الشفافية حول المديونية الخارجية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 10:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-22-2021, 09:52 AM

Abdul Monim Khaleefa
<aAbdul Monim Khaleefa
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 1272

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الشفافية حول المديونية الخارجية

    09:52 AM April, 22 2021

    سودانيز اون لاين
    Abdul Monim Khaleefa-سلطنة عمان
    مكتبتى
    رابط مختصر



    الشفافية حول المديونية الخارجية
    عبد المنعم خليفة خوجلي
    *****

    يتطلب تعزيز الحكم الرشيد، سيادة مبادئ الشفافية، بما تتضمنه من مشاركة ومحاسبة، وترسيخً لأركان دولة القانون، التي قوامها الحوكمة والكفاءة. تبرز أهمية تلك المبادئ فيما يتعلق بمجمل جوانب الأداء الوطني، إذ أنها مفتاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبشكل خاص عند تناول قضية مديونية البلاد الخارجية، وذلك لكون المديونية واحدة من أكبر العقبات التي تحد من انطلاق الاقتصاد؛ وأيضاً لانعكاساتها المباشرة على أحوال المواطنين المعيشية، نظراً لما تلقيه عليهم وعلى أجيال المستقبل، من تبعات سداد القروض وفوائدها المتراكمة.
    من هنا تأتي ضرورة توفر المعلومات والإحصاءات الأساسية عن مديونية البلاد الخارجية، من حيث حجمها، وتصنيفاتها، وشروط القروض التي أسست لها، بحيث تكون المعلومات حول جوانبها المختلفة متاحة للباحثين والمستثمرين وللمواطنين عامة.
    سيراً على نهج الشفافية، يكون من أكثر مهام الفترة الانتقالية إلحاحاً، مراجعة ديون السودان الخارجية، خاصة خلال فترة النظام المباد، التي تضخمت فيها المديونية بشكل كبير؛ ومن ثم إخضاعها للتحليل الدقيق، من حيث اتفاقياتها، والمشروعات التي وظفت فيها القروض، وبنودها (المعلنة والسرية)، ومدى مساسها بالسيادة الوطنية وبأصول ومقدرات البلاد. كذلك الاستيعاب التام للالتزامات التي تلقيها بعض تلك الاتفاقيات على حكومة السودان. لم تكن مثل تلك المراجعة الشاملة متاحة للمراجع العام في ظل النظام المباد، بل كان القيام بمراجعة بعض المشروعات والقروض آنذاك من المحظورات، لكونها تتمتع بحصانة بموجب قرارات سيادية.
    بناء على ذلك، ينبغي الاضطلاع بمثل تلك المراجعات المهنية الحصيفة بدقة من قبل مفوضية مكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة، وبمشاركة جميع أجهزة الدولة الأخرى ذات الصلة. لعل هناك ما يشير إلى أن أموالاً وموارد مخصصة لبعض المشاريع، قد ذهبت مباشرة من الدائنين إلى حسابات مصرفية خاصة، لدرجة أن ثروة بعض أفراد النظام المخفية في البنوك العالمية، تعادل نسبة معتبرة من مديونية البلاد. هكذا يتم إخفاء الأموال المنهوبة في البنوك العالمية؛ ويتحمل الفقراء من أبناء الشعب العبء الأكبر من إسراف من هم في السلطة. إلى جانب المساعدة في استكمال المعلومات الخاصة بالقروض، فإن عمليات المراجعة، وما يتبعها من محاسبة، سوف تساعد كذلك في تتبع الأموال المنهوبة، ومن ثم بذل الجهود لاستعادتها.
    هناك حاجة إلى أن تؤسس رؤية وطنية موحدة حول مديونية البلاد الخارجية، يتم بلوغها بعد حوار مجتمعي عريض، بما يخدم المصلحة العامة. فمن ناحية يمكن الأخذ في الاعتبار الخطوات المتبعة حالياً لمعالجة أزمة المديونية الخارجية، وفق النهج الذي ارتأت الحكومة السير فيه، وهي تظهر قدراً عالياً من القناعة والثقة في جدواه وفعاليته، حيث تبدي تفاؤلا كبيرا بأن مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون سوف تكون قادرة على معالجة أعباء مديونية البلاد الخارجية، وإزاحة رهق الفقر عن كاهل السودانيين، وأن المبادرة سوف تمهد الطريق لاستئناف الدعم من مؤسسات التمويل الدولية، وتعيد السودان إلى المجتمع الدولي.
    هذا التفاؤل لا تسنده حالة الاقتصاد العالمي السائدة حالياً، في ظل أزمة المديونية العالمية العميقة، والتأثيرات العظمى لجائحة فيروس كرونا على دول العالم جميعها، وعلى الدول الفقيرة بشكل خاص. (سيتم إلقاء بعض الضوء على تلك الجوانب لاحقا).
    مقابل نهج الحكومة في معالجة أزمة المديونية الخارجية، توجد وجهات نظر وطنية مغايرة، تختلف اختلافاً بيناً مع ذلك النهج، ينبغي أن ينظر لها بتقدير وبإيجابية، وأن توفر لأصحابها والمدافعين عنها، وللقطاع الكبير من المواطنين الذين يساندونها، المعلومات والإحصائيات الكافية والموثوق بها، وتفتح أمامهم المنابر الإعلامية لتبيان آرائهم، بما يساعد على عقد حوار وطني مستنير حول قضية المديونية الخارجية، بهدف بلورة نهج وطني شفاف لمعالجتها.
    مثل هذه المشاركة، ليست مطلوبة فقط فيما يتعلق بقضية المديونية، وإنما بمجمل السياسات الاقتصادية التي على حكومة الفترة الانتقالية تنفيذها. حيث أن من بين مهام الفترة الانتقالية كما نص عليها البند (8) 4 - الفصل الثاني من الوثيقة الدستورية، "معالجة الأزمة الاقتصادية بإيقاف التدهور الاقتصادي، والعمل على إرساء أسس التنمية المستدامة، وذلك بتطبيق برنامج اقتصادي واجتماعي ومالي وإنساني".
    هنا يبرز السؤال عن من هي الجهة التي تقع عليها مهمة وضع ذلك (البرنامج) الذي أشارت إليه الوثيقة الدستورية، ومتابعة تطبيقه؟ هل هي اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، أم مجلس الشركاء، أم مكتب رئيس الوزراء، أم مجلس السيادة ومجلس الوزراء مجتمعين، أم اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية؟. من الضروري معرفة الجهة المفوضة باتخاذ السياسات الاقتصادية التي من شأنها معالجة الأزمة الاقتصادية، وعما إذا كان هناك برنامج متكامل، أو وثيقة مجازة تعرف المواطنين بتلك السياسات، حتى يتسنى لهم ممارسة حقهم المشروع في المشاركة في بحثها، وإبداء آرائهم حولها؛ وبالجهة التي سوف تضطلع بمهمة المحاسبة في حالة التقصير في تنفيذها، خاصة في ظل غياب المجلس التشريعي.
    تخفيف أعباء ديون السودان بموجب المبادرة المحسنة للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون
     في 26 مارس الماضي (2021)، وافق المجلسان التنفيذيان لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي على: "أن السودان يمكن أن يكون مؤهلاً لتخفيف أعباء الديون بموجب المبادرة المحسنة للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك) HIPC))". وأثنى المجلسان على " الالتزام المستمر لحكومة السودان بالإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية في ظل ظروف صعبة". وقد وصفت رئيسة الصندوق تلك الخطوة بأنها " تمثل لحظة تاريخية؛ حيث أنها توفر " اعترافاً واضحاً بالتنفيذ المستدام للسودان للإصلاحات الاقتصادية والمالية الرئيسية في إطار برنامجه الخاضع لمراقبة موظفين من صندوق النقد الدولي".
     الشرط الأساسي لتلك المبادرة هو: "التزام السودان بشكل دائم ببرنامج إصلاح اقتصادي ومالي يقره صندوق النقد الدولي ويراقب تنفيذه موظفو الصندوق".
     في تقدير صندوق النقد الدولي " أن السودان استوفى أحد الشروط الرئيسية التي طالب بها المانحون الدوليون في فبراير، عندما اتخذ خطوات لتوحيد أسعار الصرف الرسمية وسعر السوق السوداء؛ وأنه نفذ "مستوى هائلا من الإصلاح في فترة زمنية قصيرة للغاية، بما في ذلك قيامه بإصلاحات مؤلمة مثل خفض دعم الطاقة".
     أشاد صندوق النقد الدولي كذلك بتنفيذ السودان لذلك (المستوى الهائل من الإصلاحات المؤلمة)، في (فترة زمنية قصيرة للغاية). جاءت تلك (الإصلاحات) المشار إليها في إطار سلسلة من الخطوات المنتظمة والمتسقة، التي بدأت بالوفاء بالشروط السياسية والاقتصادية الصعبة والقاسية التي تطلبها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والمتمثلة في التطبيع مع إسرائيل، ودفع التعويضات لعائلات الأمريكيين ضحايا المدمرة كول وسفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام.

