم) المراد مراجعتها.

    (نواصل)

    فيسبوك تويتر مشاركة عبر البريد طباعة
    صورة محررو الراكوبة 3
    محررو الراكوبة 3
    ‫7 تعليقات
    يقولشايفك:
    31 مارس، 2022 الساعة 10:17 ص
    ابو الجوخ
    دا كلام منطقي و ما ننسى انو حتى لجان المقاومة لمن طرحتو قالت انو الميثاق قابل لإضافة و الحزف، دي نقطة مهمة و حساسية جدا، و يجب التمسك بها.
    و سيكون من المفيد جدا انها هذا العمل الان نظرا الأهمية في لحظة الحسم، و كثب الوقت في جوانب أخرى فيما تعنية.

    رد
    يقولابو ايهم:
    31 مارس، 2022 الساعة 2:06 م
    متي ترجع ابو الجوخ ؟
    نتمني ان تعود وتواصل النضال ياحلبي وماتفعد في مصر بعيد ناس الجنجويد التشاديين واهل النيجر وافريقيا الوسطي لن يتركوا لنا حواكير

    رد
    يقولد. فدوي الفادني:
    31 مارس، 2022 الساعة 2:33 م
    المفكر والمحلل السوداني الحر الاصيل الاستاذ ماهر ابو الجوخ
    يعجبني فيك وضوح الرؤيه والوضوح والاصرار والعزيمه.
    ربنا يكتر من امثالك لصالح ولخير كل السودان والسودانيين.

    رد
    يقولسودانية مغبونه:
    2 أبريل، 2022 الساعة 1:37 ص
    كدي يا فدوي ورينا اخد درجة مُفكِر مِن وين او كيف؟؟؟
    البلد بقُدرة قادر اتملت مُفكرين و مُحللين لا اقصد التيوس المُستعاره و خُبراء في اي شي و الله تِعِبنا خلاص منهم !!!

    رد
    يقولالحجاج ابن يوسف:
    31 مارس، 2022 الساعة 4:28 م
    لجان المقاومة هي جسم هلامي
    لايعرفه اويراه الاانتم

    رد
    يقولمحمد حامد:
    31 مارس، 2022 الساعة 4:51 م
    جميل

    رد
    يقولسوداني بيحب السودان:
    31 مارس، 2022 الساعة 7:21 م
    واصل في هذا الكلام المفيد يا أبو الجوخ






                  

04-03-2022, 07:38 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10841

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نقد علمي من ماهر الجوخ لميثاق تأسيس سلطة ا (Re: Nasr)

    تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب (2)
    هياكل الحكم ودور لجان المقاومة و(التشريعي) و(الجنائية الدولية)
    2 أبريل، 20220
    فيسبوك تويتر
    ماهر أبوجوخ ماهر أبوجوخ
    ماهر أبوجوخ

    تناولنا في الحلقة السابقة وفي معرض التعليق على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم بالتركيز على ضبط مفهوم الدولة بالإضافة إلي إجراءات إسقاط إنقلاب 25 أكتوبر ونواصل في هذه الحلقة التعليق والإضافات المقترحة على بقية البنود والتي ستشمل في هذه الحلقة القضايا المرتبطة بـ(تشكيل مؤسسات الحكم الإنتقالي) ودور لجان المقاومة والقضايا المرتبطة بتكوين المجلس التشريعي وكيفية تحقيق العدالة.

    نلاحظ أن البندين الواردين في مشروع الميثاق (ثانياً: السلطة الإنتقالية) و(ثالثاً:قضايا الحكم في الفترة الإنتقالية) ركزا على شكل مؤسسات الحكم ومبانيها دون تطرق لمعاني وأهداف المرحلة الانتقالية مما يستوجب إفراد بند خاص مخصص لتحديد أهداف المرحلة الانتقالية في الميثاق مع إمكانية دمج الفقرة الخاصة بمدة المرحلة الإنتقالية فيها وتنظيم الانتخابات العامة التي يشترط لها استيفاء شروطها من تحقيق السلام وعودة اللاجئين لمناطقهم وإجراء التعداد السكاني، ومن دونها لا يمكن تنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة.



    في هذا السياق يمكن تطوير النص الموجود في الوثيقة الدستورية لسنة 2019م الذي تناول أهداف المرحلة الانتقالية بالإضافة والحذف باعتباره يحدد ويفصل القضايا والأهداف المتصلة بالمرحلة الإنتقالية، ووجود هذا النص في صلب الدستور بخلاف تحديده الواضح والمباشر للأهداف المراد تحقيقها خلال المرحلة الإنتقالية يترتب عليه إلزام كل أجهزة الدولة والأطراف الفاعلة على إلمام تام بطبيعة تلك المهام وتوصيفها وبالتالي الالتزام بتنفيذها وإستصحابها في كل خطط وسياسات وقوانين المرحلة الإنتقالية.

    إعداد الدستور
    أشارت الفقرة (1) من البند ثانياً إلى (بناء دستور انتقالي) وأعتقد أن الأصوب هو (صياغة دستور انتقالي) فالبناء أمر مرتبط بالهياكل أم النصوص فيتم صياغتها، ونجد أن الفقرة (2-1) أشارت لإجازة المجلس التشريعي للدستور الانتقالي وبالعودة للفقرة السابقة بالميثاق التي أشارت لإلغاء الوثيقة الدستورية برمتها فإن السؤال المطروح يرتبط بالدستور أو الأوامر الدستورية أو القانونية التي ستسود ما بين فترتي الإلغاء والإجازة والجهة التي ستقوم بهاتين المهمتين والمدة الزمنية لإنجاز هذه المهام، ويجب عدم السماح بوجود فراغ دستوري يمكن أن يترتب عليها إعاقة للمرحلة الإنتقالية، ولذلك يبدو الخيار الأقرب هو (تعديل الوثيقة الدستورية بحيث تتوافق مع الواقع الجديد لحين اعتماد دستور انتقالي جديد من قبل المجلس التشريعي الانتقالي).

    دور لجان المقاومة
    النقطة الأهم هي المرتبطة بتشكيل هياكل الحكم تحت إشراف ورقابة لجان المقاومة وقوى الثورة الحية دون تحديد لها إلا أن الفقرة المرتبطة بتسمية وترشيح رئيس الوزراء أشارت لتوافق القوى الموقعة على الميثاق.

    رغم محاولة النص اقتصار دور لجان المقاومة في الإشراف والرقابة ثم توافقها مع قوى الميثاق في إختيار رئيس الوزراء وتكوين المجلس التشريعي القومي والمجالس الولائية والمحلية فإن النتيجة الفعلية هو أن لجان المقاومة ستمارس الحكم فعلياً وستتحمل تبعاته وعواقبه من نجاح وفشل.الشق الثاني متصل بنتائج هذا الإجراء فهو يبعد القوى غير الموقعة على الميثاق أو المختلفة معه وسينتج عنه تضيق المشاركة في مؤسسات الحكم والذي سيكون لديه تأثير سلبي على أداء وفعالية وحيوية أجهزة الإنتقال.

    النقطة الثانية مرتبطة بالترتيب فالصحيح النص على تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي والذي يقوم بدوره بتعيين رئيس الوزراء والحكومة ثم المجالس الولائية والمحلية، إلا أن هناك جوانب أخرى مرتبطة بهذا التصور أولها أن تكريس كل السلطات السيادية والتنفيذية في يد رئيس الوزراء هو أمر يقود مستقبلاً للتصادم لأن هذه الوضعية تكرس كل السلطات في يد شخص واحد وبالتالي فإن النتيجة المتوقعة لها أن تساهم وتساعد في إنتاج ديكتاتور جراء تمركز كل السلطات عنده، وثانيهما أغفل الإشارة لمسألة عدم الإنتماء الحزبي لمرشحي الحكومة وثالثهما طبيعة عملها خلال هذه الفترة.

    بالإمكان الإستفادة من التجربة الدستورية والعملية لتشكيل مؤسسات الحكم إبان الأنظمة الديمقراطية بالسودان بحيث يتم تشكيل مجلس للسيادة من قبل المجلس التشريعي بعدد محدود لا يتجاوز الأعضاء الستة مع تمثيل النساء ضمن عضويته بصلاحيات ومهام محددة وتكون صلته ببقية مؤسسات الدولة وأنشطتها عبر رئيس الوزراء مع إمكانية تطوير هذه الصيغة بحيث يتولى مجلس السيادة تمثيل البلاد في المحافل الخارجية في حال الإتفاق على هذه الصيغة وأن يقتصر دور الحكومة التنفيذية في تصريف الشأن الداخلي.

    معضلة تكوين (التشريعي)
    أغفل المقترح معالجة القضية الأساسية المعرقلة لتكوين المجالس التشريعية منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية وحتى الإنقلاب والمتمثل في حجم التمثيل والتقسيم بين المكونات السياسية والإجتماعية عموماً ولجان المقاومة على وجه الخصوص في المجالس التشريعية ولم يعطي تفصيلاً لشكل مؤسسات الحكم التنفيذية والتشريعية في الولايات والمحليات، وصمت عن الجانب المتعلق بمستوى الحكم الإقليمي.

    بالنسبة لدور ومشاركة لجان المقاومة في المؤسسات التشريعية القومية والولائية والمحلية فمن الأفضل الإشارة لمبادئ عامة بالإقرار بتمثيل النساء بحد أدنى في كل المؤسسات التشريعية بما لا يقل عن ربع عدد المقاعد أما الشق الثاني فهو تمثيل لجان المقاومة في المؤسسات التشريعية بنسبة معينة لا تحملها المسؤولية الكاملة لاختيار المؤسسات وأدائها ولكن يجعلها مؤثرة في الرقابة والاختيار وفي تقديري أن حجم التمثيل ذلك يمكن أن يتراوح ما بين ربع وثلث إجمالي مقاعد المؤسسة التشريعية.

    تجنب تجربة برلمان (نيفاشا)

    من مصلحة التجربة التشريعية الإنتقالية أن لا يحظي طرف أو طرفين بالأغلبية التي تمكنه أو تمكنهم من تمرير الإجراءات بمعزل عن الآخرين ويمكن في هذا السياق الإستدلال بالتجربة النيابية للبرلمان بعد إتفاق السلام الشامل (يناير 2005م) التي استحوذ فيها المؤتمر الوطني المحلول على الأغلبية الأمر الذي مكنه من تمرير القوانين حسب وجهة نظره وفي أحيان أخرى أبرم تفاهمات مع حليفه الحركة الشعبية لمقايضة القوانين، لذلك فإن التجربة النيابية الإنتقالية في كل المستويات تستوجب في تقديري عدة ضوابط أولها عدم تمتع طرف واحد بالأغلبية أو إمكانية حصوله على الأغلبية اللازمة بالاتفاق مع طرف ثان بمعزل عن الآخرين، أما الإجراء الثاني فهو اشتراط أغلبية إستثنائية بالثلثين للتعيين والإعفاء في الماصب أو الثلاث أربع في حال تعديل الإطار الدستوري (الوثيقة/ الدستور) الانتقالي من قبل المجالس التشريعية الإنتقالية.

