مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية يبشر بتقرير مصير جديد

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 04:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-01-2020, 05:05 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية يبشر بتقرير مصير جديد

    05:05 PM June, 01 2020

    سودانيز اون لاين
    Sabri Elshareef-USA
    مكتبتى
    رابط مختصر



    النحب السودانية لم تتعلم من التجارب الفاشلة 63 سنة
    تمزق الوطن
    اشتعلت فيه ثلاثة حروب
    وبقية الوطن حدص له افقار ومرض وجوع ؟؟؟

    متي يكف دعاة التطبيق الفاشل للشريعة عن الاذي ؟؟

    جنوب كردفان ودنوب النيل الازرق وقطاع كبير في دارفور لا يقبولون ب دينية الدولة
    باي اسم دلع ان المشروع الحضاري
    او المدنية وفقا لنهج صحوة اسلامية او غفوة
    او مشروع تدريب دستور اسلامي

    كفاية فشل 63 سنة وثمار اسلمة الدولة شاهدناها

    قادة اقزام لا يتدبرون ولا يتفكرون النحب السودانية لم تتعلم من التجارب الفاشلة 63 سنة
    تمزق الوطن
    اشتعلت فيه ثلاثة حروب
    وبقية الوطن حدص له افقار ومرض وجوع ؟؟؟

    متي يكف دعاة التطبيق الفاشل للشريعة عن الاذي ؟؟

    جنوب كردفان ودنوب النيل الازرق وقطاع كبير في دارفور لا يقبولون ب دينية الدولة
    باي اسم دلع ان المشروع الحضاري
    او المدنية وفقا لنهج صحوة اسلامية او غفوة
    او مشروع تدريب دستور اسلامي

    كفاية فشل 63 سنة وثمار اسلمة الدولة شاهدناها

    قادة اقزام لا يتدبرون ولا يتفكرون






                  

06-01-2020, 05:20 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Sabri Elshareef)

    هل طبقت الشريعة الإسلامية في حياة المسلمين ماضيا وحاضرا؟

    عبد القادر أنيس









    إجابة إسلاميي اليوم عن هذا السؤال فيها الكثير من الانتهازية والتحايل والخداع، حسبما ما يمليه الظرف والمناسبة. فهم في الأوساط التي يهيمنون عليها، ويغيب فيها التعبير الحر عن أي رأي معارض يواجههم بالحجة والبينة، يقولون إن الشريعة طبقت طوال تاريخ الإسلام الذي عرف ازدهارا لا نظير له بفضلها، كما عرف أنماط حكم فريدة من نوعها وهو ما يفسر حسب رأيهم ذلك التوسع الهائل الذي عرفته الدولة الإسلامية. هذا الموقف يشاركهم فيه رجال الدين التقليديون أيضا. أما في الأوساط المثقفة العالمة التي تسود فيها حرية التعبير مثلما أتاحه عالم الأنترنت اليوم، عندما يحصرون ضمن حدود حوار علمي مع مثقفين لهم دراية كافية بتاريخ الحكم الإسلامي وحقيقة (الفتوحات) التي كانت في الواقع غزوا واحتلالا لا يختلف عما كان سائدا في تلك العهود العبودية والإقطاعية بالإضافة إلى مواجهتهم بنماذج الحكم الإسلامي المعاصرة، في هذه الحال، ينفي الإسلاميون أن يكون هذا هو صميم الحكم الإسلامي، ويعتبرون ما آلت إليه الخلافة الإسلامية بعد فترة الخلافة (الراشدة) انحرافا عن صراط الإسلام المستقيم أي عن التطبيق الحقيقي للشريعة. بل يصل الأمر ببضعهم إلى محاولة التخلص من جانب هام من هذه الشريعة التي صاروا يخجلون من الدفاع عنه.
    وهذا ما سأتناوله بالتحليل في مقال لاحق. في هذه المقالة سأحصر النقد والتحليل في حواري الافتراضي هذا مع الدكتور يوسف القرضاوي لجانب من هذه المسألة التي تناولها في فصل تحت عنون ((كيف تطبق الشريعة؟))، ردا على الدكتور فؤاد زكريا محاوره، الذي طرح السؤال نفسه، ص 148، في كتابه ((الإسلام والعلمانية، وجها لوجه)):
    http://www.scribd.com/doc/28242163http://www.scribd.com/doc/28242163
    رأي فؤاد زكريا كما أورده القرضاوي، يلخصه قوله : ((يدور جدل كثير في هذه الأيام حول تطبيق الشريعة، فهل يكفي لكي يقال إن الشريعة أصبحت مطبقة، أن نفرض الحدود، أي أن نطبق حد السرقة، فنقطع يد السارق، وحد الخمر فنجلد السكير، وحد الزنا فنرجم مرتكب الخطيئة؟! إن الكثيرين من العقلاء، في صميم الحركة الإسلامية ذاتها، يؤكدون أن تطبيق الشريعة أوسع مدى بكثير من موضوع الحدود. فالعقوبات ليست إلا الوجه السلبي للشريعة، إنها هي الجزاء، الذي ينبغي أن يناله الآثم والعاصي، ولكن هل معنى ذلك أن الناس الأسوياء، الذين لا يسرقون، ولا يسكرون، ولا يزنون ـ وأنا أفترض أن هؤلاء هم الأغلبية ـ لن تمسهم الشريعة، ولن تنظم حياتهم؟! لا جدال في أن الشريعة ينبغي أن تطبق على الجوانب الإيجابية من حياة الناس، لا على الجوانب السلبية أو غير السوية فحسب، ومن هنا فإن تطبيق الشريعة، لابد أن يكون أوسع نطاقا من فرض الحدود والعقوبات)). انتهى.
    قبل عرض نقد القرضاوي ونقدي لنقده لا بد من الإشارة هنا إلى اضطرار فؤاد زكريا هنا لتقديم تنازلات للإسلاميين بغير وجه حق في مواقف كثيرة مثل قوله واصفا مواقف الإسلاميين: ((ولقد أدرك الكثيرون هذه الحقيقة، فطالبوا بألا تقتصر الجهود على تطبيق الحدود وحدها، وسايرهم في ذلك كثير من المطالبين بالتطبيق العاجل للشريعة، حتى يتخلصوا من الاعتراض الصحيح القائل: إن الشريعة أوسع وأكثر إيجابية بكثير من تطبيق الحدود)). انتهى.
    فأي اعتراض صحيح هذا؟ وهل ((إن الشريعة أوسع وأكثر إيجابية بكثير من تطبيق الحدود))؟ إن الفيلسوف قد أصاب كبد الحقيقة عندما تساءل: ماذا تقدم هذه الشريعة للناس الأسوياء؟ لكن لم يكن بوسعه أن يجيب: لا شيء إيجابيا، حسب رأيي، ولهذا لجأ إلى التحايل والمداراة، حسب رأيي أيضا، بسبب غياب أدنى شروط الحوار الحر في بيئاتنا البائسة.
    لا شيء إيجابيا، هذا بالنسبة للمسلمين الأسوياء، أو بالأحرى للمستسلمين للأمر الواقع، ربما يمكن أن يستفيد منها الرجال على حساب النساء، خاصة في هذا العصر الذي بدؤوا يفقدون فيه هيمنتهم التقليدية على الأسرة، أما لغير المسلمين فتطبيقها ولو في أدنى حدودها يعني تجريدهم من مواطنتهم مثل من يعتبرهم الإسلام ذميين وحتى من أهليتهم وكرامتهم مثل النساء ومثل الأقليات الدينية الإسلامية التي تعيش بين أغلبية سنية أو شيعية مثلا. أما غيرهم فليس لهم في دنيا هذه الشريعة إلا التكفير والترهيب والاغتيال أو اختيار المنافي أو في أحسن الأحوال الركون إلى صمت القبور، إن لم يتحولوا إلى مداحين لها.
    كذلك فإن تطبيق الشريعة بالنسبة لـ ((الناس الأسوياء، الذين لا يسرقون، ولا يسكرون، ولا يزنون ـ وأنا أفترض أن هؤلاء هم الأغلبية ـ لن تمسهم الشريعة، ولن تنظم حياتهم)) كما قال فؤاد زكريا، قد يتحقق به بعض الأمن مثلما تحققه الدول المستبدة والفاشية والنازية التي تلجأ إلى القمع الوحشي ضد المخالفين، وهو قمع سيكون أكثر قسوة مع المخالفين الأسوياء مقارنة بالمخالفين المجرمين، بل أنا أزعم، من خلال متابعتي لمأساة الجزائر، أن الحركة الإسلامية المتطرفة ضمت في صفوفها الكثير من عديمي الكفاءة والفاشلين والانتهازيين الذين تحول أحسنهم بقدرة قادر إلى برلمانيين دون أن يمارسوا السياسة في حياتهم وتحول أسوأهم إلى آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر ووعاظ وشرطة إسلامية تأمر وتنهي وتبطش لينتقموا بهذا الانتماء لماضيهم الفاشل أو الخائب أو التعيس، ولهذا عرف عنهم تجاوزات فضيعة في حق الناس بلغت حد سبي النساء تطبيقا للشريعة بعد أن حكموا على كل الناس بالجاهلية والكفر. تطبيق الشريعة يجرد الأسوياء الشرفاء من الكثير من حقوقهم كمواطنين بالمعنى العصري للكلمة. تجرد الناس من حرية التعبير إلا ضمن الحدود التي يسمح بها فهمهم للدين، تضطهد المفكرين والمبدعين الأذكياء والفلاسفة والمعارضين وهو اضطهاد لم تخل منه أية حقبة من حقب الإسلام.
    ولا شيء إيجابيا على المستوى السياسي، لأن النظام السياسي الإسلامي لا ينص صراحة على حقوق الرعية في المواطنة الكاملة بما تعنيه من معارضة فاعلة والحق في اختيار الحاكم ومحاسبته والحق في التنظيم الحر بما يعرف اليوم بالمجتمع المدني. تاريخ الإسلام كله ملك عضوض وراثي حتى اليوم.
    لا شيء على الصعيد الاجتماعي، فالإسلام أباح الرق وشرع لنظام أسري شبه عبودي حيث النساء والأبناء ملكية خاصة للرجل الأب (افعل يا أبتي ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) حسب تسلسل مقيت لا زال رجال الدين يرددونه مع الحديث النبوي: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته )). المسؤولية هنا يحاسب عليها المسؤول أمام الله حين يسأله يوم القيامة، هذا هو الفهم الوحيد المقبول دينيا. والخلفاء فهموا المسؤولية بهذه الصورة حتى أن عثمان بن عفان كان قد رفض الاستجابة لمطالبيه بالاستقالة قائلا (أما أن أخلع لهم أمرهم ، فما كنت لأخلع سربالاً سربلينه الله)، فهو يرى خلافته إرادة إلهية لا شأن للرعية فيها. ولهذا يتفق الفقهاء على أن البيعة مرة واحدة.
    لا شيء على المستوى الاقتصادي، فمنذ فجر الإسلام اعتبر الخلفاء أنفسهم خلفاء الله في الأرض ومسئولين أمامه وليس أمام الناس ولا أمام أية هيئة شعبية ما، لا شيء حول كيفية وصول الحكام إلى الحكم. بيت المال يتصرف فيه الحاكم كيفما شاء، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء. ومازال هذا الوضع ساري المفعول حتى أيامنا: فلا ميزانية واضحة محددة من حيث تكوينها وصرفها. نلاحظ هذا في بلدان الخليج العربية التي تطبق الشريعة الإسلامية وتتصرف في موارد البلاد بطرق تخلو من الوضوح والشفافية ومن آليات الإعداد والتبويب التي تخضع لها الميزانيات في الدولة العلمانية الديمقراطية، كما نلاحظ هذا، ولو بصورة أخف، في جمهورياتنا الوراثية التي تنص دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة والشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع.
    لهذا ففؤاد زكريا محق في توجيه هذه التهمة للمطالبين بتطبيق الشريعة.
    لكني أرى مرة أخرى أنه يتنازل لهم عندما يقول: ((مع ذلك فإني أشك في أن يكون هذا هو موقفهم الحقيقي، وأعتقد أن جهدهم الفعلي يتركز في تطبيق الحدود وحدها، ذلك، أولا، لأن التطبيق الشامل يحتاج إلى وقت طويل وتدرج شديد)).
    وهو موقف يزيد من حدة الأوهام والبلبلة في عقول الناس. ماذا في هذه الشريعة حتى يقول بأن ((التطبيق الشامل يحتاج إلى وقت طويل وتدرج شديد)) بعد أربعة شعر قرنا من التطبيق الناجح؟ هذا قد ينطبق على أفكار مثالية غاية في العدل والمساواة وتتطلب فعلا وقتا طويلا وتدرجا شديدا لإعادة الناس إلى الوضع السوي مثلما يحتاج الخارج من نفق مظلم إلى النور، إلى وقت كاف، حتى يتكيفوا مع الوضع الجديد؟
    هذا التنازل استغله القرضاوي فكتب: ((ولا أريد أن أطيل التعقيب على الكاتب ـ هنا، بعد أن اعترف هو بوجود مدرسة تؤمن بالتدرج الحكيم في تطبيق الشريعة، كما اعترف بأن كثيرا من المطالبين بالتطبيق العاجل للشريعة وافقوا الآخرين في أن الحدود، ليست هي كل الشريعة. (وهذا ما أعلنه التحالف الإسلامي صراحة في برنامجه الانتخابي الأخير: إبريل 1987م).)).
    ثم يقول: ((يدلل الكاتب على أن الدعوة السائدة في هذه الأيام، لا يهمها من جوانب الشريعة إلا تطبيق الحدود وحدها، بأن أقطابها صفقوا ـ بكل حماسة ـ للنميري حينما أصدر قوانينه الشهيرة بإقامة الحدود في السودان، وهو يبدئ ويعيد، ويلح ويكرر في هذه القضية، بعد سقوط نميري، وإخفاق تجربته. كان الإنصاف يقتضيه أن يقول: إن هناك كثيرين تحفظوا في تأييد نميري، ومنهم كاتب هذه السطور، الذي قال في الخرطوم ـ بصراحة ـ كما نقلت ذلك مجلة "الأمة" القطرية في حينها: إن الإسلام ليس كله قوانين، والقوانين ليست كلها حدودا، والقوانين وحدها لا تصنع المجتمع!)).
    فهل تحفظ القرضاوي فعلا في تأييد نميري كما زعم؟ شخصيا بحثت في أرشيف القرضاوي فوجدت القليل مما يدعم زعمه لكني وجدت الكثير مما يكذب، ولهذا أرجو من القارئ أن يتحلى بمزيد من الصبر ليقرأ ما كتب القرضاوي وغيره من كبار الشيوخ يومئذ:
    نقرأ له في موقعه:
    http://www.qaradawi.net/site/topics/printArticle.asp؟cu_no=2anditem_no=6798andversion=1andtemplate_id=217andparent_id=189

    ((في 1984م دعيت إلى السفر إلى الخرطوم للمشاركة في المسيرة المليونية التي دعا إليها الرئيس السوداني جعفر نميري، وشارك فيها، بقوة، الإسلاميون، وكل فئات الشعب، وحضر عدد كبير من العلماء من بلاد عربية وإسلامية شتى، أذكر منهم: شيخنا الشيخ محمد الغزالي، وأخانا الداعية الكبير الشيخ صلاح أبو إسماعيل، وكثيرون من علماء العالم الإسلامي لم أعد أذكرهم. وكان النميري في أواخر عهده قد اختار طريق الشريعة الإسلامية، حين رأى أن هذا الطريق هو الذي يحل المشكلات من جذورها، ويقطع الجريمة من دابرها، ويؤسس لتكافل اجتماعي حقيقي بين فئات الشعب، ويدعم مسيرة الطهر والاستقامة في المجتمع، ويقاوم الانحراف والرذيلة فيه، ولاسيما بين القادة والمسؤولين. ثم إن هذا هو (حكم الله) الذي أمر به عباده، وليس (حكم الجاهلية) المستورد، من الغرب أو الشرق، وقد قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍيُوقِنُونَ} [المائدة:50]. وفي الحقيقة كان يوما حافلا، ويوما رائعا، ويوما من أيام الله، وكان كثير من المدعوين – وأنا منهم – تغرورق عينه بالدموع، كلما رأى هذه المناظر الشعبية التلقائية، المؤيدة لشرع الله، وأحكام الله. وكان أخونا الشيخ صلاح أبو إسماعيل يقول في حرقة وحرارة: متى أرى مثل هذه المسيرة في القاهرة؟ أسأل الله ألا يميتنا حتى يقر أعيننا برؤية مثل هذه المسيرة. ولكنه انتقل إلى رحمة الله قبل أن يرى هذه المسيرة. والحقيقة أن المسيرة في القاهرة موجودة وكامنة، ولا تحتاج إلا إلى الحرية، لتنطلق بأضعاف مسيرة الخرطوم. إن المشكلة هي مشكلة الحرية؛ ولهذا ناديت مرارا: يجب أن ننادي بتحقيق الحرية، قبل أن ننادي بتطبيق الشريعة الإسلامية. علام تدل هذه المسيرة؟ إنها تدل على أن شعوبنا مع الشريعة. فما السودان إلا نموذج لسائر الشعوب العربية والإسلامية، فلماذا لا تستجيب حكوماتنا لشعوبنا لتحقيق إرادتها وطموحاتها؟ أليست هذه هي حقيقة الديمقراطية: النزول على رأي الشعب، وإرادة الشعب؟ ولقد سألني بعض الصحفيين في الخرطوم عن رأيي في هذه المسيرة ودلالتها؟ وهل أنت مؤيد لها؟


    وقلت في إجابتي: لو لم أكن مؤيدا لها ما جئت من الدوحة إلى الخرطوم، وهل يتصور أن أكون إلا مع الشريعة، ويجيب فيقول: ((إني مع الشريعة لأمرين: الأول: أنها إرادة الله والثاني: أنها إرادة الشعب. كل ما لي من تعليق هنا هو: ما المراد بـ (الشريعة)؟ للأسف أكثر الناس يفهمون من الشريعة: تطبيق العقوبات والحدود الإسلامية، وهذا جزء من الشريعة، وليس كل الشريعة، ولهذا نزلت أحكامها في أواخر العهد النبوي، وفي أواخر ما نزل من القرآن في سورة المائدة. إن الشريعة تعني: العبادات والمعاملات والقيم والأخلاق والآداب، وليس مجرد الجانب القانوني، وخصوصا الجزء الجزائي والعقابي فيه. على أن القوانين وحدها لا تصنع المجتمعات، ولكن تصنعها التربية والثقافة والتوجيه، وهي التي تنشئ العقول المستنيرة والضمائر الحية، والإرادات الحافزة إلى الخير، الرادعة عن الشر. وأود أن أقول: إن مسيرة الشريعة في عهد النميري، لم يقدر لها أن تستمر في خطها الصحيح؛ لأن التصور للشريعة لم يكن واضحا تمام الوضوح للسلطة التنفيذية، (إذن فقد كنت مخدوعا يا مولانا وأنت العالم، فماذا نقول عن تلك الدهماء التي جانت تجوب الشوارع مطالبة بنطبيق الشرية وتؤيدها أنت) فظنت أنها بمجرد الجلد والقطع والقتل، تنفذ الشريعة حقا. وليس هذا هو كل شيء، فقبل أن تقطع يد السارق، لا بد أن نوفر الخبز للجائع، والعمل للعاطل، والسكن للمشرد، والكفالة لليتيم، والرعاية للمحتاج، ونقيم التكافل الاجتماعي في الشعب. فقبل أن ينزل الله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ} [المائدة:38] أنزل قوله تعالى: {وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة:43] {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:7،6] {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} [آل عمران:180] {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:3،2،1]. لابد إذن أن نكفل حاجات الناس، ونسد الثغرات في حياتهم، وأن نعلمهم ونكفيهم، ثم نطبق عليهم العقوبات التي شرعها الله.)) انتهى.
    أهم ما لفت نظري في هذه العموميات قول القرضاوي: ((إن المشكلة هي مشكلة الحرية؛ ولهذا ناديت مرارا: يجب أن ننادي بتحقيق الحرية، قبل أن ننادي بتطبيق الشريعة الإسلامي)). ولم أتمكن من تبيان فهم القرضاوي للحرية. فهل نظام النميري كان نظام حريات أم كان نظاما استبداديا انقلابيا؟ وبالتالي فقد شارك القرضاوي والغزالي وكل الإسلاميين في تأييد الاستبداد وقمع الحريات باسم الشريعة؟ أليس هذا كافيا لتجريدهم من أي مصداقية عندما يتحدثون للناس عن العدالة والمساواة والحرية التي جاء بها دينهم؟ ثم هل تكفي هذه الأقوال البسيطة لإدارة شؤون دولة عصرية. يجب أن نقولها بصراحة: ليس في الإسلام نظاما سياسيا قادرا على إدارة شؤون دولة حديثة، ووكان في أعز مجده قد أفضى إلى نماذج للحكم استبدادية لا يمكن الاعتداد بها اليوم.
    القرضاوي يقدم هنا تبريرات واهية لفشل تلك التجربة عندما يقول: ((وكان من أخطاء التطبيق السوداني للشريعة: أن الدولة في عهد نميري، أفرجت عن المساجين الذين حكم عليهم القضاء السوداني في جرائم السرقة ونحوها، وهم ألوف مؤلفة، فلما أفرج عنهم دفعة واحدة، عادوا إلى مزاولة مهنتهم، وعاثوا في الأرض فسادا، ولم يصدقوا أن أيديهم ستقطع، فقطعت أيد كثيرة في زمن قصير، على غير المعهود في البلاد التي تطبق الشريعة كالسعودية.
    وكأن الإفراج الجماعي والفوري عن هذه الأعداد الكبيرة التي تمرست بالإجرام، خطأ بينا، ولاسيما في أول عهد التطبيق الشرعي، إذ كانوا يحتاجون إلى أن يوضعوا تحت رعاية إسلامية فترة من الزمن، وألا يخرجوا إلا بعد أن يصلوا مرحلة معينة تظهر معها علامات التوبة عليهم، وأن تهيأ لهم أعمال مناسبة يزاولونها، وأن يؤخذ عليهم تعهّد بالاستقامة والبعد عن الرفقة المنحرفة، وأن يوضعوا تحت المراقبة فترة من الزمن، حتى نعينهم على أهواء أنفسهم. ولكن ذلك لم يحصل.)) انتهى
    هل يعقل أن يؤدي إطلاق عدة آلاف من المساجين إلى إفشال تطبيق شريعة ربانية ادعى القرضاوي أن ملايين الناس كانت تؤيدها عن حرية وقناعة؟
    ثم يقدم الشيخ تفسيرا غاية في التحايل والخداع: ((ومن ناحية أخرى، أثبتت التجربة: أن الإسلام لا يحسن تطبيقه بحق إلا الملتزمون به إيمانا وفكرا وسلوكا، وكما يقول الماركسيون: لا اشتراكية بغير اشتراكيين، نقول نحن: لا إسلام بغير إسلاميين!)). فهل اعترافه بأن الشريعة مطبقة في السعودية يعني أن بها حكما إسلاميا حسنا راشدا يجب أن يكون القدوة لنا؟
    يقول هذا الكلام بدل أن يقول كلاما مسؤولا آخر كأن يعترف بأنه كان متواطئا أو، على الأقل، مخدوعا، مثله مثل تلك الحشود الغافلة التي جعلت عيني القرضاوي تغرورقان بالدموع، وأنه ساهم في توريط الناس في هذه الخديعة باسم الإسلام وتطبيق شريعته. لكنه بدل هذا راح ينتزع من تلك الملايين المطالبة بتطبيق الشريعة بحرية، كما زعم، الصفة الإسلامية. فمن هو الإسلامي الحقيقي إن لم يكن حسن الترابي والغزالي والقرضاوي وغيرهم وقد تولوا أعلى المسؤوليات في توجيه الحركة الإسلامية وحشد الدعم لكل الحكام المستبدين مثل نميري السودان وضياء الحق باكستان، الذين دفعوهم وأيدوهم في تطبيق شريعتهم؟
    هذه نماذج من أقوال رؤوس الإسلاميين التي أيدت شريعة النميري:
    الشيخ محمد الغزالى:
    "تطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان كان إلهاماً جليلاً من الله سبحانه وتعالى للمسئولين فى السودان وأنهم بهذا المسلك الجديد احترموا عقائدهم وشعائرهم وشرائعهم وربطوا حاضرهم بماضيهم وامتدوا مع تراثهم العظيم ووقفوا أمام الغزو الثقافي وقفة صلبة وأحبطوا محاولات استعمارية خبيثة كانت تريد أن تجهز على مستقبل الأمة الإسلامية فى هذه الأرض الطيبة وأعتقد أن السودان لا يهنأ بشيء كما يهنأ بهذه المرحلة النقية التي جعلته يتخلص من وباء الأحكام الوضعية ."
    الشيخ عبد الحميد كشك:
    "إن الحملة التي يتعرض لها الرئيس نميري الآن بسبب تطبيق الشريعة الإسلامية قد تعرض لها من قبله سيد الأنبياء والمرسلين وتعرض لها جميع دعاة الإصلاح -وقد عودتنا الحياة أن القافلة تسير مهما كانت الذئاب تعوي وهل يضير السحاب نبح الكلاب" .
    الشيخ عبد اللطيف حمزة مفتى جمهورية مصر العربية يومئذ:
    "إننا جميعاً فى مصر شعباً وحكومة نرحب كل الترحيب بتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان الشقيق -ونحيي الزعيم المؤمن الرئيس جعفر نميري -إن تطبيق أحكام الدين في مصر البلد المسلم بلد الأزهر الشريف لهو خير وسيلة لنهضتها وازدهارها وإعادتها لمجدها ولكي ترفع رأسها عندما تنادي في العالم الإسلامي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية" .
    الدكتور يوسف القرضاوى :
    "إن الرئيس السودانى يعمل على بناء الفرد الصالح والمجتمع الصالح .فهذا هو البناء الحقيقي وهو حجر الأساس في تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية".
    هذه شهادات تدين الإسلاميين وغيرهم من رجال الدين الذين ساهموا دائما في تخدير الناس بالدين وتعبئتهم لتأييد الاستبداديين في كل زمان ومكان. فكيف يقول القرضاوي بأن "هناك كثيرين تحفظوا في تأييد نميري، ومنهم كاتب هذه السطور"، قاصدا نفسه؟
    أختم بهذا القول الذي يكشف عن مدى سذاجة الفكر الإسلامي في قول القرضاوي: ((على أن الذين صفقوا، حماسة لتأييد النميري، إنما فعلوا ذلك لظنهم أنها خطوة تتبعها خطوات، ولذا طالبوه أن يستعين بالثقات من علماء المسلمين لتسديد التطبيق)).
    هل يعقل أن يبني مفكر إسلامي، يعد نفسه عالما، موقفه على الظن؟ فيؤيد حكما انقلابيا استبداديا لمجرد أنه وعد بتطبيق الشريعة ثم راح يقطع أيدي وأرجل (الغلابة) من خلاف ليتبين في نهاية المطاف أنه عبارة عن طرطوف حقير دخل مزبلة التاريخ العربي؟
    وأعيد طرح السؤال الذي اتخذته عنوانا لهذه المقالة: هل طبقت الشريعة في حياة المسلمين ماضيا وحاضرا؟
    وأجيب: نعم طُبِّقت بقضها وقضيضها وحالة بلداننا تشهد على ذلك.
    يتبع

