مجمع الفقه الإسلامى السودانى يفتى ويتجنب الفتوى ...
جزء اول ..
السادة مجمع الفقه الاسلامى تحية طيبة ..
اطلعت كما اطلع غيرى على المنشور الذى اصدرتموه ، والذى أفتيتم فيه بتحريم كتاب التاريخ للصف السادس ..
ان هذه الفتوى فى حقيقتها يشتم منها رائحة السياسة ، وهى تتحدث مستندة على الشريعة ، والرأى العام على علم بما وراء هذه الفتوى ، وعلى علم أيضا بالمجموعة التى ظلت تجتهد فى محاربة د . القراى مدير المناهج ، وهناك سببان لهذه الحرب ، اولاهما ان دكتور القراى عندما كان يدير أركان الجمهوريين فى جامعة الخرطوم وغيرها ، نجح فى كسر هيبة الاخوان المسلمين ، عندما كشف جهلهم بالدين ، وكشف سلوكهم الغير انسانى فى التعامل مع الآخرين ، الشئ الذى شجع الطلاب على مقاومة جهلهم وعنفهم .. وثانى الأسباب ان دكتور القراى المتخصص بحق فى المناهج ، يعمل على تطهير المناهج الحالية من بصمات الإنقاذ ، التى كانت تتجه لأدلجة الطلاب والتلاميذ ليصبحوا اخوانا مسلمين ..
وها انتم الان تدخلون حلبة الصراع بعلم او بغير علم ، لدعم مجموعة الاخوان المسلمين الذين يحاربون د. القراى .. وهناك من يسأل ، هل تقدمت لكم المجموعة التى تحارب د القراى بطلب فتوى لتحريم الكتاب ؟ ويلاحظ ان فتواكم المنشورة قد بلغت من التطرف درجة تحريم كتاب التاريخ (كله) مع انه يحوى فى داخله اسماء الله ، فدخلت هى أيضا تحت جناح التحريم بسبب فتواكم .. ولو افترضنا جدلا ان هناك خطأ فى الكتاب ، فمن الممكن مراجعة الخطأ ، لا إلغاء الكتاب كله ، وهناك طرق علمية لمراجعة اى كتاب ، يفترض فيكم ان تكونوا ملمين بها ، هذا هو الاسلوب المتعارف عليه ، والذى يطلق عليه اسم التنقيح وهو امر يعلمه كل من يعمل فى مجال التعليم ..
ان تدخلكم فى مجال المناهج ، ورفضكم ادراج بعض الأحاديث النبوية فى المنهج ، مثل حديث ( الجنة تحت أقدام الأمهات) وغيرها، يثير سؤالا : هل انتم تنتمون إلى مذهب معين ؟ واذا كان ذلك صحيحا ، فإلى أى مذهب تنتمون ؟ او ينتمى بعضكم ؟ هذا مجرد سؤال للإستفسار ، لأن السودانيين على علم بأهل ذلك المذهب ، الذين اشتهروا و برعوا فى إضعاف الأحاديث النبوية.. وهذا يضع مجمع الفقه الإسلامى فى موضع شك وريبة ، ذلك أن اهل السودان اهل تصوف ، وهم يعرفون جيدا الجهات التى تحارب التصوف وتضعف الأحاديث النبوية .. ان من حق الشعب السودانى ، ومن حق الثوار الذين استماتوا فى الميدان ليسقطوا أسوأ نظام فى تاريخ السودان منذ بعانخى ، ان يتبينوا ما الذى يجرى فى مجمع الفقه الاسلامى ؟ ومن حقهم ان يحافظوا على مستقبلهم بعد أن ذاقوا الويلات من نظام الإنقاذ الذى استغل الدين الاسلامى لخدمة مصالحه ، ان التجربة الدينية الفاشلة فى عهد الإنقاذ، والتى شوهت الإسلام يجب الا تتكرر مرة أخرى ، وهى يمكن أن تتكرر طالما ان نفس العقليات الدينية التى خدمت الإنقاذ مستمرة فى خدمة نظام الإنقاذ البائد ..
ان مجمع الفقه الإسلامى عندما نشر هذه الفتوى ، إنما نشرها ليقول للناس انه يعتمد على الشريعة ، ولكن مجمع الفقه الإسلامى هذا ، يسكت عن بعض مخالفات الشريعة ، وهو يعلم حق العلم انها تخالف الشريعة ، ولكنه يغض النظر عنها ليتفرغ بكامل طاقته الان لتحريم كتاب تاريخ ..