    تبقى الجزئية الأهم الإتفاق على دور لجان المقاومة من وجودها في المجالس التشريعية خلال المرحلة الإنتقالية كوسيلة لتعزيز الرقابة على المستويات التنفيذية وبالتالي فإنها لن تنخرط في أي مستوى تنفيذي خلال المرحلة الإنتقالية، أما إذا إختارت لجان المقاومة أن تمارس دوراً تنفيذياً خلال المرحلة الإنتقالية وتتولي تصريف أعباء الحكم فحينها من الأسلم لها أن تشترط حصولها على الأغلبية النيابية في كل المجالس التشريعية بحيث تكون قادرة على ممارسة الحكم. في تقديري فإن الإكتفاء بخيار الرقابة هو الأفضل سياسياً ومستقبلاً للجان المقاومة.

    قضايا الحكم الإقليمي
    الجزئية المتصلة بقضايا الحكم في الفترة الإنتقالية تضمنت ثلاث فقرات تناولت الفقرة (1) أشارت لتبني نظام حكم فدرالي أما الفقرة (2) فأشرت لأول مرة للحكم الإقليمي والمحلي دون إشارة للولائي.

    من المهم النص على مستويات الحكم وتكوين مؤسساتها التشريعية والتنفيذية وصلاحيات كل مستوى من المستويات ومواقيت تشكيل تلك المؤسسات والجهة التي تقوم باعتمادها. بجانب ذلك فأعتقد أن الخيار الأمثل هو جعل (الإقليم) هو معيار قسمة السلطة والثروة مع إمكانية منح أوضاع خاصة لبعض المناطق المرتبطة بالحرب كجبال النوبة والنيل الأزرق بشكل مؤقت لسنوات أو دائم.



    رغم إشارة الفقرتين (2) و(3) في البند (ثالثاً) لمسألة المشاركة الشعبية في وضع تصورات نظام الحكم ومشاركة المجتمعات المحلية في صنع القرارات والسياسات العامة بما يضمن ترسيخ قيم المشاركة والمساءلة والشفافية فإن الفقرتين أغفلت (الآليات) لتحقيق هذين الهدفين، وفي تقديري أن تحقيق الهدف الأول بالمشاركة في وضع تصورات نظام حكم يتم من خلال حوار مجتمعي شعبي يتصاعد حتى المستوى القومي وبالنسبة لتعزيز المشاركة في صنع القرارات ووضع السياسات العامة فيتم عن طريقين أولهما تحديد صلاحيات واختصاصات كل مستوى من المستويات وثانيهما من خلال الأجهزة الرسمية التشريعية والتنفيذية والشعبية المتمثلة في لجان الأحياء وجماعات الضغط القاعدية.

    أقترح إعادة صياغة البند (3) من ذات الفقرة بما يؤدي لإيصال المعنى الجوهري المراد بشكل مباشر مع استصحاب الملاحظات التي سبق الإشارة إليها أعلاه.

    سبل تحقيق العدالة
    تطرقت الفقرة رابعاً من الميثاق لـ(العدالة والعدالة الإنتقالية) وفي تقديري أن هناك ربط أساسي لهذه الفقرة مع (سابعاً: المنظومة الحقوقية والعدلية) ويعزز البند (3) من ذات الفقرة هذا الترابط المباشر بإشارته لإرتباط عملية العدالة مع جوانب أخرى كتحقيق السلام وإصلاح السلطة القضائية والعدالة وإعادة هيكلتها وإصلاح وإعادة بناء القوات النظامية.

    نص البند (2) على تكوين محاكم ونيابات متخصصة لمحاكمة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والإبادة المرتكبة خلال سنوات حكم النظام البائد وبعد 11 أبريل 2019م وفض الإعتصام وجرائم ما بعد إنقلاب 25 أكتوبر، إلا أن البند (4) شدد على الوصول لصيغة شعبية لمعالجة ملف العدالة الإنتقالية يشمل أسر الشهداء وضحايا الحروب الأهلية والانتهاكات طوال عهد النظام البائد (وما قبله وما بعد 11 أبريل 2019م وحتى اليوم).

    بالنظر لهذا البند في هذه الفقرة –اي رابعاً الند (4)- نجده أحدث توسعاً كبيراً في الحقبة المشمولة كما أن (ما قبله) غير محددة بمدى زمني معين فهل تشمل حقبة الأنظمة العسكرية فقط أم كل أنظمة الحكم الوطني منذ الإستقلال أم تمتد لتشمل حقبة الاستعمار ودولة المهدية .. الخ ؟! أعتقد أن عبارة (ما قبله) هي مربكة وغير مفيدة أو مهمة ولذلك فالأفضل حذفها من النص.

    أعتقد أن مفهوم العدالة الإنتقالية يختلف عن مفهوم العدالة فالأولى تنظر للتجاوزات ضمن خيارات رضائية تصالحية قد تقوم على الحقيقة والمصالحة وجبر الضرر والإعتذار للضحايا أما مفهوم (العدالة) في التجاوزات والانتهاكات فهو مفهوم مرتبط بالتعاطي القضائي تجاه التجاوزات ومعاقبة الجناة، وبناء على ذلك فأقترح الفصل بين مساري ونتائج (العدالة) و(العدالة الإنتقالية) فالأول إختصاص تطبقه مؤسسات القانون والمحاكم وينتهي بعقاب المتهمين بارتكاب تلك التجاوزات، أما الأولي -أي العدالة الإنتقالية- فإنها لا تقتصر على خيارات الإدانة والعقاب ولكنها تتضمن خيارات أخرى مستوحاة من تجارب أخرى كما حدث في جنوب أفريقيا ورواندا.

    بالنسبة للصيغة المثلى لمعالجة ملف العدالة الانتقالية المنصوص عليها في البند (4) فأعتقد أن الجهات المذكورة والتي تتضمن أسر الشهداء وضحايا الحروب الأهلية والانتهاكات طوال عهد النظام البائد يمكن التعبير المباشر عنها من خلال مفوضية العدالة الانتقالية المنصوص على تكوينها في البند (5) بوصفها الإطار المناسب لتمثيل تلك الفئات وتحقيق ذلك الهدف، على أن تكون مهامها مرتبطة بشكل أساسي في كشف حقائق الانتهاكات والمسؤولين عنها والمصالحة بالاعتراف شريطة موافقة المتضررين وأصحاب الحق والإعتذار وإنصاف الضحايا بالتعويض وجبر الضرر في الجرائم المرتبطة بالدولة ومؤسساتها، وفي حال عدم موافقة أصحاب الحق يحق لهم إحالة الملف المرتبط بالتجاوز للقضاء على أن يعتبر اعتراف المجرم الطوعي بجرمه والمشاركين وكشف التفاصيل أحد أسباب تخفيف الحكم عليه.

    التسليم والانضمام للجنائية الدولية
    في البند (4) تمت الإشارة لإمكانية اللجوء إلى المؤسسات العدلية الدولية للتعامل مع قضايا الانتهاكات، إلا أن الملاحظة الأساسية أن الميثاق أغفل جزئية أساسية بالتشديد على إنضمام السودان للعدالة الدولية ممثلة في المحكمة الجنائية الدولية من ناحية، والتأكيد على تسليم كل المتهمين المطلوبين في الجرائم التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية ومثول كل المتهمين أمامها من ناحية أخرى بوصفه يعبر عن أحد أهداف الثورة الأساسية لتحقيق العدالة.

    من الضروري إلزام الدولة بتخليد ذكرى ضحايا الإنتهاكات وعنف الدولة وأجهزتها بشكل سنوي وفي هذا الإطار أقترح أن يكون في يوم الثالث من يونيو من كل عام باعتبار أن يوم 29 رمضان غير ملائم لعوامل عديدة الذي يتوافق مع الذكرى السنوية لجريمة فض الإعتصامات في 3 يونيو 2019م.

    (نواصل)

                  

04-03-2022, 07:40 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10841

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نقد علمي من ماهر الجوخ لميثاق تأسيس سلطة ا (Re: Nasr)

    تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) (3)
    أبريل ٣ - ٢٠٢٢ الخرطوم : راديو دبنقا
    ماهر أبوجوخ
    ماهر أبوجوخ


    بقلم : ماهر أبوجوخ


    تناولنا في الحلقة السابقة وفي معرض التعليق على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم القضايا المرتبطة بـ(تشكيل مؤسسات الحكم الإنتقالي) ودور لجان المقاومة والقضايا المرتبطة بتكوين المجلس التشريعي وكيفية تحقيق العدالة والتشديد على ضرورة الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية وتسليمها كل المطلوبين.

    نواصل في هذه الحلقة الثالثة التعليق والإضافات على محتويات الميثاق وتتناول حلقة اليوم القضايا المرتبطة بـ(إستدامة السلام) و(إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية) و(المنظومة العدلية والحقوقية).

    البحث عن استدامة السلام

    تناولت الفقرة خامساً القضايا المرتبطة بالسلام الشامل والمستدام في ثلاثة بنود وأشار البند الأول لإدارة ملف السلام عبر مفوضية السلام المشكلة من خبراء على أساس الكفاءة والنزاهة والقبول والشعبي، أما البند الثاني فأشار لمراجعة إتفاق سلام جوبا كلياً ومعالجة قصورها بسبب عدم إشراك أصحاب المصلحة وتجزئة القضايا الوطنية الواحدة إلى مسارات، وأشار البند (3) لقيام مؤتمر قومي للسلام ينطلق من معسكرات النازحين واللاجئين والوحدات الإدارية والمحليات لمخاطبة قضية الحرب والسلام.

    بالعودة لتجربة مفاوضات اتفاق سلام جوبا فإن معضلته الأكبر تمثلت في إدارة الملف بعيداً عن الحكومة الإنتقالية وقوى الثورة ومن هذا الإبعاد زُرعت بذرة الإنقلاب الأولي وبالتالي يجب عدم تكرار هذا الخطأ مرة أخرى، أما نقطة الخلاف الثانية مع البند (1) فهو مرتبط بمهام واختصاص (مفوضية السلام) فهي حسب وجهة نظرى غير معنية بالمفاوضات وتحقيق السلام وإنما بمتابعة تنفيذ ومسار تنفيذ السلام والتأكد من الوفاء بالالتزامات والإشارة لمواضع الخلل واقتراح المعالجات وبهذه الكيفية فيجب تمثيل الأطراف التي تم توقيع اتفاقيات السلام بمفوضية السلام تلك بإعتبارهم أحد الأطراف التي يهمها متابعة سير تنفيذ اتفاق السلام مع إمكانية أن تكون تلك المشاركة عبر شخصيات غير حزبية يتم ترشيحها من قبل الأطراف الموقعة على اتفاقيات السلام.

    وفي ذات السياق يجب أن تتضمن مفوضية السلام وضمن في هيكلها إدارات/ لجان متخصصة مناط بها متابعة جزئيات الاتفاقيات وفي ذات السياق وجودها على مستوى الأقاليم والولايات والمحليات وأماكن إستقرار اللاجئين والنازحين عند عودتهم لمناطقهم لمتابعة تنفيذ وتطبيق الاتفاقيات ونصوصها على الأرض ومدى تأثيرها المباشر على حياة الناس.

    بالنظر لإتفاق سلام جوبا فيجب التمييز بين (المعالجات) و(المحاصصات) فالأولي قابلة للنقاش والحوار والتطوير أما الثانية فهي محكومة بالإطار الدستوري العام للبلاد فطالما لن يسمح بالتمثيل السياسي الحزبي في المستويات التنفيذية فإن هذا الشرط ينطبق على الجميع دون إستثناء، في ما يتصل بـ(المعالجات) فإنها يمكن تضمينها في إطار قومي بما في ذلك المرتبطة بالمسارات عبر إقرارها ضمن مطالب الأقاليم المعنية بما في ذلك تضمينها في الدستور القومي.

    بالنسبة لمؤتمر السلام فأعتقد أن اتفاقيات السلام وتطبيقها تعتبر إجراءات (انتقالية) لإنهاء الحرب واستعادة الاستقرار ومن المؤكد أن تطبيق هذه الاتفاقيات سينتج عنها تجارب جديدة ستتبلور في النقاشات الخاصة بإعداد الدستور. على المستوى العملي فإن اتفاقيات السلام ستحتاج خلال فترة التنفيذ بجانب مفوضية السلام لمؤتمرات لتقييم تنفيذها.

    أقترح أن تختص الحكومة الإنتقالية وضمن مهامها بملف تحقيق السلام مع إمكانية إشراك المجلس التشريعي الانتقالي في هذه المهمة على أن يعرض الاتفاق على التشريعي الانتقالي قبل التوقيع عليه للموافقة الأولية عليه ومن ثم المصادقة عليه بعد التوقيع النهائي لتجنب تكرار تجربة ومآلات مفاوضات جوبا.

    إصلاح أم إعادة هيكلة الأجهزة النظامية ؟!

    خصصت الفقرة (سادساً) ست بنود في إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، بجانب الفقرة (3) في البند (تاسعاً) المخصص للإقتصاد والرؤية التنموية التي تناولت الشركات والمؤسسات التابعة للقوات النظامية.

    تعتبر الجوانب المرتبطة بالأجهزة النظامية على درجة عالية من الحساسية والأهمية زاد من تعقيدها البعد الاقتصادي المتصل بشركات القوات النظامية وعلاقتها بالاقتصاد الكلي للدولة.

    أعتقد أن ترتيب البنود في هذه الفقرة جاء مقلوباً فالصحيح أن تحل الفقرة الأخيرة التي تنص على تبعية كل القوات النظامية للسلطة المدنية والحكومة حسب ما ينص عليه القانون في صادرة بنود هذه الفقرة. الملاحظة الثانية مرتبطة بإستخدام عبارات مختلفة من (إعادة البناء) ثم (إعادة الهيكلة والإصلاح الشامل) و(إعادة الهيكلة)، وفي تقديري أن جميع القوات النظامية تحتاج لإعادة هيكلة بحيث تصبح مؤهلة للإنتقال من نظام شمولي حزبي عدائي تجاه شعبه إلي قوات نظامية بعقيدة مختلفة تجاه الشعب والوطن لحمايتهما واحترام الدستور والقانون.

    يمكن الإستدلال بالوقائع المرتبطة بالصور المتداولة لبعض منسوبي القوات النظامية مؤخراً خلال موكب 30 مارس 2022م التي أظهرت بعض أفراد القوات النظامية وهم يحملون أسلحة بيضاء بشكل علني، ومشهد ثان لأحد الشباب ملقى على الأرض ودمائه تسيل بعد تعرضه للطعن حسب بعض الروايات المتداولة وسقوطه أمام تشكيل من القوات النظامية بعضهم ضباط وتعاملهم مع المشهد وكأن هذا الأمر لا يعنيهم في شيء!!!. إن تلك المشاهد عززت الإحساس العام المتنامي مؤخراً بتراجع الجانب الأخلاقي لمستوى غير مسبوق بتزايد الروايات والشهادات عن جرائم مرتكبة خلال المواجهات ما القوات النظامية وبين المتظاهرين السلميين المقاومين لانقلاب 25 أكتوبر والاتهامات الموجه لبعض عناصر تلك القوات بتعمد إستخدام العنف المفرط المميت والنهب والسلب تجاه المشاركين في تلك المواكب التي وثق بعضها بالصورة والفيديوهات وسط صمت كامل وعدم إتخاذ أي إجراءات عقابية تجاه مرتكبي تلك التجاوزات، بجانب اتهامات أخرى بالإغتصاب توجد وقائعها دون أدلة مصورة لها.مجمل هذه الممارسات أظهرت افتقار تام للجانب الأخلاقي وضعف من القادة في السيطرة على منسوبيها أو محاسبتهم في حال حدوث تجاوزات ورسمت صورة جسدت فعلياً لأبلغ صور ومشاهد التردي والتراجع المهني غير المسبوق.

    الخلاصة مما ذكر سابقاً أن فتق الاختلالات داخل القوات النظامية بات عصياً على الرتق والإصلاح الأمر الذي يستوجب إعادة هيكلتها بشكل كامل فالمؤسسات الموكل إليها الدفاع عن الشعب لا يمكنها أن تصبح أداة لقتله أو تلتزم الصمت حينما تشاهد هذا الأمر يحدث فهي درع الشعب وسيفه، ولا يمكن في ذات الوقت أن تتحول أجهزة حماية القانون وتطبيقه لتكون هي المخالف الأول للدستور والقانون !!!

    وزير الدفاع والقائد العام

    أجد نفسي مختلفاً في بعض التصورات المضمنة في الميثاق بداية بمقترح إلغاء منصب القائد العام فطبيعة تركيبة أي قوات نظامية هرمية تتطلب وجود قائد على رأس الهرم يقوم بمباشرة مهام متعددة وهي تختلف بشكل كامل عن مهمة وزير الدفاع في وضعية القوات المسلحة، فالوزير وظيفة سياسية لتنفيذ رؤية الحكومة، وفي بعض الأنظمة الديمقراطية لا يشترط خلفية الوزير/ة العسكرية، وشهدنا في الأنظمة الديمقراطية الثالثة بالسودان تقلد شخصيات غير عسكرية لوزارة الدفاع مع وجود قائد عام للجيش أو القوات المسلحة.

    بشكل عام فإن الوزراء الموكل إليهم وزارات تشرف على أي من القوات النظامية كالدفاع أو الداخلية أو الأمن لا تختلف عن غيرها من الوزارات الأخرى إذ لا يشترط أن يكون وزير المالية إقتصادياً أو وزير الخارجية دبلوماسياً أو وزير الإعلام إعلامياً وغيرها بإعتبار أن الموقع الوزاري هو منصب سياسي في المقام الأول.

    أهمية إرجاع المفصولين العسكريين

    الجزئية الثانية التي أختلف معها في محتوى الميثاق هي تكوين مفوضية إصلاح القطاع الأمني والعسكري من المعاشيين والمفصولين، وإشراف المفوضية على عملية الإصلاح وتفكيك التمكين وإعادة المفصولين وإعداد عقيدة جديدة تتوافق مع الأنظمة الديمقراطية.

    تنحصر نقطة الخلاف تنحصر في جزءين أولهما أن مهمة إعادة هيكلة -وليس إصلاح- القوات النظامية يتم وفق خطة عمل قد تضعها هذه المفوضية أو تسهم فيها ولكن يجب أن تجاز وتنفذ تحت إشراف الحكومة ومراقبة المجلس التشريعي.

    تعد النقطة الخلافية الثانية أساسية في تصوري الشخصي لمسألة إعادة هيكلة القوات النظامية التي تستند للطبيعة الهرمية لتلك المؤسسات من خلال إعادة إستيعاب المفصولين لأسباب سياسية وإعادتهم للعمل مجدداً في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية فالمحافظة على التركيبة القيادية الحالية لتلك القوات هي إحدى العوامل التي جعلت تلك القوات فعلياً تستغل من قبل قادتها وتوظيفها في صراعهم السياسي مع الأطراف السياسية وبالتالي تنفيذ إنقلاب 25 أكتوبر بتعليمات القائد العام الذي هو رئيس مجلس السيادة الإنتقالي في أغرب إنقلاب عسكري شهدته البشرية حتى الآن !!

    إن حصر وجود المفصولين العسكريين في المفوضية دون استصحاب أهمية عودة القادرين والراغبين منهم لعملهم مجدداً بذات رتبهم التي يستحقونها والتي ستؤهل عدد كبير منهم لشغل الصفوف الأولى في تراتبية تلك القوات النظامية تعتبر الخطوة المفتاحية لبداية إستعادة قومية تلك القوات وإعادة هيكلتها مجدداً.

    الطريق لقومية الأجهزة النظامية

    يجب عدم إغفال تنفيذ الترتيبات الأمنية بوصفها خطوة مهمة في طريق قومية القوات النظامية ويجب أن يكون تصور إكمال الترتيبات الأمنية قابل للتنفيذ والتطوير لإستيعاب بقية الأطراف غير الموقعة على اتفاقيات السلام.

    تتأسس العقيدة العامة الجديدة للقوات النظامية في السودان على حماية الشعب والأرض والنظام الحكم الديمقراطي المنتخب من الشعب واحترام الدستور والقانون وتنفيذهما والالتزام بأداء هذه الواجبات المقدسة براً وبحراً وجواً ولو اقتضى المجازفة بالحياة والموت في سبيلها، وعدم الإنخراط في أي أنشطة ذات طابع سياسي طيلة فترة الخدمة العاملين بتلك القوات النظامية.

    تقود إجراءات إعادة هيكلة القوات النظامية لتكوين جيش سوداني واحد قومي يتم دمج وتسريح التشكيلات العسكرية الموازية وعلى راسها قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة والمليشيات العسكرية وفق إجراءات وضوابط الإستيعاب للضباط وضباط الصف والجنود، وشرطة قومية وجهازين للأمن الداخلي والمخابرات العامة يختص الأول بقضايا الأمن الداخلي والجرائم العابرة للحدود ومحاربة الإرهاب وتخريب الإقتصاد الوطني في ما يختص جهاز المخابرات بالأمن الخارجي بالتنسيق مع الأجهزة المشابهة.

    يعتبر مجلس السيادة مجتمعاً هو (القائد الأعلى) للجيش ويختص بإعفاء وتعيين القائد العام بناء على توصية رئيس الوزراء في ما يختص رئيس الوزراء بموجب توصية وزير الدفاع بتعيين وإعفاء رئيس الأركان ونوابه بعد مشاورة القائد العام، ويقوم رئيس الوزراء بتعيين وإعفاء مدير الشرطة بناء على توصية وزير الداخلية في ما يقوم رئيس الوزراء بتعيين وإعفاء كل من مدير جهاز الأمن الداخلي وجهاز المخابرات العامة، مع إمكانية تشكيل وزارة الشؤون الأمنية يتبع لها جهازي المخابرات العامة والأمن الداخلي.
    ,
    يتم تكوين مجلس أعلى للدفاع والأمن يترأسه رئيس مجلس السيادة وينوب عنه رئيس الوزراء مقرره القائد العام للجيش بعضوية رئيس الأركان ومدراء الشرطة والأمن الداخلي والمخابرات العامة والإستخبارات العسكرية بجانب وزراء الخارجية، الداخلية والعدل ووزير الشؤون الأمنية (في حال إنشاء هذه الوزارة).

    يختص المجلس بوضع السياسات الدفاعية والأمنية العامة وتعزيز التنسيق العملياتي والمعلوماتي بين القوات والأجهزة المختلفة. يجوز للمجلس دعوة بعض أو كل قادة تشكيلات القوات النظامية للمشاركة في أي من اجتماعاته إذا اقتضت الضرورة ذلك.

    تتكفل الدولة بتوفير كل احتياجات القوات النظامية على مستوى المعدات والتدريب والمخصصات والمعاشات، ولا يسمح للقوات النظامية بممارسة أي أنشطة تجارية أو استثمارية ويستثني من هذا المنع العمل في مجال الصناعات الدفاعية أو الزراعي والحيواني أو التعاونيات شريطة أن تكون تحت إشراف ومراقبة وزارة المالية وديوان المراجع القومي. بالنسبة للاستثمارات ذات الطبيعة المدنية المدرجة ضمن المؤسسات الاقتصادية للقوات النظامية فتؤول لمصلحة وزارة المالية وتكلف بإدارتها وتطويرها.
    أجهزة عدالة انتقالية

    أتفق مع ما ورد في البند (1) من الفقرة سابعاً من الميثاق التي تناولت (المنظومة الحقوقية والعدلية) حول وجود دور للمجلس التشريعي الانتقالي في تكوين مجلسي القضاء العالي والنيابة العامة، ولكن أعتقد أن الأصوب هو تأسيس أجهزة عدالة انتقالية من محكمة دستورية، مجلس للقضاء، مجلس للنيابة العامة واعتماد المجلسين من التشريعي القومي الانتقالي من الشخصيات القانونية الملتزمة بالثورة والانتقال الديمقراطي على أن تنتهي مهام هذه الأجهزة العدلية بانتهاء المرحلة الانتقالية ولا يجوز لأعضاء المحكمة الدستورية والنائب العام ورئيس القضاء الترشح مجدداً لشغل مناصبهم.

    من الضروري أن نستفيد من المعوقات التي برزت بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية وإنتهت لإعاقة تشكيل مؤسسات العدالة على رأسها المحكمة الدستورية جراء ربط تشكيلها باستكمال مهام التفكيك والذي بدوره تسبب في تفجير خلافات بعضها موضوعي وأخرى كانت بمثابة دعوة حق أريد بها باطل لمناهضة ومقاومة تفكيك التمكين، ولذلك فإن التصور الواقعي هو تشكيل مؤسسات عدلية انتقالية تنتهي بنهاية المرحلة الإنتقالية، هو إجراء متسق مع السياق المنطقي بشمول التشكيل الإنتقالي لكل المؤسسات ريثما يتم تجهيزها لتعمل بشكل ذاتي بعد إنتهاء الإنتقال وإكتسابها للقومية والمهنية، وعلى هذا النسق الإنتقالي يأتي الدستور/ الوثيقة الإنتقالية التي ستحكم بها البلاد وتشكيل المؤسسات الدستورية والقوات النظامية والخدمة المدنية.

    من الضروري لضمان اتساق أجهزة العدالة الانتقالية وعدم توظيفها في عرقلة الانتقال أن يتم تشكيلها من شخصيات لم تكن جزء من المؤتمر الوطني ونظامه أو إنقلاب 25 أكتوبر بجانب إيمان تلك الشخصيات والتزامها الكامل بالانتقال الديمقراطي وحرصها التام عليه.

    أعتقد أن تكوين مفوضية لإصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية من قانويين لإصلاح تلك المؤسسات وتفكيك التمكين السياسي قد يترتب عليه حدوث تنازع وخلاف شبيه للذي اندلع بين المؤسسات القضائية ولجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م واسترداد الأموال المنهوبة بإعتبار أن تدخلات لجنة التفكيك تقوض وتتعارض مع استقلالية الجهاز القضائي.

    في تقديري أن تفكيك التمكين وإصلاح العمل بالمنظومة العدلية يجب أن يكون من اختصاص كل من مجلس القضاء ومجلس النيابة العامة بعد اختيار أعضائهما من قبل المجلس التشريعي الإنتقالي، أما مفوضية إصلاح المؤسسات العدلية فمناط بها اقتراح تعديلات التشريعات القانونية المراد إجراؤها بغرض إزالة التشوهات التي لحقت بالقوانين خلال حقبة النظام المباد بجانب القوانين المرتبطة بشروط خدمة وعمل وإنهاء خدمات العاملين بالقضاء والنيابة العامة.

    (نواصل)
                  

04-03-2022, 07:41 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10841

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نقد علمي من ماهر الجوخ لميثاق تأسيس سلطة ا (Re: Nasr)

    تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) (4): الخدمة المدنية وقضايا الاقتصاد وأهمية استمرار تفكيك التمكين .. بقلم: ماهر أبوجوخ
    رئيس التحرير: طارق الجزولي رُفع بواسطة رئيس التحرير: طارق الجزولي3 أبريل, 20223 أبريل, 2022
    303المشاهدات
    تناولنا في الحلقة السابقة وفي معرض التعليق على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم القضايا المرتبطة بـ(مستقبل السلام) وإعادة هيكلة القوات النظامية والأمنية وتطرقنا لأهمية تأسيس أجهزة عدلية إنتقالية، وفي هذه الحلقة الرابعة سنتناول الجوانب ذات الصلة بالخدمة المدنية والقضايا الإقتصادية وتفكيك التمكين.

    توصيف داء الخدمة المدنية

    خصص البند ثامناً للخدمة المدنية حيث حوى نقطتين تلخصت الأولى في ضرورة إصلاح منظومة الخدمة المدنية من خلال تشكيل مفوضية إصلاح الخدمة المدنية أما البند الثاني فأشار لسن قانون نقابات ديمقراطي بمشاركة الجميع يسمح للعاملين بتنظيم أنفسهم وقيادة عمليات الإصلاح المؤسسي والدفاع عن حقوقهم والمشاركة في صنع السياسات.

    أعتقد أن الفقرة الأولي التي تأسست على إصلاح الخدمة المدنية فارقت المرض وركزت على العرض فالعلاج الحقيقي يتطلب التشخيص الصحيح الحل لا يحتاج إصلاح وإنما إعادة هيكلة بداية من القانون الذي تدار على أساسه الخدمة المدنية ونتائجه المتمثلة في الشيخوخة التي تهدد الخدمة المدنية بسبب تجاوز متوسط الأعمار لعاملين في بعض المؤسسات الخمسين عاماً بخلاف الترهل وضعف المرتبات والمخصصات والتدريب والفعالية والأداء.

    يمكن الدولة في إطار إعادة هيكلة الخدمة المدنية أن تقتدي بتجارب دول مماثلة إختارت إعادة هيكلة خدمتها المدنية بالتزامها بواجباتها تجاه العاملين بوصفه جزء من واجبات الدولة تجاه شريحة من مواطنيها ويجب أن تكون الأولوية التعبير القومي للخدمة المدنية في تركيبتها وأن لا يقل تمثيل الشباب والشابات عن نصف العاملين و ابتداع الأساليب المشجعة على الابتكار والتطوير وتطبيق النظم المرتبطة بزيادة الإنتاج والتطور وجعل سنوات الخدمة مرتبطة بالحقوق والمستحقات وليس أحد الشروط شغل المواقع القيادية.

    أعتقد أن البند (2) الخاص بقانون النقابات الديمقراطي تم إقحامه في هذه الفقرة لعدة أسباب فالفقرة (1) التي تتحدث عن (إصلاح الخدمة المدنية وتفكيك التمكين) تعني أن العاملين المراد إصلاح خدمتهم المدنية وتفكيكها هم الذين سيقومون بهذا الإجراء. الشق الثاني أن الجانب الخاص بقانون النقابات لا يرتبط بالقطاع العام بل لقطاعات أخرى تعمل في مجالات القطاع العام والمختلط بين العام والخاص والأجنبي.

    لذلك أقترح أن يتم نقل هذا البند إلى الفقرة (أحد عشر: الحقوق والواجبات) ضمن حق تكوين النقابات الديمقراطية يشدد على ضرورة سن قانون نقابات ديمقراطي يضمن استقلالية تلك النقابات ويمكنها من الدفاع عن حقوق منسوبيها واستكمال الإنتقال بإختيار وتشكيل نقابات ديمقراطية ومساهمتها الفاعلة في صنع السياسات العامة بما يفضي لتوسعة المشاركة الشعبية في صنع السياسات والقرارات. مع تعديل صياغة البند بربط حق العاملين في القطاع العام والخدمة المدنية في تكوين أجسامهم النقابية مرتبط باستكمال إعادة الهيكلة وتفكيك التمكين بالخدمة المدنية.

    تحديات الإقتصاد الصعبة

    تناولت الفقرة تاسعاً القضايا المرتبطة بالاقتصاد والرؤية التنموية في خمس بنود سيتم التطرق للبند الخامس الذي تناول مفوضية مكافحة الفساد واسترداد المال العام في منفصلة لوحدها لارتباطها بتفكيك التمكين واسترداد الأموال العامة.

    من المهم الإقرار بأن ملف الإقتصاد والفشل الذريع مثل قاصمة الظهر لانقلاب 25 أكتوبر ولذلك فإن هذا الملف سيكون التحدي الأساسي لفترة ما بعد الإنقلاب لعدة عوامل أولها ارتباطه بحياة ومعاش الناس وثانيهما أن حجم التخريب والخراب في هذا الملف كارثي وقاد الوضع الإقتصادي للإنهيار الكامل.

    أعتقد أن البند (1) يحتاج للتأسيس على تدعيم مسار الانتقال لدولة الرعاية الإجتماعية بالمضي قدماً في توفير خدمات التعليم والصحة مجاناً بما في ذلك إلغاء قرارات النظام الإنقلابي بفرض أو زيادة رسوم أي من تلك الخدمات.

    بالنسبة للبند (2) فإن بناء برنامج اقتصادي وطني يوازن بين إدارة الدين العام (مراجعة ومراقبة الدين العام ومرجعيات التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية) وبين برامج التنمية الإقتصادية يستوجب إلغاء باقي الفقرة واستبدالها بفقرة جديدة تشير لملامح التوجه الاقتصادي الإنتاجي للدولة بالاستمرار في التوسع في الإنتاج الزراعي وربط التصدير بالقيمة المضافة للمنتجات الزراعية والحيوانية بتحديد سقف زمني لوقف تصديرها كمواد خام بعد تهيئة وتجهيز الاحتياجات الإنتاجية المحلية اللازمة، بجانب العمل على استمرار التوسع في مساحات القمح والحبوب الغذائية ودخول الدولة كشريك عبر توفير التقاوي والمبيدات والأسمدة والرى نظير تحصيلها لنصيبها بشكل عيني ومنحها الأولوية لشراء بقية المحصول المعروض في السوق.