     تلت ذلك خطوة القرض التجسيري Bridge Loan بقيمة 1.15 مليار دولار، الذي قدمته وزارة الخزانة الأميركية للسودان لتسوية متأخرات دَين لصالح البنك الدولي. (تسوية متأخرات قروض للبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي شرط للتأهيل لمبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون - هيبيك). ذكر وزير الخزانة الأمريكي أنه لم تكن لتلك الخطوة من جانبهم أي تكلفة على دافعي الضرائب الأمريكيين، ( إذ أعيد مبلغ القرض للولايات المتحدة في وقت وجيز، حيث كان الغرض من وراء تقديمه فقط تغطية جانب إجرائي شكلي تطلبته قوانين البنك الدولي الخاصة بالإقراض).
     نخلص إلى أنه قد تم الوفاء بالعديد من الشروط الصعبة المطلوبة للتأهل لبلوغ المرحلة الأولى (Decision Point) من إمكانية استفادة السودان من مبادرة (هيبك)، ولا يزال مطلوبا كجزء من شروط تلك المرحلة الأولى أيضاً، الوفاء بشروطً إضافية؛ من بينها:
    - سجل متابعة لمدة ستة أشهر على الأقل من الأداء المرضي في إطار برنامج صندوق النقد الدولي الخاضع لمراقبة فريق العمل Staff Monitoring Program؛
    - تسوية المتأخرات للدائنين متعددي الأطراف، أو الاتفاق على إستراتيجية لتسويتها؛
    - التوصل إلى اتفاق بشأن الإصلاحات التي سيحتاج السودان إلى تنفيذها من أجل الوصول إلى نقطة الإنجاز(Completion Point)؛
    - تبني ورقة تحت رعاية الصندوق والبنك الدوليين، تبين إستراتيجية البلاد فيما يتعلق بتخفيف الفقر، وتحتوي على عدد من الالتزامات المتعلقة بتنفيذ إجراءات التكيف الهيكلي الكلاسيكية، المتمثلة في الخصخصة، وتخفيض الأجور، وتخفيض المنح، وإلغاء الدعم، وتحرير سوق العمل. بناء على تجارب سابقة لبلادنا وبلدان أخرى، يثار السؤال عما إذا كانت مثل هذه الإستراتيجية سوف تخفف من الفقر حقا؛ وإذا ما كان البرنامج المطلوب تطبيقه، يتوافق مع البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والمالي والإنساني" الذي تمت الإشارة إليه في الوثيقة الدستورية؟.
    - من المتوقع بلوغ المرحلة الأولى، والمسماة (بمرحلة اتخاذ القرار) (Decision Point)، بنهاية شهر يونيو القادم. أما الوصول إلى المرحلة الثانية والمسماة (بمرحلة الإنجاز) ( (Completion Point، فإنها تتطلب قيام السودان بتنفيذ ومتابعة ما يسمى بورقة إستراتيجية الحد من الفقر، لمدة عام على الأقل، تحت رعاية وإشراف البنك الدولي، وإظهار قدر من استقرار الاقتصاد الكلي. تتضمن تلك الورقة المطلوبة كامل البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي ستتبعها البلاد.
    - معنى ذلك أنه، رغم ما قامت به الحكومة من خطوات للتأهل للمرحلة الأولى، (وصفها صندوق النقد الدولي نفسه بأنها خطوات مؤلمة)، ورغم تنفيذها في (فترة زمنية قصيرة للغاية)، كما وصفها الصندوق أيضاً، إلا أن بلادنا ستظل تحت عبء مدفوعات الديون، بينما هي تكافح من أجل تنفيذ متطلبات التكيف الهيكلي (الأكثر إيلاما)، المطلوب تنفيذها قبل بلوغ (مرحلة الإنجاز)، إذ أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سوف لن يقوما بإلغاء الديون قبل بلوغ مرحلة الإنجاز، أي ليس قبل عام على الأقل كما هو مشترط.
     المناخ الاقتصادي العالمي غير المواتي:
    تجري جهود تخفيف أعباء الديون عن السودان بموجب مبادرة (هيبيك)، في ظل ظروف اقتصادية عالمية غير مواتية، كما عبرت عن ذلك تقارير العديد من المنظمات الدولية، بما فيها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمنابر الاقتصادية ذات الوزن العالمي، مثل الإيكونومست والواشنطون بوست ومنظمة أوكسفام، والتي عكست قدراً كبيراً من التشاؤم فيما يتعلق بأحوال الاقتصاد العالمي عامة، وبمستقبل الدول الفقيرة المثقلة بالديون على وجه الخصوص. فيما يلي جانب من ما ورد في تلك التقارير:
     جاء في تقرير مقدم من مجموعة الإيكونيميست للأبحاث الخاصة (Economist Intelligence Unit) ، بتاريخ 27 مايو 2020 بعنوان: (أزمات الديون السيادية قادمة)، بأنه يتوقع أن يترتب على جائحة فيروس كرونا خروج البلدان النامية الفقيرة بمستوى مديونية أكبر، وستكون مضغوطة مالياً أكثر من ذي قبل؛ فبحلول بداية عام 2021، دمر فيروس كرونا الاقتصادات والإيرادات الحكومية في جميع أنحاء العالم، مما أثار المخاوف حول مدى قدرة هذه البلدان على السداد في حالة غياب خطط أكثر شمولاً لتخفيف عبء هذه الديون (أي أكثر من مجرد تأجيل السداد؛ لأن التأجيل يعني أن مدفوعات سداد الدين ستظل قائمة، وتجني فوائد مع مرور الزمن؛ بينما لا تسمح القوانين الأساسية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بإلغاء الديون(.
     لقد دفعت أزمة فيروس كورونا البلدان الفقيرة وبلدان الاقتصادات الناشئة إلى المزيد من الاقتراض؛ وفي تقدير وحدة الأبحاث الخاصة بالإيكونومست (EIU)أنها قد تجعل من الديون مشكلة عالمية متشعبة وحادة في المدى المنظور.
     يذكر البنك الدولي أن دين أفقر 73 دولة ارتفع بنسبة 9.5% العام الماضي ليبلغ قيمة قياسية تقدر بـ 744 مليار دولار. وأضاف أن عبء دين تلك الدول تجاه الدائنين الحكوميين، الذين أغلبهم من دول مجموعة العشرين، بلغ 178 مليار دولار العام الماضي.
     حذر البنك الدولي من أن اقتصادات الدول النامية عموما قد تشهد تراجعا في الناتج يصل إلى 2% في العام الحالي، وهو ما يمثل أول انكماش على المستوى الجماعي لتلك الدول منذ عام 1960. ويقدر البنك إن النتائج قد تكون أسوأ كثيرا حيث قد يهبط الناتج بحوالي 3% إذا لم ينتعش الاستثمار والاستهلاك.
     بالفعل أدت ظروف الجائحة إلى قلب ميزان الديون، وأثرت على العديد من الدول الإفريقية؛ وكانت زامبيا هي أول المتضررين، حيث تخلفت عن سداد التزامات الديون في نوفمبر 2020م. وتتخذ دول عديدة أخرى إجراءات لتجنب نفس المصير، بما في ذلك أنغولا والغابون وغانا وكينيا، من بين دول أخرى.
     ذكر صندوق النقد الدولي في تقرير حديث له عن آفاق الاقتصاد العالمي إنّ الضخّ الضخم للمساعدات الحكومية منع الاقتصادات من انهيار أكبر في عام 2020، لكنّ استمرار وجود الفيروس يعني أنّ التوقّعات غير مؤكّدة إلى حدّ كبير؛ وأكّدت كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي أنّ الركود كان أقلّ حدّة، ولكنّه لا يزال عميقاً و"من المرجّح أن يكون الخروج من هذه الكارثة طويلًا، وغير منتظم وغير مؤكّد بدرجة كبيرة".
     ورد في تقرير للكاتب روبرت ج. سامولسون نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن الولايات المتحدة والاقتصادات حول العالم تمر بوضع حرج، ومع ذلك، ما زلنا نقلل من شأن التداعيات الجسيمة التي تهدد العالم بأسره، وفي الواقع، هناك أزمة ثانية تلوح في الأفق وهي أزمة ديون عالمية تتمركز بأوروبا، من شأنها أن تزيد من زعزعة الاستقرار، في عالم لا يزال يعاني من العواقب الوخيمة الناجمة عن جائحة كورونا، ففي الولايات المتحدة ودول أخرى، فقد عشرات الملايين وظائفهم، وبلغ إجمالي الخسائر التجارية تريليونات الدولارات.
     ترى منظمة "أوكسفام" إنه "مع تهديد الفوضى الاقتصادية التي سببها كوفيد-19 تراجعت الحرب ضد الفقر لعدة عقود؛ وحذرت المنظمة من أن فشل إلغاء مدفوعات الدين سيؤدي إلى تسونامي ديون يعصف بعدد كبير من أفقر دول العالم".

    مبادرة (هيبيك) لا تغطي كل الديون

     من التحديات الرئيسية في معالجة أرمة مديونية البلاد الخارجية، أن القروض المشمولة بمبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، لا تغطي كل ديون السودان، بل تشمل فقط قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الإفريقي وقروض مجموعة دول نادي باريس؛ أي أنها لا تشمل قروض الصين، والقروض الثنائية الأخرى للدول غير الأعضاء في نادي باريس، وقروض البنوك التجارية والقطاع الخاص، وصناديق الاستثمار الخاصة.

     الصين هي أكبر مقرض منفرد للبلدان منخفضة الدخل (ومن بينها السودان)، والبلدان الناشئة. (وفقا لتقرير نشره معهد كييل الألماني في يونيو 2019 عن الاقتصاد العالمي، كانت الدول النامية وبلدان الأسواق الناشئة، تدين بنحو 380 مليار دولار للصين في نهاية عام 2017، مقارنة بنحو 246 مليار دولار لمجموعة البلدان الاثنين وعشرين المكونة لنادي باريس).

    وفقاً لهذا الثقل الذي تمثله قروض الصين للدول النامية، فإن المعالجة الشاملة لقضية مديونية السودان، تتطلب معرفة موقف الصين من الموافقة على إعادة التفاوض حول القروض التي قدمتها للسودان.

     يقودنا ذلك إلى أن علينا تقييم مديونية السودان للصين وللدائنين الآخرين من القطاع الخاص وصناديق الاستثمار، ونسبتها إلى إجمالي مديونية السودان، ونتيجة الحوار الذي يتوقع أن يكون قد جرى حول إعادة الهيكلة مع أولئك الدائنين، بالتوازي مع الحوار الذي تم مع مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة الدول الأعضاء بنادي باريس، والذي تمخضت عنه مبادرة (الهيبيك).
     نخلص من ذلك إلى أن علينا تحسين القدرة على إدارة الديون، بصياغة إستراتيجية شفافة لمعالجة قضية المديونية، وإنشاء الإطار المناسب الذي يدعم التنفيذ الفعال. يحتاج ذلك إلى تحديد الإدارات التي عليها الاضطلاع بهذه المهمة الجسيمة (وزارة المالية، والبنك المركزي)، وتطوير التنسيق العالي بينها. كذلك ستكون هناك حاجة إلى دعم فني متنوع من المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بتلك القضية (تدريب – أجهزة حاسوب – وغيرها) ، والاستفادة من تجارب الدول التي حققت نجاحاً في إدارة المديونية، حيث سيكون ضرورياً تسجيل جميع اتفاقيات وعقود القروض، وإعداد تقارير دورية عن الوضع العام للديون في البلاد.
    موقف إفريقي موحد من أزمة الديون الخارجية لإفريقيا
    الغالبية العظمى (33 من 40 من الدول المثقلة بالديون، التي تأهلت بموجب مبادرة الهيبيك)، هي دول إفريقية. يرجعنا ذلك إلى استعادة نتائج مؤتمر القمة الاستثنائي لمنظمة الوحدة الإفريقية، الذي انعقد قبل أكثر من ثلاثة عقود (في الفترة من 30 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 1987م)، لبحث أزمة الديون الأفريقية بهدف اعتماد موقف مشترك إزاءها، لنجد أنه لم يحدث تقدم في معالجة أزمة المديونية الإفريقية خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة، بل لعل الأزمة قد ازدادت تفاقماً.
    عبر الرؤساء الأفارقة في ذلك المؤتمر عن أن مشكلة المديونية مرتبطة تاريخيا مع التنمية؛ وأن حلها يكمن في المقام الأول بقدرة أفريقيا على إحداث تنمية حقيقية؛ وبالتالي، فإن على الدول والمؤسسات المالية الدولية واجب ومسؤولية المساهمة في حل مشكلة الديون الخارجية لأفريقيا من خلال، على وجه الخصوص، زيادة كبيرة في تدفقات الموارد إلى البلدان الإفريقية بشروط ميسرة.
    كذلك أكدت القمة الإفريقية من خلال الموقف المشترك القائل بأنه لا يوجد حل دائم لمشكلة ديون البلدان النامية إلا في إطار من الإجراءات الشاملة والمتوازية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وذلك تقديرا للترابط بين قضايا الدين الخارجي، وتدفق المساعدات الإنمائية، وتحسين نظام التجارة الدولية، وتحسين أسعار السلع وإصلاح نظام النقد الدولي.
    وصف الرؤساء الأفارقة الحجم الكبير للمديونية الإفريقية بأنه مظهر صارخ للاختلال الموجود على الصعيد الدولي في العلاقات النقدية والمالية التي، إذا لم يتم تصحيحها، سوف تستمر في تعريض آفاق التنمية المستقبلية للخطر.
    إن هناك الكثير من الدروس القيمة التي ينبغي تعلمها، بالتعمق في نتائج تلك القمة الاستثنائية التاريخية المشرفة، والوثيقة الجيدة والهامة التي صدرت عنها بعنوان: "الموقف الإفريقي المشترك من أزمة الديون الخارجية لإفريقيا" (AFRICAN COMMON POSITION ON AFRICA'S EXTERNAL DEBT CRISIS)
    إن معالجة قضايا الوطن الاقتصادية الكبرى، وتحقيق تطلعات المواطنين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة وذات البعد الإنساني، تتطلب الشفافية ومشاركة أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري والملموس؛ حيث لا يستقيم اتخاذ القرارات حول القضايا الوطنية المصيرية بدون مشاركة، وبدون تفويض وبدون الخضوع للمحاسبة.
    ******
    • عمل كاتب المقال وكيلا للاقتصاد الوطني بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في فترة الديمقراطية الثالثة؛ وتمت إحالته للتقاعد للصالح العام في أول أغسطس 1989م.






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de