د.إشراقة مصطفي تكتب :”رائحة الكتب ..أثر العمر” أبريل 2, 2022
رائحة الكتب… أثر العمر: د. إشراقة مصطفى حامد مرّة كل أسبوع ألتقي بالصديقة النمساوية دينا في جنة الكتب، المكتبة الكبيرة التي تبعد عن بيتها كثيراً وتقرب إلى بيتي أكثر. عرّفتني عليها الصديقة إيفا، أوّل من عرّفتني على ثقافة ورش العمل الإبداعية باللغة الألمانية وتدرّبتُ على يديها أربعة فصول دراسية عن تقنيات وأسس هذه الورش المسنودة على أطر نظرية. ملكتني للبروفسورة ايفا اشميت مفاتيح الدخول إلى هذه الدهاليز التي أضاءاتها لنا في بداية هذه الورش في العام 2009 وأنّ الورش الأولى تشكّلت كجزء من حركة الكتابة في السبعينات في المنطقة الناطقة باللغة الألمانية. ورش أنتجت كتابين وعبرها تعرّفت على العديد من الكاتبات والكتاب النمساويين وغير النمساويين وأزهرت الورش في كتابين. خلال هذين العامين بحثت كعادتي عن المشترك بيني وبين الآخر وإيفا كانت المرآة التي أرى فيها ما عجز الواقع عن تغبيشه: الوعي. ليس هناك أعظم من أن يؤمن بك (آخر)، يتلمسُ طريقي المدهون بالمحبة وأشواق المهاجرات والمهاجرين. إيفا كانت إحدى هؤلاء وعبرها تعرفت على دينا، دينا التي بدأت معي تدقيق مسودة كتابي: Corona enthüllt die Widersprüche der Welt ومنذ أكثر من عام نلتقي عدة مرات في الشهر في المكتبة، نتناول الغداء أحياناً معاً ، نتحاور في كثير من القضايا، بدءاً من الطفولة وليس انتهاءاً بالموت. بين الطفولة والموت حكينا كثيراً، عن تواريخ النمسا، عن الحروب في أوربا، عن تناقضات العالم، عن الحب، عن تجاوز الإحباطات وكان المناخ وإشكالياته أُس كل هذه الحوارات. تضحك كطفلة في بعض المقاطع التي أترجمها ثم نغرق في الحديث عن الترجمة وفلسفتي فيها. تحفّزني أكثر وأصدّقها القول إنه ليس سهلاً أن يتمّ الإعتراف بأي كان في اتحاد المترجمات والمترجمين النمساويين وترى أنّ ذلك إعتراف مستحق. تحدّثنا عن مفهوم (الوطن) و (المواطنة) عن الفرق بين الإحساس إنّك في بيتك وبين فكرة الوطن الطوباوية… أليست كل الأرض وطن؟ قليلاً ما نختلف وكثيراً ما تجري أنهارٌ من الأنسنة والجمال والمحبة. بالأمس تناولنا وجبة الغداء معاً وحكيت لها بإنّي أحسُ بالحزن لأنّي لا أجد وقتاً لأستمر في مشروعي الأدبي، روايتان تنتظران بغضب حميم بأن أعود لهما. نبّهتني صديقة ألمانية بسؤال لم يكن عادياً بأي حال من الأحوال: متى تتفرّغين إلى أعمالك الأدبيّة؟ يحتاج الأمر إلى تفرّغ ثم بدأت الأفكار والمقترحات… ليس سهلاً أن ينغرس إيمان الآخر بك بذرة محبة كبيرة إعترافاً يرقرقُ الدمع في عيوني التي نسيت عذوبة البكاء! بعد الغذاء (النباتي) قالت مبتسمة لديك هدية عندي اليوم, هذه المرة ليس للإطلاع ثم إعادتها وإنما لك، لتكون في مكتبتك. صمتت قليلاً ثم قالت: لم يعد هناك كثير من الوقت لأعيش، وأريدُ أن أرتّب ورثتي وتوزيعها لمن يستحق. طاف حديث جدتي وهي تقول ( مافي زول بيموت من غير يومو- أي ( لكل أجل كتاب). ولكن بمنطق دينا إنّها تقتربُ من الثمانين وإنها عاشت الحرب العالمية الثانية وحكت لي كثيراً عن تلك الفترة ومرارتها وإنها مثلي لم تتوقع أن تنشب حرب جديدة في أوربا بعد الحربين العالميتين. الكتابان عن ومن انغيبورغ باخمان التي كم حكيت عنها وإنها كاتبة نمساوية لايمكن تجاوزها. الحوار الذي دار والكتابين من دينا قادني إلى أضابير المكتبة في الطابق الأول من ذات المبنى ورافقتني في بحثي عن الكاتبات النمساويات منذ تاريخ موغل في كتب ظلّت معتّقة بروائح تلك الأزمنة. الأزمنة التي أسبرها الآن عبر مشروع كبير وجد إنتباهاً مفرحاً من الجهات التي خاطبتها. هل هو مشروع رد الجميل إلى بلاد أشرعت لي أبوابها العتيقة الصلبة حين عرفت بأنّي لن أتنازل عن أحلامي؟ عدت البيت مُتخمة وظلّ سؤال عطشي الأزلي للمعارف وسؤال الوقت وماتبقى منه: هل تكفي كل هذه الأسفار؟ بدأت قراءة الكتاب الأول مرفق بصور عن طفولة ونشأة انغبورغ باخمان وماكان بالإمكان النوم مع كل هذه القلق سوى ترجمة نصوص لها… ثم نمت في طمأنينة: (تحت سماء غريبة الورود والظل الظل على أرضِ غريبة بين الورود والظلال في ماء غريب ظلي).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة