يشير التعيين الأخير لحكومة تصريف أعمال في السودان إلى أن الفريق عبد الفتاح البرهان - الحاكم العسكري الفعلي للسودان منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 - وحلفاؤه ما زالوا واثقين من أنهم سيكونون قادرين على إملاء عملية الانتقال إلى الحكم المدني عن طريق شراء مزيد من الوقت لصالحهم.
وجاء هذا التعيين بعد اجتماع البرهان أواخر الأسبوع الماضي مع مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، مولي في، والمبعوث الخاص الجديد لواشنطن للقرن الأفريقي، ديفيد ساترفيلد، حيث أصر الرجل العسكري على مدى انفتاحه على حوار شامل مع المعارضة السودانية وحكومة بقيادة مدنية لإكمال المرحلة الانتقالية.
ويرى مراقبون أن هذا الانفتاح ناتج عن عدة عوامل. أولا، اعتقاد البرهان أنه سينجح في استمالة العديد من الجهات المعارضة إلى جانبه بمساعدة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان. ثانيا، استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ـ الذي وضع في البداية تحت الإقامة الجبرية من قبل الانقلابيين، ثم وافق على مخطط تقاسم السلطة مع البرهان للاستقالة مرة أخرى في 2 يناير 2022 وسط احتجاجات حاشدة - التي أدت إلى فقدان الشرعية الدولية، وهو ما اضطر البرهان وائتلافه الآن إلى محاولة استعادتها.
استراتيجية "فرّق تسد"
يشبه تكتيك البرهان السياسي الاستراتيجية التي اتبعها نظام البشير السابق المتمثل في الدخول في حوارات سلام مع الأحزاب المعارضة. وقد استخدم نظام البشير هذا الأمر لاكتساب الشرعية الدولية وإضعاف المعارضة المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
قد ترضي هذه الاستراتيجية بعض الدول الغربية إلا أنها ستلقى معارضة شعبية شبه مؤكدة لأنها لن تقبل إدراج مخلفات النظام السابق في الأحداث الحالية، وهو ما قد يشعل فتيل احتجاجات أخرى على الرغم من قمع الجيش والشرطة.
من جهة أخرى، أصبحت قوى الحرية والتغيير منقسمة بين تلك الأحزاب التي شاركت في حكومة حمدوك وتطالب بحكم مدني كامل، وأخرى تأمل في تأمين دور لنفسها في الانتقال مع البرهان.
صعبت هذه الانقسامات محاولة قوى الحرية والتغيير كسب دعم لجان المقاومة وتفويض بإعادة توجيه الحوارات والضغط على البرهان وحلفائه لتسليم السلطة لإكمال الحكم المدني. كما أن الافتقار إلى الوحدة بين المدنيين يلعب في مصلحة الجيش من خلال إظهار عدم قدرة قوى الحرية والتغيير في تمثيل الشعب السوداني للولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
نظام البشير السابق
عندما كان البرهان يستعد لانتخابات ما بعد الفترة الانتقالية، عاد أنصار نظام الرئيس السوداني المعزول عمر البشير إلى الواجهة مرة أخرى، ويقدر عددهم بنحو 500 ألف، لدعمه في الانتخابات المقبلة.
يحتفظ الأفراد الرئيسيون من النظام السابق بسيطرة كبيرة على وسائل الإعلام والاقتصاد في السودان، بما في ذلك السوق السوداء المربحة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، يمثل هؤلاء دائرة انتخابية رئيسية للبرهان، ويمكن أن يضمنوا فوزه الانتخابي.
إن الرهانات بالنسبة للبرهان وحليفه المقرب الفريق محمد حمدان دقلو أو "حميدتي" كبيرة إذ يسعى كلاهما للحصول على حصانة من أي مقاضاة مستقبلية لدورهما في تنسيق الإبادة الجماعية في دارفور ومذبحة قوات الأمن الموثقة للمتظاهرين في الخرطوم في 3 يونيو 2019.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة