حتى لا تضلُّ بوصلة اللجان: في استعادة ذكرة الثورة .. بقلم: عزالدين صغيرون

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 03:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-05-2020, 07:46 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48812

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حتى لا تضلُّ بوصلة اللجان: في استعادة ذكرة الثورة .. بقلم: عزالدين صغيرون

    06:46 AM December, 05 2020

    سودانيز اون لاين
    Yasir Elsharif-Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر




    حتى لا تضلُّ بوصلة اللجان: في استعادة ذكرة الثورة (1/ 3) .. بقلم: عزالدين صغيرون

    التفاصيل
    نشر بتاريخ: 04 كانون1/ديسمبر 2020
    الزيارات: 244




    - المكونات؟ إنهم يتصارعون على قسمة الفراخ قبل أن يفقس البيض !!.
    - يأتي من الثكنات من يفض فوضى الأحزاب فيدخلون جحورهم في انتظار هبة شعبية !!.
    - ينسى الكبار أن لاعب "الاحتياط" بالأمس، هو "رأس الحربة" في فريق الثورة اليوم !.
    - كان الشباب وحدهم تماماً، عُزلاً، في مواجهة إرهاب الدولة الإسلاموية الدموي.
    - هذا المناخ يفتح مساحات واسعة وملائمة لمناورات الأحزاب وفرصة للمغامرين!.
    (في مقام الحيرة)
    هل يبدو لك المشهد السياسي والاجتماعي مُرْبِكاً ومرتبكاً وغرائبيّ بشكل محيِّر، وأن الجميع – بمن فيهم أنت – تائهون مشوشون (دائشون)، في حالة من التخبط الأعمى؟!.
    حسناً. لا تبتئس، فهذا يكاد يكون حال الجميع. حتى أولئك الذين يمسكون بمفاتيح السلطة، ويفترض أنهم القادرون على تبديد الضباب وإزالة الغموض وإنارة الطريق.
    هم مثلك، وربما أكثر منك حيرة وتخبطاً وارتباكاً.
    رغم أن حالكم لم يكن هكذا طوال ما يقارب العام من ديسمبر 2018 إلى أغسطس 2019، حين كنتم طيلة شهورها تخوضون معركة شرسة ضد نظام شمولي لم يترك سلاحاً فاتكاً لم يستخدمه في مواجهة هتافاتكم وأناشيدكم وصدوركم العارية. أو حين كنتم تتوافدون لساحة الاعتصام، تدخلونها آمنين (عندك خُت، ما عندك شيل)، أمام قيادة من يفترض أن يكون حارسكم (حيث تم الغدر بكم وقُتِلتم).
    ورغم الغدر الخسيس والقتل الجبان والاغتصاب، ودفن الجثث الطاهرة في قاع النيل وباطن الأرض، لم تلين عزيمتكم ولم تهنوا.
    لم تضيع بوصلة اتجاهكم ولم تتلفتوا بحثاً عن إجابة. كان الطريق واضح والهدف محدد.
    فلماذا الآن هذه "الجهجة" والحيرة والارتباك؟.
    ما الذي حدث ويحدث ؟ ولماذا يحدث؟.
    (نافضو التراب عن مؤخرة جلابيبهم)
    ما حدث ، وباختصار شديد، هو أننا أعدنا وكررنا بغباء – ما يكاد يكون علامة سياسية حصرية وخاصة بنا – سيناريو نفس المواقف من نفس الأحداث، لننتهي إلى نفس النتائج في خاتمة القصة.
    وفي غير هذا المكان، ذكرت أكثر من مرة، أننا وبعد كل ثورة شعبية على حكم ديكتاتوري، كانت الأحزاب السياسية تسارع دائماً لتختطف الثورة في مرحلتها الانتقالية. لتمارس نفس ألاعيبها السياسية وتتنازع العظمة. بحماقة من يتصارعون على قسمة الفراخ قبل أن يفقس البيض. ليأتي من الثكنات من يفض هذه الفوضى ويستلم الحكم، يعود بعدها كل فأر إلى جحره في انتظار هبة شعبية تقتلع الديكتاتور من مقعده، لينفض كل منهم التراب عن مؤخرة جلبابه مسرعاً إلى الكرسي الشاغر، ويستأنفون الصراع من جديد، وبنفس قواعد اللعبة القديمة التي تحكمها المصالح الحزبية الضيقة والمكاسب السلطوية الآنية والمؤقتة.
    وهذا ما حذرت من نتائجه الكارثية وتكرارها هذه المرة في مقال سابق بعنوان "مهلاً، أنتم توشكون على قتلها".
    وبما أن كل تجربة تاريخية خائبة تبدأ كملهاة – يقول ماركس محقاً – وتنتهي إلى مأساة. فقد انتهت ملهاتي أكتوبر 1964م، ومارس/ أبريل 1985م، إلى مأساتي (مايو والانقاذ). الملهاة الثالثة بدأت في الفترة بين ديسمبر 2018 إلى أغسطس 2019 بثورة غير مسبوقة أطاحت ديكتاتورية استغرقت ثلاثة عقود، تغيرت خلالها ملامح السودان وتبدلت بشكل دراماتيكي، ولم تنتهي فصولها حتى يومنا هذا. وكل المؤشرات تؤكد قرب رفع الستار عن المأساة الثالثة.
    وغير بعيد من مقالة ماركس في نتائجها الكارثية تجري على اللسان السوداني مقولة تحذيرية بأن "الثالثة واقعة".
    وها نحن نقترب من هذه "الوقعة"، نتيجة لهذا التشاكس والتشاكل بين المكونات الثلاثة على اختطاف الثورة الوليدة وهي ما تزال على ضعفها في حاضنتها، لفترة "مؤقتة" ريثما يشتد عودها في خيمة الأوكسجين.
    (لاعب الاحتياط .. رأس الحربة الجديد !)
    وبما أن القوى المتصارعة على القصعة في مكوناتها المختلفة – العسكرية منها والمدنية والمسلحة خارج القانون – حباها الله ذاكرة آل بربون، فات عليهم أن هناك لاعب جديد هذه المرة لم يشارك قبل، ولم يكن له وجود مؤثر في الثورتين السابقتين.
    أو هو بالأحرى، كان "احتياطي" في دكة الانتظار لم يكمل استعداده بعد لمشاركة الكبار، وهو الآن "رأس الحربة" في فريق الثورة.
    وهذا اللاعب الجديد يتشكل من: القوى الشبابية التي قضت مراحل طفولتها وصباها ومطالع شبابها في محاضن جحيم الإنقاذ، " بلا انتماءات أيديولوجية. خارج" تشكيلة الأحزاب وفرقها السياسية المختلفة، التقليدي منها والحديث.
    كما يتكون الفريق من تلك القوى الشبابية التي كانت سجينة المحابس الحزبية. طاقة معطلة وغير فاعلة، تحت سلطة الزعامات الحديدية الخانقة. ولهذه الأخيرة فيما سنرى لاحقاً مهمة أخرى "داخل" أحزابها.
    ويوحِّد هؤلاء وأولئك هدف واحد محدد: دولة الحرية والعدالة والسلام المدنية.
    الدولة أولاً.
    والدولة المدنية تحديداً.
    تلك التي تحقق العدل والمساواة بين جميع مواطنيها، وتكفل حريتهم وكرامتهم، ويسودها السلام من ثم، يعم كل أرجائها، وتستظل تحته كل شعوبها.
