المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسودان

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 04:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-29-2020, 00:03 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسودان

    00:03 AM May, 28 2020

    سودانيز اون لاين
    Khalid Kodi-Boston, USA
    مكتبتى
    رابط مختصر




    سلسلة إصدارات :
    الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال SPLM-N
    سكرتارية التدريب والبحوث والتخطيط
    (4)
    المباديء فوق الدستورية
    الطريق الصحيح لوحدة الدولة السودانية

    مولانا/ متوكل عثمان سلامات
    مولانا/ إدريس النور شالو

    الفهرست
    1- مُقدِّمة : .........................................................................

    الفصل الأول
    المبادئ فوق الدستورية
    تعريفها، تاريخها، خصائصها، وأهميتها
    2- مدخل : ..........................................................................
    3- تعريف المبادئ فوق الدستورية : ..............................................
    4- تاريخ المبادئ فوق الدستورية : ...............................................
    5- الفرق بين خصائص المبادئ فوق الدستورية والدستورية : .................
    6- المبادئ فوق الدستورية والديمقراطية :........................................
    7- ما أهمية المبادئ فوق الدستورية للدولة السودانية :..........................

    الفصل الثاني
    حُجج المؤيِّدين والمُعارضين للمباديء فوق الدستورية
    8- حُجج المُعارضين والمؤيِّدين لهذه المباديء : .....................................
    (أ)- حُجج المُعارضين :.......................................................
    (ب)- حُجج المؤيِّدين : ..........................................................

    الفصل الثالث
    الفقه المُقارن ومبادئ تُشكِّل منصة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري
    9- أولاً: الفقه المُقارن للمباديء فوق الدستورية : ...................................
    (أ)- دولة بنغلاديش : ............................................................
    (ب)- دولة ألمانيا : ..............................................................
    (ج)- دولة تركيا : ................................................................
    (د)- الولايات المُتَّحدة الأمريكية : ...............................................
    (هـ)- دولة فرنسا : ..............................................................
    10- مباديء تُشكِّل أساس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري : .....
    أولاً : إقرار مبدأ العلمانية : ..................................................
    ثانياً : الديمقراطية التعدُّدية : ...................................................
    ثالثاً : الإعتراف بالتنوُّع وحسن إدارته : ......................................
    رابعاً : التأكيد على إقرار وإحترم المواثيق الدولية : .........................
    خامساً : إقرار اللامركزية : ...................................................
    سادساً : رفض أي توجُّه دكتاتوري أو إنقلابي : .............................
    سابعاً : المقاومة الشعبية ومُمارسة حق تقرير المصير : ....................
    ثامناً : القوات النظامية السودانية : ............................................
    تاسعاً : القوات المُسلَّحة السودانية : ..........................................

    الفصل الرابع
    آليات صناعة الدستور وإجازته في الدولة السودانية
    11- أولاً : آليات صناعة الدستور :
    (أ)- المنبر التفاوضي
    (ب)- المفوضية الدستورية
    12- ثانياً : آليات إجازة الدستور الدائم :
    1- البرلمان
    2- الإستفتاء
    13- المراجع : ...........................................................................

    الفصل الخامس
    سلطة الأغلبية وحقوق الأقليات
    14- الديمقراطية : .......................................................................
    15- الأغلبية : (الأغلبية المُتعطَّلة – الأغلبية المؤهَّلة) : .............................
    16- الأهلية : ............................................................................
    17- مفهوم العقد الإجتماعي : ..........................................................
    18- مبدأ حكم الأغلبية – ومبدأ حقوق الأقلية : .......................................
    19- مفاهيم الأغلبية والأقلية والدولة المدنية : .........................................
    20- كيف يُمنَع (طُغيان الأغلبية) : ....................................................
    21- المراجع : ..........................................................................


    توطئة

    المباديء فوق الدستورية :

    هي مجموعة من القواعد والأحكام يتم رفعها إلى مرتبة أعلى من مرتبة الأحكام الدستورية نفسها، فتكون مُطلقة ثابتة وسامية، مُحصَّنة ضد الإلغاء والتعديل عند تعديل الدستور أو تغييره أو حتى تعطيله، وتصبح فوق الدستور وحدَّاً عليه، ولا تجوز مُخالفتها بمواد دستورية أخرى، وتكون المحكمة الدستورية مُلزمة بمُراعاتها وتطبيقها، حتى لو لم تكن مُضمَّنة في الدستور - أحياناً تُصاغ في وثيقة مُستقِلَّة – وهي مباديء يتم التوافُق عليها مُسبقاً، وقبل البدء في كتابة الدستور، ومن قبل جميع المُكوِّنات المُجتمعية الموجودة في البلاد دون إستثناء بغض النظر عن حجمها وموقعها ونسبة تمثيلها، والغرض منها إلزام السلطات القادمة والمُتعاقبة مهما كانت أغلبيتها البرلمانية وقُدرتها على الإنفراد بالسلطة، بالمباديء المُشتركة بين مُكوِّنات المُجتمع، وعدم تمكينها من تعديل الدستور بحسب رغباتها، وتشريع قوانين تُهدِّد الحريات العامة وحقوق بعض المُكوِّنات.

    مضمون هذه المباديء – عموماً – هو الحريات العامة والكرامة الإنسانية، وعدم التمييز بين المواطنين، وحقوق الإنسان الأساسية والتي يكتسبها الإنسان بمُجرَّد كونه إنسان. وقد أصبحت حقوقاً عالمية حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة عام 1948، ثم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966. وكثيراً ما أصبحت تُضاف إلى الدساتير الوطنية وتُعطَى صفة السمو والثبات – يُضاف إليها كذلك مباديء أخرى تفرضها أحوال البلد وهمومه. فمشكلة تمثيل الولايات حضرت كمبدأ فوق دستوري في دستور الولايات المُتَّحدة الأمريكية بعد الإستقلال. وتثبيت النظام الجمهوري فرض نفسه في الدستور الفرنسي كمبدأ أعلى. ومآسي ألمانيا بعد حربين عالميتين مُدمِّرتين فرضت نفسها على دستور 1948 عبر مباديء سامية تقطع الطريق على عودة التطرُّف والديكتاتورية من خلال اللعبة الديمقراطية (نظرية تحصين الديمقراطية). وكذلك تجربة جنوب أفريقيا وحاجتها لتصفية نظام التمييز العنصري (الأبرتهايد) وتعزيز المُصالحة. ومن أشهرها أيضاً المباديء فوق الدستورية الواردة بالدستور التركي والتي كرَّست علمانية الدولة التركية.

    تصبح الحاجة ماسَّة إلى هذه المباديء، وتزداد الحوجة إليها بشكل خاص في البلاد التي تحتاج إلى بناء نظامها السياسي والقانوني الجديد بعد المرور بفترة نزاعات عنيفة وحروب أهلية تؤدِّي إلى تحطيم الروابط المجتمعية والوطنية وأسُس التعايُش بين أبناء الوطن الواحد، وتُقسِّم الناس على أسُس ما قبل الدولة (طائفية – قبلية – إثنية – دينية) الأمر الذي يعني سيادة أجواء الشك والريبة والتوجُّس بين المكوِّنات المُختلفة في الدولة.






                  

05-29-2020, 00:07 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    هذا بالضبط ما يحتاجه السودانيين لبناء دولة قوية ومُستقِرَّة وقابلة للحياة. فلابد أن تكون العلمانية وفصل الدين عن الدولة، بالإضافة إلى حق الشعوب السودانية في مُمارسة حق تقرير المصير متى ما رأت ضرورة لذلك، وقضايا الهوية، لا مركزية السلطة، .. وقضايا أخرى، من المباديء الرئيسية التي ينبغي أن تكون فوق الدستور - من أجل تحقيق السلام والإستقرار والوحدة والتقدُّم. وعلى النُخب السودانية - إذا كانت حريصة على وحدة وإستقرار البلاد أن تعمل للوصول لـ"مباديء فوق الدستور" تُحقِّق هذه الغايات بدلاً عن حشد الأنصار من الكُتَّاب والمُفكِّرين و أصحاب الإمتيازات التاريخية للتصدِّي للمطالب والقضايا الجوهرية المشروعة والوقوف ضدها، والتمترُس والتحايُل على طاولة التفاوض ورفض دفع إستحقاقات السلام العادل. فهذه المواقف يمكن أن تقود البلاد لنتائج كارثية وإنهيار كامل.

    في هذا الكُتيب - يلقي مولانا/ متوكل عثمان سلامات، الضوء على المباديء فوق الدستورية بإعتباره موضوع لم يتم التطرُّق إليه كثيراً في أدبيات السياسة السودانية ما عدا ورقة الأستاذ/ نبيل أديب عبد الله – المُحامي، بعنوان : (المباديء فوق الدستورية وإستدامة الديمقراطية) بتاريخ 29 أبريل 2018. كما يتناول مولانا/ إدريس النور شالو، مفهوم الأغلبية والأقلية الذي يحاول البعض إستغلاله لتمرير دستور يرتكز على مرجعيات دينية.

    نأمل أن تساهم هذه الإصدارة - التي تأتي ضمن سلسلة إصدارات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال – وهو الكتاب رقم (4) - في نشر الوعي وتحقيق السلام الشامل، العادل والدائم، وبناء وطن يسع الجميع.


    سكرتارية التدريب والبحوث والتخطيط
    مايو 2020

    المباديء فوق الدستورية
    الطريق الصحيح لوحدة الدولة السودانية

    مُقدِّمة :

    لم تجد مسألة المباديء فوق الدستورية حظها الكافي من التناول في الكتابات والحوارات القانونية والسياسية السودانية، رغم أهميتها وقدرتها على وضع حد نهائي للإشكالات والأزمات التي تنشأ في الدول الشبيهة في طبيعتها ومقومها البشري للدولة السودانية من خلال دساتيرها، لذا وجدنا أنه من الضرورة أن نطرق هذا الباب ونطرح في هذه الورقة ما نفتكره علاج لمشكلة الدولة السودانية من خلال الإستقرار الدستوري.

    ونحن بصدد الحديث عن المبادئ فوق الدستورية، كان لابد أن نُشيد بالجهد المُقدَّر الذي قدمه الخبير القانوني الأستاذ نبيل أديب عبدالله كأول سوداني يكتب عن المبادئ فوق الدستورية وذلك من خلال بحثه القيّم : (المبادئ فوق الدستورية وإستدامة الديمقراطية) والذي نشره في مقالين. بغض النظر عن إختلافنا معه في بعض النقاط، فقد إتفقنا معه في نقاط مُهمَّة.

    تهدف هذه الورقة إلى التعريف بالمباديء فوق الدستورية، وتقديم مُبادرة للمباديء فوق الدستورية السودانية. وقد حاولنا أن ننتهج الأسلوب الموضوعي الذي يقودنا إلى نتائج حقيقية. إشتملت الورقة على ثلاث فصول، خصَّصنا الفصل الأول للتعريف بالمباديء فوق الدستورية وخصائصها وتاريخها، وتناول الفصل الثاني حُجج المؤيِّدين والمُعارضين، أما الفصل الثالث فتناول الفقه المُقارن ومبادئ تصلح لتشكيل منصة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري، وجاءت آليات صناعة وإجازة الدستور في الدولة السودانية في الفصل الرابع، وتم تخصيص الفصل الخامس لموضوع في غاية الأهمية وذو صلة ومُكمِّل للمبادئ فوق الدستورية وهو سلطة الأغلبية وحقوق الأقلية لمولانا/ إدريس النور شالو.

    مولانا/ متوكل عثمان سلامات

    الفصل الأول
    المباديء فوق الدستورية ..
    تعريفها، تاريخها، خصائصها، وأهميتها

    الفصل الأول

    المبادئ فوق الدستورية
    تعريفها، تاريخها، خصائصها، وأهميتها
    مدخل :

    صمت الأجداد المؤسِّسون للدولة السودانية بعد خروج المستعمر عن الإجابة على حزمة من الأسئلة، وعندما حاولوا الإجابة عليها كانت كل الإجابات خاطئة، لذا مازلت الأسئلة القديمة مُتجدِّدة و قائمة، مثل : (كيف يُحكَم السودان ؟، ماهي هوية الدولة السودانية ؟، ما هي طبيعة الدولة السودانية ؟ .. وغيرها).
    عدم الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة أنتج عدة جدليات تفرَّعت من جدلية المركز والهامش، جدلية الضحية والمتهم، والوحدة والإنفصال، الأغلبية الأفارقة والأقلية العرب، الأقلية غير المسلمة والأغلبية المسلمة، السيد والعبد، العدالة والإفلات من العقاب، اللغة والرطانة، الكفار والمُجاهدين، العُملاء والوطنيين..!!
    هذا الوضع المأزوم خاصة بعد فشل الحكومة الإنتقالية السودانية في التوصُّل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال إلى مُجرد إعلان مبادئ يحكم العملية التفاوضية ويضع أساس لمبادئ وقيم أعلى من الدستور تحافظ على وحدة الدولة السودانية، وفي ذات المنبر وفي مسارات أخرى تصل إلى إتفاقيات سلام ترتكز على تشويه وأقلمة جذور المشكلة السودانية، وتخلط بين الدين والدولة، وتُقيّد اللامركزية بهدف تكريس أكبر للمركزية، وهذا ما يفسر الكثير مما لم تجد له الشعوب السودانية تفسيراً للعملية التي أسمتها بـ"الجرجرة" و"اللولوة " و"الفهلوة" التي تحدث في جوبا.

    هذا الوضع جعل ضحايا الإنتهاكات الإنسانية وضحايا دولة الأغلبية المُسلمة يطالبون بعلمانية الدولة حتى يتم الفصل التام بين الدين والدولة أو أن تلجأ لمُمارسة حق تقرير المصير خوفاً من مواصلة تهميشها وإبادتها ثقافياً وأسلمتها وإستعرابها وإسترقاقها أو تكفيرها و إبادتها جسدياً.
    وفي الجانب الآخر من الطاولة تطرح الحكومة الإنتقالية في السودان الشريعة الإسلامية تحت مُسمَّيان مُختلفان شكلياً ومتَّفقان جوهرياً وهما (الدولة غير المنحازة) وهو مصطلح إستحبه العسكر السياسي في السودان بدلاً من إستخدام مصطلح (الدولة المدنية) الذي تبنَّته بعض قوى الحرية والتغيير. بغض النظر عما يقصده صاحب فكرة (الدولة غير المنحازة) إلَّا أن كلا المُصطلحان في الوقت الراهن يعتمدان الشريعة الإسلامية في الحكم إستنادا لمبدأ الأغلبية المُسلمة التي تُشرِّع القوانين للدولة، إلا أن مصطلح (الدولة المدنية) لا يختلف في سياقه الظرفي الآني عن مفهوم (الدولة غير المنحازة) إلا لكونه يمنع العسكر السياسي من الحكم، وما بين ثنايا المُصطلحان تقبع الدولة الدينية الإسلامية والإسلام السياسي، الأمر الذي جعل بعض ضحايا التَّهميش والإضطهاد الديني والعنصري يشعرون بالإحباط من جرَّاء مواصلة سياسة الإستغباء والإستحمار عليهم حتى بعد ثورة ديسمبر المجيدة.

    تعريف المبادئ فوق الدستورية :

    قبل أن ندلف للحديث عن المبادئ فوق الدستورية فإن المدخل الصحيح هو أن نتعرف على الدستور أولاً. هنالك تعريفات عديدة للدستور ولكن إخترنا منها الآتي :
    عرَّفه نادر جبلي - بأنه : (رأس أي نظام قانوني ومظلته، يضع أسس النظام السياسي، ويحدد شكله وطبيعته، ويحدد السلطات العامة، ووظائفها وكيفية التعيين فيها وممارستها وإنتقالها، وعلاقاتها البينية، كما يُحدِّد ويحمي الحقوق الأساسية للمواطنين والحريات العامة ويتيح للشعب مُحاسبة حكَّامه ويوفِّر له الآليات اللازمة لتغييرهم دون عنف عندما يتطلَّب الأمر).

    أما المُحامية مُنى أسعد فقد عرَّفته بأنه : (القانون الأعلى الذي يُحدِّد القواعد الأساسية لشكل الدولة، بسيطة أم مركبة، رئاسية أم برلمانية، ونظام الحكم ملكي أم جمهوري، كما ينظّم الدستور السلطات الثلاث العامة في الدولة، من حيث التكوين والإختصاص والعلاقات فيما بينها، ويرسم حدود كل سلطة، وينظّم كذلك الواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ويضع الضمانات لهذه الحقوق والواجبات تجاه السلطة).

    نعود للمبادئ فوق الدستورية والتي تُعرف على أنها : (مباديء تكون أعلى رتبة ومنزلة من الدستور نفسه بمعنى أنه لا يجوز ولا يصح أن تكون هناك مواد في الدستور تخالفها، وتكون لهذه المبادئ صفة الإطلاق والدوام والسمو، فتكون بذلك مُحصَّنة ضد الإلغاء أو التعديل أو المخالفه ولو بنصوص دستورية. ويجب وضعها كوثيقة ومبادئ أساسية ينبغي مُراعاتها عند وضع الدستور، و يجب على واضعي الدستور الإلتزام بها وعدم المساس بها أو الحياد عنها.
    وهي غالباً حزمة المبادئ المتعلقة بالمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان، وهى الموجودة و الواردة فى المواثيق الدولية حالياً.

    تاريخ المبادئ فوق الدستورية :

    هناك العديد من الدول التى سنَّت مجموعة من المبادئ فوق الدستورية، وذلك فى سياق تحوُّلاتها الديمقراطية وثوراتها ضد الأنظمة القمعية.
    تُعتبر وثيقة الماجنا كارتا في إنجلترا، والتي تم سنَّها فى عام 1215 باسم «الميثاق العظيم للحريات فى إنجلترا» هي من أوائل الوثائق التي تُعتبر مبادئ فوق دستورية، وذلك عندما ألزمت الملك بمنح حرِّيات مُعينة والقبول بأن حريته لن تكون مطلقة، وأن يوافق علناً على عدم معاقبة أي رجل حر إلا بموجب قانون الدولة، وكانت هذه الوثيقة أول ميثاق للحد من سلطة الملك .

    ومن ثم ظهر إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذى أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية فى 26 أغسطس لعام 1789، حيث يعتبر هذا الإعلان وثيقة حقوق من وثائق الثورة الفرنسية الأساسية وتُعرّف فيها الحقوق الفردية والجماعية للأمة.
    وبعدهما جاءت وثيقة الحقوق فى دستور الولايات المتحدة الأمريكية التى صاغها جيمس ماديسون، وصدرت فى ديسمبر لعام 1791، وهي تتألَّف من عشرة بنود، وتسعى لضمان الحريات المدنية.

    ويُرجِّح الباحثون أن نضال البشرية من أجل إيجاد نصوص تلزم الحاكم باحترام حقوق المحكوم وصونها، أسفر عن أول تطبيق لهذا النوع من المبادئ، مع ظهور "ميثاق الحُرِّيات"، الصادر في بريطانيا العظمى 1100م، في عهد الملك هنري الأول، الذى تضمَّن وضع قيود تُنظِّم علاقة الملك مع الكنيسة ومع طبقة النُبلاء والتي سبقت الماقناكارتا، ثم تتالت المواثيق في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وصولاً إلى "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" في 10 ديسمبر 1948، ومن ثم العهدين الدوليين : "العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، و"العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، والبروتوكولات المرفقة بهما اللذين دخلا حيز التنفيذ في 1976م.
                  

05-29-2020, 00:12 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    الفرق بين خصائص المبادئ فوق الدستورية والمبادئ الدستورية :

    تتميَّز المبادئ فوق الدستورية بخصائص تختلف عن المبادئ الدستورية على النحو الآتي :

    1. المبادئ فوق الدستورية تتعلَّق بقضايا مصيرية للدولة، أما المبادئ الدستورية يمكن أن لا تهتم بالقضايا المصيرية للدولة كما هو الوضع في الدولة السودانية؛

    2. المبادئ فوق الدستورية جامدة وغير مرتبطة بقضايا مُتحرِّكة فهي غير قابلة للتعديل أو الإلغاء أو التجميد، بخلاف المبادئ الدستورية التي يجوز تعديلها أو إلغاؤها؛

    3. بعيدة من التحزُّب والتجاذبات السياسية؛

    4. المبادئ فوق الدستورية تُشكِّل أهمية لجميع المواطنين، وجميع الفئات مهما كانت صغيرة وضعيفة، وهي بذلك تتميَّز بخاصية العموم وتُطبَّق على جميع السودانين بإعتبارهم بشر ومواطنين، ليجد كل فرد حقوقه الطبيعية بحيث يستحيل نزعها منه، وبالتالي ينتفي بموجبها مفهوم الأغلبية والأقلية. أما المبادئ الدستورية لا يمكن أن تتَّصف بخاصية العموم، طالما أنها تتبنَّى أحياناً مبادئ خاصة وتفرضها على الجميع بحثاً عن خاصية العموم المفقودة، حيث لا يجد كل فرد حقه الطبيعي، وخير مثال لذلك تبنِّي الدستور السوداني الهوية الإسلاموعروبية في ظل التنوُّع والتعدُّد العرقي ،الثقاقي والديني للشعوب السودانية.

    5. المبادئ فوق الدستورية عابرة للأجيال، بخلاف المبادئ الدستورية.

    6. تتميَّز المبادئ فوق الدستورية بأنها تجعل من المواثيق الدولية جُزءاً منها، بينما تسعى المبادئ الدستورية لأن تتواءم معها.

    7. تتميَّز المبادئ فوق الدستورية من ناحية شرعيتها بسموِّها على المبادئ الدستورية وبالتالي تلزم المبادئ الدستورية بعدم مُخالفتها.

    المبادئ فوق الدستورية والديمقراطية :

    هل تُعتبر مُصادرة حق الأغلبية في تعديل بعض أحكام الدستور، أو الإستمرار في فرض دين أوثقافة أحادية، إعتداء على أهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية القائم على مبدأ حكم الأغلبية ؟ .

    قد ينظر البعض إلى ذلك بأن هناك إنتهاك لحق ومبدأ الأغلبية، ولكن الحقيقة الواضحة هي أن النظام الديمقراطي لا يقوم على قرار الأغلبية فقط، وإنما يقتضي كذلك الحفاظ على حقوق الأقلية من جانب، والحفاظ على مبادئ الديمقراطية من جانب آخر. فصدور قرار من طرف من يملُك الأغلبية الظرفية بتعديل الدستور وإضفاء صفة الديمومة على قراره لمدى الحياة، بحُجة حق الأغلبية، هو قرار بالضرورة غير ديمقراطي لأنه يُشكّل مانعاً يحول دون تجسيد مبدأ مُهم من مبادئ الديمقراطية وهو إنتقال و تداول السلطة.

    ويرى نادر جبلي، أن مقاربة الديمقراطية في الشأن الدستوري أمر يختلف عن غيره، بإعتبار الدستور هو القانون الأعلى ويُحدِّد طريقة حكم البلاد ويُراد له أن يحكم البلاد لأجيال قادمة، تتغيَّر فيها الشرعيات الحاكمة والأغلبيات مرات عديدة.
    أما د/عادل عامر فيرى حسب الأوضاع في دولة مصر أن المبادئ فوق الدستورية تتنافى مع الديمقراطية بقوله : (أنه لا يوجد هناك ما يُسمَّى بالقواعد الحاكمة للدستور، وأن الاسم الحقيقي لذلك هو فرض وصاية على الشعب في إختيار دستوره ...) وحُجَّته في ذلك هو أن الشعب المصري إستفتى على الدستور وأبدى فيه رأيه بالقبول فليس من الديمقراطية أن يتم فتح الدستور مرة أخرى ليتم إضافة أو تكييفه وفق تلك المبادئ.

    ما هي أهمية المبادئ فوق الدستورية للدولة السودانية ؟ :

    تنبع أهمية المبادئ فوق الدستورية من كونها تمنع تغوُّل الأغلبية مع الإحتفاظ بحقوقها، وضمان حقوق الأقلية فى ذات الوقت عبر : (حماية حقوق الإنسان، ضمان الحريات الأساسية، حماية طبيعة الدولة، والمُحافظة على وحدة الدولة السودانية).

    الفصل الثاني

    حُجج المُعارضين والمؤيِّدين للمباديء فوق الدستورية

    الفصل الثاني

    حجج المعارضين والمؤيدين للمبادئ فوق الدستورية
    أولا : آراء المُعارضين و حُججهم :

    قبل عرض تلك الحُجج لا بدّ أن نُشير الى أنّها وكما ذكرنا كانت أغلبها مبنيّة و متأثرة بطابع سياسي و فكر آيديولوجي مُسبق. و تعالت أبرز أصوات أصحاب هذا الرأي المُعارض بصورة واضحة بين الجماعات الإسلامية فى مصر كجماعة الأخوان المسلمين و فى سوريا بين القوميين العرب. حيث تعالت تلك الأصوات في مصر عقب الإطاحة بحكومة مرسي و إستلام السيسي للسلطة، و أصدار المجلس العسكري في مصر إعلاناً دستوريا يتضمَّن ما قالوا عنه مواداً فوق دستورية في سنة 2011م. و في سوريا خلال الأحداث الحاليّة و ظهور منادين بمثل هكذا مبادئ. أما في السودان بعد الإطاحة بالمستبد عمر حسن البشير في ثورة ديسمبر 2018م، لا نعتقد أن يكون هناك إعتراض على المبادئ فوق الدستورية. و الآن نبيّن أبرز الحُجج لذلك :

    1. لا شيء يعلو فوق الدستور لأنه تعبير عن إرادة الشعب، و لا شيء يعلو فوق إرادة الشعب فهو مصدر الشرعية لكل القوانين، و وضع مثل هذه المبادئ لا سيما من قبل لجنة مُنتخبة أو معيّنة و إقرارها دون طرحها للإستفتاء إنتهاك كبير لإرادة الشعب، و لا يُصحِّح عورة هذا الشيء حتى و إن طرحت المبادئ للاستفتاء عليها لأن خصائص السمو و الإطلاق و الدوام لتلك المبادئ تعطي لجيل مُعيَّن فرض إرادته على الأجيال اللاحقة و هذا غير جائز.

    2. إن سن مثل تلك المبادئ من ِقبل لجنة مُنتخبة أو معيّنة مجهولة الميول و التوجُّهات من شأنه إرساء مبادئ قد لا تعبّر عن إرادة الشعب، وإنما قد تكون لمصلحة فكر معيّن أو فئة معيّنة، ما قد يشّكل خطراً على إرادة الشعب و تسلّل فئة لا تعبّر عن رغبة الشعب و إرادته، و قد تكون هي ذاتها التي إنقلب عليها الشعب و أسقطها.

    3. إن من يؤيِّدون مثل هذه المبادئ و يقِرُّون بشرعيتها - رغم أنها ذات طابع دائم و مطلق ولا تسقط بسقوط الدستور- يعطون لهذه المباديء صفة الصلاح العام لكل زمان و مكان، و هذه صفة لا تُليق إلا بالذات الإلهيّة، كما أن من شأن هذه المبادئ فرض إرادة جيل كما أسلفنا على جيل آخر لم يمارس حق الإستفتاء على تلك المباديء.

    5. إن كان ثمة مباديء موجودة تعلو و تفوق الدستور، فالأولى أن تكون هذه المبادئ هي أحكام الشرائع السماويّة، فهي وحدها وفق رأي البعض تعلو فوق الدستور، ولا مانع فيها وحدها أن تكون فوق دستورية.

    6. من شأن هذه المباديء خلق أزمات و أجواء من عدم الإستقرار و دافعاً قوياً للثورات و الإضطرابات داخل البلاد التي تعتمدها كونها مُحصَّنة ضدّ التعديل والإلغاء و بالتالي فقد تُعيق يوماً إرادة الشعب فتثور عليها .
    تلك كانت أبرز الإنتقادات الموجَّهة للمباديء فوق الدستورية، و التي قد تبدو للوهلة الأولى مُقنِعة و منطقية و جديرة بالإعتبار، إلَّا أن التمعُّن في حُجج المؤيِّدين للمبادئ فوق الدستورية وهم كثيرون كما أسلفنا تجعل حُجج المُعارضين غير منطقية خاصة عندما نجد أن الدين مُمثَّل في الشريعة الإسلامية يُشكِّل عنصر أساسي في الأزمة السودانية بعد إستخدامه بغرض تضليل الشعب السوداني لتحقيق مكاسب سياسية.

    ثانياً – آراء المؤيّدين وحُججهم :

    1. إن بناء أي دستور للبلاد (وبالطبع المقصود هنا الأساليب الديمقراطية في بناء الدساتير) يكون تعبيراً عن رأي الأغلبية و كذلك تعديله و إلغائه، حيث ليس بالضرورة أن يُعبّر عن آراء و حقوق كافة فئات المُجتمع و تحديدا الأقلِّيات العرقية والدينية أو المذهبية و ما شابههم، و في هذه الحالة نكون من حيث الواقع أمام لا ديمقراطية حقيقية أو أمام ديمقراطيّة ناقصة أو عرجاء مشوَّبة بنكران بعض الحقوق لبعض الفئات مع أن ظاهر الحال يقول بأن الديمقراطية قد مورِست. وما المانع حينها أمام عجز الدستور، وكونه عرضة للتعديل والإلغاء نتيجة لحكم وتحُّكم، إما للأغلبية أو لإستبداد سلطة سياسية ما في أي وقت.
    2. وبالمقابل ما المانع من وجود مبادئ فوق دستورية على تلك الدرجة من السمو والدوام لتكون مُكمِّلة لسدّ ذلك القصور أوالنقص الديمقراطي. طالما أن الأغلبية وممثّليها يشاركون أصلاً ومع الجميع في وضع مثل تلك المبادئ والتوافق عليها وتستطيع بداية رفضها إن كانت تُمثّل خطراً على حقوقها أو كانت لديها مخاوف جديّة إزاءها.

    3. فيما يتعلّق بما ذهب اليه الرأي المُعارض لتلك المبادئ بأن من شأنها المساس بإرادة الأجيال اللاحقة أو سلبها، كونها كانت بناءً على إتِّفاق لا دخل لإرادتهم فيه و لم يكونوا طرفاً فيه، يمكن الردّ على ذلك بأن إعلانات الحقوق والتي هي مبادئ فوق دستورية وأساساً لمعظم الدساتير ومبادئها لمئات السنين، لهو أكبر برهان وردّ على أصحاب هذا الرأي. ويثبت بأن مثل هذه المبادئ وضِعت لأصل وغايات ضمان كرامة الإنسان وسبل العيش المُشترك بين فئات إجتماعية متنوِّعة، فرضت عليها جغرافيا مُحدّدة أو واقع سياسي العيش معاً .. فمباديء المساواة والحرية والحياة و الفيدرالية ومنع الإستبداد لايمكن أن تكون يوما مناسبة رفض أو سلب لإرادة فرد ما.

    4. إن المخاوف من احتمالية أن تكون تلك المبادئ ذات توجُّه فئوي أو تسلل أقلية مستبدة تحكم الأغلبية، تسقط وتصبح دون قيمة إذا ما علمنا أن تلك المبادئ لا يجوز لها أن تخالف إعلانات الحقوق والمواثيق الدولية من جهة، و من جهة أخرى فإن عدم وجود مثل تلك المبادئ هو الذي يمكن أن يثير مثل تلك المخاوف. حيث من الممكن حينها في ظل غياب مثل تلك المبادئ الرادعة أن تكون الأجواء مهيّأة لعودة و تسلّل الإستبداد إلى السلطة. بدليل أن الدستور الألماني كان حريصاً على نص فوق دستوري في هذا الشأن. عبر المادة (79) من دستورها الحالي، فمنعت المساس بالفقرة الرابعة من المادة (20) التي تنص ((يحق لكافة المواطنين مقاومة كل من يحاول القضاء على هذا النظام اذا لم يمكن منعه من ذلك بالوسائل الأخرى)) وذلك تحسُّباً لأي عودة محتملة للإستبداد بعد معاناتها الكبيرة من الحكم النازي.

    أما بخصوص الرد على بعض المعارضين لتلك المبادئ والذين كما ذكرنا إن أغلبهم يرفضون هذه المبادئ إستنادا لحُجج مبنيّة على أن تلك المباديء لا تتوافق مع عقائدهم و أيديولوجيتهم، و أن لا مانع لديهم من أي مبدأ فوق دستوري يتوافق مع تلك العقيدة أو الآيديولوجية كقبول الجماعة الإسلامية في مصر بمبادئ الشريعة الإسلامية مبادئ فوق دستورية !! صراحة بعد هذا التوضيح أرى أن الموضوع لم يعد بحاجة الى رد آخر.

    و فى خلاصة هذا الفصل أقول أن الأقلية في أي دولة هي التي من المفترض أن تتوجَّس من إحتمال المساس بحقوقها أو تعرُّضها للإنتهاك سواء من قبل سلطة أو إستبداد أقلية أخرى أو من قبل الأغلبية، و حتى الأغلبية من الممكن أن تكون عرضة لتسلط الأقلية كما يحدث في السودان طوال السنوات الماضية، إلا أن ذلك كان فى تقديرنا لعدم وجود مبادئ فوق دستورية. بل ربما كان من الممكن منع حدوث ذلك لو وجدت مثل تلك المبادئ، و قد يقول قائل أن الإستبداد لا يمكن أن تردعه كل القوانين والمبادئ حتى و لو كانت فوق دستورية. والإجابة على ذلك تكون بأن دور وأهمية هذه المبادئ يكمن في انّها مانعة لوصول و تسلُّل الإستبداد والطغيان.
                  

05-29-2020, 00:17 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)



    الفصل الثالث

    الفقه المُقارن ومبادئ تشكُّل منصة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري

    الفصل الثالث

    الفقه المُقارن ومبادئ تصلح لتشكيل منصة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري

    أولاً : الفقه المُقارن للمبادئ فوق الدستورية :

    عانت كثير من دول العالم من الصراعات والإقتتال فيما بين شعوبها ولفترات طويلة نتيجة للعنصرية والإضطهاد والقهر وغيره من الأسباب والممارسات التي تمارسها بعض الشعوب على غيرها في الدولة الواحدة، سواء كانت هذه الدول ممن تُعرف اليوم بالدول العظمى، أو الدول النامية أو غيرها، ولكنها تمكَّنت من تجاوز هذه المُعاناة وكل تلك المرارات بخلق درجة أعلى للمستوى التشريعي التقليدي المُتعارف عليه حسب طبيعة المُعاناة أو الإشكال في كل دولة، وسنستعرض هنا تجارب بعض الدول.

    1/ بنغلاديش :

    نص دستور دولة بنغلاديش لسنة 1972 المُعدَّل في سنة 1986م و 2014م في الجزء الثاني منه وفي المادة (8/1/2) على مبادئ أساسية على النحو التالي :

    (أ)- وتُشكِّل مبادئ القومية والاشتراكية والديمقراطية والعلمانية، إلى جانب المبادئ المُستمدَّة من المبادئ الواردة في هذا الجزء، المبادئ الأساسية لسياسة الدولة.

    (ب)- تكون المبادئ الواردة في هذا الجزء أساسية في حكم بنغلاديش، وتطبقها الدولة في وضع القوانين، وتكون دليلاً لتفسير الدستور والقوانين الأخرى في بنغلاديش، وتُشكِّل أساس عمل الدولة ومواطنيها، ولكن لا يجوز إنفاذه قضائياً .
    يُلاحَظ أن الفقرة الأولى من هذه المادة تناولت مسألة المبادئ التي تُنظِّم طبيعة الدولة البنغلاديشية، وفي الفقرة الثانية من ذات المادة نجد أن الشعب البنغالي وضع تلك المبادئ في درجة فوق الدستور عندما جعلها دليلاً أو مرجعية أساسية تعود إليه المؤسَّسات التي يعهد إليها تفسير الدستور.

    2/ دولة ألمانيا :

    المادة (79/3) من الدستور الألماني، تمنع أي شخص (طبيعي أو إعتباري) من إجراء تعديلات على الدستور تؤدِّي إلى المساس بـــ(تجزئة الإتحاد إلى ولايات إتحادية، أو مُشاركة الولايات من حيث المبدأ في عملية التشريع بشكل فعَّال).
    وبالتالي هذا النص يُعبِّر عن مدى إهتمام الشعب الألماني بضرورة المُحافطة على النظام الفدرالي. كما تمنع ذات المادة أي شخص من المساس بالمادة (20) التي تنص في فقرتها الأولى على أن : (جمهورية ألمانيا الإتحادية، هي دولة إتحادية ديمقراطية وإجتماعية). وفي فقرتها الرابعة على أنه : ( يحق لكافة المواطنين مقاومة كل من يحاول القضاء على هذا النظام، إذا لم يمكن منعه من ذلك بوسائل أخرى).

