قلم في الغمد، وصحائف أنطوت: سيف الدولة في رثاء المنصور

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 05:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-26-2020, 02:46 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قلم في الغمد، وصحائف أنطوت: سيف الدولة في رثاء المنصور

    02:46 PM April, 26 2020

    سودانيز اون لاين
    عبدالله عثمان-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    قلم في الغمد وصحائف انطوت!!
    ------------------------------------------ه
    بفلم : سيف الدولة احمد خليل

    * في غمرة انغماسي في دهاليز الاسافير، تواصل معي من اعزه، معزياََ وناعيأَ رجلاََ يعلم مدى محبتي له وافتتاني بما يكتب ويجترح، وقد اخذني هذا النبأ الموجع,على حين غرة واصابني كسموم مداري في نهار قائظ. هكذا, بهذا الخبر الموحش لم تعد أشيائي هي الأشياء. فقد رحل من جعل للكتابة حياة وروحاََ، رحل رحيل مغن لم يكمل لحناََ على شفاه عاشقة طروب.
    * فعلى مثل راحلنا تبكي البواكي بساجم الدمع، وانا ممن يلزمهم البكاء فما بيني وبين الرجل آصرة تطاول مداها، منذ يفاعتي والي يوم الناس هذا، فأني اقرأه بخشوع واحسن التبتل في محاريب اسفاره، ارتحل معه الي ايطاليا في منتصف الخمسينيات، احاور معه صفوتهْ في الستينات، واكون في خيار القائلين لما يجب ان يُسمَع وابحث عن النور في اوخر نفقه المظلم في السبعينات ، وتجدني عبدأََ تعار في فجره الكاذب انتظارا لفجر ابلج في الثمانينات، ومقيماََ في سرادق عزائه على النخبة في التسعينات، ورفيقا له في اهوال الحرب وظاعناََ بين دولتين، ومتأملا في مخيال العرب، وجزعا فرقا حينما تتكاثر الزعازع وتتناقص الاوتاد، ومتبتلا في رحاب الماجديات في الالفينات ولا امل ان اكون معه في رثائياته واماديحه وحواراته، فعزائي ليس واجباََ فحسب بل هو وفاء الصحبة. صحبة توطدت عراها، بفضل والدي عليه الرحمة، فهو من قراء الرجل وهو من يشهد بأن "ود "ودعبد الماجد" فقيه عالم وانه ثاني اثنين في اجادة الكتابة باللغة العربية هو ومحمود محمد طه"!
    * بكل عوار وخوار، استحصد عزمي واستجمع ما بقي مني، وبقلم عميق الجراحات، فتيق الاحزان، ذريف الدمع، هصور المواجع، اعزي نفسي وانعي لكم منصور خالد!
    * هكذا منصور خالد! مفردً في صيغة جمع، فكأنه اسم جنس جمعي كما يخبرنا النحاة..فإن قلنا منصور خالد فقد عنينا قبيلة القانونيين، الدبلوماسيين، الصحفيين، العلماء، الكتاب، المفكرين، السياسيين، المناضلين والمثقفين الاحرار.
    * لم يُعَرِّف الراحل نفسه بغير منصور خالد!
    ليس ثمة ما يخفيه او يستعر منه، ولو اشار الي لقبه الاكاديمي لميز نفسه وانماز عمن عداه، لكنه فخور بأنه منصور خالد، الذي لم يكن من عوام الناس او اواسطها فهو بمعايير مجتمعنا طيب الأرومة كريم المنبتْ، وهذا ما لم يفاخر به منصور او يستثمره كما يفعل رصفاؤه ممن ولجوا العمل العام، ولم يعرف عموم الناس له نسبا، غير انه "منصور خالد"، ديباجة للتميز، ما جعل الراحل عمر الحاج موسى في خطاب اشتهر،ان يضع كل فئات الشعب السوداني في كفة و"المنصور " في كفة بالاشارة اليه حصراََ ب" ومنصور خالد" ، وهو ما استعاره البروف عبدالله علي ابراهيم لكتاب الفه موسوماََ ب " ومنصور خالد"
    * لم يشر الراحل الي نسبه الا في اخريات ايامه والمتأخر من مكتوباته كما جاء في "الماجديات" ..
    وهذا لم يكن اعتباطا فقد اراد منصور لنفسه ان يكون منصور خالد هكذا، وكأنه يريد ان يؤكد انه عظيم بذاته لا باسلافه.