                  

06-01-2020, 05:24 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Sabri Elshareef)

    لأمير هشام يكتب:
    فشل اليوتوبيا الإسلامية وعلى الملك محمد السادس الرهان على الاسلام المتنور




    هشام العلوي
    الإثنين 12 نوفمبر 2018 | 11:20
    إلى حدود انهيار الإمبراطورية العثمانية (1299-1924)، التي كانت تجسد آخر “خلافة إسلامية” كبيرة، كان المسلمون يبنون هويتهم على ازدواجية بين الدين والسياسة يعبر عنها مفهوم الأمة. هذا المصطلح يشير إلى جماعة المؤمنين وثم شمل كل جوانب الدين الإسلامي وتجلياته البشرية حتى أصبح فكرة عابرة للزمن تتضمن ماضي المسلمين وتتطلع إلى مستقبلهم ولم تكن له حدود جغرافية بل كان يستوعب كل أنحاء العالم المعروف آنذاك . لم يكن هذا المفهوم يعبر عن حكومة مدنية ولا عن سلطة دينية ثيوقراطية بل فقط عن مجموعة بشرية تتقاسم نفس العقيدة.

    ثم تغيرت هذه الرؤية للعالم تغيرا جذريا مع ظهور طموحات الهيمنة الغربية وسقوط الإمبراطورية العثمانية وما تبعها من إلغاء الخلافة من طرف “الجمعية العمومية التركية الكبرى” في عام 1924. من خلال الإمبريالية و تداعيات الحرب العالمية، اخترقت المناهج الغربية في التفكير مجموع العالم الإسلامي، وبخاصة بلدان الشرق الأدنى واقتبس العثمانيون وهم في مرحلة الانهيار النماذج العسكرية الأوروبية، في حين تم دمج البلدان المستعمَرة في الدورة الغربية للإنتاج الاقتصادي كما أن المنظومة القانونية الأوروبية التي تتمحور حول قواعد مقيدة وتأسيس قانوني نظامي أضيفت إلى مضامين “الشريعة الإسلامية”، التي كانت تفسح المجال للاجتهاد من أجل التكيف مع تغيرات الزمان والمكان لتصبح هي العمود الفقري الدستوري للدول الوطنية الناشئة. في هذه الحقبة الجديدة، تم استبدال مفهوم الأمة والمرونة الفقهية والسياسية بنظام المؤسسات القانونية التي يسري مفعولها على مجال جغرافي محدد….



    نقطة الالتقاء الجديدة

    في هذا المناخ الذي كان مطبوعا بفكرة الانحطاط وبالضغوط الغربية المتزايدة برز في أواخر القرن التاسع عشر مفكرون مسلمون ينادون بضرورة التجديد الديني و بقراءة حديثة للنصوص القرآنية ومنهم على الخصوص جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان دعيا إلى تفسير جديد للنصوص الدينية ينسجم مع متطلبات الحياة الاقتصادية والسياسية الجديدة. هؤلاء المصلحون الدينيون لم يسمّوا أنفسهم أبدا سلفيين بل إن هذا المصطلح اعتمده الباحثون الغربيون فيما. كان هؤلاء المنادون بالإصلاح الديني يعتبرون أن الواجب هو العودة إلى المنابع والمصادر الأولى للإسلام التي تخلى عنها المسلمون بفعل تأثرهم بملامح الحياة العصرية ومستجداتها.