    وتُبيِّن الفقرة الرابعة من المادة (20) التي تم تحصينها ضد التعديل، تعكس كمية الألم والمُعاناة التي عاشها الشعب الألماني إبان حكم النازيين، ورغبته في تحصين ديمقراطيته ضد تسلُّل أمثالهم مُجدَّداً.

    3/ دولة تركيا :

    نصَّت المادة (4) من الدستور التركي على أنه : (( لايجوز تعديل أحكام المادة (1) من الدستور، التي تُحدِّد شكل الدولة كجمهورية، وأحكام المادة (2) بشأن سمات الجمهورية، وأحكام المادة (3) ولا يجوز التقدم بمُقترح لذلك .. )). وتُمثِّل هذه المواد شكل الدولة : (دولة تركيا دولة جمهورية .. ). وطبيعة الجمهورية أو الدولة الجمهورية التركية : (جمهورية ديمقراطية علمانية إجتماعية، تقوم على سيادة القانون ..وسلامة أراضيها ..).

    4/ الولايات المتحدة الأمريكية :

    إشترطت المادة (5) من الدستور الأمريكي ألا يؤدِّي أي تعديل على الدستور يتم إقراره من قبل الكونغرس، إلى حرمان أي ولاية، دون موافقتها، من حق الإقتراع في مجلس الشيوخ.
    تنبع الحكمة من النص على هذه القاعدة الدستورية لضرورة وأهمية المحافظة على النظام الفدرالي، لدى المُشرِّع الأمريكي.

    5/ دولة فرنسا :

    نجد أن الدستور الفرنسي رحّل مسألة الطابع الجمهوري للدولة الفرنسية ووحدة التراب الفرنسي، من مستوى القواعد أي الأحكام الدستورية إلى مستوى المبادئ فوق الدستورية، عندما حصَّنها حصانة دائمة ضد التعديل كما جاء في الدستور على النحو التالي :

    (أ)- نصَّت المادة (89) من الدستور أنه : ( لايجوز مباشرة إجراء أي تعديل أو مواصلته، في حال المساس بالسلامة الترابية).

    (ب)- (لا يجوز تعديل الطابع الجمهوري للحكومة). وتُعبِّر هذه الفقرة (ب) عن رغبة الشعب الفرنسي في قطع الطريق على عودة النظام الملكي للحكم.

    ثانياً : مبادئ تصلح لتشكيل منصة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة والإستقرار الدستوري :

    الآن ونحن جميعا نتابع المنعطف التاريخي الخطير الذى تمُر به بلادنا، والذي يسوده جو من عدم الثقة من شعوب الهامش وضحايا الإسلام السياسي فى المستقبل، ليقينها و وفقاً لمعطيات طاولة التفاوض أن جماعات الإسلام السياسي تعمل على إعادة إنتاج نفسها من جديد لتعود للحكم وتُمارس هوايتها عليهم بالتهميش والإقصاء والإبادة. وقد أشرنا من قبل لما يجري في طاولة التفاوض في جوبا وتكتيكات وفد الحكومة الإنتقالية، الأمر الذي يدفع هؤلاء الضحايا للسعى بقوة بإتجاه مُمارسة حق تقرير المصير الخارجي.
    وفي الوقت ذاته يتردَّد ويتخوَّف الجُناة والمُتحالفين معهم من العيش في حرية وعدالة ومُساواة وفق تدابير مُحدَّدة تمنع فرض هويَّة إسلاموعروبية وتُجرِّم الرق والإسترقاق وتمنع الإضطهاد الديني والعنصري وتسييس الدين وغيره. وفي خضم هذا التوتُّر الذي لا يُبشِّر بمستقبل جيد للأجيال القادمة، فإننا نرى أن هناك ضرورة مُلحَّة لتبني الشعوب السودانية وبالأخص الشباب والمرأة (مباديء تصلح لتشكيل منصَّة تأسيس للدولة السودانية الموحَّدة) ينص عليها في دستور دائم وتكون غير قابلة للإلغاء أو التعديل ولا يجوز مُخالفتها، تقود لتوحِّيد البلاد، وتساوي وتعدل بين الشعوب السودانية، وتغلق الباب نهائياً أمام كل مشاكل الدولة السودانية التي تواصلت منذ خروج المُستعمر وإلى اليوم. وتتمثَّل هذه المباديء في الآتي :

    أولاً : إقرار مبدأ العلمانية :

    إن العلمانية التي يجب أن تتبنَّاها الدولة السودانية تقوم على أساس مبدأ الفصل بين الدين والدولة، وذلك لضمان إخضاع الظواهر الطبيعية أو التاريخية لمعايير التحقُّق، والتأكيد على التحوُّل المستمر للتاريخ، وإعتبار المؤسَّسة الدينية مؤسَّسة خاصة بينما الدولة مؤسَّسة عامة، وتلتزم الحكومة بفصل الدين عن الدولة، بحيث تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان، سواء كانت ديانات تعتنقها أغلبية ساحقة، أم أخرى تعتنقها أقلِّيات بغض النظر عن مصدر الدين، وتُسَن القوانين التي تمنع أي شخص من محاولة فرض دين أو توجُّهات دينية على أي شخص آخر أو جماعة أخرى من المواطنين، مع الإحتفاظ بحق الدعوة والتبشير بالطرق السلمية للجميع بحيث لا يوجب أي إمتياز بحكم الأغلبية ولا ينتقص من هذا الحق وضعية الأقلية ، وذلك منعاً للتمييز بكافة أشكالِه.

    لقد إزداد وعى الكثير من فئات الشعب السوداني بما هو المقصود بالعلمانية، وعرفوا كذلك أن العلمانية هي الوصفة السحرية الناجعة للإدارة الجيِّدة للتنوُّع والتعدُّد الديني، العرقي والثقافي في السودان، وأنها - أي العلمانية - هي العلاج القوي الذي سيجعل من سلامة تماسُك جسد الدولة السودانية مسألة حتمية دون حاجة لإجراء عمليات جراحية لإستصئال أجزاء سليمة ما زالت تنادي بالوحدة الحقيقية من جثمانها الموبوء . أما البعض القليل من أفراد الشعب السوداني فهم ما بين مُتردِّد أو جازم بأن العلمانية تدعو إلى الإلحاد وتُحارب الدين والعبادات. وهذا ما يمكن للشخص العادي أن يتلمَّسه من خلال ما جاء به الأستاذ/ نبيل أديب عبد الله في مقاله المذكور آنفاً عندما حاول تصوير العلمانية كعقيدة دينية ينطلق منها الشعب السوداني ليقف ضد حرية التديُّن والإعتقاد والفكر وجعلها مساوية للإسلاموعروبية، وبالتالي واحدة من مُهدِّدات الدستور الديمقراطي الدائم مثلها مثل المجموعات السياسية المستندة على نظريات دينية، وهي مُقاربة غير موفَّقة.

    فالمتردِّدين الذين يتَّخذون مواقف ضبابية من هذه القلة، هم من غُرِّرت بهم جماعة الإسلام السياسي وأرهبتهم، وأكثرهم يُمثِّلون جزءاً من ضحايا الإسلام السياسي والدولة الدينية فهم (لا يستطيعون التمييز بين مُمارساتهم وتصرُّفاتهم اليومية و هل هي الإسلام أم الإسلام السياسي) ؟. أما الجازمين منهم فهم جماعة الإسلام السياسي نفسه وأصحاب الإمتيازات التاريخية، فهم يمارسون هذا التضليل عن قصد لحماية هذه الإمتيازات، ولخوفهم من العلمانية لأنها ستساوي وتعدِل بين "السيد والعبد"، وتمنع الإضطهاد الثقافي والديني والعنصري وتأسِّس لديمقراطية تعدُّدية وتنمية متوازنة وتعطي مساحة للتعبُّد الحقيقي وليس المظهرى - السياسي أو الإجتماعي.
    فلهؤلاء القلة من المتردِّدين والجازمين، نقول أن الشعب السوداني قد تجاوز مرحلة التضليل بإسم الدين لأغراض سياسية يوم أن خرج في ثورة ديسمبر المجيدة والتي مهرها بدماء عزيزة، و فى مواجهة سلمية خالصة مع هذه الجماعة بشقيها المدني والعسكري. وأن ماذهبوا إليه بأن العلمانية تدعوا للإلحاد وتُحارب الدين والعبادات كلام غير صحيح ومُجرَّد مزايدات سياسية، فالفلسفات العلمانية التي أشار إليها الأستاذ/ نبيل أديب عبد الله في بحثه الذي نُشر في مقالين بعنوان : (المبادئ فوق الدستورية وإستدامة الديمقراطية) والتي جعل فيها تلك الفلسفات واحدة من الأخطار على صناعة الدستور الديمقراطي مثلها مثل المجموعات السياسية المُستندة على نظريات دينية في قوله :

    (الخطورة الرئيسية تأتي من المجموعات السياسية المُستندة على نظريات دينية، أو علمانية تقوم على فلسفات توحي لمن يتبنوها بأنهم يحتكرون الحقيقة، وانهم بهذا لهم حق الوصاية على الشعب الذى يمنعه الجهل من أن يرى ما يرون. فهؤلاء لديهم مبادئ فوق دستورية مُختلفة تماماً عن تلك التى نقول بها يرفضون أن يخرج الدستور عنها، والفرق بين تلك المبادئ، والمبادئ التى ندعو لها، هو أن المبادئ التى نقول بها، هي مبادئ تهدف لمنع الطغيان، بينما تؤدي المبادئ التى يدعون لها إلى تكريس الطغيان).

    فبالرغم من تخوُّف الأستاذ/ نبيل من الإسلام السياسي وبعض الفلسفات العلمانية إلا أنه لم يشر في بحثه المذكور إلى مبدأ العلمانية أو الفصل بين الدين والدولة كضرورة يفرضها إستغلال الدين الإسلامي في الصراع السياسي لعقود من الزمان، ولم يُقدِّم علاج لطبيعة الدولة السودانية، غير أنه تحدَّث عن "عمى" المبادئ فوق الدستورية التي يطالب بها تجاه أي فكرة أو تكوين أو طبقة بقوله :

    (المبادئ الفوق الدستورية التى نُطالب بها لا تستند على فكرة، أو تكوين، أو طبقة، وهي تتمتَّع بعمى تام تجاه كل تلك التكوينات). فطرح "عمى" المبادئ فوق الدستورية يعني حسب فهمي المتواضع عمى الدولة السودانية تجاه تلك المُكوِّنات.
    والمبادئ فوق الدستورية في تقديرنا هي التي تضع إطار للمشرع الدستوري لصياغة الأحكام الخاصة بطبيعة الدولة في الدستور، لذا فإن طرح "عمى" تلك المبادئ تجعل المواطن البسيط يحتار هل المقصود هو طرح (الدولة غير المُنحازة) التي يطرحها وفد الحكومة الإنتقالية المفاوض؟، أم المقصود "الدولة المدنية" التي تطرحها القلة من الإسلاموعروبيين داخل قوى الحرية والتغيير؟ أو ربما المقصود هو العلمانية التي تطرحها الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال؟ علما بأن تلك الفلسفات العلمانية التي يتخوَّف منها لاعلاقة لها بالعلمانية التي تطرحها الحركة الشعبية فكرياً وفلسفياً وسياسياَ، والتي تقوم على مبدأ الفصل بين الدين والدولة، دون أن تحارب الدين أو الإيمان، إنطلاقاً من أن الدين يرتبط بالأشخاص الطبيعيين (البشر)، ويكون مجاله الضمير الشخصي للأفراد، بينما الدولة، هي شخص إعتباري (كالشركة والمنظمة والجمعية ...) لا دين لها، وهي ذات العلمانية التى تنادي بها الشعوب السودانية بإعتبارها الأنسب لإدارة التنوُّع والتعدُّد، وتتفهَّم وتستوعب بشكل جيِّد دور الأسطورة والأديان في حياة الكثير من تلك الشعوب. لذا فإن "العلمانية فوق الدستورية" و" العلمانية الدستورية" ضرورة تقتضيها طبيعة الدولة السودانية التي يستوجب عليها فصل الدين عن الدولة حتى تُحترَم مُعتقدات السُّكان أياً كانت ومهما تنوَّعت، وصون حقهم في الإعتقاد وفي مُمارسة الطقوس والعبادات، بما في ذلك حقوق رافضي التديُّن أيضاً، فلا يحق لها مسآءلتهم عن معتقداتهم ودياناتهم، وإنما مسآءلتهم عن أفعالهم وتصرُّفاتهم في حال شكّلت خرقاً للقانون.
                  

05-29-2020, 00:24 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    ثانياً : الديمقراطية التعدُّدية :

    تتبنَّى الدولة السودانية الدِّيمقراطيَّة التعدُّدية بإعتبارها ليست نظاماً للحكم فحسب وإنما هي أيضاً أفقاً فلسفياً وتربوياً، وتركيباً إجتماعياً وإقتصادياً. يأتي هذا التعريف للديمقراطية في سياق أن العملية الديمقراطية صيرورة * تاريخية وإجتماعية وثقافية مُتكاملة الجوانب، وإختزالها في الجانب السياسي فقط قد لا يُقدِّم فهماً عميقاً لها، ويُلاحَظ أن التعبير السياسي البسيط عن الديمقراطية في الوعي العام السوداني والذي تشاركه فيه معظم الشعوب الأفريقية والعربية هو الرغبة في التخلُّص من أنظمة الحكم الديكتاتورية والمُستبدَّة، وقد ساهم في إنتاج وترسيخ هذا الفهم السياسي القاصر للديمقراطية التجارب المشوَّهة لها في السودان ومعظم الدول النامية، والتي قادها دُعاة الأغلبية الثابتة والصراع المُغلق على السلطة و الذي ينتهي بمبدأ الكل أو لا شئ، وذلك لقصر نظر هؤلاء وحصر الديمقراطية في الجانب السياسي دون مُراعاة لتركيبتها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية، وبالتالي لم تؤسِّس تلك المحاولات المُسماة بالديمقراطية لمجتمع سوداني حر بل كرَّست لبناء مُجتمع مُتخلِّف تُسيطر عليه أنماط التفكير والخطاب المشيخي الذي يكرس للتعدُّدية الحزبية الطائفية والمستترة خلف أسلمة الديمقراطية بحجة (الأغلبية). فالقبول المُطلق لمفهوم الأغلبية والتي ينادي بها دعاة الديمقراطية التوافقية والليبرالية، لم يُميِّز إبتداء بين الأغلبية المُتغيِّرة، أي الأغلبيه السياسية/ المتحركة التي تُحدث وتتناسب مع الدول المُتعدِّدة عرقيا ،ثقافياً ودينياً، وتحدُث نتيجة لتجانس هذا المجتمع ووعي الفرد فيه، وفى ظلِّها يمكن أن تحصل الأقلية (المُتغيرة/ المتحركة/ الغير ثابتة) على أغلبية، فتتحوَّل من المعارضة إلى الحكم .

    و الأغلبية الثابتة / غير متحركة، أي الأغلبية العرقية أو الدينية أو الطائفية أو العشائرية أو القبلية أو أصحاب المصالح المشتركة التي تقابلها أقلية ثابتة / غير مُتحرِّكة أي عرقيه أو دينية أو عشائرية وغيرها، ولا توجد إمكانية لتحوُّل هذه الأقلية إلى أغلبية، وبالتالي لا يوجد ضمان لعدم قهرها بواسطة الأغلبية الثابتة ، وفي ذلك يقول الدكتور خالد الحروب (فالذي حدث ويحدُث في سيرورات* الإنتقال إلى الديمقراطية في المجتمعات غير المُعتادة عليها كما في حالات إفريقية وآسيوية وعربية عديدة، هو محاولة تركيب حداثة سياسية فوقية على بنى إجتماعية وثقافية غير حداثية بعد، وبهذا فإن ما يتم تحت الغطاء الحداثي السياسي المنقطع عن البنية التحتية للمجتمع هو أن البنى التقليدية الإثنية والطائفية والعشائرية تعيد إنتاج نفسها وفق التقطيع الديمقراطي التحزبي الجديد، وتصبح التعدُّدية الحزبية الإسم الرمزي للتعدُّديات والتنافسات الإثنية والطائفية والعشائرية التي يتأسَّس التصويت الإنتخابي لها، على قاعدة الولاء والتبعية العمياء وليس على قاعدة التقدير الموضوعي للمصالح الآنية والمستقبلات البُعدية ).

    ولا بد من تسليط الضؤ هنا على الجهد المُقدَّر الذي بذله الأستاذ/ نبيل أديب عبد الله – المحامي والذي أفرد مساحة جيّدة في بحثه المُشار إليه لشرح كيفية إدامة الديمقراطية في الدولة السودانية من خلال المبادئ فوق الدستورية، وتناولها بشكل مُطلق من جانبها السياسي مع ضرورة منع طغيان الأغلبية ومُراعاة حقوق الأقلية. وشدَّد على مسألة ديمقراطية الدستور والتي يرى أنها تبدأ وتنتهي في وثيقة الحقوق ... وقد إتَّفقنا معه في كثير مما ذهب إليه غير أننا تعمَّقنا بشكل أكبر في مسألة الديمقراطية إنطلاقاً من التجارب السودانية والتحليل الدقيق لجذور المشكلة السودانية، و وجدنا أن الديمقراطية التعدُّدية هي الأنسب لطبيعة الدولة السودانية، فالديمقراطية التعدُّدية بتركيبها الإجتماعي والإقتصادي تلتقي وترتبط عملياً بنظام إقتصاد السوق الإجتماعي الذي سيعالج مسألة العدالة الإجتماعية للشعوب السودانية من خلال السماح بتدخُّل الدولة لحماية وتنمية الفئات الضعيفة مثل النساء والمُهمَّشين عبر الإنحياز الإيجابي ولمعاجة المجالات التي تهم المجتمع السوداني ولا تدخل في إهتمامات السوق، أو المجالات التي يمكن أن تشوِّهها آليات السوق وتعتبر ضرورية للمواطن السوداني مثل الصحة والتعليم والثقافة وغيره.

    فالديموقراطية في حدها الأدنى نظام سياسي مفتوح لأنه، بالإضافة لحكم الأغلبية السياسية يتضمَّن إتاحة الفرصة للأقلية لأن تصبح أغلبية، وتؤسِّس لواقع التنافس المفتوح على السلطة بإفتراض وعي المجتمع والفرد وقدرته على التقدير الموضوعي للمصالح المشتركة للشعوب السودانية و المطروحة من قبل الأفراد أو التنظيمات السياسية. وتتمدَّد آفاق هذه الديمقراطية التعدُّدية تربوياً من خلال العمل على تجذير وترسيخ الوعي الديمقراطي التعدُّدي عبر المناهج التعليمية والحراك الحر للمجتمع في التوعية بها بإعتبارها الوصفة المناسبة من بين الديمقراطيات المطروحة لأن تتكيَّف وتتلاءم مع واقع الدولة السودانية المتنوِّع والمتعدِّد ثقافياً وعرقياً ودينياً، لذا من الوجوب أن تلتزم الدولة بتوفير شروطها المُتمثِّلة في الآتي :

    1. الإستقرار الدستوري المؤسَّس على علمانية المعايير والإعتراف بالتنوُّع والتعدُّد والتزام الدولة بحسن إدارته.

    2. توازن القوى على أساس الدولة الوطنية، بحيث يكون لكل جماعة حقها في الإعتراف بها كجماعة وعدم التغوُّل عليها ثقافياً، أو إقتصادياً، أو سياسياً، أو إقصاؤها من قبل جماعة أخرى؛

    3. إستقلال القضاء، حتى يكون ضامنا لحماية الديمقراطية ومنع الخروقات الدستورية؛

    4. مهنية أجهزة تطبيق وتنفيذ القانون؛

    5. الأمن والتعايش السلمي؛

    6. إحترام والإلتزام بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

    مبدأ الفصل بين السلطات :

    يُعد مبدأ الفصل بين السلطات أو فصل السلطات من المُرتكزات الأساسية للنظم الديمقراطية، لما فيه من تكرّيس لسيادة القانون، والحيلولة دون إستحواز شخص واحد على سلطات الدولة الثلاث، كما حدث في فترات الإنقلابات العسكرية في عهود كل من إبراهيم عبود و جعفر نميري والبشير والمجلس العسكري لثورة ديسمبر 2018م، ولا يُستثنَى من ذلك الفترة التى سُميت بالديمقراطية في عهد الصادق المهدي.

    نعني بالسلطة التنفيذية رئاسة الدولة والحكومة والجهاز الإداري للدولة، وتتولَّى مُهمة إدارة شؤون البلاد الداخلية والخارجية وتنفيذ التشريعات والقوانين، وليس كما فعل رئيس الوزراء الصادق المهدي برفض تنفيذ قرار المحكمة العليا في تصرُّف غريب ونسف بائن لأهم مُرتكز من مُرتكزات النظام الديمقراطي من شخص يدَّعي الإيمان بمبادئ و قيم الديمقراطية، مما حدا برئيس السلطة القضائية وقتها لتقديم إستقالته. كما على السطة التنفيذية الحفاظ على أمن البلد الداخلي والخارجي إضافة إلى الصحة والتعليم وباقي الخدمات العامة.

    وتختص السلطة التشريعية بمهام وضع التشريعات وسن القوانين وتقوم بالتصديق على المعاهدات الدولية، والموافقة على قرار إعلان حالة الطوارئ وإعلان الحرب، كما تتولَّى مراقبة أداء المسؤولين في الحكومة وتشرف على موارد الدولة ونفقاتها، والموافقة على ميزانية الدولة.
    وقد تطرَّقنا في سلسلة مقالاتنا : (فلسفة التشريع في السودان الجديد) للخلل الذي تعانيه الدولة السودانية في مُمارسة العملية التشريعية والتي لا تُعبِّر عن التنوُّع والتعدُّد الموجود في السودان ولا تلتزم أو حتى تحترم العهود والمواثيق والإعلانات الدولية فيما يتعلَّق بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بعد أن إعتمدت الدولة الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع وهو الأمر نفسه الذي تسير على نهجه بعض مُكوِّنات الحكومة الإنتقالية في تضليل جديد للشعب السوداني بمُسمَّى (الدولة المدنية، أو الدولة غير المنحازة) كما أشرنا آنفاً.

    أما السلطة القضائية فتختص بتفسير القوانين وتطبيقها، والفصل في النزاعات بين الأشخاص وإحقاق العدالة، وتشرف على عمل المحاكم، كما تشرف على الإنتخابات وفرز الأصوات، بالإضافة إلى مُهمة الرقابة على دستورية القوانين عبر المحكمة الدستوري، أو الدائرة الدستورية في المحكمة العليا.
    تُعاني السلطة القضائية في الدولة السودانية من عدم الإستقلالية، ويتَّضح ذلك في تبنِّيها وتطبيقها للقوانين آنفة الذكر، علما بأن تلك القوانين لاتحترم حقوق الإنسان ولا تراعي التنوُّع والتعدُّد، بل كرَّست للتمييز الديني والعنصرية من خلال تبنِّيها لقانون أصول الأحكام القضائية، والذي قضى على أهم مسؤلية للسلطة القضائية وهو تحقيق العدالة بين المواطنين. فمسألة التنوُّع والتعدُّد العرقي، الديني، والثقافي للشعوب السودانية أقدم من الدولة السودانية في التاريخ والمعاصرة، لذا كان ينبغي للسلطة القضائية أن تأخذ به علماً قضائياً وتضطلع بدورها الصحيح في تحقيق العدالة. وترفض تطبيق القوانيين التي تُميِّز وتُفرِّق بين المواطنين السودانين. وتُبادِر كمؤسَّسة مُحايدة للمطالبة بقوانين تُعبِّر عن هذا التنوُّع والتعدُّد وتحترم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتُساعد القُضاة على إصدار أوامرهم وأحكامهم بشكل يحتمل أن يُحقِّق العدالة والإنصاف.

    ثالثاً : الإعتراف بالتنوُّع وحسن إدارته :

    عترف الدولة بالتنوُّع والتعدُّد العرقي، الاثني، ،الثقافي والديني وتلتزم بإدارة هذا التنوُّع بما يضمن وحدة الدولة السودانية . ظل عدم إعتراف الدولة بالتنوُّع والتعدُّد أحد المشاكل التي خلقت أزمة الهوية، ومن ثم ساهمت أزمة الهوية بدورها في خلق عدم المساواة الهيكلية بين مكوِّنات المجتمع السوداني، فأصبحت الهوية التي تتبناها الدولة (الإسلاموعروبية) تخلق إمتيازات في حيازة السلطة والثروة والمنافع الإجتماعية الرمزية لبعض المُكوِّنات وتستخدم كل آليات الدولة من أجل الحفاظ عليها، وفي الوقت ذاته تتحوَّل هذه الإمتيازات نفسها إلى موانع (تروس) هيكلية تمنع المكوِّنات السودانية الأخرى التي لا تنتمي للهوية الإسلاموعروبية من حيازة السلطة والثروة والمنافع الإجتماعية الرمزية. وللخروج من هذه الأزمة يجب أن تعترف الدولة بهذا التنوُّع وليس ذلك فحسب، وإنما الواجب يُحتِّم عليها حسن إدارة هذا التنوُّع والتعدُّد وهو الأمر الذي فشلت فيه كل الأنظمة التي تعاقبت على الحكم بعد خروج المستعمر. لذا فإن إدارة هذا التنوُّع بشكل صحيح لا يمكن أن يتحقَّق إلا في ظل نظام حكم علماني ديمقراطي تعدُّدي، قائم على الحرية والعدالة والمساواة.

    رابعاً : التأكيد على إحترام المواثيق الدولية :

    إقرار حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والإلتزام بكافة المواثيق الدولية التي تفرَّعت عنه كأحد المبادئ فوق الدستورية في الدولة السودانية لأمر ضروري، ونُؤكِّد عليه بإعتباره من المباديء فوق الدستورية العالمية التي ينبغي أن تلتزم بها كل دولة عضو في منظمة الأمم المُتَّحدة وتعمل على إنزال هذه الحقوق والحريات الأساسية بشكل فعلي وعملي في دساتيرها وقوانينها، إلا أن الدولة السودانية ظلَّت مُتصدِّرة لقوائم أسوأ دول العالم إنتهاكاً لحقوق الإنسان.

    ولما كانت هذه المواثيق تُمثِّل نتاج لكفاح الإنسانية المُستمر من أجل التحرُّر من العبودية والتسلُّط والقهر ونيل العدالة والمساواة والكرامة، وأصبحت تُشكِّل مُكتسبات إقتضتها طبيعة آدمية الإنسان المادية والجسدية والروحية والعقلية، وهي مُكتسبات يتمتَّع بها جميع البشر كونهم بشر وبدونها يفتقد الناس كرامتهم وآدميتهم.
    فبالرغم من عالمية هذه القيم والمبادئ إلَّا أن طبيعة المُشكلة السودانية تقتضي بالضرورة التأكيد عليها وإنزالها إلى مستوى الوطن لتكون جزء من المبادئ والقيم الوطنية التي تخرج البلاد من دائرة الإقتتال إلى فضاءات السلام الدائم.

    خامساً : إقرار اللا مركزية :

    تُعرَّف اللاّمركزية على أنها : (عدم تركيز السلطة بمستوى إداري واحد، وتوزيعها على المستويات الإدارية المُتعدِّدة في المؤسّسة أو الدولة) وهي عكس المركزيّة.

    ويُعرِّفها عالم الإدارة – وايت بأنها : (عملية نقل السلطة بأنواعها التنفيذية والاقتصادية والتشريعية من مستوى إداري أعلى إلى مستوى إداري أدنى).

    أما العالم (ماديك) فعرَّفها على أنها : تتكوّن من مُصطلحين : المصطلح الأول هو "تفكيك السلطة"، ويقصد به : (قيام الإدارة المركزية بتفويض السلطة إلى إدارة بعيدة جغرافياً للقيام بمهام معينة). والمُصطلح الثاني هو : "تخويل السلطة" . ويُقصد به : (منح السلطة الدستورية بعض صلاحياتها للقيام بوظائف معينة). مما تقدَّم نستنتج بأنّ اللاّمركزية ترتبط بالمركزية إرتباطاً مُباشراً، حيث إنّها عملية تفويض السلطة والصلاحيات إلى مستويات إدارية أدنى بهدف تفعيل دور المشاركة الإدارية، والمُساهمة في إتخاذ القرارات الإدارية، وتيسير وتسهيل العمل الإداري.

    لذا فإننا نرى ضرورة أن تقر الدولة نظام حكم لامركزي حقيقي يجعل السلطة قريبة من الشعب ويتَّسم بالمُشاركة الشعبية، والشفافية، والمُحاسبة، وإحترام حكم القانون، وذلك لخلق بيئة مناسبة لتسريع التنمية الإقتصادية، والإجتماعية وتحقيق الرفاهية. على أن يتأسَّس هذا النظام اللامركزي على الآتي :

    1. إعادة هيكلة السلطة المركزية بصورة جذرية تلتزم بمصالح كل السودانيين، خصوصاً في المناطق والمجموعات الإقتصادية، والإجتماعية المهمشة والفقيرة؛

    2. إعادة تعريف العلاقة بين المركز والأقاليم، ومنح سلطات أوسع لهذه الأقاليم؛

    3. تقوية أجهزة الحكم المحلي لممارسة الصلاحيات الدستورية والقانونية؛

    سادساً : رفض أي توجُّه ديكتاتوري أو إنقلابي :

    أن ترفض الدولة مُطلقاً أي توجُّه أو موقف يهدف إلى إقامة دكتاتوريَّة عسكريَّة أو مدنيَّة أو يهدف لإجهاض النظام العلماني الدِّيمقراطي مهما كانت المُبرِّرات.

    سابعاً : المقاومة الشعبية ومُمارسة حق تقرير المصير :

    في حالة الإعتداء أو تقويض أو تشويه النِّظام العلماني الدِّيمقراطي أو نظام الحكم اللامركزي من أي مصدر كان، يحق للشعوب السودانية مقاومة الإعتداء، أو التقويض أو التشويه بكافة الوسائل، كما يحق للشعوب المُتضرِّرة مُمارسة حق تقرير المصير.
    ثامناً : القوات النظامية السُّودانيَّة:

    تُشكِّل القوات النظامية السودانية بكل فروعها المُختلفة بعد الفترة الإنتقالية درع الشَّعوب في الدفاع عن الأمن، ويلزمها تكوينها بالدفاع عن النظام العلماني الدِّيمقراطي الذي إختارته الشعوب السودانية، لذلك تلتزم بعدم الإمتثال لأي أوامر تهدف إلى تقويض أو تشويه أو الإطاحة بالنظام العلماني الديمقراطي أو نظام الحكم اللامركزي، أو التنوُّع والتعدُّد وحسن إدارته.

    تاسعاً : القوات المُسلَّحة السودانية :

    إنَّ القوات المسلحة مؤسَّسة قوميَّة يتم إعادة هيكلتها، و يوكَل لها شرف الدفاع عن التراب السُّوداني وحماية النظام العلماني الدِّيمقراطي اللامركزي وفق القرار السياسي، ولا يجوز لأي جهة سياسيَّة أو نقابيَّة أو شعبيَّة أو طائفيَّة أو دينية أن تنشئ أو تؤيِّد داخلها مراكز قوة أو نفوذ. كما لا يجوز للقوات المُسلَّحة أن تنحاز لأي جهة سياسيَّة أو نقابيَّة أو شعبيَّة أو طائفيَّة أو دينية. ولا يجوز لها أن تتصدَّى للقضايا السياسيَّة كمؤسَّسة، وهي ملك للشَّعوب السُّودانية.

    وتنبع أهمية إعادة هيكلة القوات المُسلَّحة السودانية لكون تأسيسها في 26 يناير 1925 بواسطة المستعمر البريطاني كان بغرض تحقيق أهداف إستعمارية تتمثَّل في القيام بالدفاع عن السلطة الإستعمارية وسياستها، و قمع مقاومة الوطنيين. وبعد خروج المستعمر الأجنبى ، واصلت نفس مهامها التي حدَّدها لها المُستعمر فى الدفاع عن مالك السلطة فى الخرطوم و سياساته غض النظر عن كونها ظالمة أم عادلة. وفوق ذلك فإن تركيبة القوات المُسلحة لم تُعبِّر عن، أو تعكس المُكوِّنات السودانية المُتعدِّدة والمُتنوِّعة، وظلَّت أسيرة لدى مجموعات و إثنيات مُحدَّدة. كما أن القوات المُسلحة بعد خروج المُستعمر لم تخض أي حرب خارجية بغرض حماية التراب والسيادة السودانية، وفي المقابل خاضت طيلة الخمسة و ستين سنة الماضية حروب الإضطهاد والعنصرية والقهر ضد الشعوب السودانية المُهمَّشة، وصلت مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. وزد على ذلك أنها ظلت تُشكِّل عائق أمام نضالات الشعوب السودانية من أجل التوصُّل إلى عقد إجتماعي حقيقي يعالج جذور المشكلة السودانية وذلك بإصرارها على فرض وتكريس مشروعية العنف والغلبة .

    وبنظرة فاحصة لطبيعة الجذور التاريخية للمشكلة السودانية يمكنا أن نعرف هذه المباديء فوق الدستورية على أنها :

    (مجموعة من المبادئ والقيم التي تقِرُّها آليات صناعة الدستور الدائم، وذلك لوضع حد نهائي للتهميش والإضطهاد والقهر الذي تُمارسه الدولة على شعوبها بسبب إختلافهم في الثقافة أو العرق أو الدين أو غيره، على أن تكون هذه المبادئ والقيم دائمة ومُلزِمة يمنع إلغاؤها أو تعديلها أو مُخالفتها).
    وقد ذهبنا لصياغة و تلخيص هذه المبادئ والقيم في تسعة نقاط تُمثِّل في تقديرنا أفضل الطرق للحفاظ على ما تبقَّى من الدولة السودانية موحَّداً.
                  

05-29-2020, 00:28 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    الفصل الرابع
    آليات صناعة الدستور وإجازته في الدولة السودانية

    الفصل الرابع

    آليات صناعة الدستور وإجازته في الدولة السودانية

    في هذا الفصل ستناول آليات صناعة الدستور في الدولة السودانية وكذلك الآليات التي يتم بها إجازة تلك الدساتير.

    أولاً : آليات صناعة الدستور :

    بجانب الآليات الفنية، فقد جرى العُرف الدستوري السوداني على إقرار و إعتماد المنابر التفاوضية مع الحركات المُسلَّحة كجزء من آليات صناعة الدستور. حيث لعبت مُخرجات تلك المنابر دوراً هاماً فى عملية التطوُّر الدستوري فى البلاد أكثر من ثلاثة مرات. هذا و سنعرض لتفاصيل ذلك أدناه.

    1/ المنبر التفاوضي :

    بالرجوع إلى تاريخ الدساتير السودانية نجد أن هناك ثلاثة دساتير كانت تُعتبر منابر التفاوض أحد أهم الآليات الضرورية في صناعتها، وهي على النحو التالي :

    (أ)- دستور السودان الإنتقالي لسنة 1973 :

    كان أحد آليات صناعته هو منبر مُحادثات السلام بإديس أبابا بين الحكومة السودانية وأنانيا (2) بقيادة جوزيف لاقو سنة 1972.

    (ب)- دستور جمهورية السودان لسنة 1998 :

    كان أحد آليات صناعته هو منبر مُحادثات السلام بين حكومة جمهورية السودان والمنشقِّين من الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وهم الحركة الشعبية لإستقلال جنوب السودان بقيادة د/ رياك مشار و د. لام اكول، ولاحقاً الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة بقيادة القادة المناوبين/ محمد هارون كافي ويونس دومي كالو في سنة 1997.

    (ج)- دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005 :

    حيث كان منبر مُحادثات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان أحد آليات صناعة هذا الدستور.
    الجدير بالذكر هو أن المنبر التفاوضي يقوم بنفس الأدوار ويُحقِّق نفس أهداف المؤتمر الدستوري ولكن عبر ديمقراطية حقيقية وليس عبر صفوة، طالما أطراف التفاوض يُمثِّلون الشعب السوداني ويُشكِّلون مُعظم الرؤَئ والأفكار المتنوِّعة والمُتعدِّدة للتنظيمات المُختلفة في الدولة السودانية.

    2/ المفوضية الدستورية :

    تُعتبر المفوضية أحد آليات صناعة الدستور المُهمَّة وقد تناولها الأستاذ/ نبيل أديب في بحثه الذي لم يشر فيه صراحة إلى أي آلية أعلى منها وتضع لها الأساس الدستوري كالمنبر التفاوضي من حيث أهميته في صناعة الدستور، وقد أشار الكاتب إلى : (...إشراك الجميع في صناعة الدستور ومنحهم الزمن الكافي للحوار..) فهل مُشاركة الجميع في صناعة الدستور سيكون من خلال الأطراف المتفاوضة في المنبر التفاوضي، أم أنه تلميح للمؤتمر الدستوري الذي تجاوزه الزمن؟.

    و إتّفق مع الأستاذ/ نبيل أديب من حيث المبدأ على ضرورة وجود مفوضية كآلية لصياغة الدستور، بالرغم من أنه قد ركَّز على آليات صناعة الدستور الإنتقالي وليس الدستور الدائم، كالإعلان الدستوري والمفوضية.

    و جاء إختلافنا عند ربطه لتكوين المفوضية بموافقة "الأحزاب التاريخية" !! ويتَّضح جلياً أن الأستاذ/ نبيل لم تكن في حساباته الحركات المسلحة. كما أن هذا الربط جعل البعض يتسآءل عن ماهي تلك الأحزاب التاريخية التي تتحكَّم في إرادة الشعوب السودانية الثائرة ؟ وما دورها في الثورة ؟ ولا أدري كيف فاضل و وازن الأستاذ/ نبيل بين الثورة والثُّوار وتلك الأحزاب التاريخية ؟ علماً بأن هذا المقال قد نشر بتاريخ 29 نيسان إبريل 2018 أي بعد سبعة أيام من سقوط البشير وقبل مجزرة فض الإعتصام أمام القيادة العامة لقوات الشعب المُسلَّحة.

    وتعود نقطة إختلافنا إلى أننا نرى أن المفوضية الدستورية يجب أن يُتَّفق عليها شكلاً وموضوعاً (التكوين، والمهام) في المنبر التفاوضي ومن ثم تقوم بصياغة وتضمين نصوص الإتفاق في الإعلان الدستوري الذي سيحكم الفترة الإنتقالية التي سيتَّفق عليها في المنبر التفاوضي، و على أن يُشكِّل هذا الدستور الإنتقالي مشروع الدستور الدائم، وتقوم المفوضية بتصميم برامج وفق القانون لإنزال هذا الدستور للشعوب السودانية ومن ثم عرضه عليهم في إستفتاء شعبي بعد إنفاذ برامج العودة الطوعية والإحصاء السكاني وغيره من التدابير ذات الصلة و قبل نهاية الفترة الإنتقالية و إجراء أي إنتخابات .

    ثانياً : آليات إجازة الدستور الدائم :

    1/ البرلمان :

    معظم الدساتير السودانية منذ خروج المستعمر و إلى اليوم، تمت إجازتها من قبل البرلمان، ولم تنتج لنا دستوراً دائما يعالج جذور المشكلة السودانية. وظلَت الدولة تُحكم بدساتير مؤقَّتة أو مراسيم جمهورية إلى اليوم. وقد سار الأستاذ/ نبيل في نفس النهج مع إضافة آلية إجازة جديدة وذلك بقوله :
    (..عقب ذلك تقوم المفوضية بإقتراح مسودَّة موحَّدة تتم إجازتها بواسطة جمعية تأسيسية مُنتخبة، ومن ثم عرضها على الشعب لإجازتها بإستفتاء ولكن هذه المسودَّة يجب أن تحتوي على المبادئ فوق الدستورية التي تمَّت الإشارة إليها والتي لا تستطيع أى أغلبية أن تستبعدها...). هذه الفقرة تشتمل على مُغالطة قانونية وتشريعية ولو تم العمل بها ربما تخلق مُغالطة أو عيب دستوري، وهو إجازة نفس الدستور فى مرحلتين من نفس الشعب، عبر مُمثِّليه المُنتخبين في البرلمان مرة، ويُجاز كذلك من الشعب نفسه بشكل مُباشر في إستفتاء مرة أخرى. !!
    في تقديرنا فإن البرلمان في هذه الحالة لا يجيز الدستور وإنما يأخذ علم بالدستور من المفوضية ويتبنَّى سياسة المفوضية المُصمَّمة وفق القانون لإنزال والتعريف بهذا الدستور للشعوب السودانية التي تجيزه في إستفتاء.

    2/ الإستفتاء:

    وهو أن يتم عرض الدستور الإنتقالي الذي يُشكِّل مشروع الدستور الدائم للشعوب السودانية لإبداء رأيها فيه بطريقة مُباشرة بالقبول أو الرفض، بعد أن إتَّفقت الأطراف المتفاوضة على المبادئ فوق الدستورية وأحكام ذلك الدستور في المنبر التفاوضي، وتم إفراغ وتضمين ما أتفق عليه في الإعلان الدستورى، و تمَّت صياغته بواسطة المفوضية الدستورية المُتَّفق عليها. وقد إتفقنا مع الأستاذ/ نبيل أديب في هذه الآلية الجديدة لإجازة الدستور الدائم أي آلية الإستفتاء الشعبي .
    بعد ثورة ديسمبر 2019م فإن الضرورة تقتضي إحداث قطيعة تاريخية مع الماضي المُظلم، والإتجاه بكل صدق نحو إحداث تحوُّل ديمقراطي حقيقي، و لإستثنائية الدستور القادم كمعالج لجذور المشكلة و السعي لإضفاء صفة الديمومة عليه، فإن المسؤولية تقتضي أن يُجاز عبر إستفتاء شعبي وذلك حتى تتحمَّل كل الشعوب السودانية مسؤليتها التاريخية في الإبقاء على الدولة السودانية موحَّدة أو القيام بدفع أجزاء أخرى منها للإنفصال .
    نتيجة الإستفتاء وآثارها :

    في حالة إقرار الشعوب السودانية لذلك الدستور الذي تحكمه المبادئ فوق الدستورية، تبقى الدولة السودانية موحَّدة وتُحكَم بذلك الدستور، أما إذا لم تَقِر الشعوب السودانية ذلك الدستور، فإن ذلك يعني إعلان إنفصال إقليمي جبال النوبة والفونج مُباشرة، ويتم تأكيد ذلك من داخل برلماني الإقليمين في نهاية الفترة الإنتقالية.
    ختاماً : فإننا و من أجل سلام حقيقي ودائم، وتحقيقاً للإنسانية، نُجدِّد نداؤنا وبقوة لكل الشعوب السودانية أينما وجدوا للإلتفاف حول هذه المبادئ ودعمها وإقرارها بوعي بعيداً عن حسابات الهزيمة و الإنتصار المُنطلقة من إعتبارات المصالح الذاتية و الحزبية الضيقة، لكونها تُعبِّر عن أصوات ورغبات كل من سقطوا من شهداء الوطن في الكفاح المُسلَّح والنضال السلمي ضد حكومات ما بعد خروج المُستعمر وإلى الآن، وتُعبِّر عن تطلُّعات النساء والشباب والجرحَى والأرامل والأيتام والمُعاقين وكل الشعوب المُهمَّشة، وتهدف إلى بناء دولة سودانية قوية وموحَّدة على أسُس جديدة – دولة تسع الجميع .

    المراجع :

    1/ فكرة المبادئ فوق الدستورية – نادر جبلي – مركز حرمون للدراسات المعاصرة – وحدة المقاربات القانونية – الدوحة 18 تموز/ يوليو2016م.
    2/ الفرق بين المبادئ فوق الدستورية .. والمواد المُحصَّنة – فريق تحرير صحيفة فكّر تاني الإلكترونية.
    3/ ملف الدستور..المبادئ فوق الدستورية ترف أم حاجة – منى أسعد – كاتبة ومحامية سورية – 2019م.
    4/ المبادئ فوق الدستورية تتنافى مع الديمقراطية – د. عادل عامر – الخبير في القانون العام – أغسطس 2011م.
    5/ المبادئ فوق الدستورية ركن رابع لبقاء الدولة السورية – المحامي عماد شيخ حسن - مركز ليكولين للدراسات القانونية – المانيا.
    6/ دستور الولايات المُتحدة الأمريكية / دستور دولة فرنسا / دستور دولة ألمانيا / دستور دولة تركيا / دستور دولة بنغلاديش.
    7/ الديمقراطية.. الجذور وإشكالية التطبيق – محمد الأحمري – الشبكة العربية للأبحاث والنشر- 2012م – بيروت – ص 165 – 172.
    8/ مفهوم الأغلبية في الفكر السياسي المقارن - د.صبري محمد خليل/استاذ الفلسفه بجامعة الخرطوم.
    9/ الشرط الإجتماعي الثقافي للديمقراطية السياسية – دكتور/ خالد الحروب – الإتحاد الإلكترونية – نوفمبر 2006م.
    10/ منفستو الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال – 9/أكتوبر/2017م.
    11/ دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال لسنة 2017م.
    12/ لماذا ننادي بإعادة هيكلة القوات المُسلَّحة وبناء جيش وطني جديد؟ (2 – 2) - الجاك محمود أحمد الجاك.
    13/ ورقة فلسفة التشريع في السودان الجديد – متوكل عثمان سلامات – ص 31 – 32 – 2019م.
    14/ إعلان سياسي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال والتحالف الوطني السوداني – 25-فبراير- 2020م.
    15/ المبادئ فوق الدستورية وإستدامة الديمقراطية – نبيل أديب عبدالله – المحامي – 29- نيسان-إبريل - 2018م.
                  

05-29-2020, 00:33 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)



    الفصل الخامس
    سلطة الأغلبية وحقوق الأقليات
    مولانا/ إدريس النور شالو







    سلطة الأغلبية وحقوق الأقليات
    مولانا/ إدريس النور شالو
    مقدمة :
    تاريخ السودان يوضّح بجلاء فشل النخب الحاكمة منذ خروج الإستعمار فى إيجاد إجابة وتعريف مُتَّفق عليه للأسئلة المركزية لهوية و طبيعة الدولة السودانية وكيف يحكم ؟ ، وبل صار الصراع بينهم فى مَنْ يحكم، وقد أدّى هذا الفشل الى حروب دامت ستة عقود وما زالت مُستعِرة الى تاريخ اليوم، ولم تسعى هذه الجماعة الحاكمة فى الشمال الى البحث عن الأسباب الجذرية التى تقود للحروب والسعى الى معالجتها و إنهاء المظالم التاريخية، بل عمَّقتها بإصرارها على الإبقاء على نموذج الدولة الإقصائية.
    وقد وظّفت النخب الحاكمة عوامل الهويات المختلفة الدينية أو الإثنية وغيرها وإدِّعاء الأغلبية وذلك من أجل حماية مصالحها وإمتيازاتها الموروثة، وكانت نتيجتها نشوب الحروب فى كافة أرجاء البلاد وهوامشه وتفشِّي العنف تعبيراً عن الغُبن والمظالم التي طالت مُعظم القوميات وأقاليم السودان، و بسبب هذا الصراع بلغ التشظِّي والإنقسام مداه ممثلاً فى العنف بكافة صنوفه سياسياً ومجتمعياً وثقافياً مما قاد الى ذهاب ثُلث مساحة و سكان السودان بإستقلال جنوب السودان عام 2011 وإحتمال إنسلاخ أقاليم أخرى وإستقلالها ما يعنى ذهاب وتلاشي دولة السودان. والآن بعد ثورة ديسمبر التى أطاحت برأس النظام فالظروف صارت مواتية لإرساء مبادئ تُشكِّل منصة تأسيس لدولة إستيعابية لجميع السودانيات والسودانيين وتحصين النصوص الدستورية ومنع تعديل الأسس التى تقوم عليها الدستور والتى تُغيِّر تماماً من طبيعته.

    الديمقراطية :

    الديمقراطية التعدُّدية هي شكل من أشكال أنظمة الحكم يتيح سبلاً مُعتبرة يستطيع فيها غالبية المواطنين من ممارسة التأثير فى صنع القرارات و السياسات، وهي منظومة سياسية و إجتماعية وإقتصادية وثقافية متكاملة يكفل فيها حرية الصحافة و الرأي وحرية الوصول الى المعلومات، وقد عُرِّفت بأنها حكم الشعب لنفسه. غالبية المواطنين المقصودة هنا لا تعني أغلبية عددية معينة من سكان أو شعب دولة و انما يُقصَد بها أغلبية سياسية تُنتخَب لادارة شئوون الدولة لفترة زمنية محدودة و يُشترَط فيها القبول بعقد إجتماعي تتَّفق عليه ل مُكوِّنات المجتمع المُختلفة، وجوهر الديمقراطية هو أن تحكم الدولة من قبل الأغلبية دون تجاهل لتطلُّعات وهموم الأقلية.

    الأغلبية :

    الأغلبية مفهوم مركزي في المُمارسة الديمقراطية التعدُّدية رئاسية كانت أم برلمانية، والأغلبية هي الأكثرية، وهي مُصطلح شائع في الحياة السياسية الديمقراطية، وتعني النزعة أو التوجُّه الأعم للناخبين في اقتراع ما، ولمفهوم الأغلبية دلالة مُماثلة في المجالس التمثيلية (البرلمانات)، إذ يعني أغلبية الأعضاء الداعمة عادة للحكومة القائمة ، وتُطلق الأغلبية في نطاق أوسع على التشكيلات السياسية التي تمتلك أغلب مقاعد البرلمان وأحيانا النقابية والمهنية، كما تُطلق على مجموع الأحزاب والمنظمات السياسية الداعمة للحكومة أو الرئيس، بحسب الأنظمة السياسية. ومفهوم الأغلبية بات قطبَ الرحى في التناوب السياسي الذي هو جوهر الديمقراطية في مستوياتها المؤسَّساتية ومفهوم حكم الاغلبية مُرتبط بالمُمارسة الديمقراطية و هى فى هذا السياق ليست أغلبية دينية أو عرقية إنما أغلبية سياسية يمكن أن تخسر الإنتخابات و تتحوَّل إلى أقلية.

    وتُعد "الأغلبية المطلقة" : أكثر أنواع الأغلبية شيوعاً لإعتمادها في كثير من الأنظمة السياسية، وتعني الحصول على ما فوق نصف عدد الأصوات ولو بصوتٍ واحد (50% +1). وهنالك (الأغلبية النسبية) وهي أحد مُرتكزات النظام البرلماني القائم على إتاحة أوسع تمثيل ممكن للقوى السياسية وإتجاهات الرأي العام، وتتحقَّق الأغلبية النسبية لقوة سياسية مُعيَّنة إذا حصلت على أعلى نسبة من المقاعد في الإنتخابات مُقارنةً بكل منافس لها على حدة. و (الأغلبية البسيطة) هي نوع من الأغلبية النسبية، وتعني أن يحصل حزب أو قوة سياسية على عدد من الأصوات أو المقاعد أعلى من منافسيه كل على حِدة..

    "الأغلبية المؤهَّلة" : وهي أغلبية تُمكّن من تمرير قوانين أو تعديلات تهم الحياة العامة تكون عادة مرهونة بعتبة مُعيّنة، وغالبا ما تشترط هذه الأغلبية لإجازة التعديلات ذات الحساسية الشديدة. فتمرير التعديلات الدستورية في البرلمان في بعض الدول، يتطلَّب أغلبية الثلثين كأغلبية مؤهلة. وفي دول أخرى يمكن تعديل الدستور دون الحاجة لإستفتاءٍ شعبي إذا زكَّت أغلبيةٌ تفوق الثلثين التعديلات المعروضة. وفي مجلس الأمن الدولي مثلاً، يُشترط لتمرير أي قرار حصوله على أصوات تسعة أعضاء من أصل 15، مع شرط إضافي هو أن لا تعترض أي من الدول الخمس الدائمة العضوية على القرار.
    "الأقلية المُعطَّلة" : تعني الأقلية المُعطَّلة أن تحقيق الأغلبية في هيئة مُعينة لا يعني ضرورة التحكُّم فيها بشكل مطلق وفرض رؤية أحادية على الشركاء الآخرين، فمبدأ الأغلبية المؤهَّلة يُقابله مفهوم الأقلية المُعطَّلة التي هي الفارق بين عدد أصوات الأغلبية أو مقاعدها وبين مجموع أصوات الهيئة الناخبة.

    الأقلية :

    أما الأقلية فتُعرف بأنهم جماعة يتمايزون عرقياً أو دينياً أو لغوياً أو قومياً عن بقية أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه، وقد إختلف الباحثون حول تعريف الأقلية ذلك لأن مفهوم الأقلية يختلف بإختلاف الأقلية نفسها ودرجة قوتها، فهو يستلهم دائما الظرف التاريخي الذي يعطيه شحنته و أبعاده الإجتماعية التي يمكن أن تتراوح بين المُطالبة بالمساواة الى الدعوة للإستقلال وتكوين دولة منفصلة .

    و يمكن تمييز ثلاثة إتجاهات فى تعريف الأقلية :

    الإتجاه الأول : يستند فى تعريف الأقلية على عدد أعضائها مقارنة بعدد بقية الجماعات الموجودة فى نفس الإقليم. هذا الإتجاه تعرَّض لإنتقادات عدة لأنه يؤدِّي الي نتائج مُضلِّلة فمثلا فئة الجلابة فى السودان هم أقل عددا من بقية أهالي الهامش فى السودان لكنهم ليسو أقلية بإعتبار هيمنتهم على جميع مفاصل الدولة، فهم رغم قلتهم العددية ولكنها (أقلية مُهيّمنة)، فالمعيار الحقيقي ليس عدد أفراد الجماعة وإنما درجة أهميتها ونفوذها السياسي والاقتصادي و تماسُكها و تنظيمها.

    الإتجاه الثاني : فيُعرِّف الأقلية إعتماداً على الوضع السياسي والاقتصادي و الإجتماعي وبالتالي فالأقلية هى كل جماعة مُستضعفة ومقهورة سياسياً، أو مظلومة إقتصادياً أو مُهمَّشة إجتماعياً.
    أما الإتجاه الثالث : فقد حاول التوفيق بين الإتجاهين السابقين فيُعرِّف الأقلية بأنها "الجماعة الأقل عدداً وغير المُسيّطرة".

    وعرّف البعض الأقلية بأنها : (جماعات تحتل وضعاً إجتماعياً أدنى من الآخرين ضمن المجتمع نفسه، وتتمتَّع بحقوق أقل قياساً بالجماعات المُسيطرة فى المجتمع، كما أنها تشعر بوحدانيتها أو عزلتها وخضوعها لمعاملة تمييزية من جانب أخر من الأغلبية).
    وقد عرَّفت الأمم المتحدة الأقلية، أنها : (جماعة من المواطنين فى دولة ما يُشكِّلون أقلية عددية ويكونون فى وضع غير مُسيّطر ولهم خصائص عرقية أو دينية أو لغوية تختلف عن خصائص أغلب السكان، ويكونون لديهم شعور بالتضامن فيما بينهم يشجعه وجود إرادة جماعية في البقاء كجماعة مُتميزة ، وهدفهم هو تحقيق المساواة مع الأغلبية).