    * هو باكورة أبناء الشيخ خالد محمد عبدالماجد حامد النور، فهو ابن الشيخ خالد وحفيد الشيخ محمد عبدالماجد حامد ( ود عبدالماجد) العالم المالكي المتصوف، وهو ممن اشتهروا بالصلاح ، ومن مرويات اهل السودان عامة واهل امدرمان خاصة، ان الشيخ قريب الله الطيار قد شوهد في جنازة (ود عبد الماجد) يتابط نعليه ويمشي على اطراف اصابعه، فحينما سئل، حكى ان الملائكة تسير مشيعة ود عبد الماجد، غض النظر عن صحة الرواية او عدم صحتها ومنطقيتها، فانها مما يشار به الي الفرادة والعظمة في مجتمعاتنا التي تؤسطر من تستعظمهم وتجلهم، ولم يكتف المنصور بجمع المجد من طرف واحد، بل حاز على كريم النسب من ناحية والدتهْ فأمه السارة ابنة الفقيه الشيخ أحمد الصاوي عبدالماجد قاضي الشرع واستاذ الفقه. وعم المنصور هو عبدالعزيز محمد عبدالماجد،الفقيه العالم والأديب الأريب والذي اشتهر ب (الدباغ).
    هذه بيوت من اعرق بيوت امدرمانْ التي اشتهرت بالتقوى والصلاح وكانت مثابات علم يؤمها طلاب العلم من كل انحاء السودان، وكانت حَضْرَاتِِ تكاثر أضيافُها وآمُّوها من طلاب العلم والحاجةِ، ليتملوا في وجوهٍ وضيئةََ بنور العلم والتقوى، ووجوهِِ خصيبةِِ تجودُ بالقـِرى وتتصدَّق بالبشاشة والتبسم. ولا شك انه، من هذا الفضل العميم، قد اغترف المنصور واحتاز. من باب الجين ومن باب " الحقنا بهم ذرياتهم وما التناهم من عملهم من شئ"
    * منصور خالد امدرماني المولد، فقد صرخ صرخة الحياة في حي الهجرة في العام ١٩٣١ وتربى في كنف والديه واعمامه واخواله زاهدا متصوفا كدأب اسلافه نهل من علوم الشرع والفقاهة وحظاََ من كتاب الله، وهذا ما هيأه لاجادة اللغة العربية والتمهر في الكتابة بها.
    * سيرة منصور التعليمية تقول انه قد درس الخلوة في دار جده ، ثم المدرسة الاولية بالهجرة ، والوسطى بام درمان الاميرية، ووادي سيدنا الثانوية ثم جامعة الخرطوم كلية الحقوق. وحينها كانت تعرف بكلية غردون او كلية الخرطوم الجامعية،ولعُ منصور بالصحافة دفع به لان يكون مراسلا لوكالة "الصِحافة الفِرنسية" وهو لا يزال طالبا، ولاجادة عمله كمراسل اضطر لتعلم اللغة الفرنسية ملتحقا بالمركز الثقافي الفِرنسي بالخرطوم. وبدا ان اللغة الفرنسية قد استهوته،فما ان تخرج في العام 1956م، الا وذهب الي فرنسا في منحة دراسية لتعلم الفرنسية.
    * بعد مسيرة عملية قصيرة في فرنسا بمجلة افريقية مقرها باريس، ثم في الجزائر قرر السفر لأمريكا ليلتحق بجامعة بنسلفانيا بولاية فلاديلفيا لنيل الماجستير في القانون الدولي.ثم تمكن، بمنحة دراسية اخرى من دراسة النظرية الإقتصادية بنفس الجامعة ومن خلال مسيرة عملية في اليونسكو عاد مرة اخرى لباريس ليحصل على الدكتوراة في القانون من جامعة باريس.
    * كان للمنصور اهتماماًَ بالفنون الجميلة وبرع فيها هونا ما ايام صباه، الا انه قد أُخذ عنها الي ما استوعبه وشُغل به. ففي المرحلة الثانوية ولع بالادب العربي والشعر الجاهلي وادمن فبهما بحثا، وقد افتتن ايما افتتان بالمتنبي. وقد مارس المقارنات والنقد الادبي وهو بالمرحلة الثانوية، فقد كانت له جداريات في مدرسة وادي سيدنا تحكي عن معارفه وحذقه لما يدرس. وقد انعكس تحصيله في هذا المجال في صولاته بالجمعيات الادبية التي كانت تنشط في المدارس آنذاك.
    ومما اشتهر به المنصور، الكيفية التي كان يقرأ ويطلع بها، فقد قيل ان الكتاب الذي يقرأه منصور لا يستطيع ابن انثى ان يعقبه عليه، فهو يضع العلامات والخطوط فيما يقف عنده من الكتاب، بل ان المنصور كان يتزيد فيما يفعل اذ يجعل للكتاب حواشياََ غراء يدون فيها شروحاته واستفهاماته.
