المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن عبد الحميد البرنس.. الكتابة بمحبة!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-15-2025, 11:15 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-27-2021, 02:41 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن عبد الحميد البرنس.. الكتابة بمحبة!

    02:41 AM June, 26 2021

    سودانيز اون لاين
    عبد الحميد البرنس-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    هنا، نقلاً اليوم عن الراكوبة:

    في الكتابة المحبة..

    عن الروائي عبد الحميد البرنس نحكي

    ذات ظهيرة ذابلة سقطت من أواخر شتاء قاهري رطب للعام ٢٠٠٣ فيما كنت أدلف الباب الأول من مكتب مجلة حضارة السودان بعابدين، كان الصديق الصحافي ماجد محمد علي في طريقه للخروج.
    باغتني:

    “لدي موضوع مهم معك. فانتظرني”.

    وكالعادة شربت الشاي والقهوة مع من حضر. وكان العم طه علي، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنات، كعادته في المكتب الداخلي، يراجع مواد العدد الجديد من المجلة.. فيما فيصل منهمك في نقاش رياضي داحسي، مستوليا على أي كوب شاي أو قهوة ضل طريقه إلى حيث يجلس.
    بعد وقت ليس قليل عاد ماجد..

    سألته:

    “ما الموضوع؟”

    أريد إعادة تعريفك بشخص لم تره منذ سنوات طويلة”

    “من هو؟”

    “إذا ذكرت لك اسمه فلن تكون هناك مفاجأة”

    واتفقنا على أن نلتقي مساء ذلك اليوم في شقة ماجد بعابدين.. وبالفعل جئت في الزمان المحدد.

    وهكذا التقيت عبد الحميد عباس علي “البرنس” بعد انقضاء سنوات طويلة منذ فارقته آخر مرة، بعد أحد الأمسيات الشعرية بكوستي في العام ١٩٨٨. فقد استهل عبد الحميد حياته الأدبية شاعرا مرهفا ورصينا عذب الكلمة!

    وقد كانت كوستي وقتها مدينة الشعر والشعراء، والذين ضلوا طريقهم من راحة البال إلى قلق الكتابة وتوتراتها!

    ما لفت نظري في تداعياته بتلك الأمسية ليست قوة ذاكرته، بل حميمية الذكريات حتى الأليمة منها. ف”الونسة” مع عبد الحميد لا تخلو من محبة الصوفية وشجن الحنين الآسيان!

    أجريت معه وقتها حوارا مطولا حول السرد وأثر الغربة على الكتابة في رحاب اصدارته القصصية الأولى “تداعيات في بلاد بعيدة”. التي كتبت عنها بعد ذلك ونشرت الحوار بصحيفة الصحافة، و أسفت أن أجمل كتابات قصاصينا وروائينا تنشر بالخارج ولا تصل السودان. وفيما يتم تسليط الضوء على كتابات دونها كثيرا تجد هي الإهمال المتعمد مع سبق الإصرار والترصد، لكأن هناك خوف خفي من كل ما هو جميل، يتواطأ لتصعيد الزبد وابقائه، فلا ينفع الكُتاب!

    في الأمسية نفسها ذهبت معه إلى شقته في مدينة نصر، نكمل حديث الذكريات عن كوستي والناس والأشياء ورابطة الأصدقاء الأدبية، والسوق الصغير ومقابر “ود ام جبو” وآخر الذين لم ترد أخبارهم!

    لم يلبث عبد الحميد إثر ذلك اللقاء إلا قليلا حتى هاجر إلى كندا التي لم يشأ العيش فيها فغادرها إلى استراليا حيث يقيم الآن.

    فترة حياة البرنس في القاهرة كانت محتشدة بزخم الحياة الثقافية والفنية والصحافية المصرية. التي لا تخطئ العين آثار أُلفتها مع نصوصه وعوالمها المتشابكة بين البلاد البعيدة وجوارها.


    وما بين أقواس القاهرة وكندا واستراليا كتب عبد الحميد عددا من الروايات والمجموعات القصصية الجميلة، التي لا تخلو من فتوحات سردية، وتمثل إضافة نوعية ومميزة للرواية والقصة العربية والسودانية ك “السادة الرئيس القرد- عن روايات الهلال، وكذلك عن دار ميريت، مشاهد من رحلة يوسف الأخيرة عن سلسلة آفاق عربية، غرفة التقدمي الأخير عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، الخ”.

    أهمية عبد الحميد كسارد لم تكتشف بعد، وفي ظني أن أعماله بحاجة للنشر داخل السودان كيما توطن نفسها في نسيج تجربة السرد السوداني الذي تمد جمالها إلى جذوره، وما أحوج مشهدنا الثقافي إلى قراءة نصوص راقية متعوب فيها، بمثابة خط شروع جديد في إغناء وتنقية مشهد السرد في السودان.

    لانسينغ، ميتشيغان.
    ٢٦/٦/٢٠٢١

    تالياً، كتابة على كتابة أحمد ضحية:







                  

06-27-2021, 03:09 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: عبد الحميد البرنس)

    "في الكتابة المحبة.. عن الروائي عبد الحميد البرنس نحكي\ أحمد ضحية". شكّل الحكي بالنسبة لي منذ وقت بعيد مشروع حياة. في عام 1988 أثناء تواجدي في الخرطوم، حيث كتبت قصة لمجلة من ذلك العهد، قرأتها أمي في كوستي، فعرّفت أنني أتحدث عنها هناك، في ذلك النصّ الذي حمل عنوان "يابسة الكفين". ذكرتُ هذه الواقعة ربما تفصيلاً لمطبوعة عربية من المتوقع أن تنشره ضمن ملف في مقال أرثي فيه أمي التي كثيراً ما استلهمت مواقفها في الحياة في كتاباتي. مثل عبارتها "الكلمة أطول من العمر يا ولدي". عيناي تدمعان الآن. هذه العبارة جاءت في مسودة الجزء الثاني من ثلاثية التقدمي الأخير التي أضع عليها الآن اللمسات الأخيرة تمهيداً لنشرها قريباً بإذن الرحمن. لكنّ أمرين يشي بهما مقال ضحية هذا المفخخ بوافر سخي من كرم لا أستحق. وهما: إنّه لا يبقى من كتابة ما في الأخير ومهما انطوت عليه هذه الكتابة أو تلك أو غيرهما من تقنيات متقدمة سوى درجة عمقها من الحبّ. ما يعمل على بناء الإنسان لا هدمه هو ما يتبقى. وهذا فعل المحبة بعينه. إنني تعودت أن أكتب لا أن يكتب عني. وهذا ما يثير لدي حالة من القلق المبهم. لقد تعودت على العيش في الظلّ. الأضواء قد تنزعني عن حالة العزلة المهمة بالنسبة لأي كاتب هناك. مثالي الأبرز هنا وليم فوكنر. وسواء أكنت انت ككاتب تقبع في الظلّ أو الضوء لن تنجح في مهامك ما لم تتعود على الكتابة تحت ضغط ما. قد يكون هذا الضغط كتلة كراهية عمياء أو حتى كتلة عاطفية خام يطلق عليها أحياناً عبارة "القرد في عين أمه غزال". على المشاعر ألا تفقدنا الوعي بموقعنا في العالم!
                  

06-27-2021, 04:16 AM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: عبد الحميد البرنس)



    اخي الكريم عبدالحميد البرنس
    متعك ربي بالعافية ومعك المبدع أحمد ضحية
    في البداية للذين لا يعرفون أحمد ضحية ككاتب ومبدع سوداني في تعبير دقيق أقول أنه يمثل الاديب السوداني الاصيل الذي يكتب بصوت
    أهلنا ويحكي عن تحدياتنا الأنسانيين في بر السودان
    لك مني كل الاجلال والتقدير الكاتب احمد ضحية
    ولك كل الامتنان عبدالحميد وانت تعرض علينا احمد من زواية مختلفة
    مع كل الود



                  

06-27-2021, 06:35 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: زهير عثمان حمد)

    اشكرك عزيزنا زهير على بهاء الحضور والمتابعة. واشكرك أكثر على تسليط الأضواء على كتابنا الكبير أحمد ضحية صاحب المجهود الوافر المميز في حقل الكتابة الإبداعية والنقدية. على أن وجودنا السوداني قد تجاوز أرضنا المحدودة منذ عقود، وتفرق في الانحاء والأسباب، بحيث غدا بحاجة إلى أكثر من صوت للتعبير كما وعددا عن حال التمزق والشتات والتبعثر التي نعايش. كل الود
                  

06-27-2021, 11:30 AM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: عبد الحميد البرنس)


    جيل جديد من الكتّاب ولدوا ونشؤوا في ظل المحنة العربية التي نعيشها اليوم، مما قد يعني كتابة جديدة قد تقود إلى تأسيس مذاهب أو مدارس أدبية مختلفة تعزز قيمة أدب الحرب والسجون، وأدب اللجوء والمنفى

    13/04/2021

    A A

    0

    SHARES

    رحل الأدباء وحملوا معهم العديد من الأسئلة حول مستقبلهم الإبداعي، وفي أعقاب موجات الهجرة الأخيرة أثيرت تساؤلات من قبيل إمكانية الاستمرارية رغم الظروف المعاكسة، وهل أفرزت هذه الهجرات الكبيرة أدبا مميزا أو مذاهب أدبية تذكرنا بالرابطة القلمية وأدباء الأميركتين مثل جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي، أم أن ظروف الهجرة القسرية تختلف؟ وهل يمكن أن نتوقع مدارس ومذاهب جديدة ضمن أدب المنافي؟

    الكتابة وتغير المناخات

    عن الكتابة في حالة تغير المناخات والأماكن يعتقد الكاتب والشاعر العراقي المقيم بسلطنة عمان عبد الرزاق الربيعي أنه رغم أهمية الأمكنة فإنها ليست العامل الوحيد، ويوافقه الرأي الكاتب السوري المقيم في كندا عبد الرحمن مطر بقوله إن “الكتابة هي فعل حياة مثلما هي طوق نجاة، وتوق لتحقيق منجز إبداعي يكون معبرا عن انشغالات الكاتب، خاصة في ظل ما يعيشه من معاناة غير مسبوقة في عالمنا العربي”.

    ويضيف مطر “في ظل الترحال القلق الذي يعيشه الكاتب العربي بسبب مصادرة الحريات والحقوق -وفي مقدمها حرية التعبير بصورة غير مسبوقة في العشرية الثانية للقرن الـ21 من قبل أنظمة الاستبداد والجماعات المسلحة المتشددة على حد سواء يتعرض خلالها الكتاب إلى الملاحقة والاعتقال والتصفية- فإن الكتابة تبقى هي الملاذ الأكثر أهمية، كي ينقذ فيها الكاتب نفسه من سطوة الآخر الذي يسعى إلى إخماد صوته، وأن ينقذ كتابته من الاستسلام للظروف القاهرة، ومن جملتها تغير المناخات التي تفرض عليه تغيرات شتى، في الرؤية، وفي النظر للأمور بعين مختلفة، وبتصورات ذهنية متغايرة عما اعتاد عليه”.

    ويخلص إلى القول “تتجلى هنا الأهمية الضرورية، لقدرة الكاتب على تجاوز محنة التغيرات التي تلم به، وتبرز مقدرته الإبداعية في الأخذ بما توفره البيئات الجديدة من حريات في التعبير والكتابة لا حدود لها، كتابة جديدة”.

    بينما تؤمن الكاتبة الأكاديمية المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية وجدان الصائغ بأن في التحول المكاني فائدة، وتعلل ذلك بالقول إن “الكتابة طقس من طقوس الحياة للكاتب، وتغير مناخات الكتابة يوقد جذوتها، فتغير المناخ المكاني يولد إحساسات متباينة بين أقصى الإحساس بالنفي إلى أقصى الإحساس بالانتماء إلى المكان الجديد بناسه وثقافته”.

    وعن أثر ذلك فيها، تضيف الصائغ “أزعم أن تغير المكان أضاف لي بقدر ما أخذ مني، أخذ مني فكرة الاستقرار وجعلني أحمل حياتي وذكرياتي بحقائبي، ولكنه منحني سانحة التجوال في مدارات جديدة وأقصد الإبداع العربي، فخرجت من دائرة المحلية إلى العربية، تغير المناخ السياسي يولد إحساسات متباينة عند الكاتب، فهي تغيرات تجعله في مهب الريح وبكل اتجاه حين يتحسس بنفسه تحولات الحلم إلى كابوس، وحين يلمح جراح الأمس قد غدت نثارا وعبئا ثقيلا لا طموحا بواقع أفضل”.

    الكاتبة الناقدة العراقية وجدان الصائغ: تغير المكان أضاف لي بقدر ما أخذ مني (مواقع التواصل الاجتماعي)

    وتوافقها الكاتبة القاصة الليبية المقيمة في كندا عزة المقهور، والتي تقول إن “الكتابة عادة لا يسبقها تفكير، تقتحم الكتابة تفكيرنا دون استئذان، بل تسيطر عليه وتوجهه أحيانا، المناخ لا يهم كثيرا في رأيي، وإن حظي بأهمية فيكون ذلك حين يثير الذاكرة أو ينشطها أو يستحثها أو يشحذها”.

    المهجر واستحداث المذاهب

    وعن إمكانية استحداث مدارس أو مذاهب جديدة في الغربة، تؤكد القاصة عزة المقهور إمكانية ذلك، حيث تقول إنها تتأسس كل يوم “فتكنولوجيا الاتصالات أسست مدارس أدبية، وما إدراجات الفيسبوك وتغريدات تويتر إلا واحدة منها، والحروب الأهلية والنزاعات الداخلية التي تلهب المنطقة بعد حقبة أدب الاحتلال وأدب السجون لا بد أن تنتج مدارس ستجد تسميات وقوالب لها قريبا”.

    وهذا ما يميل إليه الكاتب عبد الرحمن مطر أيضا، حيث يقول “راهنا، تعيش الكتابة تحولات مهمة ومخاضات كثيرة وظهور أجيال جديدة من الكتاب لها ثقافتها ورؤيتها المختلفة والجديدة، على غرار جيل الستينيات الذي وضع أسسا لحركة ثقافية عربية جديدة بالمعنى الحداثي، وأنتجت تجارب الستينيات أدبا ونقدا مميزين”.

    ويضيف مطر “بل إن جيلا جديدا من الكتاب ولد ونشأ في ظل المحنة العربية التي نعيشها اليوم، ولدت إبداعاتهم في المخيمات والمعتقلات وأماكن النزوح وبلدان اللجوء، ومن الطبيعي أن تقود تلك التجارب إلى كتابة جديدة قد تقود إلى مذاهب أو مدارس أدبية جديدة، ربما، لكنها ستعزز من مكانة وقيمة أدب الحرب والسجون، وأدب اللجوء والمنفى بشكل أساسي”.

    لكن الناقدة وجدان الصائغ لا تؤمن بوجود مذاهب أدبية من الأساس، وتفسر ذلك بالقول “لم أجد مدارس أو مذاهب في الأدب العربي على الرغم من طول مكوثي في الساحة النقدية، لأن المدارس والمذاهب لها سياقاتها الاجتماعية والثقافية، وللأسف المشهد الإبداعي العربي شئنا أم أبينا انعكاس للمشهد السياسي، وأقصد هنا البروباغندا الإعلامية العربية”.

    وتماهيا مع السؤال، تقول الصائغ “يمكن أن أقول إن خرائط الحزن هي المسيطرة على القصيدة المعاصرة، وتحديدا العراقية، وإن الجرأة في طرح الإشكاليات الاجتماعية هي المهيمنة على السرد العربي”.

    اعلان

    بدوره، ينفي عبد الرزاق الربيعي علاقة المذاهب بالغربة بدافع الاستحداث، فيقول إن “المذاهب لا علاقة لها، بعضها قضت على الروح المبدعة بسبب معاناة المهاجرين، ومتاعب الغربة، والابتعاد عن المحفزات الخارجية، كالتواصل مع دور النشر والصحف والمؤسسات، إذا كان الشاعر أو الكاتب يقيم في دولة أجنبية لكنها أوجدت مدارس ومذاهب، فكانت الغربة دافعا، حاليا لا أظن، فالغربة بدأت تذوب مع التواصل، والتطور التكنولوجي، والعالم سرعان ما تحول إلى “قرية صغيرة”.

    اختلاف مهاجري اليوم

    هل يختلف الأدباء المهاجرون في الأمس عنهم اليوم؟ يؤمن عبد الرحمن مطر باختلافهم الجوهري، ويبرر ذلك بالقول إن “أدباء اليوم ليسوا أدباء مهجر، بل أدباء لاجئون في المنافي، أدباء المهجر تختلف ظروف هجرتهم -كما هو معروف- عن أسباب هجرة مئات من الكتاب العرب خلال نصف قرن، معظمهم خلال السنوات العشر الأخيرة، هم اليوم لاجئون، منفيون قسرا عن أوطانهم، ومنتجهم الأدبي مختلف جذريا عن النتاج الأدبي المميز الذي أنتج مدرسة أدبية “أدب المهجر”، أدباء اليوم هم كتاب في المنفى، وملامح نشوء تياراتهم الجديدة آخذة بالتشكل اليوم، خاصة في ظل انتشارهم المهول في شتى جهات الأرض ومنافيها”.

    وبخصوص موضوعات انشغالاتهم يقول “تختلف الموضوعات التي ينشغل بها المبدعون، من الحنين إلى البلاد والأهل إلى التعبير عن معاناة القهر والظلم والاستبداد، تتغاير الصورة من الأشجان التي يثيرها سقوط الثلج لدى رشيد أيوب أو ميخائيل نعيمة، إلى صورة الضحايا في المخيمات وفي العراء، تحت الثلج أو المطر، بسبب القتل والتهجير الذي تمارسه سلطات القمع في سوريا، كمثال قابل للتعميم، كاتب المنفى تشغله اليوم قضايا الحرية، والهروب من الموت، وحكايات المعتقل مثلما تشغله قضايا الناس وحكاياتهم في الحب والحياة والمجتمعات الجديدة”.

    وقياسا على ذلك، تقارن عزة المقهور بين الأمس واليوم “أدب المهجر نوع من الأدب الذي ظهر ما بين الحربين العالميتين، وتأثر بالمدرسة الرومانسية الأوروبية، وأثر وأثرى الأدب العربي وكان فرسانه جبران ونعيمة وأبو ماضي بارعين في التكيف مع محيطهم الجديد والتمسك بلغتهم وثقافتهم في آن واحد، فشكلوا همزة وصل وثيقة تمكنت من النهضة بالأدب العربي ومن تمهيد الطريق لثورة الشعر الحر، أما اليوم ومع تطور الاتصالات وسرعتها وسهولة التنقل فإن هذا المصطلح لم يعد بذات الوقع والمعنى”.

    وتختم المقهور بالقول “يعيش المهاجر غربته وهو قريب من موطنه وعالم بما يجري فيه وملامسا لأحداثه، لا يمكن اليوم أن يموت جبران قبل أن يلتقي بمي زيادة أو ينتظر أشهرا لتصل إليه رسالتها”.

    أما الناقدة وجدان الصائغ فتختلف مع الجميع وتفترض التشابه التام، وترى أنه “لا اختلاف بين مبدع الأمس اليوم كما لا يختلف جلجامش اليوم عن جلجامش الأمس في بحثه عن عشبة الأمان”.

    أدب مهجر أم منفى؟

    وبشأن إدراج كتابات المهاجرين اليوم تحت أدب المهجر أم المنفى، تعتقد وجدان الصائغ أن هذه التسميات “هي مسميات مدرسية قرنت في ذهني أن أدب المنفى هو أدب معارض، وأن أدب المهجر هو أدب لجماعة أبعدت عن أمكنتها الحميمة تقفز مباشرة إلى ذهني صورة جماعة المهجر وجبران وأخوته، لكني لا أجد ذلك متفقا معي أنا شخصيا، فأنا لست منفية لأن النفي مسمى سياسي بحت لا علاقة لصلة المبدع بأمكنته التي شهدت طفولته وصباه، ولست مهاجرة لأني أمكنتي التي أعشق ما زالت تتربع عرش القلب”.

    ولا تشعر بالانتماء لكليهما “مطلقا فما زلت رغم ثلوج القارة الأميركية أحمل صنعاء وبغداد في حنايا القلب وأكتب عن أدبائها وكأنهم معي، وربما أذابت وسائل التواصل الاجتماعي الإحساس ببعد الدار والديار، لذلك لا أجدني أشبه ابن زريق البغدادي في محنته، ولا حتى المتنبي في بحثه الدائب عن صولجان المكان، لأن المكان باختصار معي في حلي ومرتحلي”.

    ويتناسق ذلك تماما مع رأي عبد الرزاق الربيعي الذي لا يعتبر المدارس الأدبية العربية تقسيمات نقدية، بل” أقرب ما تكون إعلامية، فالمنفى مفهوم مجازي وشعري أكثر مما هو واقع فعلي، كما أن المهجر تشظى، وصرنا نهاجر تحت جلودنا، لنترك أزهار النصوص تتفتح في ربيع القصيدة بلا تأطيرات نقدية، ولنترك الحكم للزمن والمتلقي”.

    في حين يطالب عبد الرحمن مطر بإدراج كتابات مهاجري اليوم تحت تأطير “أدب المنفى”، حيث يقول “بالنسبة لي، أدرك قيمة التمييز ككاتب في المنفى، بين أن تندرج نصوص المهاجرين اليوم تحت مسمى “أدب المنفى” وأن نجتهد في استخدام هذا المصطلح، لأنه الأكثر تعبيرا عن حالنا، نحن لاجئون، كتاب في المنفى القسري، ولم يكن لنا خيار في ذلك، وكتابتنا من الطبيعي أن تكون في أحد معانيها أو قيمها أو سماتها: كتابة المنفى، تعبر عنها وتبوح بها نصوصنا، أيا كانت صورتها ووسيلتها والتحديات التي يواجهها الكاتب في مجتمعه الجديد”.

    ويضيف “إنها تضج بهواجس الكاتب اللاجئ وقضاياه، وبروح المنفي الذي لا حدود لقلقه، وآلامه وأحلامه”.

    نعيمة العجيلي – الجزيرة نت

    ____

    تحية مربعة للإخوان الكرام الأخ الأديب أحمد ضحية
    والأخ الأديب عبدالحميد البرنس
    لهم التحية وهم ينتشرون وينشرون ويرسمون الصور البديعة للسودان عبر شبابيك
    مهاجرهم البعيدة .
    لهم التحية وهم يقومون بتلك الأعمال الإبداعية البديعة.
    تلك الإبداعات في الحقيقة هي تمامة لطريق شيخ المهاجرين
    جبران خليل جبران بين خليج بروكلن والعالم .
    هي تمامة لطريق سعدي يوسف للاحفاد.
    هي تمامة لطريق سامي سالم .
    هي تمامة لمستقبل مشرق للآداب.
    الرحمة للفاتحين من المهاجرين.
    والتحية لكم يا أخ ضحية وأخ البرنس .




                  

06-27-2021, 12:14 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22832

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: Osman Musa)

    أهمية عبد الحميد كسارد لم تكتشف بعد،
    وفي ظني أن أعماله بحاجة للنشر داخل السودان كيما توطن نفسها في نسيج تجربة السرد السوداني الذي تمد جمالها إلى جذوره، وما أحوج مشهدنا الثقافي إلى قراءة نصوص راقية متعوب فيها، بمثابة خط شروع جديد في إغناء وتنقية مشهد السرد في السودان*


    *

    تحياتي البرنس
    نشر اعمالك داخل السوان بالفعل مهم للمشهد الثقافي السوداني

    دمتم
                  

06-28-2021, 10:12 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: ابو جهينة)

    حياك الله عزيزنا أبا جهينة:

    مسألة النشر في بلادنا أخذت تلح عليّ بالفعل خلال السنوات الأخيرة. لعل المسألة مسألة وقت كما ظللت أخبر نفسي. حاولت تجسير هذه الفجوة بالكتابة أوائل الألفية من كندا والنشر في صحيفة يشرف عليها أستاذنا ومبدعنا الكبير عيسى الحلو. ثم حدث أمر ما في المنتصف ونسيت الأمر برمته في ظل الظروف الضاغطة للمنفى. وعلى ذكر المنفى، تالياً مادة طلبتها مني مطبوعة عربية بداية العام الماضي على أمل أن يتم دمجها في سياق استطلاع عام. كل الود.


    حين تلقيت الدعوة للإسهام في استطلاع موضوعه الأساس المنفى لمجلة الجديد الثقافية الشهرية التي تصدر في لندن، قلت في نفسي: ما الذي يمكن للمرء إضافته هنا بعد تأمّلات إدوارد سعيد تلك حول المنفى؟
    المنفى! يا له من مأزق جوهره عزل ماديّ ومجازي.
    أتذكر الآن أنني لسنوات عدة لم أكن أفكر قطُّ في المنفى. لأنني وببساطة كنت ولا أزال أعيش المنفى. كي تفكر في المنفى كموضوع لا بدّ أن تنشأ بينك وبينه مساحة موضوعيّة ما تسمح بتوصيفه وتحليله. ويحدث أحيانا كما في الحال القصوى للألم أن يبطل تأثير مفعول أمر ما لحظة أن يتجاوز طاقة المرء على الاحتمال. كذلك بدأت سطوة المنفى كموضوع للتأمّل تفرض نفسها مباشرة على موضوعاتي السرديّة. وجدتني أكتب نصّ "المنفيان"، الذي رأى النور وقتها على صفحات المرحومة "الحياة اللندنية"، من قبل أن ينضم إلى المتوالية القصصية "مشاهد من رحلة يوسف الأخيرة" الصادرة خلال العام 2016 عن هيئة قصور الثقافة في مصر، وفي المتوالية نفسها، ظهرت كذلك أولى بذور كتاباتي على الاطلاق عن المنفى كموضوع للتأمّل، ضمن نصّ "تواريخ لا يذكرها أحد"، والنص هذا بمثابة حفر أركيولوجي يستعرض قصة بناء أول حائط في تاريخ العالم، ثم تطورات ذلك الحائط المادية والمجازية كعلامة دالة على العزل والفصل والحدود، إلى يومنا هذا. وكان لا بدّ أن يذكر المنفى هنا "ثم أخذ يتكون هناك، على نحو مطرد لا ريب، "حائطُ المنفى" طوبة فطوبة، ولا يزال. كان حائط المنفى هذا من أكثر تلك الحيطان "مدعاة للكآبة". يُوضع وراء هذا الحائط عادة أُناس يطالبون بهدم حيطان أخرى أُنفق في بنائها آلاف السنوات، حيث يُتركون هناك لمصيرهم تحت رحمة سماء العزلة لمكابدة تربة الحنين وحصاد الذكريات بين قوم مجهولين". إلا أن المنفى سرعان ما فرض نفسه كموضوع للتأمّل المباشر والتفكير على نحو طاغ من خلال روايتي "غرفة التقدميّ الأخير" الصادرة قبل أشهر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. هكذا يبلغ المنفى لدي على نطاق ما هو منشور أعلى تجلياته "المنفى (يا مها) سرطان الحواس. يبدأ بحاسة البصر. وينتهي بحاسة اللمس. فإذا العالم يتلاشى. ويخفّ حتى يبدو كأن لا وجود له، البتة، هناك".
    لكن المنفى كان هناك دوما كخيط غير مرئي ينتظم كتاباتي. ليس فحسب من باب أن الكتابة الإبداعية تنتمي إلى "الوعي المفارق"، أو "الوعي الممكن"، حسب مصطلح لوسيان غولدمان، مما يفقدها ذلك التناغم مع "الوعي الكائن"، ويضعها بالتالي في علاقة توتر ما ضد ما هو قار وسائد؛ بل كذلك لأن مجال اهتمامي كذات تعيش وتتحرك وتفكر كان ولا يزال الإنسان خارج بيئته الأصليّة. ما الذي يحدث مثلا لذلك الإنسان المنتقل من سياق ثقافي واجتماعي يتسم بقدر ما من البساطة إلى سياق آخر مغاير يتسم بقدر ما من التعقيد؟ ما هي استجابة هذا الإنسان للتحديات الثقافية والحضارية والوجودية التي يجابه؟ ما هي آليات التكيف لديه؟ ماذا يحدث له أذا تشرنق بانيا حيطان بينه وبين الآخر عوضا عن إقامة الجسور؟
    المنفى ليس بعدا سلبيا على الدوام. إذا كنت لا تستطيع كروائي مثلا أن تتبع بوصفك مقتلعا على نحو ما حركة الكائن في مكان واحد منذ الميلاد حتى الممات، إذ عليك أحيانا أن تستبدل البيوت والأحياء والأقطار واللغات كما تستبدل قميصا؛ إلا أن هذا القلق والتوتر والرحيل وخطر التعرض للفقدان في أية لحظة يساعدك ككاتب دوما في التقرّب مما هو جوهريّ وباق ومتسم بديمومة ما، او ينجيك بعبارة أخرى من مزالق ما هو عابر ومتخم بمجد اللحظة الآنية الزائل، عوضا أن هذا النزوح بين الثقافات واللغات والأمكنة وطرق العيش يثري من نزعتك الإنسانية ويحررك من أسر الولاءات الضيقة، فضلا أنّه يهبك عبر كل ذلك البعد نظرة الطائر إلى وطنك الأصلي لا نظرة الحشرة الزاحفة التي حرمت من رؤية العالم في شموليته وتعقده وتعدده وتنوعه وحركة عمله المتناغمة ككل. ربما لكل هذا غيّب جيمس جويس ايرلندا عن ناظريه حتى يراها!
    يتبقى الإشارة إلى أن العالم ظلّ منذ نحو أكثر من مئتي عام تقريبا رهينة ولا يزال في يد قلّة من المرابين، الذين بسطوا سطوتهم عبر أقنعة منها الاستعمار والحروب وصندوق النقد والبنك الدوليّ، والذين يعيدون منذ عقود على خلفية الثورة العلمية الثالثة رسم خارطة العالم وإعادة تشكيله، على نحو يقع ما بين عمليتين متناقضتين هما دمج السوق العالميّة وعزل الأغلبية عن منافع تلك السوق وتحويلها إلى محض مستهلكين متفاوتي القدرة. في السياق، أخذت تظهر منذ نحو خمسين عاما تقريبا مصطلحات انقلابية مثل "المواطنة الكوكبية"، بالتزامن مع تفاقم نفوذ الشركات الضخمة متعدية الحدود. ولا تنفك عن العمل حثيثا، تلك المحاولات الرامية إلى عزل الإنسان عن قيمه الروحية والحضارية والثقافية، وتقريبه من ثم من ماديّة مجردة عن أي بعد أخلاقيّ هناك. بقدر ما تأخذ مفاهيمنا التقليدية عن أشياء مثل الوطن في التفكك بقدر ما تضيق مساحة حريتنا في عالم ذي سماوات مفتوحة.
                  

06-27-2021, 11:37 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: Osman Musa)

    عزيزنا الشاعر الإنسان عثمان موسى: تحية متجددة أخي. أشكرك كثيراً لفتح الباب واسعاً هكذا للنقاش عن الأدب المكتوب في المنفى، أو حتى ذلك الأدب عن المنفى، وفي ظني كما قد يتفق معي الكثيرون هنا أن ما من تأملات نقدية حول أدب المنفى والمنفى نفسه يمكن أن تمر أو تتم من غير مراجعة آراء إدورد سعيد الحصيفة في الخصوص. وما يلفت انتباهي هنا أكثر أن التعبير عن وضعية المنفى التي يلاحظها سعيد على الأخص كحوادث فردية قد تتجلى أثناء قراءة له عن كونراد أو جيمس جويس، إنما تتخذ في أيامنا هذه طابعا جماعياً لافتاً في حضوره ومعاناته. أغلب البيوت لم تجتمع الأسر فيها لسنوات حول مائدة واحدة وأسباب الشتات والفرقة لا تحصى. كما لو أن الجماعات أو المجموعات البشرية قد أخذت تنفي هي الوطن لا العكس.

    تالياً، تحقيق صحفي قمت به أنا قبل نحو عشرين عاماً في القاهرة لصالح صحيفة الحياة اللندنية يحاول تلمس أبعاد وضعية المنفى من خلال تجارب بعض مبدعينا الذين رحل بعضهم (الشاعر علي الكامل) عن الحياة ودفن في منفاه القاهري رحمه الله وأطال عمر أبكر ومنعم ومتعهما بالصحة والسعادة:

    أدباء سودانيون في “المنفى” المصري
    تفاصيل النشر:
    المصدر: الحياة
    الكاتب: عبدالحميد البرنس
    تاريخ النشر(م): 8/8/2001
    تاريخ النشر (هـ): 18/5/1422
    منشأ:
    رقم العدد: 14024
    الباب/ الصفحة: 16 – ملحق آفاق

    ما زال تاريخ الأدب يستقبل لوحات الحنين والذكرى والضياع في بلاد “الآخرين”. ذلك أن قدرة المبدع على التقاط التجربة الانسانية تضاعف لديه الاحساس بفقد المكان الذي وهبه الإدراك الأولي للعالم والاشياء. “الحياة” التقت في القاهرة ثلاثة أدباء سودانيين وحاورتهم حول “الكتابة خارج الجغرافيا والمجتمع”. سألتهم عما اذا كانت الذاكرة لا تزال تشكل مصدر مواضيعهم الأساس. وما الذي تركته البيئة الجديدة – البديلة – الأخرى على صفحات نفوسهم ودفاترهم من أثر؟ أبكر آدم اسماعيل صدرت روايته الاولى العام الماضي عن مركز الدراسات السودانية في القاهرة وقدم لها صنع الله ابراهيم. “في زمان مضى، كنا نكتب الرسائل للأصدقاء بعد مغادرتنا لقريتنا – الوادعة هناك في المدارات البعيدة – الى الخرطوم منفانا الأبدي كقرويين، كنا نكتب الجملة الأثيرة: إن الاشياء تبدو أكثر جمالاً عندما تدخل مسرح الذكريات”. عالم كامل يعود في قطار الحنين العائد وأشياء تلعب في مسرح الذاكرة وتكون جميلة وتخرج الى الورق – الرسائل”. ويمضي أبكر قائلاً: “لما صارت الكتابة جزءاً من رسالة العمر كله، واختياراً ضرورياً – على رغم ما بالتعبير من تناقض – كانت هي أيضاً ذلك الاستدعاء لعوالم انسانية متسعة تأتي الى الورق في اللحظة الحاسمة، فلنسمها “لحظة الكتابة”. وهنا يضع صاحب رواية “الطريق الى المدن المستحيلة” مفهومه للكتابة. فهي “عموماً حالة مستمرة من التأمل والتفاعل والحساسية”. وهي أيضاً “هذا الاستدعاء أو الاستناد عليه لبناء ما نكتب”.

    على المستوى النظري نفسه، يخلص أبكر الى القول: “ببساطة الذاكرة هي المصدر. ذاكرة الزمان، المكان، الحس. وكل ما في الأمر أن المنفى – على المدى القصير – شيء تحريضي على الكتابة. على المدى الطويل، لم أجرب، ولكن بالتأكيد سيكون المنفى جزءاً من تركيب الذاكرة – المصدر”. ويتساءل أبكر، الذي مضى على وجوده في القاهرة قرابة العامين: “هل القاهرة منفى؟ نعم، فبالعودة الى الرسائل التي كتبناها للاصدقاء وجدت أنه دائماً ما تتكرر جملة أو شكوى أن “المرء في مدينة فيها حوالى العشرة ملايين من البشر، لكنه يحس دائماً بأنه وحيد”. ويضيف: “كثيراً ما كنت أردد على مسامع الاصدقاء القليلين هنا في أواخر النهارات بأني عائد الى “سجني طرة المعادي”! وأقصد غرفتي هناك، وهي في الواقع “سجن” ليس لأن هناك أحداً يمنعك من الخروج، ولكن لأنه لا أحد ستخرج إليه، ولا مكان إليه ستذهب”.

    ويختتم: “حتى الآن، الكتابة خارج الوطن هي الوطن وزيادة، زيادة في الحب، وزيادة في الاكتشاف العميق. والأمر كله مفتوح الى الغد”.

    علي محمد الكامل، الذي تجاوزت فترة نفيه العقد، شاعر يمنح مفردات الرحيل والمنفى والهجرة في معظم قصائده معنى ايجابياً، أليس هو القائل: “هل كلُُُّ راحلٍ- يريدُ دمعة ومغفرة – إن الراحلينَ مثلي- يطلبون كأساً وقبلة وأغنية”؟

    والكامل في هذا السياق لا يفارق رؤاه الجمالية السابقة، إذ يقول: “المبدع يظل أبداً يحمل هموم وقضايا مجتمعه وسماته بل الابتعاد عن هذا المجتمع يقرّب المبدع أكثر لنفسه وللتنقيب في ذاكرته وهذا يجعل العمل الابداعي صعباً وجميلاً في آن… حين تصبح الجغرافيا شيئاً بعيداً عزيزاً يضطر المبدع للغوص عميقاً في الذاكرة في الجراح المتفتحة وحتى التي اندملت، هذا الحفر العميق الشاق يفجر ينابيع أكثر صفاء من تلك التي نجدها قريباً من السطح… بالنسبة الى تجربتي الشخصية أجد الفرق واضحاً بين كتاباتي داخل الوطن وكتاباتي خارجه. فالأخيرة أكثر نضجاً، وهذا لأنها لاحقة. فهناك أثر للتراكم والتغيير والمنفى عمّق تجربتي، حساسيتي، واضاف اليّ أبعاداً جديدة، فضجيج الشوارع في الجغرافيا الأولى كان يطرق طبلة أذني لكنه الآن يطرق جدران قلبي، فأنا أحمل جغرافيا وتحملني أخرى أعيش واقعها حاضراً وأحلم بحاضر بعيد هو حاضر وماضٍ في آن وأستشرف المستقبل، هذا التشابك – التمزق يمكن ان يقود البعض الى مصحّات الأمراض النفسية لكنه ايضاً يدفع آخرين الى قمم الإبداع”.

    ويختتم متسائلاً: “أليست الكتابة احياناً بديلاً للانتحار، أليس من الممكن أن يكون المبدع داخل وطنه تحمله الجغرافيا لكنه يظل مغترباً عنها، أليس من الممكن أن نقول إن المبدع دائماً داخل الجغرافيا وخارجها في آن؟”.

    الشاعر عبدالمنعم عمر ابراهيم يعطي للمنفى أكثر من معنى، فهو تارة “السابق على الإثبات” وهو تارة أخرى “الطريق التي تسلبني حريتي ومقاومة فطرتي”، وهو تارة ثالثة “امتحان للذات السودانية والأوقات التي أنفقتها تفكر في الهوية” كما أنه “ظاهرة لها انعطافاتها الابداعية ومصانعها المتلقفة ومنطلقاتها الداعية للتأمل”.

    وعليه، يدرج عبدالمنعم تجربته الإبداعية في إطار المشروع السوداني العام في المنفى، مؤكداً أن خطاب المنفى لا يختلف عن خطاب التكيف الاجتماعي، فهو لا يؤسس لمراحل أبعد في عملية التغيير ولا يعمل إلا لمصلحة ذوات فردية، هكذا، محكوماً ببنية التكيف نفسها، يكاد ينعدم فيه التصور الاستراتيجي”.

    حال العدم السائدة هذه، يراها عبدالمنعم، خصوصاً، في “لغة المنفى”، التي “تعبر عن المنفى ذاته”، إذ لا خصائص هناك و”النص ليس سوى قلب سوداني بقالب جنسية المنفى”. ذلك أن ذاكرة المنفى تفتقر الى جدل العلاقات إذ “لا ترسم عوالم مختلفة ولا تستحضر تجارب الطفولة في الوطن”.
                  

06-28-2021, 12:24 PM

النذير بيرو
<aالنذير بيرو
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 215

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: عبد الحميد البرنس)

    عبد الحميد البرنس
    وأحمد ضحية
    لكم التحايا العامرات
    وقوس كوستي بينكم وزكريات جميلة
    تلكم المدينة التي تعلمت فيها أن اجمل
    الاشياء آتية......
    سوق ازهري ومقابر ودامجبو
    وشارع في الحلة الجدبدة
    حيث ولدت .......ورابطة الاصدقاء
    كتبنا عنها في زمن ماضي...تلكم المدينة المترعة بغيابنا
    لا ادري في زمن الاسافير لم احتفظ بها تلكم الكتابات
    لكنها موجودة نحت ومكان في الزاكرة
    بجيكم راجع
    النذير....
                  

06-29-2021, 06:46 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: النذير بيرو)

    حياك الله النذير أخي:
    سوق أزهري، تلك المقابر، وشارع في الحلة الجديدة.
    يا لها حقا من أماكن ملهمة.
    من ذلك السوق، الذي أتخيل أن موضة الأقاشي قد انطلقت منه إلى موائد العالم، أخذت في رسم أحد معالم الأسواق في رواية السادة الرئيس القرد، ومن المقابر كانت خلفية المكان في قصة وتواصل الرنين ثانية ضمن مجموعة مشاهد من رحلة يوسف الأخيرة، أما أحد شوارع الحلة الجديدة، فقد شكل بعدا هاماً في بناء قصة "وداع في صباح باهت بعيد", ولعل هذا النص ينتمي إلى مجموعة ملف داخل كومبيوتر محمول. وثمة أماكن أخرى كالمحلج ومطاحن الغلال وبيوت السكة الحديد وحقول الأرز وميناء البنطون والملحة وفول الزين وجامع الأحمدين ومدرسة جبور والأميرية والفوز وغيرها لا تنسى. كل تلك الأماكن لا تزال تحيا في أعماقنا حتى تلك التي لم تعد هناك مثل استوديو صلاح وهنادي والسينما الوطنية ومحلات كزام. كل الود
                  

06-29-2021, 10:29 AM

النذير بيرو
<aالنذير بيرو
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 215

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: عبد الحميد البرنس)

    البرنس
    صباحات غيمة كوستاوية
    نوستالجيا المكان والهام الكتابة
    قرات في خلال كتاباتك في موقع
    الراكوبة وتيقنت جيدا أن هذه
    الكتابات لاشك أن صاحبها
    كوستاوي.....
    بجيك راجع بمهلة صديقي البرنس
    النذير

                  

07-01-2021, 04:09 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: النذير بيرو)

    مرحباً عزيزنا النذير وأشكرك كثيراً على دفع الحيوية هنا بهذا الحديث الحميم الباعث على الحنين إلى كوستي. تلك المدينة التي تغنّى لها صلاح كوستي:

    "يا كوستي الجميلة
    مرتع ريدي وصبايا
    الخضرة في ربوعك
    أجمل وأحلى آية
    والصيد في خمايلك كم ردد غنايا"

    قد تكون تلك ليست كلمات الأغنية على وجه الدقة. لكنها ذاكرة الأذن وما يضفي بعد المسافة أحياناً على الذاكرة، أو يحذف. كذلك يبدو لقاء الأماكن والشخصيات في الواقع بعد طول غياب أقل من حلم اللقاء بها. هو بحث الإنسان الغامض دوماً عن حنين ما مفقود.

    ....
    .......

    رواية السوداني عبدالحميد البرنس: صناعة الدكتاتور بمسحوق الوهم

    بقلم الكاتب المصري:

    *العربي عبدالوهاب

    يمكننا أن نبني تصوراتنا الخاصة بموازاة المطروح داخل إطار المشهد الروائي الذي يصنعه الكاتب السوداني المقيم في أستراليا عبدالحميد البرنس في روايته الأولى «السادة الرئيس القرد» (ميريت)؛ ذلك المشهد الطويل ككابوس؛ والمؤثر حدَّ البكاء والموزَّع على مجموعة مقاطع يفضي بعضها إلى بعض. تلك المقاطع التي تسعى فى حركتها الظاهرية نحو مغازلة واقع، يتجلى حضوره من خلال الحفر الدؤوب في بنية الوعي لدى الشخصيات مستخرجاً هواجسهم الملعونة التي تصبح هي محور حيواتهم، على رغم أنهم يتحلقون حول شخصية «حمو» (الطفل الشيطان) الذي سيعتلي في النهاية سدة الحكم، ويحصل على لقب «الرئيس القرد»، علماً أن الرواية مكرّسة لآليات صناعة الديكتاتور، إلا أن الكاتب استبعد حضوره – ليظل مثل كتلة غامضة تلفها الألغاز وتدور حولها الحكايات – قدر الإمكان مستنهضاً في الوقت نفسه الأحداث المحايثة لميلاده والمتزامنة مع تطور وعيه، واختلافه عن معاصريه (من وجهة نظرهم المبالغ فيها) لدرجة رفضهم له بسبب هذا الاختلاف المزعوم. فنطالع الداية القانوية «أم سدير» التى تفتتح الرواية برؤيا هي عبارة عن رسالة يحملها شخص غريب ناقلاً إياها عن «الشيخ أحمد الطيب البشير السوداني». وقفت «أم سدير» أمام هذه الرؤيا متأملة بِركة دم تخرج منها أياد بشرية مقطوعة، من بداية الرواية إلى نهايتها، وظلت هذه المرأة مع شخصيات أخرى؛ تدعم – تحت رقابة أجهزة الأمن- الخرافات حول شخصية الطفل الشيطان/ حمو/ الرئيس القرد. ومِن هذه الشخصيات «شامة الجعيلة، حليمة الأنصارية، سماح ابنة شامة»، ومعهن «حسين الضاحك»، و «حسن الماحي»؛ الذى حصل بعد خروحه من المعتقل على لقب «ذيل القرد الماحق». هذه الشخصيات تستكمل أدوار شخصيات أخرى لتدفع بعجلة السرد في الاتجاه الكابوسي/ الواقعي/ المتخيل. فـ «حسين الضاحك» اشُتهر بضحكاته المبالغ فيها على نكات «الرئيس صانع البهجة»، وأنه في إحدى المرات تغافَل ولم يضحك على نكتة الرئيس، فاتبعته عربة «الأمن القومي»، على رغم تنكره في هيئة امرأة خوفاً من القبض عليه، وكادت تعتقله، أما هو فقد حاول استرضاءهم فأخذ يضحك في شكل مبالغ فيه، ليعلن لهم بهجته الزائفة. إلا أن رجال الأمن لم يهتموا بهذا، بل وجهوا له الأمر بأن يذهب إلى المقهى الذي كانت تذاع فيه نكات الرئيس ويضحك أمام الناس هناك. ولعل عدم اهتمامهم بخنوع «الضاحك» أمامهم تحمل دلالة عميقة، على ضرورة الانبطاح الجمعي لتلك المجتمعات، وأن يتوغل الناس في الانحناء حتى يصير مرضاً لا شفاء منه.
    أما شخصية «حسن الماحي»؛ نموذج المثقف، فلم تبرح وعيه خرافة (حمو)، الذى يمتلك عيناً ذات أسنان، مكّنته من التهام فراشة… «أترى يا عم هذه الفراشة الميتة الآن على كف يدي؟ قال حسن الماحي: نعم أراها. ولم يعتقد حسن الماحي حتى تلك اللحظة أنه يتحدث في الواقع العياني إلى الشيطان الرجيم صاحب الحيل الألف وسبعمئة نفسه. تابع الطفل حديثه ذاك بالبراءة الممنوحة عادة لمن هو في مثل عمره: سآكلها، هذه الفراشة الصفراء. أعني بعيني» ص 79. وعلى رغم أنه نقل فزَعَه مما رأى إلى زوجته «شامة»، إلا أن «حسن الماحي» ظل يخشى الهروب إلى مدينة نيالا النائية، وفق إلحاح زوجته؛ بسبب قناعته بأنه سيلقى حتفه هناك كما أوحت له أمه منذ الصغر، ففضّل الموت هنا على الموت هناك. «حسن الماحي» الذي جسّدت حياته أزمة المثقف تجاه السلطة، يستكمل مسلسل الخوف المطلق والخضوع الآمن لجبروت رجال الأمن، فنراه يستسلم لهم، ليقبع في السجن سنوات عدة، حمَلَ بعدها لقباً دالاً على الخضوع التام: حسن ذيل القرد الماحق. والسلطة لم تطلق الماحي إلا بعد أن تأكدت من ذهاب عقله إلى الأبد، لتأمن الشرور المترتبة على وعيه في عهد الرئيس القرد. وهكذا تشق هذه الرواية طريقها بجرأة وتحدٍ، مخترقة الأنساق الكلاسيكية المتعارف عليها في التقاليد الروائية صانعة أطروحاتها الجديدة على يد كاتب مجدد. ولأن كتابة رواية أصعب من بناء كاتدرائية كما ذكر السابقون، ما يؤكد صعوبة البناء ودقته، وأهمية إبراز الفنيات الداخلة في تشكيل الصورة النهائية من الرسوم والنقوش الملهمة، يمكننا أن نقول إن البرنس تمكّن بجدارة من تشييد بناء روائي فريد، اعتمد فيه على تفتيت المشهد إلى شظايا صغيرة بعدما قام بتحليلها واستقراء أبعادها الدلالية من خلال قراءة وعي الشخصيات التي تؤمن فتصدق بوجود ثعالب طائرة تلتهم رؤوس المسافرين إلى مدينة نائية تدعى «نيالا». هذا بالإضافة إلى ورود أسماء الشخصيات كاملة مثل «الداية القانونية أم سدير»؛ أو بصفاتها الجديدة مثل «حسن ذيل القرد الماحق»، إلى جانب تظليل بعض المقاطع أو الجمل القصيرة بالحبر الثقيل الذي من شأنه خلق تنويعات سردية تحمل الكثير من الإشارات الدلالية. بالإضافة إلى الاستعانة ببعض المراجع المدرجة فى نهاية الرواية مثل كتاب «تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان»، و «سيرة ولي الله أحمد الطيب بن البشير السوداني». هذه التقنيات أضافت إلى السرد رؤى جديدة ساهمت في إيهام القارىء بواقعية أحداث الرواية التي تتحرك أحداثها في مسارين هما: صناعة الخرافة حول شخصية «حمو» وانسحاق الشخصيات من قبل سلطة الأمن القومي. يتقاطع المساران كثيراً؛ لكنهما في لأحوال كافة يؤديان إلى نتيجة واحدة، هي صناعة شخصية «الرئيس القرد»، بعد «الرئيس صانع البهجة»، و «الرئيس العابر». وفي سخرية لاذعة تعد سمة هذا العمل، نجد مثلاً الناس في عهد «الرئيس القرد» يفضلون التنقل داخل المدينة – تخلصاً من الزحام! – بالقفز على فروع الأشجار، تماشياً مع فكر المرحلة (القرداتية) المتفشية فى المجتمع. ومما ساعد على إبراز المشهد الروائي الطويل؛ استخدام الكاتب المتميز للوصف؛ «رانَ بعدها، صمتٌ مُفخّخ بالتوقع اليائس والتساؤلات الداخلية المشخونة بالتوتر، داخل الغرفة الغارقة في العتمة، من قبل أن يتهشم بصوت عربة طوارئ مسرعة، كان قد تناهى، بالتزامن مع عودة شامة الصامتة من المطبخ، حاملة فى يدها زجاجة وقود، لتضخ منه داخل مصباح الكاز الصغير، الذي أخذت شعلته تبهُت منذ مدة، كشمس غاربة من وراء كثبان رملية» ص31. ذلك الوصف الذي لا يحفل به آخرون، يظل حاملاً قدرات غير عادية من التخييل الفني، اتكأ عليها عبدالحميد البرنس في إيهام القارىء بواقعية متخيّلة، وشخصيات مصنوعة بدقة كي تنهض بحمل رسالة فنية ودلالية تعني؛ كما ورد بعد انقضاء تلك العهود في مذكرات سماح ابنة شامة الجعيلة وحسن الماحي، أثناء إقامتها فى مدينة كندية كمهاجرة مِن عالمٍ آخذٍ في الاندثار؛ هو عالم رواية «السادة الرئيس القرد». تسجل سماح ما دار هناك، بينما الرئيس القرد (حمو) رفيق صباها لا يتوقف عن البحث عنها بغية استعادتها، ليستعيد صباه ومن ثم زمانه الغابر.
    _______
    *الحياة اللندنية يوليو 23, 2018
                  

07-04-2021, 09:42 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: عبد الحميد البرنس)

    حكائية عبد الحميد البرنس.. ثالوث الغربة والوحشة والحنين

    بقلم: لمياء شمت

    متواليات سردية تنهض جذوعها وتتمدد عذوقها من بذور التجربة والمشاهدات اليومية التي يغترفها القاص من تدفق مجرى الحياة، ليصوغها بلغة أليفة صافية تتحالف مع أسلوب هادئ مقتصد متضام، يشي بأن المشروع السردي للقاص عبد الحميد البرنس آخذ في إتمام نضجه عبر اشتغالات حكائية متنوعة وتجريب مستمر، يكدح عبره القاص بعزم ليجوهر أسلوبه وصوته الخاص.

    وهكذا؛ فإن السرد قد يبدو في أحيان كثيرة وكأنه لا يحتاج لأي ذريعة لينطلق من أي زاوية قد يرتكنها السارد، سواء أكان ذلك شارع مترب، أو مسكن صغير خاوٍ، أو حتى عربة مترو مزدحمة. ليقودنا القاص كل مرة إلى فضاء أنساني مفتوح، تتلاحم فيه سحنات وألسن ومصائر، يجمعها أفق سردي وسيع، لا يشيح فيه المحكي للحظة عن المشترك الإنساني.

    تتوالى الحكايات التي كثيراً ما تُظهر الشغف الكبير بتوظيف التقنيات السينمائية، عبر مشاهد تصويرية قد تحتقب الراهن، أو تستدير لتسترجع لحظة مستعادة، أو لتعبر إلى القادم. مع الحرص على تثوير اللقطات بما تحويه من تقاطعات حركية ولغوية ودلالية تأثيرية، وكذلك التنويع في المنظور وزوايا الرؤية، مثل الإطلال على بؤرة المشهد من مسافات وزوايا متعددة، تطمح لكشف دواخل النص والحفاوة بتفاصيله وملامحه الخاصة. حتى إن بعض النصوص قد تبدو أحياناً مثل وثائق فلمية لذوات تعارك الحياة وهي تتأبط غربتها.

    لتتشكل النصوص وفقاً لذلك كمقامات سردية مفتوحة، أو كمنطقة حرة مبذولة للتداخلات الأجناسية، التي تظهر في شكل تبادل طاقوي محتدم بين أجناس أدبية مختلفة، تتفاعل فيه عناصر الخاطرة والاسترجاع ويتقاطع فيه الصوت السيري والسردي والأنفاس الشعرية، مما يفسح مساحات أكبر للاشتباكات الفنية الجمالية المنتجة، التي تتولد من تلك التفاعلات الأجناسية.

    ولنتأمل على سبيل المثال اعتمالات الذاكرة وتسرب قطرات الذاتي إلى مجرى الإبداعي في نص (شراء لعبة تدعى كيربي)، من مجموعة (ملف داخل كمبيوتر محمول). والذي يحكي فجيعة فقد صديق حميم، تقاذفته المغتربات وفلوات الشتات. حيث لا يحتاج القارئ المتابع لإنتاج القاص عبدالحميد البرنس، وخاصة كتاباته التفاعلية المتاحة عبر منابر التواصل، لا يحتاج لكثير عناء ليلمح طيف الراحل سامي سالم وهو يتدثر بشخصية صالح الطيب في ذلك النص.

    في حضرة إفراغ إبداعي كثيف، يختصر تفاصيل غرس صداقة أخضر سقاه الوجع حتى الذبول.. (كان جسده وهو ممدود على فراش موته يحكي ببراعة مذهلة عن كل تلك الملابسات والوقائع والأحداث التي يمكن أن ينطوي عليها التاريخ العريق للفقر والمعاناة).

    ولنقف قليلاً عند انتخاب اسم صالح الطيب بدلالته المكتنزة بالسماحة والسعة ونصاعة الطوية، حيث يظهر انعكاس الأسماء في مرآة الوجدان لتبدو المقابلة الدلالية بين سامي: صالح ، سالم: الطيب، برمزيتها المضمرة التي تجمع بين الراحلين الطيب صالح وسامي سالم في معارج باذخة يستبطنها ذهن القاص.

    ولابد لذلك أن يقودنا بدوره إلى نقطة مركزية كان القاص قد أشار إليها في حوار أجراه معه الأستاذ أحمد ضحية في العام 2004. حيث أكد البرنس على أهمية توفر قدر من الإبهام وعدم المباشرة لخلق نص مفتوح يتيح كل التأويلات الممكنة. مع حرص القاص على التنبيه مراراً إلى خطورة المطابقة بين شخصيات المؤلف والراوي، أو بطل العمل الإبداعي، كأمر فادح قد عانى منه كُتاب في قامة الطيب صالح. وينوه القاص إلى أن ذلك يُشكل بدوره آلية قمع وقتل معنوي للمبدع، خاصة في كنف مجتمع أبوي صارم.

    وهي رؤية تتماس كثيراً مع مناخ (شراء لعبة تدعى كيربي)، حيث تنبلج عبر السرد تفاصيل اشتغالات القاص الحثيثة، لتوظيف أفق العلاقة بين السيري والسردي والذاتي والإبداعي والاسترجاع واعتمالات الذاكرة بتمهر مكين لرفد المحكي وتأثيث عوالمه، ليرتفع معمار السرد كما ينبغي له، كنظر متأمل سابر يقدم تأويله الخاص للعالم.

    ولنقرأ في شق آخر ملاحظة الناقد المصري يسري عبدالله حول مجموعة (ملف داخل كمبيوتر محمول)، عن ذلك الحضور البارز لتيمة الاغتراب، كمفهوم سيكولوجي ووجودي في نصوص القاص عبد الحميد البرنس، والتي (تبقى حاوية ظلالاً من غربة الروح التي تهيمن على المجموعة وتشكل مركز الثقل داخلها). حيث ينتبه الناقد إلى أن الغربة في نصوص البرنس ليست بأي حال (رومنطيقية ساذجة تحوي تلك النهنهات العاطفية القديمة، لكنه تشبث بملامح عالم قديم، ومحاولة استعادته عبر الذاكرة). وهو ما يعين على التأكيد بأن الاغتراب لا يحضر في نصوص البرنس داخل ذلك الإطار المنمط، كحالة من التهالك والتشكي من صهد هاجرة الغربة، ولكن الفكرة تظل تنسكب عبر النصوص كاجتياحات ذهنية وعاطفية لا تجدي مكافحتها، تمضي لتُشكّل خمائر أفكار وتأملات ورؤى.

    وهو ما يعيدنا كَرة أخرى إلى تقاطعات اليومي والعابر والعادي عبر ذاكرة سردية لاقطة، تنتخب ما تشاء من لقطات حية من دفق الحياة الرازم، حيث تتفاعل الذات مع محيطها الوجودي في مصاهر التجربة، ثم تنبري إبداعياً لتسخير ممكنات اللغوي والتخيلي، للجهر بأسئلتها الوجودية الخاصة. ويبدو ذلك جلياً في تيمة الاغتراب التي يعلو بها القاص فوق البكائيات والانسحاق، ليحاورها وينفتح بها على الآخر، دون أن ينكص بها إلى درك الريبة والانكفاء والتشرنق وانعدام الفاعلية. فالقاص يمضي ليجعل من الغربة هوية رؤوم يتسع صدرها للغرباء في كل العالم، ليتضاموا ويستقووا ببعضهم على وحشة العالم، على نمط (فالعاشقون رفاق). بل إن الغربة إخاء يمكن أن يوحد الغرباء حتى في ملامحهم وإيماءاتهم: (كنا نسير مثل غريبين حقيقيين)، ( لها نظرة الغرباء الحزينة الساهمة)، (سألته بشيء من حيلة الغرباء ومكرهم)، (وضحكنا معاً كغريبين من بلاد بعيدة).

    ليستل القاص من كل ذلك إجابته الخاصة على سؤال لماذا الكتابة متماهياً في ذلك مع كونديرا وبورخيس: أكتب لمجرد أن يخف مرور الزمن، أن معنى العالم على هذا النحو أثقل من أن يحتمل. وهو ربما ما يعيننا على محاولة القبض على ملامح المشروع الإبداعي لعبد الحميد البرنس، والتي تبدو أقرب ما تكون لسرد فينومينولوجي يعود بالأشياء إلى كنهها، في محاولة لإدراك العلاقة بين الذات والموضوع، بتسخير طاقات الرؤية والحدس والاستبصار، دون إقصاء للحس ومدركات الشعور. ونجد أن ذلك غالباً ما يظهر على شكل ارتدادات تأملية تتدبر الوجود بوعي متعمق، مع إعمال لنظر داخلي مستريب يتيح تفكيك المستقرات والتنميطات والقوالب والمسبقات، في محاولة مخلصة للتوفيق بين الذات والوجود دون إصدار أحكام أو تبني أفكار جاهزة.

    وهو ما قد يفسر أنسنة القاص للمكان بشكل لا يتغيا إثبات كينونته الفيزيقية المادية، بقدر ما يكدح لاقتناص شرطه الإنساني، هويته البيئية ولحظته الحضارية الخاصة، بإدراك رحب، وبوعي باطني شفيف يعتق ذلك الحيز من ماديته وحياديته، ليسخره كفضاء مفتوح على الخبرات والممكنات الإنسانية، التي تمضي لتتدبر جوانية المكان والكائن.

    ويسلمنا ذلك تلقائياً إلى تلك العناية التي يتغمد بها القاص الكائنات من حوله، ليتماس معها ويحاورها بما يحفظ لها كينونتها وكرامتها، فالشجرة ليست خلفية محايدة لمشهد ما، بل هي ذات أليفة ودودة، يعرج تأملها بالراوي إلى منهل بديع (أي سحر أي فتنة، بل أي جمال أجدني سابحاً فيه). وكذلك هو الحال مع العربة الموصوفة بمحبة كأنثى بارعة الجمال يكفي أن تعبر طريق ما لتأسر العيون وتدير الأعناق. حيث يمضي الراوي ليصف تفجعه من حتمية فراقه لعربته وبيعها لزبون قد لا يرى فيها أكثر من دابة معدنية ذلول: (نظرت إلى موقعها الأليف في المكان. كان شاغراً هذه المرة تملؤه الوحشة والسكون وشيء آخر كالفجيعة; حزين وقاتم). ولعل كل ذلك يملك أن يمنح بعض تفسير لحفاوة القاص باستدعاء عبارة أثيرة تقول بـ (تأمل الأشياء على نحو يخرجها من عاديتها)، وهو عين ما يشير إليه الناقد محمد الربيع وهو يتحدث عن السرد الذي يملك أن يعيد الاعتبار إلى جذوة الأشياء ويستعيدها من العزلة والإهمال.

    ولعل جميع ما أشرنا إليه فهذه القراءة يمكن أن يعين على التعرف على ذلك النوع من الإبداع، الذي يرتطم بالتجربة الوجودية ليُصدر ذلك الدوي الرصين، الذي لا يشابه بحال تلك الطرقعة والجلبة التي تصدرها المسكوكات الزائفة.
                  

07-04-2021, 04:53 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: عبد الحميد البرنس)


    حلام إسماعيل حسن




    لم يكن السابع عشر من سبتمبر 2007م يوما عاديا منذ صباحه. كنت أجلس مع صغيريَّ محمد وعمرو في حديقة منزلنا بأدمنتون بعد أن نقل زوجي سامي سالم إلى المستشفى إثر إصابته بسكتة قلبية. كنت في دواخلي أرفض التصديق بأنه سوف يرحل عن عالمنا على الرغم من كلام الأطباء.

    كان قلبي رافضا لفكرة الفراق تماما، ويصيح ليسكت عقلي الذي كان في حيرة كبيرة من أمره. وفجأة يصرخ صغيري عمرو : يا أماه انظري إلى السحاب،ها هو ذا أبي يطير إلى فوق. انظري. فنظرت إلى السماء وقرأت نفس الذي قرأه عمرو، وتأكدت من أن سامي لن يعود. أحسست وكأنني

    قد أغشي علي. وذهبت في حلم غريب. رأيت نفسي بصحبة سامي وأبنائي في زورق صغير تتقاذفه الأمواج المتلاطمة، والظلام يحيط بنا من كل

    حدب وصوب، والغمام الأسود الكثيف يغطي السماء. ثم علت الأمواج وعلت. أصرخ صرخات مدوية يتردد صداها في كل أرجاء المكان. وسمعت صوت سامي وهو يهدئني ويأويني قائلا: لا تخافي. بعدها تظهر نجمة بعيدة ضعيفة الضوء وتختفي مرة أخرى.

    وفجأة يظهر نور، ويحيط بزورقنا أناس كثيرون يحملون مشاعل في أيديهم ويمشون فوق الماء. وعندما نظرت رأيت شيخ طريقة يتقدم هذا الحشد وكان يرتدي جلبابا أبيض اللون وفي كتفه عباءة سوداء. إنه الشيخ الطريفي. بعدها سمعت صوت النوبة يتردد في كل الأرجاء ويرجع صداها، ويظهر المجذوب وجمال محمد أحمد ودكتور علي المك ثم يلوح لي طيف الشاعر محمد عبدالحي ومحي الدين صابر. وأناس كثيرون لا أعرفهم. 

    بعدها ألتفت لأرى شبح رجلين لم أكد أميزهما لأتبين فجأة أبي إسماعيل حسن يقود وراءه الفنان النعام آدم. وعلى خلفية ذلك أسمع في ذلك الفضاء الواسع أغنية: والله طاريك يا ام درق. فصرت أبكي وأبكي حتى اختلطت دموعي بمياه المحيط الذي أحسست وكأنه يبكي معي

    يظهر لي خالد الكد رافعا يده محييا سامي ويقول له : مرحبا يا شيخنا

    وفي مشهد آخر يظهر الفنان حسن عطية وهو يردد أغنيته الرحيل ثم أرى بشار الكتبي وهو يقول لسامي: أنا أيضا سألحق بهم. وهناك إبراهيم عوض وأحمد الجابري وأحمد المصطفى يغني يا رائع جفيتني ... ثم يأتي أخيرا الطيب محمد الطيب. فأنظر إلى سامي وأسأله عما يحدث!! فيقول لي هذه الأغنية بصوت زيدان إبراهيم!! فأسمع أغنية

    داو ناري والتياعي

    وتمهل في وداعي

    يا حبيب الروح هب لي

    بضع لحظات سراع



    ويرجع صداها في أرجاء المكان

    وفجأة اختفى كل من رأيت وتوجهتْ نحونا موجة كبيرة حاول سامي أن يحول بيننا وبينها ولكن الموجة كانت أعلى منه كثيرا فدفعته وأخذته في علو وهبوط بعيدا عنا

    أنا أصرخ وأمد يدي إليه ولكن بلا طائل فقد ذهب إلى عمق المحيط. لحظتها لم استطع الصراخ وكتمت الصرخة بدواخلي

    فجأة أرى نور الصباح. ويصل الزورق إلى الشاطئ فأنزل منه وأحس بأن الأرض تهتز تحت أقدامي فأجلس وأنظر إلى عيني عمرو ومحمد لأرى الأمل الباكر والألق. وكانت نهاية وبداية. واحترق الورق وانكسر القلم وانطوت صفحة عامرة كانت مليئة بمعاني الحياة

    اللهم ارحم سامي سالم بقدرما كان قلبه عامرا بكل جميل

    ***

    وقفة : قصيدة النجم الذي غاب



    هـــدأ الليـــل وزادت آلامـــي بسكــونــه الرهيــب
    فـي سمـائه الزرقــاء التمعـت نجيماتـنا يــا حبيــب
    بـبـريق الأسى وما كتبـت لنـا الأيام مـن نصيــــب
    وبكـت ما شـهــدنــاه مــن عهــود الأمـــان القشيب
    حيث كنا نتوق إلى ازدهارها ونحـلم بــأن تصيــب
    ازداد لمعان النجيمات وأومأت عيناها برمق كئيب 
    وبكـت بدموع مــن لـظـى ودمـــوع مــن لهيــــب
    تبكي مصرع الآمال في قلبي ومآل الزمان الغريب 
    فلـكم تمنيت بزوغ فجـر الأماني والأماني لا تجيب
    فلـقــد ولـى زمان الحب والأحلام في زمن عصيب
    نجيمات الهوى كفي عن النواح.. كفي عن النحيب
    واســدلي ستــار الهــوى فالهـوى قدر ككل نصيب      .
    ____
    البرنس كاتب إنسان بحق
    انا تعرفت عليه أيام مرض الأديب سامي سالم الذي كتبت عنه الآن
    المبدعة لمياء شمت .
    البرنس كان المرافق لسامي في مرضه. رحم الله سامي ورحم الله
    الكتبي.
    والتحية والشكر للمبدعة لمياء شمت. وللسيدة أحلام اسماعيل حسن


                
                  

07-05-2021, 01:15 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبدع والناقد القدير أحمد ضحية يكتب عن ع� (Re: Osman Musa)

    حياك الله عزيزنا عثمان من إنسان نبيل ومبدع قدير:

    رحم الله ناقدنا وفقيدنا الكبير سامي سالم الذي رسخ لدي دوماً نوع ما من القناعة أنّه من أصحاب العقول الأكثر ذكاء كي تحتمل. ولعل مقالي تالياً الذي كلفتني به مجلة الأهرام العربي 29\ أغسطس 2020 للكتابة عن تجربتي المتواضعة في مصر يكشف شيئاً من هذا القبيل. والعزاء في فقيد الأدب والثقافة سامي مجدداً لزوجته الأخت الكريمة أحلام وولديه. كان آخر لقاء لي بسامي محاط بحنينه ذاك إلى ما تفحص ما يحدث وقتها من نشاط ثقافي في الوطن. توقف على وجه الخصوص عند "عنف البادية" لحسن الجزولي. شأن الغرباء المنفيين الذين اجاد إدورد سعيد وصفهم وتحليلهم. مشدودون دوماُ إلى ما خلفوه هناك في الوطن. مشدودون حتى النهاية. ولا شيء من مآثر المنفى قد يخفف من أسى فقدانهم للوطن.

    لم أكن أعرف لمياء شمت، أو حتى سمعت بها، وقد أرسلت لي عبر الإيميل أن تقرأ شيئاً من أعمالي. ففعلت. إذا بي (بعد مرور بعض الوقت) أكتشف أنني كنت ضحية الجهل بناقدة كبيرة. وهذا أحد مآذق مواصلة العيش لسنوات طويلة خارج الوطن. كل الود

    عنوان مقال الأهرام العربي المشار إليه (هاجر إلى مصر طلباً للعلم):


    أخي عبد المنعم، الذي يصغرني بنحو العامين، سأله الأستاذ حين كان لا يزال تلميذاً في الصف الثاني الابتدائي، قائلا: "أين كان يتعبد النبي محمد عليه الصلاة والسلام"؟ عوضاً عن القول "في غار حراء"، أجاب أخي دون لحظة تفكير واحدة، قائلا: "كان يتعبد في مصر". لا بد أن ذاكرته المتكوِّنة حديثاً وقتها كانت محتشدة بتفاصيل ما كثيرة عن مصر، بحيث لم تعد بالنسبة إليه بعد كل شيء سوى مكان ما يصلح لا بد للعبادة عند ذلك المستوى الرسولي السامي.

    كذلك، أخذ وعينا في السودان بمصر يتبلور في وقت مبكر جدا، حتى في تلك القرية المنسية قريباً من النيل الأبيض ما بين مدينتي الدويم وكوستي، حيث كان أبي رحمه الله يعمل مفتشا للزراعة، من دون التفريط في كنزه الثمين:

    ألبوم صور جمال عبد الناصر.

    طوال سنوات الابتدائي، حتى المراحل الدراسية التالية، وصولاً إلى الجامعة، كان هناك عبارة أشبه باللازمة المشتركة بين تراجم معظم الأدباء والكتاب السودانيين الذين كان علينا قراءة نصوصهم ضمن مقررات مادة اللغة العربية خاصة وأعني بها هذه العبارة:

    "هاجر إلى مصر طلبا للعلم".

    والهجرة من السودان إلى مصر طلبا للعلم قديمة، تعود وفقاً لما تم توثيقه إلى عهد السلطنة الزرقاء (١٥٠٤-١٨٢٢) وعاصمتها سنار، حيث أسس ملوكها في الأزهر ما سمي "رواق السنارية"، ضمن مجالس علمية أخرى بلغت في مجملها تسعة وعشرين رواقا. حتى محمد سعيد العباسي (١٨٨٠-١٩٦٣)، وهو الذي يُصنف كرائد لنهضة الشعر الحديث في السودان، حط رحاله بدوره لسنوات في مصر، ملتحقا بالمدرسة الحربية، وكان لهذا التواجد في مصر أثره الكبير على مساريه الإنساني والشعري. ربما أضفت هنا اسم معاوية محمد نور (١٩٠٩- ١٩٤١)، ونتاجه الألمعي كقاص وناقد ومترجم في مجلة الرسالة والمشارك على نحو عام من موقع شديد الفاعلية في المساجلات الثقافية والأدبية والفكرية السائدة في مصر وقتها. أقام معاوية محمد نور في مصر أجمل سنوات حياته على الاطلاق على قصرها ذاك، ثم مات في السودان كنموذج بالغ الدلالة على ذلك التعارض المأساوي الذي قد ينشأ أحياناً ما بين الفرد المبدع ومجتمعه. حين هرب عباس محمود العقاد المعادي للنازية خلال الحرب العالمية الثانية إلى السودان عام 1943، مع اقتراب جنود القائد الألماني روميل من مصر، علم بموت معاوية محمد نور غير المتوقع. رثا العقاد معاويةّ بقصيدة تفيض عاطفة: "تبينتُ فيه الخلد يوم رأيته*وما بان لي أن المنية آتيه".

    كذلك بدت صورة مصر التاريخية كقلعة للعلم والثقافة وحتى السياسة في مخيلة الكثير من السودانيين باعثة لهجرة من الضرورة القيام بها سواء ماديا أو معنويا لكنك لا تدري إن كانت تلك الهجرة بمثابة حراك نحو المصب أم المنبع؟

    نذكر هنا التجاني يوسف بشير (١٩١٢- ١٩٣٧)، شاعر ما يسمى الرومانسية الصوفية، هو وقطبها الآخر أبو القاسم الشابي، فالتجاني يوسف بشير هذا شاعر على درجة عالية من الموهبة المصقولة جيدا في ظرف قاس بما لا يمكن تصوره، وقد عرفت مصر موهبة التجاني يوسف بشير الخارقة تلك من خلال مجلة "أبولو" وغيرها من مجلات. مات التجاني أسيراً لفقره.. ذاك الفقر الكوني الذي لا يمكن كذلك تصوره أبدا على مستوى الفاقة.. وحنينا أبديا لا شفاء منه لرؤية مصر التي ظلّ يرى فيها حتى النهاية ذلك الفضاء الملائم للتحليق عاليا بجناحي موهبته القويين.

    باختصار، وفي ذهني أسماء أخرى هنا، استقر، أو مر عابرا مصر، سواء مادياً أو معنويا، آلاف من السودانيين الذين كان لهم مثل ذلك التأثير الكبير على حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية في السودان. وهذا أمر طبيعي يفوق الامتداد الجغرافي، حين نستمع إلى مفكر في ألمعية جمال حمدان، يتحدث عن عبقرية المكان المصري، ذلك الفضاء الاستراتيجي المتميز، مع مناخه المشجع، الذي ظلّ يجتذب إليه الملايين من البشر على مر العصور، حيث يبدأ يتشكل ذلك العمق الحضاري والتراكم التاريخي الطويل الممتد من الخبرة الإنسانية، وهو المكان الذي يصلح لأن يكون بهذا المعنى مركزا يجتذب إليه الداني والقاصي على حد سواء. على أن التفكير في حلّ تلك المعضلات الآنية العاجلة قد دفع مراكز القرار السياسي في طرفي وادي النيل على المستوى التاريخي الحديث وربما حتى الآن باتجاه مثل تلك الحلول المؤقتة بعيدا عن تدعيم وحدة مصيرهما الوجودي المشترك ذاك وبُعد علاقتهما الاستراتيجي. في هذا السياق، سياق الوعي بأهمية هذه العلاقة ما بين البلدين، أكاد أجزم أن السودان ظل هناك، كأحد أفراد العائلة، وعلى نحو متفاوت في أعمال كبار المبدعين وقادة الحراك الثقافي والاجتماعي في مصر.

    الحال، هاجرتُ بدوري إلى مصر طلبا للعلم في كلية الآداب بجامعة الزقازيق عام 1990. أذكر أنني في مطار الخرطوم، صالة المغادرة، اتصلت في ساعة الغروب تلك، بالشاعر الكبير مصطفى سند، وكان بمثابة الأب الروحي لي بوصفي "شاعرا ناشئا". أخبرته أنني في طريقي "الآن" إلى مصر. مات مصطفى سند عام 2008. لم ألتقِ به بعد تلك المكالمة قط. علاقتي أنا القادم من بيئة رعوية زراعية بقرض الشعر في مصري قد توقفت. وقد جذبتني مصر ذات الطابع المدني تدريجيا نحو مواقع السرد. كان في صوت شاعرنا الكبير مصطفى سند عبر الهاتف تأثر ما. لا بد أن مصطفى سند وقد طالع في الماضي شيئا ما مما قد ظلّ يعتمل هناك في أعماقي كان يرى بعين حدسه القوي ذاك الذي لا يخيب أنني في الطريق كما يحدث للفراشات إلى أن أقع في نار مصر حبّا شاملا مرة واحدة وإلى الأبد وقد كان. نفس حدس أمّي التي رجتني لحظة المغادرة عند باب الحوش ألا أنسى ما أنا بصدد وداعه.

    شن وافق طبقة.

    أنا جائع منذ الميلاد للعلم والثقافة والمعرفة. كنت أحس أحيانا بذلك كما لو أن بحيرة من الأسى تقبع هناك داخل صدري. وهذا طبق طعام يدعى "دار الكتب المصرية"، سلة فاكهة تدعى "مكتبة قصر الثقافة"، ذاك عصير يدعى "الدوريات والمطبوعات الشهرية"، هنا شراب "النادي الأدبي"، صحن "سلطة الصالون الثقافي"، وما يسمى "موائد المؤتمرات". الغريب أنني كلما تابعت الأكل، شعرت بالجوع أكثر فأكثر. وعطشي ظلّ عند مستوى جفافه القديم نفسه. كنت أقرأ للكبار والصغار على الدرجة نفسها من الاحترام. النجاح معلّم والفشل معلّم. على أنني لم أكن أطيق أكل الجامعة المتكلف في رصانته الزائفة تلك مقارنة بتلك الوجبات التي ظللت عاكفا عليها خارج أسوار الجامعة. حتى إنني فكرت في هجر مقاعد الدراسة في الجامعة نهائيا لو لا رجاء بعض الأصدقاء. ليتني لم أستجب.

    في الأثناء، أخذت حواسي تتشرب تدريجيا تلك الخبرات الإنسانية لهذا الشعب المصري العريق.. الخبرات بطرق البقاء على قيد الحياة بأقلّ قدر ممكن هناك من الخسائر أو الأضرار. لعل الملمح الأكثر دلالة ها هنا يتمثل في روح الفكاهة تلك التي درج يحتوي بها المصري مصاعب العيش، عوضا عن ذلك النوع من الصبر الذي يفلّ إرادة الحديد!

    أذكر أنني جئت تقريبا على أغلب ما في مكتبتي دار الكتب وقصر الثقافة بالزقازيق خلال أولى إجازاتي الجامعية تلك.

    كنت أقرأ يوميا طوال ساعات الصباح والمساء.

    في الأثناء، وجدت طريقي إلى أُولى حلقات المشهد الثقافي المصري الحي الفاعل ممثلة في "النادي الأدبي" بقصر الثقافة، ثم صالون الناقد الجاد الدكتور صلاح السروي الأسبوعي، الذي كان يحضره المبدعان الكبيران نبيه الصعيدي وصلاح والي والعربي عبد الوهاب الكاتب متوهج الذكاء والشاعر صلاح عبد العزيز الذي تفجرت موهبته خلال السنوات الأخيرة خاصة على نحو شديد الجمال، علاوة على الكاتب السجالي إبراهيم عطية، وغيرهم. كان صلاح السروي قد قدم لتوّه من المجر في شرقي أوروبا محمّلا بحبّ خلاق تجاه منجزات لوكاتش ولوسيان جولدمان ومنهج البنيوية التكوينية وما يسمى المنبوذين فكريا من بين أولئك المنطلقين من داخل حقل النظرية الماركسية أمثال ألتوسير وجرامشي وتروتسكي وسمير أمين ورواد مدرسة التبعية الآخرين، على خلفية ما ظلّ يثيراه معا خلال عقد التسعينيات من سجال، وأعني تداعيات بيريسترويكا جورباتشوف والإسلام السياسي، فضلا عن تلك النوافذ التي ظلّت تُفتح هناك على واقع الحراك الأدبي والفكري والثقافي على المستويين العربي والعالمي. كانت مجلة "أدب ونقد" وجهتي الطبيعية التالية. المجلة التي تهتم بأعمال الكتاب المغمورين باحثة في صلب رسالتها النبيلة عن الجدة، بذور المستقبل الواعدة، وبوادر البراكين الخامدة لتقديمها ورعايتها ومنحها الثقة والدعم اللازمين خلال الطريق.

    لا أنسى في السياق أن حدسا ما قد أخذ يقودني بعيدا عن علل ألعاب اللغة الشكلية وتلك الأنواع من الحذلقة الأسلوبية التي وقع في فخها الكثيرون بدعاوى التجديد أو الحساسية الجديدة وما إلى ذلك. كما إن بُعد وطني في الخلفية وغياب أهلي وحنيني ذاك إلى من أحببت خلال العقدين الأولين من حياتي قد أخذ يطهرني من شوائب الأفكار الصغيرة مثل الرغبة في التميز. إنني الآن أفعل كل ذلك لا سعيا قطعا للشهرة من أي نوع عن طريق الكتابة بل للتعبير عن موقفي ذاك من العدم نفسه. إن حياة الإنسان قصيرة لا مراء ومحدودة والأولى توجيهها قدما نحو هدف ما سام مثل أن تترك المكان عند مغادرتك للدنيا على نحو أكثر جمالا مما وجدته أنت عليه عند قدومك للدنيا وتفتح وعيك على مختلف مسارب الحياة. وكانت هناك لحظات يمتزج فيها ذلك الخليط الأكثر ادهاشا من نوعه من عصارتي الكتب والحياة على نحو تذوب معه تلك الحدود القاطعة ما بين الحلم والواقع كما لدى صلاح عبد الصبور الذي كنت أبصر قصائده في واقع أولئك الناس من الفلاحين وهي تسعى بيننا مثل كائنات حيّة على الطريق.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de