    مفهوم العقد الإجتماعي :

    توصَّل المُفكِّر جان جاك روسو عام 1762م إلى نظرية العقد الإجتماعي من خلال نظرته للطبيعة البدائية التي كانّ يعيشها الإنسان بحالة من العشوائية ، حيث رأى أنّه كان لفرض القوانين التي نظمت حياة الناس أساساً لزيادة شعورهم بالمسؤولية والأخلاق، إلى جانب الإلتزام المدني، ويُشير مُصطلح العقد الإجتماعي إلى ذلك العقد المُبرم بشكل فعلي أو افتراضي بين طرفين؛ كالحكومة والشعب، أو الحاكم والمحكوم، بحيث تُحدِّد بموجبه الحقوق الخاصة بكل فئة والواجبات المفروضة عليها.

    إن العقد الإجتماعي هو الشرط الضروري والملازم لكل سلطة شرعية، وهذا العقد يُمثِّل في الوقت نفسه من منظور روسو مرحلة مُحدِّدة من التطوُّر التاريخي يُشير إلى الإنتقال من الحالة الطبيعية إلى المجتمع المدني، وان ما يخسره الإنسان من جرَّاء العقد هو حريته الطبيعية والحق اللا محدود في كل ما يستطيع أن يبلغه. وهكذا نجد أن العقد الإجتماعي لا يتمخَّض، من منظور روسو عن تكوين المجتمع كتنظيم سياسي فحسب، وإنما يُحدِّد أيضاً العلاقات المُتبادلة بين الشعب وبين الذين إنتخبهم كيما يحكموه، وقد كان العقد الإجتماعي بداية إختمار فكرة الدساتير الحديثة التي قامت على أساس تمثيل الإرادة الشعبية العامة. فى سبيل ذلك من الضروري أن تجتمع كل شعوب السودان المُختلفة وبإرادتهم الحرة، ويُمثِّلون أقاليمهم المُختلفة ليُعبِّروا عن مصالحهم، ففي ذلك يؤسِّسون للإجابة على السؤال المحوري، وهو كيف لهم أن يعيشوا في هذه الرقعة الجغرافية في أمن وسلام دائمين؟ والإجابة على ذلك هي، القيام بإبعاد كل المسائل الخلافية من العمل العام، فالمسائل الخلافية، مثل إقحام الدين في السياسة، أو تحديد عرق بعينه لإدارة شئون الدولة، أو تفضيل ثقافة مُحدَّدة لتُهيّمن على بقية الثقافات، مثل هذه المسائل هي التي تُسبِّب الصراعات والإقتتال بين الناس أفراداً وجماعات. ولذلك يجب إبعادها.

    مبدأ حكم الأغلبية و مبدأ حماية حقوق الأقلية :

    ومبدأ حكم الأغلبية و مبدأ حماية حقوق الأقلية هي من مبادىء الديمقراطية الأساسية ويقف البناء الديمقراطي عليهما معاً، وأساس الديمقراطية يرتكز على المساواة والحرية ، المساواة هو أن يتمتَّع جميع المواطنين بفرص متساوية وعدم جواز التمييز بينهم بسبب الجنس أو العنصر أو العقيدة، والحق فى المساواة، كما يُمنع طغيان الأغلبية فإن الحق فى الحرية يُخضع إرادة الأغلبية لحقوق الأقلية، إذ أن سلطة الأغلبية لا يجوز أن تكون مُطلقة والاّ قادت الى الطغيان ، فليس من حق (الأغلبية) فى ظل الحكم الديمقراطي أن يسلبوا الحقوق والحريات الأساسية التي يتمتَّع بها (الأقلية) داخل الدولة كما تنص على ذلك مواثيق حقوق الانسان والمواثيق الدولية ذات الصلة.
    وعليه ، وفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 فان المادة (27) منه تنص على :

    (عدم جواز حرمان الدولة داخل إقليمها للأقليات الإثنية أو الدينية أو اللغوية من حق التمتُّع بثقافاتهم الخاصة والمُجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم أو إستخدام لغاتهم). وجاء فى إعلان الأمم المُتَّحدة بشأن حقوق الأشخاص المُنتمين الى أقلِّيات قومية أو إثنية والى أقلِّيات دينية ولغوية لعام 1992 : (أن تقوم كل الدول في أقاليمها بحماية وجود الأقلِّيات وهويتها القومية أو الإثنية، وهويتها الثقافية والدينية واللغوية وتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية ، ويكون للأقلية الحق فى التمتُّع بثقافاتهم وممارسة دينهم الخاص، والحق فى المشاركة فى الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والمشاركة الفعالة علي الصعيد الوطني والاقليمي.)
    مفاهيم الأغلبية والأقلية والدولة الدينية :

    تطرح مجموعات الإسلام السياسي و دُعاة القومية العربية مُسمَّيات "الدولة المدنية"، وهو مُصطلح محصور تداوله فى الأوساط العربية و الإسلامية، ولم يتم الإتِّفاق على تعريف مُحدَّد لها لكنه فى بعض تعريفاتها يجعل مبادئ الشريعة الإسلامية أحد عناصر هذه الدولة وهى بهذا التعريف دولة دينية كاملة الدسم وتعتمد مبدأ الأغلبية المُسلمة فى التشريع و رسم السياسات .

    على ضوء ذلك تحدَّث المحامي/ عبد المطلب عطية الله فى مقاله : ( في فض الاشتباك بين دعاة الفصل والدمج بين الدين و الدولة). فى محاولة منه لرفض العلمانية و المُناداة بالدولة المدنية وإبراز مزايا العلمانية و نسبتها لدولته المدنية، وفى سبيل ذلك حشد نصوص كثيرة محاولاً القياس علي تجارب دول غربية إبتسرها من سياقها التاريخي والموضوعي والتى تفصح عن مفهوم الدولة الدينية التى يجب أن تعكس هوية و تطلُّعات الأغلبية المُسلمة بقوله :

    (بالنظر للتجربة الأوربية نجد أن الدين يحظى بإحترام خاص ... لذلك يُميِّزون دين الأغلبية بوضعية خاصة عن الديانات الأخري التي تُمثِّل أقلية السُكان).
    وذكر أيضاً : (فمثلاً فى الدول الأوربية العريقة نجد أن الدين الشائع فى البلاد جزء لا يتجزّأ من الدولة كما فى حالة بريطانيا و السويد و الدنمارك و النرويج ..... وإن دين الأغلبية هو المُسيّطر والأبرز فى الحياة العامة).
    وواصل فى مقاله قائلاً : (ولن يتأتَى ذلك الاّ بالإنتقال للدولة المدنية الديمقراطية التي تمنع الأقلية من الإعتداء على حقوق الأغلبية).

    "الدولة المدنية" لم تكن معروفة فى الأدب و القاموس السياسي من قبل، وقد إنبثق مفهومها فى محاولات المُفكِّرين المسلمين و العرب للمزاوجة بين واقع المجتمعات العربية والفكر العلماني، وقد ثار خلاف حاد حول تحديد مفهوم الدولة المدنية عند دعاتهِ وإختلفوا إلى عدة تعريفات فقالوا:

    1. ان الدولة المدنية هى الدولة العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة؛

    2. انها الدولة الليبرالية التى تُركِّز على حريات وحقوق المواطنين، أفراداً؛

    3. انها الدولة التي يحكمها مدنيون، أى فى مقابل الدولة العسكرية التى يحكمها قادة الجيش؛

    4. إنها الدولة الوطنية التى يستوي فيها المواطنون أمام القانون؛

    5. انها ليست الدولة الدينية الثيوقراطية التى يحكمها رجال الدين؛

    6. ان الدولة المدنية هي نفسها (الدولة الإسلامية) فى صورتها الصحيحة منذ عهد الرسالة وميثاق المدينة.

    والدولة المدنية التي يدّعيها جماعات الإسلام السياسي والعروبيون يقولون أنها تُحقِّق جملة من المطالب المُتعلِّقة بالمواطنة المتساوية و بالديمقراطية و حقوق الإنسان و تستمد قانونها من الشريعة الإسلامية و لا تتعارض معها، لكن أهم مبدأين للدولة الديمقراطية هى مبدأ المُساواة و مبدأ الحرية ، وهى ما نفقتدهما فى الدولة المدنية التي تجعل الشريعة قانونها، والتي كما نعلم لا تساوي بين المُسلمين و بين أهل الكتاب وغيرهم من أصحاب الديانات المُختلفة وتنص على "الردة" فى إنكار صريح لحرية الإعتقاد. فعدم المساواة و عدم حرية الأفراد فيما يعتقدون هى ما يميّز الدولة المدنية، ولذلك فالدولة المدنية هى دولة دينية فى إطار علماني حيث تعلن القبول بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومواكبة العصر لكنها تُفرِّغ مبادئها من مضمونها.

    والأغلبية هي الوصفة التي ظلَّت الطبقة السياسية المُهيّمنة في السودان تُبرِّر بها حقها المزعوم فى السيطرة على بقية الذين يختلفون معهم فى الدين أو الاثنية مُستندة على مفهوم الأغلبية. وإستشهاداً بالتجربة الغربية، وبالرغم ان الولايات المتحدة دولة مسيحية - اذا أخذنا فى الإعتبار أغلبية السكان - وبالتالي من وجهة نظر الأغلبية يجب فرض رموزها، الاّ أنه قد جرت عمليات إصلاحية على مفهوم حكم الأغلبية وصونها لحقوق الأقلية، لذلك قضت المحكمة الدستورية العليا الأمريكية فى سوابق قضائية عديدة بأن تلاوة الصلوات المسيحية التى كانت طقساً يومياً فى معظم المدارس العامة هو أمر غير دستوري لأنه يُخالف أحكام التعديل الأول للدستور الأمريكي، بذا قامت كافة المدارس بإلغاء هذا الطقس وأُزيلت من فوق المباني الحكومية كافة الرموز المسيحية.

    ان مفاهيم الأغلبية والأقلية ترتبط بسؤال الهوية الوطنية الدينية أو الأثنية أو غيرها وتأثيرها فى تشكيل الدولة التى تضُم الجميع بمختلف هوياتهم والدور الجلي لهذه العوامل فى تأجيج الصراع ،لأن السودان حتى بعد إنفصال الجنوب مثال جيّد لكل أنواع التنوُّع، فمن الناحية الدينية يتكوّن السودان من مسلمين و مسيحيين وأتباع ديانات محلية كثيرة، أمّا لغوياً فالسودانيون يتكلَّمون لغات محلية عديدة، وبسبب هذا التنوُّع و التباين لا يوجد مجتمع فى السودان ولا ثقافة واحدة أو نظام واحد للأخلاق والإعتقاد يمكن أن يحكم السودان كله. لذلك فإن إفتراض المجموعات المُهيّمنة في السودان للتجانُس المجتمعي وبالتالي إعتماد نظام واحد للأخلاق و التشريع إنما يقوم على زعم جاء أساساً لتبرير الهيّمنة السياسية لكيانات متنوِّعة و تقديم نفسها بإعتبارها النموذج الذى يجب الاحتذاء به وأن لها الأهلية والشرعية لبناء وتطوير الدولة وبذلك تتبنَّى نموذج يقوم على الإستيعاب والهيمنة على المجموعات الأخرى والعمل على إدماج الإنتماءات الدينية أو الثقافات الأخرى وفق تصوُّراتها الأمر الذى يُرسِّخ علاقات القهر أو التسلُّط الثقافى بهيمنة أحد الروافد بإضفاء صفاته الدينية أو الإثنية أو اللغوية على هوية المجتمع فى مجمل تنوُّعه .

    ولقدسيته فى المجتمع السوداني، صار الدين أحد أدوات الصراع السياسي ووسيلة للكسب فى الأوجه المُختلفة، شاهدنا ذلك فى إثارة المشاعر الدينية بواسطة أحزاب اليمين فى صراعها مع قوى اليسار مُستغِلة حساسية العامل الديني فى تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان عام 1965، وفى إعدام زعيم الحزب الجمهوري وحظر نشاطه، وإستخدمت الدولة الدين فى حربها مع جماعات الهامش بتوظيف فتاوى الجهاد والتي كانت نتيجتها ملايين الضحايا، وليس أخراً إستغلاله لمكاسب إقتصادية وسياسية عبر البنوك الإسلامية وإنشاء جمعيات خيرية ومنابر إجتماعية أتخذت مرجعيات دينية لدعم النظام .

    وعند النظر الى مفهوم الأقلية المُستخدم فى توصيف مجموعة دينية أو إثنية أو نوعية ..إلخ مُقارنة بمجموعة أخرى داخل مجتمع أو كيان جغرافي واحد، فإن المفهوم يحمل تحيُّزاً سلبياً و تمييزاً مُسبقاً تجاه المجموعة الموصوفة بالأقلية، ويترتَّب على إفتراض المجموعة أو الهوية المُهيمنة بأن لها الحق فى الحكم والسيادة والسيطرة، و فى تعريف و تحديد ما تفعل مجموعات الأقلية، و التي عليها القبول و الخضوع التام طالما تمت قوقعتها داخل إطار مفهوم الأقلية. وتتَّخِذ مجموعات ما يُعرف بالأغلبية طرائق مُتعدِّدة من أنماط التمييز والقهر بلغت خلال حروب الأنظمة التى تعاقبت على الحكم فى السودان درجة العنف الجسدي المُباشر مُمثَّلة فى القتل والإبادة وسياسات الإقصاء والإستئصال الثقافي والمجتمعي كما رأينا فى دارفور، جبال النوبة والنيل الأزرق.

    ويتَّضِح من هذا أن الأقلية كمفهوم، فى معظم حالاته، يُعبِّر عن رؤية تمييزية خارج نطاق المجموعة أو الهوية نفسها، وهو ما يُعبِّر عن تصوُّر المجموعة المُميَّزة أو صاحبة السطوة والهيمنة عندما تطلق على نفسها صفة الأغلبية، بذلك تدَّعي الحق والمشروعية فى تعريف الآخر بأنه أدنى مرتبة منها فى تسلسُل التراتب الإجتماعي الثقافى، بما ينعكس فى إنتقاص حقوقهم فى الحكم و التنمية و الإقتصاد و سائر الشئون العامة. وتمتد التوجُّهات الإقصائية لمن يعرفون بالأغلبية فى إطار الآيديولوجيا الدينية كمُحدِّد مركزى وأداة تعريف وحيدة لهوية الدولة و المجتمع، والتي يُقصد بها إطلاق مفهوم دين الأغلبية فى مقابل الأديان الأخرى الموسومة تلقائياً بأنها دين أقلِّيات، وعليه يُميز سلبياً ضد معتنقيها.
                  

05-29-2020, 00:38 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    كيف يمنع (طغيان الأغلبية) ؟ :

    فى النظام الديمقراطي الأغلبية هى التى تحكم بلا شك، ولكن كيف يمكن حماية الأقلية من طغيان وقمع الأغلبية بحرمانها من حقوقها ؟ تطبيق الديمقراطية يشترط توفُّر شروط يأتي فى مُقدِّمتها توفُّر عقد إجتماعى تتَّفق عليه كل مُكوِّنات المجتمع بحيث يحمى حقوق كل المواطنين بجانب الإستقرار الدستوري، والتقيُّد بوثيقة الحريات الأساسيىة وحقوق الإنسان ثم وجود قضاء مستقل. ويجئ فى هذا الصدد مفهوم المبادئ فوق الدستورية التي تضع الضوابط ونظام حكم متوازن لحماية حقوق كل من الأغلبية و الأقلية وذلك بالإتفاق على مبادئ دستورية يجب تضمينها في الدستور الدائم كما فعلت الجمعية التأسيسية فى جنوب افريقيا (حدَّدت 34 مبدأً) أو بالنص على مبادئ دستورية مُحصَّنة لا يجوز إلغائها أو تعديلها والتي يتضمَّنها وثيقة الدستور ولا يمكن لأى أغلبية إستبعادها من الدستور، ولا يجوز لأى أغلبية إحلال أحكام لا تتَّفق معها كما هو الحال فى عدد من دساتير الدول، أى أن سلطة الأغلبية لا يجوز أن تكون مُطلقة. ويستوي فى ذلك الدساتير المكتوبة وغير المكتوبة. فمثلاً فى دولة إسرائيل التى لا تملك دستوراً مكتوباً، قضت فيها المحكمة العليا فى قضية Yardor انه يوجد مبادئ فوق دستورية، وأنه فى قدرة المحكمة فى نظام ديموقراطي إبطال قانون ينتهك المبادئ الأساسية للنظام القانوني حتى لو لم يتم تبنيها فى دستور مكتوب، ويمكن القول بأن القانون الذى يُبطل شخصية إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية إنه غير دستوري.

    ومن أمثلة الموضوعات التي تكون محلاً للتحصين والمواد فوق الدستورية وبالتالي عدم قابليتها للتعديل :

    1. شكل الحكم و نظامه (جمهوري، ملكي، ديمقراطي، ....الخ)؛

    2. النظام السياسي (الفيدرالية ، كونفيدرالية الدولة، نظام المجلسين ... الخ)؛

    3. الآيديولوجيا الأساسية للدولة أو هويتها (الطابع الديني للدولة مثل الإسلام الدين الرسمي للدولة أو اليهودية، الطبيعة العلمانية للدولة ...الخ).

    4. حماية الحقوق و الحريات الأساسية.

    المنبر التفاوضي كآلية لصناعة الدستور الدائم :

    تاريخ صناعة الدستور في السودان يوضِّح فشل النُخب السياسية فى تبنِّي دستور دائم يتناسب مع بناء الدولة الحديثة والتي هي بطبيعتها دولة علمانية. فقد إستمرت النُخبة فى حكم البلاد بنفس الدستور الإستعمارى بعد إدخال تعديلات شكلية عليه ليصبح "دستور 1956" كأول دستور إنتقالي لدولة السودان بعد خروج الإنجليز، ولقد أعقب ذلك إصدار مجلس الوزراء قراراً بتكوين لجنة وزارية لتقديم توصيات "لوضع دستور مُستديم للجمهورية السودانية" حيث أوصت هذه اللجنة بتشكيل لجنة قومية لوضع مسودة الدستور الدائم كما أوصت بقيام جمعية تأسيسية لإقرار الدستور لكن مشروع الدستور لم يرى النور نسبة للصراعات الحزبية. وخلال حكم الفريق عبود سُيّرت الدولة بأوامر دستورية حتى ثورة أكتوبر حيث تم تبنِّي الميثاق الوطني الذي تمَّت صياغته بتعديل بسيط على نسق الدستور المؤقِّت لسنة 1956 ليصبح دستور السودان المؤقت لسنة 1964 . فى عام 1968 قدمت اللجنة القومية للدستور توصياتها للجمعية التأسيسية لكن إستمرار الصراعات السياسية وظهور مشروع الدستور الاسلامي حالت دون تبنّي دستور دائم حتى وقوع إنقلاب مايو 1969 الذى عمل على أجازة الدستور "الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973" . بعد إنتفاضة ابريل 1985 أصدر المجلس العسكرى الانتقالي الدستور الانتقالي لسنة 1985 الذي تم على غرار دستور 1956 المؤقت، وعندما جاء عمر البشير الى الحكم بإنقلابه عام 1989 حكم البلاد بالمراسيم الدستورية لمدة تسع سنوات إلى أن أصدر دستوراً ذو صبغة إسلامية فى 1998 والذي ظل سارياَ الى أن تم التوقيع على إتفاقية السلام الشامل عام 2005 الذي بموجبه تم إصدار الدستور الإنتقالي لسنة 2005، بدوره تم إلغاؤه بموجب الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية لسنة 2019.

    ومما تقدَّم يُلاحظ أن الأزمة إرتبطت دوماً بفشل وعجز القوى السياسية فى الإتِّفاق على المبادئ التى تُحدِّد قواعد الصراع والأُسُس التى تقوم عليها النظام السياسي فى بلد فى حجم السودان، ومن حيث التعدُّد والتنوُّع والموارد التى تذخر بها، وضمان صيانة حقوق الإنسان. وقد نتج عن هذا الفشل طغيان الأقلية الحاكمة وهيمنتها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وإستمرار الحروب الأمر الذى جعل السودان فى حالة مُستمرة من عدم الإستقرار السياسي و الفراغ الدستوري.

    وتتلخَّص أهم عيوب صناعة الدستور انه لم يكن هناك منهجاً واضحاً لصناعة الدستور ولم تستند إلى مبادئ دستورية كأساس لنسجه، وظلَّت العملية الدستورية حكراً على النُخب وإفتقارها الى التمثيل العادل، والصراعات السياسية التى أدت إلي عدم ثبات عضوية ومفوضيات الدستور ، لذلك كان من الضرورى مُغادرة تامة لهذا الإرث والطريقة الفاشلة لصناعة الدستور وإجتراح طريقة أخرى، ونرى أن يكون طاولة المفاوضات هو المكان المناسب لأداء هذا الدور.

    منبر جوبا كمنصَّة تأسيس لصناعة الدستور :

    التفاوض الذي يجري الان فى (جوبا) توسَّطت فيه دولة جنوب السودان بين جماعات الكفاح المُسلَّح وحكومة الفترة الإنتقالية لوضع حد للإحتراب ومُعالجة جذور المشاكل فى السودان. ومن ثم أرى أن من أهم مهام التفاوض فى هذا المنبر هو الوصول إلى إتِّفاق على أُمهات القضايا التى تمس مصير البلاد مثل علاقة الدين بالدولة و الوحدة الطوعية حقوق الإنسان وغيرها، والإتِّفاق على مبادئ أساسية مُحصَّنة أو فوق دستورية غير قابلة للإلغاء أو التعديل تكون أساساً للدستور الدائم، ثم الإتفاق فى إطار التفاوض على مفوضية دستورية تعمل على صياغة مسودَّة الدستور الدائم على هُدى هذه المبادئ، ثم إجازته فى إستفتاء شعبى عام.

    لقد أوضحت تجارب كثير من الدول التي تمر بنزاعات مُسلَّحة و صراعات سياسية دامية ان إتفاقية السلام هى المرحلة الأهم فى صياغة و صناعة دستور يُعالج القضايا المصيرية و يتميَّز بالديمومة. والدستور الذي يلي الصراع المُسلَّح هو دستور يتم سنَّه ضمن خطوات إنهاء الصراعات الداخلية و منع تكرارها ويهدف إلى سلام مُستدام فى إتفاق سلام يُشارك فيه عادة أطراف النزاع الرئيسية، والإعتبار الرئيسي لهم هو الإصلاح الدستوري والتشريعي الذي يراه الأطراف ضرورياً فى إتِّفاق التسوية التي يتم فيها تناول القضايا الجوهرية الكامنة وراء الصراع. إن الدستور يلعب دوراً مُهماً فى الحفاظ على السلام فى مُجتمعات ما بعد الصراع، لذلك من الضروري العمل على "دسترة" أى إضفاء الطابع الدستوري للتسوية التي يتوصَّل إليها الأطراف فى طاولة التفاوض وذلك لإعتبارات كثيرة أهمها أنها وسيلة لترسيخ إلتزام الأطراف بالسلام والحفاظ على التسوية المُتفاوض عليها وإضفاء الطابع المؤسَّسي عليها، إن الدستور هو القانون الأعلى للبلاد ويتمتَّع بمركز مرموق أكثر من أية وثيقة أخرى بما يضمن الوثوق أن ما تم الإتفاق عليه لن يتم التنصُّل منه، وانه يلزم الجميع وليس فقط طرفيه.

    يجب تبنِّي مُخرجات إتفاقيات السلام كأساس لدستور فترة ما بعد الصراع، وهي تجارب لدول كثيرة فى مختلف انحاء العالم ، بل ان تجربة السودان كانت فى صدارة هذه التجارب . فوفقاً لـ (Jennifer Widner)، أنه ما بين الأعوام (1975-2003) تم ما يقرب من 200 دستور جديد فى البلدان التي دارت بها صراعات كجزء من عملية السلام، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها فى محيطنا الأفريقي دستور (أنقولا) لسنة 1992 والدستور الإنتقالي لجنوب أفريقيا 1994، أما فى السودان فقد كانت إتفاقية السلام الشامل (CPA) أساساً للدستور الإنتقالي 2005، وقادت إتفاقية الخرطوم 1997 إلى دستور الإنقاذ 1998 وكذلك إتفاقية أديس أبابا 1972 كانت أساساً للدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973 .

    ووفقاَ لقاعدة بيانات إتفاقيات السلام التابعة للأمم المتحدة ، فإنها تحتوي على نحو ثمانمائة (800) إتفاقية تعتبر كأتفاقيات سلام، ويقول (Laurie Nathan) أنه ما بين عام 1989 – 2012 هنالك ستين (60) إتفاقية سلام تنص صراحة على الاصلاح الدستورى. ويقول أيضاً حسب مصفوفة إتفاقيات السلام (Peace Accords Matrix) أنه من جملة أربعة وثلاثون (34) إتفاقية هنالك عشرون (20) إتفاقية تنص صراحة على الاصلاح الدستوري وثلاثة (3) إتفاقيات أجرت إصلاحاً دستورياَ لم ينص عليه صراحةً فى إتفاق السلام، كما أن هنالك أربعة (4) حالات أُجريت فيها إصلاحات قبل إبرام إتفاقية السلام، أى ان (27) إتفاقية بنسبة 79.2% من الإتفاقيات أُجريت فيها إصلاحات دستورية سواء بسن دستور جديد أو إجراء تعديل جذري فى الدستور القديم. أما السبعة (7) من جملة أربعة وثلاثون أتفاقية فلم تنص على الإصلاح الدستوري خمسة منها كانت إتفاقيات إقليمية وليست معنية بالشأن القومي. فمن الإحصاءات أعلاه نرى ان أطراف التفاوض فى العموم يأخذون فى الإعتبار الاصلاح الدستوري والتشريعي كوسيلة لتفعيل التسوية المُتفاوض عليها بجعلها نصوصاً دستورية.

    وعوداَ لنموذج السلام الشامل لسنة 2005 فى السودان ، فقد دعا طرفيه حكومة الانقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان الى إضفاء الصفة القانونية والدستورية لما اتفق عليه ، فالمادة (2-12-2) فى الفصل الثانى الخاص بقسمة السلطة تنص على :
    (بعد التوقيع يلتزم الطرفان بالإتفاق ويتكفَّلان بالإلتزامات الناتجة عنه، لا سيما الإلتزام بتنفيذ الإتفاق والإنفاذ القانوني والدستوري للترتيبات المُتَّفق عليها فى هذه الإتفاقية).
    ونصَّت المادة (2-12-4-2) على : إنشاء المفوضية القومية للمراجعة الدستورية والتي تتولَّى وفقاَ للمادة (2-12-5) مُهمَّة إعداد الإطار القانوني والدستوري على أساس إتفاقية السلام الشامل ليتم إجازته بواسطة المجلس الوطني ومجلس التحرير القومي وبعد إعتمادِه من المجلسين يصبح الدستور القومي الإنتقالي للسودان خلال الفترة الإنتقالية. تقوم المفوصية أيضاً بإعداد الآليات القانونية اللازمة لتنفيذ الإتفاقية تشمل إنشاء المفوضية القومية للإنتخابات، مفوضية حقوق الإنسان وغيرها.

    ونصَّت الاتفاقية أيضاَ على إعداد مسودة دستور جنوب السودان ودساتير الولايات.

    والعلاقة القانونية بين إتفاقية السلام والدستور منصوص عليها فى المواد 51 (2) من الدستور الإنتقالي لسنة 2005 والتى تُقرأ : (تُتَّخذ القرارات فى رئاسة الجمهورية بروح المشاركة والزمالة للحفاط على إستقرار البلاد وتنفيذ إتفاقية السلام الشامل) ، والمادة 58 (1) التى تُقرأ : (رئيس الجمهورية هو رأس الدولة والحكومة، ويُمثِّل إرادة الشعب وسلطان الدولة، وله فى ذلك مُمارسة الإختصاصات التى يمنحها هذا الدستور وإتفاقية السلام الشامل .....)، المادة 79 تُقرأ : (يُشكِّل رئيس الجمهورية قبل الإنتخابات وبعد التشاور مع النائب الأول، وعلى الرغم من أحكام المادة 70 (1) من هذا الدستور، حكومة وحدة وطنية لتنفيذ إتفاقية السلام الشامل تُبرِز الحاجة لتوسيع المشاركة وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية السيادة الوطنية)، أما المادة 148 (2) فتُقرأ: (تتكوَّن الشرطة لامركزياً وفقاً لإتفاقية السلام الشامل وذلك حسب المستويات التالية ......) ، وكذلك نص الدستور على تضمين إتفاقية السلام كلياً في المادة (225) منه والتي تُقرأ: (تعتبر إتفاقية السلام الشامل قد ضُمِّنت كلها فى الدستور، ومع ذلك فإن أيَّة أحكام وردت فى إتفاقية السلام ولم تُضمَّن صراحة فى هذا الدستور تُعتبر جزءاً منه) ، وعلى ذلك فإن الدستور بإعتباره القانون الأعلى للبلاد هو الذي يمنح الصفة القانونية لإتفاق السلام) .

    ختاماً : نرى أن منبر التفاوض هو طريق قويم لتفادي عيوب صناعة الدستور الدائم، وإتفاقية السلام المُتفاوض عليها تُمثِّل الإطار القانوني للدستور الدائم حيث يتم الإتفاق على المبادئ الأساسية وعلى مفوضية دستورية تقوم بإعداد مسودة الدستور بعد الإستعانة بخبرات مُتنوِّعة وإجراء مُشاورات واسعة وشرح المسوَّدة وبعد ذلك طرحها للإستفتاء العام.
    *************************************

    مراجع مُختارة :

    1. الهوية الوطنية والدولة الدينية فى السودان / عبد المنعم عبد الوهاب الجاك؛
    2. السودان، سجال الأزمة والبدائل – د. الباقر العفيف ود. سليمان بلدو، تحرير سامي عبد الحليم / مركز الخاتم عدلان للإستنارة؛
    3. العقد الإجتماعي / جان جاك روسو؛
    4. مقاصد الشريعة والدولة المدنية، أفق توافقي / جاسر عودة – مؤمنون بلا حدود للدراسات و الابحاث؛
    5. إتفاقية السلام الشامل 2005؛
    6. دستور السودان الانتقالي لسنة 2005؛
    7. The Imperative of constitutionalizing peace agreements, Laurie Nathan, Bergh of Foundation ؛
    8. Constitution Writing and Conflict Resolution, research paper No.2005/51, Jennifer Widner, United Nations University ؛
    9. مواد مختلفة من مواقع اليكترونية
                  

05-30-2020, 02:10 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    هذه الوثيقة تعد الاهم في تاريخ السودان.
                  

05-30-2020, 04:55 AM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27592

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    هنا صورة لمولانا إدريس النور شالو


    عايزكم تقرأوا للرجل في ردوده علي شخصي في مقالات "النوبة الجدد والموالات الثقافية" ..
    Quote: الوافدون* ، النوبة الجدد و مطلب تقرير المصير(رد على بريمة محمد البقارى و المستعربين الجدد) (1)
    [email protected]
    بقلم: كموكى شالوكا
    (الوافدون * فى صدر عنوان المقال اعنى بهم الكيانات التى وفدت من غرب افريقيا و شمال السودان و استقرت فى اقليم جبال النوبة فى مراحل مختلفة من التاريخ و اصبحوا ضمن النسيج و التركيبة السكانية للاقليم ، و يشملون مجموعات البقارة ببطونهم المختلفة ، الفلاتة ، الجلابة ، و غيرهم) .
    **********
    أثار مطلب حق تقرير المصير الذى نادى به مجلس تحرير اقليم جبال النوبة الكثير من الجدل بين مكونات اقليم جبال النوبة حول مفهومه و مآله ان تم ممارسته ، و لم يقتصر الجدل على مكونات مجتمع الاقليم بل ايضا النخبة الحاكمة و سدنتها و هى كما نعرف سلطة مهيمنة و مستبدة و قامعة وهى التى تقف وراء اغلب دعوات الرفض و انكار حق تقرير المصير . لكن ما يدعو للحيرة حقا هو موقف (بعض) اخوتنا فى الاقليم و الذين اشير اليهم بالوافدين ، ليس للتفريق بين مكونات الاقليم ، بل ان بعضهم قد وضعوا يدهم فى يد سلطة ظالمة و رضوا ان يكونوا وكلائه فى المنطقة فى تنفيذ جرائمه وفى البطش و الابادة و كافة صنوف التطهير العرقى ضد اثنية النوبة فى الاقليم .
    فقبل حين كتب الدكتور/احمد الحسب عمر مقالا بعنوان : الحكم الذاتى/تقرير المصير ، ردة سياسية ام تكتيك مرحلى ، ادعى فيه تطور اجندة (ابناء النوبة) فى الحركة الشعبية فى المطالبة بمنح الاقليم حكما ذاتيا فى اطار صفقة سياسية جديدة ، و بغير ذلك منح الاقليم حق تقرير المصير ، و تسائل ماذا يريد ابناء النوبة بالضبط من تبنى دعوة الحكم الذاتى قد يتطور الى انفصال كامل الدسم !! و استحث الكاتب الاثنيات الاخرى الذين قال انهم يشكلون الاغلبية فى الاقليم و هم الحوازمة ، البى بى أف (برنو ، برقو ، فلاتة) الدافوريون و الجلابة الى الوقوف و التصدى للاجندة التى توهمها .
    وكذلك كتب بريمه محمد ادم بلل البقارى مقالا بعنوان : النوبة الجدد و اختلافهم الثقافى ادعى فيه انها محاولة للتعريف بالغير ولكنه فى الحقيقة يسعى لمحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان مشروعا و من يؤمن بفكرها ، و مقالات من آخرين تنحو نفس المنحى بأسئلة من شاكلة : من هو المواطن الذى يحق له الاقتراع لتقرير مصير جبال النوبة ؟ ماهى حدود جبال النوبة ؟ و هل يشمل منطقة شرق الجبال؟ هل يحق (لعرب) البقارة و غيرهم المقيمون فى جبال النوبة الغربية بالاقتراع؟ و هل يحق لأبناء قبائل البحر الذين يقيمون فى جبال النوبة الغربية منذ اجدادهم بالاقتراع . والاسئلة هى تساؤلات متعلقة بحقوق مناطها المواطنة ، وهى بطبيعتها تقنية يمكن ايجاد اجابة لها فى التشريع المنظم للاستفتاء ، اللهم الا اذا كان وراء مثل هذه التساؤلات مقصد اخر . ما يلفت الانتباه التوصيف الاثنى للمسألة فى هذه المقالات ، و المسميات ذات الدلالات و المعانى مثل "منطقة شرق الجبال" او " جبال النوبة الغربية" التى لم تكن معروفة تأريخيا مثل ما نعرف "ريفى شمال الجبال" أو "ريفى جنوب الجبال" .
    هذه نماذج فقط مما يعج به كتابات الوافدين للاقليم و غيرهم ، و قد تكفل الدكتور/ قندول ابراهيم قندول بالرد على الدكتور/ احمد الحسب ردا حاسما وضحت الحقائق و المواقف بما ليس فيه مزيد .
    ونأتى لمقالات بريمة البقارى ، فقد سطر ست مقالات استهلها بالاتى:(ليس من السهل قراءة الخارطة الجديدة بعد احداث "الانقلاب" داخل الحركة الشعبية الذى فجره القائد عبدالعزيز ادم الحلو باستقالته المسببة .....) ، ومن جانبنا ليس من العسير قراءة ومعرفة فى أى ضفة يقف الكاتب و بالتالى فى اى اتجاه يصوب رماحه . لقد بدأ فى وصف شأن داخلى للحركة الشعبية لتحرير السودان بأنه انقلاب و طفق يرسم ثنائيات للقاعدة الاجتماعية الاكبر للحركة الشعبية فى جبال النوبة ب: النوبة الجدد/نوبة مستعربة، نوبة جنوبيين/ نوبة جلابة ، أميين جهلة/متعلمين مستنيرين ، وجعل تطلعات كل منهم مغايرة للاخر والذى سيصير صراعا نوبويا فى ختامه كما توهم . و انتقل ليقول ان النوبة الجدد قد اضعفوا مسيرة نضال النوبة خاصة و الحركة الشعبية عموما و انهم هم من خربوا علاقات الحركة مع حركات دارفور و غيرها من الترهات ، وفى محاولة من الكاتب لضرب النسيج الاجتماعى فى الاقليم أتى من مدخل الانثروبولوجيا متوهما اختلافات بين المجموعات القبائلية للنوبة وانهم ليسو كيانا واحدا و ليس ثمة قضية تجمعهم ، هذا بالطبع تفكير رغبوى للكاتب يعشم ان يتحقق لكن هيهات. يجدر بالكاتب النظر فى ما يجمع فى كيان واحد قحاح العرب فى الجزيرة و الشام مع مستعربى السودان و جبال النوبة و دارفور و حتى مع من نظنهم اكثر عروبة من غيرهم و ما يلاقونه عندما يعبرون البحر او عندما يذهبون ارض الكنانة ، اكثر بلاد الارض ثقافة و قبولا للاخر. ما الذى يجعل غير العرب عربا اذا كان وعلى سبيل المثال اكبر الشعوب سطوة و ثروة كالذين يعيش الكاتب بين ظهرانيهم – امريكا- امريكان و ليس انجليز ؟؟؟
    و لأن هدف الكاتب بالاساس هو الحركة الشعبية لتحرير السودان و الترويج بما يسميه "الحركة الشعبية الجديدة" ، فكان ان صعد هجومه على الرمز الذى يمثلها و هو الرفيق/ عبدالعزيز ادم الحلو ، فقد نعته انه من قاد الانقلاب و خلق فتنة فى النيل الازرق بين مكوناته الاثنية و نفى خصومه ثم قام بطرد رئيس الحركة و الامين العام بالرغم من قبولهما من جموع مثقفى النوبة حسب زعمه ، وانه فعل كل ذلك لصالح اجندته السياسية . كل ما ردده الكاتب مجرد اكاذيب و تزييف للحقائق و محاولة مثلومة للطعن فى رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان ، فالكاتب ينطلق من ايديولوجية المركز الاسلاموعروبى التى لا تقبل بالاخر و تسعى الى الهيمنة و الاستيعاب أو قمع الاخر المختلف معه سواء سياسيا او دينيا او ثقافيا او اثنيا والقضاء عليه ماديا و معنويا ، و لذلك بادر فى صدر مقالاته الى دمغ الحركة الشعبية لتحرير السودان "بالشعوبية" ،كما حاول استمالة بعض النوبة الذين اختاروا ان يكونوا فى الجانب الخطأ- جانب الجلاد- و بعض من تولوا وجهة اخرى و من أعياهم النضال فاصبحوا يبحثون عن مرسى لهم ، فى سعى محموم للنيل من الحركة الشعبية و رؤيتها التى تنادى بالمساواة و العدالة و الحرية ، فما هى هذه الشعوبية ؟
    الشعوبية هى حركة فكرية سياسية اجتماعية نشأت فى المجمتع الاسلامى ، و قد ظهرت بادئ الامر فى العصر الاموى و اتسع نطاقها فى العصر العباسى حيث تسنم الموالى المواقع الرفيعة فى الدولة - والموالى هم من غير العرب الذين دخلوا الاسلام – و لانهم كانوا من قوميات ذوو حضارة راسخة كالفرس فقد ظهر الفرق بينهم و العرب و ذلك نسبة لتفوقهم فى كافة المجالات كالتفسير والأدب و الشعر و التاريخ و كثير من الفنون . نادت الشعوبية بالمساواة و استندت فى حجتها على الأية الكريمة : (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر و انثى و جعلناكم شعوبا و قبائلا لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله خبير بصير) . اعتبر العرب ان الشعوبية دعوة مضادة لهم وانها تتستر بالدين وأنها تقوم فى جوهرها على مناهضة العرب قبيلة و قومية و امة و شعبا ووطنا و دولة و حضارة ، و تقوم بمحاربة العرب و تأليب الخصوم والاعداء عليهم فى كل مكان . الشعوبية حركة نشأت فى سياق تاريخى و اجتماعى محدد و يتم أستدعاها دوما لتكون سيفا مسلطا على كل مختلف و اخر .
    و من جانب اخر ، الحركة الشعبية لتحرير السودان انطلقت من واقع السودان المتنوع تاريخا و حاضرا و تدعو الى المساواة و الحرية و تسعى لبناء وطن ديمقراطى ونظام حكم علمانى يتساوى فيه الجميع بغض النظر عن اختلافاتهم و تنوعهم . ولأن الكاتب ممثل لنظام اقصائى و استبعادى فالمنادة بالمساواة عنده هى شعوبية و رفض للعربى ان يكون حاكما على غيره حتى ان كان يفوقه كفاءة و علما ، و انتقاد العربى لعدم اهليته استعلاء اثنى وعنصرية ، والمطالبة بنظام حكم يستوعب الجميع (دغمسة) وتشويه لمبادئ الاسلام و الحضارة العربية ، وهكذا اراد الاخ البقارى ايصال رسالته.
    و نأتى لمطلب حق تقرير المصير الذى اثار الجدل و ربما المخاوف للوافدين ، فالدعوة لحق تقرير المصير يملك فيه كل مكونات الاقليم الحق فى الادلاء بالرأى فيه ، كل الذين تحدثوا عن هذا الحق باشفاق و جزع غير مبرر لو استرجعوا تاريخ الاقليم لبان لهم ان هذا المطلب ظل فى اجندة القوى السياسية للاقليم منذ القرن الماضى ، فمنذ الكتلة السوداء ، اتحاد عام جبال النوبة ، الحزب القومى السودانى و اخيرا الحركة الشعبية لتحرير السودان كان المطلب حاضرا ، اذن فالهلع هنا ليس هناك ما يبرره . لقد كرست الانظمة المتعاقبة مفهوم ان حق تقرير المصير يعنى الانفصال كما فعلوا بمطلب الجنوبيين فى الحكم الفيدرالى فى الخمسينيات الذى كان شرطا لتأمين الاستقلال من داخل البرلمان ، فحق تقرير المصير يعنى باختصار الحق فى الاختيار الحر للنظام السياسى او الاقتصادى او الثقافى المرغوب فيه . أما الانفصال فهو احد الخيارات ضمن خيارات اخرى عند ممارسة حق تقرير المصير ، ومن يدعى ان تقرير المصير يعنى الانفصال فحسب فهو جاهل او ذو غرض فى تجهيل الاخرين .
    حق تقرير المصير عندما تطور من "مبدأ" فى القانون الدولى الى "حق" له مظهران : مظهر داخلى و اخر خارجى ، المظهر الداخلى يتمثل فى الحكم الاقليمى ، الحكم الذاتى ، الحكم الفيدرالى و الحكم الكونفيدرالى و هذه كلها انماط من الحكم داخل الدولة الواحدة و لا يرد الانفصال و الاستقلال هنا مطلقا . اما المظهر الخارجى فهنا فقط يتمثل ممارسة حق تقرير المصير فى الانفصال و الاستقلال بدولة ذات سيادة او الخيار فى الاندماج فى دولة اخرى .
    النضال من اجل خصوصية الاقليم لم ينقطع منذ ستينات القرن الماضى حتى توج ذلك صراحة بالمطالبة بحق تقرير المصير فى مؤتمر كاودا فى ديسمبر 2002 ، و لم يتغير هذا الموقف ابدا ، ففى عام 2005 بعيد توقيع اتفافية الشلام الشامل عندما تبين ان الاتفاقية نصت على حق جنوب السودان دون سائر شعوب السودان فى تقرير مصيره بالاستفتاء بين الوحدة او الانفصال ، تتداعى كل النوبة و كل قبائل الاقليم فى مؤتمر كاودا الثانى فى ابريل من عام 2005 وتم تقييم اتفاقية السلام الشامل فكان من اقوى الانتقادات التى وجهت للاتفاقية هو عدم تضمين حق تقرير المصير لاقليم جبال النوبة و بقية شعوب السودان و اقتصر فقط على نص غامض يقضى باجراء مشورة شعبية فى الاقليم .
    الدعوة لحق تقرير المصير لم يأت من فراغ ، لكنه مرتبط بالخلل المركزى فى الفشل فى ابتداع دولة استيعابية تبسط حمايتها على كل مكونات الدولة وتعمل على ادارة تنوع البلاد بحياد . الدولة الراهنة استحوذت على السلطة وتستند على ايديولوجية منحازة دينيا و اثنيا و ثقافيا أقصت المكونات الاخرى فى البلاد لكى تحافظ على امتيازاتها الموروثة بداية من وكالة الجلابة الاوائل الاتراك فى استرقاق السودانيين مرورا باعلان انتماء السودان للمنظومة العربية فى الستينات وانتهاء باستغلال المستعربين الجدد فى ترسيخ و حماية ايديواوجيتها غير الوطنية ، عليه فان اية قراءة موضوعية لمطلب حق تقرير المصير تبين ان ليس من المطالب تفكيك السودان الذى تبقى ، ما نناضل من اجله هو انهاء هيمنة سياسية و ثقافية و اقتصادية و اجتماعية لها جذور فى التاريخ يصر مستعربى السودان على عدم التخلى عنها . وحدة السودان يجب ان تقوم على اسس جديدة وعلى نظام سياسى و اقتصادى و اجتماعى يجمع عليه كل شعوب السودان . ينبغى الا نخدع انفسنا ، نحن لسنا امة واحدة ، و لسنا شعبا متجانسا ، فنحن شعوب و قوميات متعددة حدد لنا المستعمر مصيرنا و لم يكن لنا يد فيه ، انظر ايها القارئ الكريم الى حجم الفراغ الوجدانى بين شعوب السودان (مأساة طلاب دارفور ، الابادة التى جرت و تجرى فى كل مناطق الهامش) ، فاذا وجدت شروط عادلة تجمعنا فأهلا و سهلا والا لن يجدى البكاء على وحدة لم تتحقق ابدا .
    و عودة الى حديث الكاتب عن الانقلاب الذى يقف ورائه اثنية معينة ، و من ثم فارقت الحركة الشعبية النهج القومى ، هذا حديث يساق بلا اساس . الخلاف الذى ادى الى استقالة الرفيق/ الحلو كان خلافا حول مسائل مبدئية عرفها الناس كافة و ليس ورائه طموح شخصى . فاسباب الاستقالة انحصرت فى غياب الرؤية التى توجه خطى الثورة ، الفشل فى بناء الهياكل و المؤسسات القومية ، تغييب المؤسسات والاعتماد على الاجتهاد الفردى ، بناء تنظيم موازى و الانحراف عن المسار بترديد شعارات تفرغ مشروع السودان الجديد من معناه . وكذلك قدم الرفيق استقالته لمجلس التحرير الاقليمى لاسباب موضوعية يعرفها القاصى و الدانى وهى غياب المؤسسات القومية وباعتبار الرفيق/ عبدالعزيز الحلو ممثلا لخصوصية اقليم و شعب جبال النوبة ك (indigenous peoples)، والا فليثبت لنا من يدعى غير ذلك ان القيادة المعفاة قد نفذت المهام المحددة الموكلة اليها منذ عام 2011 ؟ وهل الامين العام السابق نجح فى بناء الهياكل التنظيمية ؟ وهل يستطيع الرئيس السابق اقناعنا ان ورقة المبادئ المقدمة بواسطة كبير المفاوضين السابق - و قد علمنا بموقفهم من مطلب تقرير المصير - لا تفضى بتسريح الجيش الشعبى ؟.
    الامين العام السابق يحفظ له الكافة سبقه و كفاحه فى نضال الهامش ، ولم يتم اقالته من عضوية التنظيم بل ازيح من موقع يتم تداولة عادة بين عضوية التنظيم من حين لاخر و ما كان سيتربع فى قمة الجيش و التنظيم ان كان المعيار هو القبيلة و الاثنية . ان حصر قومية الحركة الشعبية لتحرير السودان فى شخص محدد و بغيابه تنتفى القومية و تصبح محض "شغل نوبة" لامر عجيب ؛ و الا اخبرونا اين نضع قادة امثال محمد احمد الحبوب ، ادم كرشوم ، ياسر جعفر السنهورى وغيرهم كثر .
    و نواصل ........
    كموكى شالوكا (ادريس النور شالو)
    ]
    مولي خالد كودي .. إدريس النور شالو

    بريمة
                  

05-30-2020, 09:49 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)


    خالد..حبابك يا صديق
    كتر خيرك على اشراكنا في هذه الرؤية ، والتحية لسكرتارية التدريب والبحوث والتخطيط في الحركة الشعبية شمال ، وتحية للأصدقاء متوكل وادريس على هذا الجهد المهم.
    اهمية هذا الجهد تنبع من كونه تفكير بصوت عالي ومسبق تجاه فكرة بناء دستور سوداني دائم يلقى حظ الإجماع والتوافق.
    الأهمية الثانية ، انه صوت يأتي من خارج الخرطوم وصوالين نخبتها المشغولة الآن بتفاصيل غير منتجة ، ولو وجد هذا الصوت اهتمام من كل بقاع الريف السوداني مؤكد سيجد صداه في بناء الدستور القادم ، والأهم بناء الإستقرار والسلام في السودان.
    طبيعة الفكرة عندي هنا هي رؤية فصيل سياسي ، ولا اظنها تحتاج لنقاش..وهي رؤية نحترمها ونقدرها.
    بعد اذن الجميع سوف اضيف بعض الملاحظات في مداخلة منفصلة.
    كبر
                  

05-30-2020, 09:50 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Kabar)


    اشكالية مصادر التشريع:
    في البدء اتفق مع الأصدقاء متوكل وادريس ، ان المبادئ فوق الدستورية يجب ان تكون محفوظة ومصانة في الدستور ، واتفق معهما ان من اهم اليات هذه الصيانة هي النص صراحة في الدستور على عدم المساس بها البتة. والحديث عن هذه المساءل (متوكل/ادريس/اديب وغيرهم) يشكل مبادرة للتثقيف العام وسوف توضح كثير من الغوامض للرأي العام ، وسوف أدعم أي جهد لخلق مثل هذه الثقافة استعدادا للفترة الديموقراطية وبناء دستور للسودان يحقق الإستقرار ويحسم الإشكاليات المزمنة.
    شكليا ومبدئيا يمكن ان يحقق الإجماع حول حرمة المبادئ فوق الدستورية ، ولكن الإشكال يأتي في المحتوى. والمحتوى الذي طرحه الباحثان ، يمكن الإتفاق حوله بنسبة 90% وسيحدث الإختلاف في جزئيات بسيطة ، تحديدا فكرة (علمانية الدولة) ، فكرة (تقرير المصير) .
    في التطور الدستوري في السودان ، هناك نقطة فاصلة تميز الدساتير ما قبلها وما بعدها. فدساتير السودان (1956 ، 1958 ، 1964) كانت دساتير علمانية ، وحتى ولو لم تنص صراحة على علمانية الدولة او فصل الدين عن السياسة.
    في دستور 1973 وما بعده ، تخلت النخبة عن العلمانية ، وانتهجت نهج جديد وذلك بادخال الدين في الدستور عبر الإشارة لمصادر التشريع وتحديد ان مصادر التشريع هي (الشريعة الإسلامية والعرف). هذا النهج هو الذي ادى لإشكالات عديدة ، تطورت الى ان تم اعلان ما يسمى بقوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983 ، واستمر النهج لغاية دستور 1998 ودستور 2005.
    عمليا ، ومن التجربة الواقعية القانونية في السودان ، نلاحظ ان اقحام عبارة (مصادر التشريع هي الشريعة الإسلامية والعرف) ، فان هذا المظهر يتجلى فقط في ادخال قوانين الحدود في القانون الجنائي السوداني ، اما بقية القوانين فلم تكن تحتاج الى اشارة الى مصدرها الإسلامي.فقوانين مثل قوانين العمل ، قوانين الأحزاب ، قوانين حركة المرور ، قوانين العقود ، قوانين القوات النظامية ، قوانين الإجراءات..الخ..كلها لا تحتاج لربطها بالشريعة الإسلامية.
    في الدستور القادم ، يجب ان يكون الدستور وحده هو المنظم لمسائل تشريع القوانين ، وهذه الشرعية تأتي من برلمان منتخب بصورة صحيحة وديموقراطية.
    اشكالية الدولة المدنية:
    كما هو معروف ، مفهوم (الدولة المدنية) هو مفهوم حديث للغاية ، ولم يجد حظه في التنظير من قبل علماء السياسة والدستور ، وحتى اللحظة ليس هناك تعريف واضح للمفهوم.فالقوى السياسية السودانية التي تروج لهذا المفهوم لم تقدم له تعريف واضح منضبط يمكن ان يحقق الإجماع حوله. صحيح ان بعض تعريفات المفهوم تتحدث عن دولة مواطنة وديموقراطية وتداول سلمي للسلطة ، لكن هناك اشكالية كبيرة وهي ان كل هذا يمكن ان يكون في ضوء الشريعة الإسلامية (أي دولة دينية تحت ستار الديموقراطية والمواطنة).
    فالقوى السياسية السودانية التي تنادي بالدولة المدنية ، تدفن رؤسها في الرمال وتعمل على اعادة انتاج الأزمة بصورة تحسد عليها. يجب ان يكون الكل صريح مع ذاته ، فاسباب الحروب الأساسية هي احساس بعض من اهل السودان بالظلم الممارس من قبل الدولة السودانية واليات تفكيرها التي تكرس للمظالم عبر منح الفرصة للبعض لتمرير اجندة ضيقة لا تخدم جميع مصالح اهل السودان.
    فكرة تقرير المصير:
    بالرغم من وضع تصور لهذه الفكرة كخيار ممنوح لبعض اقاليم السودان ، فهي قد تثير جدل كبير في نقاش محتوى المبادئ فوق الدستورية ، وفرضها يحتاج جهد كبير للغاية.
    فالفكرة هي طرح فصيل سياسي واحد (الحركة الشعبية شمال) ، والحركة وضعتها كشرط تكتيكي في المفاوضات الجارية في جوبا ، ومقابل لعلمانية الدولة.
    هناك صيغ عديدة يمكن أن تحفظ للأقليات حقوقها ، والإستقلال الذاتي النسبي. فمثلا اللامركزية يمكن أن تتم صياغتها عبر ضوابط صارمة تسمح للولايات بممارسة تشريعات خاصة بها ، وسلطات على ثرواتها وطريقة ادارتها وتوجيهها لرفاهية مواطنيها.

    كبر
                  

05-31-2020, 09:50 PM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Kabar)

    شكرا يا استاذ كبر علي المساهمه في هذا البوست والادلاء برايك القانوني،
    اسمح لي باشرامه مع مبتدري هذه الوثيقة من القانونيين الذين عملوا في هذه الوثيقة.

    واتمني ان يشارك القانونيين في المنبر في الادلاء برايهم حول هذه الوثيقة.

                  

06-01-2020, 01:42 AM

أبوبكر عباس
<aأبوبكر عباس
تاريخ التسجيل: 03-04-2014
مجموع المشاركات: 3484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: Khalid Kodi)

    سلام يا كودي،
    الدستور لو عملوهو من كلمة واحدة هي المساواة
    ألا تكفي؟
                  

06-01-2020, 05:03 PM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: أبوبكر عباس)

    لا.
                  

06-04-2020, 06:06 AM

Khalid Kodi
<aKhalid Kodi
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المبادئ فوق الدستورية، لبناء مستقبل للسو� (Re: أبوبكر عباس)

    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de