    وكما ذُكِر انه كان مولعاََ بقراءة الصحف التي عادة ما يقرأها مستعينا بمقصِِ، فما تفتأ الصحيفة في يده الا ان تكون قصاصات يعمر بها جيبه.
    * سيرة منصور العملية غنية متنوعة كانت من الثراء بدرجة اضافت له ما ميزه عن غيرهْ، وقد امتهن من المهن ما هو معطاء، مهن اضافت له كثيرا من المعارف والصحبة الماجدة.
    عمل المنصور في الصحافة، كمراسل لوكالة "الصِحافة الفِرنسية" وهو لا يزال طالباََ جامعياََ، وتوسع اهتمامه بالصحافة بأن غدا مراسلا مستقلا لعدد من الصحف اليومية السودانية، منها صحيفة (النيل)، (المستقبل) ، ثم في مجلة Présence Africaine بباريس حين وفد اليها في رحلته الاولى. والوطن والجمهورية والاشتراكية، كما يتهمه اعداؤه ومناجزوه بأنه قد عمل في صحيفة الناس لصاحبها المظنون، محمد مكي محمد، وهذا مما لا يقف عنده المنصور نفياََ او اثباتاََ.
    * كما عمل المنصور في مجال المحاماة فازدانت به مكاتب كل من فاروق أبو عيسى، إيميلي قرنفلي، الفاتح عبود وفي الأثر انه عمل مع محمد أحمد المحجوب ايضا.
    * ايضا لقد عمل سكرتيرا لرئيس الوزراء البيه او الاميرلاي عبدالله خليل بك (56 -1958)م.
    وبعد رحلته الي باريس والتي انتهت به الي الجزائر عمل ضابطا بالإدارة القانونية بالأمم المتحدة كأول إفريقي يتبوأ هذا المنصب ،وقد اسهم من موقعه هذا في المعالجة القانونية لأزمة الكونغو، ثم بممثلية الأمم المتحدة بالجزائر اذ تم إلحاقه بمنظمة اليونسكو عند عودته الثانية لباريس.
    * عندما وقع انقلاب مايو ١٩٦٩ جاء منصور مختارا أن يكون وزيرا للشباب والرياضة والشئون الإجتماعية وهي وزارة عني المنصور ان يُنزِّل بها تصوراته لصياغة المجتمع على واقع السودان، والحق يقال، ففي عهده شهد قطاع الشباب نهضة كبرى فعلت الشباب في العمل الطوعي والبنائي. بعدها تبوأ حقيبة الخارجية، التي عكست شخصية منصور الانيقة فيما خصها به من مبنى فخيم، وكادر بشري حرص ان يكون انيقاََ في ملبسه وفي معارفه، وزاد بأن هيكل الوزارة واهتم بالتوثيق والرصد المعلوماتي، فضلا عن تبني اسس الدبلوماسية الحديثة فقد خرج بها من تقليدية المحطات والتمثيل الدبلوماسي التقليدي الي دبلوماسية المؤتمرات والقمم وطرق ابواب الاقتصاد والاستثمار، السلام والصداقة بين الشعوب، ولعل الفضل يعود للمنصور وحده في انجاز اتفاقية اديس ابابا، مشروع كنانة، مشروعات الصداقة الصينية، ومعظم المشروعات التنموية في مايوْ، علاوة على اكتشاف البترول ، العلاقات المفتوحة مع غالب دول العالم فقد استثمر المنصور منابعاته المعرفية والتكنولوجية، معارفه وعلاقاته العملية وصداقاته الشخصية في الانفتاح على مختلف الدول ففي عهده كان للسودان مكانا مرموقا في الاسرة الدولية فضلا عن ريادة في العمل العربي، الافريقي والاسلامي. ولعل من التماعات المنصور المركز الإسلامي الأفريقي الذي أنشأه منصور لغير ما آل اليه، فقد كانت نظرته للمركز ككيان دبلوماسي لذلك انتدب له دبلوماسيا هو السفير د. ياجي، وكانت نظرته للمركز مشروعا حضاريا يشكل الجسر بين افريقيا والعروبة والاسلام مستهدفا ان ينقل السودان من الهامش الدبلوماسي الي مركز افريقي، عربي واسلامي، الا ان خبث الاسلاميين وغباء النميري جعل المركز الافريقي مجرد بؤرة هوس ديني.