    في محاولتهم لإنقاذ الإسلام حسب منظورهم، انخرط هؤلاء المصلحون في حركة ثقافية وسياسية ودينية سُمّيت “النهضة” ولكنهم وربما عن غير قصد ساهموا في نوع من الانحراف التاريخي لأن مفهوم الأمة والأفكار الرئيسية للإسلام لم تعد هي المعيار الأول والمرجعية الكبرى للمسلمين بل أصبح الحُكم على إنجازات الحضارة الإسلامية يعتمد فقط على قدرتها على مسايرة التطورات الغربية والتشبه بها. في نفس الوقت عرف الشرق الأدنى نشأة كيانات وطنية جديدة على أنقاض الأمبراطورية وتأسست فيها أنظمة ملكية وجمهورية لم تكن نابعة من زعامات إسلامية محضة بل ما كانت في الحقيقة إلا استنساخا لأنظمة الاستبداد العسكري التي عرفتها أوروبا في القرن التاسع عشر.



    هذا التحول الجذري الذي عرفه الفكر الإسلامي مقارنة مع المصادر الأولى ترك آثارا بالغة، في بداية القرن العشرين استقطبت فكرة الحركة السياسية الإسلامية كثيرا من الزعماء والمثقفين المعارضين لتنامي النفوذ والتأثير الغربي وكل الرافضين لـمشاريع الإصلاح التي تنادي بضرورة التكيف مع الحداثة.

    هذا التسييس للإسلام نتج عنه تحول الإيمان إلى أداة للكفاح ولمقاومة الاستعمار والإمبريالية و نشأ من جراء ذلك جيْل جديد من المناضلين الذين يعتبرون أن الإسلام ليس في حالة تأخر و تخلف عن العالم الغربي بل أنه يشتمل على نموذج مضاد للتطور يمكنه تحرير المسلمين من تخلفهم الـمزعوم ويكون هو الدرع الواقي من تأثير الثقافة الغربية ومن ثم أصبحوا ينادون بضرورة قراءة ودراسة النصوص الدينية الـمقدسة. قراءة جديدة .

    أنجبت هذه التطورات في الحركة الإسلامية إيديولوجيةً تمزج بين الدين والسياسية بقدر أكبر من الأدبيات الكلاسيكية التي كانت تتناول الشريعة الإسلامية ولو أن هذا المنظور الجديد الذي يخلط الدين بالسياسة كان يزعم أنه يستلهم المبادئ الكبرى من التراث الإسلامي القديم. وعلى خلاف تلك المرونة التي طبعت علاقة الدين بالسياسة في القرون الإسلامية الأولى فإن حركات الإسلام السياسي الجديدة وخصوصا “جماعة الإخوان المسلمين”التي تأسست في مصر أرادت أن تفرض نموذجا جامدا للفرد المسلم. فلم يكن على المؤمن حسب رؤية هذه الجماعة أن يتساءل إلى أي صنف من المسلمين ينتمي بل إنهم ضربوا بعرض الحائط تلك التقاليد الإسلامية الأصلية والمجهودات فلسفية التي يزخر بها التراث الإسلامي واكتفوا بالانتباه التمييز بين المؤمن وغير المؤمن وأعادوا إلى الوجود مفاهيمه ومصطلحات مثل “الجهاد” (وخصوصا جهاد النفس ) و”التكفير” من أجل توظيفها مع مفاهيم أخرى من الفقه الإسلامي في المعركة التي يعتبرونها أكبر الأولويات وهي معركة الإسلام ضد الهيمنة الغربية. والنتيجة هي أن هؤلاء المناضلين الإسلاميين لم يعودوا يعتبرون الدين كخيمة جامعة للأمة الإسلامية تخترق الزمان والمكان وتمنح تصورا للخلق وللعلاقة بين البشر وخالقهم ولكن هدفهم أصبح بدون تردد هو الاستيلاء على السلطة السياسية و الوصول إلى الحكم.



    خلال النصف الثاني من القرن العشرين ساعد تراجع القومية العربية كإيديولوجية سياسية مهيمنة على الانتشار الواسع النطاق لحركات الإسلام السياسي وخاصة بعد هزيمة المعسكر العربي في حرب 1967 ضد إسرائيل التي كانت قاصمة لكل المثل العليا القومية والوحدوية ثم جاءت الثورة الإيرانية عام 1979 لتُجهِز على ما تبقّى من هذه النزعة القومية العربية ولتُظهِر للعالم أن مجموعة من الشباب المتشبعين بالفكر الديني يمكنهم إسقاط نظام الشاه الإيراني الذي كان مسنودا بأكبر القوى الغربية.

    التجربة المصرية الكارثية

    لقد فشلت الحركة الإسلامية اليوم في تحقيق الوعد الوهمي الذي قطعته على نفسها، فالحركات الإسلامية، ماعدا في بعض البلدان مثل تونس إما وقع تحييدها أو أفلست إفلاسا كاملا ، أما في الجزائر فإن الحرب الأهلية الجزائرية خلال فترة التسعينات من القرن الماضي لم تنتج إلا خيبات وأعطت إشارة لما سيأتي فيما بعد من تحولات أعقبت “الربيع العربي” عام 2011. لقد حكمت “جماعة الإخوان المسلمين” بلاد مصر بطريقة كارثية قبل أن يطيح بها الانقلاب العسكري عام 2013 والذي نهج سياسة القمع الشديد ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. أما في العراق وسوريا واليمن، فإن القوى الإسلامية قد لعبت دوراً هامشيا في مسار تعزيز الديمقراطية وقد توارت إلى الخلف في مشهد تطبعه مكافحة التطرف العنيف. أما في المغرب والأردن والكويت فقد عرفت الأحزاب الإسلامية المعترف بها قانونيا بعض النجاحات الانتخابية ولكن في ظل برلمانات محلية تتحكم فيها السلطة تحكما شاملا لأنها بلدان تعيش تحت السلطة الملكية المطلقة ولذلك فهي قوى سياسية لا حول لها ولا قوة و لا تأثير في صنع القرار.

    إن فشل نموذج الإسلام السياسي يتجلى في ثلاث طرق

    أولاً، لقد أخفقت هذه الحركات في تطوير الحلول الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي تتجاوز الشعارات لأن الصراخ بإن “الإسلام هو الحل”و القرآن دستورنا ” لا يقوم مقام السياسات العمومية التي تساعد على حل مشاكل الناس والتي أخفقت الأنظمة الاستبدادية في معالجتها : الفقر المتزايد والبطالة ونظام التعليم الفاشل والفساد المستفحل, على سبيل المثال ففي المغرب وصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى قيادة الحكومة ولكنه اعتمد الاستراتيجيات الاقتصادية التي طورها التقنوقراط تحت أعين المؤسسات المالية الدولية وهو ما يبرز أن النظرية الإسلاموية في الحكم لا تتوفر على نموذج للإنتاج الاقتصادي ولا تتضمن رؤية عن دور الدولة في تنظيم الدورة الاقتصادية والإشراف عليها وتأهيلها.

    ثانيا: إن أحزاب الإسلام السياسي وباستثناء تونس لم يستطيعوا أبدا ممارسة الحكم فتبين أن انفتاحهم على التيارات الأخرى ما هو إلا خديعة ففي مصر ظهر جليا أن هاجسهم عندما تولوا رئاسة الدولة كان مقتصرا على الهيمنة المطلقة بدل تشجيع التعددية السياسية في البلاد ومن ثم فإن الفكرة القائلة إنهم لم يمروا عبر تجربة الحكم ليبرهنوا على انفتاحهم قد سقطت. لقد برزت أيضا معاداتهم للتيارات العلمانية التي تنادي بالدولة المدنية وهو ما أعطى للجيش ذريعة مناسبة لينقض على السلطة بانقلابه العسكري على الرئيس محمد مرسي.