وعلى سبيل المثال ، فقد صرح السيد وزير الشئون الدينية والأوقاف ، بأن تصديقا قد صدر لبناء عدة كنائس جديدة فى السودان ، وحدد مواقعها ..
ان الشريعة التى تفتون باسمها ، ترفض بناء الكنائس فى دولتها ، بل وتأمر بهدم الكنائس قديمها وحديثها ، وانتم تعلمون ذلك حق العلم ، ومن اجل الذكرى ، لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، فلنقص عليكم طائفة عن ذلك : -
قال عليه الصلاة والسلام ( قاتَلَ اللهُ اليهودَ و النَّصارَى اتَّخذُوا قُبورَ أنْبيائِهِمْ مَساجِدَ ، لا يَبْقَيَنِّ دِينانِ بِأرْضِ العَرَبِ) ..
وقال الفاروق عمر رضى الله عنه (أنَّا شَرَطْنا على أنفسنا أنْ لا نُحدِث في مدينتنا كَنيسةً، ولا فيما حولها ديرًا، ولا قَلَّايةً ولا صَومعةً ).. وقد سُئِل ابن عبَّاس عن أمصار العرب، أو دار العرب؛ هل للعجم أن يُحدِثوا فيها شيئًا؟ فقال : - ( أيُّما مِصرٍ مَصَّرتْهُ العربُ فليسَ للعَجمِ أن يبنوا فيهِ بناءً، ولا بيعةً، ولا يضربُوا فيه ناقوسًا...) ..
وكتب عُمرُ بن عبد العزيز إلى عُروة بن محمَّد: أنْ يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين .. قال: فشهدتُ عروة بن محمَّد ركِب حتى وقَف عليها، ثم دعاني فشهدتُ كتابَ عمر، وهدْمَ عروةَ إيَّاها، فهدمها) ..
ورَوَى عن مَعمَر، عن إسماعيل بن أُميَّة، أخبره: ( أنَّه مرَّ مع هشام بحِدَّة ، وقد أُحدثت فيها كَنيسة، فاستشار في هدْمها، فهدَمها هشام) .. وروَى عن الحسن البصريِّ قال: (من السُّنَّة أن تُهدم الكنائس التي بالأمصار القديمة والحديثة )
هذا ما جاء عن ( حرمة) قيام الكنائس فى (دار الإسلام) منقولا عن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام ، وعن أصحابه عليهم رضوان الله ، وعن خيار التابعين ومنهم عمر بن عبد العزيز والحسن البصرى رضى الله عنهما ..
والآن ، هل ينتظر الشعب السودانى منكم فتوى بتحريم بناء الكنائس بل وهدمها ؟ ام انكم ستكتفون بمطاردة صورة فى كتاب تاريخ الصف السادس؟!
والآن أيضا ، فإن مدارسنا فى السودان لا تقتصر فقط على التلاميذ المسلمين ، وانتم تعلمون ان فيها تلاميذا من اهل الكتاب ، وتلاميذا وثنيين ، أو مشركين حسب الشريعة ، والمناهج التى تصممها إدارة المناهج تخص كل هؤلاء التلاميذ بمختلف اديانهم دون تمييز ، وما تستنكرونه انتم وتحرمونه ، فإن غير المسلمين قد يقبلونه ، و قد يرفضون استنكاركم وتحريمكم .. هل تريدون ان يخرج هؤلاء التلاميذ والطلاب من مدارس وطنهم ، لتتحول البلاد إلى داعش والقاعدة وطالبان ؟
وطالما انكم تتحدثون باسم الشريعة ، فإن هناك حاجة لتذكيركم بأن دولة الشريعة لا يجب أن يكون فيها وثنيين ، وإنما فقط مسلمين يدفعون الصدقة ، وأهل كتاب يدفعون الجزية عن يد وهم صاغرون !!
وهذا يقتضى منكم أن تنشغلوا اولا بهذا الأمر ، قبل كتاب التاريخ ، والشريعة واضحة ، قال تعالى عن الوثنيين الذين هم مشركين فى نظر الشرع : -
هل ينتظر منكم الشعب السودانى فتوى تأمر الحكومة بأخذ الجزية من المسيحيين فى بلادنا ، وهم مواطنون ؟ ثم أخذها عما قريب من اليهود بعد التطبيع !!