    بعد نجاحات المنصور في الخارجية تم التآمر عليه، واحيل الي وزارة التربية والتي عمل بها وهو ماعض فما ترك فيها بصمته كما اعتاد ان يفعل في كل مرفق حل به.
    وآخر ما استوظف به المنصورْ، هي وظيفة مستشار لرئيس الجمهورية بعد اتفاقية نيفاشا لبضع سنين قبل ان يحدث الانفصال.
    * المنصور كان نهزة، لا تضيع منه سانحة، فهو في مسيرته العلمية والعملية والسياسية كان يتصيد من الناس اكارمهم، فقد اشتهر بأنه يختار اصدقاءه كما يختار ربطات عنقه الانيقة وقمصانه الزاهية، لا يكون في معيته الا من يألف ويؤلف، من يطيل الامتاع ويشحذ الطباع، فقد كان يحيط نفسه بالسوامق على امتداد الدنيا، فهو مع نبيل شعث وزير التعاون الدولي في السُلطة الفلسطينية، وزير الخارجية عبدالعزيز بوتفليقة (الرئيس الجزائري
    فيما بعد)، ثم مع دبلوماسيين جزائريين عريقين أمثال محمد سحنون و الأخضر الإبراهيمي (مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بأفغانساتان).
    ولُطفي الخولي (الأمين العام لجامعة الدول العربية، سابقا) والدكتور عصمت عبد المجيد، و د. أحمد بهاء الدين. أيضا، الدكتور مصطفي كمال طُُلبة، وزير البحث العلمي بمصر وصلاح أحمد محمد صالح، فتح الرحمن البشير،عزيز بطران، محمد احمد صالح ،علي المك، محمد عمر بشير،جمال محمد احمد، عثمان محمد الحسن، حسن تاج السر، مدثر عبد الرحيم، .عمر الحاج موسى، يوسف فضل ،فيصل عبد الرحمن علي طه، الرشيد عثمان خالد، محمود عثمان صالح، محمد الحسن أحمد، حسن أبشر الطيب، صلاح عثمان هاشم، عثمان حسن احمد، الوليد محمد طه الملك والاسطورة الخالدة صديق منزول الذي لا يختصره في لاعب كروي ساد ثم باد بل هو عنده فريد تميز عن الاقران وصاحب استعلاء حميد، هؤلاء من اختار المنصور من الصحبة المثرية وهو بينهم كلؤلؤةِ الغَوَّاص بل كان فيهم بؤرة الضوء التي تلتقي عندها الاشعة،يغمر نفوسهم بكل جميل، يزهوهم كما يزهو الطلُّ الورودَ، بحتلُّ صدرَ محافلهم فتخشع له أصواتُهم خشيةَ أن يفرُطَ منهم شئٌ مما يقولُ أو يتفلت، كان بينهم عالماً وأديباً ذا سماحٍ يُفاد من علمه .لا بتشادق بينهم متفاصحاً ولا بحجهم متنفِّجاً، فلم ينبو عليه أمرٌ ولم يخِب له سهمٌ عن رمِـيَّة.
    * منصور امدرماني، حتى النخاع هو امدرمان ببيوت طينها وازقتهاْ، بطابيتها، وقبتها البضوي نورها وبوابة عبد قيومهاْ، باذاعتها وسجن سايرها، بهلالها ومريخها وموردتها، فهو لا شك قدل حافيا حالقا بالطريق الشاقي الترام، لذلك هو عاشق للحقيبة شعرا وغناء، يستطعم جيدها ويحسن التسامع لالحانها، ويعرف مراقدها كأهل امدرمان الذين دوزنوا آذانهم ووجدانهم على النغم الجميل والطرب الاصيل، قلوبهم غير ممعرة وامزجتهم ليس بها صلع واسماعهم ليس بها صمم، فكان منصور واحدا منهم يتخذ على المك خليلا، وابوداؤود مسامرا يستغرده مايستطيب من غناء الحقيبة.
    * فكريا، وقف منصور وسطا كخير الامور فلا هو لليسار ينتمي ولا يمت بصلة لليمين، فلم يعرف عنه انغماساََ جزافياًَ في ترهات الايديولوجيا، كان عصياََ على الاستقطاب، فقد جاء الي الجامعة مثقفاََ كاملاََ، فقد تخرج في بيت ذويه كعالم ازهري، وفي وادي سيدنا طرق باب الفلسفة والفكر الماركسي، فلم يكن كوباََ فارغاََ ينتظر من يملأه عندما هل على الجامعة، بل كان ذو تفكير ناقد جعله من رعيل المستقلين الأول، مثقف عامر بالمعارف، له في السياسة باع، ويجري منه القلم بالدرر الغوالي نثرا، وتعزافا يدوزن المفردات انغاما تغني غناء ذاتيا، وان اراد ارعدت وصلصلت كسيوف الحق المشرعة. المنصور كان من الألباء، لذا كان نسيج وحده وكانه قد نسج على منوال غير ما نسج عليه الناس.
