|
Re: نص مدهش منقول من صفحة Ayman Hashim (Re: Hatim Alhwary)
|
جاء طوفان نوح، و جاءتِ العرب تمتطي نياقها، تلُّف عُقالاتها، تبرُق عُيونهم الصفراء، يحملون سياطهم كمنْ يُجدِّف، و يصرخون بفوضوية، كرياح العتمور، مُعتَّمين بوجوهٍ ميتة. تدّقُ بحوافرها كإيقاع طبول، يدّقون صدر الأرض التي تلهث أمامهم، تتمددُ الأودية و الخيران لتستحيل لأرضٍ منبسطة، يمضغون غصون الأراك بين ضروسهم، الغاضبين يزرعون الصحاري المصرية جيئةً و ذهاباً كعواصف رملية، يحفظون أطلسّ خوفها، حدود مُدنها، أسماءها الخفية، ببنادق قديمة و رصاصات صدئة كانوا يخيفون التلال الشبحية، مهربي البضائع، الإسرائيليون، إسمهم الكتيبة الضائعة في الصحراء من سلاح الهجانة.. *** عندما كانت أجهزة رصد طائرات العدوان الثلاثي تُحلق في سماوات سيناء الجرداء، كان الجنود السودانيون يمشقون عباب الصحراء، يصيرون كالرمل، و يثبتون عندما تمر الرادارات فوقهم، و تمشي العقارب السوداء فوق الكتل الصخرية السمراء و قد أرخت زيولها، لذلك كل مرة تصل برقية لحيفا - هذه الصحراء مسكونة. *** الجنود التي تمتطئ الإبل، تحفظ الصحراء بنجومها، و جثث الضائعين فيها، بشيوخها الثلاثة عشرين و أوتادها، برغم صعوبة قراءة كتاب الرمل هذا، إلا أن الكتيبة المقاتلة كانت تصطاد الأرانب الإسرائيلية بشراسة مرافعين، من داخل العربات المصفحة المرتعبة و التي كانت تفر شرقاً، تنفجر رؤوس جيش الدفاع من الخوف. *** عبرت الكتيبة نهر يوشع القديم، النهر غير المكتشف الذي عبره موسيس، و من خلف النهر الرملي إختفت إبلهم، و إختفوا هم. في المنام، يزور زوج عمتي الجندي رقم 13 في كتيبة سلاح الهجن الضائع في الصحراء، ليخبر عمتي فقط أنه عطشان، و في الصباح توضع المياه لطيور الزرازير الغبشاء، الطيور التي ترتدي زي الفرقة الضائعة، ترتشف الماء بنهمٍ. *** شوهدوا في معركة دير ياسين و هم يحاولون إلصاق رقاب الأطفال المقطوعة، و شوهدوا في غزة يجهزون قذائف الهاون علي المستوطنات، و في سادوت المتاخمة للصحراء يعرِفُ المستوطنون الرياح بإسم الكتّاحة، و يسمعون فيها صوت وقع حوافر الإبل، فيسرعون ناحية الملاجئ تحت الأرض. *** يحكي الجُنود المصريين عن جنودٍ لا يخترقهم رصاص، يتباهون في المعسكرات بجلد بعضهم و الغناء بصوتٍ غليظ، و بإطلاق النار على أنفسهم ليلاً، و يتكلمون مع الإبل. و يعرفهم جنود جيش الدفاع بإسم أشباح الصحراء، ففي حرب الصحراء للعام ثلاثة و سبعين إلتقط مجند المستوطنات القادم من أوربا على نقطة الرادار ما يشبه سفناً، كالتي وردت في العهد القديم. جاء فيضان نوح، و جاءت الأشباح تمتطئ النياق الميتة، يلفون عقالاتهم و تبرق عيونهم الصفراء من العتمة، يحملون سياطهم كمن يجدف، يمتطون سُفنّاً قديمة، و يصرخون بفوضوية، يتحركون بشهية ناحية الرصاصات، لم يناورو سيل الرصاص المنهمر، لم يتوقفوا عن الزعيق المزعج، و لم تتمزق أجسادهم، و لا حتى ملابسهم، كان الرصاص يتساقط؛ فقط مقدمات رصاصات متساقطة. توقفت الكتيبة الضائعة عند الخيام المنصوبة، و أخذو يمضغوا الحديد و المقابض الخشبية للبنادق الملقاة أرضاً، ورد في تقرير جنود جيش الدفاع، أن هناك نوع من ضباع الصحراء هاجمتهم؛ ذلك النوع من الكائنات الذي لا يترك حتى بقايا قميص ممزق أو دم و الذي يشتهي مضغ البنادق و أعقاب الرصاص. *** كُونت الكتيبة من السودانيين، و من إبل بُشارية مُهابة، و من صحراءٍ بُسطت تحت أقدامهم المشققة، بعضهم يقود جناً مجنزرين في ناقته، و بعضهم يعصب كتفه بالتمائم، كانوا يعرفون كل شئ، الأنهار السرية، و نجوم تحمل الفال، وديان النطرون اللامعة، و أسرار الشجر، بل حتى الواحات المخفية، و في الليل يرقصون كتلال الصحاري المتحركة. *** البلاد الشمالية حيث يتصل النهر بالبحر، المحروسة، محمية بجنود مجهوليين، كتيبة مجهولة تقود الإبل و تُمشط البلاد الصحراوية، تتحرك كالشياطين، و تمشطها كخصلات برقة غير محسوسة، الجنود ذوي الأصل الجنوبي، الذين تنتصب مقابرهم الرمزية في عين شمس، لقد كانوا أشخاصاً خطرين، مثل رئات ريح كثيرة أخرى كانت صدورهم معبأة بالصحراء، و ينبت منها ذلك الشجر الذي سيأتي يوماً و سيتحدث، يشئ باليهود خلفه. Ayman Hashim September 4 at 10:01 AM
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نص مدهش منقول من صفحة Ayman Hashim (Re: Hatim Alhwary)
|
عندما وصلّ جدي الأكبر-مجهول الإسم بلاد النوبة، كان يملك من الإبل ما يكفي لإخفاء أفق الشمس عند الغروب، كانت القبيلة تتبع مجرى النهر، حتى إذا وجدت نهراً أصغر يقضم الأفعى العظيمة- نهر النيل، مكثوا في جنباتها. *** نزلت العرب من مراكب البلد العجوز، و ضربوا خيامهم حول دنقلا، إمتلأت قرى النهر بالبشر، صادف ذلك بزوغ نجم الشعرى، حيث يحيض النهر، نُصبت الخيام في وادي الضريسة، و تُركت الإبل ترعى الحسكنيت، في المساء و مع تأخر القمر العادي في البزوغ بعد معركة طاحنة مع المرافعين، ظهر القمر من خلف أشجار الأكاسيا، حيث صارت لمعة الصمغ كالذهب، و ظهرت نيران الأفاعي المضللة للمسافرين وراء التلال الرملية. *** جاءت السافل-إبل الجن و رعتّ مع إبل جدي، كل النوق الشبقة كانت فضلاتها خضراء بلورية من حشائش أنهار الجن، لذلك عندما أناخ أقدام الإبل ركضت و تتبعتها القبيلة طيلة الليل. بعد مضي فترة حملها، ولدت نوق بيضاء قمرية، و أصبح الوسم المعروف لها إبل العربي. على خيران دنقلا هناك جلسنا، طلبوا منا أن نرنم ترنيمة للرب، كيف نرنم ونحن فى أرض غريبة؟! لذلك حزمت القبيلة أمتعتها و نزحت جنوباً. *** إستيقظت السماء تبكي، كان دمعاً حاراً من الطرفة البكاية، و إرتفعت رائحة الطين، و مع كل قطرة في تراب السفاية كان ينتفض غبار الأرض المشتاقة للمطر. إحتمت القبيلة ببيوت المرافعين في جبل العين، حيث تظهر فتحة الكهف كعين في إتجاه النيل، و من الأعلى شاهد الجميع كيف كان النيل يزحف بين الأشجار كطفل صغير، تاركاً أثر مروره العطن ماءاً، و لم تُغلق السماء عيونها حتى حلّ محلها الغبار الأسود. كانت أيام حداد، ثمة وتد قد توفي، و إلا كيف إنهارت سماء الأرض الجديدة هكذا، لا تبكي الغيوم إلا عند موت ولي صالح. *** لأيامٍ تلت رعت الإبل قش الكربكان المقدس، و إنتفخت بطونها، و إقتربت القبيلة من النهر رويداً رويداً، وبدأو يألفونه، يلمسون المياه بأطراف أصابعهم، و يمررونها حتى أرجلهم الجافة المشققة، التي إحتل شقوقها الطين. شتتوا بذور القمح، الذي أخرج سرته التي تربطه بالأرض بعد ساعات، حتى إن القمح نما في شقوق أرجلهم. كانت أرضاً خصبة، داكنة و مرعبة. لم تُخرج القش و حسب، أخرجت الأولاد السود من بطن البحر، الجثث الغارقة نبتت في الجروف، حيث تلعب صغار التماسيح بدأت القصص حول أولاد البحر، و الشجر المستحي، وطيور وردية اللون. أزعج البحر العقارب الطينية المشعرة فخرجت، و أغرق البيوت الطينية للزواحف، و نمل الهويملا، حتى أفاعي الرمل، إختنقت. *** لكن ذلك الطين كان شهياً، إشتهته جدتي - مجهولة الإسم عندما كانت حامل، و عندما وضعت خلق الله أول إنسان في قريتنا من طين الكُركتي" الحمأ" خلاصة رحلة النيل من مرتفعات الحبشة، الطين الذي يبعث الحياة في الحقول. عندما بزغت نجمة الشُعرى، وصل جدي (النهر) ، و كانت جدتي (اليابسة) حبلى، كل أهلي الذين وُلدوا كانوا تساباً و من طينهم بُنيت البيوت التي تراها و التي يحنُّ لها جدنا النهر.
Ayman Hashim August 23 at 9:51 AM
| |
|
|
|
|
|
|
|