ام ستصمتون ، وتعرضون عن الشريعة ؟ وعن الفتوى ؟
هل تؤمنون فقط ببعض الكتاب؟
ان بعض الفقهاء داخل السودان يحبون الفتاوى ، وغيرهم من زملائهم فى المهنة خارج السودان ، يحبون أيضا الفتاوى ، ويكثرون منها ، حتى اسرفوا على أنفسهم وعلى الناس ، بل حتى أصبحت الفتاوى تجارة سياسية ، تستغلها بعض المذاهب الإسلامية لتحارب بعضها ، الشيعة يحاربون الوهابية ويفتون ، والوهابية بمختلف اجنحتهم يفتون باهدار دم الناس لمجرد الاختلاف فى وجهة النظر ..
الفتاوى ليست أمرا مقدسا ، كما يريد بعض المفتين ان يلقوا ذلك فى روع عامة المسلمين ، انها مجرد وجهة نظر تقبل الصواب والخطأ ، طالما انها تصدر عن (اجتهاد) الفقهاء .. ان الفتوى علم ، وعلى المفتى ان يكون على علم بدقائق حقائق الدين الإسلامي ، وحقائق الاديان الأخرى ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يتوجب عليه أن يكون ملما بثقافة العصر وعلومه ، حتى يفهم عقلية الإنسان المعاصر ، ليقدم له من الدين الإسلامي ما يحل مشاكله ، وأن يكون المفتى محايدا ، حسن الخلق ، واسع الافق ، حتى يكون عمله لوجه الله لا وجه مذهب او جماعة سياسية ...
اختم هذا الجزء من المقال بتذكيركم ان مذكرة فتواكم المنشورة تحتوى على بعض الأخطاء ، مما يدل على قلة الثقافة ، وعلى ضعف فى المعلومات العامة ، وسيكون ذلك موضوع الجزء الثانى من هذا الموضوع بإذن الله تعالى ..
احمد محمد البشير المحامى
01-03-2021, 01:13 PM
عبدالله عثمان عبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192
أحمد محمد البشير المحامي يواصل تفنيده لمذكرة ما يسمى مجمع الفقه ---
ان هذه الفتوى تمثل تدخلا سافرا فى شئون هيئة المناهج ، والمحمية من هذا التدخل بنص القانون .. انها فتوى باطلة ، ويجب على مجمع الفقه الإسلامى سحبها والاعتذار عنها ، ودفع كل خسارة مادية اومعنوية تكبدتها إدارة المناهج .. ................
مجمع الفقه الإسلامى يفتى فى التاريخ ويتجنب الفتوى فى الدين
جزء ثانى
الأخطاء التى وردت فى منشور الفتوى
السادة مجمع الفقه السودانى تحية طيبة ..
ان منشور الفتوى الذى اصدرتموه بشان كتاب التاريخ للصف السادس ، احتوى على عدة أخطاء ، تدل على نقص فى المعلومات التاريخية والثقافية بل والدينية.. فلنستعرض بعض هذه الأخطاء التى وردت فى مذكرتكم ، مع التعليق عليها ..
اولاً .......... جاء فى البند رقم (١) من مذكرتكم وانتم تنتقدون الكتاب ما يلى : - (١- الإساءة القبيح للذات الإلهية فى تصويرها مجسدة للتلاميذ)
ثم وفى نفس الاتجاه اوردتم فى البند ( ٨ - ث) ما يلى :-
(الصورة فى الوحدة الرابعة ( ص 40) وتكرارها ( ص 45 ) التى تسيئ إلى الذات الإلهية وتصويرها فى صورة انسان ، وهى تخالف عقائد جميع البشر من اهل الديانات عموما ، كما تسيئ إلى الأنبياء والرسل الكرام ) انتهى
التعليق ... قلتم ( الإساءة القبيح للذات الإلهية فى تصويرها مجسدة للتلاميذ ) .. العبارة تحتاج إلى مراجعة ، طالما ان الحديث يدور عن (صورة) حسب عبارتكم ، وطالما انكم تدخلتم فى ما لا تعلمون من أمر المناهج ، ذلك ان الصورة مثار الفتوى طرف من الفنون ، يخص الفنون التشكيلية ، وعبارتكم اعلاه تدل على نقص معلوماتكم عن الفنون التشكيلية .. إن كلمة ( مجسدة ) التى استخدمتموها ، كانت فى غير محلها ، لأن التجسيد أمر ذو ثلاثة ابعاد ، كالنحت والخزف ، على حين ان الرسم والتلوين والتصوير كلها ذات بعدين ، وكان ينبغى عليكم الاكتفاء بكلمة (لوحة) أو حتى كلمة رسم او تلوين ، وهى الكلمات الصحيحة لوصف لوحة مايكل انجلو التى هى مثار الجدل .. انكم تتدخلون فى ما لا تعلمون ، وبلا زاد ولا معرفة ولا ثقافة .. علما بان الفنون التشكيلية ، هى إحدى عناصر مناهج التعليم ، التى تدخلتم فيها بفتواكم ..
ثانيا ، لماذا هذا التطرف فى نقد الصورة ، للدرجة التى جعلتم فيها التصوير فى شكل انسان ( إساءة قبيحة للذات الإلهية )؟
ألم يمر على حضراتكم الحديث النبوى ( ان الله خلق ادم على صورته ) ؟ أليس آدم رضى الله عنه بإنسان ؟ وان الحديث النبوى يقول ان صورة آدم هى صورة الله ؟ ام انكم تعتقدون ان الحديث ضعيف ؟ إذن فاسمعوا ... عن أبي هريرة رضى الله عنه ، عن النبي ﷺ قال( خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا) متفق عليه وفيهم البخارى ومسلم
وفى رواية أخرى : - (خلق الله ادم على صورة الرحمن) أثبتها الإمام أحمد
ما رأيكم ان نعرض عليكم تفسير ابن باز لهذا الحديث ، وهو فقيه متشدد ، وانتم به أعلم ، واليه أقرب ؟
يقول ابن باز : - ( والمعنى: أنه سبحانه وتعالى خلق آدم سميعًا بصيرًا يتكلم وله وجه وله يد وله قدم، وهكذا ربنا سبحانه: سميع بصير يتكلم وله وجه وله يدان وله قدم سبحانه كما أخبر عن نفسه: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، وقال جل وعلا: مَا مَنَعَكَ أَنْْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) .. انتهى
وهناك رواية أخرى للحديث تقول ( لا تقبحوا الوجه ; فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن ) .. أخرجه الآجري في" الشريعة" وابن خزيمة في " التوحيد " و الطبراني في " الكبير "
فهل بعد هذا يمكن أن نقرر بكل جرأة وقلة علم ، ان صورة الإنسان إساءة قبيحة للذات الإلهية ؟
ثم هناك هذا الحديث النبوى : - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت ربي جعدا أمرد عليه حلة خضراء ) ..
وحتى لا يظن أحدكم ان الحديث مكذوب او ضعيف : -
حدثنا محمد بن محمد بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن محمد اللخمي: سمعت محمد بن علي بن جعفر البغدادي، قال: سمعت أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم يقول : - سألت أبا عبدالله أحمد بن حنبل عن حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (رأيت ربي جعدا أمرد عليه حلة خضراء )... فقال أحمد بن حنبل : - هذا الحديث رواه الكبر عن الكبر عن الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمَن شكَّ في ذلك، أو في شيء منه؛ فهو جهمي لا تقبل شهادته، ولا يسلم عليه، ولا يعاد في مرضه ..
اذن فقد راى النبى عليه الصلاة والسلام فى صورة شاب أمرد ..
فهل لا زلتم تظنون ان صورة الإنسان تمثل ( إساءة قبيحة للذات الإلهية )؟ واذا كانت فيها إساءة للذات الإلهية فلماذا ظهر الله تعالى للنبى عليه الصلاة والسلام فى صورة انسان أمرد بلا لحية ؟
هل قال عليه الصلاة والسلام بعد رؤيته هذه ، ان صورة الإنسان تمثل ( إساءة قبيحة للذات الإلهية ) ؟ فإن لم يقل ، فكيف تتخطون النبى عليه الصلاة والسلام ؟ هل انتم اعلم منه ، واعرف منه بالله ؟
ثالثا ..... قولكم ( الصورة فى الوحدة الرابعة ( ص 40 ) وتكرارها ( ص 45 ) التى تسيئ إلى الذات الإلهية وتصويرها فى صورة انسان ، وهى تخالف عقائد جميع البشر من اهل الديانات عموما ، كما تسيئ إلى الأنبياء والرسل الكرام ) انتهى
ان عبارة ( وهى تخالف عقائد جميع البشر من اهل الديانات عموما ) معلومة خاطئة تماما ، وهى تدل على ضعف معرفتكم بالاديان ( عموما) ذلك أن الصورة مثار الجدل رسمها الفنان مايكل انجلو ، وهو مسيحى ، وقد رسمها وفقا لعقيدته ، كما أن عقيدة الكثير من المسيحيين تقوم على أن السيد المسيح هو ابن الله ، وهم يستخدمون عبارة الصلاة ( باسم الآب والإبن والروح القدس ) .. والأب عندهم هو الله ، والإبن هو المسيح ، والروح القدس هو جبريل .. ثم إن رسومات الفنانين للسيد المسيح متوفرة ومنتشرة فى كل مكان ، وقد رأيتموها انتم مرارا وتكرارا ، وهناك الكثير من التماثيل ( المجسمة) للسيد المسيح ، انجزها العديد من مشاهير النحاتين . ورجال الدين اليهود والمسيحيين قبلوا هذه الأعمال الفنية ، وأحيانا يطلبون من الفنانين إنجازها داخل الكنائس ، وهم بطبيعة الحال لا يعتقدون ان فى ذلك إساءة لله أو للانبياء بما فيهم السيد المسيح ، بل أن الفنان مايكل انجلو نفسه قد أقام تمثالا عاريا تماما للنبى داوود عليه السلام ، طوله اكثر من أربعة أمتار وموجود الآن فى فلورنسا بايطاليا ، ومنذ اكتماله عام 1504 وحتى اليوم فإنه مثار إعجاب المسيحيين واليهود ، بل وبعض المسلمين ..
ان هذه الأعمال الفنية شكلت وعبرت عن عقيدة عامة اليهود والمسيحيين .. ان عبارتكم عن الرسم مثار الجدل التى تقول ( وهى تخالف عقائد جميع البشر من اهل الديانات عموما ) تدل أشد الدلالة على انكم تعيشون خارج العصر ، وخارج تاريخ الاديان ، بل خارج ثقافة رجل الشارع ..
ان اهل الكهف عندما استيقظوا من سباتهم ، ثم اكتشفوا ان هناك هوة زمنية بينهم وبين العصر ، طلبوا من الله ان ينقلهم اليه ، والان مع إنكم خارج العصر الا انكم حريصون على اصدار الفتاوى ، التى ثبت ان بعضها وبالتجربة بلا وزن عند التنفيذ ، بل ان الحكومة تتجاهلها ..
ان قولكم عن اللوحة مثار الجدل ( وهى تخالف عقائد جميع البشر من اهل الديانات عموما ) كانت مجازفة منكم دلت على جهل! ... أليس فى مجمعكم الفقهى رجل رشيد ، يراجع هذه المجازفات قبل أن تقلل من قدركم بين الناس ؟
ثانيا ...... جاء فى البند ( 2 ) من فتواكم وانتم تنتقدون كتاب التاريخ المذكور ما يلى : - ( الإساءة لدين الإسلام وتصويره دين ارهاب وعنف ( ص 7 - 11) حيث صور الفتح الإسلام غزوا .) انتهى
السؤال : ما الخطأ فى تصوير الفتح الإسلام بأنه غزو ؟ لقد غزا عليه الصلاة والسلام مكة وفتحها بجيش بلغ عدده حوالى العشرة آلاف مقاتل ، ولولا ان قريش استسلمت ، لقاتلها ، وهو قد خرج اصلا للقتال !! وبسبب هذا الغزو آمن الكثير من قريش وأصبح التاريخ يسميهم بالطلقاء.. ان هذا المفهوم الخاطئ لديكم ، يقوم على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وهو مفهوم يمثل ردة فعل لهجوم الغربيين على الإسلام ، وما كان ينبغى لكم ان تكونوا ردة فعل جاهلة تخالف القرآن الكريم .. الحق ان الإسلام قد انتشر بالسيف ، فى العديد من بلدان العالم فى القرون الوسطى ، بل ان نشر الإسلام مبدأ راسخ فى الشريعة ، التى تزعمون انكم اهلها ، قال تعالى :- ( فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ..
وقال عليه الصلاة والسلام : - ( أمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ ) مُتفقٌ عليه لا عاصم لدماء الناس الا بالشهادتين والصلاة والزكاة ! هذه هى الشريعة التى تزعمون انكم أهلها ..