    ثالثا: لقد برهن الإسلاميون في العالم كله أنهم لا يترددون في ممارسة المناورات السياسية وفي التحالف مع القوى الاستبدادية وهو ما أفسد صورتهم كتيارات تقاوم الفساد . ففي مصر وبعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك عام 011 لم يتردد الإخوان المسلمون في التحالف مع العسكر وفي رفض الحوار مع الأطراف السياسية الأخرى. وفي المغرب لا يكترث حزب العدالة والتنمية إلا بالحفاظ على علاقة طيبة مع الملكية لأن هذه العلاقة هي التي توفر له الموارد الجديدة والحضور في المشهد السياسي ولذلك فهو لا يسعى لإصلاح المنظومة السياسية بكاملها.

    بعد نجاحه في انتخابات عام 2011 برهن الحزب على تشبثه بالولاء المطلق للنظام الملكي ومن أجل ذلك قام بتوظيف مفاهيمَ قديمة من الفقه الإسلامي مثل النصيحة لأولياء الأمر وواجب الطاعة للإمام لكونها فضيلة من الفضائل ، أما المبادئ التي كانوا يدافعون عنها من قبل مثل حماية حقوق الإنسان فقد اختفت من أدبياتهم.

    لا يستطيع هذا الحزب الدفاع عن التحول الديموقراطي والإصلاح الدستوري وفي نفس الوقت الاستمرار في قبول السيطرة الملكية المطلقة على كل مجالات القرار السياسي.، لقد وضع الحزب نفسه اليوم في خدمة القصر الملكي ولكنه سيقبل غدا إذا اقتضى الحال أن يتحالف مع العسكر أو مع فلول النظام المتبقين إذا ما سقط النظام يوما ما لأن ما يهمه هو الحفاظ على الرصيد الانتخابي فقد انتقل من وضع حزب معارض إلى حزب حكومي ولكن المشهد السياسي لم يتغير فيه أي شيئ.

    والإسلاميون على العموم منخرطون في استمرار الانقسامات والنزاعات السياسية والطائفية التي تعصف بالعالم العربي وهو ما يضرب في الصميم زعمهم الوقوف على مسافة من التجاذبات السياسية و زعمهم التدثر برداء الطهرانية السياسية والتوفر على استقلال القرار .

    التعصب الأعمى للدولة

    وتوضح حالة لبنان هذه المشكلة. لقد بدأ حزب الله هناك كجناح مسلح للثورة الإيرانية واختار أن ينتهج سياسة جذرية لها بعد أيديولوجي في خدمة الطائفة الشيعية.وبعد فترة وجيزة من تأسيسه تحول الحزب إلى حركة قومية تكافح من أجل تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال العسكري الإسرائيلي وقد كان يُنظر إليه بصفته حركة إسلامية من بين حركات الإسلام السياسي الأخرى ولكنه ذو قاعدة شعبية واسعة .أما اليوم فإنه لا يخفي حمايته ورعايته من طرف السلطة الإيرانية ولكنه لا زال يزعم أنه حزب يقاوم نيابة عن الشعب اللبناني، ولكن في الممارسة العملية، كرس نفسه للعمل المسلح في سوريا ضد الطائفة السنية بل كل الطوائف السنية. في هذا البلد “حزب الله” تولى الحزب دور المقاتل في ساحة المعركة التي يحكي عنها سفر الرؤيا. لذا، فإن حزب الله ليس حركة إسلامية منشغلة بالمستقبل السياسي والاقتصادي اللبناني بل هو كيان عابر للحدود الوطنية يتظر رجوع المهدي المنتظر على أرض أجنبية…

    غالباً ما يصف الإسلاميون نفسهم كضحايا القمع الاستبدادي والاضطهاد الغربي . ولكن، في الوقت نفسه يدعون المؤمنين إلى تدارك هذه الشرور عبر الاستيلاء على السلطة فما هم في الحقيقة إلا نتاج الأنظمة الاستبدادية التي يدّعون مكافحتها وما خطابهم الإيديولوجي حول الحكم الديموقراطي أو التنمية الاقتصادية إلا خدعة عندما نقارنه بخطابهم الذي يدعو المواطنين لاستعمال العنف أو لمعاقبة غير المؤمنين والسعة نحو تأسيس الالدولة الإسلامية المثالية.

    أن تونس هي النموذج الوحيد من بين البلدان الغربية التي نجح فيها حكم الإسلاميين إلى حد ما وهو نجاح نسبي إذا ما نظرنا إلى السياق العام الذي يعرف الركود الاقتصادي ومشاكل الهجرة وعودة الجهاديين وغيرها من مشاكل هذا البلد،إن حركة النهضة ونظيراتها العلمانية مثل حزب “نداء تونس” تعاونوا على أرض الواقع لضمان السلم المدني والحفاظ على المكاسب الديمقراطية. وحركة النهضة قوة إسلامية لا بأس بها من حيث الحجم ولها قاعدة شعبية عريضة وقيادة متماسكة بينما “نداء تونس” وبعض الأحزاب الأخرى غير الدينية تستجمع حولها تيارات اليسار والقومية وممثلي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ناهيك عن فلول نظام الرئيس المخلوع “زين العابدين بن على”.

    ولكن حالة تونس ما هي إلا الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ، وحركة النهضة ما استطاعت أن تنجح إلا بفضل سياق معين دفعها إلى التخلي عن بعض توجهاتها الإسلامية ، فبعد ثورة شهر يناير 2011 ونشأة الديمقراطية التونسية اندمجت حركة النهضة في المنظومة السياسية و استفادت من دعم دولي قوي دون تكبد الكثير من الخسائر التي كان من الممكن أن تنجم عن تدخل أجنبي،لقد كان حزب السيد راشد الغنوشي محظورا من قبل على مدى عدة عقود وعرف كيف يتطور ويستوعب بعض الأفكار الجديدة التي لم تكن نابعة من صميم الشريعة الإسلامية.

    ثم جاءت مكاسبه الانتخابية في الانتخابات التشريعية لعام 2014 و البلدية لعام 2018 البلدية دون أن يسقط في فخ الغرور الإيديولوجي وحب الهيمنة المطلقة بل أفلح في التخفيف من ثقل الجانب الديني للانسجام مع المعايير الدستورية وتعلم التعاون مع القوى السياسية الأخرى غير الإسلامية وهو ما يعنى أنه حزب تعَلْمَن شيئا ما مع مرور الوقت.بعد أن رآى أن كل محاولاته لفرض الخطاب الديني تُواجه بالمقاومة الشعبية العريضة . يبدو وكأن المثال الكارثي للتجربة المصرية في حكم الإسلاميين والتي أجهز عليها الانقلاب العسكري قد أعطت درسا بليغا للتونسيين عن ضرورة الحذر واللجوء إلى الحلول الوسطى والتسويات التوافقية.

    في نهاية المطاف اقتنع الإسلاميون في تونس أنه لا يوجد تأويل لتعاليم الإسلام يعلو على الشرعية الانتخابية عندما يتعلق الأمر باختيار السياسات العمومية الوطنية والخارجية بل على العكس من ذلك أدركوا أنه لا يمكن للممارسة السياسية السليمة أن تكون عائقا أمام الامتثال إلى تعاليم الإسلام بطريقة سلمية ولو في الفضاء العام. وهذا معناه أن حركات الإسلام السياسي يمكنها أن تعيش هذا التسامح المزدوج الذي عرفته تجارب أديان أخرى غير الإسلام و الشرط هو التخلي عن التحجر والتكلس الفكري والتخلي بالمرونة التي تنادي بها العديد من الأصوات للمشاركة في الحياة العامة الوطنية.

    على الرغم من رفض هذا التوجه من طرف الكثير من الإسلاميين، فإن هذه الديناميات التوفيقية كانت حاضرة في تجارب الحضارة الإسلامية الأولى حيث ساد الاقتناع أنه حتى لو كانت النصوص القرآنية مقدسة فإن تأويلها وتطبيقها عمل بشري قابل للنقاش والأخذ والرد وقابل لتعدد الأفهام وهو ما يؤدي إلى التفاعل المستمر بين المقدس والبشري وهذا من المميزات الدينية والسياسية للإسلام التي لا يجب أبدا أن تتحول إلى رغبة هذا الطرف في تدمير الطرف الآخر ومحوه من الوجود.

    إذا كان الحل لا يكمن في الحركة الإسلامية فأين هو إذن ؟ لقد قدم “الربيع العربي” مشروع جواب عن هذا السؤال في شكل سياسة ديمقراطية و سيادة الشعب والمطالبة بالكرامة. لقد عاد جزً كبير من المنطقة العربية ليعيش تحت حكم الاستبداد، وأصبح من الواضح أن الإسلاميين لا يمكن أن يلعبوا وحدهم دور المنقذ لأن وهمهم القديم الذي كان يعد الناس بالخلاص مقابل العضوية اللامشروطة في الحركات الإسلامية قد فشل فشلا ذريعا ولكن الوهم الآخر الديموقراطي الذي بشر به الربيع العربي فشل بدوره أيضا.

    لقد حافظ المواطنون العرب على تمسكهم بالإيمان، على الرغم من أنهم أصبحوا ضد هيمنة رجال الدين وضد كل من يدّعي امتلاك سلطة دينية تخول له احتكار تفسير النصوص المقدسة لأنهم ( المواطنون) يشعرون بالاشمئزاز إزاء كل من يوظّفُ الدين والقداسة لتكريس سلطته السياسية وفرض الطاعة على البشر من ملوك ورؤساء وجماعات الإسلام السياسي ومؤسسات العلماء الذين توظفهم الدولة وغير و هذا الرفض الشعبي لا يعبر فقط عن استنزاف إرث الثورة الإيرانية ولكن تجسيد لنهاية الحركات الإسلامية برمتها.

    لقد عدّلت الأنظمة استراتيجياتها من أجل الحفاظ على السلطة فهي اليوم تحاول ملء الفراغ الناجم عن الضغوط المتزامنة الثلاثة القادمة من الأسفل: أولاً، رفض الخطاب الديني والبروباغندا الإسلامية، ثم الرغبة المستمرة في العيش تحت سقف الحرية الديمقراطية وهي الرغبة التي أجّجها الربيع العربي؛ وأخيراً، التشبث بالتدين في الحياة اليومية. ولذلك، استثمرت الأنظمة هذا الفضاء المعياري عبر فرض تأويلها الخاص لمفاهيم الإيمان والتقوى والأمثلة على ذلك تكاثرت خلال السنوات الأخيرة في بلدان المغرب العربي والمشرق العربي على السواء منها الحرص على الالتزام بالصيام خلال شهر رمضان وكذلك ترسيخ مكانة المرأة في المجتمع وفي الفضاء العام وفقا للأنماط التقليدية.

    وعبر سنّ هذه القواعد الاجتماعية حسب تقديرها الخاص فإن الأنظمة الأوتوقراطية المحافظة تستجيب للرغبة في المحافظة لدى قطاعات واسعة من المجتمع وفي نفس الوقت تستمر في قمع الرغبة التحررية لدى الشباب. ولكن إخضاع الفضاءات الدينية لسلطة الدولة من شأنه أن يدفع السلطات السياسية إلى إعادة إنتاج أخطاء الإسلاميين.

    إن لمثل هذه التدخلات في المجال الديني آثارً عميقة على المدى الطويل، ليس فقط في مجال الدين بل على مستقبل الديمقراطية والاستقرار في المنطقة. وفي كثير من الحالات، طوّرت الدول سياستها الخارجية بناء على الإسلام الرسمي الذي تدافع عنه . في الآونة الأخيرة، قام حزب العدالة والتنمية التركي الذي يمسك السلطة منذ عام 2002 باستغلال الشبكات الروحية التابعة للزعيم عبد الله غولن من أجل تعزيز سلطته السياسية وتصدير تأويله الخاص للإسلام السياسي ثم قرر أن هذه الشبكة الصوفية خارجة عن القانون لكي تصبح إيديولوجية النظام التركي وكل سياساته متمحورة حول شخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

    إن الملكيات بدورها لا تفلت من هذه الميولات : فالمغرب والمملكة العربية السعودية مثالان متعاكسان لهذا التوجه: ففي الحالة الأولى تتناول وسائل الإعلام على نطاق واسع المبادرات الاقتصادية والسياسية التي يطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (“MBS”). ولكنها لا تنتبه بما فيه الكفاية لمبادراته في المجال الديني الذي ظل مبنيا على نوع من التوازن والتحالف بين عائلة آل سعود وطائفة العلماء الوهابيين السلفيين المسخّرين من طرف السلطة حيث تحتكر العائلة السعودية النفوذ السياسي و يتكلف العلماء والفقهاء بتأطير الجانب الديني حسب تأويلهم الخاص للشريعة الإسلامية.

    إن الرؤية الإسلامية الجديدة للنظام السعودي تكسر هذا التوازن. وهي التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد فالسلطة تريد إحكام هيمنتها على الخطاب الديني والقرارات الدينية وهو ما يشبه تصرف السلطات المصرية مع جامعة الأزهر خلال القرن العشرين أيام حكم الدكتاتوريات العسكرية المتتابعة.لقد أراد اليوم الحكام السعوديون لأن يصبح الخطاب الفقهي نسخة من خطاب الدولة و سياستها وهذا يكاد يكون النجاح الوحيد لسياسات الأمير بن سلمان بالمقارنة مع مبادراته الاقتصادية الأخرى الرامية لتحديث الاقتصاد الوطني السعودي و مقارنة مع مغامراته السياسية مثل حصار دولة قطر والحرب على اليمن كما أن عملية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في بداية شهر أكتوبر تعد دليلا صارخا على مدى انتهاك حقوق الإنسان من طرف الدولة السعودية وهو الفعل الذي سوف يلطخ صورتها الخارجية على المستوى الدولي .

    من جانبه يحبذ المغرب اتباع نهج أكثر مرونة في مجال الاحتكار الديني من طرف الدولة وفي مجال الدبلوماسية الدينية يحاول المغرب أن يروج لخطاب ديني على امتداد محور الشمال جنوب : ففي اتجاه أوروبا يروج المغرب لخطاب الاعتدال الذي يقاوم التطرف و يحارب الإرهاب كما أن المغرب يتكلف بتكوين خطباء الجمعة والأئمة الفرنسيين ومن جانب آخر يسعى المغرب ليروج لصورة المملكة المغربية كمركز للثقل السياسي والاقتصادي على مستوى القارة الإفريقية وفي نفس الوقت يريد تحجيم النفوذ الجزائري في القارة السمراء.

    إن الدبلوماسية الدينية التي تنهجها الرباط لها هدف ثالث وهو إحكام السيطرة السياسية على الجالية المغربية القاطنة في أوروبا، ولذلك أنشأ عدة مؤسسات تتكلف بالجانب الديني لهذه الجالية بالتنسيق مع السفارات والقنصليات المغربية والأجهزة الأمنية التي تراقب حركات وسكنات هذه الجالية. بالموازاة مع المجهود الرامي لترويج صورة الإسلام المعتدل في الخارج ينتهج المغرب في الداخل سياسة دينية يطبعها التزمت والتشدد تحت مبرر الحفاظ على الأمن الروحي للمواطنين وعلى الأخلاق العامة، ومن ملامح هذه السياسة احتكار النقاش الديني من طرف المجالس العلمية الرسمية والتشدد مع ما يسمى الرّدّة ومظاهر الإلحاد .ويبلغ هذا النفاق ذروته عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع حالات المثلية الجنسية أو حالات العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي الرسمي.

    وأبعد من هذه الأهداف الثلاثة المباشرة، تبقى في نهاية المطاف الوظيفة الرئيسية لهذه الاستراتيجية تعزيز أسس السلطوية التقليدية لأن الإسلام المغربي يرسخ الموقف الدستوري لمؤسسة إمارة المومنين كأعلى سلطة دينية في البلاد ولكن هذه السلطة التي يمسك بها الملك بوصفه هو أمير المومنين يمارسها بالموازاة مع مسؤوليته السياسية مما يسمح له بالحفاظ على الوضع الراهن والسيطرة على الفاعلين في الحقل الديني و مراقبة و تحجيم تحركات القوى المطالبة بالديموقراطية التي تريد وضع السلطة السياسية القائمة في موقع المساءلة ولكن هذه الترتيبات كلها تصطدم بثلاثة عوائق كبيرة:

    أولاً: وقبل كل شيء هناك الاختبار الاقتصادي لأنه في غياب توزيع عادل للثروات لا يمكن للفاعلين الاجتماعيين أن يتعاملوا دائما بالطاعة العمياء مع السلطة السياسية.

    ثانيا: هذه الترتيبات لا تقوم إلا على أفكار دينية لا يربط بينها إلا الفاعل السياسي ولذلك يمكن في أي وقت أن يبرز على الساحة فاعلون دينيون يحملون معارف إسلامية منسجمة فيما بينها و قوية أكثر مما تحمله السلطة و يعرفون جيدا التاريخ الإسلامي .. لا يتعلق الأمر بالضرورة بنزعة لائكية ولكن بمسألة احتكار الحقل الديني في حد ذاته، وهنا يجب القول إن مفهوم الاعتدال بنفسه يصبح ذا طبيعة استبدادية. وأخيرا فإن إصرار الملك محمد السادس على الترويج لصورته الشخصية كملك عصري غير تقليداني يضرب في الصميم هذه الاستراتيجية.

    في غضون ذلك، يصبح الاعتدال هنا ذا طبيعة استبدادية لأنه هو الذي يرسم حدود الخطاب الديني بنفسه بينما الهدف لا يجب أن يكون هو الإسلام المعتدل بل الإسلام المتنور الذي يحتاج أولا وقبل كل شيئ إلى تشجيع الفكر النقدي وهو العدو اللدود للاستبداد السياسي.
                  

06-01-2020, 05:25 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52568

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Sabri Elshareef)

    صبري أزيك

    مشتاقين


    كلامك صحيح وواضح جدا أن النخب السياسية لم تتعلم أي شئ من تجارب الماضي.
                  

06-01-2020, 05:29 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Deng)

    دينق

    سلامات
    للاسف القوي المدنية الان في جوبا بعضها يقف مع العسكر المجرمين في عدم الغاء قوانين الشريعة الاسلامية
    التي حطت الكرامة ومزقت البلاد

    استهبال واذي لا يوصف
                  

06-01-2020, 06:21 PM

جمال ود القوز
<aجمال ود القوز
تاريخ التسجيل: 01-25-2013
مجموع المشاركات: 5925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Sabri Elshareef)

    Quote: قوانين الشريعة الاسلامية
    التي حطت الكرامة ومزقت البلاد

    صبري سلامات ..
    تجربة اسلام سياسي وشريعة ..
    ما ظنيت الشعب السوداني عنده أي رغبة في تكرارها ..
    لكن كمان يا صبري البديل ما يكون النقيض ..
    أي نموذج بقيم نظام شيوعي فيه استعداء للدين الاسلامي
    لانه مجتمعنا السوداني ده مجتمع حساس جدا تجاه الدين
    ويمكن وبسهولة شديدة تجييش العاطفة الدينية ..
    لدى السواد الأعظم من السودلنيين ضد أي نظام يحكم ..
    وحيطيحوه ويسقطوه خلال ايام والنماذج السابقة معروفة ..
    فالتهور والاندفاع أو الجري وراء الأشواق الحزبية ..
    لبعض مكونات قحت حيجيبوا العيد بدري بدري ..

    ثم أصلا دي فترة انتقالية المفروض الناس ترجيء
    التحاور في الأمر ده إلى ما بعد الانتخابات ..




                  

06-03-2020, 05:59 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: جمال ود القوز)

    ود القوز
    حبابك
    بجيك راجع
    من حق اهل السوجان الوصول للحكم بالشكل الديمقراطي
    بعدين كفاية استغلال الاديان للوصول للسلطة
                  

06-03-2020, 09:44 PM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52568

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Sabri Elshareef)

    حجوة أن "المجتمع السوداني مجتمع متدين" وحساس من قضية الشريعة هذه حجوة أطلقها دعاة تطبيق الشريعة أنفسهم، ولا أساس لها من المجتمع السوداني في شئ.
                  

06-03-2020, 09:47 PM

ايوب عبدالرحيم
<aايوب عبدالرحيم
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 1441

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Sabri Elshareef)

    !Welcome back Sabri
                  

06-03-2020, 10:46 PM

محمد على طه الملك
<aمحمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 10624

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: ايوب عبدالرحيم)

    سلامات صبري وزواره الأكارم ..
    في تقديري جدلية الصراع الدستوري بين مدنية الدولة وعلمانيتها ودينيتها ..
    لن تصل معها الفعاليات السياسية ولا القوى الشعبية لاتفاق يحسم الخلاف ..
    وهذا الصراع لا ينفرد به السودان ..
    بل يدور في جل نظم الدول العربية والاسلامية..
    وليس امامنا سوى مخرج واحد يردم هذا الخلاف المتجذر ..
    وهو تقرير نظام فيدرالي للدولة ..
    قائم على دستور اتحادي محايد ..
    يتضمن مبادئ وقواعد رئيسة كلية ..
    ويترك صلاحيات التشريع لمجالس تشريعية اقليمية.
                  

06-04-2020, 04:58 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: محمد على طه الملك)

    تحياتي العزيزة ود الملك


    فعلا العالم العربي او شعوب الدول الاسلامية ثمرة العودة للخلافة الراشدة والدعوة لذلك منذ 1928 لحظة تكوين الاخوان المسلمين في مصر

    اتت نتائج مرة في المنطقة ازدياد ظاهرة الخطاب الديني
    1979 بعد الثورة الايرانية التي جعلت ايران في اخلف رغم ان هذا الشعب خلاق ومبدع

    لن ينتهي الحلم ب خلافة اسلامية الا اذا استقرت الديمقراطية وتم اصلاح المنهاج التعليمي
    شعار اسلكة الدولة هو شعار يحقق ماسب اكثر من بيع المخدرات لذا يتم حراسته

    انظر للقوي المدنية في التفاوض ضد عبد العزيز الحلو وعبد الواحد يوجد من يقف ضد فصل الدين عن الدولة ؟؟ظ
    تخيل دي حكومة الثورة ؟
                  

06-04-2020, 05:15 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: ايوب عبدالرحيم)

    Quote: !Welcome back Sabri


    حبابك يا ايوب يا زول يا جميل
                  

06-04-2020, 10:44 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مواصلة التجريب الفاشل للشريعة الاسلامية (Re: Sabri Elshareef)

    النحب السودانية لم تتعلم من التجارب الفاشلة 63 سنة

    قول 630 سنة يا صبري
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de