    * ذاع صيت المنصور ككاتب مائز في اوخر الاربعينيات وهو لا يزال في مرحلة الطلب، كأول من يكتب عن التجاني يوسف بشير، بعيد نشر ديوانه، في طبعته الأولي عام1943،
    وقد علق على هذا المقال د. احمد محمد البدوي قائلا: "كان المقال عملا نقديا حصيفا وحقيقيا لأنه مزدان بتذوق يسبر الغور ويستجلي الجمال. ولأنه أنيق في مجتلاه."
    وعزز امتيازه الكتابي هذا بمقالات شغلت من يحسن القراءة في عام 1968،تظهر في جريدة الأيام اعتراضا على حل الحزب الشيوعي، وكانت بعنوان "يوم أكل الثور الأبيض" وهي مقالات حواها مؤخرا كتابه "حوار مع الصفوة" ولعل الدكتور احمد محمد البدوي قد كفاني عنت التعليق عليها واكتفي بما ارصن من تعليق:
    " تدرك ان أسلوبها الأدبي الرنان اجتذب القراء، أكثر من الموضوع، وتلك ميزة منصورية متبرجة بالمحاسن التزيينية إلى حد الاجتهاد في توليد الاشتقاقات غير المألوفة، والمتراقصة موسيقيا وتشكيليا،مثل افتنانه في ارتداء أزيائه الحداثية المتفرنجة، فكأنه وكأنها لوحات تشكيلية حداثية، هنا فقط ندرك قول الفرنسي: الأسلوب هو الرجل."
    * ولن نبارح الدكتور احمد محمد البدوي حتى نسمعه وهو يقول: " يبقى لنا من منصور، منصور الشاهد المطل من عل ، الموثق للسودان المستقل وخيباته، وفجيعته في الصفوة التي انتدب نفسه للحوار معها، فانتهى به الأمر مدفوعا إلى شن حرب ضروس ضدها،
    جندل رؤوسا كثيرة، كانت في المقدمة، تعنو لها الوجوه، ولكنه مضى مثخنا بجراح اوقعتها به، المرحلة التاريخية الموبوءة، يموت مدثرا بكتاباته مثل التجاني مدثرا برقاعه، ينزف."
    * وعلى نحو ما يحب المنصور، فانه ظل على امتثال تام لفروض عشقٍ وهيام بوطن ما ندَّ عن ذاكرته وما نضَّ عن قلبه، فذاك وجد صوفي فالمنصور يعمق معارفه وجدا بوطنه ويجود مهاراته حبا له، وهو يمالئ حملة السلاح انفعالا به وهو يجنح للسلم هياما به ولعل هذا يفسر عطاء فضفاضا فيما اثرى به المكتبة السودانية، سياسة في ضرب ادبي من الكتابة، زانته فحولة لغته وفروسية قلمه، فقد كان فذا في اصطياد جازم الكلمات وتخير لآلئ المعاني، فقد وظف موسوعية معارفه في رفدنا بهذا التراث الكتابي العظيم، مما يجعلنا نتحسر على غياب هذا القلم الذ يفخر صاحبه بانه " سيف" وايم الله انه لقلم سيف يطاعن العدا ويدمي كلومهم، انه سيف اختبر نصله وامتحنت ظبته وذؤابته، سيف جعل القراء يستطيبون العنف اللفظي ويطربون له.
    *أ المنصور عذراً إن لم أوفيك حقاً أنت به قمين..فمصيبتُنا فيك رزءٌ أكبر من أن توفيه كلماتٌ عابرات. يقينا ستفتقدك الامكنة وتخلو منك مقاعد تبواتها ولكن ستظل فينا ما حيينا، فكما دأبتَ على القول ان رحيلُك عن دنيانا إنتهاءٌ لوظيفة جسدك بيولوجياً إنتقالاً لسكونٍ أبدي، إلا أن الحِراك الدائب هو ما تركته فينا من معارف وسيرةٍ لا مَوات لها. ولو كانت القبور تحتفي بمن تضمهم لأحتفى قبرك بك فبين جنبيه رفات احلام جميلة وذكريات باقية.

    وما أنا من رُزءٍ وإن جلَّ جازعٌ
    ولا بســرورٍ بعد فـقدٍك فــارحٌ






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de