وهناك سؤال : - هل ( الإساءة لدين الإسلام وتصويره دين ارهاب وعنف) سببه كتاب تاريخ الصف السادس؟ ام ان العالم الآن يتهم المسلمين بالارهاب والعنف ؟ وذلك بسبب القاعدة وداعش التى تذبح اهل الكتاب وتحرق المسلمين بالنار !!
ثالثا ... وجاء فى البند رقم (5 ) من فتواكم فى نقد كتاب التاريخ ما يلى : - ( الكتاب اشتمل على أخطاء فادحة لا ينبغى ان تكون فى منهج التاريخ ، وحقائق تاريخية مغلوطة وأخطاء املائية ينبو عنها منهج مقرر ( انظر ص : 11 )
التعليق .. هذا مجرد تقرير لم تشفعوه بالأدلة ، وكان ينبغى عليكم ذلك ، طالما انكم بلغتم مرحلة محاولة تحريم الكتاب ..
رابعا ...... جاء فى البند رقم ( 6 ) من مذكرة فتواكم ما يلى : - ( الكتاب اشتمل على تناقضات كثيرة منها ( فى صفحة 11 السطر الثالث) ذكر العبارة التالية التى تثبت دخول الإسلام غزوا ثم تنفى الغزو !!! حيث قالت (... وبعد ذلك دخل الإسلام السودان وانتشر فى ربوعه ، ولكنه لم يدخل عن طريق الغزو والحرب ، ولقد جاء عبدالله بن أبى السرح غازيا للسودان ... ) انتهى
التعليق .. من المؤكد ان هناك تناقض ، ولكنه تناقض فى اذهانكم انتم وليس فى الكتاب ! ان الكتاب يريد أن يقول وبكل بساطة : لقد غزا عبدالله بن أبى السرح بلاد السودان ، ولكن الإسلام لم يدخل السودان بسبب هذه الغزوة .. وهذه حقيقة تاريخية ، ثم إن الصحابى عبدالله بن أبى السرح لم يهزم النوبة ويستولى على بلادهم وينشر الإسلام بينهم ، وإنما انتهى القتال بينهم إلى هدنه كان الطرفان فى حاجة إليها ، لقد كان النوبة شرسين فى القتال حتى أسماهم العرب برماة الحدق ، وقد شعر ابن أبى السرح ان هذه الحرب لا جدوى منها فآثر الهدنة .. وعن ذلك يقول الأكاديمي د. قيصر موسى الزين فى كتابه ( فترة انتشار الإسلام والسلطنات) ص 29 ما يلى : -
( ان النوبة والمسلمين اتفقوا على عدم الاعتداء ، وعلى ان يدفع النوبة للمسلمين سنويا البقط ، وهو عبارة عن ثلاثمائة وستين من الرقيق ، وأن يدفع المسلمون حبوبا وثيابا وغير ذلك ، ويمثل ذلك وضعا فريدا فى ما يبرمه المسلمون من معاهدات ، فهو لا يقع فى دائرة ما يفتحه المسلمون عنوة او صلحا ، ويبدو ان شدة بأس النوبة ( رماة الحدق) وبُعد بلادهم عن مركز الانتشار العربى ، واهتمام المسلمين آنذاك بفتح بلدان اكثر خصبا ، كان من عوامل هذا الوضع الخاص ) .. انتهى
كيف دخل الإسلام السودان ؟ كانت البداية هجرة العرب لبلاد السودان ، لا لنشر الإسلام ، وإنما فرارا من الحكام وطلب الرزق ، جاء فى كتاب تاريخ السودان لنعوم شقير تحقيق الدكتور محمد ابراهيم ابوسليم : - ( وقد اخذ العرب المسلمون بعد فتح مصر يهاجرون إلى السودان من مصر وبلاد العرب ، إما فرارا من الحكام او طلبا للرزق ، فلما فتحت النوبة السفلى زاد عدد المهاجرين منهم إلى بلاد النوبة العليا حتى ملأوها ، وكان اكثرهم من جهينة وبنى العباس، وتغلب العنصر العربى على النوبة ، ومع ذلك بقوا خاضعين لحكم العنج ، حتى قام الفونج فى جزيرة سنار فاتحدوا مع العرب وهاجموا العنج فقتلوهم شر قتلة ، وخربوا سوبا خرابا تاما ، حتى صاروا يضربون المثل فى خرابها فيقولون ( فلان خِرب خراب سوبا )...) انتهى
فإن كان الصحابى عبدالله بن أبى السرح رضى الله عنه ، أراد أن يسلم السودانين عن طريق غزوه لهم ، فقد أراد الله تعالى للسودانيين ان يدخلوا الإسلام عن غير طريق الغزو ، فافشل غزو عبد الله بن أبى السرح ، وادخل الإسلام عن طريق قادة التصوف ، أمثال الشيخ إدريس ود الأرباب وتاج الدين البهارى ، والشيخ الطيب ود البشير ، والسادة الختمية والإدارسة وغيرهم من الطرق الصوفية ، ثم يسر الله ذلك بقيام دولة الفونج الصوفية ، وكانت الصبغة الإسلامية التى دخلت السودان هى التربية ، واغاثة الناس واطعامهم ، وهذا هو الذى جعل السودانيين افضل المسلمين أخلاقا وتربية ، بشهادة عامة المسلمين خارج السودان ..