    في ما يتصل بالإنتاج النفطي والمعدني فمن الضروري الإستفادة منها لتغطية احتياجات البلاد النفطية وتغذية خزينة البنك المركزي بالعملات الحرة وفي تمويل شراكة الدولة في مشاريع الإنتاج الزراعي والحيواني. سيتم تحديد نسبة إلزامية من العائدات تقدر بحوالي خمسة في المائة توضع تحت بند الإستخدامات الطارئة بجانب خمسة في المائة أخرى لصالح أجيال المستقبل.

    الجزئية المتعلقة بشركات القوات النظامية المذكورة في البند (3) تمت الإشارة إليها ضمن التعليق على الفقرة الخاصة بالقوات النظامية، أما البند (4) نجده يذكر نصاً (مراجعة جميع الإتفاقيات الإقتصادية بما يشمل قوانين الاستثمار والمشاريع الإستثمارية منذ العام 1989م وحتى إسقاط إنقلاب 25 أكتوبر 2021م) وهذه الفقرة تطرقت لمدى زمني مختلف سياق مختلف هو (الإقتصادي) ويبدو وكأن صياغة النص ترمي الإشارة لأمر لا يود الإفصاح عنه صراحة ومختلف حوله سياسياً وفكرياً. عليه فإذا كان مقصد هذه الصياغة مراجعة الإتفاقيات المبرمة مع صندوق النقد الدولي واتفاقيات إعفاء السودان من الديون فمن الأفضل أن تتم صياغتها بهذا الوضوح والشكل المباشر، وفي هذه الحالة يجب استصحاب النتائج المترتبة على الإلغاء في ما يتصل بإعفاء الديون وبرامج المساعدات بالتوضيح سلفاً للخطوات التي سيتم إتخاذها للتعاطي مع هذين الملفين.

    بشكل عام وتجنب أي تنازع ذو طابع أيدولوجي ومع إقرار بطبيعة المرحلة الانتقالية قبل الانتخابات في تصريف الأعباء فمن الأفضل التوصل لصياغة تحقق جميع المقاصد وتجنب النزاع الأيديولوجي بالإشارة إلي (مراجعة الإتفاقيات الإقتصادية وقوانين ومشاريع الاستثمار في البلاد وتعديلها بما يفضي لتحقيق مصالح السودان وشعبه والاستفادة من موارده الاقتصادية وإنهاء العزلة والمقاطعة الاقتصادية المفروضة على البلاد المورثة من تركة النظام المباد).

    إستعادة تعافي الاقتصاد

    من الضروري التأكيد على استمرار استفادة السودان من التعاون الدولي والالتزامات الدولية بتمويل ودعم المشاريع التنموية التي تم إقرارها خلال مؤتمر باريس في جميع المجالات والدعم العيني بتوفير القمح والمادي بإلغاء الديون والمنح بما في ذلك إعادة الدعم المقدم لبرنامج دعم الأسر مجدداً عبر (ثمرات) وإزالة أي قيود أو عقوبات على الإقتصاد السوداني بسبب النظام المباد أو إنقلاب 25 أكتوبر بما في ذلك القيود ذات الطابع التقني والتكنولوجي والتطبيقات.

    بجانب ما ذكر سابقاً فأقترح إضافة البنود التالية ضمن الجوانب المرتبطة بالاقتصاد والرؤية التنموية التي تشمل البنود التالية :-

    * التأكيد على استقلالية بنك السودان المركزي وإجازة التشريعات الخاصة باعتماد وتشغيل النظام المصرفي المزدوج مكتملة في موعد لا يتجاوز الستة أشهر وتحديد الشروط التصديق والترخيص وقبول طلبات البنوك التجارية الدولية الراغبة في العمل بالبلاد مع ضرورة اشتراط توظيف عمالة سودانية لا تقل عن ستين بالمائة في جميع الدرجات الوظيفية بتلك المصارف في المرحلة الأولى سيتم زيادتها حتى تصل إلى تسعين في المائة خلال أربع سنوات.

    * تبني إستراتيجية تشجع على توطين الصناعات الدوائية والإستفادة من التجارب الإقليمية والدولية ذات الصلة بتسهيل إجراءات اعتماد وتسجيل الأدوية الجديدة وتقنين الصناعات الدوائية الصغيرة بغرض تشجيعها وتطويرها، وزيادة التزام الدولة في مجال الأدوية المشمولة بالتغطية بالتأمين الصحي على أن تكون الأدوية المنقذة للحياة والأمراض المزمنة ضمن الأدوية المشمولة بالتغطية بسعر رمزي في المرحلة الأولى لحين توفرها بشكل مجاني من خلال بطاقة التأمين الصحي.

    * إستكمال إنشاء وتدشين بورصة الخرطوم للذهب باعتبارها الترياق الإقتصادي الأنجع لمحاربة تهريب الذهب ومواصلة البحوث والدراسات ذات الصلة بإنتاج الغاز من انبعاثات مصافي البترول وغيرها من دراسات المشاريع التي كانت في انتظار التمويل والتنفيذ.

    * وضع خطة إستراتيجية للنظافة والإستفادة من النفايات وتدويرها وإنتاج الطاقة الكهربائية في المدن السودانية المختلفة على أن يتم تدشين هذا المشروع في ولاية الخرطوم لكونها الأكثر إستعداداً لبداية هذا المشروع.

    * توسعة الإنتاج الكهربائي من خلال اللجوء لطاقة الرياح والألواح الشمسية ودراسة إمكانية تطوير استثمار الإنتاج الشعبي للكهرباء من خلال الألواح الشمسية وقيام الدولة بشراء الكميات الفائضة.

    * وضع إستراتيجية لتوفير المياه الصالحة للشرب و للإستفادة من مياه الأمطار وتدفقاتها السنوية كحصائل مائية إضافية.

    * تطبيق نموذج النافذة الواحدة لإجراءات الاستثمار والتصدير والإستيراد وعبر شبكة الإنترنت مع تحديد الإجراءات والوثائق والرسوم والزمن المحدد لإنجاز المعاملات.

    * الإستفادة من التجارب الإقليمية المجاورة بإقناع المتعاملين بتخصيص جزء من زكاة وصدقات أموالهم لدعم بنود خدمية واجتماعية تسهم في خدمة المجتمع وتقليل معاناة المواطنين.

    إستمرار (التفكيك)

    أشار البند (5) لتكوين مفوضية لمحاربة الفساد واسترداد المال العام مناط بها مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة والأصول المنهوبة وتفكيك التمكين السياسي في جميع الأوجه بما في ذلك القوات النظامية والسلطة القضائية بالتنسيق مع المفوضيات المختصة بالعمل في تلك المجالات.

    دون الدخول في جدل حول الخيار الأمثل لمسألة تفكيك التمكين بأن تكون لجنة أم مفوضية فيمكن التحرك للأمام طالما أن الميثاق أقر بإستمرار التفكيك على أن يترك التمييز بين اللجنة/ المفوضية لاحقاً بحيث يكون الجسم المناط به تنفيذ هذه المهمة تتوفر له السلطات والاختصاصات التي تمكنه من إنجاز مهامه.

    من الضروري عدم إغفال النتائج اللاحقة لانقلاب 25 أكتوبر عقب تجميد لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م واسترداد الأموال والشروع في إجراءات تقوض فعلياً كل القرارات التي أصدرتها لجنة التفكيك عن طريق دائرة المحكمة العليا وتجاوز درجة التقاضي ممثلة في لجنة الاستئنافات أو الإستماع لحجج وأسانيد لجنة التفكيك.

    نظراً لأهمية التفكيك فأقترح أن يخصص الميثاق فقرة مستقلة تحت عنوان (تفكيك التمكين) يتم من خلالها التأكيد على أهمية تفكيك التمكين بكل الأوجه واسترداد الأموال العامة والأصول المنهوبة باعتباره أحد أهداف ثورة ديسمبر المجيدة.

    التأكيد على تجميد كل القرارات الصادرة عن الإنقلاب سواء كانت من لجنة الاستئنافات أو المحكمة العليا بخصوص قرارات لجنة التفكيك لحين الفصل في صحة تلك الإجراءات أمام المحكمة الدستورية فور تكوينها.

    تتبع لجنة/ مفوضية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م واسترداد الأموال العامة للمجلس التشريعي ويقوم باختيار أعضائها. تعمل اللجنة على الفترة التي تلت انقلاب 30 يونيو 1989م وحتى لحظة سقوطه في 11 أبريل 2019م، ويكون لقراراتها الأثر التنفيذي واجب التنفيذ من قبل الجهات المعنية ويكون قابل للطعن أمام الجهات القانونية والعدلية وفقاً لما ينص عليه القانون. تختص اللجنة/ المفوضية بتفكيك التمكين السياسي بصوره المختلفة في الإقتصاد والخدمة المدنية وكل واجهات حزب المؤتمر الوطني المدحور وأذرعه والجماعات والتيارات ذات الأنشطة الإرهابية المتحالفة معه، بجانب التنسيق مع الجهات المعنية بتفكيك التمكين في القطاعات الأمنية والعسكرية والمؤسسات العدلية بالقضاء والنيابة العامة.

    تختص مفوضية الفساد بالنظر في قضايا الفساد في ما عدا التي تنظر فيها لجنة/ مفوضية تفكيك التمكين وتختص ضمن مهامها باسترداد الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج بجانب النظر والتقصي في قضايا وملفات الفساد الواردة إليها مع توفيرها الحماية والسرية للأشخاص الذين يمدونها بالمعلومات.

    (نواصل)

                  

04-10-2022, 06:03 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10841

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نقد علمي من ماهر الجوخ لميثاق تأسيس سلطة ا (Re: Nasr)

    تعليقات وإضافات على (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) (5-6): تجنب مطبات العلاقات الخارجية وتعزيز الحقوق .. بقلم: ماهر أبوجوخ
    رئيس التحرير: طارق الجزولي رُفع بواسطة رئيس التحرير: طارق الجزولي6 أبريل, 20226 أبريل, 2022
    258المشاهدات
    تناولنا في الحلقة السابقة وفي معرض التعليق على مقترح (ميثاق تأسيس سلطة الشعب) الذي أعلنته لجان مقاومة ولاية الخرطوم القضايا المرتبطة بالحاجة لإعادة هيكلة الخدمة المدنية وقضايا الاقتصاد والتنمية التي خلصنا فيها لأهمية استمرار استفادة السودان من التعاون الإقليمي والدولي في برنامج الإعفاء من الديون والمساعدات أو تحديد البدائل في حال التخلي عنهما بجانب وجوب الاستمرار في تفكيك التمكين بهذا الوضوح دون مواربة تحت مسمى مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة على أن تكون الجهة المناط بها مباشرة إجراءات تفكيك التمكين تابعة للمجلس التشريعي الانتقالي وتتمتع بسلطات تنفيذية قابلة للاستئناف للجهات القانونية والعدلية حسب ما ينص القانون.

    في هذه الحلقة الخامسة سنتناول بالتعليق الفقرات ذات الصلة بـ(العلاقات الخارجية) و(تعزيز الحقوق والحريات) على أن تليها بإذن الله تعالي الحلقة الأخيرة من التعليقات والإضافات على مقترح ميثاق تأسيس سلطة الشعب الصادر عن تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم.

    تناولت الفقرة (عاشراً) ضمن بنودها القضايا المرتبطة بـ(العلاقات الخارجية والسيادة الوطنية) وبشكل ملخص شدد البند الأول على انتهاج سياسة خارجية متوازنة تقوم على الندية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور أما البند الثاني فأشار لتنظيم مؤتمر قومي لمناقشة قضايا العلاقات الخارجية، أما البند الثالث فأشار لترسيم الحدود وإنهاء النزاعات الحدودية مع الدول المجاورة بالطرق السلمية بعيداً عن الحرب، في ما أشار البند الرابع لسحب القوات السودانية من حرب اليمن وعدم مشاركة القوات السودانية في أي عمليات قتالية خارج الحدود إلا بموافقة المجلس التشريعي الانتقالي.

    أعتقد أن الشق المرتبط بإدارة السودان لملف علاقاته الخارجية هو أحد التحديات التي تجابه مقاومة الإنقلاب ومستقبل البلاد بعد هزيمة الانقلاب ولذلك فمن الضروري استيعاب أهمية التأثيرات الإقليمية على البلاد وتداعياتها السلبية أو الإيجابية، ويظهر إنقلاب 25 أكتوبر لأي مدى يمكن يتأثر بالانتقال بالإقليم.

    حجر زاوية العلاقات الخارجية

    مع التقدير لكل ما ذكر في هذه الفقرة فأعتقد أنها أغفلت جزئية تعد هي حجر زاوية لعلاقة سودان المستقبل مع جواره الإقليمي والقائمة على أن الثورة السودانية وأهدافها مرتبطة بتطلعات السودانيين والسودانيات لأفضل نظام سياسي لإدارة بلادهم وهو مرتبط بالواقع السوداني وهو كمشروع وخيار شأن سوداني وليس هناك تجاه للتصدير للمحيط الإقليمي.

    الشق الثاني المهم في التسويق الإقليمي والدولي للانتقال الديمقراطي بالبلاد هو المرتبط بأهمية استقرار السودان ونجاحه في الإفلات من الإنهيار والحروب الأهلية وتجاوز عدم الإستقرار باستكمال وإستمرار الإنتقال الديمقراطي حتى نهاياته خاصة أن تعبات إنقلاب 25 أكتوبر قادت البلاد فعلياً بخطى متسارعة صوب الإنهيار، وبالتالي فإن تعزيز الاستقرار هو أمر إيجابي في مصلحة كل الإقليم. الشق الثالث للخطاب السوداني للخارج هو التأكيد بأن السودان يطمح لانتهاج سياسات خارجية متوازنة مبنية على المصالح المشتركة وتعزيز الأمن والسلم الإقليمي.

    القضية الأساسية الواجب حسمها بشكل أساسي وهي ذات إرتباط عضوي بالعلاقات الخارجية والسيادة الوطنية هي جزئية المصالح الوطنية والمرتبطة بدورها بـ(الأمن القومي للسودان) وبناء عليه يمكن تحديد مقدار المخاطر والفوائد لأي موقف خارجي، الجزئية المرتبطة بالأمن القومي ليست شأناً أمنياً عسكرياً محض ولكنه مرتبط بعوامل متشابكة ومتعدة، ونظراً لغياب تعريف محدد لعناصر هذا (الأمن القومي) فإن تحديد عناصره والأولويات المرتبطة به تحتاج للتعريف والإتفاق عليها بشكل علمي ومنهجي من المختصين الأكاديميين والباحثين والعسكريين وعلى ضوء ذلك يتم تقييم الموقف ومدى اتساقها وتطابقها مع محددات الأمن القومي.

    يتيح الاتفاق على مفهوم وعناصر (الأمن القومي) فرصة للتعاطي مع القضايا المرتبطة بالعلاقات الخارجية باستصحاب تصور (الأمن القومي) عند مناقشة أي قضية من القضايا خلال المؤتمر القومي المخصص لها مع إمكانية استباق تلك المؤتمرات المتخصصة في قضايا محددة بعقد ورش متخصصة لمناقشة تفاصيل كل قضية بشكل منفصل وإصدار التوصيات الخاصة بها. تشمل القضايا التي تحتاج للنقاش الحدود والسدود والمياه والتطبيع والموانئ والهجرة .. الخ ومن المهم تحديد جهة تتولى تنظيم هذه المؤتمرات والورش وأختيار المدعوين والمشاركين وفي تقديري أن هذا أحد واجبات مركز الدراسات الإستراتيجية الرسمي للدولة بمعاونة المراكز البحثية الأخرى بالجامعات والكليات.

    تعامل البند (3) بشكل مميز عند طرح القضايا المرتبطة بترسيم الحدود بالتركيز على الجوهر بالتأكيد على حلها بالطرق السلمية دونما الدخول في تفاصيل القضايا الحدودية الخلافية وتسميتها مع إمكانية الإشارة لإمكانية اللجوء للتحكيم الدولي لحسم النزاعات. أختلف مع هذا البند حول تصوره لدور مفوضية ترسيم الحدود والأراضي فهي جهة فنية أما قضية ترسيم الحدود فهي شأن سياسي وقانوني ولذلك الأدق أن تكون مفوضية ترسيم الحدود مشاركة في أي مفاوضات مرتبطة بهذا الشأن وأن يتم المصادقة على اتفاقيات ترسيم الحدود من قبل المجلس التشريعي المنتخب.

    بالنسبة للبند (4) فإنه على عكس البند السابق استعرض تفاصيل بإعلانه سحب القوات السودانية في حرب اليمن والتشديد على عدم مشاركة أي قوات سودانية في عمليات خارج الحدود إلا بموافقة المجلس التشريعي الإنتقالي، وأعتقد أن الصياغة الأدق هو النموذج المتبع في البند (3) سابقاً بالتعميم دون توصيف وقائع معينة مع ربط أي مشاركة لقوات سودانية في عمليات قتالية خارج الحدود بشرطين أولهما تهديد الأمن الدولي والإقليمي بشكل يمثل تهديداً على الأمن القومي السوداني وثانيهما أن يوافق المجلس التشريعي على تلك المشاركة بناء على طلب وتوصية مجلس الدفاع الوطني.

    قضايا ذات أولوية

    من المهم الإشارة لقضايا اساسية متعلقة بالسياسات الخارجية لم يتناولها الميثاق على رأسها القضايا التالية:-

    * العلاقة الخصوصية مع دولة جنوب السودان وتعزيز التكامل الاقتصادي المشترك بين الدولتين والشعبين بحيث يتم إقرار صيغ تعزز التعاون وتجعل من الحدود علامات أرضية لا تؤثر على حياة الناس أو حيواناتهم أو تجارتهم.

    * إلتزام السودان بالسلام والإستقرار الإقليمي والدولي وعدم دعم الإرهاب والمجموعات الإمتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية ووقف الحروب والصراعات والنزاعات واحترام خيارات دول وشعوب المنطقة في تحديد راهنها ومستقبلها.

    * إبعاد البحر الأحمر من دائرة الصراعات والتجاذبات الدولية وتأسيس إطار إقليمي مشترك بين الدول المطلة عليه لتنسيق الجهود وتعزيزها بغرض الحفاظ على استقرار وسلامة الملاحة على طول امتداده من مضيق باب المندب جنوباً وحتى قناة السويس شمالاً.

    * التأكيد على حل القضايا المرتبطة بالمياه وإستخدامها مع الدول المشتركة عن طريق التفاوض والحلول السلمية بغرض تحقيق المنافع الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة جميع شعوب المنطقة.والابتعاد عن الإضرار بمصالح الغير.

    * زيادة تفاعل السودان واهتمامه بالعمل في محيطه الإفريقي بالاستفادة من ميزاته التاريخية والجيوسياسية في منطقته بما يعزز إنهاء الحروب والصراعات ويفتح الطريق أمام زيادة أفاق التعاون والتكامل بين دول وشعوب المنطقة.

    * إستمرار السودان في العمل ضمن المنظومة العربية مع الإقرار بأن طبيعة العمل العربي الثنائي تمضي بوتيرة أسرع وتحقق نتائج أكثر فعالية من الإطار الجماعي المشترك لكل الدول العربية.

    تعزيز الحقوق والحريات

    تناول الميثاق في البند (أحد عشر) القضايا المرتبطة بـ(الحقوق والحريات) في أربعة فقرات وتناولت الفقرة (1) بشكل ملخص التأكيد على تأسيس دولة وطنية ديمقراطية في السودان تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز، وأشارت ذات الفقرة لوضع تصور للمبادئ فوق الدستورية لضمان بقاء الدولة بنسيج اجتماعي متماسك قبل تنظيم المؤتمر الدستوري والالتزام باحترام الكرامة الإنسانية وكفالة وحماية الحريات الأساسية وإنفاذ حكم القانون وتطبيق مبدأ المساءلة والمحاسبة ورد المظالم.

    بالنظر لهذا البند نجده تناول أكثر من قضية الأمر الذي جعل الفقرة طويلة ولعل الملاحظة الأولى مرتبطة بتعريف الدولة الذي سبقت الإشارة إليه في الحلقة الأولى بتعريف الدولة بأنها (الدولة المدنية الديمقراطية).

    الملاحظة الثانية كانت تقسيم محتويات الفقرة لثلاث مواضيع أولها الذي يشير لتأسيس السودان كدولة مدنية ديمقراطية تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس الحقوق والواجبات باعتبار أن هذا تلخيص يغطي كل أسباب التمييز التي سبق ذكرها كعدم التمييز على أساس العرق أو الدين أو الثقافة أو الجنس أو اللون أو غيرها من أشكال التمييز. أشار الجزء الثاني لإعداد مبادئ فوق دستورية، ولذلك في تقديري يمكن تضمين هذا الجزء كبند خاص في الفقرة الخاصة بإعداد الدستور. وذات الأمر ينطبق على الجزئية الثالثة المتصلة بإنفاذ حكم القانون وتطبيق المساءلة والمحاسبة ورد الحقوق والمظالم التي يمكن تضمينها ضمن محتويات البنود المرتبطة بتحقيق العدالة والعدالة الإنتقالية.

    تطرق البند (2) لتعزيز حقوق النساء ومشاركتهن في جميع المجالات خاصة السياسية في جميع المستويات التنفيذية والتشريعية والقضائية وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص وإشراكها في وضع السياسات وتكوين مفوضية للمرأة والعدالة النوعية لتعزيز سياسات التمييز الإيجابي والمشاريع الداعمة للنساء ومشاركتها في صنع القرار السياسي. بالعودة لهذا النص نجده أغفل الشق العملي المرتبط بسبل تحقيق هذا التعزيز والمتمثل في تقديري بتحديد حصص ونسب مشاركة النساء في المؤسسات والتي لا تقتصر على المستويات المذكورة أو مفوضية المرأة والعدالة النوعية، لكنها تمتد لتشمل المفوضيات واللجان والخدمة المدنية والمؤسسات العسكرية والنظامية.

    اقترح تطوير هذا البند بتحديد نسبة لمشاركة النساء في المؤسسات السياسية التشريعية والتنفيذية في كل المستويات وأي من المفوضيات التي سيتم تشكيلها على رأسها (الدستور)، (الإنتخابات) و(السلام) وأي مفوضية أخرى بما لا يقل عن الـ 25% مع وضع خطط تهدف لتعزيز وجودهن في جميع الدرجات العليا والوسطى بمؤسسات الخدمة المدنية والمؤسسات العسكرية والنظامية والسلك الدبلوماسي والقضاء والنيابة العامة والمحكمة الدستورية. في ذات السياق يمكن إقرار هذا التمييز في قانون الانتخابات العامة في جميع المستويات بحيث يتم ضمان تمثيل النساء بما لا يقل عن ربع المقاعد التشريعية بالانتخاب في جميع المستويات على أن تناقش الكيفية المثلى لتحقيق هذا الإجراء ضمن نقاشات وحوارات قانون الانتخابات العامة.

    نص البند (3) من هذه الفقرة على تعزيز مشاركة الشباب من الجنسين في جميع المجالات مع التمثيل العادل والحقيقي لهم في جميع هياكل الدولة ومؤسساتها وتوسيع فرصهم في جميع المجالات وضمان مشاركتهم الفاعلة في صياغة الخطط والبرامج وتنفيذها. من المهم في تقديري ضبط البند بتحديد الفئة العمرية للشباب وفي تقديري أن تشمل الفئة العمرية دون الـ36 عاماً من الجنسين.

    تلاحظ أن هذا البند لم يتطرق لتمثيل هذه الفئة في المؤسسات السياسية التنفيذية والتشريعية الانتقالية باعتبارها الطريقة الأمثل لمشاركتهم في صياغة الخطط والبرامج وتنفيذها واقترح أن لا يقل تمثيل هذه الفئة العمرية في أي من المؤسسات التشريعية والتنفيذية في أي مستوى من المستويات بما لا يقل عن العشرة في المائة بغرض تدريب وتطوير وإشراك هذه الفئة العمرية. من الضروري النص الواضح على إلتزام الدولة باستيعاب هذه الفئة العمرية ضمن هياكل الخدمة المدنية في جميع المستويات والاستفادة منهم في تطوير وتحسين أداء مؤسسات الخدمة المدنية وزيادة الإنتاجية فيها بصور شتى بما في ذلك الاستفادة منهم في أيام وساعات عمل إضافية للخدمة المدنية.

    تناول البند (4) من هذه الفقرة الحقوق الخاصة بذوي الإعاقة وسن القوانين والتشريعات الداعمة لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ومنع أي تمييز ضدهم وتعزيز فرصهم في العمل والتوظيف ووصولهم العادل للخدمات والمرافق العامة ومشاركتهم الفاعلة في صياغة البرامج التي تخاطب قضاياهم وتنفذها، وسبق للبند (1) من ذات الفقرة رفض التمييز على أساس الإعاقة ضمن الأسباب المرفوض التمييز على أساسها. صحيح أن البند تناول حقوق ذوي الإعاقة لكنه يحتاج لإجراءات عملية تعكس هذا التوجه وفي تقديري أن المؤسسات العامة عليها استصحاب هذا المطلب ضمن إجراءات التعيينات للمواقع الدستورية التنفيذية والتشريعية في أي مستوى من المستويات بجانب الخدمة المدنية.

    تحجيم سلطات (الطوارئ)

    سبق أن أشرت لإمكانية تضمين البند الخاص بالحريات النقابية والتعديلات المقترحة عليه من جانبي ضمن الفقرة الخاصة بالحقوق والحريات، لكن يعتبر أبرز جوانب قصور الفقرة المرتبطة بالحقوق والحريات في هذا الميثاق إغفال وغياب قضايا أساسية للحقوق والحريات على رأسها (حرية الصحافة والإعلام)، (حرية التنظيم)، (حرية التجمع والتعبير السلمي)، (حق الحياة)، (حق المحاكمة العادلة)، (حق التعليم ومجانيته) .. الخ ولذلك ففي تقديري أن الصياغة الأسهل هي التأكيد والالتزام بوثيقة الحقوق والحريات المنصوص عليها بالدستور.

    الجانب الثاني مرتبط بالتزام السودان ومؤسساته بالعهود والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان ومناهضة وتجريم التعذيب والإخفاء القسري ومطابقة القوانين واللوائح المنظمة لها معها وعدم التساهل حيال أي تجاوزات تتم لها سواء كانت من قبل مؤسسات أو أفراد، ومنع عقوبة الحبس الإنفرادي كعقوبة أو إجراء إداري في أي من سجون البلاد.

    الجانب الثالث هو ما أظهرته التجارب عند إعلان حالة الطوارئ خاصة بعد إنقلاب 25 أكتوبر 2021م بتعليق الحريات العامة وإباحة الاعتقالات التحفظية ومنع التجمعات السلمية والتغول على حرية الصحافة والإعلام، لذلك من المهم أن نستفيد من نتائج هذه التجربة بفرض مزيد من القيود على إعلان الطوارئ بتقليل مدة السريان دون إجازة البرلمان بحيث تصبح في فترة لا تزيد عن الأسبوع الواحد وفي حال عدم انعقاد البرلمان يتم إلغاء الطوارئ، أما الإجراء الثاني فهو المرتبط بتوسعة نطاق بنود وثيقة حريات التي لا يجوز الانتقاص منها خلال فترة الطوارئ والتي تشمل حريات (التعبير والصحافة والإعلام)، (التجمع السلمي)، (التنظيم)، (ديمقراطية المؤسسات النقابية) بالإضافة لحرمة إعتقال أي شخص إلا وفق إجراءات قانونية بناء على تهمة وإطلاق سراحه أو إحالته للمحكمة ومحاكمته أمام القضاء الطبيعي.

    من الضروري أن ننظر لخلاصة تجاربنا ونستفيد منها عند التأسيس للوضع المستقبلي لبلادنا بأن نحصنها من أي ثغرات قانونية قد يتم استغلالها وتوظيفها في تقويض وإعاقة الحياة الديمقراطية في البلاد أو تمكن أطراف من إساءة إستخدام نصوص القوانين من أجل خلق أوضاع شمولية وديكتاتورية مرة أخرى.

    (نواصل في الحلقة القادمة والأخيرة بإذن الله تعالي).
                  

04-11-2022, 06:02 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10841

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نقد علمي من ماهر الجوخ لميثاق تأسيس سلطة ا (Re: Nasr)

    أنقل لكم عن الراكوبة مقال للسر بابو عن نفس الموضوع
    لمزيد من الإستنارة والحوار المفيد
    Quote: ملاحظات علي الميثاق الثوري لسلطة الشعب (1)
    10 أبريل، 20220
    فيسبوك تويتر
    تاج السر عثمان بابو تاج السر عثمان
    تاج السر عثمان

    1- في خطوة أخري متقدمة صدر الميثاق الثوري لسلطة الشعب – السودان 2022 من لجان المقاومة بالولايات للتداول الجماهيري ، يتكون الميثاق من المرتكزات الآتية :

    1 – الإعلان السياسي .

    2 – سلطة الشعب .

    3 – ميثاق الشرف . السياسي والأحكام العامة .

    4 – برناج الفترة الانتقالية. 5- الدستور الانتقالي ، مع الاشارة الي أن المرتكزين الرابع والخامس سوف ينشرا لاحقا .

    رغم أن الميثاق لم يُنشر مكتملا ، الا أن هذا لا يمنع من ابداء الملاحظات علي المرتكزات المنشورة ، فالميثاق في حد ذاته خطوة مهمة هدفه كما أشار الميثاق في ص (1) ” بلورة رؤية سياسية وطنية موحدة حول طبيعة الدولة والحكم والاقتصاد وتداول السلطة “والتي تشكلها” قواعد الشعب عبر المناقشات العامة والمفتوحة التي تنظمها لجان المقاومة والنقابات المنتخبة والقوي الثورية المؤمنة بالتغيير الجذري وفقا للرؤوية العامة للميثاق الثوري”.

    الميثاق في مجمله عبر من مواقع النضال اليومي الملئ بالتضحيات عن أهداف الثورة ، وحاول أن يؤسس في مرتكزاته للتغيير الجذري والسيادة الوطنية ، وتاسيس حكم مدني ديمقراطي مستقر ، والسلام الشامل والعادل ، والحرية والعدالة الانتقالية وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية ، ووضع حد للانقلابات العسكرية التي دمرت البلاد ، وحدد مهام الفترة الانتقالية ، حتي نهايتها بقيام المؤتمر الدستوري ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

    لكن الميثاق كما هو مطروح للتداول يحتاج للمزيد من المناقشة والتجويد بما يحقق المزيد من الوضوح السياسي والفكري ، استنادا الي تجربة فشل “الوثيقة الدستورية” التي كرّست هيمنة حكم العسكر ، ومهدت للانقلاب الكامل عليها في 25 أكتوبر ، اضافة لحصيلة منجزات ثورة ديسمبر التي انقلب عليها رئيس الوزراء حمدوك مثل : توصيات المؤتمر الاقتصادي ، وتوجه شطر توصيات الصندوق والبنك الدولي في تحرير الأسعار ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء والخبز والتخقيض الكبير للجنية السوداني ، مما أدي للمزيد من افقار جماهير شعبنا ، التي زادها فقرا وضنكا انقلاب 25 أكتوبر ، واهم دروس تلك التجربة الاسراع منذ اللحظات الأولي لانتصار الثورة عبر الشرعية الثورية في تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة ، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات الكيزان وجيوش الحركات، وقيام الجيش القومي المهني الموحد ، وضم شركات الجيش والأمن والشرطة لولاية وزارة المالية ، والمحاسبة فالعدالة الانتقالية لا تعني عدم محاكمة الذين ارتكبوا جرائم الابادة الجماعية في دارفور وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية ، والمجرمين في مجزرة فض الاعتصام ، ومجازر ما بعد انقلاب 25 أكتوبر ، والسيطرة علي الإعلام ، والسيادة الوطنية بالخروج من كل المحاور العسكرية الخارجية ، وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم .

    2 – سوف اركز علي المقدمة ص (2- 3) التي جاء فيها “لا يمكن فهم الصراع السياسي السوداني بمعزل عن تشريح السياق التاريخي لتشكل الدولة السودانية في الحقب الاستعمارية (التركي – المصري – الانجليزي المصري) الذي كان دافعه النهب والسيطرة علي علي الموارد المحلية . الخ”.

    لأهمية هذه المقدمة ودورها في الوضوح السياسي والفكري حول تاريخ النهب الاستعماري الذي مازال مستمرا حتى اليوم ، وتراكم المقاومة الجماهيرية الذي أدي للاطاحة بالاستعمار التركي في الثورة المهدية 1885، وثورة الاستقلال 1956 ، وثورة أكتوبر 1964 ، وانتفاضة أبريل 1985 ، وثورة ديسمبر 2019 التي مازالت جذوتها مستمرة حتى اليوم ، وأن النضال الذي يقوده الجيل الحالي هو امتداد لنضال ومقاومة الأجيال السابقة من أجل الديمقراطية والتنمية والسلام والسيادة الوطنية، في مواجهة قوي الاستعمار القديم والحديث وحلفائه من الطبقات الرأسمالية التقليدية والرأسمالية الطفيلية المايوية والأسلاموية والجديدة ، التي اجهضت تلك الثورات ، مع ضرورة الاستفادة من دروس فشل تلك الثورات ، لترسيخ الديمقراطية والتنمية المستقلة والمتوازنة والسلام الشامل والعادل والسيادة الوطنية ، ووضع حد للانقلابات العسكرية التي دمرت البلاد ، كما عبر الميثاق.

    بالتالي من المهم تجويد المقدمة ودعمها بأمثلة ، والتدقيق في بعض المفاهيم والمصطلحات ، مثلا جاء في ص(2) ” طبيعة السلطة الاحتكارية وطبيعة الاقتصاد الرأسمالي الريعي وعلاقات الإنتاج غير المتكافئة ، فضلا عن تدوير أنظمة النخب الاحتكارية وتداولها للسلطة المستمرة. الخ”.

    الفقرة تثير الالتباس ، فما معتي “علاقات الإنتاج غير المتكافئة” ، علما بأن الدقيق بعد ارتباط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي منذ فترة الاحتلال التركي المصري ، واتساع ذلك بعد الاحتلال الانجليزي المصري ، نشأت “علاقات تبادل غير متكافئة”، تقوم علي تصدير السودان للمواد الخام والمحاصيل النقدية “قطن ، صمغ ، سمسم . الخ” واستيراد السلع الرأسمالية ، مما أدي للجذور التاريخية للتخلف باجهاض الصناعة الوطنية، وزراعة المحاصيل النقدية بديلا للمحاصيل الغذائية “فمن لا يوفر غذائه لا يضمن سيادته” ونهب موارد البلاد والمزيد من التبعية واغراق البلاد في الديون ، وحبس السودان من الانطلاق لبناء المجتمع الزراعي الصناعي المتطور.

    كما يثير الميثاق الالتباس بالحديث عن “أنظمة النخب” بديلا عن الطبقات والصراع الطبقي الذي تعبر عنه تلك النخب (علي سبيل المثال أغلب نخب قيادات مؤتمر الخريجين انضمت لحزبي الأمة والاتحاديين الذين قاعدتهما طائفتي الختمية والانصار لتعبر عن المصالح الطبقية لتجار وملاك حزبي الأمة الاتحاديين الذين حققوا ارباحا كبيرة من زراعة القطن والزراعة الآلية قبل بعد الاستقلال. (الخ) ، فالاستعمار خلق طبقات رأسمالية أو شبه اقطاع “طائفني الختمية والانصار ، قيادات ادارات أهلية. الخ” مكن لها في الارض ، باقطاعها الاراضي والتسهيلات لتخدم مصالحه ولتقف ترياقا ضد ثورة التحرر الوطني .

    كما يجافي الميثاق الدقة في حديثه عن غياب المشروع الوطني منذ الاستقلال ، علما بأن الحزب الشيوعي طرح شعار “لا تحرير بلا تعمير” في مواجهة شعار “تحرير لا تعمير” الذي طرحته احزاب الراسمالية وشبه الاقطاع التي حكمت بعد الاستقلال ، وطرح في برنامجه للمؤتمر الثالث فبراير 1956 برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الذي يهدف لاكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي والاصلاح الزراعي ، وضد المعونات الخارجية التي تسلب البلاد سيادتها الوطنية ، والتنمية المتوازنة والحكم الذاتي لجنوب السودان بعد الاعتراق بالفوارق الثقافية وحق كل قومية في تطوي لغاتها وثقافاتها ، والسيادة الوطنية ، وعدم ربط البلاد بالاحلاف العسكرية.

    3 – اضافة الي أن المقدمة اتسمت بالعموميات ، وحديث عن “الصراع الاثني والثقافي والأسلمة والهوّية. الخ” التي هي تعبير عن الصراع الطبقي بهدف نهب الموارد كما في الابادة الجماعية في دارفور وجبال النوبا الخ من الطفيلية الإسلاموية والدعم السريع للأراضي الخصبة والذهب وبقية المعادن ، وهذا الطرح قد يؤدي لتغبيش الوعي الطبقي للجماهير الكادحة، اضافة لغياب الأمثلة ، ولو عابرة تشير الي مصادر النهب والتراكم الرأسمالي ، وكيف تمّ تهريب ثروات السودان للخارج ، واستمرارية ذلك حتى اليوم في انقلاب 25 أكتوبر القائم علي النهب والقمع ، علي سبيل المثال:

    – نهب الاراضي في السودان بعد دخول نمط الإنتاج الرأسمالي منذ العهد التركي- المصري والتوسع في الارتباط بالسوق الرأسمالي العالمي في عهد الاحتلال الانجليزي – المصري ، والتوسع في الملكية الخاصة للاراضي ، بعد اصدار قوانين ملكية الأراضي الجديدة والتوسع في زراعة القطن والمحاصيل النقدية الأخري للتصدير وفق التبادل غير المتكافئ السودان مصدرا للمواد الخام ومستوردا للسلع الرأسمالية ، وقامت مشاريع القطن في الجزيرة والنيلين الأبيض والأزرق والقاش وطوكر وجبال النوبا ، والزراعة الآلية ، وتم تحقيق ارباح هائلة، ولم يتم إعادة استثمار جزء منها في الداخل ، بل تم تهريبها للخارج ، في حين عاني شعبنا من الجوع والحرمان والبؤس عشية الاستقلال ،

    – بعد الاستقلال تمّ التوسع في المشاريع المروية والزراعية الآلية المطرية وحققت الشركات الأجنبية والراسمالية السودانية ارباحا ضخمة منها ، تم تهريبها للخارج ، مع تدمير البيئة ، وتهجير السكان المحليين وبدلا من أن يكون السودان سلة غذاء العالم اجتاحته مجاعة 83 / 1984 ، بعد تدمير البيئة باقتلاع الالاف من الاشجار ، وضاقت مساحات الرعي والزراعة المعيشية للقبائل مما أدي للنزوح والصدام القبلي بين الرعاة والمزارعين ، وانضمام شباب الجنوب وجبال النوبا للكفاح السياسي والمسلح دفاعا عن اراضيها ، وهروب الثروة الحيوانية للدول المجاورة، ونقصان العائد من محصول الصمغ بعد قطع الاف الأفدنه من اشجار الهشاب ، وحدث النزوح الكبير من غرب السودان للخرطوم وغيرها.

    – تمت أكبر عملية لنهب الأراضي في عهد الانقاذ ، وخاصة بعد انفصال الجنوب ، وإعادة تمليك الأجانب للاراضي ، والايجارات التي تصل مدة عقدها الي 99 عاما ، اضافة لفقدان اراضي السودان مثل : اغراق مدينة حلفا التاريخية في عهد ديكتاتورية عبود ، وفي عهد البشير تم فصل الجنوب واحتلال المصريين لحلايب وشلاتين وابورماد ، ونتؤ حلفا .الخ ، واحتلال اثيوبيا للفشقة ، وغير ذلك من ممارسات الأنظمة الديكتاتورية العسكرية التي دمرت البلاد والعباد وتم تهريب عائدات النفط وغيرها للخارج علي سبيل المثال : اظهر تقرير منظمة النزاهة المالية الدولية اختفاء 31 مليار دولار في عهد البشير من الصادرات السودانية ما بين عامي 2012- 2018 ، اضافة لتهريب عائدات النفط التي تُقدر بأكثر من 75 مليار دولار ، تم تهريبها لماليزيا وغيرها.

    اضافة لنهب الذهب الذي اصبح يشكل حوالي 40% من الصادرات ، وتهريبه واشتداد حمى البحث عنه في عهد حكم الانقاذ بعد تدمير وخصخصة المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية ” السكك الحديدية ، النقل النهري ، الخطوط البحرية ، الخطوط الجوية،. الخ”، والمخطط لبيع الميناء أو خصخصتها ، وانفصال الجنوب ، وفقدان 75% من عائدات البترول ، وعدم استفادة المجتمعات المحلية بنسبة معينة لتنميتها من عائدها ، وحقوق الأجيال القادمة ، بالاستفادة من عائده في الاستثمار في الثروات المتجددة الزراعية والحيوانية والغابية والمائية ، باعتبار الذهب احتياطي يقوي موقف البلاد النقدي ، إعادة النظر في الاتفاقيات التي تمت بعقود تصل مدتها الي 25 عاما ، ونسبة 70% لصالح الشركات ، فضلا عن التهرب من الضرائب وتهريب الذهب ، حتى لا تتكرر تجربة إنتاج النفط وماحدث من تدمير للبيئة وتهريب عائده بمليارات الدولارات للخارج ، وضاعت فرصة الاستفادة من جزء من عائداته في دعم الزراعة والثروة الحيوانية المتجددة لأن البترول ثروة ناضبة ، اضافة للصناعة والتعليم والصحة والبنيات الأساسية والكهرباء والمياه، حتى انفصال الجنوب وفقدان 75% من عائدات النفط .

    والآن تستمر الممارسات نفسها في نهب ثروة الذهب في السودان ، وتهريب أكثر من 70% من عائداته للخارج ، علي سبيل المثال : متوسط إنتاج الذهب بين 100- 250 طن (الشرق الأوسط :11 يناير 2020) ، وتُقدر العائدات بحوالي 8 مليار دولار ، في حين التقديرات الرسمية للحكومة بين 82 – 93 طن (موقع الجزيرة 5/1/ 2017) ، بعائدات تُقدر بمتوسط 850 مليون دولار ، مما يعكس حجم النهب والتهريب الكيير لعائدات الذهب في السودان ، وفقدان الدولة لثروة كبيرة ، مما يتطلب اوسع حملة لوضع الدولة يدها علي ثروة الذهب .

    وأخيرا ، مهم التحديد والأمثلة في الميثاق ، ولو في لمحات تساعد في الوضوح السياسي والفكري، وتعمق الوعي الذي وصلته قوى ثورة ديسمبر في كشف نهب وتهريب شركات الأسلامويين والدعم السريع والجيش والشرطة والأمن وقوات الحركات المسلحة الحاكمة ، لموارد البلاد “ذهب وبقية المعادن، ماشية ، قطن ، سمسم ، صمغ.الخ”، كما كشف ترس الشمال ، وأن هذا النهب هو امتداد للنهب الاستعماري منذ الاحتلال التركي – المصري الذي اشار له الميثاق .

    [email protected]

    تاج السر عثمان
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de