    لم تكن الأيديولوجيات التي تتدرع خلفها الأحزاب السياسية تعنيهم في شيء.
    ولم تكن الأحزاب نفسها تعني شيئاً لهم، طالما هي غير موجودة في معاناتهم اليومية، ومستقبلهم يُسرق تحت أعينهم من بين أيديهم (عينك يا تاجر).
    كانوا وحدهم تماماً، عُزلاً، في مواجهة إرهاب الدولة الإسلاموية الدموية.
    (حضرنا .. ولم نجد أحد !)
    وليت الأحزاب اكتفت بإخلاء المسرح السياسي والاجتماعي، والاختفاء والاختباء في حالة من البيات الشتوي، والإسلامويين يعيثون فساداً في الأرض، وهتكاً فاجراً للأعراض. ولكن ما يرشح على صفحات الصحف وشاشات التلفزة من مفاوضات خانعة واتفاقات مذلة وتعهدات غير ملزِمة من طرف الحكومة مقابل بضع وظائف مؤقتة في هامش سلطة الدولة، و(شوية) مخصصات نقدية وعينية. كان مما يزيد من غربة الأحزاب في الشارع بين الشباب.
    أما البعض الآخر من هذه الأحزاب فمنها من اختار الاختباء تحت الأرض وأخلى الشارع للحكومة (تبرطع) كيفما شاءت.
    بينما آثر البعض الآخر البقاء على سطح الأرض وعلى سطح الفعل السياسي، مكتفياً في حياة المجتمع بوظيفة العلاقات العامة.
    أما إذا سألت عن زعيمي أكبر حزبين في البلد وفي آخر برلمانات نيابية، فإن السيد محمد عثمان الميرغني وامتثالاً لوصية والده السيد على بأن لا يدخل يده في (عصيدة ساخنة) وضع الحزب في جيبه وارتحل للعيش في قصره المنيف بالإسكندرية في مصر، وله فيها من الأملاك ما يغنيه عن (ملاواة) حكومة الإنقاذ الإسلاموية، وكفى نفسه مشقة المعارضة ووجع القلب.
    وأما السيد الصادق المهدي (عليه رحمة الله) فقد تركز نشاطه في مقاومة سلطة الإسلامويين في (فركشة) إجماع القوى السياسية المعارضة، وقد مارس هذا التخصص حتى عندما كان في السلطة رئيساً للوزراء بإجهاضه معاهدة السلام وفكرة المؤتمر الدستوري بين القوى السياسية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت ستحقق السلام في سودان موَّحد. وحين اشتد عنف الاسلامويين، آثر أن يصير خبير علاقات عامة، يعالج قضايا ومشاكل الأمة الإسلامية.
    وعندما قام الشباب بثورتهم ضد النظام الذي فتت الأحزاب التقليدية والحديثة، عاد السيد الصادق المهدي، الذي صار حزبه أحزاباً، على "صهوة حصان"، من مطار الخرطوم لقصره، في منظر سريالي/ كاراكتيري، متمثِّلاً دخول المهدي الكبير الخرطوم منتصراً، وهو الذي وصف الثورة في أول هبتها بـ"بوخة" دخان العروس!!.
    وعاد السيد محمد عثمان، ليس بشخصه الكريم، ولكن بحضور "رمزي"، تمثَّل في ابنه للخرطوم من القاهرة ليقود العمل السياسي في "حزبهم" الذي تشظى إلى أكثر من حزب.
    (تقاطع الأجندة يخلط الأوراق)
    عادا وهما يحملان ذات الأجندة التي أسقطا بها ثورتي أكتوبر ومارس/ أبريل، ولا نبرئ القوى الحديثة ممثلة في أحزابها ذات الطابع اليساري من اللجوء لذات التكتيكات وأسلوب اللعب لسياسي، وكأن جميع الأحزاب تلعب بخطة واحدة تهدف إلى إجهاض كل ثورة شعبية.
    ولو لم يكن للمكون العسكري أجندته هو الخاصة، لما نجحت الأحزاب في ممارسة نفس الدور. ولما نجحت في غرس بذرة الفوضى السياسية، وانصرفت لترتيب أمورها الداخلية، واكتفت بدور المتابع والمراقب لأداء السلطتين المدنية والعسكرية، وكفتنا شر صراعاتها وفتنها وتآمرها لوراثة عرش السلطة، قبل تهيئة المناخ الديمقراطي المعافى، وإذن لاتخذت الفترة الانتقالية مساراً مختلفاً.
    إلا أن أجندة العسكر الخاصة، وهم ليسوا على قلب رجل واحد – عكس ما يصرون على التأكيد كل مرة – دفعتهم إلى دخول الملعب وجعلتهم من اللاعبين، بدلاً من أن يكتفوا بدور الداعم والمساند للمكون المدني، وتولي الأمور الدفاعية والأمنية مثلما هو مخطط لهم. فركبوا والأحزاب سرجاً واحداً، وصاروا يتدخلون في سلطات خاصة بالسلطة المدنية، بشكل رسخ صورتهم في الشارع باعتبارهم " الانقاذ2"، ولكن بأقنعة أخرى. وأكدت تصريحات بعضهم في معارضة تسليم البشير للجنايات الدولية هذا الانطباع وغذت هذه المخاوف.
    ومما يثير الريبة في أجندة العسكر ونواياهم أنهم يبدون كشبكة لها أذرع متعددة، وتحيط هياكلها بغلاف من الغموض، خاصة و قيادتهم لها وجهين:
    - وجه ظاهر للناس، وكان يتمثل في المجلس العسكري الانتقالي الذي تحول إلى سلطة سيادية في العملية السياسية الانتقالية.
    - ووجه خفي في الظل: يتمثل في اللجنة الأمنية التي لا يعرف أحد أين موقعها من الإعراب الدستوري. مِمَا تتكون؟ وما هي وظيفتها؟ وما حدود صلاحياتها؟. وما طبيعة علاقتها بالسلطات: السيادية والتنفيذية والقضائية والتشريعية؟.
    (تسويق الأوهام بحثاً عن مشترٍ ؟!)
    ومناخ مثل هذا يفتح مساحات كبيرة وملائمة لمناورات الأحزاب، يسمح لها بممارسة مواهبها ومهاراتها وخبراتها في اللعب السياسي الذي تجيده، ويجعل منها رقماً فاعلاً في إرباك المشهد السياسي بـ "لخبطة" الأوراق، والتلاعب بترتيب أولويات أهداف المرحلة الانتقالية.
    ومنها على سبيل المثال رمي الصادق المهدي بورقة "العقد الاجتماعي" في هذا التوقيت بالذات. وإلا فعن أي عقد اجتماعي يتحدث وبعض الأطراف لم تسلِّم أسلحتها بعد، والناس لا يجدون قوت يومهم، ومعسكرات النزوح تضج بالمهُجرين من قراهم وحقولهم ومراعيهم، والذين يتعرضون بين حين وآخر للقتل والاغتصاب بيد كائنات فضائية مجهولة لا تعرف أجهزة الدولة لهم اسماً؟.
    فعن أي عقد اجتماعي يتحدث والدولة ممزقة تفتقر إلى الوحدة والاستقرار. اللهم إلا إذا كان عقداً تخطه أنامل النخب الكريمة وتبصم عليه ذات النخب التي تسببت في كل هذه الكوارث!!.
    كل ما ذكرناه سابقاً يكشف بوضوح بأن القوى السياسية الفاعلة الآن والتي تقود المرحلة الانتقالية لا علاقة لها بالثورة وأهدافها. وأنها تحاول أن تؤدي رقصة الثورة، ولكن على إيقاع لحن آخر، هو أقرب إلى لحن الإيقاع المضاد. لتأتي الرقصة "مشاتِرة".
    ونواصل.

    [email protected]






                  

12-07-2020, 01:03 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48812

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حتى لا تضلُّ بوصلة اللجان: في استعادة ذاكرة (Re: Yasir Elsharif)

    حتى لا تضلّ بوصلة اللجان: في استعادة ذاكرة الثورة (2/ 3) .. بقلم: عزالدين صغيرونالتفاصيل نشر بتاريخ: 06 كانون1/ديسمبر 2020 الزيارات: 215 [email protected]- الجميع يتصارعون لوراثة السلطة دون مساس ببنية الدولة، أو تغييرها.- تقاصر وعي الساسة عن فهم طبيعة دورهم وموقعهم في إطار العملية الانتقالية.- معركة القوى الشبابية الحقيقية إعادة تأسيس الدولة .. ويسعى غيرهم لإعادة إنتاجها !.- على القوى الشبابية أن تستنهض نفسها للثورة داخل أحزابها وتغيير بنيتها الأبوية التسلطية. كل ما ذكرناه سابقاً يكشف بوضوح بأن القوى السياسية الفاعلة الآن والتي تقود المرحلة الانتقالية لا علاقة لها بالثورة وأهدافها. وأنها تحاول أن تؤدي رقصة الثورة، ولكن على إيقاع لحن آخر، هو أقرب إلى الإيقاع المضاد، لتأتي الرقصة "مشاتِرة".وإذا كان هناك من سبب لسوء، أو عدم قراءة الساسة للثورة – المناط بهم قيادة مرحلتها الانتقالية – على نحو صحيح وتحقيق أهدافها. فهذا السبب يرجع في المقام الأول إلى قصور في وعيهم الذاتي بطبيعة المرحلة، والظروف التي تفجرت فيها هذه الثورة. كما يرجع من ناحية أخرى إلى سوء تقديرهم للقوى التي صنعت هذا الحدث. وبالتالي اختلطت عليهم الأمور وارتج عليهم فهم الدور الذي ينبغي أن يلعبوه، وتحديد المكان الصحيح الذي ينبغي أن يتموقعوا فيه ضمن إطار العملية الانتقالية.(حمار الأحزاب في العقبة)ويرجع هذا إلى أن الثورة فاجأتهم في توقيتها، كما فاجأتهم بإيقاع أحداثها المتسارعة. وقد كانوا حينها في كهوف حيرة بياتهم الشتوي.فطيلة سنوات الإنقاذ لم يستطيعوا إحداث أي فعل يهزّ النظام، ولو على مستوى الحشد لمظاهرة احتجاجية صغيرة.وما تزال ماثلة في الذاكرة تلك المسيرة التي دعوا إلى تحركها من ميدان أبو جنزير (لا أتذكر تاريخها) الذي خلت ساحته في الموعد المحدد من الحضور، وتروى طرفة في ذلك (لا أعرف مدى صدقها) أن السكرتير العام للحزب الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد (عليه رحمة الله) حضر في الموعد ولما وجد الساحة خالية كتب على ورقة صغيرة، مما درج الزائر على كتابه بباب من يزورهم إذا كانوا خارج المنزل، (حضرنا ولم نجد أحداً).كانت القوى السياسية قبل الثورة مثل حمار الشيخ في عقبة الحيرة والعجز، لا هي قادرة على التقدم إلى الأمام بفعل مؤثر قوى ضد النظام. ولا أن تسلم أمرها للنظام نكوصاً للوراء واستسلاماً.واستثمر النظام عجزها هذا، فعمد كإجراء تحوطي استباقي إلى تفتتيها وإفراغها من بعض كوادرها وقياداتها، ومحتضناً ما تشظى من أحزابها (أطلق عليها أحزاب الفكة) مثلما حدث للحزبين الكبيرين كما أسلفنا سابقاً. وما درت الأحزاب الأم أن الصفة كانت تنطبق عليها. فقد صارت هي ذاتها بهذه الانشقاقات أحزاب فكة.وكانت بعض الأحزاب تتفجر من الداخل، وقد ضاقت مواعينها باحتقان قواها الشبابية التي تتحرق توقاً لفعل ثوري،. مثلما حدث في الحزب الشيوعي مع الخاتم عدلان ومن ساروا معه، أو يتفتت بالاستقالات والاقالات التي طالت الشفيع خضر وغيره.باختصار لم يكن للأحزاب وجود فاعل في الشارع، وقد فقدت المبادرة والإرادة على هذا الفعل المنتظر منها.الصبر نوعان: صبر إيجابي نتيجة فعل تكتيكي وتخطيط مبرمج على مراحل، لا يقوم بحرق المراحل ولا يستعجل النتائج بقفزات في الظلام.وصبر سلبي، غير فاعل، هو نتيجة لليأس والـقـنوط، حتى لو تدثر بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تدعو إلى انتظار الفرج الذي سيحدث بمعجزة ما.كان واقع حال القوى السياسية يراهن على هذا النوع الثاني من الصبر في مواجهة جائحة الإنقاذ واقعياً. ولكن لسان مقالها كان يتحدث عن نوع الصبر الأول الإيجابي. إلا أن شبابها ضاقوا ذرعاً بحبل الانتظار الذي يخنقهم. ولم تكن قيادات الأحزاب تعلم بأن المتضرر الأول والأكبر من نظام الإنقاذ كان هؤلاء الشباب الذين كانت أعمارهم وطموحاتهم ومستقبلهم يُسرق تحت أبصارهم.وحين يقال أن هذه الثورة ثورة الشباب، فإن ذلك لا يعني الشباب المستقل الذي لا ينتمي للأحزاب. بل يشمل أيضاً رصفائهم المتحزبين.لأن الشباب المحبوسون داخل الأحزاب خرجوا مع إخوانهم للشارع ولم ينتظروا إشارة الخروج من قيادة أحزابهم.(تناقض الرؤى بين الثورية والمحافِظة)لم يكن لفارق السن بين القيادات الحزبية وكوادرها من الشباب ليمثل مشكلة لو أن القيادات كان مستوى نضجها السياسي ووعيها ينسجم ويتوافق مع تجاربها التي تراكمت كمياً عبر تاريخها، دون أن يتمخض عنها وعي نوعي.لذا تمحور الاختلاف بينها وبين قواعدها الشابة في الرؤية.هناك فجوة كبيرة بين رؤية الشباب ورؤية "قيادات أحزابها".وبين قوى الشباب المستقلة سياسياً وبين رؤية "الأحزاب كافة".قيادات الأحزاب – بكافة مستوياتها – لم تستطع التحرر من سجون أفق وعيها الحزبي الضيِّقة، نحو الأفق الوطني الأوسع. وبعضها عض بنواجذه على الأيديولوجية وتفل الوطن والدولة.فالدولة في عقل هؤلاء تعني الحكم والحكومة، وسلطة الحكم.وهذه هي العظمة التي شمر لها كل منهم همته يطلبها ... السلطة.السلطة سواء داخل الحزب، أو السلطة في فضاء الدولة. هذا هو غاية المسعى.وهذه النزعة السلطوية هي التي قعدت بأحزابهم أن تكون أحزاباً حقيقية تنهض بمسؤولياتها الوطنية. منكفئة على تنافس كوادرها، وصراعاتهم الداخلية. يتحدثون ببلاغة عن الديمقراطية وهم يمارسون التآمر والإقصاء داخل أحزابهم.بينما كانت رؤية الشباب في وادٍ غير الذي تزرع وترعى فيه قيادات الأحزاب.ويستطيع أي إنسان حباه الله نصيباً من التفكير ولو قدر ذرة، أن يعرف يقيناً أن الشباب ومن خلال الشعارات التي رفعوها وهتفوا بها وغنوها لم يكونوا ينازعون الإنقاذ السلطة ليرثوها منهم.كانوا يتحدثون عن دولة مدنية تكفل الحرية والعدالة للجميع، وتحقق السلام بين كافة الشعوب السودانية.لم يكن هدفهم السلطة .. وإنما الدولة.(تسقط بس .. وهدم المعبد)رؤية الشباب كانت تنطوي في داخلها على هدف واحد محدد: "تقويض" الدولة القائمة.لقد كفروا بهذه الدولة، ليس فقط لأنها ليست دولتهم، بل لأنها أيضاً عدوهم .ولهذا هتفوا ضد الأحزاب والعسكر، وهما أركان دولة ما بعد الاستقلال.لم يرفعوا أي أيديولوجيا بديلة. ولم يطرحوا أسماء بديلة لتحكم.وعلَّ البشير وحده كان من انتبه إلى عمق ما في هتاف "تسقط بس". فقد قال في الشريط المسرَّب لقناة "العربية": دايرنها تسقط بس!. وكان يعني أن السقوط لا يعني سقوطه هو ، وإنما سقوط الدولة كلها. ولذا أردف بأنهم يريدون إسقاطها بدون أن يطرحوا بديلها، لتغرق في الفوضى.ما لم ينتبه إليه، لا هو، ولا حتى الأحزاب داخل الحرية والتغيير، أن البديل كان أهدافاً وليس أفراداً وكيانات: حرية سلام وعدالة ... مدنية خيار الشعب.هل هناك ما هو أوضح من ذلك بديلاً للدولة القائمة؟!.يريدون دولة يحكمها الشعب ...دولة الشعب.بديلاً لما ظل قائماً على الدوام هو : شعب الدولة.ما كان، ولا يزال، هو دولة تملك الشعب.فالشعب في رؤية الكبار شعب تملكه الدولة.دولة سلطوية يحكمها فرد أو شلة أو حزب. يكون هو المالك للشعب.ودائما كان هدف الأحزاب – في كل مرة يطيح فيها الشعب بديكتاتورية – هو أن تحكم قبضتها على السلطة.وبهذا المعنى يمكنك، مطمئناً، أن تقول : أن هذه الأحزاب بحكم فلسفتها ذات بنية سلطوية محافظة.هي تسعى لوراثة السلطة دون مساس ببنية الدولة، أو تغييرها.وهذه هي الأغنية الدائرية التي تتكرر مقاطعها مثل الأسطوانة المشروخة (عسكر/ ثورة/ أحزاب/ فعسكر/ فثورة/ فأحزاب/ فعسكر) وهكذا ... إلى ما لا نهاية!.وها هو المشهد يتكرر الآن: الجميع أصابتهم "فوبيا التغيير".(الفارس القادم وإعادة التأسيس)"الهبوط الناعم" الذي رفضه البشير، كان طوق النجاة الوحيد أمام النظام القائم، ولا نعني هنا سلطة الإسلامويين، وإنما نظام الدولة القائمة منذ الاستقلال.ولكن الثورة أسقطته كخيار للتغيير المطلوب والملائم.والآن الجميع يهرولون بتخبط بين محاولات متهافتة لإسقاط التغيير وفق رؤية الثوار.ويفعلون ذلك بنفس الأسلوب والآليات التي لا يعرفون غيرها: التسابق للاستحواذ على السلطة في فترتها الانتقالية، عن طريق الكيد والتآمر ونشر الشائعات بينهم.الآن جميعهم يفعلون ذلك ويستخدمون نفس الأدوات: بدءاً من العسكر و"مطاليق" المؤتمر الوطني ومن أكل من موائد سحتهم مروراً بحزب الأمة وانتهاءا بالحزب الشيوعي، وما بين كل أولئك من أحزاب وعسكر وحركات مسلحة ومنظمات مدنية مسيَّسة.كلهم يعانون من فوببيا التغيير لأنهم لم يهيئوا أنفسهم وكياناتهم لتكون رقما ذا فعالية في نظام سوداني غير هذا المتوارث منذ الاستقلال.عدا الشباب وحدهم الذين يصرون على دولة بنظام ومؤسسات جديدة، تنسخ، ولا تستنسخ، الدولة القديمة.والحال كذلك ليس أمام هذه القوى الجديدة سوى أن تنظم نفسها في كتلة تحتل موقع الوسط بين الكيانات السياسية. خاصة، ومقعد الوسط السياسي أصبح شاغراً منذ الاستقلال، بتحالف زعيمه إسماعيل الأزهري مع الطائفية السياسية في الستينات في الصراع على السلطة في ما عُرف بمعركة الدستور الإسلامي. وذاب بعدها حزب الوسط في الطائفة الميرغنية تحت سلطة محمد عثمان الميرغني.والحال أن القوى الشبابية التي فجرت هذه الثورة مؤهلة بحكم توجهاتها السياسية وانحيازها للدولة، لا للأيديولوجية ولا للطائفة أو العرقية والقبلية أو الجهوية لأن تكون الماعون الأوسع الذي يسع الأغلبية من الشعب السوداني، الذي يتطلع لبناء دولة جديدة، دولة الحرية والعدل والمساواة.مع التأكيد بأن هذا لا يقصي القوى الشبابية المنضوية للأحزاب، والتي عليها أن تستنهض نفسها للثورة داخل أحزابها وتعديل بنيتها الطائفية العشارية الأبوية التسلطية هذه، وإشاعة أنوار الديمقراطية وحرية التعبير والتنافس داخلها أولاً. ففاقد الشيء لا يعطيه. ولكن يظل التحالف بينها وبين القوى الشبابية خارج الأطر الحزبية هو تحالف استراتيجي لتحقيق هدف تأسيس نظام سوداني بديل، ودولة سودانية بديلة للمسخ الذي ظل قائماً منذ ما قبل الاستقلال.ولتكن نقطة الانطلاق من لجان المقاومة في الأحياء.وعلى "الآباء" أن يتحلوا بالصبر على شبابهم، ويمنحونهم الثقة، فهم جديرون بها، وقد أثبتوا ذلك في معركتهم ضد أعتى ديكتاتورية في العالم استندت في تسلطها على التحالف بين أقوى وأفتك سلاحين: الدين، والبندقية.

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 12-07-2020, 01:09 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de