ليس هناك تناقض اذن ، لقد أراد الصحابى ابن أبى السرح رضى الله عنه ان يدخل الإسلام للسودان عن طريق الغزو ، وأراد الله له ان يدخل عن طريق التصوف ..
خامسا ... وكتبتم فى البند رقم( 8 ) : - (الكتاب اشتمل على صور توجه رسائل ومضامين خاطئة ، فى العقيدة تو والتاريخ والثقافة ، والتاريخ مادة تعتمد فى قيمتها على المصداقية فى كل مفردات منهجه.. أ - الشكل ( ٢) صورة لخراب سوبا فيها هوية المخربين وأنهم المسلمون ( صورة المئذنة) ص ١٢) انتهى
التعليق ... اولا ، لقد عاش بعض المسلمين فى سوبا عاصمة دولة علوة المسيحية ، وأن كانوا قلة ، ولكن التسامح مكن المسلمون من بناء مسجد يصلون فيه ، فلا ضير اذن ان كانت الصورة فى كتاب التاريخ مثار الجدل تحتوى على مئذنة مسجد .. ثم ان سقوط سوبا وخرابها شارك فيه المسلمون ، كيف غاب ذلك عليكم ؟ وكيف سمحتم لهذه السقطة التاريخية فى المعلومات ، ان تتسلل من بين أيديكم ليتفرج عليها الشعب السودانى ؟
( يري د. يوسف فضل ، أن المؤرخين حتي عهد قريب اجمعوا علي ان سقوط مملكة علوة المسيحية تم نتيجة لاتفاق ثنائي بين الفونج والعبدلاب، ومن ثم تكونت مملكة الفونج علي الجزء الشمالي من السودان الشرقي(أو سودان وادي النيل) من سنة 1504 م حتي 1821م .. الا أن دراسات حديثة ابتدعها البروفيسور هولت ، ترجح أن القبائل العربية بقيادة عبد الله جماع ، هي التي اسقطت سوبا عاصمة علوة، وبعد ذلك تمكن الفونج من هزيمة العبدلاب في اربجي سنة 1504م، وبالتالي سيطروا علي مملكة الفونج ..) انتهى الاقتباس
ولمصلحة تصحيح معلوماتكم .. من هم العبدلاب؟
يقول د يوسف فضل : - ( تجمع اخبار العبدلاب أنهم من أصل عربي صريح ، ويري جيمس بروس أنهم من قريش ، ويروي أنهم من الأشراف .. كما ورد في مخطوطة كاتب الشونة(مخطوط باريس) أن عبد الله القريناتي من عربان القواسمة، وهناك رواية الشيخ عبد الدافع التي ترجع القواسمة الي جهينة ، وتنسب أقدم مخطوطة عبدلابية ، عبد الله القريني الي بطن من قبيلة رفاعة من جهة امه ، والي الأشراف الحسينيين) انتهى
ان العبدلاب الذين اسقطوا سوبا ، بمفردهم او فى تحالف مع الفنج ، كانوا مسلمين ..
وعليه فإن محاولة الفتوى ابعاد المسلمين من خراب سوبا ، تحيز يشبه بعض رجال الدين ..
إن عبارة مذكرة الفتوى : - (والتاريخ مادة تعتمد فى قيمتها على المصداقية فى كل مفردات منهجه) هى وعظ منكم بلا رصيد ، وكان أولى به انتم أصحاب الفتوى ، لا إدارة المناهج ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالله عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست