الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل الشجاع - وداعا - توثيق

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 01:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-28-2020, 04:10 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل الشجاع - وداعا - توثيق

    03:10 PM November, 28 2020 سودانيز اون لاين
    الكيك-
    مكتبتى
    رابط مختصرامسكت بالماوس لاكتب عن الرحيل المرللسيد الصادق المهدى الذى فجعنا جميعا برحيله ونحن في بداية ثورة شعبية اقتلعت نظاما اخوانيا فاسدا بعد نضال مرير امتد لعدد من السنوات ثلاث عقود من العذاب والسرقة والقتل والتعذيب والكذب المتواصل كان هو احد اهم الرموز التى عملت على تغييره ودفعت ثمنا غاليا خلالها من اجل ان ينعم الوطن بالحكم الرشيد ..
    وجدت نفسى لن استطيع ان اعبر اكثر مما عبر كتاب وزملاء مخلصين لهذا الوطن فاثرت ان اجمع جزءا قليلا مما كتبوا لاقدمه للقارىء السودانى لعلى اساهم ولو بالقليل
    معالى ابوشريف
    ابوظبى
    :
    رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قال
    «كان الإمام الصادق المهدي دالة للديمقراطية، ونموذجًا للقيادة الراشدة، وصفحة من الحلم والاطمئنان في زمان نُحت فيه السخط وتوالت الخيبات على صدر كتاب التاريخ، وبرحيله انطفأ قنديلٌ من الوعي يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب»،
    ------
    فيما وصفه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، بأنه رمز وطني وقائد سياسي، «ساهم في صنع وتشكيل الحياة السياسية في السودان، ظل وفياً طوال عمره لوطنه وشعبه»،

    فيما قال نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو «حميدتي» في نعيه للراحل: «انطفأ برحيله سراج الحكمة والوعي الكامل بقضايا وهموم هذا البلد... كنا ندخرك للمواقف الصعبة والظروف السياسية المعقدة التي تعيشها بلادنا... فقدنا اليوم بعض تاريخنا وملامحنا وتسامحنا السوداني الأصيل».
    -------
    ونعاه تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، ووصفه بالعلم السامق والمفكر الحكيم، والقائد العظيم، واعتبره حزب المؤتمر الشعبي «خسارة كبيرة للسودان».
    ------

    الامام الصادق المهدي (رحمه الله) كان (مرق) هذه البلاد، وبوفاته فقد السودان احد
    دعاماته الاساسية واعمدته الفقارية التي لا تعوض، فشخصية مثل شخصية الامام الصادق قل ان يجود بها السودان، وسيظل علامة فارقة فى تاريخنا الوطني بجهده وبذله ومجاهداته وعطائه المنداح في المجالات كافة، وهو لهذا قد تبوأ مقعده بين العظماء ليس فى السودان فحسب بل فى العالمين العربى والافريقي والعالم الاسلامي،
    حيدر المكاشفى

    كما يقولون عند رحيل عظيم من العظماء تنقص الأرض من أطرافها، فان ارضنا قد نقصت برحيل الامام الصادق، وانطفأت منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع العالمين، وانفطرت لموته القلوب، لكونه من حماة الأمة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها التي ترتفع بها إلى مصاف الأمم الخالدة ذات الإسهامات الكبرى في حياة مواطنيه اولا ومن بعد البشرية..
    حيدر المكاشفى

    انني لا اعرف سودانيا صميما وقحا في سودانيته مثل الامام الصادق، فهو افضل من يمثل الشخصية السودانية الحقة ويتمثلها، والا فليدلني احد على شخص سوداني متبحر ﻓﻲ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻻﺩﺏ ﺍﻟسوداني مثل الامام الصادق المهدي، وليشر لي آخر عن سوداني يتفوق على الامام الصادق في المامه بالتراث الشعبي السوداني بمختلف مناطقه واثنياته وله معرفة باللهجات المختلفة مثله، ﻭﻟﻌﻞ ﻣﺮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻔﺮﺩ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ،
    حيدر المكاشفى

    كان منفتحا على الجميع من كل الأطياف وكل الأعمار، وبقول واحد كان الامام مهما اختلفت معه من نوع البشر الذي يألف ويؤلف (ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف).
    حيدر المكاشفى

    الصادق المهدي رحيل قائد استثنائي كالبصمة لايتكرر
    ترجل الفارس المغوار وترك فراغا لايمتليء وجرحا لايندمل. كان استثنائيا كالبصمة لايتكرر… مات الإمام وأخذ برحيله من العالم الطاقة والحياة والمعنى. حبب إلينا الموت وكره لدينا الدنيا.
    صديق الحلو

    بتواضعه الجم مع الصغير والكبير. ملأ الدنيا وشغل الناس كأبي الطيب تماما.
    احب السودان وأهله وأنشأ أبناؤه وبناته على حب السودان وناسه واحترام الصغير والكبير. كان كبيرا نال المعالي وشرفنا في المحافل الدولية والإقليمية. كأنما يمسك القمر بيد والشمس باليد الأخرى. يتحدث كما المسك شذى البنفسج والياسمين. بكيناه بدمع القلب ونعي الناعي وامتلات الجماهير باللوعة والاسافير. عم الحداد أرجاء سوداننا الحبيب. كان فريدا فينا ومتميزا بجهده الذي بهر به العالمين. كنا نحتاجه أكثر ونوده أكثر ولكنها إرادة الله العلي القدير.
    صديق الحلو

    لم يكن في ذات يوم إنقلابياً بغيضا قال له الناس ارحل. ولافاسدا انتهازيا قيل له تسقط بس. أو مرتشيا مستبدا دكتاتوريا وسفاح. ظل طول حياته العامرة داعيا للحرية والديمقراطية وحكم الشعب.
    علمنا يا سمح الاهاب.. كيف نطمئن وأماننا غاب.
    كان يحلم للسودان بغد افضل. وحياة رغيدة وعيشة سعيدة. وَكنا نحلم معه أن يكون السودان في المقدمة.
    صديق الحلو


    تعجز الكلمات عن رثاء الصادق المهدى، فمثله لا تحتويه عشرات المقالات، ولا عشرات الصحف، ولا عشرات الكتب، ولا ملايين الصفحات، فلقد كان أحد أطهر وأعف وأنقى وأنبل وأكرم وأعظم الرجال
    كان متسامحا مع نفسه ومع الآخرين، سمحا، حكيما، حليما، متعففا، مبتسما رغم حملات التجريح المستمرة التي ظل يتعرض لها من الكثيرين، بل من أحقرهم مكانةً وأحطهم قدرا وأوضعهم أصلا من الذين تسلقوا في غفلة من الزمن الى السياسة او الصحافة، أو ممن أتاح لهم التقدم العلمي وانتشار الوسائط الفرصة للنبيح والعواء، فلم يجدوا غير الرجل النبيل العفيف الطاهر عف اللسان المتسامح السمح، لينفثوا فيه سموم أصلهم الوضيع .. حتى وهو على فراش المرض يعانى سكرات الموت !.
    زهير السراج


    عكف طول حياته مهموما بمستقبل كيف يكون السودان ضاربا الأمثلة الحسنة في السلطة عندما كان رئيسا للوزراء لمرتين لم ترتبط رئاسته بظلم أ وفساد فكان عنوانا للتهذيب والقدوة الحسنة واحترام الجميع والخلق القويم، لم يتكبر ولم يتغطرس ولم يسيئ إلى أحد بل كان دائم الصفح ومتجاوزا الصغائر وحتى عندما كان في المعارضة حرص أن يكون معارضا مثاليا لم يجنح للعنف أو التهور أو الإساءة همزا ولمزا، فكان خطيبا مفوها وأستاذا محاضرا يبث الوعي والاستنارة في كل خطبه وخطاباته. يتميز دائما في انتقاء الكلمات والحكم والأمثال السودانية المتأصلة في أعماق التراث الثقافي. رحم الله الإمام الأستاذ، المعلم الشهيد الصادق المهدي ونسأل الله له الرحمة وحسن القبول مع الصديقين والمرسلين وان يجعل البركة في ذريته واحبابه
    حسن وراق
    الحاج وراق
    • ارتوى من أفضل مواريث انسانيات السودانيين، خصوصا نبعها الصوفي، ثم فاض وبلغ في انسانيته الاستثنائية إنه لا ييأس أبدا من الخير في أي شخص بالغا ما بلغ من الشر والاجرام..

    كان مفكرا عبقريا. يقول الشائنون انه ظل يراوح بين قبة المهدي واكسفورد، لكن في هذا سر عبقريته ومأثرته، حيث كان همه الرئيسي التوفيق بين الأصل والعصر. والعبقرية في أصلها اللاتيني تعني المزج، والعباقرة هم الذين يمزجون بين أشياء تبدو وكأنها غير قابلة للمزج، على هذا تأسس العلم الحديث، حين مزج نيوتن بين دراسة الطبيعة والرياضيات فتأسست الفيزياء الحديثة. وكذلك كان باعث الإمام الصادق الرئيسي أن يعيش المسلم المعاصر بدون شيزوفرينيا -الفصام النكد- بين الإيمان والحداثة.

    ومن دلائل العبقرية الفكرية كما يقول العقاد المشاعر الطاغية تجاه العبقرى، اما محبة غامرة أو كرهاً شديداً، ونال الامام الصادق من كليهما، وحق له أن يفخر أنه حظي بمحبة غالب السودانيين، في حين كرهه سدنة وأزلام النظم الاستبدادية ومقاولو انفار الكراهية والتوحش..

    تتجلى انسانيته الاستثنائية أيضا في إنه ورغم الإيذاء والتوحش اللذين واجههما بحجم ربما يفوق أي سودانى آخر، لم يتلوث وجدانه بالمرارة أو القسوة او الرغبة في الايذاء المضاد وانما ظل (جمل شيل)، صبورا، نبيلا، عفوا وسمحا.

    كان الإمام زعيماً سياسياً، والسياسة بطبيعتها محل الاختلاف، لا تتحدد بالمثاليات وحدها وإنما كذلك باكراهات الواقع والسياقات، ومسيرة أي سياسي لا تقيم بهذا الموقف أو ذاك إلا لدى متربص أو حقود، تقيم موضوعيا بالاتجاه العام الرئيسي، والإمام الصادق رغم أنه حكم وعارض وقاتل وصالح وتحالف وتباعد، في مسيرة امتدت لعقود، الا أنه لم يفقد انسانيته، ولم ينتهب مالا عاما، ولم يأمر مطلقا بقتل مدني أو إعتقال او اخراس معارض، كما لم يستسلم ابدا للطغيان العسكري الذي أضاع غالب سنوات ما بعد الاستقلال، فكان الأنصار وبقيادته شخصيا مخرزا في أعين الديكتاتوريات المتعاقبة.


    لأنصار ميراث ومأثرة الامام الصادق الكبرى قادهم بالمحبة، وأشاع بينهم المحبة، جدد رؤاهم، ثم بقيادته الفكرية والسياسية رغم أنهم واجهوا لثلاثة عقود متصلة مكراً تزول منه الجبال، إلا انهم لا يزالوا طوداً متماسكاً وفتياً، ورقماً عصياً على تجاهل أي شخص جاد.

    • الجهلاء لا يتحفظون ولا يستدركون ويجزمون ويشتطون، في حين كلما تعمقت المعرفة كلما تكاثفت الألوان والظلال فتنتصب دوما امام العارفين: (ولكن). ومعرفة الإمام العميقة في أساس تحفظاته واستدراكاته، وكذلك سر اعتداله، فهو لا يذهب أبدا الى الأقصى. كان على استعداد ليرى أية بذرة حقيقة عند أى طرف، سواء كان من حركات الهامش أو ماركسيا أو قومياً او سلفياً، وبهذا شكل قاسماً مشتركاً أعظما وكان صادقاً متسقاً فى دعواه للسودان العريض الذي يسع كافة بنيه..

    وكنت شخصيا ولسنوات وسيطا بينه وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان – قبل وبعد الانفصال، وأشهد انه لم يكن يدخر وسعا في البحث عن المشتركات.
    • ومع اعتداله الذي شكل نسيج شخصيته لم تعزه الشجاعة المعنوية أبدا، جعلته اكراهات السياسة حليفا للقذافي لفترة وكان يعرف نرجسيته التي تصل الى تأليهه لذاته لكن مع ذلك لم يتردد في نقد هراء الكتاب الأخضر، وكان ضيفا على مصر مبارك ويصرح علنا باعتراضاته وانتقاداته، وصادق الايرانيين في فترة لحد ما لكنه لم يخفى اشمئزازه من دولة الملالى الكهنوتية، .

    في احدى أقواله البليغة وهي كثيرة ، قال الامام الصادق ان غياب الاعتدال اختلال يؤدي الى الاحتلال – الاحتلال الداخلي أو الخارجي. واذ تشهد البلاد حاليا تطرفا وتوحشا هائلين، ما أحوجنا إلى اعتدال الامام، الى قبول اختلافاتنا بسعة وسماحة، والى احتضان تعدديتنا في اطار التوافق على القاسم المشترك الأعظم - دولة الديمقراطية وحقوق الانسان. والخوف كل الخوف ان يكون رحيل الامام الصادق نذيرا برحيل الاعتدال عن بلادنا!..

    الصادق المهدي .. الدنيا الجميلة !! .. بقلم: د. مرتضى الغالي.

    الإمام الصادق المهدي: راتب المهدية الثالثة .
    . بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم


    الإمام الصادق المهدي: قمراً مضوي وغاب فُرْقَك شوانا .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

    د. يوسف السندي د. يوسف السندي

    لا اظن ان احدا من اهل السودان لم تطرف عيناه بالدمع اليوم وهو يستقبل النبأ الفاجع بوفاة الإمام الصادق المهدي، فالرجل في الفترة الأخيرة كان هو ابو السودان وكبيره ورمزه الوطني البازخ، مهما قال عنه الناس، عادوا وعلموا ان ما قاله كان الحق، فالرجل لم يكن يطلق كلامه من منطلق الباحث عن مجد، فإن كان المجد هو حكم السودان، فقد حكم الإمام السودان مرتان وحكمه بواسطة الانتخابات وليس بالسلاح ولا الانقلاب
    منصور السندى

    شخصية الامام كانت بسيطة متبسطة مع احبابه ومن يلتقيه، كان لين العريكة من غير تهاون، سهل المحادثة نقي العبارة ودقيقها من غير خشونة أو اعتداء لفظي، وهي صفات تدهش كل من التقاه وأختلف معه، ومع ذلك لم يكن يفقد مهابته وكارزميته، كان مزيجا عجيبا من الجمع بين صفات الشخصية المحبوبة والشخصية القوية، من غير أن تلاحظ ذلك الفرق الدقيق إلا عند المواقف التي تتطلب ذلك.
    منصور السندى

    ترك الإمام الصادق المهدي إرثا ضخما في كافة المجالات فالرجل لم يكن ينام الا ٦ ساعات فقط في اليوم، ليستخدم ١٨ ساعة بالتمام والكمال يوميا في إنجاز مشاريع الحياة والوفاء بمسؤلياته المتعددة، ومن ضمن ذلك مشروع الكتابة، وهو المشروع الذي يتفرد به الإمام الصادق عن أقرانه بالسودان من قادة الأحزاب السياسية والفكر في السودان، فالرجل كان قارئا نهما، وكاتبا ملتزما بإصدار الكتب والأوراق والمنشورات، حتى ليكاد يكون الإمام هو الشخص الوحيد في السودان الذي له خطبة او كتاب او رسالة او منشور عن كل ما جد واستجد وواجه حياة الناس في السودان أو في العالم.
    منصور السندى

    عبر السنين حملت كتابات الإمام الصادق ثباتا نادرا في الخط السياسي والفكري، وهو دليل على اتزانه وإتساقه وابتعاده عن التهافت والتذلل والانتهازية، فالرجل ظل وفيا حتى مماته لمبدا ان لا يشارك في حكم او يتقلد منصبا في حكومة الا عبر حكومة قومية او بالانتخابات، كما ظل ملتزما بالدفاع عن الديمقراطية ومواجهة الشمولية والدكتاتوريات، كما أنه لم يتنازل عن دعم قضايا الأمة العربية والاسلامية الكبرى في فلسطين وفي السلام والعدالة.
    ليس سهلا ان يمر في المستقبل القريب قائد سياسي سوداني وطني ملتزم بالعطاءين السياسي والفكري معا بعد رحيل الامام
    منصور السندى

    عندما يرحل المرء عن الدنيا، تذهب معه أعماله، و أيضا تبقى أعمالا له أمام الناس كتابا مفتوحا بما انجزه من معارف و تركه من تصورات، و الحكمة أن يذكر للميت محاسن الاعمال دون سوءاته، و بحثت في دفاتر اللإمام عن سوءة واحدة لم أجدها، رجل كان لسانه عفيفا لا يفجر في خصومة و لا يقول فاحش القول و لا يقول إلا الحسنة، و كان صدره واسعا لأي نقد من قريب أو بعيد و لا يصنع منه جفوة بل يفتح معه أبوابا للحوار، كان يطرق آذنيه لكي يسمع من محدثه قبل أن ينطق ببنت شفا، كان موسوعة في السياسة و الثقافة و الفن، كان رجل دولة بمنطق التواضع و الحكمة و صدع القول الحق،
    زين العابدين صالح .

    كان يختلف عن السياسيين الآخرين لا يسلم علي الناس إلا واقفا مهما كان المقبل علي السلام، احترام الآخر هو من احترام الذات و دلالة علي سعة الثقافة و التواضع، رجل أعد نفسه لهذا اليوم أن تفجع الأمة كلها برحيه، حتى الشياطين وقفت سكلى علي رجل استعصى عليها في الغواية، نسأل الله له الرحمة و المغفرة.- زين العابدين صالح

    له الرحمة والمغفرة الامام العفيف سمح السجايا السودانية .. بقلم: حسن الجزولي

    روعت الأمة السودانية برحيل الحبيب الإمام الصادق المهدي فجر الخميس السادس والعشرين من نوفمبر ٢٠٢٠ فقد كان الحبيب الراحل قائدا ملهماً، وعقلاً راجحاً ، ومفكراً لا يشق له غبار ، ووطنياً قل أن يجود السودان بمثله، رحل والوطن في أمس الحاجة لحكمته.
    مبارك الفاضل
    -----------
    هذا الرجل رقم لا يمكن تجاوزه مهما كان مستوى الاختلافات السياسية التي تنشأ بين ابناء الشعب السوداني ، زعيم سياسي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان سامية، أفنى كل عمره في العمل السياسي وواصل على درب آباءه وجدوده في بناء أكبر الأحزاب السياسية (حزب الأمة ) على مر تاريخ الأحزاب السياسية في السودان فقد عمل على تأسيس بنيانه الرصين بشكل متفق ومتسق ومتناغم في كل أطيافه ، زعيم أتت به كل الديمقراطيات التي مرت علينا ، مثقف من الطراز الأول ، نهم في كل ضروب العلم ، ألف العديد من الكتب في معظم مناح الحياة ، كتب في السياسة وفي التاريخ وفي البيئة وفي الشريعة وفي الاقتصاد وفي الرياضة وفي الفن وغيرها من ضروب المعارف والثقافة الأخرى ورفد المكتبات السودانية بل والعالمية بأجود وأميز المخطوطات فقد كان رحمه الله محنكاً لبقاً وخطيباً مفوها كرمته واحتفت به كل المحافل الدولية والاقليمية والمحلية، ترجل عن صهوة جواده وترك لنا فجوة لا يسدها الا هو لم يثنه المرض ولا كبر السن عن خوض المعارك السياسية في أشرس أحوالها فلم يضع سيفه قط حتى آخر لحظاته.



    بوفاة الإمام الصادق سقطت راية خفاقة من الرايات السامقات في بلادنا تعلمنا منه كيف يكون أدب الاختلاف مع الغير فقد عرفناه مهذباً منضبطاً حتى عندما يواجه من قبل خصومه باقبح الألفاظ واحرج المواقف التي يمكن أن يمر بها انسان في حياته.
    الفاتح جبرا



    (adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});الإمام الصادق المهدي: راتب المهدية الثالثة .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم نشر بتاريخ: 26 تشرين2/نوفمبر 2020 (رحل عنا الإمام السيد الصادق المهدي الذي كان أقرب من عاشرت إلى قبيلنا معشر الكتاب. وكان كاتباً غزير الإنتاج يريد به عقد السياسة والثقافة في الحلال. ولكم عجبت لصبره الجلوس في منابر العلم يصغي بمسؤولية لما يقال بينما يضيق من دونه طلباً على وقته فيدخلون ويخرجون. ومتى استدعى الظرف خروجه لم ينس أن يعتذر بدماثة لأهل المنبر.وأعيد، بمثابة وداع لذلك الرجل الهيبة النادر، نشر كلمة لي في تثمين كتابه "الإنسان بنيان الله: القضية الإنسانية" )انعقدت بقاعة الشارقة ندوة لمناقشة كتاب الإمام الصادق المهدي الأخير الذي عنوانه "الإنسان بنيان الله: القضية الإنسانية". وكنت ضمن جماعة ابتدرت النقاش فيها الدكتورة فدوى عبد الرحمن على طه والدكتور حسن الساعوري. وحوى الكتاب تسعة فصول هي مساهمات الإمام في منتديات عالمية ناقشت القانون الدولي لحقوق الإنسان في السلم وفي فورات الاقتتال. استبشر فيها بالتطورات الأوربية التي جعلت حقوق الإنسان ميثاقاً تواضعت البشرية المعاصرة عليه. وأراد الإمام بمساهماته استنقاذ حقوق الإنسان المعاصرة هذه من خيلاء الوطنية التي يتستر بها طغاة في دولنا لينتهكوها محتمين وراء السيادة الوطنية. كما سعى الإمام لوقاية تلك الحقوق من عزة الغرب الطاغوتي بنفسه التي سوغت له إزدواجية المعيار. فهو ينهى عن شيء ويأتي مثله.لم يسمح لي وقت المناقشة الشحيح بالتطرق لبعض آرائي عن الكتاب أو التوسع فيما بدأته منها. فلم أجد فسحة لأشيد بسعة معارف الإمام بالموضوعات التي عالجها. فقد وجدته في "حزا" مع ما يقرأ الغرب عن نفسه وعن الآخرين. وعثر على أكثر هذه المواد من شبكة الإنترنت. وأعجبني ضبطه للوقائع. فلا ينسى أبداً إيراد تاريخ وقوع الواقعة. ويسند حجته بالإحصاء. فهو يحصي عدداً انفاق إيران على برنامجها الذري قياساً بإنفاق كل من أمريكا وإسرائيل ليصل من ضآلة مصروف إيران على مشروعها إلى أن قوتها تما تزال في الحرب التقليدية. ومثل آخر احتج فيه بأن الشقة تتسع بين الدولة الغنية المسيطرة ودول الفاقة. فكانت بريطانيا أغنى 4 مرات من بقية العالم وقت عزها في النصف الأول من القرن العشرين. أما الولايات المتحدة في قرننا هذا فهي أغنى من الدول الفقيرة 20 مرة.وتساءلت وأنا اقرأ هذا العلم النافع عن وسائط تنزيله إلى جمهرة الأنصار بمثابة تربية وتزكية. فسأشعر شخصياً بالقربى من الأنصاري الذي اطلع على فصول الإمام العميقة عن مسألة دارفور، وخطاب الرئيس أوباما للمسلمين، والتراضي الوطني في أسبانيا.سيكون بينناً قاسماً مشتركاً لم يتوافر لنا قبلاً طوال عهد المهدية الثانية التي اعتنت بعقيدة الأنصار واقتصادهم وعنفهم دون سواها. فمتى تسربت معارف الإمام هذه إلى واعية الأنصار وذوقهم صرنا في المهدية الثالثة التي هي بعث للمهدية الأولي: مهدية الراتب الذي هو خلاصة تربية الزهد والعزيمة والثورة. وسنتطلع إلى يوم تستقر تربية الإمام هذه في ماعون من شاكلة الراتب. وحذاري أن نستهين بشغف غمار الناس بالمعرفة بشبهة أنهم أميون أو أنهم مشغولون بالكدح في طلب الرزق دون الفكر. فهذا مجرد سوء ظن صفوي بالعامة.توقفت عند نقد الإمام لعهد نيفاشا (2005) لخلوه من آلية معلومة التراضي والعدالة الإنتقالية. وبدا لي أنه بعد مرور أربعة اعوام على ذلك العهد ربما كان مثل هذا النقد مجرد فضح معارضين لنظام استبعدهم من حظيرة نيفاشا. والإمام أستاذ في فن التحامل على النفس طلباً للتراضي حقناً للدم. وهو الذي روج للعبارة: "من فش غبينتو خرّب مدينتو". وعليه فآلية التعافي ليست حكراً على الحكومة تشاءها أو لا تشاءها. فبوسع المجتمع المدني أن يبادر فيها بما ربما فاق توقعنا من الحكومة. فقد دعوت حتى قبل نيفاشا، ومنذ منتصف التسعينات، أن نتواثق على الكشف عن قبور ضحايا عنف الدولة وغير الدولة. ظلت هذه القبور المضيعة هاجساً يؤرق أسرهم ومريديهم ويدنينا كأمة من الكفر. وقد أسعدني أن مركز الخاتم عدلان قد أخذ بزمام المسألة في رمضان الماضي وكون لجنة للنهوض بالتبعة كنت فيها. وتلاشى المشروع الذي كان أول بادرة لجعل التعافي شاغلاً أهلياً.وقد دعوت منذ أسابيع في مناسبة 22 يوليو ذكرى مذبحة بيت الضيافة (1971) أن نخضع الخلاف حول من قتل الضحايا لتحر تاريخي بواسطة علماء أدلة يميزون الخبيث من الطيب من الروايات لينتهوا إلى حكم تاريخي صارم نطوي به سجل المذبحة إلى الأبد ونقوم إلى شغل الوطن. وما ينطبق على مذبحة بيت الضيافة يسري على مذابح أخرى ومقاتل دامية بالطبع.لم نعدم ابداً ما يسؤنا في الإنقاذ. وبدا لي أنه لننجز مشروع التعافي الوطني وجب ألا نرهنه بها حتى لا يكون مجرد نقيصة أخرى لها. فالتعافي هو روحانية التحول الديمقراطي بفقه "لو تباينتم ما mailto:mailto:تدافنتمتدافنتمmailto:تدافنتمتدافنتم"[email protected]---------------------------------الأمام الصادق المهدي بين مرحلتين .. بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن 28 تشرين2/نوفمبر 2020 عندما يرحل المرء عن الدنيا، تذهب معه أعماله، و أيضا تبقى أعمالا له أمام الناس كتابا مفتوحا بما انجزه من معارف و تركه من تصورات، و الحكمة أن يذكر للميت محاسن الاعمال دون سوءاته، و بحثت في دفاتر اللإمام عن سوءة واحدة لم أجدها، رجل كان لسانه عفيفا لا يفجر في خصومة و لا يقول فاحش القول و لا يقول إلا الحسنة، و كان صدره واسعا لأي نقد من قريب أو بعيد و لا يصنع منه جفوة بل يفتح معه أبوابا للحوار، كان يطرق آذنيه لكي يسمع من محدثه قبل أن ينطق ببنت شفا، كان موسوعة في السياسة و الثقافة و الفن، كان رجل دولة بمنطق التواضع و الحكمة و صدع القول الحق، تعرفت علي الإمام عن قرب و ليس سمع مثل الآخرين، جلست معه جلسات مطولة سمعته في السياسة و الثقافة و الفن، و تعرفت عليه في أصعب الأزمات السياسية و كيف كان يتصرف عن ردة فعل أم حكمة يدخرها لمثل هذه الظروف، كان يختلف عن السياسيين الآخرين لا يسلم علي الناس إلا واقفا مهما كان المقبل علي السلام، احترام الآخر هو من احترام الذات و دلالة علي سعة الثقافة و التواضع، رجل أعد نفسه لهذا اليوم أن تفجع الأمة كلها برحيه، حتى الشياطين وقفت سكلى علي رجل استعصى عليها في الغواية، نسأل الله له الرحمة و المغفرة.في أوائل الثمانينات أسست مع الأخوين الفاضل كباشي و الفاضل حسن "جمعية الثقافة الأفريقية" و الفاضل كباشي كان مغرما بالثقافة الأفريقية و مترجما للقصص القصير الأفريقية لجريدتي " الأيام و الصحافة" و أيضا لإذاعة "صوت الأمة" و كنا نقيم نشاطاتنا في عدد من نوادي الخرطوم نادي اليوناني و الايطالي و نادي ناصر. و وجدت الجمعية صدي في الفئة الاجتماعية للطبقة الوسطى و الرأسمالية بحكم أماكن النشاط، بعد انتفاضة إبريل و قيام الانتخابات و كون الصادق المهدي وزارته، في إبريل عام 1989م جاءني الفاضل كباشي أن نقيم مؤتمرا للثقافة الأفريقية، و ندعو له عددا من الكتاب الأفارقة في المسرح و الشعر و القصص القصيرة و الرواية. و نكتب للصادق المهدي لكي تتكفل الدولة بكل شيء و نحن نساهم بأسم الجمعية. ضحكت لكن راقت إلي الفكرة. و كتبت المشروع مفصلا، و بحكم عملي في إدارة الأخبار في الإذاعة و التغطية الأخبارية استطعت أن اقدم المشروع لمدير مكتب رئيس الوزراء، و بعد اسبوع اتصل بي الأستاذ صلاح عبد السلام الخليفة وزير شؤون مجلس الوزراء لمقابلته، و ذهبت إليه، و قال أن رئيس الوزراء موافق علي المشروع من حيث المبدأ، لكنه يريد مقابلتكم للحديث عن المشروع و أهدافه و كيفية تنفيذه، و اتصلت بالفاضل كباشي و لكنه رفض الحضور، و التقيته صدفة في حوش الإذاعة و أخبرته أن رئيس الوزراء موافق من حيث المبدأ علي المشروع، قال "أنا ما مصدق رجل لا يعرفنا كيف يقبل مشروع من نكرات" و لا اعرف لماذا تراجع الفاضل كباشي، و الشيء الذي تأكدته تماما من حديث صلاح عبد السلام معي علي التلفون قبل مقابلة رئيس الوزراء أنه متحمس للمشروع جدا.ذهبت لرئيس الوزراء و التقيته كان بشوشا مرحبا بشاب تدل الثياب التي يرتديها أنه من عامة الناس، و لم يسألني عن انتمائي السياسي و لا عن هويتي و لا قبيلتي فقط عن اهتمامي بالثقافة الأفريقية و تحدث معي عن التنوع الثقافي في السودان، و وجوب الهتمام بالعملية الثقافية. و ناقشت معه المشروع، قال إلي موافق علي المشروع و نعمل سويا من أجل تنفيذه، لكن الدولة تتحمل جزء، و نتصل بالرأسمالية تتحمل الجزء المتبقي، و الجمعية تتحمل الدعوات و اختيار العناصر التي تكتب الأوراق، و سوف أكلف وزيري الخارجية و الإعلام لمساعدتكم في ذلك. و لكن جاء انقلاب الجبهة الإسلامية لكي يوقف تنفيذ المشروع. هذا المشروع أكد لي أنني أمام شخص يختلف عن كل السياسيين، أن يفتح بابه لشخص من العامة و يقبل المشروع الذي قدمه، تؤكد تواضع رجل يؤمن أن الناس تقيم بأعمالهم.بعد انقلاب الإنقاذ، و رحلة الإمام الصادق " تهتدون" تغيرت الأوضاع في القاهرة تماما، حيث تعددت المناشط، كنت اشغل في ذلك الوقت مديرا " لمركز السوداني للثقافة و الإعلام" و كانت نشاطات المركز متنوعة بين السياسة و الثقافة و الفنون. مما اتاحت إلي الفرصة أن التقي بالعديد من القيادات السياسية و الحوار معهم بشأن خاص و عام من خلال نشاطات المركز، و التقيت بالإمام كثيرا في حوارات متعددة، و كان رجل يطيل الإصغاء و سماع المبادرات، قدمناه في العديد من ندوات المركز السياسية و الثقافية. و ذات يوم ذهبت إليه في مكتبه و سألني عن نشاطات المركز قلت له اليوم عندنا جلسة عن حقيبة الفن سوف يتحدث فيها الاستاذ السر قدور و الفرجوني، و بعد ما بدأت الندوة بخمس دقائق جاء الإمام مرتديا بدلة و أعتذر عن التأخير لأنه كان في اجتماع و استمع للندوة بل تداخل فيها بمعرفة رجل ملم بقضايا الفن و خاصة حقيبة الفن.عندما عقد مؤتمر حزب الأمة بالعاصمة الاريترية " سمرا" في تسعينات القرن الماضي، و في جلسة خاصة سألت الإمام، في أول خطاب لك في البرلمان عام 1986م ذكرت أن حزب الأمة قد تمدد وسط الطبقة الوسطى؟ السؤال مكون من شقين الأول متى انتقل حزب الأمة من الطبقة الاقطاعية. و هل تعتقد أن الفوز في عدد من دوائر العاصمة و عواصم الأقاليم هو التمدد أم أن التمدد جاء لطرح فكري ينقل الحزب من طبقة الاقطاع للطبقة الوسطى؟ ضحك الإمام و قال قرأت مقالاتك عن ذلك. و حزب الأمة لم يكن اقطاعيا لأن المجتمع السوداني مجتمع متحول وفقا للتغييرات السياسية و الاقتصادية العديدة، و الانتخابات الديمقراطية الآخيرة كشفت أن الحزب تمدد داخل الطبقة الوسطى من خلال البرنامج الانتخابي الذي طرحه علي الشعب، و وجد قبولا في الشارع و خاصة الطبقة الوسطى، من قبل كان البعض يعتقد أن الأحزاب لها أماكن تقليدية هي التي تفوز فيها، و لكن الآن حزب الأمة كسر هذه القاعدة، و تمدد في الطبقة الوسطى و استقطاب قاعدة عريضة منها، و إذا نظرت للبرامج المطروحة في الشارع تجدها مقدمة من حزب الأمة إليس دور الطبقة الوسطى عملية الاستنارة الآن نحن دعاة الاستنارة في المجتمع.في عام 1998م عقد التجمع الوطني الديمقراطي مؤتمرا في العاصمة الاريترية " أسمرا" و في هذا الاجتماع كانت هناك نية مبيته من قبل ثلاثة قوى سياسية لطرد حزب الأمة من التجمع الوطني الديمقراطي، هذا ما كان يبدو ظاهرا، لكن كان هناك شخص واحد هو الذي كان يريد الطرد، بسبب أن الإمام المهدي ليس من السياسيين الذين يبصموا و يقدموا تأييدا علي صكوك بيضاء، لكنه كان يسأل و يتقصى بشكل تفصيلي ثم السؤال عن النتائج المتوقعة، الأمر الذي جعل الشخص المعني غير راضي عن ذلك، و كانت سلطته و سطوته غالبة علي بقية القوى الآخرى. كان الإمام يعتقد هناك تحالف محكومة ببرنامج وأجندة محددة و يجب التقيد بها، و لكل قوى سياسية حرية الحركة في انجاز مهامها الحزبية و بناء تكتيكاتها، هذه الرؤية كانت لا ترضي البعض. بعد طرد حزب الأمة ذهبت إلي الإمام في مكتبه مع الأخ أحمد البكري و تناقشنا حول المؤتمر، و قدمنا مبادرة من المركز بهدف معالجة ما حدث في المؤتمر. قال الإمام إذا قدمتم المبادرة الآن سوف يقولوا وراءها حزب الأمة، و لا تفهم الفهم الصحيح، المسألة الثانية أن الجهة وراء العمل لن توافق لأن الهدف إبعاد حزب الأمة لكي يتسنى لها إدارة التجمع بالصورة التي تريدها، لكن لن أكسر مجاديفكم، نحن ليس ضد رأب الصدع، و لكن لن نكون علي هوى الآخرين، بل ما يخدم أهداف التحالف. و بالفعل أجرينا ثلاثة مقابلات واحدة مع التجاني الطيب رئيس العمل الخارجي للحزب الشيوعي، و الأخرى مع قيادة قوى التحالف في القاهرة، و الثالثة مع بعض القيادات الاتحادية، و بعد ساعات ملأت القاهرة بالشائعات التي تقول أن حزب الأمة وسط المركز السوداني للثقافة و الإعلام للرجوع للتجمع، أوقفنا المبادرة، و كنا متأكدين أن الشائعة خرجت من قوى التحالف و روجتها عناصر من الاتحاديين، لمعرفتي بشخصية التجاني الطيب و كيف يتعامل مع مثل هذه المبادرات لم يكن هو مصدرا للشائعة، و كتبت مقالا في جريدة الخرطوم أنفي صلة حزب الأمة بالمبادرة. ثم التقيت بالصادق المهدي، الذي قال هذه هي السياسية في السودان، البعض يعتقد إنها مكائد و صناعة المؤامرات، و البعض الآخر يعتقد التحالف هو فرض رؤيته دون الآخرين، جميل أوقفتم المبادرة لكن الأحداث القادمة هي التي سوف تشكل ملامح العمل القادم. و حكمته هي التي جعلته يقول في بداية التفاوض بين قحت و المجلس العسكري، قال تعاملوا مع العسكر بأنه جزء من الثورة و لا تفقدونهم لكي يتم العبور لمرحلة جديدة تتوج بعملية التحول الديمقراطي. كان يتخوف أن مواجهة العسكر تجعلهم الاتجاه للبحث عن حاضنة جديدة. و الذي تخوف منه قد حصل ذهب العسكر للبحث عن حاضنة بديلا عن قحت و قد انتصروا ضعفت قحت و حملت كل أخطاء الفترة الانتقالية.استطاع الإمام أن يفتح منابر عديدة للمعارضة في القاهرة، حيث استضافت العديد من المنابر الإمام في جريدة الأهرام و الوفد و مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية و الجامعة الأمريكية و مركز القاهرة لحقوق الإنسان و غيرها و تتنوع المشاركة بين السياسة و الثقافة و الدين و الفنون، التي استطاعت فيها المعارضة أن توسع مساحات التفاعل مع المثقفين و الصحافيين المصريين، الأمر الذي يؤكد حيوية الرجل و معرفته كيف يفتح منافذ أخرى لإرسال الرسائل.رحل المهدي بجسده، و لكن يبق ما أنتجه من كتب و خطابات هي ملك للشعب السوداني، و هي مرحلة جديدة للعمل السياسي في البلاد. و أيضا حزب الأمة الذي سوف يواجه تحدي حقيقي، باعتبار أن الصادق المهدي كان صاحب كارزمة استطاع أن يغطى وظيفة الإمام و رأسة الحزب السياسي. و علي الرغم من أن الصادق قد تحدث مرات عديدة عن رؤيته لفصل الوظيفتين، ثم ابتعاده عن العمل السياسي المباشر، و يختصر عمله علي العمل الفكري. لذلك ليس أمام اسرة المهدي و جماهير حزب الأمة و أيضا طائفة الانصار إلا فصل الإمامة عن رئاسة الحزب، خاصة لم تظهر حتى الأن كارزمة تستطيع أن تملأ الوظيفتين في وقت واحد. و برحيل الصادق المهدي سوف تبدأ مرحلة جديدة لحزب الأمة مليئة بالتحديات الداخلية للحزب إيجاد الشخص الذي يملأ مكانة الصادق الذي كان يقوم بدور السياسي الذي يدير شؤون الحزب و دور المفكر و دور الخطيب الذي تسمعه كل الأمة السودانية.نسأل الله أن يرحم الصادق المهدي صاحب القلب الكبير الذي كان يتسع ليحضن أمة بكل وطوائفها، رجل كان يمثل حجر الزاوية في العملية الديمقراطية في البلاد، و قدم فيها تضحيات جسام، و إنتاجا معرفيا غزيرا. و نسأل الله أن يعين قيادات حزب الأمة أن تواجه هذه التحديات بصدور واسعة و أذهان مفتوحة، و التمسك بعملية التحول الديمقراطي في البلاد التي كانت تمثل القضية المركز للإمام الصادق المهدي[email protected]--------------------------له الرحمة والمغفرة الامام العفيف سمح السجايا السودانية .. بقلم: حسن الجزولي نشر بتاريخ: 28 تشرين2/نوفمبر 2020نقاط بعد البثبسجاياه السودانية الصميمة..كان رقما سياسيا لا يمكن تجاوزه. ساهم في تأسيس حزب سياسي بعد والده قدم به مساهمات غض النظر عن اختلاف الناس حولها ام اتفاقهم. انعيه على المستوى (الشخصي). فقد كانت لي معه علاقات شخصية . حاورته صحفيا بشكل مطول بمنزله واماكن اخرى ونشرت حواراتي معه في كثير من الدوريات الصحفية. واشهد انه كم كان مهذبا ومحترما ومترفعا في الخلاف السياسي . حتى وان وصل درجة الخصومة السياسية. وكان يحفظ مسافة متحضرة بين هذا وذاك تحت شعار ان الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضية!، وهو مما نقلته لي استاذتنا الراحلة فاطمة احمد ابراهيم في توثيقي لسيرتها الذاتية معها عندما سألتها عن انطباعها حول الرجل. حيث أفادت بأنها لم تشهد في حياتها شخصا بهذا القدر من التهذيب والاحترام لرأي الآخر رغم اختلافه مع الآخر!.. وكذا كان رأي قيادات حزبنا.بغيابه عن المسرح السياسي لا أعلم كيف سيضحى المشهد السياسي في كل من بيت حزب الأمة وبيت السلطة (الجايط) معا!. خاصة مع وصول الذين لم نكن نتوقع فرض أنفسهم في المشهد السياسي!.رحم الله السيد الإمام الحبيب الصادق المهدي والعزاء لكل افراد اسرته الكريمة. وللصديقتين العزيزتين رباح ابنته وسارة نقد الله ساعده الأيمن وملازمته. ولاستاذنا الحبيب ابراهيم الامين ولاحبابه ومريديه وعضوية حزبه. ولندفن - يا احبابنا في حزب الامة وجموع الانصار - موتانا وننهض.ـــــــــــــــــــــ* محاربة الكرونا واجب وطني[email protected]-----------------الإمام الصادق المهدي: قمراً مضوي وغاب فُرْقَك شوانا .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم نشر بتاريخ: 27 تشرين2/نوفمبر 2020 (بكت زوجة حمد وشتان، فارس الكبيشاب من شعب الكبابيش، القتيل. فسألت القوم العائدة من القتال الذي صُرع فيه:سيد الخيول الجن وين سيد بهاناقمراً مضوي وغاب فرقك شوانا)كان ميلاد المرحوم السيد الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي بحي العباسية بأم درمان في ٢٥ ديسمبر ١٩٣٥ في بيت وَتد نفسه لا في التاريخ فحسب بل في المستقبل. وتراث البيت محفوظ بسخونته في "تيرموس" كما وصف ذلك مصري زار جده السيد عبد الرحمن المهدي. فلما سمع المصري أماديح الأنصار المناضلة قال للجد: هذا المديح هو ثيرموس جهادكم حتى يخرج للعيان.صدر خلال ٢٠١٥ و٢٠١٦ كتاب سائغ من ٤ أجزاء في سيرة السيد الإمام عنوانه "السيد الصادق المهدي: سيرة ومسيرة. وميسر للراغب على موقع الإمام الصادق المهدي على النت. حشدت له كاتبته، السيدة رباح الصادق المهدي، ضروباً من التآليف ليخرج بالقوة والإحاطة والتدقيق الذي رآه القارئ. نظرت رباح في مذكرات للإمام أكثرها لم يقصد الترجمة لشخصه بل هي عن روتين حياته السياسة. فظل غير ميال للترجمة عن نفسه بنفسه أو بغيره حتى حملته رباح على ذلك حملا. فتجدها نظرت في مذكرة كتبها بعنوان "ثلاث سنوات في خمسينات القرن" و" تضاريس الذاكرة"، و"مذكرات سجون" وهي أقرب تآليف الأمام للنجوى عن الذات. ثم نظرت في كتابه "جهاد في سبيل الديمقراطية" ضد نظام الفريق إبراهيم عبود (1958-1964) ثم "المصالحة الوطنية “مع نظام الرئيس نميري (1969-1985). ثم نظرت في خطبه كرئيس وزراء للأعوام 1966-1967.واستعانت رباح بوقائع ندواته التي شهدتها من بين قلة تعد على أصابع اليد. فقد عقدها لأبنائه وبناته ممن كان يغيب عنهم في السجون وهم زغب فراخ. فعلى الأقل لم تغفر له رباح هذه الغيبة. وكان يفحمها قول رفيقات الدراسة: "إنتو ما عندكم أبو؟". وبقي في نفسها من تلك الطفولة اليتيمة شيء. وحرص الإمام في ظروف أفضل أن يجتمع بهم ويحدثهم عن نفسه. وأتاح الظرف لرباح كمؤرخ من الداخل أن تقع على إرث مكتوب وغير مكتوب للأسرة. فنظرت في خطابات الإمام لأخوته ووالدته ثم خطابات الإمام عبد الرحمن لوالدته السيدة رحمة بنت عبد الله ود جاد الله ود بلليلو، كسّار قلم مكميك. وكان الإمام قريباً من جده ويقضى وقتاً طويلاً معه بالجزيرة أبا.وستظل ميزة بحث رباح على ما عداه أنها جاءت إليه بفلولكلور الأسرة. فالإمام الوالد يمزح في رسائله بإشارات مقتضبة مثل "القعونجة، شيلوها الملعونة" أو "بالتي أحسن بالتي أحسن" أو "جعلتم الموت حرام في مصر" فتخرج طرائف متداولة عن بعض أهله وشيعتهم تمتع القارئ. وكان تأثير أمه رحمة كبيراً. كانت شغوفة بقصص المهدية والأنبياء وبغناء الحقيبة. ولها صالون أدبي. وانشغال بمسألة النساء. فكونت جمعية "ترقية المرأة" لتلك الغاية. ولم تكن حتى شلوخها فولكلوراً لا مهرب منه. فقد كان والدها عبد الله ود جاد الله منع فصادها فانسرقت وفعلتها. وكانت حين "تلوليه" تعرف أنه مسير إلى مصائر صعبة المراقي.قولنا إن "سيرة ومسيرة " ترجمة للإمام من العبارات التي يقال إن مفرداتها تلغي واحدها الآخر مثل قولك "اقتصاد السودان " مثلاً. فعهدنا أن الذي يُكتب عن الأمام، أي وكل إمام، هو المناقب. وهي تآليف من محبين للإمام المعني كلها تزكية وتمجيد طلباً للبركة لا التاريخ. ولم يسلم أمامنا من مثل هذه التأرخة المناقبية في الكتاب وفيما اكتنف طفولته لا بعدها. وهو باب في سيرته عذب تطرب له النفس.فقبل ميلاده قيل إن عمه يحي المهدي، وكان في الرابعة، يردد بتلقائية:"مجاهد جا من كبكابية". ولما ولد الإمام قيل إن تلك كانت نبؤة طفل طليق الخاطر. وقيل إن خبر مولده بلغ جده في الجزيرة أبا عن طريق قمرية حطت بين يديه وهو يقرأ "سورة إبراهيم" من القرآن حتى هم أن يسميه "إبراهيم". وخبر القمرية وكبكابية ألهما رباح هذه الأهزوجة الغراء:يا قمرية طيري فوتي لي أبالي جناحك ديري واحملي النباركي عِنْ سيديقولي ليه جاكلـّميه عيـديقولي ليه جاإن قالوا نور عَباأو قالوا خير رَباكاشف ضلام سجـاوالتبعو مـن نجامن كبكبية جامجاهداً رجافي العباسية جاسليم قلب حجاهذه فتاة بأبيها معجبة: أم ماذا؟(هذه ملحوظات عن مسودة باكرة للكتاب تفضلت السيدة رياح بعرضها علينا. وسنكملها في المرة القادمة)---------------

    (عدل بواسطة الكيك on 11-29-2020, 05:29 PM)
    (عدل بواسطة الكيك on 11-29-2020, 05:56 PM)







                  

11-28-2020, 04:18 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)


    إرث الإمام الصادق
    يوسف السندي
    28 نوفمبر، 20200

    د. يوسف السندي د. يوسف السندي

    لا اظن ان احدا من اهل السودان لم تطرف عيناه بالدمع اليوم وهو يستقبل النبأ الفاجع بوفاة الإمام الصادق المهدي، فالرجل في الفترة الأخيرة كان هو ابو السودان وكبيره ورمزه الوطني البازخ، مهما قال عنه الناس، عادوا وعلموا ان ما قاله كان الحق، فالرجل لم يكن يطلق كلامه من منطلق الباحث عن مجد، فإن كان المجد هو حكم السودان، فقد حكم الإمام السودان مرتان وحكمه بواسطة الانتخابات وليس بالسلاح ولا الانقلاب. كما أنه لم يكن يبحث عن قيادة فهو يقود أكبر طائفة وأكبر حزب سياسي، وكذلك لم يكن يبحث عن كلمات ثناء او اعجاب فما خصه به الله من احباب يحبونه لم يتوفر في تاريخ السودان الراهن لغيره. لذلك كان الإمام يطلق حديثه من منطلق الباحث عن مصلحة الوطن واستقراره وسلامه وسلامته.
    الآن بعد أن فارق الإمام الحياه سيعيد الكثيرون شريط حياة الرجل، وسيجدونها بالفعل حياة الرمز الوطني الذي يجب أن يعظم وان يقدر وان يختار كمعيار للسياسي الوطني السوداني، فالامام رغم جماهيرية طائفته وحزبه لم يستخدم هذه الجموع ضد الوطن ولم يحشدها لطاغية على الاطلاق، بل ظل دوما كلما خاطب احبابه قال لهم احفظوا الوطن ودافعوا عن قيم العدالة والديمقراطية والسلام، كان بالفعل رجل عدل ورمز ديمقراطي ومحب للسلام.
    رغم مكانته فشخصية الامام كانت بسيطة متبسطة مع احبابه ومن يلتقيه، كان لين العريكة من غير تهاون، سهل المحادثة نقي العبارة ودقيقها من غير خشونة أو اعتداء لفظي، وهي صفات تدهش كل من التقاه وأختلف معه، ومع ذلك لم يكن يفقد مهابته وكارزميته، كان مزيجا عجيبا من الجمع بين صفات الشخصية المحبوبة والشخصية القوية، من غير أن تلاحظ ذلك الفرق الدقيق إلا عند المواقف التي تتطلب ذلك.
    فقد السودان اجمع الامام، ولكن فقد احبابه له هو المؤثر والبليغ، فالدمع الذي سأل اليوم، والرجال التي لا تعرف الدمع التي بكت اليوم، والصدور العالية التي انقبضت اليوم، والنفوس المنشرحة التي امتلأت بالألم والأسى اليوم، لم يمر عليها هذا الشعور من قبل وإمامهم أمامهم لسنوات عديدة يخوض بهم لجة السياسة وعباب النضال وبحر المسؤلية الوطنية، فكلهم اليوم أيتام وحيارى، دموعهم لا تجف وعبراتهم لا تنقطع، شوقهم لامامهم عظيم وبحثهم عنه كبحث الضائعين في ليل الصحراء الطويل عن قمر منير، ستمر أيام وشهور وسنين لكي يتعافى هذا الجرح، فجرح المحبين عميق، ولكن العزاء انه قد ذهب إلى من يحب المحبين إلى سيد الخلق الذي لا يغلى عليه شيء، فنساله تعالى بلطفه وكرمه أن يرحم الامام ويغفر له، وأن يحسن عزاء أسرته واحبابه وجموع السودانيين اجمعين، اميين يارب العالمين.
    ترك الإمام الصادق المهدي إرثا ضخما في كافة المجالات فالرجل لم يكن ينام الا ٦ ساعات فقط في اليوم، ليستخدم ١٨ ساعة بالتمام والكمال يوميا في إنجاز مشاريع الحياة والوفاء بمسؤلياته المتعددة، ومن ضمن ذلك مشروع الكتابة، وهو المشروع الذي يتفرد به الإمام الصادق عن أقرانه بالسودان من قادة الأحزاب السياسية والفكر في السودان، فالرجل كان قارئا نهما، وكاتبا ملتزما بإصدار الكتب والأوراق والمنشورات، حتى ليكاد يكون الإمام هو الشخص الوحيد في السودان الذي له خطبة او كتاب او رسالة او منشور عن كل ما جد واستجد وواجه حياة الناس في السودان أو في العالم.
    كتب الامام عن الديمقراطية، تحديات السياسية السودانية والعالمية، قضايا المرأة، قضايا الفقه الإسلامي المختلفة، مسألة الجنوب، قضية مياه النيل، قضايا الزراعة، التلوث المناخي، المهدية، الاقتصاد، العولمة، النزاعات في العالم العربي، جدلية الأصل والعصر، الايدولوجيات المعاصرة، الأجيال الجديدة، قضية فلسطين و…الخ من الكتب التي تتجاوز المئة كتاب.
    كذلك للامام الصادق المهدي خطب راتبة في الجمع والعيدين ( الفطر، والاضحى) وخطبة راتبة في ميلاد المصطفى عليه الصلاة والسلام، والخطبة الواحدة تعتبر لوحدها كتاب قائم بذاته، وعددها ضخم جدا. كما أن للامام مقالات عديدة نشرت في الصحف والمجلات ناقشت قضايا السياسة والفكر والاقتصاد وهي لوحدها يمكن أن تملأ اسفار متعددة. كما أن سلسلة اللقاءات التلفزيونية والإذاعية التي سجلت مع الإمام من مؤسسات إعلامية داخل وخارج السودان يمكنها أن تمثل لوحدها مكتبة مرئية ومسموعة ضخمة.
    نشاط القراءة والكتابة كان الإمام يقتطع له زمنا مقدرا من وقته اليومي، ينكب فيه على الكتب كانه طالب ممتحن، ويكتب كأنه في سباق مع العمر. حتى ان احدي كريماته ذكرت يوما ان احدي النساء كلما زارتهم وجدت الإمام في مكتبته يقرأ ويكتب، فسألتهم يوما: ( الإمام ده إمتحاناته دي ما بتنتهي؟)، هذا الالتزام الذي شاهدته هذه السيدة وعبرت عنه بهذا السؤال مثل دليلا دامغا على قوة إرادة الإمام ومضاء عزمه وإلتزامه بمسؤليات قيادته لجماعة ضخمة وحزب كبير ووطن عريق يحتاج كل منهم لفكر ورؤى واطروحات، وهي مسؤليات اوفى الامام بحقها حتى لقى الله ربه يوم الخميس الماضي.
    عبر السنين حملت كتابات الإمام الصادق ثباتا نادرا في الخط السياسي والفكري، وهو دليل على اتزانه وإتساقه وابتعاده عن التهافت والتذلل والانتهازية، فالرجل ظل وفيا حتى مماته لمبدا ان لا يشارك في حكم او يتقلد منصبا في حكومة الا عبر حكومة قومية او بالانتخابات، كما ظل ملتزما بالدفاع عن الديمقراطية ومواجهة الشمولية والدكتاتوريات، كما أنه لم يتنازل عن دعم قضايا الأمة العربية والاسلامية الكبرى في فلسطين وفي السلام والعدالة.
    ليس سهلا ان يمر في المستقبل القريب قائد سياسي سوداني وطني ملتزم بالعطاءين السياسي والفكري معا بعد رحيل الامام، فله الرحمة والمغفرة، عاش متفردا وترك بذهابه فراغا لا يسد.
    يوسف السندي
    -----------------------
    السودان بعد ذهاب الكبار .. بقلم: إسماعيل عبد الله

    نشر بتاريخ: 28 تشرين2/نوفمبر 2020



    الرحمة والمغفرة للسيد الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وزعيم الأنصار، لقد رحل قبل أشهر قريبة منصور خالد واحمد إبراهيم دريج وقبلهم بأربعة أعوام غادر الفانية حسن الترابي، كما بارحنا فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني وسبقهم جميعاً في الرحيل المحتوم محمد ابراهيم نقد، هذه واحدة من سنن الحياة وقانون من قوانين الناموس الكوني، وحتمية من حتميات جدل الحياة والموت، هؤلاء قد مضوا إلى بارئهم فلهم ما كسبوا وعليهم ما اكتسبوا، وقد تركوا لنا مكتبة عظيمة حفظت آثارهم وصانت اجتهاداتهم، وهذا من حسن حظ الجيل المعاصر أن وجد توثيقاً كاملاً لكل من صال وجال في ميدان العمل العام، خطّت أقلامهم تنظيراتهم وتطبيقات افعالهم التي لا يستطيع أحد أن يشكك في أيلولة ملكيتها الفكرية إليهم، ولا يمكن لكائن التحايل على حقبة تاريخ السودان في النصف الثاني من القرن العشرين، الذي مثلوا فيه الدور الأساس كلاعبين أصيلين على خشبة مسرح الحياة والسياسة، ولن يأتي جيل بعد حين ليدمغ تاريخنا بالتزوير كما درج الكثيرون على ترديد هذا الأفتراء، ممن يهابون مواجهة الحقيقة والهاربين من لعنة التاريخ، فالمكتبة الوطنية محتشدة بمؤلفاتهم الطارحة لمكتسباتهم الفكرية والثقافية، ولكل طالب علم أوباحث تاريخ وسياسة واجتماع الرجوع إليها في أي وقت وكل حين، ومن حسن حظ هؤلاء الكبار أيضاً أنهم واكبوا طفرة تكنلوجيا المعلومات فنحتت مخطوطاتهم على جدار (قوقل).
    ألكبار وجدوا حظاً كبيراً في نيل عظيم الإجازات العلمية من أعرق جامعات الأرض، ومشوا في مناكب البراحات الواسعة ومارسوا نشاطهم السياسي في مجتمع يرزح غالب أهله تحت وطأة الجهل والأمية، فاستقطبوا الناس وجذبوا المريدين والمؤيدين باتباعهم لموضة ذلك الزمان، الدائرة حول الأيدلوجيات الوافدة وامتطاء صهوة حصان الدين وفرس الطائفة ، فلكل زمان رجاله وكل أوان له نساؤه، لذا لا يجوز محاكمة ذلك الماضي التليد بأحكام هذا الزمان الماثل، فقط يقع على ظهر جيل اليوم من الموالين لأحزاب الكبار واجب أن يقيسوا الأمور بمقاييس زمانهم وأن يخرجوا من جلباب آبائهم ويقول الفرد منهم ها أنا ذا, فلم تعد أطروحة (الصحوة الاسلامية) جاذبة لشباب (الصبة) لكي يدخلوا في حزب الأمة افواجا، ولا فكر ماركس ولينين جدير بأن يخاطب هؤلاء النشأ المنفتحين على العالم الرأسمالي الذي يقود الدنيا ، كما أن المشروع البعثي لا مجال لمعتنقيه سوى أن يتواروا خجلاً من أن يقدموه لبنات وأبناء هذا الزمان الذين تعج عقولهم بمفاهيم المركزية الأفريقية وجدلية المركز والهامش وفكر السودان الجديد ، اما يتامى الحسنين (البنا والترابي) فلا عزاء لهم غير الإنسلاخ التام من جلد الأفعى الرقطاء، وأن يتوبوا توبةً نصوح من ما جره تلمود معالم طريق الحسنين لهم وللوطن من سوء خاتمة، لقد نهلوا من اجتهادات فكرية ومذهبية عرجاء شوّهت الدين وأفسدت الحياة الدنيا.
    ألبلاد مقبلة على تجربة ديمقراطية سنامها الحرية والنزاهة والشفافية وتحكمها وتضبطها تطبيقات تكنلوجيا العصر، لا يجد فيها الانتهازي والوصولي والجاهل بالأبجديات المعرفية للتقانة المعلوماتية فرصة لممارسة الخج والتزوير، على التنظيمات الكبيرة التي رحل كبارها أن تحدث انقلاباً على مستوى الممارسة وطرائق العمل، فلم يعد الزمان هو ذلك الزمان العفوي الذي سادت فيه روح المجاملة واستهانة الناخب بقيمة صوته الانتخابي، ومضت السنين التي تلاعب فيها الساسة بمصائر الأوطان، وخير دليل على ما نقول خوف وهلع حكامنا من المليونيات التي تنطلق بكبسة زر على الأيقونتين الصغيرتين الخضراء والزرقاء (الواتساب والفيسبوك)، على خلفاء الزعماء الكبار في أحزابهم أن يعوا خطورة واهمية التحدي الماثل أمامهم، فإذا لم يتحرر الحزبان الكبيران من إزدواجية الربط بين المؤسستين (الطائفة والكيان السياسي)، فليبشر انصارهما بذوبان هاتين المؤسستين وتبعاً لذلك لن يتمكن القائمين على أمر الإدارة والتنظيم لحاق ما يمكن لحاقه من اضمحلال الحزب ونفاذ مشروعه، السيد محمد عثمان الميرغني والراحلان الصادق المهدي ومحمد ابراهيم نقد عندما كانوا في ريعان الشباب، خاطبوا أقرانهم بلغتهم ولهجة ذلك العصر ،فذات الحكمة يجب أن يتبعها خلفاء هؤلاء الزعماء الكبار.
    ألخارطة الدالة على معالم الطريق الذي يوصل الحزبيين والمتحزبين الجدد إلى مراميهم، تؤشر على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية والفرص الاستثمارية والاقتصادية التي يرنوا إليها الشباب، كمشاريع واطروحات بديلة، ولم تعد الأشواق المتعلقة بفتح بيت المقدس تحرك ساكناً في حماس هؤلاء اليافعين، ولا عراقة الماضي الرعوي في صحراء الجزيرة العربية يشكل عنصراً من عناصر إثارة القومية والشعبوية في نفوسهم، ولا حتى الحضارة السودانية الكوشية لها ما يميزها غير الزخم المشحون بالخيال الجميل، فاطفالنا في المنازل يأخذون موجهاتهم الثقافية من المصدر العولمي الساعي لمحورة المجتمعات حول محددات الثقافة الانجلوسكسونية واللغة الانجليزية، ومع تسارع خطى الغرب (للتكويش) على عقول صغارنا لا تجد المتباكين على اطلال صلاح الدين وامجاد العمرين يفعلون شيئاً ذا بال، تراهم يحومون حول الحمى ويدورون في الحلقات المفرغة يستجدون مخزونهم العاطفي المستلب ويستدعونه عسى أن يكون معزياً ومكففاً للدموع، يجترون مرارات الخيبات الآملة التي تنوء بحملها قلوبهم المثخنة بجراحات الماضي دون أن يكدوا ويكدحوا ويعملوا من أجل الحاضر الأجمل.
    إسماعيل عبد الله
    [email protected]
    28 نوفمبر 2020
    --------------------------
    حيدر المكاشفى
    انكسر المرق
    28 نوفمبر، 20201
    فيسبوك تويتر
    حيدر المكاشفي حيدر المكاشفي


    نظمت شاعرة شعبية سودانية ابياتا من الشعر الشعبي بالعامية السودانية ترثي فيها واحدا من العظماء، يقول احد مقاطعها (انكسر المرق واتشتت الرصاص..انهدم الجبل وينو البلم الناس)، واصبحت ابياتها هذه من أشهر المناحات التي تردد حتى اليوم، والمرق فى الثقافة الشعبية هو العود الضخم والأساسي الذي يمثل العمود الفقري لسقف الغرفة، و(الرصاص) هو بقية الاعواد الصغيرة التى تستند على (المرق)، ولو انكسر المرق تكون الغرفة مهددة بالانهيار الكامل، ان لم يسارع اهلها لاسناد السقف باعواد ودعامات اخرى لحين تدبر امرهم وتوفير مرق آخر، وعملية تغيير المرق وأحلاله بآخر تحتاج لبذل مجهود كبير تنهض به مجموعة ذات قوة وعزيمة واخلاص وتعمل كفريق واحد حتى لا ينهار سقف المنزل على رؤوس الجميع، والامام الصادق المهدي (رحمه الله) كان (مرق) هذه البلاد، وبوفاته فقد السودان احد دعاماته الاساسية واعمدته الفقارية التي لا تعوض، فشخصية مثل شخصية الامام الصادق قل ان يجود بها السودان، وسيظل علامة فارقة فى تاريخنا الوطني بجهده وبذله ومجاهداته وعطائه المنداح في المجالات كافة، وهو لهذا قد تبوأ مقعده بين العظماء ليس فى السودان فحسب بل فى العالمين العربى والافريقي والعالم الاسلامي، وكما يقولون عند رحيل عظيم من العظماء تنقص الأرض من أطرافها، فان ارضنا قد نقصت برحيل الامام الصادق، وانطفأت منارة كبرى كانت ترسل إشعاعات خيرها ونورها في ربوع العالمين، وانفطرت لموته القلوب، لكونه من حماة الأمة وركنها الركين، وصمام أمن قيمها ومبادئها التي ترتفع بها إلى مصاف الأمم الخالدة ذات الإسهامات الكبرى في حياة مواطنيه اولا ومن بعد البشرية..

    لست هنا في وارد كتابة مرثية أو نعي للامام احاول فيه الاحاطة ببعض فضائله ومناقبه ومواقفه، فذلك مما يبرع فيه ويجيده آخرون بأفضل مما افعل، كما ان من سبقوني كانوا قد كتبوا عنه ولم يستبقوا شيئا، غير انني هنا فقط لأقول بالفم المليان انني لا اعرف سودانيا صميما وقحا في سودانيته مثل الامام الصادق، فهو افضل من يمثل الشخصية السودانية الحقة ويتمثلها، والا فليدلني احد على شخص سوداني متبحر ﻓﻲ ﺳﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻻﺩﺏ ﺍﻟسوداني مثل الامام الصادق المهدي، وليشر لي آخر عن سوداني يتفوق على الامام الصادق في المامه بالتراث الشعبي السوداني بمختلف مناطقه واثنياته وله معرفة باللهجات المختلفة مثله، ﻭﻟﻌﻞ ﻣﺮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺎﺻﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻔﺮﺩ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ، تعود ﺍﻟﻰ ﺗﺸﺒﻌﻪ ﺑﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍﺩﺑﻴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻬﺪﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ انطلقت من الاطراف والهوامش السودانية التي شكلت ﺍﻟﻤﻬﺪ ﺍﻟﺤﺎﺿﻦ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﺒﺆﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻨﻬﺎ، فقد ﻛﺎﻥ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﺒﺮﻉ ﻓﻲ ﺿﺮﺏ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻷﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﺪﺍﺭﻓﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺩﻓﺎﻧﻴﺔ، ﻫﺬﺍ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﺘﻌﺎﻧﺘﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ﻛﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺿﺮﻭﺭﻳﺎً، ومعروف عن الإمام الصادق المهدي أنه ليس راو للطرائف والملح والنكات والأمثال والحكايات الشعبية فحسب، بل ﻭﻣﺆﻟﻒ ﻟﻬﺎ، ويعتبر مرجعا فيها (ديكشنري الشعبيات السودانية)، بما يمتلكه من ذخيرة واسعة من مفردات وأمثال وحكم وحكاوي وأحاجي وغلوتيات شعبية، ﻳﻄﻠﻘﻬﺎ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻋﻔﻮ ﺍﻟﺨﺎﻃﺮ ﻫﻜﺬﺍ (ﻗﻄﻊ ﺃﺧﻀﺮ) ﻭﻟﻴﺪة ﻟﺤﻈﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ.. كما كان منفتحا على الجميع من كل الأطياف وكل الأعمار، وبقول واحد كان الامام مهما اختلفت معه من نوع البشر الذي يألف ويؤلف (ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)..وفي الختام لا اجد ما اقوله سوى رحمك الله ايها الامام والهم ابناء الشعب السوداني قاطبة الصبر والسلوان (انا لله وانا اليه راجعون).
                  

11-28-2020, 04:25 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    الصادق المهدي رحيل قائد استثنائي كالبصمة لايتكرر
    صديق الحلو
    27 نوفمبر، 20200

    صديق الحلو صديق الحلو


    ترجل الفارس المغوار وترك فراغا لايمتليء وجرحا لايندمل. كان استثنائيا كالبصمة لايتكرر… مات الإمام وأخذ برحيله من العالم الطاقة والحياة والمعنى. حبب إلينا الموت وكره لدينا الدنيا.
    لسا الحزن واقف على حافة مشيك… لهفتنا ليك…. لي طلتك… لوبس تعود نلمح وشيك. ونشوف ملامح ضحكتك.. نرويهو شوق لمن تكون بيناتنا بسماتك حضور جد ياحبيب اشتقنا ليك…
    كان سمحا جميلا ومتسامحا لبقا. حلو المعشر دمث الأخلاق. أعلن عليه الحداد واكتسي الوطن لون السواد. نكست الإعلام والرايات. شيع رسميا وشعبيا لمثواه الأخير.
    سيدي الإمام منو البعدك بقول للببكي امرك ساهل.
    في يوم الخميس جانا الخبر وانشاع.
    وقفنا قراية العلم وانهمل الدماع.
    آخر أعمدة الحكمة والصفح الجميل غادرنا إلى غير رجعة. بعد أن خط تاريخ ناصع ورائع من الأدب. والثقافة والسياسة والإبداع والتاريخ والعظمة. وناحت العصافير في سماء ام درمان وأشجارها. بكت العذارى في ربوع البقعة يا الفوتك مو دحين…
    وصبايا امدر يرددن
    سافر نور عيونا وعزنا.. وبركتنا…
    انطفأ النور الذي بز المصابيح. فقد كبير وفراغ عريض وذاك اليتم. فقد الوطن عبقري بذكاء وقاد…
    استثنائي جدير بالتقدير. الود والاحترام. سياسيا مفوها. قامة رفيعة وطود شامخ. منبع الكياسة. الشهامه التفاني والكبرياء. كان يحب الوطن وناسه ويبادلونه حبا بحب. مليء بالفكر والبحث. الوسطية والتوازن. كان فارس الحوبة في الاماسي الفكرية والندوات الأدبية والليالي السياسية. جميلا سمحا أينما وطأت قدماه. خيره باسط كالندي. المعرفة وحب الديمقراطية من سجاياه. ملهما موهوبا وعارفا. باريحية يستوعب ضيفه. ولاتمتلك الا ان تغرق في حضوره الباذخ وكاريزميته التي بلا حدود. صالح يشع من ثناياه النور. تشرق النفحات وذاك الإشراق. ولاتمتلك الا ان تلف في محرابه. والقمر لايخفي بهاؤه. عليك أن تدور في ذلك الوله وذاك الحب وتغرق في النور. هنا تكمن البركة والرؤيا والرؤى. حكم وأمثال سودانية. والتراث السوداني جميعه يحفظه عن ظهر قلب. والديمقراطية عائدة و راجحة. ومن فش غبينته خرب مدينته. لبس العمامة عنده لها رونق خاص. والعلي الله له فيها كل الأناقة. والألوان المختارة بعناية وتلك الصور الفوتوغرافية التي تشكل ذوق رفيع وخيال مبدع. وكان مثالا للشباب الزينين السمحين… الوسيمين. امتلك العظمة من اركانها
    بتواضعه الجم مع الصغير والكبير. ملأ الدنيا وشغل الناس كأبي الطيب تماما.
    احب السودان وأهله وأنشأ أبناؤه وبناته على حب السودان وناسه واحترام الصغير والكبير. كان كبيرا نال المعالي وشرفنا في المحافل الدولية والإقليمية. كأنما يمسك القمر بيد والشمس باليد الأخرى. يتحدث كما المسك شذى البنفسج والياسمين. بكيناه بدمع القلب ونعي الناعي وامتلات الجماهير باللوعة والاسافير. عم الحداد أرجاء سوداننا الحبيب. كان فريدا فينا ومتميزا بجهده الذي بهر به العالمين. كنا نحتاجه أكثر ونوده أكثر ولكنها إرادة الله العلي القدير.
    لقد فقد الوطن سودانيا مخلصا ومحبا قل ان تجود
    به الايام. رحل آخر الكبار. ترجل بصورته البهيه وهو يعتلي الجياد والمنابر بمختلف اللغات الحية والندوات. فارس الحوبة الدخري. أمل الأمة. تهتدون وتفلحون وتستبشرون ولن نصادق غير الصادق.
    خبرك جانا كالسم الزعاف جرعنا… ماقلنا بتموت أصله الخبر لوعنا… ياريت يا الحبيب لو الزمن رجعنا… نمرق روحنا فيك لحظة تجي تودعنا…
    لم يكن في ذات يوم إنقلابياً بغيضا قال له الناس ارحل. ولافاسدا انتهازيا قيل له تسقط بس. أو مرتشيا مستبدا دكتاتوريا وسفاح. ظل طول حياته العامرة داعيا للحرية والديمقراطية وحكم الشعب.
    علمنا يا سمح الاهاب.. كيف نطمأن وأماننا غاب.
    كان يحلم للسودان بغد افضل. وحياة رغيدة وعيشة سعيدة. وَكنا نحلم معه أن يكون السودان في المقدمة.
    اتمضي الآن ياشيخ المعالي وتتركنا ينازعنا السقام… الآن ارتحلت أيا عظيما سما ليغبطه العظام…
    مصابنا فيك أكبر من الحروف والحزن لايوافيه الكلام….
    [email protected]
    ---------------------------
    (ألسنة الخلق أقلام الحق)
    منعم سليمان
    28 نوفمبر، 20200
    فيسبوك تويتر
    الإمام الصادق المهدي الإمام الصادق المهدي


    في قصة الروائي الكولومبي العالمي “غابريل غارسيا ماركيز” الموسومة بـ: ( أجمل غريق في العالم)، أتت المياه بجثة غريق إلى شاطئ القريِّة، جاء الرجال وحملوا جثمان الغريق إلى أول بيتٍ فيها؛ وعندما وضعوه على الأرضِ وجدوا إنه أطول قامة وأبسط جسماً من الرجال العاديين في قريتهم. فيما بعد، قال بعض من حملوا الجثمان: إنهم أحسّوا وكأنهم يحملون جثةَ حصان، كانت أثقل وزناً من كل الموتى الذين عرفوهم قبل ذلك. تساءل أحد الرجال: عمّا إذا كان ذلك بسبب أن بعض الغرقى تطول قاماتُهم بعد الموت؟.

    بعض نساء القرية تخلين عن وقارهن إزاء جثمان الغريق الجميل المديد؛ المُمدد أمامهن، فيما كان الميّت في غيابه الأبدي لا يكترث لهذا الخيال الواسع الذي أصاب نساء ورجال القرية فجأة. وبينما كانوا يتنافسون في نقل الجثمان فوق أكتافهم عبر المُنحدر العسير المؤدي إلى الجرف؛ لاحظ سكان القرية ضيق شوارعهم وجفاف أرضهم ودناءة أفكارهم وخراب حياتهم مُقارنة بجمال هذا الغريق.

    وعلى عكس فقيد قصة ماركيز، لم يكن الإمام الصادق المهدي غريباً في أي يوم من الأيام، بل كان رجل أمة عاش حياته بين غرباء، كُنا نحن الغرباء فكريِّاً وسياسيِّاً وكان هو صاحب الدار والأفكار، لم يكن قصير قامة فطالت قامته بعد موته؛ بل كُنّا نحن الأقزام، كان صاحب وزن ثقيل فكرياً وحضارياً، أثقل من وزن حصان القصة، ولكنّا لم نقدر وزنه لخفة أوزاننا، كان مُجدداً وكُنا سلفاً غير صالح، كان عالماً كبيراً في وسط تفشى فيه الجهل واستفحل، كان نظيفاً عطوفاً سمحاً مُتسامحاً، رحمه الله وأسكنه عليين مع الشهداء والنبيين والقديسين، وحسن أولئك رفيقا.

    مات المهدي، هذه هي الحقيقة، ولأن مجالس العزاء ليست للوم والتنابذ، وإنما للعظة والعبر، فدعونا نأخذها من وفاته كما فعل أهل القرية في قصة ماركيز، إذ انتابهم شعور عارم بسبب ذاك الغريق الجميل بأنهم أقزام أقل قامة منه، عرفوا أن بيوتهم تحتاج إلى أبواب عالية، وإنّهم بحاجةٍ إلى أسقف أكثر متانة وقوة لتحمل مصائب ونوائب الدهر، فقرروا طلاء منازلهم بألوان زاهية احتراماً لذكرى ذلك الغريق، وحفروا الآبار في الصخور وزرعوا الأزهار كي يستنشق بحارة السفن القادمة عند الفجر رائحتها، ولكي يضطر القباطنة إلى النزول من سفنهم وهم يرددون بكل لغاتِ العالم: (انظروا هذه القرية؛ حيث هدوء الريح ينقل شذى الزهور، وضوء الشمس والحياة).

    كان آخر ما كتبه الإمام رحمه الله أثناء مرضه: “صحيح بعضنا أحس نحوي في المرض بالشماتة ولكن والله ما غمرني من محبة لا يُجارى، وقديماً قيل: ألسنة الخلق أقلام الحق”، وشخصيِّاً وبقدر انبهاري بكم المحبة الهائلة وسيول الدعوات التي انهمرت على الأسافير؛ وهي تدعو له بالشفاء والعافية؛ فقد تألمت كثيراً وأنا أرى قِلة تنثر الكراهية والشماتة، وهذه القلة إنّما هي ضحيِّة للتجريف الذي ضرب بلادنا في سنوات الحكم العِجاف التي يبّستِ العقول وجففّتِ المشاعر وزرعت الكراهيةِ؛ بعد أن نزعت الحب من الأفئدة والعلم من الأدمغة؛ فاختلتِ القلوب والعقول.



    تعلم سكان قرية “ماركيز” الحب بعد دفن الغريب، وهذه هي المسؤولية التي تركها لنا (المهدي) بعد رحيله، خاصة وأن بلادنا يتهتك نسيجها الاجتماعي بفعل السياسات الشيطانية الموروثة من العصابة البائدة، فما أحوجنا إلى ذلك الترابط الذي سكن قلوب أهل تلك القرية، وما أحوجنا إلى نثر الحب في ربوعنا، في جبال النوبة ، دارفور، النيل الأزرق، كسلا، حلفا، بورتسودان، البطانة (أبودليق)، الشمال ،الوسط ، والعاصمة الخرطوم، في كلِ أرجاِء هذا الوطن الفسيح. كما نحنُ بحاجةٍ إلى إظهارِ حُبنا الحقيقي لكافة أهل بلادنا، نحتاج إلى التسامحِ وإشاعةِ روح التضامن؛ لنتجاوز ظُلمة ليالينا الحالكة، وهذا ما تركه المهديُّ فينا لأن أمثاله يشْعّونَ في العتمةِ.
    منعم سليمان
    الديمقراطي
    ----------------------------
    الصادق الإمام المفكر السياسي والفقد الأليم
    الباقر علي محمد الحسن
    27 نوفمبر، 20201




    لا ولن نقول إلا ما يرضي الله ، لا حول ولا قوة الا بالله ، الإمام الصادق المهدي ، فقد جلل لقامة بحجم الوطن والامة ، كان مناضلا وصاحب فكر متجدد ، كان صاحب كلمة وصاحب موقف ، كاتب صحوي مجدد ، كتبه مرجعا في السياسة والفقه ووسطيا وحكيما ، لم يبخل في عطائه لأمته ولحزبه ومريديه ، كياسته وحكمته وقدرته على الإستماع بفطنة أكسبته مساحات كبيرة للحركة والمواءمة مع كل ألوان الطيف السياسي السوداني وفي عالمنا العربي والإسلامي والأفريقي كانت له إسهاماته المشهودة ، صاحب قدرة عالية على التشخيص السياسي وتحديد مواقفه البلسمية الشافية عند شدائد الأمور ، الخلاف والإختلاف لا يحوله لعدو مصادم ، بل يظل ناصحا و عالما ببواطن الأمور يسبر أغوارها بجرأة الخبير العارف ،ظل ملجأ لخصومه السياسيين عند الشدائد والإحن ، مجلسه جامعا لكل جماعات الطيف السياسي مهما توسعت شقة الإختلاف ، ألا رحم الله الإمام الصادق الصديق المهدي وجعله من الذين يؤتون كتابهم بيمينهم ، إنه فقد أمة ، لا حول ولا قوة إلا بالله .
    إن فقدنا للإمام الصادق المهدي في مرحلة المخاض السياسي الذي تمر به بلادنا يزيد من إحساسنا بالفقد الجلل لركيزة توافقية ذات بعد نظر وصاحب صدر سياسي رحب ،الصادق المهدي المغفور له بإذن الله ،
    البلاد كانت في أمس الحاجة له ، والبلاد تدخل في عملية سلام مع حركات مسلحة ذات رؤى ومشارب فكرية مختلفة ومتنوعة ، تحتاج وقوف رجل عركته السياسة والموازنات ويجيد فن وزن المعادلات متعددة المجاهيل والثوابت ، ومتمرس على إخراج اللوحات الجمالية بأصباغ وألوان متعددة ،لأنه صاحب حكمة وكياسة وحنكة وصاحب قدرة عالية على إختراق الموانع والحواجز ليقف فارسا ليحمي قناعاته الديمقراطية ، الصادق كان في مقدوره أن يكون مقنعا للإطراف الثورية المسلحة التي إمتنعت من الإنضمام لمسيرة السلام في جوبا أن تعود الى ركب السلام وكان في مقدوره وبإلهام المتفقه والعالم أن يجد مساحة وأرضية مشتركة في موضوع الدين والدولة والعلمانية .
    البلاد تحتاج لرجل بقامته لرسم خارطة طريق وبلادنا تقدم على إتفاقيات سلام مع دولة إسرائيل ، في ظروف تحولات إقليمية ودولية متسارعة الخطى ، وأطماع تتسيد على المصالح والمنافع المتبادلة ، بلادنا كانت في أمس الحاجة لبصيرته النافذة ليحدد لنا المزالق والمهالك والمخاطر المحدقة في مثل هكذا خطوة عظيمة فرضتها الظروف الداخلية والإقليمية والدولية
    .الوضع المضطرب والحرب في الشرق الأفريقي والصراع الدائر في ليبيا كان يحتاج الى ان يكون الإمام الصادق غلى رأس قائمة قافلة المصالحات هنا وهناك لتمتعه بكاريزما تمكنه من القبول والنجاح في خلق مناخات أكثر أستقرارا في أثيوبيا الجوار والتي تتعرض للتفتيت والخراب بعد بزوغ الأمل في بناء سد النهضة والذي من مبتداه يبدأ الإنطلاق لمستقبل التنمية الطموحة والرفاه ، وليبيا التي أصبحت ميدانا لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية والشعب تقهره الفاقة والعوز والخير تحت أقدامهم يموج .
    عزاؤنا في غياب الإمام الصادق المهدي أنه ترك إرثا ثقافيا للإجيال القادمة في الفقه والسياسة والتاريخ كما أنه رفد المكتبة السودانية بالعديد من المقالات والندوات والخطب التي ستظل مرجعا سياسيا وفقهيا يهرف من معينه طالب الدين والسياسة وطلاب المعرفة .
    مهما إختلفت الآراء حول مواقفه السياسية وحداثة تفكيره ، إلا أنه زعيم متفرد القدرات ذو باع طويل في ميادينها لا تطاله قامة في وقتنا المعاصر . ألا رحمه الله رحمه واسعة وجعله من أهل اليمين.
    .حزب الأمة وقيادته الجديدة التي ستحمل الراية من بعد الإمام عليها مسؤولية عظيمة ومهام جسام ، أن تحافظ على وزن الحزب الذي بني على مدى التاريخ السياسي السوداني كحزب أغلبية ساحقة ، على الحزب أن يحافظ على نهجه الطليعي في مواقفه السياسية ومخاطبة هموم الجماهير ، أن تعمل القيادة الحديثة للحزب على جمع فروعه التي تساقطت عبر النضال السياسي في العقود الفائتة ، ان يجتهد الحزب في إعادة سيادته الجماهيرية في المناطق التى فقدها في غرب السودان خاصة وفي السودان طيلة العقود الثلاثة الماضية ، على قادة الحزب الجدد أن يعملوا على خلق تيار حداثي طليعي حتى يلتف حوله الشباب الذين صنعوا التغيير السياسي على الأرض ، والتحدي الماثل أمام القيادة الحديثة ، هل بمقدورها الخطو بثبات في ظل الوضع السياسي المتغير في السودان .

    [email protected]
                  

11-28-2020, 04:30 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)



    مريم الصادق تكشف عن آخر كلمات كتبها الراحل المهدي
    28 نوفمبر، 20200


    كشفت الدكتورة مريم الصادق المهدى نائب رئيس حزب الامة القومي عن آخر كلمات كتبها الراحل الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب فى ايامه الاخيرة نعى فيها نفسه.

    وقالت إن الراحل كتب عن فقه المشافاة والمراضي كلمات في نعي نفسه قائلاً “افضل الناس في الوجود شخص يترحم مشيعوه قائلين لقد شيعنا حقاني الى الحق ” (إنا الى ربك الرجعى)، مشيرة الى ان مشيعوه شهدوا له بذلك كل من زاويته .

    وأضافت في تأبين الراحل الامام الصادق المهدي إن الوقوف مع الحق ليس بالسهل وبه مشقة كابدها الإمام الراحل بفكره وصحته وكلنا نعلم إنه منذ شهر يوليو الماضي كان يلزمه ان يجري مزيدا من الفحوصات حان وقتها لكن تصاعد الاحداث في البلاد رغم ملاحقة الاطباء جعله يرفض الخروج وترك البلاد ، مشيرة الى انه لم يكمل الفحوصات وعاد لعيد الاضحي وقال ان مسئولياته تحتم عليه ذلك.

    وكشفت ان الامام الصادق المهدي كان يرد على الذين يتخوفون على مستقبل السودان وكانما السودان قائم اليوم بقوله”إن السودان أساس المرجعية وأن السودان للسودانيين وهم اهل عزة وخير ومنهم يتحرر العالم الاسلامي والافريقي وهذا مقال وعد به لم يكتبه.

    وذكرت انها وجدت في احدي رحلاتها الخارجية معه ان الناس يتدحثون عن الراحل في الغرب والشرق وكانه واحدا منهم و من قياداتهم الفكرية.

    واكدت مريم الصادق ان القيم التى عمل من اجلها الامام الراحل ستظل موجودة ودعت الجميع ان يتعهدوها بالرعاية خاصة جماهير هيئة شئون الانصار وحزب الامة بالعمل لوحدة الصف ووحدة أهل القبلة وحفظ السودان والاهتمام بقضايا الناس ، كما دعت كافة السودانيين للعمل من لضم الصفوف وترك المطامع والشهوات وامساك الغضب والوقوف للوطن بوعي متسامح لبلوغ الفترة الانتقالية لمراميها من اجل المستقبل وحمل راية الامام التي عمل من اجلها.

    وشكرت الدول والحكومات والهيئات والشخصيات وكافة أطياف المجتمع السوداني فى تعزية الراحل الإمام الصادق المهدي.

    -----------------------

    زهير السراج يكتب : الصادق وأنا !
    27 نوفمبر، 20200


    تعجز الكلمات عن رثاء الصادق المهدى، فمثله لا تحتويه عشرات المقالات، ولا عشرات الصحف، ولا عشرات الكتب، ولا ملايين الصفحات، فلقد كان أحد أطهر وأعف وأنقى وأنبل وأكرم وأعظم الرجال.
    كان متسامحا مع نفسه ومع الآخرين، سمحا، حكيما، حليما، متعففا، مبتسما رغم حملات التجريح المستمرة التي ظل يتعرض لها من الكثيرين، بل من أحقرهم مكانةً وأحطهم قدرا وأوضعهم أصلا من الذين تسلقوا في غفلة من الزمن الى السياسة او الصحافة، أو ممن أتاح لهم التقدم العلمي وانتشار الوسائط الفرصة للنبيح والعواء، فلم يجدوا غير الرجل النبيل العفيف الطاهر عف اللسان المتسامح السمح، لينفثوا فيه سموم أصلهم الوضيع .. حتى وهو على فراش المرض يعانى سكرات الموت !
    لا تطاوعني الكلمات في ذكر محاسنه التي لا تتسع لها كل مساحات الكلام والحديث عن مواقفه النبيلة، وتقبله لأقسى كلمات النقد .. وكنت كثيرا ما اختلف معه في الرأي، وكثيرا ما وجهتُ إليه سهام النقد سواء عبر هذا المكان أو عندما ألتقى به، فلم أجد منه إلا الاحترام والرد الجميل .. وكان هذا ديدنه مع الجميع !
    فقدناه في وقت حرج نحن أحوج ما نكون فيه للحكمة والرشد والحصافة والشجاعة، ولكن عزاؤنا إنه وان كان قد رحل عن دنيانا، فمثله لا يموت .. وأتمثل هنا برثاء نزار قباني لأبيه ..” أنا لا يموت أبى، ففي البيت منه روائحُ ربٍ .. وذكرى نبي” !
    ربطتني بالإمام الصادق علاقة روحية متينة، فلقد نهل كلانا، في زمنين مختلفين، من بحر العلامة جدى الشيخ المرحوم الطيب السراج.�* وربطتني به علاقة احترام وصداقة متبادلة منذ زمن طويل، ولقد كنتُ أحد اثنين أولهما الصحفي الكبير المرحوم محمد خليل ابراهيم (وليس محمد ابراهيم خليل السياسي وعضو حزب الأمة والخبير القانوني المعروف) وراء تأسيس (منتدى الصحافة والسياسة) الذى يقام في يوم الاربعاء من كل شهر بمنزل الصادق بحي الملازمين بأم درمان، وعملت في لجنته التنفيذية عدة أعوام قبل أن اتنازل عن مكاني لزملاء آخرين، وظللت عضوا نشطا فيه أشارك بالتنظيم والرأي واختيار الموضوعات حتى آخر منتدى، وأتمنى ألا يكون الأخير فلقد ترك الصادق من الذرية الصالحة والإرث الكبير ما يضمن إقامة المنتدى الى آخر الدهر ! �* كما ظللت أشارك بصفتي الشخصية والمهنية في الاحتفال السنوي بعيد ميلاده في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام، وهو بمثابة ندوة سياسية تتناول هموم البلد والشعب يحضرها الكثير من السودانيين والأجانب وليس احتفال ميلاد تقليديا، وكان لي شرف إلقاء كلمة الحفل بعيد ميلاده في عام 2011 ، تحدثت فيها عن الصادق المهدى كمفكر وسياسي وانسان، وسردت قصة تأسيس (منتدى الصحافة والسياسة) والعلاقة التي تتميز بالاحترام والندية بين الصادق والصحفيين، وهو ليس مؤتمرا صحفيا، وإنما منتدى للنقاش وتبادل الأفكار والآراء في جو مفتوح وحرية كاملة، كان الصادق يستمع فيها أكثر مما يتكلم، ويستمع للنقد بل والهجوم المباشر على سياساته .. بابتسامة صافية لا تفارق وجهه الجميل !
    وتشرفت بعضوية اللجنة التحضيرية للاحتفال بسبعينية الصادق المهدى قبل خمسة عشر عاما والتي كانت برئاسة البروفيسور قاسم بدرى، وتم تكليفي والصديق العزيز الاستاذ (الحاج وراق) بتقديم الندوة التي اقيمت على شرف المناسبة بجامعة الاحفاد للبنات بأم درمان.�* وكنت ثاني اثنين من خارج حزب الأمة، أحدهما هو الزميل العزيز الصحفي الكبير (محمد عبد السيد) اشارك بدعوة كريمة من المرحومة السيدة (سارا الفاضل) زوجة الامام ورئيسة لجنة العلاقات الخارجية لحزب الأمة، خلال أسوأ أيام النظام البائد، في اجتماعات اللجنة التي كان يحضرها الصادق المهدى .. لإبداء الرأي وتقديم المشورة في بعض الموضوعات السياسية المهمة رغم اننا لا ننتمى للحزب، وهو ما يوضح الى أي مدى كان الصادق والسيدة سارا وحزب الأمة منفتحين على الآخرين، وتواقين للاستماع للرأي الآخر عكس ما يظنه الكثيرون، ولقد تسبب لي حضور تلك الاجتماعات في بعض المضايقات من جهاز الأمن، واتهامي من القيادي في النظام البائد (كمال عبد اللطيف) بالانتماء لحزب الأمة، وهى تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه! �* واستعان بي السيد الصادق مع آخرين للتحضير لزيارته الى الولايات المتحدة الأمريكية قبل بضعة أعوام، وكتابة ورقة تتضمن بعض المقترحات واسماء عدد من الشخصيات الامريكية التي يمكن أن يلتقى بها، وكان ذلك من واقع اهتمامي بالسياسة الامريكية تجاه السودان، ومحاضرة قدمتها (بمنتدى الصحافة والسياسة) عن العلاقات السودانية الأمريكية، ووجهتُ فيها انتقادات حادة للصادق المهدى بسبب سياسته السلبية وهجومه المستمر على الادارة الامريكية آنذاك، تقبلها بصدر رحب، بل كلفني بالتحضير لزيارته لأمريكا، وهو ما يدل على فهمه العميق للنقد واحترامه للرأي الآخر ، وتقبله والاستهداء به.
    ولا بد أن أذكر هنا وقوفه المتكرر الى جانبي في المحن الكثيرة التي تعرضتُ لها خلال العهد البائد بسبب انتقادي المتواصل لفساده وسياساته التعسفية والقمعية، وكان لمواقفه تلك الدور الكبير في التخفيف عنى وشحذ همتي، وإعطائي الاحساس بالأمان وأنا أمارس حقي في التعبير ونقد سياسات النظام البائد !
    هذا نذر يسير جدا مما تميز به الراحل العظيم، أسأل الله أن يتقبله قبولا حسنا، ويلهمنا وأسرته وأصدقاءه وتلاميذه وكل اهل السودان الصبر الجميل على الفقد الجلل والمصاب العظيم.

    --------------------

    حسن وراق يكتب : الحبيب إمام الأنصار في الخالدين!
    27 نوفمبر، 20200


    ستشيع البلاد اليوم الجمعة هرما من إهرامات السياسة السودانية وعلما من اعلام الفكر والحكمة، الإمام الصادق الصديق عبدالرحمن محمد أحمد المهدي (عليه السلام) الذي اصطفاه الله بجانبه أول أمس الأربعاء في دولة الإمارات التي ذهب إليها مستشفيا من جائحة الكورونا التي لم يتعاف منها حتى اصطفاه الله شهيدا لهذا الطاعون الفتاك. افتقدت الساحة السياسية علما بارزا ورمزا من رموز التسامح والحكمة والاستنارة وقد عكف طول حياته مهموما بمستقبل كيف يكون السودان ضاربا الأمثلة الحسنة في السلطة عندما كان رئيسا للوزراء لمرتين لم ترتبط رئاسته بظلم أ وفساد فكان عنوانا للتهذيب والقدوة الحسنة واحترام الجميع والخلق القويم، لم يتكبر ولم يتغطرس ولم يسيئ إلى أحد بل كان دائم الصفح ومتجاوزا الصغائر وحتى عندما كان في المعارضة حرص أن يكون معارضا مثاليا لم يجنح للعنف أو التهور أو الإساءة همزا ولمزا، فكان خطيبا مفوها وأستاذا محاضرا يبث الوعي والاستنارة في كل خطبه وخطاباته. يتميز دائما في انتقاء الكلمات والحكم والأمثال السودانية المتأصلة في أعماق التراث الثقافي. رحم الله الإمام الأستاذ، المعلم الشهيد الصادق المهدي ونسأل الله له الرحمة وحسن القبول مع الصديقين والمرسلين وان يجعل البركة في ذريته واحبابه وكل الأنصار وأفراد حزبه.
    ظهور مثلث حمدي بقوة!
    بدأت في الآونة الاخيرة ارتفاع نبرة الخطاب والمخاطبة الموغلة في العنصرية التي تجاوزت القانون الذي يمنع إثارة الحرابة والكراهية بين المواطنين. بدأ الترويج لخطاب العنصرية وإثارة الكراهية استهدافا لبعض المكونات السكانية بمختلف مسمياتها من جلابة، عرب، الشمال النيل تركيزا علي بعض القبائل في شمال السودان وتوجيه الاتهام لهم بأنهم حكموا ٦٠ عاما يجب أن يدفعوا ثمن حكمهم بالوعيد والتصفية والتهديد بالطرد من السودان والهجوم على المواطنين، قتلا وترويعا وسبي نساءهم واحتلال مساكنهم ومزارعهم. للأسف هذا الخطاب تتناوله كل الوسائط ولم تحرك الحكومة ولا حتى أجهزتها الأمنية ساكنا لوقف هذا الخطاب وتحديد الجهات التي تقف من وراءه فليس صدفة أن ترتفع وتيرة الاستجابة لهذا الخطاب الغير مسئول بالدعوة للانضمام لما أسموه بقوات درع الشمال التي تكونت بدواعي الخطاب العنصري المستهدف للعناصر الشمالية وعلي صعيد آخر بدأت الدعوة الجادة لتمزيق السودان بتفعيل مثلث حمدي الذي يضم شمال كردفان والإقليم الأوسط والنيل الأبيض والأزرق حتى نهر النيل والشمالية اي ما يعرف المثلث الذي يتحدث بالعربية فقط باعتباره السودان القديم وهكذا هي النار دائما من مستصغر الشرر وهنالك من يشجع على تمزيق السودان داخل المجلس السيادي الصامت .
    أوقف هذا العبث يا وزير النفط!
    ما تزال أزمة الوقود وانسيابه لم تراوح مكانها في ولاية الجزيرة رغم جهود الوالي دكتور الكنين في بذله مجهودات جبارة لوقف سيطرة مافيا الفساد في هذا القطاع بعد أن تم إجراء تغييرات في إدارة الموارد البترولية بالولاية بتكليف طاقم جديد دون إزالة ما تبقى من بؤر فساد أصبحت كالفايروس تتحكم في انسياب المواد البترولية لتصبح المشكلة كما كانت قائمة بل القائمون عليها يمدون السنتهم سخرية من التغييرات التي أجريت على إدارة البترول. المشكلة في غياب تام لوزير النفط في توزيع الحصص علي الولايات التي يتحكم فيها مناديب يقومون بالسيطرة على كامل حصة الولاية بتوجيهها إلى عاصمة الولاية بدون علم الوالى الذي يسرقون لسانه بأنه وراء تحويل حصة الولاية لعاصمتها وهنا تكمن اللعبة في التلاعب بالحصة التي يجب أن توزع بنسب تراع توزيع الشركات على الولاية كأن تقسم الحصة بنسب ٣٠ للعاصمة إلى ٪٧٠ لبقية الولاية. المتضررون هم أصحاب المحطات في بقية مدن وقرى الولاية الذين لا ينالون حصتهم التي يقوم المناديب بتوجيهها إلى عاصمة الولاية. صمت وزير النفط على هذا الظلم يؤكد تورطه في التماهي ومحاباة مافيا الوقود والسماسرة والمهربين ولأن المساواة فى الظلم عدل على الوزير أن يوقف هذا العبث وهذه المسخرة فورا وان تقوم وزارته بتوزيع الحصة وليس من قبل مناديب إدارات البترول والسبب معروف.
    انفلات أمني مخيف في الحصاحيصا!
    لا حديث في مجالس الحصاحيصا غير حوادث الانفلات الأمني من سرقات ونهب وسلب واعتداءات روعت السكان الآمنين والتى تتم في رابعة النهار ولعل آخرها ما تعرض له أحد المواطن أحمد القرشى الفكي الحلاوى بحي اركويت الذي دخل منزله ظهرا فوجد فيه لصوص أطلقوا عليه النار وتركوه يسبح في دمائه وقاموا بسرقة كمية ضخمة من الأموال والمجوهرات غير حوادث خطف الموبايلات والحقائب النسائية هذا وتقدم احد المحامين بحي اركويت بشكوى لوزير الداخلية ومدير عام شرطة الولاية يوضح فيها حجم الانفلات وحالة الرعب وسط المواطنين وكان مدير شرطة الحصاحيصا بمجرد نقله مؤخرا لها قام بحملات ناجحة لمواقع الجريمة وأوكار المجرمين وأماكن بيع الخمور أسفرت عن قبض بعض المجرمين والمتفلتين وأصبحت المدينة آمنة ولكن ما لبث أن عادت لأسوأ حالاتها بعد انشغال القوة بتوزيع الوقود خلقت فراغا ظاهرا للعيان اغرى المتفلتين بممارسة نشاطهم في منتصف النهار موعد الاصطفاف لتزود المواطنين بالوقود وانتشار شرطي كثيف حول محطات الخدمة.
    وداعا فساد أراضى ولاية الجزيرة!
    الفرحة لا تكاد تسع مواطني ولاية الجزيرة يوم أمس الخميس عندما أصدر والي الولاية الدكتور عبدالله الكنين أمر تكليف للمهندس صلاح المدني بأن يتولى منصب، مدير عام أراضى ولاية الجزيرة. قرار الوالى وجد ترحيب من أهل الولاية وبقية المحليات للاختيار الذي صادف أهله بعد حالة اليأس والإحباط التي ظلت تلازم أهل الولاية جراء تنامي الفساد النوعي الذي يمارس في أراضى الولاية طوال فترة الإنقاذ لتصبح أراضى ولاية الجزيرة مستنقع للفساد ومفرخة للفاسدين، على نطاق المسئولين وصغار الموظفين. ما يبعث على الإطمئنان أن المدير المكلف صلاح المدني معروف بكفاءته وخبرته الطويلة وبصماته التي تركها في كل محلية عمل بها ولهذا تعرض للإقصاء والتهميش في الفترة الأخيرة التي أصبحت فيها الأراضى حكرا على الفاسدين. ما يبعث على الأمل أيضا أن المدير الجديد له رؤية علمية متقدمة في ملف أراضى الجزيرة طرحها في عدة ورش ولقاءات. نسأل الله له التوفيق والسداد في وقف نزيف الفساد في أراضى الجزيرة وإنصاف المظلومين وإنفاذ الخطط الإسكانية ووضع نظام (سيستم) جديد بدلا عن ذلك النظام الذي وطن للفساد في أراضى ولاية الجزيرة.
                  

11-28-2020, 04:37 PM

صديق مهدى على
<aصديق مهدى على
تاريخ التسجيل: 10-09-2009
مجموع المشاركات: 10175

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    اللهم ارحم شهيد الحرية والديمقراطية الامام الصادق المهدى اللهم امين وبارك فى ذريته امين
                  

11-28-2020, 04:44 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    تشييع رسمي لجثمان الإمام الصادق المهدي


    الخرطوم 27-11-2020(سونا) -

    تم صباح اليوم بمطار الخرطوم مراسم استقبال وتشييع رسمي لجثمان فقيد البلاد الامام الصادق المهدى بحضور رئيس مجلس السيادة الإنتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان عبدالرحمن وأعضاء مجلسي السيادة والوزراء يتقدمهم دكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء.

    إلي جانب رئيس هيئة الأركان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين ونوابه وقادة القوات الرئيسة والقوات النظامية الأخري وممثلين للقوي السياسية وقيادات الأنصار .وحمل الجثمان عدد من كبار الضباط في رمزية للتشكيلات الرئيسية المكونة للقوات المسلحة (البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي) إضافة إلي المراسم والتقاليد المتبعة في التشييع الرسمي .

    وتجدر الإشارة إلي أن الفقيد تقلد منصب رئيس مجلس الوزاء ووزير الدفاع في فترات وحقب سابقة.
    وُري جثمان الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي وزعيم طائفة الأنصار صباح اليوم الي مثواة الاخير بقبة الامام المهدي بامدرمان بعد اداء صلاة الجنازة بميدان الخليفة وسط تدافع كبير من أنصاره.

    وشهد مراسم التشييع حضوراً رسمياً وسياسياً وشعبياً، بجانب جموع حزبية وسياسية وطرق صوفية إضافة لحشود كبيرة من المواطنين .

    وكان فقيد البلاد قد توفي فى عمر يبلغ الخامسة والثمانين فى الساعات الاولى من صباح الخميس بدولة الإمارات العربية المتحدة التي نقل إليها في وقت سابق بعد تدهور حالتة الصحية إثر إصابته بفيروس كورونا.

    وبرحيل الإمام المهدي يفقد البلاد قائدا عظيما وقامة سياسية وفكرية، وعرف الفقيد بالحكمة والكياسة و التزامه بنهج تصالحي قومي وكان من أكثر الداعين والداعمين للديمقراطية والنظم المدنية .

    وكان مجلس الوزراء قد اعلن الحداد العام لمدة (3) أيام حداداً على وفاة الامام الصادق المهدي رئيس الوزراء الأسبق وجرى تنكيس الاعلام داخل وخرج البلاد كما جرت مراسم جنازة رسمية عند وصول جثمان الامام الصادق المهدي الى الخرطوم باعتباره كان رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع في حكومات سابقة .
    ----------------------
    حمدوك:كان الإمام الصادق المهدي دالةً للديمقراطية،ونموذجاً للقيادة الراشدة
    الخرطوم 26-11-2020 ( سونا)-
    أعلن مجلسا السيادة والوزراء الانتقاليين حالة الحداد العام بالبلاد لمدة ثلاثة ايام اعتبارا من اليوم الخميس ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٠م، حداداً على وفاة السيد الإمام الصادق المهدي، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب الأمة القومي، وإمام الأنصار.
    "إنا لله وانا اليه راجعون"


    نعي السيد رئيس الوزراء الى الامة السودانية رحيل امام الانصار و رئيس حزب الامىة القومي الصادق المهدي و اصفا اياه بانه كان "دالةً للديمقراطية، ونموذجاً للقيادة الراشدة،" و فيما يلي نص بيان النعي:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    نعي أليم
    قال تعالى ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۝)) صدق الله العظيم.
    ينعى رئيس مجلس الوزراء د. عبدالله حمدوك بمزيد من الحزن والأسى للشعب السوداني السيد الإمام الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء منتخب في السودان، والذي كان أحد أهم رجالات الفكر والسياسة والأدب والحكمة في بلادنا.
    كان الإمام الصادق المهدي دالةً للديمقراطية، ونموذجاً للقيادة الراشدة، وصفحةً من الحلم والاطمئنان في زمان نُحت فيه السخط وتوالت الخيبات على صدر كتاب التاريخ.
    برحيل الإمام، انطفأ قنديلٌ من الوعي يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب.
    رحم الله الإمام الصادق الذي صدق مع محبيه ومريديه وعارفي فضله فصدقوه، وغفر الله له وأدخله برحمته الواسعة مع الصديقين والشهداء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فهم خير الرفقة وأحسنها، وخالص العزاء لأسرته و للأنصار ولعضوية حزب الأمة ولكافة من عرف الإمام في الإقليمين الأفريقي والعربي والعالم.
    -------------------
    الخارجية الامريكية: كان للصادق رؤية ثاقبة لسودان :
    واشنطون 27-11-2020 (سونا)- عبر مساعد وزير الخارجية الامريكي للشؤون الافريقية السفير تيبور ناجي عن بالغ حزنه لوفاة السيد الصادق المهدي رئيس وزراء السودان الاسبق .
    وقال "لقد حزنت عند سماع خبر وفاة السيد الصادق المهدي والذي رحل عنا ولكنه يترك خلفه ارثا كرجل وطني وله رؤية ثاقبة لسودان مسالم وديمقراطي" .
    وعبر تيبورعن تعازيه لاسرة الامام ولافراد حزبه وللشعب السوداني في رحيل الصادق المهدي
    ------------------

    الازهر الشريف ينعي رئيس حزب الأمة السوداني

    القاهرة 27 -11-2020(أ ش أ) نعى الأزهر الشريف، رئيس حزب الأمة السوداني، الصادق المهدي، الذي وافته المنية الخميس .
    وأكد الأزهر - في بيان الليلة - أن الصادق المهدي أحد رجال الفكر والحوار في السودان، أفنى عمره في الدفاع عن قضايا وطنه وعروبته، متسلحًا بالتسامح والحكمة.
    وتقدم الأزهر الشريف، بخالص العزاء والمواساة إلى السودان، قيادة وشعبا، وإلى أسرة الفقيد، داعيا المولى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، "وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون".
                  

11-28-2020, 05:00 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    الديمقراطي والمثقف المستنير
    الصادق المهدي: "إمام الأنصار" والزعيم التاريخي لحزب الأمة
    26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020
    موقع بى بى سي
    لا يختلف إثنان على تميز الصادق المهدي وتفرده طوال سني حياته التي كانت ستكمل عامها الخامس والثمانين في الخامس والعشرين من ديسمبر كانون الأول لو مد الله في أيامه منذ ظهوره على المسرح السياسي وتوليه رئاسة حزب الأمة عام أربعة وستين وهو في التاسعة والعشرين ومن ثم رئاسة الوزارة وهو في الثلاثين منازعاً عليها السياسي البارع محمد أحمد محجوب، الخطيب والشاعر والسياسي والمهندس والمحامي المعروف.

    ورغم أن كثيرين ناشدوه بأن يتريث إذ كان لايزال في مقتبل العمر، كان رده بأنه يريد أن يكون رئيس الوزراء الأصغر سناً في السودان إقتداءً بالبريطاني وليام بيت الذي تولى المنصب وهو في الرابعة والعشرين عام 1873.

    إصرار على الرأي

    اتسمت حياة الصادق المهدي بالاصرار على الرأي و التمسك به مهما وصف بالتناقض وإثارة الجدل ومهما وجه إليه من انتقاد وإساءات طالته حتى وهو على فراش المرض ولم يتوقف سيل الانتقادات له إلا بعد أن اشتدت عليه العلة.
    وعندما وافته المنية حزن عليه منتقدوه مثلما حزن عليه أنصاره ومحبوه مدركين الفراغ الكبير الذي سيتركه رحيله، فقد كان يتوقع أن يلعب دورا محوريا في التحول الديمقراطي والمساهمة في إنجاح هذا التحول لاسيما وأن المشهد السياسي قد أصبح أكثر تعقيدا.
    ولا شك أن حزب الأمة القومي الذي تولى زعامته منذ الستينات وطائفة الأنصار التي انتخبته إماماً لها عام ألفين واثنين سيكونان الأكثر تضرراً جراء رحيله، فقد كان الرجل يقوم بأدوار كثيرة بقدرات ومؤهلات قل أن تتوفر في شخص بعينه.

    ورغم أنه أرسى نظاماً مؤسسياً واختار عدداً من النواب له في قيادة الحزب وفي هيئة شؤون الأنصار إلا أن إيجاد خلف له سيكون من أبرز التحديات التي سيواجهها الحزب والهيئة بعد رحيله. وقد يتطلب الأمر الانتظار حتى تتهيأ إمكانية عقد مؤتمر عام لكل من الحزب والهيئة لاختيار من سيخلفه.
    استمد الصادق المهدي تفرده من تمكنه من الجمع بين العلم الديني الذي تلقى أسسه في الخلوة كما يطلق على المدارس الدينية في السودان، والعلم الحديث الذي تزود به من المدارس التي التحق بها التي من بينها مدرسة كمبوني الكاثوليكية ومدارس الأحفاد وكلية فيكتوريا الشهيرة في الإسكندرية التي لم يكمل الدراسة بها وعاد إلى السودان للتركيز على اللغة العربية.

    ثم التحق مستمعا بكلية العلوم بجامعة الخرطوم لمدة عام ، قبل الجلوس لامتحانات شهادة أكسفورد للمرحلة قبل الجامعية، ثم توج بعدها تأهيله الأكاديمي بالدراسة في جامعة أكسفورد التي حصل منها على بكالوريوس في الاقتصاد والسياسة.
    نهم الثقافة
    ساهم هذا التحصيل العلمي، إضافة إلى شهيته المفتوحة للقراءة والإطلاع حتى أثناء فترات اعتقاله التي بلغت في مجملها تسع سنوات، في أن يصبح خطيباً ومحاضراً باللغتين العربية والإنجليزية، وعضواً في الكثير المنتديات الإقليمية من قبيل المنتدى العالمي للوسطية الذي أسسه وترأسه منذ عام ألفين وسبعة كما ترأس أيضاً مجلس الحكماء العربي لفض المنازعات وكان عضواً في المجلس العربي للمياه وعضواً في مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي ومقرها في عمان في الأردن، وعضواً في المؤتمر القومي الإسلامي في بيروت. أما دولياً فقد كان عضوا في اللجنة التنفيذية لنادي مدريد وفي المجموعة الاستشارية العليا الخاصة بمجموعة العمل الدولية للدبلوماسية الوقائية كما كان عضواً في فترة من الفترات في المجلس الاسلامي الأوروبي في لندن.

    بلغت مؤلفات الصادق المهدي مئة تنوعت بين السياسة والدين والتاريخ ولديه كتاب عن الطرف والنكات. من أبرز هذه المؤلفات مسألة جنوب السودان ، وجهاد من أجل الاستقلال، ويسألونك عن المهدية، والعقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي، والديمقراطية عائدة و راجحة، وتحديات التسعينات الذي كان لي شرف ترجمة أجزاء منه إلى اللغة الإنجليزية.
    هذا غير المقالات التي كان آخرها مقاله البليغ عن مرضه ومعاناته. وكان رغم تدينه وإرثه الديني محباً للغناء والفن، ولا ينسى الناس أبداً -على سبيل المثال- رثاءه البليغ للمغني السوداني محمد وردي.
    ولن ينسى السودانيون له دفاعه عن الديمقراطية رغم اقترابه من نظامي جعفر النميري وعمر البشير . وعندما أصبح نجله عبد الرحمن مساعداً للبشير ، كان يقول إن ابنه حر ولا تزر وازرة وزر أخري. وأذكر أنه قال لي ذات مرة إنه ديمقراطي داخل بيته. وقد نجح نظام البشير في استقطاب عدد من قيادات الحزب وأحدث انشقاقات فيه حتى أصبحت هناك خمسة أحزاب أمة.
    حياة المنافي والسجون
    ورغم أنه تولى رئاسة الوزارة مرتين بلغ مجمل سنواته في المنصب أربعة فقط ، إلا أنه عاش معظم سنوات حياته معارضاً في المعتقلات أو في المنافي. واتسمت معارضته بالنهج السلمي في الغالب الأعم وهو الذي نحت مصطلح الهبوط الناعم في معارضته لحكم عمر البشير والإستثناء الوحيد كان في يوليو تموز عام 1976 عندما كان رئيساً للجبهة الوطنية التي شاركه قيادتها الشريف حسين الهندي وصهره حسن الترابي حين دبروا هجوماً شنه مسلحون تدربوا في ليبيا واثيوبيا على نظام جعفر نميري، وباءت المحاولة بالفشل في الإطاحة بالنميري ، انتهت بعقده صلحاً مع النميري عام 1977.

    ومن الأشياء التي لن تنساها له نساء حزبه تمكينه للمرأة والدفع بها إلى مواقع قيادية رائدة في حزب أسس على العقيدة، فقد اختيرت في السنوات الأخيرة ابنته مريم لتكون من بين نوابه، كما اختيرت سارة نقد الله أميناً عاماً للحزب. ولن تنسى له الناشطات السودانيات قوله إن حقوق المرأة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لا تتعارض مع الفهم المستنير للدين.

    على الصعيد العربي لن ينسى له الفلسطينيون والقوميون العرب موقفه الرافض للتطبيع بين السودان وإسرائيل الذي سارت في ركابه وأيدته أحزاب سياسية سودانية عديدة فيما عدا الأحزاب القومية العربية واليسارية.

    ومن الأشياء التى لاتنسى له قدرته على التسامح وتجاهل منتقديه الذين كان يتهمونه بالتناقض لأنه كما قال بعضهم كان يحاول دائماً الجمع بين ما تلقاه في أكسفورد وبين ما تلقاه من طائفة الأنصار والإرث الديني، وإنه كثيراً ما يجد نفسه في صراع وتناقض بين هذين النهجين.

    بينما كان يجادل هو بأنه توصل إلى توليفة بين المنهجين ليس فيها تناقض ويستشهد غير آبه بكلامهم وانتقاداتهم بقول إيليا أبي ماضي:

    إن نفساً لم يشرق الحب فيها

    هي نفس لا تدري مامعناها

    أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي

    وبالحب قد عرفت الله.
    حياته وأسرته
    ولد الصادق المهدي في ديسمبر/كانون الأول 1935 في العباسية، في أم درمان، وتولى بعد وفاة والده الصديق المهديي عام 1961إمامة حركة الأنصار وقيادة الجبهة القومية المتحدة التي كانت بقيادة حزب الأمة.

    ينحدر الصادق المهدي من عائلة سياسية عريقة في السودان، فجده الاكبر هو محمد أحمد المهدي الذي أسس الحركة المهدية في السودان. وجده المباشر عبد الرحمن المهدي ووالده هو الصديق المهدي.

    نال شهادة الماجستير في الاقتصاد من جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة في عام 1957 .

    وترأس مؤخراً تحالف "نداء السودان" المعارض، في عام 2017، الذي كان يضم أحزابا مدنية، وحركات مسلحة، ومنظمات مجتمع مدني.

    اعتقل عدة مرات خلال حياتهفي الأعوام 1969 و1973 و1983 وعام 1989.

    وفي عام 2014 وجه انتقادات للسلطات السودانية فتعرض للاعتقال مرة أخرى.

    المناصب التي تقلدها
    تولى رئاسة الجبهة القومية المتحدة في الفترة بين 1961 و1964. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1964، انتخب رئيساً لحزب الأمة.

    وفي الفترة الواقعة ما بين عامي 1966- 1967، تولى منصب رئاسة الوزراء في السودان.

    تولى رئاسة الجبهة الوطنية بين عامي 1972 - 1977. وانتخب في عام 1986، رئيساً لحزب الأمة.

    انتخب رئيسا لوزراء السودان للمرة الثانية بين عامي 1986 و1989 .

    لقاء مع الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي السوداني

    "حزب الأمة"
    أسس عبد الرحمن المهدي حزب الأمة في فبراير/شباط 1945، وضم مزيجاً من جماعة الأنصار التي تؤيد الفكرة المهدية وبعض المثقفين القوميين دعاة استقلال السودان.

    وكان عبد الله خليل أول سكرتير عام يُنتخب للحزب، وفي عام 1950، انتخب الصديق المهدي ( والد الصادق المهدي) رئيسا للحزب.

    تمكن الحزب في عام 1952 من تمرير قرار داخل الجمعية التشريعية نص على تحقيق حكم ذاتي للسودان إلى أن نالت البلاد الاستقلال عام 1956.

    قاد المهدي الجبهة القومية المتحدة عام 1961 التي عارضت الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق إبراهيم العبود عام 1958.

    قُتل عدد كبير من أنصار الحزب في "مجزرة المولد" عام 1961، بسبب موقفه المعارض لحكم العبود.

    وعقب الاطاحة بحكم العبود 1964 تم انتخاب الصادق المهدي رئيساً لحزب الأمة.

    برزت خلافات بين الصادق المهدي والإمام الهادي المهدي مما أدى إلى اانشقاق في صفوف الحزب.

    تولى المهدي منصب رئيس الوزراء ممثلاً عن حزب الأمة في حكومة ائتلافية مع الحزب التجمع الاتحادي عام 1966.

    وفي عام 1969 قاد الجنرال جعفر النميري انقلاباً عسكريا وسيطر على البلاد حتى عام 1985.

    القي القبض على المهدي وتم نفيه إلى القاهرة وعاش تحت الإقامة الجبرية.

    شارك حزب الأمة في "انتفاضة شعبان" في سبتمبر/أيلول 1973، ثم اشترك مع الحزب الاتحادي والإخوان المسلمين في الانتفاضة المسلحة في 2 يوليو/تموز 1976 اللتان فشلتا في إحداث أي تغيير في البلاد.

    وعقب الاطاحة بحكم النميري عام 1985 في انقلاب عسكري قاده الجنرال سوار الذهب جرت انتخابات تشريعية، فاز فيها حزب الامة بالأكثرية وانتخب الصادق المهدي رئيساً للوزراء.

    وفي عام 1989 قاد الجنرال عمر البشير انقلابا عسكرياً اطاح بحكومة المهدي وفرض على البلاد الحكم العسكري وزج بالمهدي في السجن وبنهاية 1990 وضع في الإقامة الجبرية في منزل زوج عمته.

    بعدها بعامين سمح له بحرية الحركة في العاصمة فقط واستمر في نشاطه السياسي فتعرض للاعتقال لفترات متفاوته عدة مرات إلى أن قرر الخروج من البلاد بنهاية 1996 لينشط في معارضة حكم البشير في الخارج.

    التقى المهدي بالرئيس البشير في جيبوتي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 وبعدها بعام عاد الى البلاد. في عام 2002 انتخب إماما لحركة الانصار وبعدها بعام اعيد انتخابه رئيسا لحزب الأمة وكذلك عام 2009.

    أواخر عام 2018 اندلعت المظاهرات والاحتجاجات ضد حكم البشير وزادت حدتها واتسعت وشارك فيها انصار المهدي الى جانب طلبة الجامعات والنقابات المهنية. ودعا المهدي البشير في يناير 2019 الى التنحي عن الحكم واعرب عن تأييده للمظاهرات المناهضة لحكم البشير داعياً انصاره الى المشاركة فيها.
    مواقفه
    وجه المهدي انتقادات حادة لنظام البشير. فقد دعا المهدي الحكومة السودانية إلى سحب قواتها المشاركة في الحرب الدائرة في اليمن، واصفا مشاركة السودان فيها بالخطأ الكبير.

    وكان يرى أن "السودان وبحكم علاقاته المتينة مع طرفي النزاع في اليمن يمكنه التوسط من أجل ايقاف الحرب التي وصفها بالطائفية والتي لن تؤدي الى شيء غير تدمير اليمن وشعبه".

    وكان يرى أن من واجب السودان مساعدة الأطراف المشاركة في الحرب باليمن للخروج من "الورطة وليس الاشتراك فيها".

    وفي خطوة أثارت العديد من التساؤلات، عارض الصادق المهدي، بشدة اتفاقاً بين حكومة البشير والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخصوص استثمار تركيا في جزيرة "سواكن" الواقعة في البحر الأحمر.

    واتهم المهدي، حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بـ"دعم جماعة الإخوان العابرة للحدود" بحسب وصفه، وأنه يتم التعامل مع هذا الموضوع وكأنه اتفاق شخصي بين أردوغان والبشير.

    ودعا في الأشهر الماضية إلى تشكيل تحالف بين "قوى الأجندة الوطنية" تهدف إلى حماية البلاد من "الإسلاميين والجماعات العلمانية لتشكيل حكومة ديمقراطية تحافظ على وحدة البلاد واستقلالها، بعد الإشارة إلى ارتباط الجماعات الإسلامية والعلمانية بقوى أجنبية".

    مؤلفاته
    ألّف المهدي كتب عدة أبرزها:

    مستقبل الإسلام في السودان

    الإسلام والنظام العالمي الجديد

    السودان إلى أين؟

    مسألة جنوب السودان

    ويسألونك عن

    العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي

    تحديات التسعينات

    الديمقراطية عائدة وراجحة

    جهاد من أجل الاستقلال.
                  

11-28-2020, 05:20 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    صدمة وحداد في السودان بعد رحيل الصادق المهدي
    تنكيس الأعلام ومراسم دفن رسمية وشعبية اليوم في أم درمان
    الشرق الاوسط -الجمعة - 12 شهر ربيع الثاني 1442 هـ - 27 نوفمبر 2020 مـ رقم العدد [
    الخرطوم: أحمد يونس
    أحدث رحيل رئيس الوزراء السوداني الأسبق، الصادق المهدي، صدمة في الأوساط السياسية والشعبية السودانية، لأن رحيله في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان، جعل من «فتق السودان» يتسع على «راتقه»، فالراحل تتفق أو تختلف معه، فهو إحدى «ركائز» الديمقراطية والفكر والعلم والسياسة السودانية، وكان ينتظر منه أن يلعب دورا محوريا في التحول الديمقراطي، وإنجاح الانتقال، لكنه رحل في وقت كان الناس في أمس الحاجة لوجوده بينهم.

    كان الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، أكبر أحزاب السودان، وإمام طائفة الأنصار (الحاضنة الشعبية للحزب) دائم السفر والنفي والهجرة، لكنه كان يعود محفوفا بترحيب أنصاره في مهرجان ضخم من الفرح، وها هو يعود هذه المرة في صندوق، ليستقبله مهرجان ضخم من الحزب والأسى، ليوارى الثرى الذي أحب ودفع وأجداده من أجله الكثير.

    في 27 أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، أعلن للناس إصابة الإمام الصادق المهدي بفايروس كورونا المستجد، ونقل حينها إلى مستشفى «علياء التخصصي»، لتلقي العلاج فيه، وظل هناك حتى الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لكن يبدو أن حالته الصحية تدهورت، فأرسلت له طائرة إسعاف جوي لتقله إلى «مدينة الشيخ خليفة الطبية» بمدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتلقي المزيد من العلاج التخصصي. لكنه أسلم الروح هناك. وأعلنت الحكومة السودانية بمجلسيها «السيادي والوزراء» حالة الحداد العام بالبلاد لمدة ثلاثة، أيام اعتبارا من يوم أمس الخميس. ونعاه حزب الأمة القومي في بيان، مشيرا إلى أن وفاته وقعت فجر أمس الخميس، بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي لزم فيها سرير المرض حتى توفاه الله. وأعلن الحزب أن جثمان الفقيد سيصل صباح اليوم «الجمعة»، ليوارى الثرى في قبة الإمام المهدي الساعة التاسعة من صباح ذات اليوم، ويقام المأتم ببيت الإمام المهدي، ودعا الجميع لاتباع التحوطات الصحية اللازمة لمواجهة جائحة كورونا.

    - قالوا عنه بعد رحيله

    رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قال: «كان الإمام الصادق المهدي دالة للديمقراطية، ونموذجًا للقيادة الراشدة، وصفحة من الحلم والاطمئنان في زمان نُحت فيه السخط وتوالت الخيبات على صدر كتاب التاريخ، وبرحيله انطفأ قنديلٌ من الوعي يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب»، فيما وصفه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، بأنه رمز وطني وقائد سياسي، «ساهم في صنع وتشكيل الحياة السياسية في السودان، ظل وفياً طوال عمره لوطنه وشعبه»، فيما قال نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو «حميدتي» في نعيه للراحل: «انطفأ برحيله سراج الحكمة والوعي الكامل بقضايا وهموم هذا البلد... كنا ندخرك للمواقف الصعبة والظروف السياسية المعقدة التي تعيشها بلادنا... فقدنا اليوم بعض تاريخنا وملامحنا وتسامحنا السوداني الأصيل».

    ونعاه تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، ووصفه بالعلم السامق والمفكر الحكيم، والقائد العظيم، واعتبره حزب المؤتمر الشعبي «خسارة كبيرة للسودان».

    - سيرة وسريرة

    ولد السياسي والمفكر وإمام طائفة الأنصار وآخر رئيس وزراء منتخب، الراحل الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، بحي «العباسية» بالمدينة التي أنشأها أجداده «أم درمان» في 25 ديسمبر (كانون الأول) 1935.

    ويتحدر الراحل من أسرة عريقة في تاريخ ووجدان السودانيين الديني والسياسي، فجده الأكبر «محمد أحمد بن عبد الله»، قائد وزعيم ديني سوداني أسس «الدعوة المهدية»، وعرف بين الناس بأنه «الإمام المهدي»، قاد جيوش مؤيديه من «أنصار الله» وخاض بهم الحرب ضد الاحتلال الإنجليزي والمصري التركي، وانتصر عليهم وحرر السودان، فيما عرف في تاريخ البلاد بـ«الثورة المهدية».

    - من الخلوة إلى أكسفورد

    تلقى الراحل الصادق المهدي تعليمه الديني في «خلوة» لتحفيظ القرآن بحي العباسية الشهير ثم درس الأولية في مدارس الأحفاد بأم درمان، ثم بدأ تعليمه الثانوي في مدارس «كمبوني» التبشيرية، وانتقل إلى كلية «فكتوريا» في الإسكندرية، وتركها، ليدرس الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أكسفورد، وتخرج فيها بمرتبة الشرف، ثم نال من ذات الجامعة درجة «الماجستير».

    عمل موظفاً في وزارة المالية السودانية 1957 لمدة عام، ثم استقال عقب انقلاب نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ليعمل بـ«دائرة المهدي»، وهي الهيئة الاقتصادية لأسرته ولطائفة الأنصار.

    لاحقاً انخرط في صفوف المعارضة ضد نظام «عبود»، محترفا السياسة، وجاعلا خدمة الديمقراطية والتنمية والتأصيل هدفا لحياته، وترأس خلال الفترة 1961 - 1964 «الجبهة القومية المتحدة» المعارضة، ثم انتخب رئيساً لحزب الأمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1964. ورئيسا للوزراء الفترة 25 يوليو (تموز) 1966 – مايو (أيار) 1967 في أولى رئاستيه للوزارة في البلاد.

    - رئيس وزراء للمرة الثانية

    ترأس «الجبهة الوطنية» المعارضة بعد انقلاب جعفر النميري، خلال الفترة بين 1972 - 1977. وبعد سقوطه بالثورة الشعبية في أبريل (نيسان) 1985، انتخب رئيسا للوزراء للمرة الثانية مارس (آذار) 1986. وظل يترأس الوزارة حتى انقلاب الإسلاميين في 30 يونيو (حزيران) 1989.

    وبعد سقوط نميري بعام، أجريت انتخابات تشريعية حصل خلالها حزب الأمة بقيادته على الأكثرية، فانتخب رئيسا للوزراء للمرة الثانية، وشكل أكثر من حكومة ائتلافيه برئاسته، حتى دقت الموسيقى العسكرية معلنة «انقلاب البشير – الترابي» 30 يونيو (حزيران) 1989.

    بعد أيام من الانقلاب اعتقل قادة الانقلاب المهدي، وظل معتقلا حتى 1990. ونقل عنه وقتها أنه تعرض لما أسماه في كتابه الديمقراطية عائدة وراجحة «تصفية صورية» وتهديد، ثم وضع في التحفظ المنزلي، ليطلق سراحه في أبريل 1992.

    واجه نظام الإسلاميين، بما أطلق عليه «الجهاد المدني»، والرجل بارع في التسميات وإطلاق المصطلحات، وخضع بسبب ذلك لتحقيقات واعتقالات متطاولة بلغت جملتها حتى سقوط النظام نحو 9 سنوات من عمره، وخلالها تعرض للتهديد والملاحقة، وقال وقتها إن النظام يبقيه في السودان «رهينة» فخرج سراً في عملية معقدة 1996 باتجاه دولة إريتريا أطلق عليها «تهتدون».

    - أيام التجمع الوطني الديمقراطي

    التحق المهدي بالمعارضة المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي، وكان ابن عمه مبارك المهدي وقتها يشغل منصب «أمينه العام»، وشن حملة دبلوماسية وسياسية كبيرة ضد نظام الإسلاميين الذي يقوده صهره حسن الترابي.

    كان التجمع الوطني الديمقراطي، يعمل على إسقاط نظام البشير عن طريق العمل العسكري، وشارك فيه المهدي بما عرف بـ«جيش الأمة»، لكنه فاجأ الجميع بلقاء الترابي في جنيف 1999 والبشير في جيبوتي ذات العام، وتوقيع اتفاق «نداء الوطن»، والذي عاد بموجبه للبلاد في 2000 في عملية «تفلحون»، وينص على حل سلمي ديمقراطي مع نظام البشير.

    وبعد سقوط نظام البشير الذي شارك فيه المهدي وحزبه بفعالية، ظلت مواقفه «متمايزة» عن التحالف الحاكم، فقد كان يدعو لانتخابات مبكرة، ويستنكر طول الفترة الانتقالية، لكنه حافظ على «شعرة معاوية»، وظل يقترب منه ثم يبتعد قليلاً، لكنه ظل يعلن باستمرار حتى قبيل وفاته بأنه داعم للفترة الانتقالية، رغم إعلان حزبه تجميد عضويته في التحالف الحاكم.

    يختلف الناس مع الراحل، يخالفونه التوجهات والخطوط السياسية، لكنه استطاع بحنكة فريدة، أن يحتفظ بودهم واحترامهم، وبرحيله تفتقد الساحة السياسية السودانية في وضعها الحرج أحد حكمائها و«ضابط إيقاعها».

    -------------------------
    الاتحاد -ابوظبى
    أسماء الحسيني (القاهرة، الخرطوم)

    عمّ الحزن الشارع السوداني على رحيل الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، وإمام الأنصار وآخر رئيس وزراء منتخب عن عمر يناهز 85 عاماً.
    وأعلن رئيس مجلس الوزراء السوداني الدكتور عبدالله حمدوك حالة الحداد العام في السودان لمدة 3 أيام، اعتباراً من أمس، كما وجه مجلس الوزراء بتنكيس الأعلام في جميع مرافق الدولة ومؤسساتها والسفارات السودانية، حداداً على وفاة المهدي.
    ويصل جثمان الفقيد إلى السودان صباح اليوم ليوارى الثرى في قبة الإمام المهدي بمدينة أم درمان. وناشد حزب الأمة، في بيان له، الجميع باتباع الإجراءات الصحية واللازمة خلال العزاء.
    وطالب الواثق البرير، الأمين العام للحزب، الجميع بالتزام أماكنهم في الولايات والمدن والقرى، وتلقي العزاء في دور الحزب بالولايات، تجنباً للازدحام وانتشار الوباء.
    وقالت كريمته الدكتورة مريم الصادق المهدي، نائبة رئيس حزب الأمة في أول تصريح لها: «رحم الله إمام الأنصار أيقونة الديمقراطية، الذي عاش صابراً على الشدائد والمشاق، رغبة في دوام القرب والتلاقي، ونحمد الله الذي اصطفاه شهيداً للوباء».
    ونعى الشعب السوداني بكل أطيافه وقياداته الفقيد، واعتبروا رحيله خسارة كبيرة للسودان، في مرحلة دقيقة كانت تحتاج إلى حنكته وخبرته.
    ونعت الأمانة العامة لـ«حزب الأمة» المهدي، الذي قالت إنه أحد رجال السودان الأوفياء، الذين قدموا، وما استبقوا شيئاً من أجل خدمة الإنسانية جمعاء.
    وأصدر الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، بياناً رسمياً يحتسب فيه وأعضاء المجلس المهدي، الذي قال إنه من أهل السودان الأوفياء، وأنه بذل نفسه خدمة للقضايا الوطنية والسياسية والإنسانية، وظل عطاؤه متصلاً طيلة عمره.
    ومن جانبه، قال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك: «إن السودان فقد علماً من أعلام الفكر والأدب والسياسة، وإن المهدي كان نموذجاً للقيادة الراشدة».
    وقال الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب رئيس مجلس السيادة: «إن السودان فقد برحيل الصادق المهدي سراج الحكمة والوعي».
    فيما قال المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، إن السودان فجع برحيل علم من أعلامه، ومفكراً وحكيماً من حكمائه.
    وللمهدي العديد من المؤلفات من بينها، الديمقراطية عائدة وراجحة، والسودان إلى أين، والإسلام والنظام العالمي الجديد، ومياه النيل الوعد والوعيد.
    وكان المهدي آخر رئيس وزراء منتخب في السودان حتى أطاح به الانقلاب العسكري، الذي أوصل الرئيس المعزول عمر البشير إلى السلطة عام 1989.
    وظل المهدي معارضاً لنظام البشير، وشارك وحزبه بفاعلية في ثورة ديسمبر 2018، التي أطاحت بالبشير في أبريل 2019، وقام من قبل بالمشاركة في الثورتين الشعبيتين في عامي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، اللتين أطاحت بحكمين ديكتاتوريين سابقين.
    وقد تعرض السياسي السوداني المخضرم للسجن عدة مرات، وأجبر على النفي لسنوات طوال.
    وفي القاهرة، نعى أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية الصادق المهدي، وقال: إن التاريخ سيذكره قائداً سودانياً كبيراً وحكيماً.
    ------------------
    السودان تشيع جثمان زعيم حزب الأمة الصادق المهدي في جنازة مهيبة

    نشرت في: 27/11/2020 - 16:19

    الصادق المهدي خلال صلاة الجمعة في أم درمان في 14 حزيران/يونيو 2019
    الصادق المهدي خلال صلاة الجمعة في أم درمان في 14 حزيران/يونيو 2019 © أ
    وصل الجمعة آلاف السودانيين من كل حدب وصوب إلى مدينة أم درمان لحضور تشييع جثمان الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء منتخب للبلاد، الذي توفي بفيروس كورونا عن عمر يناهز 84 عاما.


    وسط حالة من الحزن الشديد، احتشد آلاف السودانيين في مدينة أم درمان اليوم الجمعة للمشاركة في جنازة الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء منتخب للبلاد، والذي توفي بفيروس كورونا عن عمر يناهز 84 عاما. واتشح المشيعون باللون التقليدي للحداد، وهو اللون الأبيض في السودان، وأخفى كثيرون وجوههم خلف الكمامات.

    طفرت الدموع في العيون ولوحت الأيادي بالعلم الوطني قبل صلاة الجنازة على السياسي الذي تولى رئاسة الوزراء مرتين وظل شخصية محورية في الحياة السياسية والروحية لما يربو على خمسين عاما.

    أيقونة التسامح

    قال أحد المشيعين يدعى عبد الرحمن الزين لتلفزيون السودان وهو يغالب الدموع "رحل اليوم أيقونة التسامح في السودان.. رحل اليوم رمز للجهاد المدني في السودان، رحل اليوم ذلك الفارس المغوار... الرجل الذي كانت تلتقي عنده كل القوى السياسية في السودان ليجد بينها توافقا".



    وتنقلت أطقم الضيافة وسط الحشود التي تجمعت أمام الضريح ذي القبة الذي سيرقد فيه جثمان الصادق المهدي، ووزعت مطهرات الأيدي على المشيعين في تدبير احترازي ضد مرض كوفيد-19، رغم عدم وجود مؤشرات تذكر على الالتزام بإرشادات التباعد الاجتماعي.

    ويحث حزب الأمة الذي يرأسه المهدي المشيعين منذ أمس الخميس على مراعاة إجراءات الوقاية الصحية.

    وأصيب المهدي، الذي تلقى تعليمه في جامعة أوكسفورد، بفيروس كورونا الشهر الماضي، وكان يعالج في الإمارات.

    وقالت رشا عوض رئيسة تحرير جريدة التغيير الإلكترونية "المشاهد التي يتناقلها التلفزيون لتشييع الصادق المهدي رغم الظروف الصحية... تدل على مدى الشعبية والوزن السياسي الذي مثله الإمام الراحل".

    وأضافت "المهدي كان معروفا بالاعتدال والقراءة الواقعية للملعب السياسي السوداني. كان بعيدا عن التطرف وعن الشطط... غياب شخصية بهذه القدرات وبهذا الوزن حتما سيضعف عملية الانتقال الديمقراطي".

    وداعا صادق المهدي

    قال بعض المشيعين إنهم أتوا من مختلف أنحاء السودان لوداع المهدي. وأعلنت الحكومة الحداد الوطني لثلاثة أيام. ووصل الجثمان إلى مطار الخرطوم صباح الجمعة وكان في انتظاره استقبال رسمي بحضور رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك وغيرهما من كبار المسؤولين.

    وأفاد التلفزيون الرسمي أن الجثمان نُقل بعد ذلك إلى مدينة أم درمان الواقعة في الجهة المقابلة للعاصمة عبر نهر النيل.

    ودفن الصادق المهدي بجوار جثمان جده الأكبر المهدي الذي قاد مقاومة ضد الاحتلال الإنكليزي في نهاية القرن التاسع عشر.

    وتدير حكومة انتقالية السودان منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019 جرى تشكيلها بموجب اتفاق هش لتقاسم السلطة بين الجيش والجماعات المدنية.

    وقالت رشا عوض إن المهدي كان يحاول تضييق هوة الخلاف بين العسكريين والمدنيين.

    وانُتخب المهدي رئيسا للوزراء للمرة الثانية والأخيرة في 1986 وبعدها بثلاثة أعوام أطاح به انقلاب عسكري قاده البشير.

    وسُجن المهدي ونفي مرارا في مشوار عمله السياسي الطويل. لكنه كان يعود في كل مرة محتفظا بحضوره وتأثيره. وظل حزب الأمة الذي يرأسه أحد أكبر أحزاب المعارضة طوال حكم البشير الذي استمر 30 عاما.

    وعاد المهدي من المنفى آخر مرة بعدما قوت شوكة الاحتجاجات على تدهور الأوضاع الاقتصادية في ديسمبر كانون الأول 2018. وأسقطت الاحتجاجات البشير في نهاية المطاف في أبريل نيسان 2019.

    فرانس24/ رويترز
                  

01-05-2021, 05:01 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    ثلاث ثورات وثلاث انقلابات في حياة الإمام (2 – 4) .. بقلم: ياسر عرمان


    نشر بتاريخ: 05 كانون2/يناير 2021




    في بلادنا كل ثورةٍ تنتهي بانقلاب، وكل انقلابٍ ينتهي بثورة، وتبقى قضية نجاح الانتقال مأزقٌ تاريخيّ!
    17 نوفمبر 1958م:-
    قال الإمام الصادق بعد أن تم تسليم السلطة للفريق إبراهيم عبود من قِبَل الإمام عبد الرحمن ورئيس الوزراء عبد الله خليل، وبعد أن استقبل والده في مطار الخرطوم وأخذهُ إلى سرايا الإمام، وبدون أن يقول الإمام الصديق لوالدهِ: "السلام عليكم"، انفجر متسائلاً: "دة شنو يا سيدي العملتوه دة؟"، أجاب الإمام عبد الرحمن: "يا صديق الأحزاب والخلافات"، وردّ الإمام الصديق وفق رواية الإمام الصادق قائلاً: "يا سيدي المسائل في يدنا نديها لغيرنا؟". حصل هذا المنظر الدرامي أمام الناس على حدّ تعبير الإمام الصادق، فأمسك الإمام عبد الرحمن ابنهُ الصديق من يدهِ واختلى بهِ.
    هذا الحدث سيشكل كامل مسار رحلة الإمام الطويلة والمعقدة في العمل السياسي، ما بين ثوراتٍ، وانتخاباتٍ، وانقلاباتٍ، وسيدفع ثمنه الشعب والإمام وحزب الأمة، سجناً وتشريداً وهجرة، وتقلبات سياسية طويلة انتهت برحيل الإمام الصادق في جمعة 27 نوفمبر 2020م.
    يبدو لي أن انقلاب عبود كان "سِفر البدايات" في حياة الإمام، والرحلة المعقدة التي عاشها السودان والإمام من أنظمةٍ شمولية تنتهي بثورة، وثورة تنتهي بانقلاب مع فاصلٍ لحكومةٍ منتخبة وحروبٍ أهلية هي بمثابة موسيقى تصويرية في خلفية مشهد السودان.
    الحروب معظمها تنتهي باتفاق مع الشمولية، وعجزت الفترات الانتقالية والأنظمة الشمولية من إنهاء الحروب، إلا محاولتنا الحالية، فإن ثورة ديسمبر حبُلت وحلِمَت بالسلام، وولدت مولوداً يحتاجُ إلى "عناية مركزة".
    21 أكتوبر 1964م:-
    هي "سفرُ التكوين" في حياة الإمام، شاركَ حزب الأمة في مقارعة نظام عبود، ولا سيَّما الإمام الصديق، الذي تولى قيادة المعارضة لبعض الوقت، ورحل الإمام الصديق، ولم يرحل عبود بعد، وبدأ دور السيد الصادق المهدي وظلِّهِ السياسي يورق ويتسع، حتى أدرك فجر ثورة أكتوبر 1964م.
    أجزُم أن مناخ ثورة ديسمبر 2018م في كثير من جوانبهِ ليس جديداً على الإمام، منذ أن واجه وهو في فجر الشباب رياح ثورة أكتوبر 1964م وأشرعتها التي مالت يساراً، وكانت الثورة فتيَّة، والإمام فتىً صاعد، وكانت الدولة الموروثة من الاستعمار شابّةٌ أيضاً، والذين لم يقبلوا بأن يأتي الإمام إلى إمامة المُصلِّين في ساحة الاعتصام، التقى الإمام معظمهم من قبل في 21 أكتوبر 1964م وهم يرددون "لا زعامة للقدامى".
    حينما مالت أقمار أكتوبر يساراً كان وقتها أقمار اليسار في ريعان شبابهم، يتقدمهم عبد الخالق محجوب، والشفيع أحمد الشيخ، وفاطمة السمحة، وقاسم أمين، والحاج عبد الرحمن، وعبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، وحسن الطاهر زروق، والجنيد علي عمر، وعز الدين علي عامر، والتجاني الطيب وجوزيف قرنق، وعمر مصطفى المكي، ومحمد إبراهيم نقد، وفاروق أبوعيسى...الخ، قادة سياسيين لم يكونوا وحدهم فحسب، بل صعد معهم المسرح، المبدعين: محمد المكي إبراهيم، محمد وردي، جيلي عبد الرحمن، وصلاح أحمد إبراهيم...الخ، وكان إشعاعهم كبيراً، لحِقَ في إضاءته بآخرين خارج دائرتهم، كالأستاذ أحمد المصطفى وحسن عطية وعثمان الشفيع، أصابهم بعضٌ من مسٍّ وجذبة من جذبات اليسار، وشارك بعض هؤلاء في مهرجانات الشباب في أوروبا الشرقية، بل لحِقَ تأثيرهم بأكاديميين بارزين، وعلماء أذكياء، وقانونيين حاذقين من لدّن التجاني الماحي، وطه باعشر، والسماني عبد الله يعقوب، وعابدين إسماعيل...الخ، وكان بعضهم ضيوفٌ أعزاء في مجلة "الفجر الجديد" التي أصدرها عبد الخالق محجوب تيمُنّاً بمجلة "الفجر" الأولى لصاحبها عرفات محمد عبد الله، حينها امتلك اليسار فضاءً عريضاً، وعلى الجانب الآخر كان التيار الإسلامي يمُطُّ أجنحتِهِ في مرحلةِ تأسيسٍ ثانية ويطلبُ القرب من حزب الأمة والأنصار؛ يقودهم الدكتور حسن الترابي الذي خرج من عباءة ثورة أكتوبر، وخرج قادة اليسار من عباءة معركة الاستقلال، كانوا أكثر تمرُّساً منذ تمارينهم الأولى في "الجبهة المُعادية للاستعمار" و "هيئة شؤون العمال" في عطبرة، واتحادات المزارعين التي قادت الاعتصامات في ميادين الخرطوم يتقدمهم شيخ الأمين محمد الأمين وشيخ الخير ود بريمة، كان اليسار والحزب الشيوعي تحديداً أكثر وضوحاً في تكتيكاته واستراتيجيته على نحوٍ عام مقارنةً بالآخرين، ومتجذراً وسط النقابات والطبقة الوسطى والمهنيين، وأتقن العمل السري منذ بداياتهم الأولى على أيام الاستعمار، واستطاعوا أن يديروا أشرعتهم نحو الريح ودفعوا ببرنامجهم نحو الصدارة، وطالبوا بتغييرات جذرية ذات طابع يساري وبمشروعٍ جديد، ولم يحسموا موقفهم تماماً من الديموقراطية في مناخ إقليمي وعالمي ذو أمواجٍ عاتية وعواصف وانقلابات عسكرية باسم القوميين واليسار، وفي هذا المناخ المضطرب التقى الإمام الصادق بالشيوعيين واليسار في الستينيات الذين حسم موقفهم الأستاذ محمد إبراهيم نقد لاحقاً من قضية الديموقراطية، وهي واحدة من اسهاماته الرئيسية.
    كما التقى الإمام كذلك في أكتوبر بالإسلاميين في علاقةٍ من "الحلو مُر" كان أكثرها "مُرّاً" وقد تواصلت المباراة معهم حتى رحيله على طريقة "تنس الطاولة - البينغ بونغ" سريعة الإيقاع، وقد انتهت تجربتهِ معهم بنظامٍ فاشي حكم مدة ثلاثين عاماً تقريباً، زال بثورة ديسمبر 2018م التي أدركها الإمام وهو يقرأ من لوحٍ مكتوبٍ بمداد وتجربة أكتوبر 1964م.
    كان الإمام في ديسمبر 2018م أكثر تمرُّساً وخبرة، مثل قادة الشيوعيين سابقاً بعد أكتوبر، بعد حياةٍ حافلة بالصعود وبالعواصف، وبعد تجربتين في الحُكم، وربما سيكون الإمام هو السوداني الوحيد الذي يتولى رئاسة وزراء السودان مرتين بالانتخاب.
    (1)
    نجا حزب الأمة بأعجوبة من عواصف هبّت يساراً ويميناً، فكرية وسياسية، وأكثرها تحدياً حكم نظام الإنقاذ، ومن بين عواملٍ عديدة كان للإمام فضل كبير في مواجهة هذه التحديات، والحفاظ على حزب الأمة إذا تحدثنا بصدق وشفافية، وذات مرة في عام 2014 في باريس قلت له: "نظام الإنقاذ كان سيلحق ضرراً بليغاً بحزب الأمة لولا وجودك على دفّة القيادة، ورغم أننا لم نتفق معك في كثيرٍ من الأحيان، لكنك قد حافظت على وجود فاعل لحزب الأمة، وربما لم تعجب طريقتك الآخرين، ولكنها في المحصلة النهائية حافظت على استقلالية الحزب من فاشية الإنقاذ"، ابتسم الإمام واسترسل في الحديث، وختمهُ بأن قال لي بأن ملاحظتك صحيحة لأن إذا تولى قيادة الحزب "فلان" فإنه سيبيع الحزب بأرخص الأثمان، أما "فلان" الآخر فلا يستطيع قيادة الحزب، لأن حزب الأمة قائم على ركيزتي الوطنية والدين، وهو فاقدٌ للإثنين، والإمام لم يستسلم أبداً لنظام الإنقاذ، وليس بالضرورة أن يقارعه على طريقة الآخرين، وبإمكاننا الاختلاف معه، وقد حدث ذلك في أوقاتٍ عديدة، كما حدث الائتلاف معه، ولكن لا يجوز تخوينه "والتخوين بين القوى الوطنية بُضاعةٌ أضرّت بالحياةِ السياسية، وتضر بمستقبل العمل وفق برنامج الحد الأدنى، والمرحلة الانتقالية الحالية لا يمكن أن تنجح إلا بتوفير قاعدة اجتماعية عريضة للانتقال، وبرنامجٍ للحد الأدنى، وقيادةٍ موحدة."
    (2)
    توقفتُ عن إكمال أجزاء المقال الذي بدأته بعنوان "جمعتان في حياة ورحيل الإمام" لأنني تناولتُ في باقي الحلقات العلاقة الشائكة بين الإمام وحزب الأمة والحركة الشعبية، وبينهُ وبين د. جون قرنق دي مبيور، وقد توفرت لي حصيلة وافرة من المعلومات حولها بحكم المشاركة والمعايشة، ولم يكُن المطلوب هو سرد المعلومات، بل كان مطلوباً رأيي واستنتاجاتي حول تلك الفترة، ولكن رأيت تأجيل ذلك لأسبابٍ سآتي على ذكرها.
    بعد رحيل قرنق تبادلت الحديث مع الإمام في أكثر من مناسبة، لوضع العلاقة بينهما في إطارها الموضوعي الصحيح، والإنساني، وتأثير قضايا البناء الوطني المعقدة في السودان على تلك العلاقة، ومن عُدّة زوايا، والتناقضات، وملابسات والتباسات التاريخ، وكذلك من زاوية الفرص المهدرة في السياسة السودانية، مُضافٌ إلى ذلك ضياع الخيارات الأفضل، وتغليب الخيارات الأقل نفعاً لأسبابٍ محض ذاتية وبعضها موضوعي، وكان آخر النقاشات بيننا في هذه القضية حينما طلبنا منه في وفد المقدمة للجبهة الثورية حضور توقيع اتفاق السلام في جوبا، وذكرتُ له بأن يُمثِّل الحركة الوطنية السودانية، وهو عميد القادة السياسيين زماناً وتجربة، وأن يتقدّم بخطابٍ شامل عن العلاقات بين دولتي السودان، وتقييمٍ منفتح على مستقبل العلاقة بين حزب الأمة وسائر القوى الوطنية مع الجنوب، وعلاقته الشخصية مع جون قرنق والحركة الشعبية، ووضعِ إطارٍ جديدٍ لها، وتقييم مُستمَد من التطورات اللاحقة، وقد وافق الإمام، ولكنه وللأسف لم يتمكن من المشاركة في حفل التوقيع في ٣ أكتوبر ٢٠٢٠م الماضي.
    (3)
    لطالما تأسفت وتأملت الفُرص المُهدرة في ثلاث علاقات ذات قيمة وربما أكثر، تستمدُّ معناها من المشاركين فيها، وهي العلاقة بين البروفيسور والعالم عبد الله الطيب واليسار السوداني، لأن عبد الله الطيب واليسار قريبان من بعض في قيمٍ كثيرة، فهو صوفيّ مُنحاز إلى إسلام السودان بدرجة الدكتوراة، وفقيرٌ من الفقراء، لم يحشو جيبهُ وينتفع من أموال البترودولار كما فعل بعض الشيوخ، بل ذهب إلى الفقراء في نيجريا والمغرب ليبذل علمِهِ "الإنسانية مقابل العلم"، كان البروفيسور أقرب للتقوى والشعب والبسطاء، لم تمُت في داخله نارُ المجاذيب وهو يشرحُ القرآن بلسانٍ سوداني مُبين، هو أقرب للثورة حينما جادت قريحته بقصيدةٍ عصماء في رثاء الأستاذ محمود محمد طه، ولم ينسَ الشفيع أحمد الشيخ وصحبِهِ في مصالحةٍ إنسانيةٍ مع اليسار. كان عبد الله الطيب علماً وعلماً، أو كما عبّر هو بعد واحدة من معارك انتخاب مدير جامعة الخرطوم "لقد حويتُ كل أصناف العلوم ولم أزَل أسعَ..."، فهو منتج من انتاجات الفقراء في بلادنا، والمتصوفة، بعبوةٍ حديثة، وهو علمٌّ وعِلمٌ ورمزٌ لجودتنا وتواضعنا، من غير إغفالٍ لمواقفه حول قضايا اجتماعية وسياسية لم يرضَ بعضنا منه، واختلف معه، ولكنه كان الأقرب لإسلام السودان، وثيق الصلة بتربة ومجتمع وثقافة هذه البلاد، وتنوعها التاريخي، وقد أشار في أكثر من محاضرة إلى التنوع التاريخي الذي حفلت به بلادنا والإسلام السوداني كماركةٍ مسجلة كان البروفيسور عبد الله الطيب يمثل بُعداً من أبعادها وجوهرها.
    كذلك كنت أتمنى ألّا تسيل الأحبار والأوراق المبعثرة بين د. منصور خالد و د. عبد الله علي إبراهيم، فكلاهما من أعلام التنوير، ومشروع د. منصور خالد في التنوير وانتقاد تجربة البناء الوطني منذ الاستقلال، وحتى التي شارك فيها كظام نميري وانفتاحه على طيفٍ واسع من قضايا البناء الوطني كمؤرخٍ ومفكرٍ وسياسي لا يتعارض مع المشروع التنويري للدكتور عبد الله علي إبراهيم الذي يتنقل برشاقة بين موضوعات شاقّة ومعقدة، وكان من الممكن النظر للمشروعين في إطار تكامل المجهود التنويري الكبير، وإيجاد الصلات والقواسم المشتركة بين المشروعين، دون أن يُفسد الخلاف للتنوير قضية، فيمكن دائماً وضع نقاط الالتقاء دون إغفال التقاطع في المشروعين.
    د. جون قرنق دي مبيور والإمام الصادق الصديق المهدي، يلتقيان ويتقاطعان، والعلاقة بينهما تحتاج لتقييم موضوعي رصين، لا سيَّما وأن كليهما قد ابتعدا عن ملكوت الأرض، ولم يبتعدا عن ملكوت الناس، وقد أدى كلاهما واجبه بطريقته التي ارتئاها، ولكن القضايا مدار الالتقاء والتقاطع لا تزال قائمة وتواجه السودانَيْن بأسئلةٍ كبيرة، تبدأ بالمواطنة بلا تمييز وتنتهي بكيفية بناء مشروع وطني يسع الجميع، والإجابة على مأزق الانتقال الذي يُؤسس لديموقراطية دائمة وتنمية متوازنة ومواطنة بلا تمييز.
    أبريل 1985م:-
    في انتفاضة أبريل 1985م، كانت المهام نفسها، والمناخُ مختلفاً عن 21 أكتبر 1964م، ولكن......
    الخرطوم
    ٤ يناير ٢٠٢١م
    ////////////////////
                  

11-28-2020, 06:07 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الله أكبر ولله الحمد
    أصدر الإمام أحمد عبد الرحمن المهدي النعي الآتي:
    الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه مع التسليم
    وبعد:
    التحق بالرفيق الأعلى أخي وابني السيد الصادق المهدي شهيداً بوباء الكرونا الذي اجتاح العالم فجاءت وفاته صدمة عنيفة على السودان وشعبه، لأنه كان زعيماً ملأ الآفاق بهمته العالية وتجرده الخالص وعطاءه الفكري والعمل المتدفق واجتهاداته المتواصلة وأهدافه الواضحة في محاربة الظلم والفساد والسعي الدؤوب لتحقيق الحرية والديمقراطية للسودان.
    وإن هذا الفقد الأليم سيخلف فراغاً هائلاً في ساحتنا السياسية على وجه الخصوص وستكون له آثاره السالبة على كياننا الأنصاري وعلى منبرنا السياسي وأن هذا الأمر يستوجب منا السعي والمثابرة في التضامن والتآزر وشد الأحزمة ترابطاً وتلاحماً لنبذ كل أسباب التفرقة والشقاق لتوحيد كلمتنا ولم شعثنا وجمع صفنا حتى نمنح السودان الوحدة والقوة والإرادة التي تحقق إصلاح هذا الوطن الجريح الذي ابتلاه الله بلاءاً قاسياً في ظروف عصيبة سيخرج منها سالماً آمناً بإذن الله العلي القدير.
    واليوم أيها الأحباب نعزيكم ونعزي أنفسنا في هذا المصاب الجلل وندعو الجميع العودة إلى قول الإمام المهدي عليه السلام (بايعوا بعضكم بعضاً على صفاء المحبة لله وكونوا كالبنيان المرصوص في التعاون على البر والتقوى وكاليدين تغسل إحداهما الأخرى). وسوف يتقدم ركبنا الرباني بإذن الله إلى الأمام رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً وستظل عالية خفاقة رايات الحق في هذا البلد الحبيب نفديها بالمهج والأرواح كأسلاف كرام.
    وإننا نرفع أكف الضراعة للمولى عز وجل أن يتقبل فقيدنا بما هو أهله ويكرم نزله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ويطرح البركة في أولاده وبناته وآل المهدي وخلفاءه والأنصار والأحباب أجمعين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
    الفقير إليه تعالى
    الإمام أحمد عبد الرحمن المهدي
    الولايات المتحدة الأمريكية/ بوسطن

    لولايات المتحدة الأمريكية/ بوسطن
                  

11-29-2020, 06:45 AM

Mohamed Doudi
<aMohamed Doudi
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3871

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    Quote: بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

    28 تشرين2/نوفمبر 2020


    عندما يرحل المرء عن الدنيا، تذهب معه أعماله، و أيضا تبقى أعمالا له أمام الناس كتابا مفتوحا بما انجزه من معارف و تركه من تصورات، و الحكمة أن يذكر للميت محاسن الاعمال دون سوءاته، و بحثت في دفاتر اللإمام عن سوءة واحدة لم أجدها، رجل كان لسانه عفيفا لا يفجر في خصومة و لا يقول فاحش القول و لا يقول إلا الحسنة، و كان صدره واسعا لأي نقد من قريب أو بعيد و لا يصنع منه جفوة بل يفتح معه أبوابا للحوار، كان يطرق آذنيه لكي يسمع من محدثه قبل أن ينطق ببنت شفا، كان موسوعة في السياسة و الثقافة و الفن، كان رجل دولة بمنطق التواضع و الحكمة و صدع القول الحق، تعرفت علي الإمام عن قرب و ليس سمع مثل الآخرين، جلست معه جلسات مطولة سمعته في السياسة و الثقافة و الفن، و تعرفت عليه في أصعب الأزمات السياسية و كيف كان يتصرف عن ردة فعل أم حكمة يدخرها لمثل هذه الظروف، كان يختلف عن السياسيين الآخرين لا يسلم علي الناس إلا واقفا مهما كان المقبل علي السلام، احترام الآخر هو من احترام الذات و دلالة علي سعة الثقافة و التواضع، رجل أعد نفسه لهذا اليوم أن تفجع الأمة كلها برحيه، حتى الشياطين وقفت سكلى علي رجل استعصى عليها في الغواية، نسأل الله له الرحمة و المغفرة.
    في أوائل الثمانينات أسست مع الأخوين الفاضل كباشي و الفاضل حسن "جمعية الثقافة الأفريقية" و الفاضل كباشي كان مغرما بالثقافة الأفريقية و مترجما للقصص القصير الأفريقية لجريدتي " الأيام و الصحافة" و أيضا لإذاعة "صوت الأمة" و كنا نقيم نشاطاتنا في عدد من نوادي الخرطوم نادي اليوناني و الايطالي و نادي ناصر. و وجدت الجمعية صدي في الفئة الاجتماعية للطبقة الوسطى و الرأسمالية بحكم أماكن النشاط، بعد انتفاضة إبريل و قيام الانتخابات و كون الصادق المهدي وزارته، في إبريل عام 1989م جاءني الفاضل كباشي أن نقيم مؤتمرا للثقافة الأفريقية، و ندعو له عددا من الكتاب الأفارقة في المسرح و الشعر و القصص القصيرة و الرواية. و نكتب للصادق المهدي لكي تتكفل الدولة بكل شيء و نحن نساهم بأسم الجمعية. ضحكت لكن راقت إلي الفكرة. و كتبت المشروع مفصلا، و بحكم عملي في إدارة الأخبار في الإذاعة و التغطية الأخبارية استطعت أن اقدم المشروع لمدير مكتب رئيس الوزراء، و بعد اسبوع اتصل بي الأستاذ صلاح عبد السلام الخليفة وزير شؤون مجلس الوزراء لمقابلته، و ذهبت إليه، و قال أن رئيس الوزراء موافق علي المشروع من حيث المبدأ، لكنه يريد مقابلتكم للحديث عن المشروع و أهدافه و كيفية تنفيذه، و اتصلت بالفاضل كباشي و لكنه رفض الحضور، و التقيته صدفة في حوش الإذاعة و أخبرته أن رئيس الوزراء موافق من حيث المبدأ علي المشروع، قال "أنا ما مصدق رجل لا يعرفنا كيف يقبل مشروع من نكرات" و لا اعرف لماذا تراجع الفاضل كباشي، و الشيء الذي تأكدته تماما من حديث صلاح عبد السلام معي علي التلفون قبل مقابلة رئيس الوزراء أنه متحمس للمشروع جدا.
    ذهبت لرئيس الوزراء و التقيته كان بشوشا مرحبا بشاب تدل الثياب التي يرتديها أنه من عامة الناس، و لم يسألني عن انتمائي السياسي و لا عن هويتي و لا قبيلتي فقط عن اهتمامي بالثقافة الأفريقية و تحدث معي عن التنوع الثقافي في السودان، و وجوب الهتمام بالعملية الثقافية. و ناقشت معه المشروع، قال إلي موافق علي المشروع و نعمل سويا من أجل تنفيذه، لكن الدولة تتحمل جزء، و نتصل بالرأسمالية تتحمل الجزء المتبقي، و الجمعية تتحمل الدعوات و اختيار العناصر التي تكتب الأوراق، و سوف أكلف وزيري الخارجية و الإعلام لمساعدتكم في ذلك. و لكن جاء انقلاب الجبهة الإسلامية لكي يوقف تنفيذ المشروع. هذا المشروع أكد لي أنني أمام شخص يختلف عن كل السياسيين، أن يفتح بابه لشخص من العامة و يقبل المشروع الذي قدمه، تؤكد تواضع رجل يؤمن أن الناس تقيم بأعمالهم.
    بعد انقلاب الإنقاذ، و رحلة الإمام الصادق " تهتدون" تغيرت الأوضاع في القاهرة تماما، حيث تعددت المناشط، كنت اشغل في ذلك الوقت مديرا " لمركز السوداني للثقافة و الإعلام" و كانت نشاطات المركز متنوعة بين السياسة و الثقافة و الفنون. مما اتاحت إلي الفرصة أن التقي بالعديد من القيادات السياسية و الحوار معهم بشأن خاص و عام من خلال نشاطات المركز، و التقيت بالإمام كثيرا في حوارات متعددة، و كان رجل يطيل الإصغاء و سماع المبادرات، قدمناه في العديد من ندوات المركز السياسية و الثقافية. و ذات يوم ذهبت إليه في مكتبه و سألني عن نشاطات المركز قلت له اليوم عندنا جلسة عن حقيبة الفن سوف يتحدث فيها الاستاذ السر قدور و الفرجوني، و بعد ما بدأت الندوة بخمس دقائق جاء الإمام مرتديا بدلة و أعتذر عن التأخير لأنه كان في اجتماع و استمع للندوة بل تداخل فيها بمعرفة رجل ملم بقضايا الفن و خاصة حقيبة الفن.
    عندما عقد مؤتمر حزب الأمة بالعاصمة الاريترية " سمرا" في تسعينات القرن الماضي، و في جلسة خاصة سألت الإمام، في أول خطاب لك في البرلمان عام 1986م ذكرت أن حزب الأمة قد تمدد وسط الطبقة الوسطى؟ السؤال مكون من شقين الأول متى انتقل حزب الأمة من الطبقة الاقطاعية. و هل تعتقد أن الفوز في عدد من دوائر العاصمة و عواصم الأقاليم هو التمدد أم أن التمدد جاء لطرح فكري ينقل الحزب من طبقة الاقطاع للطبقة الوسطى؟ ضحك الإمام و قال قرأت مقالاتك عن ذلك. و حزب الأمة لم يكن اقطاعيا لأن المجتمع السوداني مجتمع متحول وفقا للتغييرات السياسية و الاقتصادية العديدة، و الانتخابات الديمقراطية الآخيرة كشفت أن الحزب تمدد داخل الطبقة الوسطى من خلال البرنامج الانتخابي الذي طرحه علي الشعب، و وجد قبولا في الشارع و خاصة الطبقة الوسطى، من قبل كان البعض يعتقد أن الأحزاب لها أماكن تقليدية هي التي تفوز فيها، و لكن الآن حزب الأمة كسر هذه القاعدة، و تمدد في الطبقة الوسطى و استقطاب قاعدة عريضة منها، و إذا نظرت للبرامج المطروحة في الشارع تجدها مقدمة من حزب الأمة إليس دور الطبقة الوسطى عملية الاستنارة الآن نحن دعاة الاستنارة في المجتمع.
    في عام 1998م عقد التجمع الوطني الديمقراطي مؤتمرا في العاصمة الاريترية " أسمرا" و في هذا الاجتماع كانت هناك نية مبيته من قبل ثلاثة قوى سياسية لطرد حزب الأمة من التجمع الوطني الديمقراطي، هذا ما كان يبدو ظاهرا، لكن كان هناك شخص واحد هو الذي كان يريد الطرد، بسبب أن الإمام المهدي ليس من السياسيين الذين يبصموا و يقدموا تأييدا علي صكوك بيضاء، لكنه كان يسأل و يتقصى بشكل تفصيلي ثم السؤال عن النتائج المتوقعة، الأمر الذي جعل الشخص المعني غير راضي عن ذلك، و كانت سلطته و سطوته غالبة علي بقية القوى الآخرى. كان الإمام يعتقد هناك تحالف محكومة ببرنامج وأجندة محددة و يجب التقيد بها، و لكل قوى سياسية حرية الحركة في انجاز مهامها الحزبية و بناء تكتيكاتها، هذه الرؤية كانت لا ترضي البعض. بعد طرد حزب الأمة ذهبت إلي الإمام في مكتبه مع الأخ أحمد البكري و تناقشنا حول المؤتمر، و قدمنا مبادرة من المركز بهدف معالجة ما حدث في المؤتمر. قال الإمام إذا قدمتم المبادرة الآن سوف يقولوا وراءها حزب الأمة، و لا تفهم الفهم الصحيح، المسألة الثانية أن الجهة وراء العمل لن توافق لأن الهدف إبعاد حزب الأمة لكي يتسنى لها إدارة التجمع بالصورة التي تريدها، لكن لن أكسر مجاديفكم، نحن ليس ضد رأب الصدع، و لكن لن نكون علي هوى الآخرين، بل ما يخدم أهداف التحالف. و بالفعل أجرينا ثلاثة مقابلات واحدة مع التجاني الطيب رئيس العمل الخارجي للحزب الشيوعي، و الأخرى مع قيادة قوى التحالف في القاهرة، و الثالثة مع بعض القيادات الاتحادية، و بعد ساعات ملأت القاهرة بالشائعات التي تقول أن حزب الأمة وسط المركز السوداني للثقافة و الإعلام للرجوع للتجمع، أوقفنا المبادرة، و كنا متأكدين أن الشائعة خرجت من قوى التحالف و روجتها عناصر من الاتحاديين، لمعرفتي بشخصية التجاني الطيب و كيف يتعامل مع مثل هذه المبادرات لم يكن هو مصدرا للشائعة، و كتبت مقالا في جريدة الخرطوم أنفي صلة حزب الأمة بالمبادرة. ثم التقيت بالصادق المهدي، الذي قال هذه هي السياسية في السودان، البعض يعتقد إنها مكائد و صناعة المؤامرات، و البعض الآخر يعتقد التحالف هو فرض رؤيته دون الآخرين، جميل أوقفتم المبادرة لكن الأحداث القادمة هي التي سوف تشكل ملامح العمل القادم. و حكمته هي التي جعلته يقول في بداية التفاوض بين قحت و المجلس العسكري، قال تعاملوا مع العسكر بأنه جزء من الثورة و لا تفقدونهم لكي يتم العبور لمرحلة جديدة تتوج بعملية التحول الديمقراطي. كان يتخوف أن مواجهة العسكر تجعلهم الاتجاه للبحث عن حاضنة جديدة. و الذي تخوف منه قد حصل ذهب العسكر للبحث عن حاضنة بديلا عن قحت و قد انتصروا ضعفت قحت و حملت كل أخطاء الفترة الانتقالية.
    استطاع الإمام أن يفتح منابر عديدة للمعارضة في القاهرة، حيث استضافت العديد من المنابر الإمام في جريدة الأهرام و الوفد و مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية و الجامعة الأمريكية و مركز القاهرة لحقوق الإنسان و غيرها و تتنوع المشاركة بين السياسة و الثقافة و الدين و الفنون، التي استطاعت فيها المعارضة أن توسع مساحات التفاعل مع المثقفين و الصحافيين المصريين، الأمر الذي يؤكد حيوية الرجل و معرفته كيف يفتح منافذ أخرى لإرسال الرسائل.
    رحل المهدي بجسده، و لكن يبق ما أنتجه من كتب و خطابات هي ملك للشعب السوداني، و هي مرحلة جديدة للعمل السياسي في البلاد. و أيضا حزب الأمة الذي سوف يواجه تحدي حقيقي، باعتبار أن الصادق المهدي كان صاحب كارزمة استطاع أن يغطى وظيفة الإمام و رأسة الحزب السياسي. و علي الرغم من أن الصادق قد تحدث مرات عديدة عن رؤيته لفصل الوظيفتين، ثم ابتعاده عن العمل السياسي المباشر، و يختصر عمله علي العمل الفكري. لذلك ليس أمام اسرة المهدي و جماهير حزب الأمة و أيضا طائفة الانصار إلا فصل الإمامة عن رئاسة الحزب، خاصة لم تظهر حتى الأن كارزمة تستطيع أن تملأ الوظيفتين في وقت واحد. و برحيل الصادق المهدي سوف تبدأ مرحلة جديدة لحزب الأمة مليئة بالتحديات الداخلية للحزب إيجاد الشخص الذي يملأ مكانة الصادق الذي كان يقوم بدور السياسي الذي يدير شؤون الحزب و دور المفكر و دور الخطيب الذي تسمعه كل الأمة السودانية.
    نسأل الله أن يرحم الصادق المهدي صاحب القلب الكبير الذي كان يتسع ليحضن أمة بكل وطوائفها، رجل كان يمثل حجر الزاوية في العملية الديمقراطية في البلاد، و قدم فيها تضحيات جسام، و إنتاجا معرفيا غزيرا. و نسأل الله أن يعين قيادات حزب الأمة أن تواجه هذه التحديات بصدور واسعة و أذهان مفتوحة، و التمسك بعملية التحول الديمقراطي في البلاد التي كانت تمثل القضية المركز للإمام الصادق المهدي.
    [email protected]
    --------------------------

                  

11-29-2020, 03:18 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: Mohamed Doudi)

    الصادق المهدي .. الدنيا الجميلة !! .. بقلم: د. مرتضى الغالي

    نشر بتاريخ: 29 تشرين2/نوفمبر 2020


    (يا صاحبي إني حزين..)..! ومن كل هذا البحر المتلاطم من المداخل حول رحيل الإمام الصادق المهدي (الذي ملأ الدنيا وشغل الناس) أجد نفسي في الوجهة الشخصية أودع دنيا عامرة عرفناها معه من قرب في بعض سوانح حياته الخصيبة الممتدة راسياً وأفقياً.. فقد كان شديد الأسر في كل ذلك.. وكذلك في المجال الإنساني.. وكم كان ركيزة عزاء وعاصمة مواساة وبلسم تعافي في أحزاننا حين رحيل الأب والأم والأخ والأخت والإبن.. وكم كان يحنو على والدتنا ويعودها ويدخل إلى غرفتها المتواضعة ليؤانسها عند شكوى المرض ويقبّل رأسها في عطف تتخلله أفاويق من الدعابة والاستبشار الذي يحمل لها دبيب العافية ..!!
    كم كان لطيفاً وهو يشهد أفراحنا الصغيرة وملماتنا العابرة.. وهي حفاوة شائعة ومعاودة لا تقتصر على أفراد أو عائلات أو جماعة بل تمتد إلى سلاسل من المزاورات الاجتماعية المتسعة في أكثر أوقاته انشغالاً.. كان يستمع إلى قفشات شقيقنا (مؤمن) اللاذعة ضاحكاً ومستزيداً..ومؤمن تسير به رياح السياسة إلى جانب آخر وضفة مقابلة للضفة التي يقف عليها الإمام..كان يحتفي بكل ما يقال ويعقّب في أريحية يمزج فيها النادرة بالنادرة والمأثور بالمأثور والحكاوي بالمشاهدات..وله باب عريض في ملاحظة خطرات الناس وما يصدر عنهم من بوادر وتعبيرات و(لازمات) جسدية وقولية مثل حكايته عن الرجل النيجيري الذي كان يجلس بجانبه في الطائرة في احدى رحلاته ودقة تصويره الروائي له من غير أن يبادله الحديث..!
    في المحافل التي نشهدها معه ويشرّفنا فيها بحضوره لم يكن يستصغر شأن التعليقات العفوية التلقائية أو شأن مُطلقيها مهما جنحت وخرجت عن السياق.. يستمع بإصغاء لكل ما يُقال حول شؤون السياسة والحياة فيرد بتعقيبات تنتظم فيها الحكايات الشعبية والمقاربات التراثية وما مرّ عليه في أسفاره وتطوافه في أنحاء السودان وخارجه، أو البوادر التي أغفلها التاريخ الاجتماعي في عهود التركية والمهدية وفي أحوال الفرق السياسية والاجتماعية التي عاصرت (المهدية الجديدة) بين موالاة وعداوة وشوارد.. مع أحاديث وحكاوي وطرائف الفقهاء والشعراء والدروايش ومعها مستجدات ما يجري في العالم .. ولا يغادر هذه الأحاديث إلا ونكون قد تصيدنا منه بعض التعبيرات الجديدة التي يشتقها من الأسماء والأحداث والمواقف ويصبها في قوالب جديدة يتم صكها لأول مرة.. وهذا ما ظل مشهوداً عنه منذ وصفه للنقابية السياسية والمهنية بـ(السندكالية)..إلى تعميم وصف ظاهرة الانشقاقات الحزبية بعبارة (النرجدة) نسبة إلى "النور جادين" صاحب أول انشقاق في حزب الأمة..! وتصدر هذه المصكوكات من روح لمّاحة وجسارة فكرية لا تتهيّب من رفد دنيا السياسة والاجتماع باشتقاقات لغوية جديدة (جامعة مانعة) تجسّد الموصوف وتُغني عن الشروح؛ فقد كان خزانة في اللغة والقراءات والمطالعات وأجناس الإبداع الشعبي السوداني من شعر وأمثال وحكاوي وأساطير.. وفي الفكر الإنساني وفي ديوان الشعر بأوابده واختلاف مدارسه من القديم القديم إلي الحديث الحديث..!
    كان لقاؤه في هذا الفضاء الاجتماعي من المسرّات التي تزيد من ثراء النفس وبهجة الدنيا والتي يتم فيها خفض جناح الرسميات إلى المؤانسة والمشاعر الإنسانية التي لا تضيق بلواذع الانتقادات..ولكنها الرحابة التي لا تمنع صاحبها عن المدافعة بقوة وبيان عن رؤيته وموقفه.. فقد كانت له في كل شأن رؤى يوليها عناية فائقة...كان يطلق الأفكار المستجدة حول الرياضة والفنون والعلاقات الأسرية وما يحيط بها من تصوّرات ومناكفات..وكل هذه المجالات لا نقول فيها جديداً فهي منثورة في كتبه ومؤلفاته وما كان يُحاضر به ويعرضه في المحافل الرسمية أو الجلسات الاجتماعية المحصورة..! ربما يسعفنا صلاح عبد الصبور.. (يا صاحبي إني حزين.. طلع الصباح فما ابتسمت ولم يُنرْ وجهي الصباح... الحزن يولد في الصباح لأنه حزنٌ ضرير...حزن طويل كالطريق من الجحيم إلى الجحيم...حزن صموت..والصمت لا يعني الرضاء بان أمنية تموت.. وبأن أياماً تفوت...الحزن يفترش الطريق).....هكذا الدنيا..!
    ------------------

    عصر ما بعد الصادق المهدي في السودان .
    . بقلم: د. عبد الوهاب الأفندي

    نشر بتاريخ: 29 تشرين2/نوفمبر 2020
    ا

    نقلا عن العربي الجديد
    التقيتُ الإمام الصادق المهدي، زعيم طائفة الأنصار وحزب الأمة، رحمه الله، أول مرة في مطلع الثمانينيات، في منزله في قرية ميدنهيد الجذابة في ريف لندن الغربي. كنت وقتها بصحبة صديقنا الراحل وناشر مجلة آرابيا حيث كنت أعمل، محمد صلاح الدين، طيب الله ثراه كذلك. كان وقتها يقود المعارضة السلمية ضد حكم الرئيس جعفر النميري، من دون أن يختار المنفى. وبعد سقوط النميري، استضفناه متحدّثاً في منبر في المجلة، وبعد ذلك أجريت مقابلة طويلة معه نشرت على ست صفحات في المجلة. وفي مطلع 1988، عندما أصبح رئيساً للوزراء، كنت أود إجراء مقابلة معه في الخرطوم، فطلب مني لضيق الوقت اصطحابه إلى مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور وقتها. وبالفعل، صحبته في تلك الرحلة، حيث قضينا ثلاثة أيام هناك، من دون أن ننجح في إجراء المقابلة (تمت بعد ذلك في الخرطوم). وكانت هذه أول مرة أطلع فيها عن قرب على خطورة وضع الصراع القبلي هناك، فقد حضرنا مؤتمراً ناقش النزاع الذي تفجّر في الإقليم بين الرعاة والمزارعين. وكانت هناك مجموعات توزّع خارج المؤتمر بياناتٍ يتحدث فيها كل طرف عن الفظائع التي ارتكبت في حقه. وقد أشبهت اللغة، إلى حد كبير، ما سمعناه في وقت لاحق في أحداث يوغسلافيا وغيرها. وفيما بعد، التقيت الإمام الصادق، في مرّات عديدة، منها زيارات في منزله العامر بأم درمان، ولقاءات في عواصم أخرى، منها الدوحة وإسلام أباد، وبالطبع لندن. وقد قرأت معظم ما كتبه، لأغراض أكاديمية وغيرها، فقد كان عطاؤه في هذا المجال غزيراً ومفيداً. وأعدّ حالياً فصلاً عنه في كتابي عن تجليات الهوية السودانية.
    هذه المقدمة ضرورية لتأكيد أن شهادتي في الإمام لا تقوم على لقاءٍ عرضي ومعرفة عن بعد. وبالطبع، بيننا خلاف في الرؤية حول بعض مواقفه السياسية، وبدرجة أقل آرائه. ولكنني لم أشارك يوماً من يعتبرونه مشكلة السودان الأساس، ويحملون عليه بعنف، ويروْنه شرّاً مستطيراً. وقد بينت في مقدمة كتابي "الثورة والإصلاح السياسي في السودان" تحفّظي على تحامل بعض منسوبي السفارة الأميركية في الخرطوم، عند لقائي بهم في مطلع التسعينات، عليه، خصوصا بعد أن لمتهم على تقصيرهم في دعم الديمقراطية في السودان، قائلاً، لو دعمتموها لما كنتم اليوم تندبونها. عندها ألقى قائلُهم باللوم على الصادق المهدي بالقول: "إنه خيّب آمال الجميع". وقد سمعت مثل هذه المقولات من كثيرين غيره، يُكثرون من لوم الإمام، ويحمّلونه كل خطايا الأمة، من دون أن يعطوا أنفسهم نصيباً من اللوم، خصوصا أنهم كثيراً ما تحالفوا معه.
    وأذكر أنني، في رحلتي إلى الخرطوم التي صحبتُ فيها المهدي إلى الفاشر، تحدّثت مع أحد قادة الإسلاميين عن ضرورة دعم حكومة الصادق المهدي والتحالف معه، فقضى معظم الوقت يعدّد مثالبه، ويؤكد أنهم لا يمكن أبداً أن يلتقوا معه. ولم تنجح أيٌّ من حججي وتبريراتي معه. ولكن لم تمر أشهر معدودة على هذا اللقاء، حتى كانت الجماعة في حكومةٍ ائتلافيةٍ مع المهدي، وتبخّرت كل تلك الحجج غير القابلة للنقاش. (للأمانة، رفض المهدي نفسه، في مقابلته معي في 1986، أي تعامل مع الإسلاميين، قائلاً إنهم عبءٌ في التعامل مع الغرب، وفي التعامل مع الدول العربية، وفي جهود السلام، وهو تحليل صحيح).
    وقد حفلت مذكرات ساسة سودانيين عديدين، وبعض المثقفين، بكثير من القدح في حق المهدي. كان هذا بدايةً من شريكه في قيادة حزب الأمة، محمد أحمد المحجوب، في سلسلةٍ لا يبدو أنها على وشك الانتهاء، فالكل لديه شكاوى وحكايات. ولعل هذا يعود إلى طول بلائه في أروقة السياسة السودانية، ما أكسبه منافسين وأعداء كثيرين، فقد ولج ساحات السياسة السودانية وهو بعد في العشرينات، وكان له دور مهم في ثورة أكتوبر 1964. وقد تولى رئاسة الوزارة عام 1966، وهو بعد في مطلع عقده الثالث. وقد سعى، في مطلع حكم النميري، إلى تفاهم مع نظامه، ولكن مبادراته رفضت. وقد لقي جزاءه سجناً ثم نفياً إلى مصر الناصرية مع غريمه زعيم الحزب الشيوعي السوداني، عبد الخالق محجوب. ولعل المفارقة أن مفاوضاته مع النميري قامت على مطلب إبعاد الشيوعيين من الحكم شرطا للتقارب، فكان نصيبه أن أبعد إلى المنفى في الطائرة نفسها مع محجوب! وقد تصالح مع النميري في 1977، بعد معارضةٍ بلغت حد المبارزة بالسلاح في محاولة انقلابية قادها المهدي عام 1976. ولكنه سرعان ما عاد إلى المعارضة، حين أيد النميري اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ثم عندما أعلن قوانين الشريعة الإسلامية التي رآها المهدي، مثل كثيرين، تشويهاً للإسلام.
    وكانت فترته الثانية في رئاسة الحكومة عام 1986 مثل سابقتها، قصيرة، وحافلة بالصراعات والمنافسة والأزمات. ففي الحالين، واجه حرباً أهلية لم يكن هو من أشعلها، ولكنه عجز عن إطفائها. كان منافسوه من داخل حزبه (وحتى من داخل أسرته الكبيرة)، ومن خصومه الآخرين، له دائماً بالمرصاد، حتى وهم في ائتلافٍ معه. وقد اتهم، في أكثر من مرة، بأنه اختلق أزمات، أو ساهم في خلقها أو احتدامها، مثل أزمة حل الحزب الشيوعي في الستينات، ومثل الحرب الأهلية التي ظلت محتدمة في ولايته الأولى ثم الثانية.
    في المعارضة أيضاً واجه تحدياتٍ، فقد انفرط عقد الجبهة الوطنية التي قادها ضد الرئيس النميري في السبعينات، بعد أن نجحت مبادرة المصالحة مع النظام عام 1977. أما مساهمته في التجمع الوطني الديمقراطي فقد انتهت بدورها في 1999، حين قرّر المصالحة مع نظام عمر البشير، قبل أن يعود إلى المعارضة بسرعة.
    إلا أن أهم ما يحسب للإمام الصادق المهدي أنه كان ديمقراطياً بالمزاج والفطرة والتوجه. ولعله السياسي السوداني الوحيد الذي التزم بالديمقراطية قولاً وعملاً طوال حياته السياسية. وكانت أولى مبادراته، في هذا المجال، إنشاء تحالف القوى الجديدة في منتصف الستينات، وكان التحالف السياسي الوحيد الذي شمل أحزاباً من الجنوب والشمال. وقد ظل دائماً داعيةً إلى التعددية، رافضاً الإقصاء. وكان المهدي كذلك من بين القلة من السياسيين السودانيين ذوي الإنتاج الفكري المتدفق، فقد كتب، في شبابه، مؤرّخاً لحركة الأنصار، ودورها في العمل الوطني. وقد غازل في شبابه الاشتراكية وهو بعد طالب في أكسفورد، حتى أن بعض خصومه اتهموه بأنه كان شيوعياً. كانت له مساهماتٌ كثيرة في تطوير الفكر الإسلامي، وأكثر من ذلك في محاولات تعزيز الديمقراطية في السودان والعالم العربي.
    ولعله من بين القلائل من الساسة السودانيين ممن فاقت إيجابيات مساهماتهم في كل المجالات، من فكرية وسياسية واجتماعية، سلبياتها، فلم يُحسب عليه، في الحكم ولا المعارضة، ارتكاب الفظائع والكبائر، كما أنه لم يتّهم بفساد أو إثراء على حساب الشعب، ولم يمارس الإقصاء أو القهر في حق أحد. غاية ما يتهم به التقصير، ومن منّا لا يقصّر؟ لهذا السبب، يدشّن رحيله عهداً جديداً في تاريخ السودان، فقد كان دائماً رجل الملمات، ومحور الحراك السياسي. لم يقم تحرّك مهم منذ ثورة أكتوبر 1964 إلى ثورة ديسمبر 2018، إلا وهو في القلب منه. الآن وبعد رحيله، لا بد على الأقل لمنافسيه سابقاً في الساحة السياسية من أن يجدوا جهةً جديدةً يلقون عليها باللوم في تقصيرهم وفشلهم. ونأمل أن يستطيع حزب الأمة بعده أن ينهض نهضةً كبرى، تبدأ بالتوسع خارج دائرة العائلة الضيقة، وأن يغادر نوعاً ما نطاق الطائفة.
    ألا رحم الله عبده الصادق بن الصديق بن عبدالرحمن بن محمد أحمد (المهدي)، وأحسن إليه، وجزاه خيراً عن بلائه في خدمة دينه ووطنه، وغفر لنا وله الخطايا والذنوب.
                  

11-29-2020, 03:57 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)



    بسم الله الرحمن الرحيم

    وداعا يا أبا أم سلمة .. إلى جنات الخلد

    مبارك الفاضل المهدي

    بسم الله الرحمن الرحيم (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإلى إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) صدق الله العظيم .

    روعت الأمة السودانية برحيل الحبيب الإمام الصادق المهدي فجر الخميس السادس والعشرين من نوفمبر ٢٠٢٠ فقد كان الحبيب الراحل قائدا ملهماً، وعقلاً راجحاً ، ومفكراً لا يشق له غبار ، ووطنياً قل أن يجود السودان بمثله، رحل والوطن في أمس الحاجة لحكمته.
    لقد جمعت بيننا والحبيب الراحل العقيدة الأنصارية ووحدة الفكر والوجدان وزمالة النضال قبل أن تجمع بيننا أواصر القربى .
    أول مرة التقي فيها بالإمام الراحل الصادق المهدي كانت في النصف الثاني من العام ١٩٧٠ بمعتقله بمدينة بورتسودان حيث كنت كادرا سريًا اعمل مع قيادة الجبهة الوطنية بالخارج في معارضة نظام نميري، وكنت وقتها طالبًا بالسنة النهائية بالمرحلة الثانوية حيث حملت إليه سرًا مسودة ميثاق الجبهة الوطنية وبقيت معه ثلاثة أيام في المنزل الذي كان معتقلا فيه، ثم حملت منه راجعا رأيه وملاحظاته في الميثاق ورسائله لقادة الجبهة الوطنية ( حسين الهندي،عمر نورالدايم، عثمان خالد ) فكان هذا أول تعارف بيننا، ثم عاودت زيارته مرة أخرى عام ١٩٧٣ في ذات المعتقل، وقد توثقت علاقتنا بعد إطلاق سراحه في نهاية ٧٣ عندمًا انتقل إلى لندن عام ١٩٧٤ وكنت حينها طالبًا بالجامعة هناك.
    عند تخرجي في عام ١٩٧٥ كلفني الإمام الراحل مع قيادة الجبهة الوطنية بالتحضير وإدارة حركة ٢ يوليو ٧٦ ، بعدها وفي المنفي عام ١٩٧٧ سكنًا سويًا بحي المقريف بطرابلس بليبيا وعدنا معًا الى السودان عقب المصالحة الوطنية في سبتمبر ٧٧، ثم أمضينا سويًا سنتين بمعتقلات مايو عام ٨٣ و٨٤ وعملت معه في كل المكاتب السرية في مقاومة مايو والإنقاذ وتزاملنا أكثر من أربعين عاما في النضال وثلاث سنوات في حكومة الديمقراطية الثالثة ، جمع خلالها بيننا تاريخ وثقة كبيرين واسرار تهد الجبال، .
    في عام ٢٠٠٢ حدث بيننا خلاف حول منهج وتكتيكات العمل ولكن لم نختلف أبدا حول المبادئ والأهداف ورغم ذلك ظل التواصل قائمًا بيننا اجتماعيًا وسياسيًا حتى قبل رحيله.
    لقد كان الحبيب الراحل الإمام الصادق المهدي مدرسة في شتى ضروب الحياة، تعلمت منه كثيرا في مجال السياسة.
    السيد الصادق المهدي شخصية لعبت دوراً كبيراً في تاريخ السودان المعاصر منذ الستيناتًًً حيث كانت مسيرته الدينية والسياسية مليئة بالنشاط والمخاطر .



    أولًا: بدأ مسيرته في قيادة حزب الأمة وكيان الأنصار في أخطر مرحلة يمر بها الكيان والحزب بعد ضرب الأنصار في الجزيرة أبا وود نوباوي واستشهاد الإمام الهادي ، فقد انتقلت المسئولية إلى الحبيب الراحل وهو حبيس في معتقلات نظام مايو، خرج من السجن بعدها بثلاث سنوات ليعيد تنظيم صفوف الأنصار وحزب الأمة ويقود تحالف الجبهة الوطنية ليرد الصاع صاعين لنظام مايو في حركة يوليو ٧٦ ويواصل مسيرة النضال حتى إسقاطه في رجب/ابريل ١٩٨٥.
    ثانيا: قاد الحزب في انتخابات ١٩٨٦ باكبر فوز انتخابي في تاريخه.
    ثالثا: تصدى لانقلاب الإنقاذ ٨٩ ووحد المعارضة في التجمع الوطني الديمقراطي من سجن كوبر، وتوليت أنا قيادته خارج السودان وقمت بضم حركة قرني للتجمع، ثم وحد الحبيب الراحل الحركات المسلحة في نداء باريس، وأمضى ما يقارب ثلاثون عاما بين المنافي وسجون الإنفاذ حتى سقوطها في ١١ أبريل ٢٠١٩.
    رابعاً: عمل على توحيد المعارضة خلال الحراك الثوري ٢٠١٨ من خلال اعلان الحرية والتغيير.

    دوره الفكري والثقافي

    * جمع السيد الصادق ما بين التعليم والثقافة الغربية في جامعة اكسفورد والثقافة العربية الإسلامية وهو صاحب نظرية التوفيق بين الأصل والعصر والتي شملت كثير من كتاباته ومؤلفاته.
    * اثرى السيد الصادق المهدي المكتبة السودانية بكثير من المؤلفات الفكرية والدينية والتاريخية وكانت له كثير من المنابر الإقليمية والعالمية، حيث ترأس منبر الوسطية الإسلامية وكان عضوا نشطا في نادي باريس للرؤساء السابقين.

    دوره في مجال الأنصارية

    قام بتخريج مجموعة كبيرة من الكادر الشاب المدرب من خلال مدرسة الكادر التي خصها باهتمامه حيث استطاع هذا الكادر ان يلم ويمزج مابين المعرفة العقائدية الدينية والعلم الحديث.
    أسس تنظيمًا دعويا قام من خلاله بتطوير وتحديث هيئة شئون الأنصار.
    كانت آخر وصية سياسية تركها الإمام الراحل هي وثيقة العقد الاجتماعي التي اوضح فيها للشعب السوداني فشل تحالف قوى الحرية والتغيير في تحقيق أهداف الثورة نتيجة لغياب الرؤية والبرنامج ، وبسبب ضعف مكوناته، والصراعات فيما بينها، الى جانب فشل الحكومة الانتقالية في كافة الملفات أهمها ملف الاقتصاد ومحاسبة المفسدين والمجرمين من نظام الإنقاذ واستعادة الأموال المنهوبة، لقد دعا الحبيب الراحل في العقد الاجتماعي الى تحقيق اصطفاف وطني وإعادة تشكيل السلطة الانتقالية وفق رؤية وبرامج تحقق أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة.
    إن تنفيذ وصية الإمام الراحل الأخيرة مهم جدًا لتدارك انهيار السلطة الانتقالية في ظل الأزمة الاقتصادية والغلاءالطاحن الذي يكابده المواطنون.
    تنفيذ وصية الإمام وفي ظل رحيله المفاجئ يتطلب منا جميعا وحدة الصف الأنصاري والحزبي خاصة في ظل الفراغ الكبير الذي خلفه رحيل الإمام الصادق المهدي.
    إن تاريخ كياننا كحركة وثورة ملئ بالتحديات فقد غيب الموت الإمام المؤسس بعد أربعة اشهر من تاسيس الدولة واستطاع خليفته واصحابه من إدارة الدولة وبسط نفوذها في رقعة أكبر من السودان الحالي، ثم غيب الموت الإمام عبد الرحمن المهدي المؤسس الثاني ولحقه خليفته الإمام الصديق بعد سنتين، ولكن استطاع الإمام الهادي وصحبه قيادة الكيان والحزب واستعادة الديمقراطية عام ٦٤ وتحقيق الفوز في الانتخابات عام ٦٥، ثم حمل الإمام الراحل الصادق المهدي الراية ونحن بجانبه سندًا وعضدًا قويًا بعد استشهاد الإمام الهادي وضرب الكيان بشريًا وسياسيًا واقتصاديًا فأسقطنا النميري وعاد حزبنا الرقم الانتخابي الأول في انتخابات ٨٦ والآن علينا ان نقبل على هذا التحدي بنفس روح كياننا الثوري الذي لا يعرف اليأس والهزيمة، وهنا أعاهدك أخي الحبيب الراحل اننا سنعمل على :

    اولا: وحدة صف حزب الأمة قيادة وقاعدة ليضطلع بمسئولياته الوطنية
    ثانيا: تقوية ودعم مؤسسات هيئة شئون الانصار لتواصل رسالتها الدعوية.
    ثالثا: العمل على إزالة الخلافات التي ارتبطت بطموحات البعض من أفراد أسرة المهدي في اطار بحثها عن دور قيادي في كيان الأنصار.
    -------------------
    في وداع الرجل النبيل الصادق المهدى ..
    هل يستعيد السودان تسامحه ؟ .. بقلم: أمير شاهين

    نشر بتاريخ: 29 تشرين2/نوفمبر 2020


    فى البداية نود ان نترحم على فقيد الوطن الكبير السيد الصادق المهدى ونسال الله ان يتقبله القبول الحسن ويغفر له ويدخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.
    بدون شك ان السودان الوطن الكبير قد فقد بوفاة السيد الصادق المهدى امام الانصار و رئيس حزب الامة القومى واخر رئيس وزراء شرعى و منتخب واحدا من ابرز رموزه الكبيرة وعلم من اعلامه الخفاقة ومعلم من معالمه البارزة!
    فالرجل مهما اختلف الناس حوله الا انهم يتفقون جميعهم على انه كان مشهورا بنزاهة اليد وعفة اللسان و كان عليه الرحمة نزيها لم تطاله شبهة فسادطوال حياته فقد كانت يده نظيفة و طاهره لم تمتد الى المال العام و ولم يتهمه حتى الد خصومه بالفساد او الافساد , و يقال بانه عندما كان رئيسا للوزراء لم يكن يصرف مرتبا حكوميا , ولعل اكبر مناقب الفقيد الراحل بانه كان ديمقراطيا يؤمن بالسلم و لا يحب العنف و لا يقرب منه ولا يوصى به . كما كان كاتبا و اديبا و مفكرا و مثقفا من الطراز الاول . ومتحدثا لا يشق له غبار فهو يدهشك اذا تحدث بالعربية ويذهلك اذا ما تكلم بالانجليزية .
    ولكنى اعتقد بان اهم ميزات الامام الراحل هو حبه الكبير للسودان و السودانيين و ايمانه الذى لا يتزحزح بحق هذا الشعب فى الحرية الحياة الكريمة والتقدم و الرقى . وعلى حسب ما ذكرت ابنته مريم بانه كان مهموما و منزعجا لعدم وجود مرجعية فى السودان للسودانيين والذين هم اهل كرامة و عزة وخير ومنهم يتحرر العالم الاسلامى و الافريقى وكان يرى ان مهمته هى السعى فى هذا الامر وكان يرى ان هنالك ثوابت يجب على الجميع الاتفاق حولها و ان الاختلاف مشروع و مطلوب فى كيفية الوصول الى تلك الاهداف , وانه يجب على الجميع التحلى بفضيلة قبول الاخرين و اعلاء قيم المسامحة وحسن الظن بالاخرين . وقد كانت زيارته لمعاودة زعيم الحزب الشيوعى السودانى الراحل محمد ابراهيم نقد فى مرضه و تقبيله له على راسه دلالة على سماحة نفس الرجل و محبته و احترامه حتى لخصومه وهى خصلة لا يتحلى بها الا النبلاء و الكرماء من الناس , ويذهب البعض الى وجود العديد من القواسم المشتركة التى تجمع بين الزعيمين الراحلين برغم اختلافاتهم الفكرية العميقة , فكلاهما كان يؤمن بالسودان الوطن الواحد الذى يتسع لجميع ابنائه ليعيشوا معا فى امان و سلام و حب ووئام , فالراحل محمد ابراهيم نقد كان هو الاخر محبوبا من الجميع بسبب عفة لسانه و ادبه و احترامه للجميع بما فيهم خصومه وكان يردد على الدوام بانه سودانى فى المقام الاول و شيوعى فى المقام الثانى و يتفق الكثيرون بانه كان يدعو الى " سودنة" الشيوعية بدلا من " شيوعية" السودان !! اى ان الشيوعية يجب ان تحترم و تستوعب معتقدات و مكونات و تقاليد وعادات السودان بدلا من تحويل السودان الى نسخة مثل كوريا الشمالية او كوبا , وبعد وفاة السيد نقد فى ماس 2012 كتب المرحوم الصادق المهدى كلمات من ذهب عن الراحل نقد ولعلها كانت الاكثر نبلا و توازنا فيما كل ما كتب عن زعيم الحزب الشيوعى
    "أنعي للشعب السوداني وفاة الزعيم الوطني محمد إبراهيم نقد. أمر العقائد عند رب العالمين وهو ارحم الراحمين. ولكننا البشر المعاصرين له في السجن وخارج السجن نشهد أنه إذا كان الدين المعاملة فقد كانت معاملته للناس فاضلة وعادلة وودودة، كما ان حب الوطن والدفاع عن مصالحه ومصالح أهله من المحامد في نظر الدين والإنسانية، وقد كان صادق الوطنية ونهجه فكري. كان متعلقا بالدفاع عن المستضعفين في المجتمع اكثر من أية اعتبارات أخرى. رحمه الله فإن رحمته وسعت كل شيء؛ وأحسن عزاء أسرته الخاصة وزملائه والبلاد التي هي في أمسّ الحاجة لوحدة الكلمة لإنقاذها مما هي فيه، وقد كان من الذين يرجى أن يساهموا في وحدة الكلمة الوطنية" و بالطبع فان هذه الكلمات لا تحتاج الى تعقيب !! ويبدو ان ان هنالك جذور و تاريخ لمثل هذه القناعات وهذا الفكر لدى اسرة المهدى ! . فقد حكى لى عمى الراحل و زوج خالتى و معلمى فى مدرسة الحياة الاستاذ عبداللطيف كمرات القائد النقابى التاريخى واول ممثل لنقابات السودان فى اتحاد نقابات في اتحاد نقابات العمال العالمي وهو نفس الدرب الذى سار فيه المرحومين قاسم امين و الشفيع احمد الشيخ وهو كذلك واحد مؤسسى الحزب الشيوعى السودانى و الرفيق و الصديق الصدوق للاستاذ الراحل محمد ابراهيم نقد حيث كان يحرص عند زيارته للسودان ان يقضى كل الاوقات معه فى دار الحزب فى الخرطوم , ولنا عودة باذن الله الى ذكرى الراحل عبداللطيف كمرات , حيث ذكر لى بان الشيوعيين بالرغم من اختلافاتهم الفكرية مع اعضاء حزب الامة و الانصار الا انهم كانوا على الدوام يحترمونهم و يقدرونهم ولا سيما بان هؤلاء الشيوعيين ومنهم كمرات نفسه ينحدرون من عوائل انصارية مية فى المية , وقد ذكر لى القصة التالية و التى نهديها الى الجيل الحالى بدون تعليق , هذه القصة قد وجدت لها تاكيد فيما بعد فى رواية اديبنا العالمى الراحل الطيب صالح " منسى انسان نادر على طريقته " ويحكيها الامام احمد المهدى .
    " حل وفدا من الحزب الشيوعى السوفيتى ضيفا على الحزب الشيوعى السودانى فى الخرطوم , ولما سمع السيد عبدالرحمن المهدى وهو فى ذلك الزمن امام الانصار و رئيس حزب الامة بالخبر وكان يطلق عليه لقب " ابوالسودانيين" اذ انه كان يعتبرنفسه بانه ابو كل السودانيين و هو صاحب مقولة " السودان للسودانيين" قام بطلب مقابلة المرحوم عبدالخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعى السودانى فقد كان الامام عبدالرحمن المهدى يعامل عبدالخالق مثل ابنه و يكن له معزة خاصة بسبب العلاقة الوطيدة التى كانت تربط الامام بوالد عبدالخالق محجوب ! بالله شوف !! وعند حضور عبدالخالق قال له الامام :
    يا ابنى يا عبدالخالق لقد سمعت بان هنالك وفد روسى جاء لزيارتكم هنا فى السودان , وانا يهمنى ان اعرف بانكم سوف تقومون بواجب الضيافة و الكرم السودانى المعروف , فماذا سوف تقدمون لهم ؟
    ورد عبدالخالق : والله يا مولانا الامام احنا ما فكرنا فى الموضوع دة و لكن زى ما عارف احنا ماعندنا الامكانيات ( وطبعا الشيوعيين مفلسين من زمان) وعشان كدة حا نكتفى بحفلة شاى !
    وتبسم الامام وقال لعبد الخالق :
    ابدا حفلة شاى مش كفاية لضيوف السودان ولازم تعزموهم كلهم يجوا هنا و يتعشوا معاى !!
    وقد كان فقد اجتمع للعشاء الفاخر فى دار السيد عبدالرحمن دهاقنة الحزب الشيوعى الروسى اكبر واقوى حزب شيوعى فى العالم فى زمنه حيث كان ينادى بوحدة عمال العالم و ش الشعوب المضطهدة و الصراع الطبقىو دكتاتورية البروليتاريا و الشيوعيين السودانيين فى مائدة واحدة مع يسمونهم بالاحزاب التقليدية المحافظة اعداء التقدم و التطور وحلفاء الرجعية و القوى الاستعمارية !! وطبعا الدهشة كانت كبيرة لدى الروس عند معرفتهم من يكون صاحب الدعوة ! و اقتنعوا تماما بان الكرم واخلاق النبلاء و الفرسان هى صفات سودانية لا يشاركهم فيها احد " انتهى
    وفى الختام ندعو لجعل من وفاة الامام الصادق المهدى مناسبة ننطلق منها لبناء الوطن و اسعاد بنيه فهذه هى الاهداف التى عاش الامام الراحل من اجلها وكرس لها كل اهتماماته ووقته ولقى فى سبيل ذلك مالقى من عنت و مشقة نحسب بانها سوف تحسب له فى ميزان حسناته باذن الله

    -----------------------

    وداعاً إمام الأنصار
    29 نوفمبر، 20200

    الفاتح جبره الفاتح جبرا


    ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( 156 ) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( 157 ) صدق الله العظيم .

    نعى لنا الناعي وفاة الامام السيد الصادق المهدي متأثراً بذلك الداء اللعين (كوفيد١٩) والذي كأنه أرسل ليتخطف عظماء بلادي فاهتزت أركان السياسة ليس في السودان فحسب بل في دول العالم التي نعته رسمياً وساد الحزن والألم في عموم البلاد فقد نعته وبكته وشيعته الملايين من كل الأطياف السياسية وكل الفئات العمرية كباراً وصغاراً نساءً ورجالاً شيباً وشباباً إلى مثواه الاخير وودعته وداع مهيب سبقتهم دعواتهم له بالقبول وأعالي الجنان عند المولى عز وجل.

    وبالرغم من خطورة الأوضاع الصحية إلا أن الكل قد ذهب لذلك الوداع يقوده قلبه فقط لا عقله في لحظة قد تكون من اتعس اللحظات التي يمكن ان تمر على أي وطن فموت زعيم بقامة الصادق المهدي خطب جلل وفقد عظيم بحق.

    غير آبهين بما سوف يلحق بهم وبغيرهم من كارثة لا يعلم خطورتها الا الله وإن كنا نتمنى ان يكون وداعه في مثل هذه الظروف الحرجة يشبه فكره وفهمه في مراعاة السلوك الصحيح والاكتفاء بالدفن حسب الاحترازات الطبية المفروضة ولكن حصل ما حصل ونسأل الله اللطف بأهلنا البسطاء في هذا الوطن المكلوم دوماً.

    هذا الرجل رقم لا يمكن تجاوزه مهما كان مستوى الاختلافات السياسية التي تنشأ بين ابناء الشعب السوداني ، زعيم سياسي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان سامية، أفنى كل عمره في العمل السياسي وواصل على درب آباءه وجدوده في بناء أكبر الأحزاب السياسية (حزب الأمة ) على مر تاريخ الأحزاب السياسية في السودان فقد عمل على تأسيس بنيانه الرصين بشكل متفق ومتسق ومتناغم في كل أطيافه ، زعيم أتت به كل الديمقراطيات التي مرت علينا ، مثقف من الطراز الأول ، نهم في كل ضروب العلم ، ألف العديد من الكتب في معظم مناح الحياة ، كتب في السياسة وفي التاريخ وفي البيئة وفي الشريعة وفي الاقتصاد وفي الرياضة وفي الفن وغيرها من ضروب المعارف والثقافة الأخرى ورفد المكتبات السودانية بل والعالمية بأجود وأميز المخطوطات فقد كان رحمه الله محنكاً لبقاً وخطيباً مفوها كرمته واحتفت به كل المحافل الدولية والاقليمية والمحلية، ترجل عن صهوة جواده وترك لنا فجوة لا يسدها الا هو لم يثنه المرض ولا كبر السن عن خوض المعارك السياسية في أشرس أحوالها فلم يضع سيفه قط حتى آخر لحظاته.



    بوفاة الإمام الصادق سقطت راية خفاقة من الرايات السامقات في بلادنا تعلمنا منه كيف يكون أدب الاختلاف مع الغير فقد عرفناه مهذباً منضبطاً حتى عندما يواجه من قبل خصومه باقبح الألفاظ واحرج المواقف التي يمكن أن يمر بها انسان في حياته.

    كان سهلاً هينا ليناً في رعاية شؤون الانصار على كثرتهم فهو اجتمعت له قيادتهم وقيادة أكبر الأحزاب السياسية السودانية عددا وهذا الأمر لم يأت صدفة أو من فراغ فهو المؤسس و المشرع والمنظم لشؤونهم و برغم اخفاقاته المتكررة في الحكم الديمقراطي وما شاب فترات حكمه من انتقادات واسعة انتهت بكوارث دفع ثمنها الشعب السوداني غالياً الا اننا لا ننكر له انه كان رافعاً لراية الديمقراطية ومدافعاً عنها وله رؤيته دائما في كل القضايا الوطنية وله خطه الخاص الذي سار عليه بدرية وحنكة واتقان وتفان اتفق معه من اتفق واختلف معه من اختلف.

    تسامى عن الكثير وتجاوز بكل صبر وجلد ما لحق به من أذى وقد تطاول البعض عليه حتى وصل الأمر سمعته وأهل بيته فلم نسمع منه مجرد رد عليهم سار عابراً طريقه حتى نهايته ملتزماً بسلوك العظماء المترفعين عن الصغائر دوماً.
    اللهم أرحمه رحمة واسعه وتقبله عندك القبول الحسن مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وجبر الله كسرنا فيه وعظم الله صبر أبناءه وآله وذويه ومحبيه وعموم اهل السودان فالفقد فقدهم جميعاً.

    كسرة :

    وداعاً إمام الأنصار ..

    كسرات ثابتة :

    • السيدة رئيس القضاء : حصل شنووو في قضية الشهيد الأستاذ أحمدالخير؟
    • أخبار الخمسة مليون دولار التي قال البشير أنه سلمها لعبدالحي شنوووووو؟
    • أخبار القصاص من منفذي مجزرة القيادة شنووووووووووووو؟
    • أخبار ملف هيثرو شنوووووووووووووووو؟ (لن تتوقف الكسرة حتى نراهم خلف القضبان)
                  

11-30-2020, 04:28 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    إحياء ذِّكْرَى الإمام الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي ..
    بقلم: د. فرانسيس دينق .. ترجمة وتحرير: دينقديت أيوك

    نشر بتاريخ: 30 تشرين2/نوفمبر 2020



    لقد أكرم الشَّعْب السُّودَانِيُّ بأغلبيةٍ ساحقةٍ، وبطريقةٍ لائقة، إحياء ذِّكْرَى السيد الإمام الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، أحد أعظم القادة في التاريخ الحديث للبلاد. أتمنى لو كان قد رأى العرض التاريخي للحداد على وفاته كقائد وطني أسطوري واستثنائي. ومع ذلك، لا يمكن لأي شخص شغل المناصب العامة التي لها أثراً على حياة شعبه ووطنه والعالم على أوسع النطاق، مثل الصادق المهدي، أن يتجنب بأي درجة كونه مثيراً للجدل، وهذه هي الحال مع الصادق المهدي.
    لأكثر مِنْ نصف قرن، بدايةً مِنْ شبابه، في أوائل الثلاثينيات مِن عمره، شغل الصادق المهدي مناصب على هرم القيادة السياسية والدينية في البلاد. وقد شَهِدَ خلال تلك الفترة علواً وانخفاضاً في درجات خدمته المتفانية والمثابرة للأُمة. تم انتخابه رئيساً للوزراء عدة مرات، وتولى لاحقاً منصب الإمام لأكبر طائفة إسلامية في البلاد، كما عانى أيضاً مِنْ الاعتقال والحبس الأكثر تحقيراً في سجن كوبر، سيئ السمعة، ثم هرب بحياته بمشقةٍ إلى الملجأ، وأطلق عليه خصومه السياسيون أسماءاً مهينةً. ورغم ذلك، أظهر باستمرار صفات قيادية فكرية وسياسية واجتماعية وإنسانية لا يمكن لأحد انكارها.
    مِنْ وجهة نظري المتواضعة، تعرفتُ على الصادق جيداً وشاهدتُ عن كثب تلك الصفات العالية في شخصيته. وحينما كنتُ أتقلد مناصب عامة في السُّودان، وفي كُلِّ مرة أعود فيها مِنْ الخارج، قمتُ بزيارته لتبادل الآراء حول التطورات في البلاد. التقيتُ به كسياسي يقوم بحملات انتخابية، وكرئيس وزراء منتخب وكمعتقل سياسي في سجن كوبر وكمحاور فكري جذاب. كما التقيتُ به في الخارج، في القاهرة حيث تبادلنا منصةً للنقاش، وفي الولايات المتحدة حيث قمتُ بإدارة ندوة كان متحدثاً فيها. التقيتُ به لآخر مرة في شهر مارس 2020م بمنزله في أمدرمان، وبدأ لي أنه بصحةٍ جيدة. لم أكن أتوقع أنه سيقع بعد شهور ضحية لجائحة تبدو أنها تُظْهِرُ تعاطفاً ورحمةً مدهشين لقارةٍ تعاني مِنْ أكثر مِن نصيبها مِن الفواجع والمآسي.
    في العام 1989م، بعد ثلاثة أشهر فقط مِنْ عملية استيلاء عمر حسن البشير على السُّلْطَة عبر انقلابه العسكري، والذي أسماه بـ(ثورة الإنقاذ الوطني) على نحوٍ مثير للجدل، عدتُ إلى السُّودان مِنْ الولايات المتحدة، عازماً على مقابلة الحكام الجدد والتعرف عليهم وعلى خططهم لإدارة البلاد. بتيسير مِنْ المولانا أبيل ألير الذي جعلني على اتصال بالعقيد مارتن ماشواي ملوال، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الجنوبيين الثلاثة، تشرفتُ بلقاء جميع أعضاء مجلس القيادة. وكان رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي وأعضاء حكومته البارزين رهن الاعتقال في سجن كوبر.
    في لقائي مع قائد الثورة عمر حسن البشير، طلبتُ منه السماح لي بزيارة الصادق المهدي في السجن. تفاجأ عمر البشير في البداية بطلبي. "أتريد زيارته في السجن؟"، هكذا سألي، غير مصدقاً كلامي. فأوضحتُ له إن الدافع وراء زيارتي له نابعٌ مِنْ منطلق إنساني بحت، وليس متصلاً بأسبابٍ سياسية. وبما أنني كنتُ التقي دائماً بالصادق كلما زرتُ البلاد، فلن يبدو الأمر جيداً بالنسبة له، أن يُشَاهِدُ في الأخبار أنني كنتُ في البلاد ولم أزوره. حينئذٍ فهم عمر البشير فحوى حديثي وسمح لي بالزيارة.
    وجدتُ السيد الصادق والسيد محـمد عثمان الميرغني في غرفةٍ صغيرةٍ تكاد تستوعب سريرين ويلامسان بعضهما البعض، وكانا ينامان بالقرب من بعضهما. إنّ ما شاهدته كان أكثر واقعية. وقد أكد ذلك أن السُّلْطَة السياسية متقلبة، وأن الصعود إلى القمة والهبوط إلى أدنى مستوى مرتبطان بشكلٍ وثيق. كان هناك شيء محزن للغاية، ولكنه كان إنسانياً ومتساوياً في تلك التجربة. في طريقنا إلى سجن كوبر، قال لي بكري حسن صالح، عضو مجلس قيادة الثورة والمسؤول عن الأمن حينها، والذي رافقني إلى سحن كوبر، مازحاً: "يا دكتور، دا استثمار للمستقبل". وأضاف: "علشان تزورنا لمن دورنا يجي". ضحكنا على النكتة، لكننا لم نكن نعلم أنه كان يتنبأ بما سيحدث في المستقبل.
    وبعد ثلاثين عاماً، جاء دورهم، وقررتُ أن أفي بما أصبح بالنسبة لي تعهداً مقدساً، على الرغم مِن أن طلبه في البداية كان على سبيل المزاح. ومِن منظورٍ إنساني مميز، وإن كان متناقضاً في هذا السياق أيضاً، فقد منحني اللواء عبد الفتاح البرهان الإذن بزيارة عمر حسن أحمد البشير وبكري حسن صالح في سجن كوبر. ضحك كلاهما عندما تذكرتُ حديثي المضحك مع بكري قبل ثلاثين عاماً، لكنهما كانا في غاية التقدير لكوني قد كرمتُ الطلب. التقيتُ الاثنين بشكلٍ منفصل في مكتبٍ متواضعٍ لمدير السجن.
    ومنذ أن التقيتُ بهم في مناسبات عديدة في ذروة قوتهم السياسية، أتضح لي مرةً أُخرى درجات الصعود والنزول لديناميكيات السُّلْطَة. ومرةً أُخرى، كما فعلتُ عندما زرتُ الصادق المهدي، في نفس السجن قبل ثلاثين عاماً، فكرتُ في الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من هذه المفارقات. يبقى هذا الأمر سؤالاً مثيراً للاهتمام يتطلب تفكيراً جاداً.
    إنّ الطريقة التي اندفعت بها الجماهير حداداً على وفاة الإمام الصادق المهدي، هي تكريم ملائم لتفانيه الذي لم ينضب في خدمة البلاد التي أَحَبَّها بإخلاصٍ لا حدود له. بغض النظر عما قد يقوله مُنْتَقَّدِيهِ عن سجله في السُّلْطَة، وبالطبع كان لديه مُنْتَقَّدون سياسيون مريرون وأعداء، إلا أن هناك بعض الحقائق عن السيد الصادق المهدي، لا يمكن لأحد أن يتحداها ويتخطاها. مِنْ الواضح أنه شعر أنه ورث التزاماً مقدساً في تكريس حياته لقيادة البلاد التي حررها جده الأكبر، المهدي الأصلي، مِنْ الهيمنة الأجنبية عام 1885م. وبينما يمكن تحدي هذا الأمر مِنْ قبل البعض على أُسُس أيديولوجية، فإنه إرثٌ قَوِيٌّ لا يمكن إنكاره. ولكن بعيداً عن الشعور الموروث بالمسؤولية، يمكن للصادق أن يُدَعِي القيادة على أساس مزاياه الشخصية الخاصة به.
    بصرف النظر عن الشعور القومي بالالتزام، كان مفكراً ومثقفاً لا يَكِلُّ، كان غزير الإنتاج في إعداد ونشر الدراسات الموجهة للسياسات. وفي كُلُّ مرةٍ قابلته في منزله، كنتُ أغادر بمجموعة مِنْ أحدث منشوراته. لقد كان أيضاً فاعلاً ومتفائلاً استراتيجياً لم يستسلم لليأس أبداً.
    كان الصادق يعتقد أنّ الفكرة جديرةٌ بالاهتمام، بمجرد تصورها في العقل، وأنها بطبيعتها جيدة إذا ما تم العمل بها، ويتم تطبيقها فعلياً. كان مؤمناً لم يتزعزع إيمانه بالديموقراطية، وكان دائماً صبوراً على انتظار نهاية الديكتاتورية وعودة الانتخابات، لأنه كان واثقاً مِنْ قيمة خدمته الوطنية المتفانية، كان واثقًا مِنْ فوزه، بطريقةٍ شبه دائمة. لكن رُبَّمَا كانت مِنْ أبرز سمات السيد الصادق أنه جمع ما بين الثقة بالنفس والعزة والكرامة، مع التواضع المتباين واحترام النَّاس، النَّاس عموماً، كبيرهم وصغيرهم، المرموقين وغير المرموقين، القريبين والبعيدين.
    يمثل السيد الصادق المهدي نموذجاً نادراً لا يمكن تكراره بسهولة، لكن إلهامه لا بد أن يبقى حياً وينمو لأجيال قادمة. وقد تم التأكيد على ذلك بشكل واضح مِنْ خلال الوداع الهائل الذي عزز ضمنياً الوحدة الوطنية وراء إرثه.
    تقول الحكمة التقليدية العالمية أن الشخص الذي يترك وراءه ذرية، ولمس دائرة واسعة مِنْ النَّاس في حياته بطرقٍ مختلفةٍ لا يُنْسى، بل يستمر حياً في ذاكرتهم لفترة طويلة بعد الموت. وبهذه المعايير، يضمن الصادق المهدي، الخُلُود الدُنْيَوِي بين الأحياء، كما أن إيمانه الإسلامي يضمن له موضعاً في الجَنَّة.
    ليرحمه الله رحمةً واسعة، ويجعل له منزلةً، بين الخالدين في الدار الآخرة.
    [email protected]
    ---------------------

    خاطرات ما بعد الرحيل .. بقلم: فتحي الضَّو

    نشر بتاريخ: 30 تشرين2/نوفمبر 2020



    [email protected]
    غيَّب الموت فجر يوم الخميس 26/11/2020م الإمام الصادق المهدي، بعد حياة حافلة بكل ضروب السياسة والفكر والثقافة، ملأ فيها الدنيا وشغل الناس على مدى ما يناهز الستين عاماً. وفور إعلان النبأ الأليم تقاطرت مشاعر الأسى والحزن في مراثٍ انهالت من جميع فئات المجتمع وقطاعاته تنعي الراحل وتعدد مآثره، حتى كادت تضيق بها الأسافير ومختلف وسائل الإعلام. فقد كانت حياته عبارة عن ملحمة صاغها لنفسه بنفسه، لم يركن فيها على كريم محتده أو جاه مورِثِهِ. وفي بادرة نادرة كأنه يعلم دنو أجله، نعى نفسه بتلك الخطبة المؤثرة التي هزت مشاعر كل من سمعها، وبالكلمات المُعبرة التي صاغها في مقال وهو على السرير الأبيض. متأملاً فيها حياته وتناقضاتها بشفافية بالغة لا يقبل عليها إلا من امتلك قدراً وافراً من الشجاعة الأدبية وكان قميناً بها!
    (2)
    كانت هناك كثير من القواسم المشتركة بين كل النُعاة. لم يختلف فيها أحد عن أن خُلقه وأدبه وتواضعه كان سمة بارزة في سلوكه. ولم يقل أحدٌ إنه كان غضوباً أو متعالياً أو متعجرفاً أو مزدرياً غيره، لا سيما، وقد جانب ذلك ببراعة في بيئة كان يمكن أن تهيء له كل ذلك عنوةً، إلا أنه مضى في طريق آخر رسمه لحياته بنهج طالما سهر الخلق جرائه واختصموا. كان وافر الثقة في نفسه بلا تردد، شديد الاعتداد بها دون تكبر، ولعل في دخوله معترك الحياة السياسة كرئيس لحزب الأمة في وقت مبكر من عمره دور في ذلك. علاوة على أنه أصبح رئيساً للوزراء في العام 1966م كأصغر سياسي يدخل دهاليز السلطة. وبعد نحو ثلاث سنوات أصبح سجيناً إثر انقلاب مايو 1969م ثمَّ مضى في هذا السبيل معارضاً وسجيناً ومنفياً، تخللتها عودة لرئاسة الوزارة منتخباً في الديمقراطية الثالثة.
    (3)
    بيني وبين السيد الإمام علاقة ودودة قوامها الاحترام الوافر، وإن لم ترقْ لمستوى الصداقة. كنت قد التقيته للمرة الأولى في سبتمبر من العام 1985م عقب انتفاضة أبريل، في إطار حوار صحافي (الوطن الكويتية) وبعدها عزَّ اللقاء في الخرطوم بعد ما أصبحت أسيرة خفافيش الظلام، ولكن اللقاءات تعددت في المهجر خاصة بين أسمرا والقاهرة، بدءاً من العام 1996م حيث كان لي شرف نشر خبر خروجه للعالم فيما سماه (عملية تهتدون) كما شاءت الصدف أن نلتقيه في القاهرة أكثر من مرة ونحن ثلة من الأصدقاء، إبراهيم كرسني، كمال إسماعيل، عبد العزيز خالد، نصر الدين الهادي، وشخصي، حيث درجنا على تلك العادة في زمن الشتات، فلفتت الظاهرة انتباهه، وتساءل ما إذا كنا نلتقي أخوياً أم تنظيمياً، ولما كانت إجابتنا الأولى، اقترح علينا أن نؤسس مركزاً أو حاضنة تفكير Think Tank وسينضم لنا. أوردت هذه القصة للتدليل على تواضعه وحيويته وشغفه باستيلاد المقترحات!
    (4)
    غير أن هذه العلاقة لم تحل بيني وبين انتقاده في بعض مواقفه. لكنه لم يغضب أو يتبرم ولعله يدرج الأمر في باب اختلاف الآراء الذي لا يفسد للود قضية. والحقيقة لست وحدي في هذا الشأن فكثير من الذين اختلفوا معه سياسياً وعرفوه عن قرب علموا الشيء نفسه. لعل ذلك ما حدا به أن يكون أكثر ميلاً للروح الوفاقية، وقد ظلَّ متمسكاً بها حتى آخر حياته. بدليل المقال الذي كتبه وهو على فراش المرض كما ذكرنا. غير أن ما يلفت الانتباه أكثر في شخصيته تمسكه بالقيم السودانية، ليس في ما يذرَّه على سمع الناس من أمثال وعبر، ولكن في سلوكه العام. فهو يحرص على صلة الرحم ويقوم بشتى الواجبات الاجتماعية رغم رهقها، وتلك خصلة أورثها ذريته. ففي الشأن الخاص، ما زلت ممتناً له زيارتي وابنه صديق لتقديم العزاء في زوجتي. وأعقبهما بناته الكريمات، كما حرصت السيدة حفية والأخت رباح على حضور التأبين مما كان له بالغ الأثر في نفسي وأسرتي.
    (5)
    خصصت له في كتابي (محنة النخبة السودانية) الذي صدر عام 1993م فصلاً ناقداً بعنوان (المهدي ظلموه أم ظلم) واقتبس منه هذه الشذرات تأكيداً لما ذكرت (يتميز المهدي بالجرأة في طرح آرائه، ويتحمل ردود فعلها تصلباً أو اعتداداً، كما أنه يتميز بالحيوية والحركة والقدرة على تحمل الألم والإجهاد والمشقة. وفي شخصيته قدراٌ كبيراٌ من الأدب والطيبة والسماحة السودانية. وتجده يحبذ "المبارزة الفكرية" إن جاز التعبير، وهو لا يكل ولا يمل من الحوارات السجال، لأن في ذلك ما يمكِّنه من إظهار ملكاته ويجعله يفك إسار قراءاته الكثيرة من عقالها) وفي اقتباس آخر يدل على خُلقه: (لقد أرسى المهدي نهجاً مُتفرداً في المحافظة على المال العام. فهو طاهر اليد، بينه وبين خزينة الدولة حُرمة. لا يميل لحياة البذخ والمظاهر التي اشتهر بها كثير من القادة والرؤساء. بل أثناء تقلده منصباً كان يرفض الراتب المخصص له. كما أنه لم يُحاكم في أي عهد بتهمة الفساد والتي تكون مبرراً للأنظمة الديكتاتورية في إطاحتها بالسلطة كما فعلوا عام 1989م).
    (6)
    في هذا الصدد واجهه أكبر موقفين مُحرجين إبان رئاسته الأخيرة للوزارة. الأول: فيما سُمي (تعويضات آل المهدي) حيث هوجم هجوماً مكثفاً، لكنه حسم الأمر بقوله لي في حوار (عندما اطلعت على الموقف رأيت أن ما يوقف كل الذرائع ويزيل الشبهات هو أن يُحال الموضوع برمته إلى المحكمة، وأن تُلغى كل التعويضات على المستوى العائلي في التعامل مع المال العام) أما الموقف الثاني فهو فساد مبارك عبد الله الفاضل إبان الديمقراطية الثالثة، والذي وضع المهدي في محك واتهم بالمداراة على فساده بحكم صلة القربى، إلا أنه قطع قول كل خطيب بتكوين لجنة محاسبة للمذكور، لكن نتائجها لم تر النور نسبة لحدوث الانقلاب، الذي طوى صفحاتها بلا براءة حتى يومنا هذا. المفارقة أن المذكور كان أكثر الناس أذىً للفقيد بأسوأ مما فعلت العصبة البائدة، وذلك باتهامه له بأخذ أموال منها وافتراءات أُخر أظن أنً المهدي ترفع عنها!
    (7)
    برحيله ترك المهدي فراغاً كبيراً في الفضاء السياسي السوداني. ولا شك أن تأثيره الأكبر سيكون على صعيدين كانا يتولى زمامهما قبل الرحيل. الأول مسألة الإمامة في كيان الأنصار والثاني قيادة حزب الأمة. أما الشأن الأول فهو لا يعني عموم أهل السودان بقدرما يعني أهل الطائفة وهم كفيلون به. لكن الشأن الثاني يهم الأمة السودانية برمتها، لأن الحزب أحد الأعمدة الراسخة في الحياة السياسية. ونحن من المؤمنين بأن حزباً قوياً من شأنه تقوية الديمقراطية الرابعة التي يتوخاها أهل السودان وأنجزوا من أجهلها ثورة عظيمة ملأت سيرتها الآفاق.
    وختاماً بالرغم من أن الفقيد كان أكثر السياسيين السودانيين باعاً في مضمار الكتابة في شتى القضايا، مع ذلك يحدوني أمل كبير في أن تنشر مذكراته فلا شك أن حياته كانت عامرة بالذي ينبغي أن تطلع عليه الأجيال الحالية والقادمة، فهو يعد جزء من ذاكرة السودان وتلك دعوة لكريمته السيدة رباح.
    رحم الله السيد الإمام وأسكنه فسيح جناته.
    آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!!
    عن الديمقراطي
    -------------------

    الإمام الصادق المهدي: قمراً مضوي وغاب فُرقك شوانا (٣) ..
    بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

    نشر بتاريخ: 30 تشرين2/نوفمبر 2020


    عتبت على اليسار مرات لتجاهله نازعات حداثية لافتة في الميدان الذي يصفه ب"التقليدي". كانت النازعة الأولى التي تباعد عنها هي الحركة النقابية التي انتظمت القضاة الشرعيين في الخمسينات ومعلمي اللغة العربية والدين في الستينات وما بعدها. فلم يستوعب نقابة القضاة الشرعي في منظومة اتحاد نقاباتهم برغم أنهم مظلومون ظلم الحسن والحسين من سلطان القسم المدني وقضاته. ولم يخطئ اليسار في إهمال الظلم الواقع على مدرسي العربية والدين بل اضطرهم لتكوين نقابة منفصلة عن نقابة معلمي العلوم الحديثة وفي خصومة معها. وطلب القضاة والمعلمون التقليديون خلاصهم بثمن فادح دفعه اليسار المتغافل. ويكفي أن من قاد الحملة الشعواء لحل الحزب الشيوعي في ١٩٦٥ كان مدرساً للعربية والدين ركز الجميع على هويته الإسلامية لا المهنية. والدليل قائم أن الهوية الأخيرة هي مبعث مطلبه لحل الحزب الشيوعي وقد حمل حتى الحركة الإسلامية عليه وهي تجرجر قدميها. وما نزال نحمل بغير تحليل وفهم وشفافية وزر معارضتنا لتحول معهد أم درمان العلمي لجامعة، هي الإسلامية، بل وردنا للجامعة معهداً في أيام تمكننا قصير الأجل في دولة انقلاب ٢٥ مايو.
    كتبت عن تثاقل اليسار في الوجوه المذكرة أعلاه هناك وهناك. ولكني طرأ لي أن أفكر مؤخراً، حيال حملة اليسار الشعواء ضد الإمام الصادق المهدي، إن كنا أحسنا فهم محاولته لتحديث حزب الأمة وكيان الأنصار في الستينات. وهي الحملة التي أدت إلى انقسام الحزب إلى جناح الإمام (السيد الهادي) وجناح الصادق. واتيح لي أخيراً الوقوف عند مجازفة الإمام الصادق تلك التي سماها بليغ "حداثوإرثية" للخروج بالحزب والأنصار إلى رحاب الحداثة. وتجد أدناه ما عنُ:

    تم في مارس 1963 اجتماع أنصاري مثير الأجندة. فقد التقى وكلاء الإمام (المرحوم الهادي المهدي وقتها) للتعبئة لمقاطعة انتخابات المجس المركزي الذي اصطنعه نظام الفريق عبود لتغطية عورة استبداده. وكان بين أجندة الاجتماع مناقشة البرنامج السياسي لحملة المقاطعة. وجاء فيه بند عجيب هو تصفية علاقات الإنتاج القديمة في الجزيرة أبا (أي في مشروعات دائرة المهدي الزراعية) وتحويل الجزيرة ملكاً تعاونياً للأنصار، وأن تتبنى ذلك دائرة المهدي (سيرة في مسيرة. السيد الصادق، الجزء الأول، 171.
    مؤكد أن السيد الصادق المهدي هو الذي كان من وراء ذلك الإلغاء لتلك العلاقة التي لم تظلم الأنصار في الجزيرة أبا فحسب بل حملتهم للاحتجاج عليها. وهي العلاقة التي وصفناها بالعلاقة شبه" الإقطاعية" في محاولاتنا الماركسية الباكرة لتحليل نظم الإنتاج وعلاقتها في السودان. وكان الإمام الصادق أدرك سوء صيتها على الأنصار في صباه قبل أن يصطدم بها عند خصومه في ميدان السياسية. فلم يعجبه في ميعة الصبا رفاه الأسرة الذي اعتادته بعد الحرب العالمية الثانية من جراء ارتفاع اسعار القطن الذي تنتجه دائرتهم في أبا. فكان داعية اخشوشان لتأمين بيت في عين العاصفة. وكان عاش في حي العباسية بأم درمان بين أترابه وكان مثلهم له "طبلية" يكدح بها كدحاً.
    كره الإمام الصادق طفلاً ظاهر النعمة التي طرأت على أسرتهم بما لا يتفق مع حسه الصبي بالسواسية. فكتب يحتج على ذلك التنعم في 1952 وقد بلغ السابعة عشر من العمر لوالدته من مصر حيث كان يدرس بكلية فكتوريا بالإسكندرية. فاعتراض على الثراء الذي صار يحدث عن نفسه على أفراد الأسرة. بل كاتب جده، الإمام عبد الرحمن المهدي، يحتج على سكنى القصور وتجليات الثراء وسطهم. وجاء في خطابه لوالدته عبارة قوية في الصدد تساءل فيها عن غزو أفراد الأسرة للبلاد الشرقية سياحة بعد غزوهم أوربا لعام مضى. وتساءل بصورة لم تخل من تهكم: أهذا مفعول الحر أم مفعول القطن؟ وكان ذلك من أعوام ارتفاع أسعار القطن، منتوج مشاريع دائرة المهدي الرئيس، عالمياً فسعد بها كل من ارتبط بزراعته.
    ولم يخمد فيه جمر عدائه لمن كسروا المهدية. فكان ذا شدة في نكيره على الإمبريالية. وما وقع العدوان على مصر عام 1956 حتى طلب من جده السيد عبد الرحمن أن يعيد للمستعمرين خُلعهم ونياشينهم احتجاجا وموقفاً. وكان تساءل في ختام خطابه لأمه محتجاً على تفرج الأسرة بالنعم: "آه لو كان الأمر لي!". وها نحن نراه يلغي علاقات إنتاج دائرة المهدي مصدر ثراء الأسرة في 1963 ولما لم يؤول كل الأمر له بعد.
    في اليسار بذار. ويعميه مطلبه بالحصة الكاملة من غرضه دون الحفاوة بالشذرات منه.
    [email protected]
    -------------------------

    يسموك اهلي سيدهم .. اسميك وحدك بالسيدين .. بقلم: محمد محمد خير
    التفاصيل
    نشر بتاريخ: 30 تشرين2/نوفمبر 2020
    الزيارات: 113





    اقاصي الدنيا


    (1)
    مساء الثلاثاء الماضي اتصلت من كندا باحد اقرب الاحباب لسيدي الامام الراحل بعد ان راجت الاخبار غير الموثوقة في مواقع التواصل الاجتماعي لاقف علي الحقيقة كاملة .اخبرني من هاتفته بان السيد قد مات سريريا وان علي التجمل والاستعداد لاستقبال الخبر الداوي خلال ساعات .ما من عادتي الكتمان غير اني وفيت للرجل واذعنت لشرط ما اعتبره نجوي بيننا وبكيت وحدي وسعدت بهذا البكاء المنفرد لان الدموع حالة فردية لاتستمد انسكابها عبر المجموع وسعدت ايضا لكونها دموع تعد ضمن قائمة الاوائل فالدمع سباق!
    لم اكن اتوقع انني سانهار حين تاكد ماسمعته من محدثي فجر الخميس فقد تهاويت كان الخبر الذي عرفته قبل يومين باغتني وكانني لم اعرفه من قبل. وذلك مافسر لي ان السيد كان يولد كل يوم من نفسه مرة ثانيه!!
    كانت بيننا علاقة عميقة الغور قائمة علي المحبة منذ العام 1983 بسجن كوبر . وامتدت وصعدت وتنامت ولم تخبو واخلصت لتلك المحبة حتي بات من الميئوس شفائي منها.
    مكثت في السجن عامين كاملين باسم ذلك الحب الكبير وكتبت لاكثر من تلاتين عاما نثرا وشعرا مر بتفرده ومواقفه وحضوره واعياد ميلاده وتهتدون والاجندة الوطنية وكل شي ومن فرط محبتي له هجرت حزب الامه لاستمتع بتلك المحبة دون التزام بالتنظيم لان محبتي كانت موتمرا عاما لكل خلاياي!!!
    كنت احرص علي زياراته وكان محمد زكي الذي يدبر الوصل يعرف انها زيارة لاجدال سياسي فيها وكان يحرص ان نكون وحدنا .انا والسيد .وهنا تنبض فينا عروق المحبه وتسيل الفيوض.
    للصادق المهدي بعض طبائع الانبياء فانت تحس بان صفاء الرسالة ينساب منه وانه مبرأ من الضغينة وليس في قلبه سوي الغيوم المليئة بالنث ويسالك عن كل شي وهو العارف بكل الاشياء.
    لبعض التعابير وسامة فيه مثل ( علي اية حال وهلمجرا وينبغي)
    كنت احس بان هذه الكلمات تتزيا ( بالعلاالله) حين ينطقها كانه هو الابجدية وهي اغتراب اللغه.
    لاكثر من ثلاثين عاما كنت اتفرس فيه فلا ابصر سوي حمام يسافر وكنت لااجد صعوبة في كتابة الشعر فيه وكان لذلك اختبار في العراق فقد شاركت في مهرجان المربد عام87 وكان كل الشعراء اللذين شاركوا في المهرجان يمتدحون صدام حسين من سعاد الصباح حتي الخوري فمدحت الصادق المهدي في الموصل ساعة تقديمي كصوت من السودان.
    تباهت سعاد بضوء اللجين
    فانساب قلبي كما الرافدين
    بحب الامام نسير اليك
    بلانبض قلب ولا ضوء عين
    ونسكب فيك المحبة لهفا
    سيدي فالمحبة دين
    يسموك اهلي سيدهم
    اسميك وحدك بالسيدين!!

    اسميك وحدك بالسيدين (2)
    كنت اظن فيما مضي ان محبة الصادق المهدي بتلك النكهة الحارقة والانجذاب المنلفت تقتصر علي ولاتصيب سواي الي ان سافرت معه لكردفان عام 87 مندوبا من التلفزيون لتغطية زيارته للاقليم خلال ولاية الخال الاحب عبد الرسول النور الذي اكتشفت في تلك الزياره انه يتجاوزني باميال فاذا كنت المحب فهو الصريع .فاضت الابيض وهطل الناس من السماء ونبعوا من الارض .كان لاشيء سوي الناس والهامات والاصوات والهدير و ( الله اكبر ولله الحمد) .
    كان عبد الرسول جوار الامام في عربة مكشوفه بجلباب اصفر وشال يتدلي علي احرف اسم الجلاله وكنت ابصر بوضوح الشامة السوداء في خده الايمن تزداد حجما انه .ال Dopamine هرمون السعادة وهو هرمون لاينشط الا في حالات الفرح النادرة !!!
    كانت الابيض كلها في قارعة الطريق والموكب يزحف بالخطي البطيئة حتي منزل الحاكم وحين نزلنا( الناس انكبسوا في سيدي كبسة الضبان في العضم) !!!
    ولونت الشمس ارسالها بالشفق المخملي.
    كانت الزيارة لثلاثة ايام طفنا خلالها بكل مدن كردفان وفي كل تلك المدن لم ار سوي الناس والجباه والمحبة التي تمتد ساهمة وغزيرة .
    في المجلد قدم عبد الرسول الصادق المهدي بذات صوته العذوب وحين انتصف في طريق التقديم هب والده مزهوا بابنه وصاح من بين الصفوف بعد ان ضرب الوراي ( النور ولض اسماعيل مرفعين وجاب لي دود)
    كان يقصد انه ذئب انجب اسدا . واستلم سيدي المايك .وانا ( جري دمعي بالمايق)!!
    في المجلد سمعت هتافات لم اسمعها من قبل فعادة ماتكون الهتافات مطلبية مثلما سمعتها في النهود ( مطلبنا طريق يا ابن الصديق) لكن ماسمعته في المجلد من هتافات رسخ لي مفهوم الواحدية في التاريخ وحالة الفرد بصيغة الجمع مثل هتاف ( البدورك في النعيم والباباك في الجحيم) .المسيرية اهل فروسية ونبوغ وفصاحة وفي تلك الليلة سمعت اشعارا من الهدايين في مديح الامام مثلما لم يسمع سيف الدولة من ( ايهم فانهم كثر) وتدفق المسيرية من المزاغنه والفلايته والحمر واولاد عمران وتهدلت الاشعار في وصف ولض المهدي ( كلنق الاحدب الاييدو فوق الدلال وعينو فايته الريش)
    رحمك الله ياسيدي فانا في هذي الساعة اكتب وبرد الصقيع يلسعني والحزن يمتد من فروة راسي حتي اقواس الاظافر واحس بانني في الطريق اليك وقلبي يلقط النبض المجفف كالحمامه!!!
    نواصل باذن الله

    ------------------

                  

12-01-2020, 11:39 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    كمال الجزولي
    روزنامة الأسبوع
    لم يجعل الصَّادق المهدي، يوماً، من تديُّنه الشَّخصيِّ الرَّقيق، أو من تقواه الصَّادقة العميقة، عصا زجر، أو تعنيف، لحمل الآخرين، حملاً، على التزام الدِّين أو التَّقوى، مثلما لم يرض بغير الدِّيموقراطيَّة، في معنى الحريَّات العامَّة والحقوق الأساسيَّة، مرتقى نحو السُّلطة، أو نهجاً في طرائق السِّياسة.
    ولم يحُل جاه أسرته، وثرائها النِّسبي، دون أن ينمو في عقله ووجدانه قدر كبير من التَّعاطف الحميم مع الكادحين والبسطاء، والتَّفاعل الإيجابي مع مطالب المساواة والعدالة الاجتماعيَّة.
    كان شديد الإنسانيَّة في علاقاته، يغلِّبها، بوضوح، لدى مقاربته للأغيار، فلم يجعل، يوماً، من التَّمايز الإثني، أو السِّياسي، أو الدِّيني، أو الفكري، حاجزاً بينه وبين الآخرين على شدَّة تنوُّعهم. يجذبك إليه اهتمامه الشَّخصي بك، وبما تقول، وذكاؤه الاجتماعي في اختيار موضوعات أنسه معك، فكان من مؤانسيه مثقفون تتشقَّق أحاديثه معهم إلى أعقد مسائل الأدب والفلسفة، فكان يستمع إليهم بأكبر الحرص والاهتمام، مثلما كان ضمن مؤانسيه شخصيَّات خفيفة الظلِّ، كالهادي نصر الدِّين، أظرف ظرفاء المدينة، عليه رحمة الله، فعن طريقه، وأمثاله، كانت تبلغ الإمام أحدث الطرف والنِّكات، ويضحك لها من أعماقه.
    كان جمَّ التَّواضع، كثير الاحتفاء بهذه القيمة. فلدى تشييع المرحوم نقد، وكانت تجمعهما محبَّة خالصة، كان الموكب ضخماً، والزِّحام على أشدِّه، فاقترب مني سكرتيره محمَّد زكي الذي كان له بمثابة الإبن الذي لم ينجبه من ظهره، وهمس في أذني بأن السَّيِّد الصَّادق يرغب في إلقاء كلمة وداع، لولا أن الزِّحام يحول بينه وبين القبر، فسارعت للمساعدة حتى مكَّنته من الاقتراب، واعتلاء تلة التُّراب قبل أن يجرفها الواسوق إلى داخل القبر، فألقى كلمته البليغة للشَّباب في ذكر محاسن نقد الإنسانيَّة، وعلى رأسها تواضعه الجَّم، قائلاً إن ما رفع من قدره هو ذلك التَّواضع، ثمَّ صاغ، بتلقائيَّته العذبة، اقتراحاً بأن يكون عنوان ذلك التَّشييع «الارتفاع بالاتِّضاع».
    من خصائصه، أيضاً، فرادة وتنوُّع اهتماماته الثَّقافيَّة، ما كان ينعكس، غالباً، على تنوُّع وفرادة معارفه، ونتاجاته، حيث كتب، وحاضر، وشارك في ندوات، وورش، وسمنارات، بمستوى رفيع من جدِّيَّة التَّناول والطرح، حول أكثر القضايا تعقيداً، كالحوكمة، والعدالة الانتقاليَّة، والاقتصاد السِّياسي، والحرب والسَّلام، والعلاقات الدِّبلوماسيَّة، والتَّحالفات الاستراتيجيَّة والتَّكتيكيَّة، سواءً بسواء مع أبسط موضوعات مؤانساته الشَّخصيَّة، وأكثرها حميميَّة، كالكوميديا، وشعر الهمباتة، وجرتق العرسان، والرِّياضة التي لا يعتبرها مجرَّد لعب، والتي واظب على ممارستها بانتظام.
    وبالنَّظر إلى غزارة، وسداد، وجرأة انتاجه الفقهوفكري، كنت دائماً على قناعة بأنه فقيه حداثي لا نظير له في العالم الإسلامي. حدث أن دعتني هيئة شؤون الأنصار لحضور مناقشة سفره «نحو رؤية فقهيَّة جديدة»، والذي كان يرغب في تنظيم مؤتمر عالمي بشأنه، فأذهلنا بالنظر الثَّاقب، والتَّحديثات الجَّريئة، من شاكلة توطين سيداو، والدِّيموقراطية، وحقوق الإنسان، والموقف التَّحرُّري من المرأة، مثلاً، في تربة الإسلام. فعبَّرت عن ضرورة تفرُّغه لهذا النَّوع من الإنتاج الفقهوفكري، لكنه كان يرى أنه طالما توفَّرت لديه الطاقة، فسيقرن دائماً بين الاشتغال بهذا الفكر وبين النَّشاط السِّياسي.
    لا بُدَّ أن نذكر للصَّادق، أيضاً، أنه أبدى نحونا، في اتِّحاد الكتَّاب، أوَّل تأسيسه، عناية وعطفاً شديدين، سواء بوقوفه شخصيَّاً، مع المرحوم أبو زيد محمَّد صالح، وكيل أوَّل وزارة الماليَّة، في عهد الدِّيموقراطيَّة الثَّالثة، على إجراءات منْحِنا دار المقرن، آنذاك، أم بالاهتمام بالمشاركة بنفسه في احتفاليَّة تدشينها، فضلاً عن اهتمامه، كذلك، بصحَّة كبار السِّن، والمرضى من أعضاء الاتِّحاد، كما في حالة المرحوم جيلي عبد الرحمن.
    أمَّا ما اتَّسم به، عليه رحمة الله ورضوانه، من شجاعة مبهرة، فذاك فصل يشهد عليه من وجدوا معه بالسِّجن، في عقابيل انقلاب الجَّبهة الإسلاميَّة عام 1989م. فقد كان أكثر من استهدفته عناصر أمن الإسلامويِّين بالقمع، حيث كانوا يأخذونه أوَّل المساء، معصوب العينين، إلى أماكن مجهولة، ولا يعيدونه إلا في أوقات متأخرة من الليل، وكانوا، خلال تلك السَّاعات يعرِّضونه لكلِّ صنوف التَّعذيب النَّفسي والبدني، انتظاراً لنأمة انكسار، أو رضوخ لمشيئتهم. غير أنه واجه ذلك كله ببسالة منقطعة النَّظير.
    وبعد، إننا، يا حبيبنا الرَّاحل، إذ نؤمن بأنك ميت وإنهم ميتون، فإنَّما نتضرَّع إلى المولى الرَّحيم، القادر الكريم، أن يعود عليك بفضله وإحسانه، فيتغمَّدك بواسع رحمته وغفرانه، ويتقبلك أحسن القبول، ويجعل منزلك روضة في أعالي الجِّنان، مع المقرَّبين إليه، المرضي عنهم منه، أولئك الصِّديقين الخالدين، والصَّالحين، والشُّهداء، وحسن أولئك رفيقا، ويلهم بناتك، وأبناءك، وأهلك، وذويك، وصلة رحمك كافَّة، وأنصارك المخلصين، ومحبيك أجمعين، من أبناء شعبك، ومن عارفي فضلك، في كلِّ الأرجاء، وفي عموم الأقطار، وأن يلهمنا وإيَّاهم جميل الصَّبر على تحمُّل فقدك الجَّلل، وعبء غيابك السَّحيق، وأن يلهمنا وإيَّاهم حسن العزاء في انطفاء سراجك الوضئ، وانكسار ركنك الأشم، وإنَّا لله
    وإنَّا إليه راجعون.الثُّلاثاء
                  

12-05-2020, 06:37 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    في يمين النيل حيث سابق
    كنا فوق أعراف السوابق
    الضريح الفاح طيبو عابق
    السلام يالمهدي الامام
    🌹خليل فرح🌹
    السلام يالمهدي الامام
    😢طارق الامين😢

    يا قويا عهد الصدام
    يا ودودا غض الكلام
    دم مبجل عالي المقام
    في قلوب الاهل الكرام

    كم عشقت طبول السلام
    واكتويت بي لؤم اللئام
    طب مقاما بالاحترام
    والمحبه وحسن الختام

    كنت للحريه السهام
    وللديمقراطيه احترام
    لا مداهنه لا انتقام
    لا خناجر عند الخصام

    يا كريم من عهد الكرام
    يسمو فاهك بالابتسام
    في لسانك عذب الكلام
    في جوانحك سكن السلام

    لما طاشت حمم السهام
    كان هديلك صوت الحمام
    تنثر الكلمات احتكام
    كالبروق في عز الظلام

    ياسليل الشهدا العظام
    ياربيب الاهل الكرام
    طب مبجل عالي المقام
    في ضمير الكون والأنام

    طافني طيفك عند المنام
    ودس حسنك بين المسام
    ويح قلبي شديد الهيام
    أين وجه البدر التمام
    دمعي دفق منع الكلام

    غاب هديلك وسط الركام
    وعم أمدرمان الظلام
    ناحن النايحات في الزحام
    وناح على كوكبنا الحمام
    يا ودودا كيف الفطام

    كم هديتنا كتاب السلام
    ومكتبه وكراس واقلام
    منتدى وأشعار وانغام
    بددت قاموس الظلام

    كل صباح كان عندك مهام
    تتني هامه الظلم الحرام
    كل مساء كان تشرق دوام
    تطفي نار الخوف والخصام

    كنت تشعل في كل عام
    شمعه الميلاد في الظلام
    نلتقيك في ذاك الزحام
    هاتفين بسقوط النظام

    🌹الوداع ياحلو المرام🌹
    🌹الوداع يالمهدي الامام🌹
    ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٠
                  

12-05-2020, 06:41 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    د. فرانسيس دينق ينعي الصادق المهدي إحياء ذِّكْرَى الإمام الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي
    بقلم: د. فرانسيس دينق
    ترجمة وتحرير: دينقديت أيوك
    لقد أكرم الشَّعْب السُّودَانِيُّ بأغلبيةٍ ساحقةٍ، وبطريقةٍ لائقة، إحياء ذِّكْرَى السيد الإمام الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، أحد أعظم القادة في التاريخ الحديث للبلاد. أتمنى لو كان قد رأى العرض التاريخي للحداد على وفاته كقائد وطني أسطوري واستثنائي. ومع ذلك، لا يمكن لأي شخص شغل المناصب العامة التي لها أثراً على حياة شعبه ووطنه والعالم على أوسع النطاق، مثل الصادق المهدي، أن يتجنب بأي درجة كونه مثيراً للجدل، وهذه هي الحال مع الصادق المهدي.
    لأكثر مِنْ نصف قرن، بدايةً مِنْ شبابه، في أوائل الثلاثينيات مِن عمره، شغل الصادق المهدي مناصب على هرم القيادة السياسية والدينية في البلاد. وقد شَهِدَ خلال تلك الفترة علواً وانخفاضاً في درجات خدمته المتفانية والمثابرة للأُمة. تم انتخابه رئيساً للوزراء عدة مرات، وتولى لاحقاً منصب الإمام لأكبر طائفة إسلامية في البلاد، كما عانى أيضاً مِنْ الاعتقال والحبس الأكثر تحقيراً في سجن كوبر، سيئ السمعة، ثم هرب بحياته بمشقةٍ إلى الملجأ، وأطلق عليه خصومه السياسيون أسماءاً مهينةً. ورغم ذلك، أظهر باستمرار صفات قيادية فكرية وسياسية واجتماعية وإنسانية لا يمكن لأحد انكارها.
    مِنْ وجهة نظري المتواضعة، تعرفتُ على الصادق جيداً وشاهدتُ عن كثب تلك الصفات العالية في شخصيته. وحينما كنتُ أتقلد مناصب عامة في السُّودان، وفي كُلِّ مرة أعود فيها مِنْ الخارج، قمتُ بزيارته لتبادل الآراء حول التطورات في البلاد. التقيتُ به كسياسي يقوم بحملات انتخابية، وكرئيس وزراء منتخب وكمعتقل سياسي في سجن كوبر وكمحاور فكري جذاب. كما التقيتُ به في الخارج، في القاهرة حيث تبادلنا منصةً للنقاش، وفي الولايات المتحدة حيث قمتُ بإدارة ندوة كان متحدثاً فيها. التقيتُ به لآخر مرة في شهر مارس 2020م بمنزله في أمدرمان، وبدأ لي أنه بصحةٍ جيدة. لم أكن أتوقع أنه سيقع بعد شهور ضحية لجائحة تبدو أنها تُظْهِرُ تعاطفاً ورحمةً مدهشين لقارةٍ تعاني مِنْ أكثر مِن نصيبها مِن الفواجع والمآسي.
    في العام 1989م، بعد ثلاثة أشهر فقط مِنْ عملية استيلاء عمر حسن البشير على السُّلْطَة عبر انقلابه العسكري، والذي أسماه بـ(ثورة الإنقاذ الوطني) على نحوٍ مثير للجدل، عدتُ إلى السُّودان مِنْ الولايات المتحدة، عازماً على مقابلة الحكام الجدد والتعرف عليهم وعلى خططهم لإدارة البلاد. بتيسير مِنْ المولانا أبيل ألير الذي جعلني على اتصال بالعقيد مارتن ماشواي ملوال، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الجنوبيين الثلاثة، تشرفتُ بلقاء جميع أعضاء مجلس القيادة. وكان رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي وأعضاء حكومته البارزين رهن الاعتقال في سجن كوبر.
    في لقائي مع قائد الثورة عمر حسن البشير، طلبتُ منه السماح لي بزيارة الصادق المهدي في السجن. تفاجأ عمر البشير في البداية بطلبي. “أتريد زيارته في السجن؟”، هكذا سألي، غير مصدقاً كلامي. فأوضحتُ له إن الدافع وراء زيارتي له نابعٌ مِنْ منطلق إنساني بحت، وليس متصلاً بأسبابٍ سياسية. وبما أنني كنتُ التقي دائماً بالصادق كلما زرتُ البلاد، فلن يبدو الأمر جيداً بالنسبة له، أن يُشَاهِدُ في الأخبار أنني كنتُ في البلاد ولم أزوره. حينئذٍ فهم عمر البشير فحوى حديثي وسمح لي بالزيارة.
    وجدتُ السيد الصادق والسيد محـمد عثمان الميرغني في غرفةٍ صغيرةٍ تكاد تستوعب سريرين ويلامسان بعضهما البعض، وكانا ينامان بالقرب من بعضهما. إنّ ما شاهدته كان أكثر واقعية. وقد أكد ذلك أن السُّلْطَة السياسية متقلبة، وأن الصعود إلى القمة والهبوط إلى أدنى مستوى مرتبطان بشكلٍ وثيق. كان هناك شيء محزن للغاية، ولكنه كان إنسانياً ومتساوياً في تلك التجربة. في طريقنا إلى سجن كوبر، قال لي بكري حسن صالح، عضو مجلس قيادة الثورة والمسؤول عن الأمن حينها، والذي رافقني إلى سحن كوبر، مازحاً: “يا دكتور، دا استثمار للمستقبل”. وأضاف: “علشان تزورنا لمن دورنا يجي”. ضحكنا على النكتة، لكننا لم نكن نعلم أنه كان يتنبأ بما سيحدث في المستقبل.
    وبعد ثلاثين عاماً، جاء دورهم، وقررتُ أن أفي بما أصبح بالنسبة لي تعهداً مقدساً، على الرغم مِن أن طلبه في البداية كان على سبيل المزاح. ومِن منظورٍ إنساني مميز، وإن كان متناقضاً في هذا السياق أيضاً، فقد منحني اللواء عبد الفتاح البرهان الإذن بزيارة عمر حسن أحمد البشير وبكري حسن صالح في سجن كوبر. ضحك كلاهما عندما تذكرتُ حديثي المضحك مع بكري قبل ثلاثين عاماً، لكنهما كانا في غاية التقدير لكوني قد كرمتُ الطلب. التقيتُ الاثنين بشكلٍ منفصل في مكتبٍ متواضعٍ لمدير السجن.
    ومنذ أن التقيتُ بهم في مناسبات عديدة في ذروة قوتهم السياسية، أتضح لي مرةً أُخرى درجات الصعود والنزول لديناميكيات السُّلْطَة. ومرةً أُخرى، كما فعلتُ عندما زرتُ الصادق المهدي، في نفس السجن قبل ثلاثين عاماً، فكرتُ في الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من هذه المفارقات. يبقى هذا الأمر سؤالاً مثيراً للاهتمام يتطلب تفكيراً جاداً.
    إنّ الطريقة التي اندفعت بها الجماهير حداداً على وفاة الإمام الصادق المهدي، هي تكريم ملائم لتفانيه الذي لم ينضب في خدمة البلاد التي أَحَبَّها بإخلاصٍ لا حدود له. بغض النظر عما قد يقوله مُنْتَقَّدِيهِ عن سجله في السُّلْطَة، وبالطبع كان لديه مُنْتَقَّدون سياسيون مريرون وأعداء، إلا أن هناك بعض الحقائق عن السيد الصادق المهدي، لا يمكن لأحد أن يتحداها ويتخطاها. مِنْ الواضح أنه شعر أنه ورث التزاماً مقدساً في تكريس حياته لقيادة البلاد التي حررها جده الأكبر، المهدي الأصلي، مِنْ الهيمنة الأجنبية عام 1885م. وبينما يمكن تحدي هذا الأمر مِنْ قبل البعض على أُسُس أيديولوجية، فإنه إرثٌ قَوِيٌّ لا يمكن إنكاره. ولكن بعيداً عن الشعور الموروث بالمسؤولية، يمكن للصادق أن يُدَعِي القيادة على أساس مزاياه الشخصية الخاصة به.
    بصرف النظر عن الشعور القومي بالالتزام، كان مفكراً ومثقفاً لا يَكِلُّ، كان غزير الإنتاج في إعداد ونشر الدراسات الموجهة للسياسات. وفي كُلُّ مرةٍ قابلته في منزله، كنتُ أغادر بمجموعة مِنْ أحدث منشوراته. لقد كان أيضاً فاعلاً ومتفائلاً استراتيجياً لم يستسلم لليأس أبداً.
    كان الصادق يعتقد أنّ الفكرة جديرةٌ بالاهتمام، بمجرد تصورها في العقل، وأنها بطبيعتها جيدة إذا ما تم العمل بها، ويتم تطبيقها فعلياً. كان مؤمناً لم يتزعزع إيمانه بالديموقراطية، وكان دائماً صبوراً على انتظار نهاية الديكتاتورية وعودة الانتخابات، لأنه كان واثقاً مِنْ قيمة خدمته الوطنية المتفانية، كان واثقًا مِنْ فوزه، بطريقةٍ شبه دائمة. لكن رُبَّمَا كانت مِنْ أبرز سمات السيد الصادق أنه جمع ما بين الثقة بالنفس والعزة والكرامة، مع التواضع المتباين واحترام النَّاس، النَّاس عموماً، كبيرهم وصغيرهم، المرموقين وغير المرموقين، القريبين والبعيدين.
    يمثل السيد الصادق المهدي نموذجاً نادراً لا يمكن تكراره بسهولة، لكن إلهامه لا بد أن يبقى حياً وينمو لأجيال قادمة. وقد تم التأكيد على ذلك بشكل واضح مِنْ خلال الوداع الهائل الذي عزز ضمنياً الوحدة الوطنية وراء إرثه.
    تقول الحكمة التقليدية العالمية أن الشخص الذي يترك وراءه ذرية، ولمس دائرة واسعة مِنْ النَّاس في حياته بطرقٍ مختلفةٍ لا يُنْسى، بل يستمر حياً في ذاكرتهم لفترة طويلة بعد الموت. وبهذه المعايير، يضمن الصادق المهدي، الخُلُود الدُنْيَوِي بين الأحياء، كما أن إيمانه الإسلامي يضمن له موضعاً في الجَنَّة.
    ليرحمه الله رحمةً واسعة، ويجعل له منزلةً، بين الخالدين في الدار الآخرة.
                  

12-05-2020, 06:43 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    حزناً وحباً وكرامة
    علي الكوباني
    كانت يا أحباب آخر كلمات خطها الأمام الراحل المقيم السيد الصادق المهدي رحمه الله هي عندما كتب:
    [صحيح (بعضنا) أحسّ نحوِي في المرض بالشماته..ولكن والله ما غمرني من محبة لا تجارى وقديما قيل: ألسنة الخلق اقلام الحق..]😢
    وكان ذلك الدرس الاخير لنا ولسوانا في الترفع عن الصغائر والبعد عن الضغائن والسمو وحفظ الود عند الاختلاف وعدم خلط المواعين..
    نعم يا أحباب..بالله لاحظوا الامام وصف الذين شمتوا بمرضه وقال عليهم(بعضنا)..أي انهم منه وفيه..ولم يقل او يوصفهم (بشذاذ الافاق) أو صغّر من شأنهم ولا قال عنهم انهم غرباء او خارجين عن الملة السودانية الاصيلة..بل قال انهم (بعضنا) واكتفى..يا للسمو ويا للترفع ويا لعظمة التخلق بالاخلاق الحميدة..😍
    نعلم جميعنا كما علم الامام نفسه والذي قضى أكثر من 8 أعوام من عمره في معتقلات الانظمة القمعية..علم أن الاختلاف السياسي أمر حتمي..وقد يحتدم الصراع بشدة ويتم تبادل الاتهامات بالتخوين والتكفير وغيره من السباب..ولكن لا يحق لنا ولا لغيرنا الشماته عند اصابة أحد الاطراف بالمرض والابتلاء او حتى إن اتاه اليقين ومات..بل ندعوا صادقين بالشفاء عند المرض وبالرحمة عند الموت..ويموت الاختلاف مع الميت وقد يظل مع فكرته او حزبه..لكن قطعا لا اختلاف سياسي او غيره بين بشر على الارض مع أرواح في برزخ الرب ترجو رحمته وواسع مغفرته والهدى للسير على الصراط المستقيم..
    والله لو ترك لنا الامام هذا الدرس العظيم ولم يترك غيره لكفاه..
    اللهم أن عبدك الصادق قد انتقل من دار الفناء لدار البقاء فأكرمه يا أكرم الأكرمين بكرمك وجودك وعطفك ورحمتك التي وسعت كل ..وأشفي جميع مرضانا وعافي مبتلانا وأرحم جميع موتانا يا حي يا قيوم..
    خالص التعازي لأسرة المهدي الكرام ولكيان الانصار العريض ولحزب الامة القومي..وانا لله وانا اليه راجعون والحمد لله رب العالمين..
    #حباوكرامةعلي_الكوباني
                  

12-05-2020, 06:48 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    سمير عطا الله

    كاتب وصحافيّ لبناني

    توفي الصادق المهدي بعيداً عن أم درمان في السودان، بينما يقبع العسكري الذي أطاحه في سجن أم درمان، بعيداً عن الحكم وعن الناس وعن الثروات النقدية التي جمعها بكل أنواع العملات وفئاتها. وكما هي العادة في جميع العسكريات العربية، أطاح عسكري مجهول زعيم أكبر حزب سوداني، والرجل قادم من أكسفورد (1957) حاملاً إجازة في الاقتصاد بدرجة استثنائية. وكان الصادق ينوي تحويل السودان إلى جامعة، فعمل المشير البشير على تحويله إلى ثكنة وسجن. ولم يبق حليف أو خصم أو هجين إلا وأرسله إلى السجن أو المنفى أو الإقامة الجبرية.
    ظهرت رتبة «المشير» للمرة الأولى في الديار، عندما منحها عبد الله السلال لنفسه، ونشر نجومها على كتفيه ووزع أوسمتها على صدره. وعندما لفته صديق إلى أنه سوف يقع في مشكلة، لأن جمال عبد الناصر لا يحمل سوى رتبة «بكباشي»، أو مقدم، لم يهتم للأمر. تعجبه رتبة مشير.
    عاد الصادق المهدي من أكسفورد بحلم. أو مجموعة أحلام، وصفت كلها تحت عنوان «أكسفورد» وآفاقها. طبعاً كانت أحلاماً صعبة وبعيدة جداً والبلد في غاية الفقر. لكن الحلم نفسه كان شرعياً وحقاً. قبله كان قد عاد من جامعات بريطانيا نهرو، ولي كوان يو، وجومو كينياتا. كما عاد كوامي نكروما من جامعات أميركا، تلميذاً وأستاذاً.
    قلب العسكريون البلدان الهادئة والحالمة في كل مكان. في سوريا والعراق والسودان واليمن والجزائر وليبيا وتونس وغيرها، وحولوا العالم العربي دبابات وانقلابات وحروباً لفلسطين، لم تر إحداها فلسطين حتى بالمنظار.
    أعاق المشير البشير آمال واحد من أغنى البلدان العربية بالطاقات والثروات. فقد نصف السودان ودمر أقاليمه وشرد الملايين من شعبه وهو يرقص بالعصا، ورجل مثل الصادق المهدي إما في السجن أو المنفى أو الإقامة الجبرية. وعزل السودان عن المجتمع المدني المنتج القائم على التربية والتعليم والزراعة والصناعة. وعلى سبيل المثال استبدل بالسعودية أسامة بن لادن، وفرنسا بكارلوس، وتحدى جميع قوانين وأعراف المجتمع الدولي، مستعرضاً بكل فخر خرقه للمذكرات الدولية التي صدرت في حقه.
    الصادق كان أفضل الاحتمالات التي عرفها السودان: علمه ومعرفته وأخلاقياته الوطنية والقومية. لكن المشير أبعده لكي يتحالف مع الدكتور حسن الترابي زوج أخته الذي كان يحلم، بدل تطوير السودان، بقيادة العالم وإصلاح شؤون الكرة الأرضية وإيقاظ الكون من سباته.
    إطاحة الصادق والنظام المدني، كانت نتائجها العصا والجنجويد ومذكرات الاعتقال الدولية، وصورة المشير بين صناديق اليورو والدولار، وحتى الجنيه السوداني المسكين
                  

12-06-2020, 03:42 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    الإمام الصادق المهدي: قامة سامقة ورجل فوق العادة .. بقلم: محمد حمد مفرّح

    نشر بتاريخ: 06 كانون1/ديسمبر 2020


    ليس ثمة من شك في أن محاولة أي كاتب، مهما كانت درجة براعته و إمتلاكه ناصية الإبداع، الدخول في عالم الحبيب الإمام الصادق المهدي بغية تناول سيرته و مسيرته الحياتية ستصطدم، أي المحاولة المعنية، بصخرة بل صخور هذا العالم الصلدة إن لم تتكسر عندها. ذلك أن الحبيب الإمام قد كرّس حياته لخدمة وطنه و أمته و الإنسانية جمعاء من خلال النشاط الفكري و السياسي و الثقافي الواسع الذي إستغرق كل وقته، الأمر الذي يصعب معه سبر أغوار هذا النشاط.
    على صعيد الصفات الشخصية يعد الإمام عطر السيرة، متفرد الخلال و سمح السجايا: خلوقا، متواضعا، عف اللسان، كريما، متسامحا، و هاشا باشا على الدوام. كما يعد رجلا (إجتماعيا) من الطراز الأول حيث كان يحرص على مواصلة الناس في أفراحهم و أتراحهم و مناسباتهم المختلفة. و هو، من بعد، معروف بروح الدعابة و الطرفة المتأصلتين فيه. و بطبيعة الحال فإن من الصعوبة بمكان حصر الشواهد على هذه الشيم السمحة. و من المعروف عن الإمام أنه ظل، طوال فترات حكمه، يستخدم سيارته الخاصة و يشتري الصحف من حسابه حيث يطلع عليها و هو في طريقه لمكتبه بمجلس الوزراء، حرصا منه على وقت الحكومة و حفاظا على نظافة يده و جيبه من المال العام. و لا شك في أن هذه السلوكيات تمثل النذر اليسير من الصفات العديدة للحبيب الإمام التي تبرهن على إتصافه بالخلال آنفة الذكر.
    كما يعد الإمام ، على مستوى الوعي و الإستنارة، موسوما بالموسوعية الفكرية و السياسية و الثقافية و الأدبية و خلافها و ذلك على نحوٍ إنتظم جل حياته و صبغها بالتفرد.
    أما على مستوى البذل و العطاء فإن تاريخه يحدّث عن مسيرة حافلة بالعطاء الوطني و الإقليمي و الدولي الممتد الذي إنتظم العديد من المجالات. و ليس أدل على ذلك من الإرث السياسي و الفكري و الثقافي و الأدبي المستنير الذي تركه و الذي زحم الفضاءات قوميا و إقليميا و دوليا، ذلك الإرث المتجلي عبر مؤلفاته الكثر التي تؤكد على أنه كان قامة سامقة و رجلا فوق العادة. و مما لا شك فيه أن مقولة د. حمدوك التي ذهب فيها الى أنه (برحيل الإمام الصادق فقد إنطفأ قنديل من الوعي يحتاج إشعاله لآلاف السنين)، مما لا شك فيه أن هذه المقولة تؤكد بجلاء على تفرد الإمام و سموقه و علو كعبه على أكثر من صعيد.
    و من المؤكد أن الدور السياسي الوطني الذي لعبه الإمام الصادق خلال تاريخه السياسي قد أسهم إسهاما كبيرا و مقدرا في مساعي توطين و إرساء دعائم الحكم الديموقراطي بالسودان من خلال فكره السياسي النابه الذي رفد به الساحة السياسية بالبلاد و الذي تجلى عبر مؤلفاته العديدة و نشاطه السياسي الواسع و تنظيره العبقري في هذا المضمار. حقيقة الأمر أن الإمام الصادق ظل يكرس جهده و يبذل كل ما في وسعه في سبيل توطين و ترسيخ الديموقراطية بالسودان قناعةً منه بأنها تمثل نظام الحكم الأمثل. و تعد جهوده في هذا الصدد، دون ريب، جد مقدرة حيث قدّم من خلالها عصارة فكره و تجاربه الثرة التي مثلت ركنا ركينا في صرح الديموقراطية، ما يؤهله، بحق، لأن يكون الأب الروحي للديموقراطية في السودان.
    مجمل القول فقد جعل الإمام همه الأول و محور إهتمامه خدمة قضايا الديموقراطية و التنمية و التأصيل الاسلامي في السودان، و ظلت جهوده في هذا الصدد متواصلة حتى لقى ربه.
    و فوق ذلك فقد لعب الإمام دورا طليعيا و رائدا من أجل تطوير حزب الأمة و الإرتقاء به تنظيميا و سياسيا حتى غدا كياناً حزبياً يقف على أرضية صلبة يعول عليها في ترسيخ و إرساء دعائم الديموقراطية في السودان. علاوةً على ذلك فقد لعب دورا مقدرا آخر في إمامة الأنصار من خلال نشاطه الديني الإيجابي و المفيد.
    كما كان عطاؤه الفكري العام و كذا عطاؤه الديني و الثقافي و الأدبي و غيره يحدّث عن نفسه حيث تجلى عبر مؤلفاته و مشاركاته العديدة في المؤتمرات المتنوعة و الندوات و المحاضرات و ورش العمل المختلفة و غيرها.
    و قد درج الإمام الصادق المهدي على التأليف حيث ألّف عددا كبيرا من المؤلفات التي غطت الكثير من الجوانب منها، على سبيل المثال لا الحصر:
    - مسألة جنوب السودان.
    - جهاد من أجل الاستقلال.
    - يسألونك عن المهدية.
    - العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الإسلامي.
    تحديات التسعينات.-
    - الديمقراطية عائدة و راجحة.
    الجدير بالإشارة أن ما واجهه الإمام الصادق من محن و إبتلاءات من إعتقالات و غيرها، من قبل الحكومات الشمولية لم يثنه عن مواقفه المبدئية و لم يحل دون جهاده المدني و نضالاته، حيث ظل وفيا لها، ثابتا على مبادئه، مضحيا بالغالي و النفيس من أجل ثوابته، لم تلن له قتاة و لم تثبط له همة بل ظل متماسكا، قويا و عاقدا العزم على بلوغ المرام و تحقيق الأهداف و الغايات. و قد أكسبه هذا إحترام و تقدير الناس له مع تثمينهم لمواقفه هذه.
    من ناحية أخرى فقد تقلد مناصب و مواقع عديدة خلال تاريخه السياسي، منها:
    - رئيس الجبهة القومية المتحدة في الفترة من 1961- 1964م.
    - أنتخب رئيسا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م.
    - أنتخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة من 25 يوليو 1966- مايو 1967م.
    - رئيس الجبهة الوطنية في الفترة من 1972- 1977م.
    - أنتخب رئيسا لحزب الأمة القومي في مارس 1986م.
    - أنتخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة من 1986- 1989م.
    - رئيس مجلس إدارة شركة الصديقية.
    - رئيس حزب الأمة القومي المنتخب في أبريل 2003م.
    - إمام الأنصار المنتخب في ديسمبر 2002م.
    بجانب هذا يعتبر الإمام الصادق أحد النخب المعروفة و الأنتلجنسيا على المستوى الدولي كونه يعد مفكرا و مثقفا ظل يشارك في الكثير من المؤتمرات و المنتديات الدولية بجانب عضويته في و رئاسته لبعض هذه المنتديات. و قد كان عطاؤه الفكري و الإسلامي و الثقافي و السياسي الدولي مشهودا و محل تقدبر دولي. كما كانت مشاركاته و إسهماته الدولية المتنوعة بارعة و ملهمة، سارت بها الركبان و تركت بصمات واضحة بل ظلت محفورة في الذاكرة الدولية.
    و قد كان أيضاً:
    - عضو في المجلس العربي للمياه.
    - عضو في نادي مدريد.
    - عضو في المؤتمر القومي الإسلامي بيروت.
    - عضو سابق في المجلس الإسلامي الأوروبي، لندن.
    - عضو سابق في مجلس إدارة دار المال الإسلامي، جنيف.
    - عضو سابق في جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، الخرطوم.
    - عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية.
    و بعد ... هذه شذرات تمثل النذر اليسير من سيرة و مسيرة الإمام الصادق المهدي العامرة بالفكر و الإجتهاد و الأعمال الجليلة و المحتشدة بالنشاط واسع النطاق الذي حفل به سجله الحياتي و سجّله التاريخ الإنساني بأحرف من نور.
    فالله دره من قامة قل أن يجود الزمان بمثلها.
    له الرحمة و المغفرة
    mohammedha

    ---------------------

    هيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد: بيان الانتقال
    التفاصيل
    نشر بتاريخ: 06 كانون1/ديسمبر 2020


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الله أكبر ولله الحمد
    هيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد
    المركـز العام – أم درمــــان
    مكتب الأمين العام
    نمرة: هـ/ش/أن/42
    بيان الانتقال
    الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم
    قال تعالى: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ "
    عقد مجلس الحل والعقد لهيئة شؤون الأنصار برئاسة البروفيسور عبد العزيز عبد الرحيم اجتماعه رقم (12) بتاريخ 19 ربيع الثاني 1442هـ الموافق 4 ديسمبر 2020م وبعد ترحمه على روح الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار الذي انتقل إلى جوار ربه في فجر الخميس 11 ربيع الثاني 1442هـ الموافق: 26 نوفمبر2020م. سائلا المولى عز وجل أن يلحقه بالسلف الصالح من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
    أصدر البيان الآتي نصه:
    أولا: أكد المجلس أن الإمام الصادق المهدي رحمه الله قد بويع إماما للأنصار في المؤتمر الأول لهيئة شؤون الأنصار الذي انعقد بالسقاي في 15 شوال 1423هـ الموافق 19 ديسمبر 2002م وفقا للدليل الأساسي وذلك لاستيفائه شروط الإمامة المنصوص عليها في المادة (9) من الدليل الأساسي.
    ثانيا: أكد المجلس أن الإمام الراحل الصادق المهدي عليه من الله الرحمة والرضوان قد جاهد واجتهد وأشرف على كيان الأنصار بعد استشهاد الإمام الهادي عليه رضوان الله حتى فارق الدنيا، وأنه يرجع إليه الفضل في تحويل الكيان إلى مؤسسة تعمل وفق تخطيط ودراسة يحكمها نظام أساسي حدد المهام والأهداف والنظم التي يقوم عليها العمل وأنه أشرف على هيئة شؤون الأنصار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.
    ثالثا: يؤكد المجلس أن مهام الإمام بعد رحيله قد آلت إلى مجلس الحل والعقد حصريا وذلك وفقا لأحكام المادة (32) (ب) من الدليل الأساسي لهيئة شؤون الأنصار.
    رابعا: بهذا نعلن للأحباب الأنصار في داخل السودان وخارجه وللرأي العام السوداني والعالمي بأن مجلس الحل والعقد بهيئة شؤون الأنصار هو من يقوم مقام الإمام ويتولى مهامه إلى حين قيام المؤتمر العام لهيئة شؤون الأنصار.
    خامسا: نؤكد للأحباب الأنصار بأن الكيان الذي أسسه الإمام المهدي عليه السلام وجدده الأئمة من بعده كل حسب مقتضيات زمانه ستستمر مسيرته محافظة على المبادئ وتجديدا للوسائل سعيا لتحقيق المقاصد المتمثلة في إحياء الكتاب والسنة في الحياة الخاصة والعامة.
    سادسا: نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يتقبل الحبيب الإمام الصادق شهيدا عنده ويرحمه ويرفع مقامه في الفردوس الأعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
    والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل.
    قال تعالى:" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ "

    البروفيسور عبد العزيز عبد الرحيم عبدالمحمود أبُّو
    رئيس مجلس الحل والعقد بهيئة شؤون الأنصار الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار

    أم درمان
    بتاريخ: 20 ربيع الثاني 1442هـ الموافق:5 ديسمبر 2020م

    موبايل: 0912322226: ص. ب أم درمان _ السودان

    -----------------

    حــال الأمــة .. بقلم: عمـر العمـر

    نشر بتاريخ: 05 كانون1/ديسمبر 2020


    سد فراغ الإمام قضية لا تشغل أنصار حزب الأمة وحدهم.هي مسألة تكاد لأسباب متعددة تبلغ منزلة قضية رأي عام. استقصاء تثبيت زعيم جديد للحزب مهمة شاقة على أجهزة الحزب. لكن الإهتمام ليس قاصرا على محيطه الداخلي. الطريق الآمن لتصعيد الرئيس المرتقب يتم بالضرورة فقط داخل مدارج تاريخ الحزب ليس خارجها.أي محاولة تتجاهل هذا الفهم تشكل قفزة خارج السياق، مصيرها الإخفاق لا محالة. هوية الزعيم المرتقب تحدد مستقبل الحزب. لكن آلية صعوده إلى سدة الرئاسة ترسم إلى حد بعيد قسمات استرداد الحزب قواه أو توغله في الوهن والتشتت.
    *** *** ***
    من مخاض حراك ثقافي اجتماعي طويل داخل مؤتمر الخريجين وعلى حوافه تخلّق أول حزب سوداني موسوما بـ "الأمة" في 31 مارس 1945.كما ورد في البيان التأسيسي فإن الحزب يدين بمبدأ " السودان للسودانيين".الكيان الوليد يجسد تحالفاً بين طائفة الأنصار بعض كبار الخريجين وقادة الرأي وبعض زعماء العشائرورؤساء القبائل كما نصّ البيان.الطائفة ظلت الرافعة الأساسية لقوى الحزب في كل نضالاته السياسية ورأس الرمح في جميع معاركه.
    اللجنة التأسيسية للحزب تعكس قسمات ذلك التحالف. فمن بينه أعضائها من المثقفين محمد علي شوقي،ومحمد صالح الشنقيطي. من الأنصار وآل البيت عبدالله الفاضل، الصديق عبد الرحمن ومحمد الخليفة شريف. من زعماء القبائل السلطان محمد بحر الدين، محمد الأمين ترك والزبير حمد الملك.
    *** *** ***
    تبني الحزب شعار " السودان للسودانيين" لا يثير سؤالاً لكل متتبع لبدايات حركة التنوير السياسي . ذلك شعار سكه استاذنا الرائد حسين شريف.لكن إطلاق " الأمة" على الحزب اضطرني لممارسة نبش في التاريخ.
    فالإسم لم يكن متداولاً في أدبيات تلك الحقبة السياسية.فهناك "الأشقاء ، الأتحاديين ، الأستقلاليين،القوميين ". ربما كان أحد الأخيرين أقرب الخيارين إلى نهج راعي الحزب ومشايعيه من الخريجين.في سياق مساءلة مرجعيات لم يستبعد الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه تأثر الإمام المؤسس بحزب الأمة المصري. الأستاذ الحقوقي المؤرخ استند في فرضيته إلى علاقة ودٍ ربطت بين الإمام ولطفي السيد وصورة لديه تجمع بين الإمام والسيد فيلسوف "الأمة " المصري وسكرتيره لاحقا. ربما يعزز تلك الفرضية تبني ذلك الحزب شعار"مصر للمصريين".
    *** *** ***
    عندما سأل سرور رملي الإمام عن موقعه داخل الحزب وعما إذ اهو الرئيس أجابه قائلا إني جندي في الصف "وهبني الله من الإمكانيات مالم يتيسر لكثير منكم "وسأهبها وصحتي وولدي وكل ما أملك لقضية السوداان .لعل مقولة الإمام المؤسس تعيد إلى الذاكرة قول مشابه على لسان الإمام الصادق في حوار تلفزيوني ذائع . مع اتساع دائرة الوعي وتقلّب الحزب بين الربح والخسارة ظلت هذه الأعمدة حاملة بنيان الحزب وحاضنته ثابتة راسخة في وجه كل الأعاصيرالداخلية والخارجية. صحيح انحسرت موجات الإنتماء بالإنتساب التلقائي إلى تلك الدوائر الثلاث . بل تحول بعض منتسبيها إلى هضاب الخصومة السياسية . لكن كل محاولات الإنقسام والتشظي المنظمة مروقاً عن هذا الجلباب التقليدي انتهت إلى خسران مبين.
    *** *** ***
    تصاعد وهج الوعي والمد اللبرالي بالتزامن مع انحسار الإنتماء الوراثي داخل الحزب ساهما إلى جانب الكاريزما الذاتية في إقتلاع الصادق جذع الحزب الأخضرعند انشقاقه على الإمام الهادي. تلك خطوة تزامنت مع إطلالة السودان برمته على شرفة تحديث لوّح الصادق ببعضٍ من مفرداته .في ذلك الإنشقاق خرجت كوكبة من نخبة دوائر التأسيس الثلاثية لكن الصادق لم يستطع سحب قطاع كبير من قاعدة جمهرة الأنصار إذ ظلت متشبثة بولائها التقليدي للإمام المنصّب ؛ الهادي. فحينما خاض الصادق الإنتخابات في الجبلين لاحقاً – وهي معقل أنصاري-. تعرض للهزيمة . مبارك الفاضل تحمل كلفة فادحة في عملية انسلاخه الإنقاذي إذ لم يفلح في اختطاف غير قلّة من النخبة بالإضافة إلى سباحته عكس تيار التقدم وقتذااك . ما كان لمبارك الفاضل استقطاع شريحة وافرة من جمهرة الأنصار – عمود خيمة الحزب- لأكثر من سبب.
    *** *** ***
    في المشهد الراهن بعضٌ من ملامح حال "الأمة" إثر وفاة الصديق المباغتة .ثمة حديث عن وصية شفاهية للجنة خماسسية إنتهت إلى تنصيب الهادي إماما.
    الصديق وحده تولى قصبتي الأمامة والزعامة السياسية من موقع رئاسة الحزب .
    عبد الرحمن هو إمام الأنصار وراعي الحزب. الهادي فرض هيبة الإمام على الحزب استناداً للإرث.إخراج العمل السياسي من تحت عباءة الإمام شكّل المحور الأساسي في جهد الصادق على درب عصرنة "الأمة".ذلك التقدم تراجع عنه الصادق نفسه أو حرّضه آخرون بعد استشهاد الهادي.رغم بنائه مؤسسة الأنصار هيئة منفصلة عن الحزب عاد الصادق فجمع بين الأمامة والزعامة.
    *** *** ***
    على المسرح ليس ثمة قامة تسد الفراغ الهيولي الناجم عن غياب الصادق على جبهتي الهيئة والحزب.أكثر من ذلك ليس هناك مرشحٌ يستقطب ولاء غالبية جماهير مؤسستي الدين والدنيا.مع ذلك يجول على خشبة المسرح عدد من اللاعبين الطامحين. آلية الإنتقاء والترجيح الحالية لا تبدو مؤهلة لإنجاز الحسم .هذه خلاصة قرآءة في خارطة الحزب البنائية. صحيح تصاعد الوعي داخل تلك الخارطة لكن الصحيح أن الخارطة نفسها ضاقت تحت تأثيرات متباينة.أعداد الوافدين من خارج الربوة التقليدية انحسرت بالإضافة إلى منسربين من على الربوة إلى شعاب مغايرة. كتلة الولاءات التقليدية الصماء تشققت حتى غدت رقاعا مبعثرة، ربما أكثرها تماسكا في النيل الأزرق والنيل الأبيض.مصادر التمويل السخية غشيها التيبس والشح.هذه بضعة من عناصر تفرض حضورها في عملية تثبيت رئيس جديد للحزب.
    *** *** ***
    ربما يجد تيار الوعي المتصاعد داخل الجزب عند المنعطف الحالي فرصة للقبض على كابينة القيادة.تلك خطوة بالغة الأهمية على قدر دلالاتها لكن من غير اليسير انجازها قفزاً فوق واقع خارطة الحزب. في الإحتفاظ برمزية بيت المهدي حفاظ على بقاء كتلة الولاء التقليدية بغية أداء دورها في المعارك. حنكة النخب المخضرمة من حملة قبس الوعي تتبدى في إضاءة البيت بمشاعل الوحدة. الإجماع العائلي على تقديم رئيس شرط لا غنى عنه .ربما تجد الأسرة مخرجاً في وجه مؤهل من خارج دارتها.على قدر الإصطفاف الغالب خلف الرئيس المرتقب منذ لحظة الإختيار تتأتى النتائج المستقبلية. كما يراد للنخب الوفاء تجاه العائلة فليس بعزيز اصطفاف الأسرة طوعا واختيارا – أو هكذا ينبغي- وراء رئيس من بين نخبة الحزب.
    *** *** ***
    بما أن الرئيس المرتقب يخلف الصادق المهدي فهو لن ينجو من مقارنة ظالمة.حتما لن يأتي رجل له ما للراحل من قدرات في السياسة‘ الفكر ‘ الثقافة والتواصل في الداخل والخارج. ساقط في الوهم كل من يظن النجاة في تخليق قيادة جماعية بغية تشكيل بانوراما تسد النواقص الفردية في المتنافسين على مكانة الراحل. هذه رؤية فاسدة قاصرة مثلما هي فكرة الهروب من مواجهة عبء اللحظة التاريخية عبر مرحلة إنتقالية. كلاهما نفقان يشكلان بيئة تفضي إلى مراكمة سلبيات تناسل تحديات .القيادة الجماعية تفرّخ مراكزالقوى وبؤر الصراع مثلما هو الحال في المراحل الإنتقالية.أقصر الطرق وأكثرها أماناً هو المناداة بتكريس " المؤسسية"عبر ممارسات ديمقراطية تبني هياكل الحزب كما تفرز قياداته من قاعدة الهرم الحزبي إلى قمة القيادة. هذا في الواقع أقرب إلى الفكر التجريدي من منظور حال الحزب الراهن من حيث القدرات والإمكانات المتاحة. هذه منزلة يرقى إليها بالتدرج الممنهج ليس بالقفز الإفتراضي.التجربة تؤكد إخفاق أفضل أحزابنا تنظيما في التطبيق السليم لهذا المنهج بمكاييل الحصاد العام
    *** *** ***
    أمامة الأنصار لاتواجه معضلة كما الحزب.الإمام بنى أمانة الهيئة على ممارسة استقلاليتها. بين قادتها علماء فقهاء متبحرون في شؤون الدين والعباد قابضون على جمر المهدية حافظون لأسرار الطريقة .الصادق أكد منذ خلافه مع عمه أحمد أن الأمامة ليست حقا بالوراثة. فالإمامة متاحة أمام كل " من تقلّد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين" حسب توصيف الإمام المجاهد محمد أحمد المهدي.
    [email protected]
                  

12-07-2020, 11:10 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    المحبوب عبدالسلام يكتب :


    في تذكر الإمام : أظلمت بوابة الشعب وأبواب الفراديس أضأن

    في منحنيً ما يسخو الزمان بالعباقرة والكبار، تزدهر في كل بستان باقةٌ منهم، علماء وشعراء وأدباء و موسيقيين ومثقفين وساسة، ثم يرتاح الزمان برهةً يتزاحم فيها العاديون ودونهم حتي يتوهم الناس أنهم كل عامٍ يرذلون. وعندما يبسط كونديرا لوحة الخلود فيصطف فيها المحجوب والأزهري وخليل وزورق ثم الشريف وعبد الخالق والترابي، سيكون هنالك مركزٌ في اللوحة معد منذ زمن بأقدار الله ثم بكسب العبقريين، يخطو نحوه الصادق المهدي واثقاً ويجلس مطمئناً.
    يبدل العباقرة الزمن العبقري، فتخرج المدينة الخارجة لتوها من غبار المعارك الي الهدؤ المستريب، تخرج من ليلها الطويل الي فجر الحداثة واضطراب المكان، وتنتصب مهمة شاقة شديدة الوطئة، إعادة التوازن الي الروح بين الأصل والعصر،بين الخلوة والمدرسة وبين المصنع والقبة، بين الجزيرة أبا واكسفورد وبين كرري ووست منستر، بين دومة الولي الصالح ومرفأ الباخرة، ويختار القدر الصادق المهدي ليتصدي لتلك المهمة وليس ثمة خيار أمام روحه المعذب سوي القبول وسوي النجاح.
    بعض القادة يختارون لوظائف في الحياة لدورة أو دورتين أو ثلاثة علي الأكثر ثم ينضب المعين ويجف الإبداع، وبعضهم تختارهم إرادة الشعب ليهدوا الأرواح أبداً مدي الحياة، فتغدو الحياة إبتلاء كما وصف الصادق نفسه وكما هيأته السنن، أن يدخل المضمار شابا ويواصل فيه السعي لعقود وليس ثمة أرضاً سلاح، بين بيدبا الحكيم ودبشليم السلطان يراوح المثقف والإمام ، المثقف حقاني يسعي الي الحق ، ودبشليم يرفع السيف الذي تقتضيه السياسة،ولكن الإمام يتأنى حتي إنه لا يكاد يرفع السيف، المثقف يجد روحه في الحكمة والأناة، فلئن تبرئ مجرماً خير من أن تُجرِّم بريئاً، لئن تقبل الضيم خيرٌ من أن تحرق القبيلة المدينة، ضربة السيف إذا وقعت لا ترد ولكن قد ينفذ العقاب بعد حين إذا جنحوا للسلم فالصلح خير. لا تحتاج السياسة عند ابن خلدون الي العباقرة لأنهم يحملون
    الناس الي ما لا يطيقون ولا الفلاسفة لأنهم قد يحاكون الشيخ الرئيس إبن سينا ، وهم الفيلسوف الذي صار وزيراً فخفض رواتب الجند لا يحاربون فثاروا، وعزله السلطان قبل أن يعزله الجند، ظل الإمام الصادق الي ابن سينا أقرب رغم صروف الحياة التي هيأت له مراراً أن يكون دبشليم، ثم صار بيدبا الأمة.
    يبزغ فجر الإمام قبل فجر الأمة كما يبزغ فجر الإنسان قبل فجر الطبيعة كما يتوطد معني الإنسان أكبر من وجوده ، والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ، يتنفس المؤمنون قبل الطبيعة مع صلاة القديسين في المسيحية ومع صلاة الفجر عند المسلمين، وينهض القادة قبل الشعب كما فعل و ظل يفعل الي يومه الأخير الصادق المهدي، الدأب و المثابرة ثم الإطلاع والكتابة حمل هو وثلة من الأولين وقليل من الآخرين همهما عن السودانيين، فكفوا بكتاباتهم عمل جيل بأكمله وبسطوا قراءتهم لتكون موسوعية. قلت في عيد ميلاده الأخير وقد أخذ الإمام شكل المناسبة ومنحها جوهراً من عبقريته ، يحتفل بالميلاد كما يفعل عامة النخب علي سنن الغربيين ولكنه جعله وقفةً للإعتبار والأفكار، قلت يومئذٍ : لقد إختار الإمام لعيد ميلاده كتاباً من تأليفه ، وأختار الفلسفة من الموضوعات الشاملة التي تناولها بالتأليف،واختار من موضوعات الفلسفة المقدمات أو الفلسفة العامة، وتلك لعمري أوسع موضوعات الدرس الفلسفي وأشقها، أن تجمع البحر فر راحة اليدين. كان يريد أن يقول للأجيال الجديدة: يجب أن تقرأوا الفلسفة لانه لكي تدخلوا العصر لابد من أن تتفلسفون.
    يمنع التواضع الكثيرين أن يصفوا الإمام بأنه صديقهم ولكنه في تحريره للثقافة وفي تمثلها لمعناها
    الحق يجعلها سلوكاً يسم حياته كافة، ومن الثقافة الصدق والصداقة التي يستشعرها كل من أسعده الحظ وهيأت له أقدار الرضي أن يلقي الإمام منتظماً أو شبه منتظمً في دروب الحياة. ومن الثقافة المكان الذي تلقي فيه الصديق وتهيئه لاستقبال الأصدقاء ، يدعوك الإمام إذا طلبت لقاءه دائماً الي موعد يوافي وجبات الطعام، ولكن يجعل من تلك الوجبة الطيبة دائماً محض تنويع في مقام السجال الفكري المتصل الذي يجعله لقائه متعة، والحق أن بعض الزعماء لقائهم كابوس ينتظر المرء أن ينقشع. أذكر أني جئته في نهارٍ من رمضان حاملاً اليه رغبة ثلاثة من كبار الباحثين الذين لا يرضون أن تطلق عليهم صفة المستشرقين للقائه، كانوا ثلاثة من الكبار في دراسات الإسلام وأفريقيا و الشرق الأوسط جون اسبوزيتو مستشار الرئيس كلنتون للشؤون الإسلامية وجون فول أول باحث اميركي كتب عن طائفة الختمية و مايكل هيدسون العالم المعروف في الاقتصاد السياسي الذي اشتهر بنظريته التي تكره الربا والديون، فاجئني الأمام بتحديد اللقاء علي موعد الإفطار الرمضاني ومائدته ليكون موافياً لموعد الغداء أو العشاء المبكر عندهم. وفي العشاء شغب الأمريكان الثلاثة علي الإمام وشعبوا في المواضيع والمسائل التي تخطر علي بالك، ثم سأله أحدهم: ماذا تكتب هذه الأيام؟ فاجئهم الإمام وفاجئني وهو يقول: أكتب كتاباً عن الضحك، عندنا تراث رائع بالغ الذكاء عن الفكاهة، ليس التراث العربي ولا العربي المترجم عن الفارسي أو الهندي، ولكن تراث سوداني جمعته من أسرتنا التي اجتمع في بيتها كل السودان من الاستوائية الي حلفا، ورغم المحن التي اعترت تاريخنا كانت الذاكرة الشعبية دائماً تضحك وتحفظ من خلال دموعها الحكايا والقصص والأمثال والطرف والأشعار،ومع السنوات التي تتالت منذ ذلك اللقاء غابت عن ذاكرتي غالب المواضيع التي أثارها أولئك الأحبار مع الإمام وبقيت راسخة أطروحته عن الضحك أو فكاهة الأمة ، وعقب اللقاء مباشرة وفي طريقنا الي مقر إقامتهم إنصبت تعليقاتهم علي الزي الأنيق الذي يميز الإمام ، الجلباب السوداني في أبهي صوره ثم تناسق الألوان بين العمامة والشال، ثم أناقة المكان والتصميم المبتكر الذي جمع بدائع صنائع السودانيين وبين التأثيث الحديث، ثم أناقة الطعام حلو ومر ومتوسطي مسته نكهة سودانية، أذكر أن أحدهم استعاد مقولة البريطانيين أن المثقف لابد أن يتوفر علي حس الفكاهة كما يتوفر علي حس الاناقة، وذكرت لهم مقولة مالك بن نبي : من يعجز عن ترتيب محيطه الخاص لا يمكن أن يتصدي لترتيب المجتمع.
    عاصر الإمام في مساره الطويل اللاحب عصر الايدلوجيا، وقد بلغنا متأخراً عقودا عن فورته في أوروبا، واستفاد من إلهامها الدفاق كما كما كابد تطرفها العنيف، وظل منتبهاً لأصالته وهو يخوض غمار معاصرته، كانت الاشتراكية أشد غوايةً وإغراءً يومئذٍ يصيح دعاتها بالالتزام الكامل بها، بماديتها وتاريخيتها وعلمويتها، كما كانت الرأسمالية قوية مستبدةً بقوتها، وكان الإمام وثلة معه يعرفون أن الحق قوام بين ذلك لا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا. كما عاصر الإمام أوان الإحياء والبعث والصحوة والتجديد الإسلامي وكان بعضه الأقرب ماضوياً لا يكاد يعترف بالثورة الهائلة التي بدلت التاريخ ، فصار الإمام علماً من أعلام الصحوة المتوافقة مع الأصل والعصر، كما عاصر الإمام سنوات الحرب الباردة وتيار عدم الانحياز، ويزعم كاتب هذه السطور أن الانشغال الموسوعي بالمعرفة والتفاعل الشامل مع العالم قد عطل إنجاز المشروع السوداني الوطني،رغم أن الاجتهاد النظري الذي أنجزه الإمام يمهد الطريق بالكامل لتمامه، ويضع المسؤولية بالكامل علي الأجيال التالية.
    كانت الديمقراطية عائدة وراجحة عند الإمام وكان مؤمناً صديقاً بها، ولعل أكبر محنته مع نظام الإنقاذ كانت إنقلاب ممن إعتبرهم من ذوي قرباه الفكرية عليها ودحضه المتوالي للمعلومات المتواترة عليه وهو في منصب رئيس الوزراء عن ترتيب الجبهة الإسلامية لذلك، فكان موقفه من الإنقاذ مزيجاً من المرارة والخيبة ، ثم كان جنوحه للمسالمة والحوار كلما جنحوا لها ، ولعل أكبر إخفاق الإنقاذ بسبب التناقض البنيوي في نظام تحالفاتها هو عجزها عن تجاوز خلافها الثانوي مع الإمام الي الاتفاق المبدئي معه،ذلك حتي بعد أن ثاب بعضها ليبسط الحريات ويقبل الرأي الآخر فقد ظل بعضها علي عناده وضلاله القديم . أذكر تعليق الإمام عندما كسر جدار السياسة وسافر الي جنيف ليلقي الشيخ، أذكر إضطراب أولي الأيدي والأبصار عند الإسلاميين وعند المعارضة من ذلك اللقاء، قال الإمام عندما سألناه عما دار بينهما في خلوة الساعات الثلاث، قال الإمام مبتسماً : لقد توصلنا خلال نصف ساعة الي إتفاق حول القضايا الجوهرية وبقية الساعتين ونصف كان يشكو ممن حوله في الحكم وكنت أكشكوا ممن حولي في المعارضة.
    رحم الله الإمام فقد سارع الي الرحيل وقد كان الشعب السوداني ينتظر منه الكثير قبل أن يحمله ويقف علي قبره.
                  

12-07-2020, 04:08 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    الإمام الصادق المهدي (1935- 2020):
    الحدس التوثيقي والأثر المكتوب ..

    بقلم: أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

    نشر بتاريخ: 02 كانون1/ديسمبر 2020


    بعد رحيل الإمام الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي في يوم الخميس الموافق 26 نوفمبر 2020م دوَّن رهطٌ من الصحافيين والباحثين والأكاديميين صوراً ذهنيةً حيَّةً عن حياة الفقيد، فأفاض الأنصار والأحباب في ذكر فضائله وإسهاماته الفكرية والسياسية والمجتمعية التي لا تُحصى ولا تُعد من وجهة نظرهم، وأشار بعض أصحاب الرأي الآخر إلى منجزاته الفكرية وأوجه عتابه السياسية. حاول البروفيسور عبد الوهاب الأفندي أن يقدم مرافعةً أكاديمياً ذات منحى آخر، عندما وصف الإمام الصادق المهدي بأنه "من بين القلائل من الساسة السودانيين الذين فاقت إيجابيات مساهماتهم في كل المجالات، من فكرية وسياسية واجتماعية، سلبياتها، فلم يُحسب عليه، في الحكم ولا المعارضة، ارتكاب الفظائع والكبائر، كما أنه لم يتّهم بفساد أو إثراء على حساب الشعب، ولم يمارس الإقصاء أو القهر في حق أحدٍ. غاية ما يتهم به التقصير، ومن منّا لا يقصّر؟ لهذا السبب، يدشّن رحيله عهداً جديداً في تاريخ السودان، فقد كان دائماً رجل الملمات، ومحور الحراك السياسي."

    ومن مدخل آخر، نلحظ أن إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي قد استطاع أن يصنَّف نفسه خارج دائرة السياسيين السودانيين الذين "رحلوا دون أن يتركوا سجلاً لتجاربهم، بل حملوها معهم إلى مراقدهم"، كما يرى الأديب الطيب صالح، "فخسر الناس بذلك خسارة لا تعوض"؛ والدليل على ذلك أنه قد ترك مدونةً مصدريةً ضخمةً، لم تكن مجرد مذكرات وذكريات كما فعل بعض أنداده، بل عبارة عن أدبيات منشورة في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد والتاريخ والفكر الإسلامي. ونود في هذه الكلمة أن نمعن النظر في هذه المدونة المصدرية من زاويتين، تطل إحداهما على حدسه التوثيقي، وتقف ثانيتهما عند الأثر المكتوب، الذي تركه في مجال الفكر والسياسة والتاريخ والاقتصاد والاجتماع.


    الإمام الصادق المهدي والحدس التوثيقي


    نلحظ أن الحدس التوثيقي قد بدأ باكراً عند السيد الصادق المهدي، والشاهد على ذلك تقديمه لكتاب "جهاد في سبيل الله" (فبراير 1965)، عندما قال: "ليس التاريخ شيئاً مقدساً، وإنَّ البشر ليسوا منزهين، بل هم معرضون للصواب والخطأ ... فلا غرو أذن أن يخطئ سائر الناس مهما عظمت مكانتهم. وعبرة ذوي الألباب هي إحصاء مواطن الصواب للاقتداء بها، ومواطن الخطأ لتجنب أمثالها." (ص: د) والاعتبار بأحداث التاريخ غاية أكَّد ابن خلدون (ت. 1406م) على أهميتها؛ لأنها تعين ذوي الألباب في استيعاب الحاضر واستشراف المستقبل. واتساقاً مع هذه الرؤية، كتب السيد الصادق المهدي: "إنَّ بعضنا يقدسون التاريخ، ويعتبر الحديث عن تاريخ المهدية بغير عبارات المدح والاشادة مسلكاً معوجاً. هذا نهج غير سليم، فقد حدثت في المهدية مشاكل ونشأت خلافات، وهذه أمور ينبغي علينا أن ندرسها، وأن نفهم دوافعها حتى نكون على بينةٍ من أمر ماضينا، ونفهم عن طريقه كثيراً مما وراء حاضرنا." (ص: ه).

    وانطلاقاً من هذا النهج التوثيقي، كلَّف السيد الصادق المهدي الأستاذ عبد الله محمد أحمد بإعادة ترتيب المرويات التي جمعها السيد علي المهدي، وسماها "الأقوال المروية في تاريخ المهدية"، ثم نشرت المطبعة الحكومية بالخرطوم طبعتها الأولى تحت عنوان "جهاد في سبيل الله"، عام 1965م. والشاهد الثاني إعادة ترتيبه ونشره لمذكرات جَدِّه الإمام عبد الرحمن المهدي "جهاد في سبيل الاستقلال"، والتي تشكَّل قسمها الأول من الذكريات والمواقف التي أملاها الإمام عبد الرحمن المهدي على الأساتذة عبد الرحيم الأمين، وبشير محمد سعيد، وزين العابدين حسين شريف؛ وألَّف قسمها الثاني لجنة تحرير، ساهم فيها البروفيسور يوسف بابكر بدري والسيد أمين التوم ساتي. وفي خاتمة تقديمه لجهاد في سبيل الاستقلال أوضح الصادق المهدي أن الهدف من الكتاب هو إرساء دعائم "الكتابة الجادة عن تاريخ الإمام السيد عبد الرحمن المهدي؛ لتكشف كل جوانبها للناس حتى تتم المعرفة به وبأعماله، وحتى يتمكن الذين قللوا من شأنه لأسباب شخصية أو طائفية أو حزبية من إنصاف هذا الزعيم السوداني العظيم، والذي ستكون أعماله وموافقه وأفكاره رصيداً كبيراً للسودان في محيط الإسلام وعالم العرب، وفي تاريخ النضال الإفريقي: " (ص: 4). وعلى النسق ذاته، أعدَّ السيد الصادق المهدي كتاب "جهاد في سبيل الديمقراطية"، سارداً طرفاً من مواقف الإمام الصديق المهدي في مواجهة نظام الفريق إبراهيم عبود العسكري (1958-1964)، وعارضاً جملة من مذكراته ومداولاته مع القادة العسكريين في سبيل تحقيق الانتقال الديمقراطي.

    والشاهد الثالث على حدسه التوثيقي، أنَّ منهجه في الكتابة يعمد إلى التوثيق الدقيق، وإرجاع الاقتباسات المنقولة والمعززة لاجتهاداته الفكرية وآرائه السياسية إلى مصادرها ومظانها الأصلية، ولا مندوحة أنَّ هذه فضيلة يندر وجودها خارج الدوائر الأكاديمية. يبدو أنَّ هذا الحدث التوثيقي قد ظل ملازماً للإمام الصادق المهدي حتى في لحظات حياته الأخيرة، حيث كتب نصاً بليغاً في فراش مرضه بعنوان: "فقه السعادة والمشقة أو المراضة"، جاء فيه: "نشأتُ في ظروفٍ اجتماعيةٍ جعلت كثيرين يعتبرونني ولدت لأتناول صفو الحياة بملعقة من فضة، لأنشأ ابن ذوات أشبه بما قالته الحكيمة السودانية شغبة لابنها حسين: "أنا ماني أمك، وأنت ماك ولدي، بطنك كرشت جسمك خرشك ما في". ولكن الذي حدث ليَّ بالفعل أنيَّ تناولت الحياة فعلاً بملاعق من حديدٍ حامٍ، تشوي القلوب والجلود: سجنتُ 8,5 عاماً، وحوالي 12 عاماً منفى، ومصادرة مرتين، وحكم بالإعدام مرة، واتهامات عقوبتها الإعدام ثلاث مرات في يونيو 1970م، وفي مايو 2014، وفي أبريل 2018م. وبدا لي أن الأذى في حد ذاته ليس مدمراً؛ إلا إذا استقبلته نفس مهيأة لعذاب الذات، الذين ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ هؤلاء يظنون بالله الظنون، وفي الغالب يستعينون بوسائل نفسية أو حسية هرباً من الحياة. بينما آخرون يرون المزايا في طي البلايا، والمنن في طي المحن، ويقيمون من المحن بركات على نحو مقولة نبي الرحمة "أشدكم بلاءً الأنبياءُ ثمَّ الأولياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثل"، ففي علم النفس: اشتدي يا أزمة تنفرجي، الأزمة مفتاح الفرج، وفي علم الفيزياء: الماس فحم تعرض لدرجة قصوى من الضغط. ما تعرضت له من مشاق دفعني لاجتهادات نضالية وفكرية غير مسبوقة في جيلي: انتخابات لرئاسات وأنا في نعومة أظفاري، ويعلم الله فُرضت عليَّ بإرادة الجماهير لا بتدابيري. وألفت من الكتب في شتى الموضوعات ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، ووضعت على صدر مكتبي قول الحكيم: "على قدر فضل المرء تأتي خطوبه *** ويحسن فيه الصبر فيما يصيبه *** فمن قل فيما يلتقـــيه اصطبـــاره *** لقد قل فيما يرتجيـــــه نصيبه"، ولكن لا يمكن لشخص خاصة في بلادنا ينال حظاً مرموقاً ينجو من إبر النحل التي أحبطت بعض أحبابي، ولكن توالى غيث ضمد الإبر بالعسل، فأرسل ليَّ حبيب بشارة منامية، سلمني رسالة مفادها ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ ، وآخرون أرسلوا رسائل عزاء: لا نبالي بحاسد وعدو فمن عادة الفضل أن يعادى ويحسد، وهضمتُ وقع النبال بأنها إما نقد يفيد من باب: رحم الله امرئ أهدى لنا عيوبنا، أو هي جائرة تدر عليّ عطفاً. ومن أدهش ما منيت به مقولة: الصادق أعجوبة! وأنه لا يمرض.

    ههنا أقف عند المحطة الراهنة في حياتي، حيث أصبت بداء كورونا منذ 27 أكتوبر 2020م، فاجعة مؤلمة، وضعتني في ثياب أيوب ﴿إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين﴾، من ظن أنه لا يخطئ فقد أمن مكر الله. وأنا منذ دهر أردد في صلاتي: "اللهم إنك تتودد إليَّ بنعمك، وأتبغض إليك بالمعاصي، ولكن الثقة بك حملتني على الجراءة عليك، فعد بفضلك وإحسانك عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم". إنَّ ألم المرض خير فترة لمراجعة الحسابات الفردية والأخلاقية والاجتماعية، ومن تمر به الآلام دون مراجعات تفوته ثمرات العظات. في كل مناحي الحياة فإن الألم خير واعظ لصاحبه. النقد الذاتي من أهم أدوات الإصلاح، والرضا عن الذات يقفل باب النفس اللوامة. نعم المرض مؤلم، ولكن بالإضافة لتدابير العلاج، وهي مطلوبة، فالله قد خلق الداء والدواء، ومن امتنع عن الأخذ بالأسباب فقد جفا سنن الكون. ولكن أمرين هما بلسم الحياة: الإيمان بالله، بما في سورة الجن ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾، والثاني حب الناس: إنَّ نفساً لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدر ما معناها، صحيح بعضنا أحس نحوي في المرض بالشماتة؛ ولكن والله ما غمرني من محبة لا يجارى، وقديماً قيل: ألسنة الخلق أقلام الحق. 5 نوفمبر 2020م".

    فلا غرو أن هذه النماذج الشاهدة تبرهن صحة النزعة التوثيقة، التي اتسمت بها حياة الإمام الصادق المهدي المعرفية والسياسية، والتي ختمها بتدوين نعي حزين عن نفسه، وهو على فراشه موته بدولة الإمارات العربية المتحدة، مفاده: "أفضل الناس في هذا الوجود شخص يترحم مشيعوه قائلين: وقد شيعنا حقاني إلى الحق، إنَّ إلى ربك الرُجعى".
    السيد الصادق المهدي والأثر المكتوب


    جمع البروفيسور محمد إبراهيم أبوسليم الآثار المكتوبة والمحفوظة للإمام محمد أحمد المهدي (ت. 1885م) في سبعة مجلدات، ونشرها بعنوان "الآثار الكاملة للإمام المهدي" في النصف الأول من عقد التسعينيات من القرن العشرين. وبذلك استطاع أن يوفر مادة أوليهم لا غنى عنها للباحثين والمهتمين بدراسات المهدية في السودان، تعينهم على تتبع سيرة الإمام المهدي، وفق منهج تكاملي، يزاوج بين القراءة التحليلية للنص الوثائقي وللعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أسهمت في تشكيل السيرة، وانعكاساتها على الواقع السياسي المعاصر. وإذا قارنا بين الآثار المكتوبة التي تركها أئمة الأنصار الأربعة في السودان، نجد أنَّ الإمام الصادق المهدي أكثرهم عطاءً وتنوعاً. إذ بلغ كم آثاره المكتوبة 915 أثراً، تشمل الكتب، والأوراق العلمية، والرسائل، والمقالات الصحافية، والمحاضرات العامة، والخطب المنبرية، وكلمات الرثاء والاحتفاء بالأعياد الرسمية والاجتماعية. تناولت هذه الآثار المكتوبة جوانب متعددة من تاريخ السودان الحديث والمعاصر، وأنظمة الحكم الإسلامي ومشكلاتها، وجدلية الأصالة والمعاصرة، والتجربة الديمقراطية وتحدياتها وآفاقها، والمرأة والمجتمع، والفن والرياضة في السودان. ومن أبرز إسهاماته في دراسات المهدية، كتابه الموسوم بـ "يسألونك عن المهدية؟" (بيروت: 1975)، والذي قسَّمه إلى ثلاثة مباحث، عالج في أولها سؤال كيف ولماذا اختلف المسلمون؟ وتناول في ثانيهم أصول الفكرة المهدية في تاريخ المسلمين وتجلياتها في الفضاءات السياسية؛ وخصص ثالثهم لمناقشة المهدية في السودان، والرد على الشبهات التي أثيرت حولها، وتوطينها بين حركات الإصلاح الإسلامية التي انتظمت القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين.

    وكان همه الثاني بعد الحديث عن منصَّة المهدية التي شكلت نقطة انطلاقه السياسية الأولى، النظر في الديمقراطية من ناحية مفاهيمها الاصطلاحية وممارستها الوظيفية وتحدياتها في السودان؛ فكتب سلسلة من الكتب والأوراق العلمية عنها، ونذكر منها: "التحديات التي تواجه الديمقراطية في السودان"؛ "الديمقراطية عائدة راجحة"؛ "الديمقراطية وتحديات الربيع العربي"؛ "على طريق الهجرة الثانية: رؤى في الديمقراطية والعروبة والإسلام"؛ "الشورى والديمقراطية: رؤية عصرية". وكذلك وثَّق لموقفه من الأنظمة العسكرية الانقلابية في السودان، وكيف قاد الجهاد المدني ضدها. وقد وثَّق لطرفٍ من ذلك في كتابه "العودة: من تهتدون إلى تفلحون"، حيث شرح أسباب خروجه (تهتدون) من السودان وعودته (تفلحون) إليه في عهد الإنقاذ (1989-2019)، ووضع المعارضة السودانية في المهجر وأرض الوطن، وارتباطه المستمر بالفضاءات الإقليمية والعالمية. وكذلك كان مشغولاً بقضية الصراع بين الأصولية الإسلامية والعلمانية، ويرى أن الأصولية الإسلامية تعني التزام بقطعيات الوحي، وتفسيرها واستنباط أحكامها وفق أساليب مشروعة (أي حرية الاجتهاد)، تستند إلى مقاصد الشرع ومتطلبات الحياة الإنسانية دون تكون أن مخرجاتها متعارضة مع معطيات العلمانية القائمة على قوانين الطبيعة، وحرية البحث العلمي، ومرجعية الحدس والتجربة. وانطلاقاً من لهذه الفرضية، ألَّف كتابه "جدلية الأصل والعصر"، الذي دعا فيه إلى خروج المجتمعات المسلمة من حالة الانفصام التي تعاني منها، إلى حالة التأصيل لشؤونها الحياتية دون انكفاء حرفي على الأحكام الفقهية المستمدة من النص الشرعي والذاهلة عن مقاصده، وتحديث متطلبات الإنسان المسلم العصرية دون تبعية عمياء للغرب وقيمه العلمانية. وكذلك أولى اهتماماً خاصاً لقضية المرأة في سلسلة من إصداراته المنشورة، وأهمها كتابه عن "حقوق المرأة الإسلامية والإنسانية"، والذي ناقش فيه ومفهوم تحرير المرأة، وحقوقها في الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكيفية تفعيل دورها في الحياة العامة والحراك السياسي. ونظر أيضاً في مشكلات ما بعد الحرب الباردة، وألَّف كتاباً بعنوان "تحديات التسعينيات"، عرض فيه التجربة الديمقراطية والرأسمالية والاشتراكية ومآلها في حواضنها الغربية وانعكاساتها في التخوم، وتطرَّق أيضاً فيه لمشكلات العالم الجنوبي وعلاقته بدول الشمال المتطورة، والتي تمثل مركز العولمة الوضعية المعاصرة ونظرتها الإمبريالية إلى الآخر. وربط هذه التحديات بمشكلات المياه في القرن الحادي والعشرين، وأفرد لأحد انماطها كتاباً بعنوان: "مياه النيل: الوعد والوعيد"، شرح فيه جذور الخلاف بين دول المنبع (تانزانيا، والكونغو الديمقراطية، وبوروندي، ورواندا، وكينيا، وأوغندا، وإثيوبيا، وإرتريا) ودولتي المصب (السودان ومصر) وخطورته ذلك على مستقبل العلاقات بين هذه الأطراف المتجاورة التي تمتلك حق الانتفاع في مياه حوض النيل، ودعا إلى عقد معاهدة شاملة بين دول حوض النيل، تتجاوز الصراعات الآنية وتؤسس لتحقيق الوعد المرتبط بالاستثمار الإيجابي والمتكافئ لمياه النيل. هذه مجرد إضاءات متفرقة على الآثار المكتوبة التي رفد بها الإمام الصادق المهدي المكتبة العربية والإنجليزية، دون الخوض في تحليل محتوياتها ونقدها نقداً معرفياً؛ لأن عملية التحليل والنقد شأن آخر، يقع خارج نطاق هذا المقال ومناسبته.


    الإمام الصادق المهدي ومدونته المصدرية


    لا شك في أنَّ الآثار المكتوبة التي تركها الإمام الصادق المهدي ستعين الباحثين والمهتمين وطلبة الدراسات العليا بالجامعات في دراسة سيرته ومواقفه السياسية والاجتماعية والفكرية المتقاطعة معها محلياً وإقليمياً وعالمياً. لكن التحدي الذي يواجه الباحثين والدارسين يتجسَّد في كيفية تحليل النص المكتوب في إطار التركيبة الابستمولوجية (المعرفية) التي صاغة شخصية المؤلف فكراً ومنهجاً، وكذلك الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شكلت الأحداث التاريخية التي ارتبطت بشخصه. فالتكوين المعرفي للصادق المهدي قام على ثلاثة مرتكزات، تتمثل في وعيه بتراث أهل السودان، وخليفته المعرفية بالتراث الإسلامي، وإعداده العلماني في المؤسسات التعليمية الغربية. فضلاً عن ذلك، فإن الإمام الصادق المهدي (1935-2020) عاش في ظل ظروف سياسية وموضوعية معقدة ومتقلبة. إذ وُلِد في عهد جورج استيورت سايمز، حاكم عام السودان (1934-1940م)، الذي أبدى نوعاً من التعاطف تجاه المتعلمين السودانيين (الأفندية)، الذين تمَّ تقليص دورهم الوظيفي في عهد السير جون مافي (1927-1934)، الذي أظهر الوجه الخشن للإدارة الاستعمارية بعد أحداث انتفاضة 1924م.

    وعندما أكمل العقد الثاني من عمره، شهد السيد الصادق المهدي طرفاً من نضال الحركة الوطنية وسيناريوهات الاستقلال، التي بدأت بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، ثم إعلانه رسمياً في الفاتح من يناير 1956م. وامتدت حياته السياسية بين ثورتين، أولهما ثورة أكتوبر 1964م وثانيتهما ثورة ديسمبر 2018م. إذ شهدت هذه الفترة ثلاث فترات انتقال ديمقراطي (1964-1965، 1985-1986، 2019-2022)، وفترتي تحول ديمقراطي (1965-1969، 1986-1989)، وانقلابين عسكريين، إحداهما انقلاب 25 مايو 1969، والذي استمر في سدة الحكم لستة عشر عاماً (1969-1985)، وثانيهما انقلاب 30 يونيو 1989، والذي استمر في سدة الحكم لمدة تقارب الثلاثين عاماً (1989-2019)؛ شهدت هذه الفترة أيضاً تطورات مشكلة جنوب السودان وإسقاطاتها السياسية، التي أفضت إلى قيام دولة جنوب السودان عام 2011م؛ وكذلك تطورات الصراع المطلبي في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وشرق السودان إلى صراع مسلح ضد حكومة الخرطوم. وخلال هذه الفترة الذاخرة بالأحداث السياسية قام السيد الصادق المهدي بدور مركزي في مؤسسات الحكم السيادية ودوائر المعارضة، إذ تمَّ انتخابه رئيساً لوزراء السودان لمدة تقل عن العام الواحد (1965-1966)، ثم معارضاً للنظام المايوي العسكري، ثم مصالحاً له، ثم معارضاً؛ وبعد سقوط النظام المايوي في 1985 وانتهاء الفترة الانتقالية، تمَّ انتخابه رئيساً للوزراء لمدة ثلاث سنوات (1986-1989)، وقبل أن تكتمل دورة حكومته البرلمانية، قادت الجبهة الإسلامية القومية انقلاباً عسكرياً على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً عام 1989م، وبموجب ذلك، انتقل السيد الصادق المهدي إلى معسكر المعارضة، حيث واجه السجن والإهانة السياسية.

    وبعد اطلق سراحه نادى بإعلان الجهاد المدني ضد النظام الانقلابي الحاكم، ثم عارضه في الخارج بعد أن غادر البلاد خُلْسةً تحت شعار "تهتدون"، وتراضى مع النظام في الخارج وعاد إليها تحت شعار "تفلحون"، وأخيراً اشترك في تكوين تحالفات سياسية متعددة المشارب الفكرية والسياسية من أجل إسقاطه، وظل على موقفه هذا إلى أن سقط النظام ورموزه في 11 أبريل 2019م. إذاً هذه المسيرة الحافلة بالتقلبات السياسية قد أسهمت في تشكيل جوانب كثيرة من النصوص المكتوبة التي تركها الإمام الصادق المهدي، والتي تحتاج إلى منهج تكاملي (يجمع بين مناهج علم التاريخ، والعلوم السياسية، والعلوم الاجتماعية، وعلم النفس السياسي) يضعها في سياقها التاريخي، ويحلل مفرداتها حسب متطلبات كل مشكلة بحثية. ولتكون قراءات الباحثين والدارسين قراءات فاحصة في سيرة الإمام الصادق المهدي والقضايا التي تتقاطع معها، يجب أن تخرج عن فضاء الأسئلة البسيطة: مَنْ (الإنسان)؟ ومتى (الزمان)؟ وأين (المكان)؟ إلى فضاء الأسئلة التحليلية والنقدية المركبة، القائمة على سؤالي: كيف؟ ولماذا؟ بعيداً عن قراءات التراجم الإطرائية وتضخيم الذات، فالرجل يستحق، والفترة التي قاد فيها حراكه السياسي والاجتماعي والفكري في السودان جديرة بالبحث والتنقيب، ليعتبر أولو الألباب بمنجزاتها الموجبة وإسقاطاتها السالبة.

    [email protected]

    -------------------------------

    الصادق المهدى من الركاب الى التراب ..

    بقلم: ناجى احمد الصديق

    نشر بتاريخ: 07 كانون1/ديسمبر 2020


    فى ساعات السحر الأولى من فجر الخميس السادس والعشرين من نوفمبر – تشرين الثانى 2020 ملأ الاسافير خبر موفاة السيد\ الصادق الصديق بن عبد الرحمن المهدى وبموته ذاك طوى الزمان صفحة فريدة من تاريخ رحل كدح فى حياته كدحا وجاهد جهادا وصال وجال حتى أتاه الموت وهو واقف على اخمصى قدميه قائدا وموجها ومعلما ، ممطيا صهوة جواد الحق فذهب من الركاب الى التراب الى علياء ربه . راضيا مرضيا بإذن الله
    الناس يولدون أسارى لحيواتهم ، بيئة وثقافة وفكرا ، مطعما وملبسا ومشربا ، مذهبا ومنهجا وطريق ، ولكن قليل منهم من يكسر قواعد اللعبة ويتفلتون من حياة فرضت عليهم الى حيواة أخرى اجترحوها بأ يديهم وقوموها بفكرهم وعايشوها بعزمهم والصادق المهدي كان من تلك القلة ، فهو من أسرة عالية النسب واسعة الثراء كبيرة النفوذ وهو ابن بيئة قليلة التعب شحيحة النصب معدومة الرهق ، فكان القدر قد أعده لحياة الذوات الذين لا يعنيهم غير ذواتهم وعيشة الملاهي التى لا تنظر الى أكثر من متعتها ولكن الصادق المهدي ابى ان يكون واحدا أبناء الذوات ورفض ان يكون فرادا من شلل الملاهي فجاهر وهو صغير السن برفضه للتعلم فى كلية فكتوريا لانها كما كان يرى تنسلخ عن العروبة وتنحرف عن الإسلام فكان كما عبر هو عن نفسه فى رسالة الوداع انه نشأ فى ظروف اجتماعية جعلت الكثيرين يعتبرونه ولد ليتناول صفو الحياة بملعقة من فضة ، ولكن الصادق المهدى سار بسيرة اخرى نحو حياة أخرى والى آفاق اخرى ليس بتمرد البوهيمين الذين يلفظون الحياة وبانعزالية المرضى الذين يغازلون الموت ولكن بقوة المرتجى فى عيش انفع للعامة وبشدة المبتغى الى مجد اجدى للكافة .. كان يسعى الى عز ينسب الى كفاحه والى صيت يضاف الى عمله والى حياة باذخة تكون له وحده وليس لاحد غيره

    كان الصادق المهدي علامة فارقة فى تاريخ المهدية وتاريخ السودان وتاريخ الوطن العربي .. تسلم الإمارة وهو يعانق الصبا فكان يذهب الى الوزارة يوم كان اقرأنه يذهبون الى الصالات وكان يعانف فى مجلس الشعب يوم كان لداته يعانفون الرقص وكان يملأ فكره السودان يوم كان من حوله لا ينظرون ابعد من ظلالهم .


    لم تبرح نفس الصادق همة عرف بها وعزم نسب إليه وميلا جياشا الى الحق والعدل لم يغادره منذ الطفولة والى ان ودع الحياة منكفأ على أحلامه فى غرفة العزل فى الإمارات ، كانت للصادق المهدي همة وكان لديه عزم وكان عنده ميل للحق وضعته كلها أمام قدره فى المجاهدة وأرغمته على ترك لين العيش وصفو الحياة وأرسلته الى ضيق الممانعة ورهق المصارعة فكان عليه دفع الثمن سجنا وتشريدا وتضييقا وكان عليه ان يعد نفسه لحياة اخرى اختارها بنفسه وانتقاها بإرادته وتعاطاها برغبته ... كان عليه ان يسير بسيرة الإبطال و العظماء يجوع وهو قادر على الاكل ويتشرد وهو قادر على السكينة وتضيق به الدنيا على اتساعها فيبهرها بصبره ويبهجها بعزمه ويعيدها اليه واسعة بهية بوصوله الى مبتغاه وبنيله مرتجاه

    كان الصادق المهدى يبحر فى افق مفتوح وسع الرياضة والثقافة والأدب والموسيقى كان يأخذ من كل تلك المعارف بطرف ولكنه وهب نفسه للسياسة حاكما ومعارضا وسجينا ومشردا ومطاردا ولم ينس فى كا تلك الأحوال شغفه للرياضة وحبه للأدب وسماعه للموسيقى فكان من القلة التى تحتدم فى دواخلهم المتناقضات ولا يفقدون توازنهم ,
    ما الذى بقى للأنصار بعد موت الصادق ... ما الذى بقى – كما قال منصور خالد- بعد انكساف البؤرة التى تتلاقى عندها الأشعة ، فالبؤرة فى علم الطبيعة هي ملتقى الإشعاع كما هى مفترقه .. ما ذا بقى لهم غير ان يرددوا مع محمد بن عبد الله
    يا موت لو اقلت عثرته
    يا يومه لو تركته لغد
    او كنت ارخيت العنان له
    حاز العلى واضوى الى الابد
    ولان الناس فى السودان اهل يقين دينى تعلموه مع طفولتهم وعايشوه فى شبابهم ومارسوه فى كهولتهم فانهم لا يقولون فى رحيل الصادق الا ما يرض الرب وان كانوا لفراقه لمحزونون
                  

12-09-2020, 03:42 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    الصادق المهدى: رحلة في العقل العرفانى الجريح .

    . بقلم: خالد موسى دفع الله

    نشر بتاريخ: 09 كانون1/ديسمبر 2020


    والجسد المسجى يمشى هادئا مطمئنا بين الجموع الحاشدة تحفه الدعوات والدموع ، والصبر يستحر أنين الفجيعة في اكباد الرجال ، ويفرى حشا النساء ونحيبهن الذى يحاكى الجمجمة و الصهيل. كان المعنى يغوص عميقا في صفحات التاريخ، أنه مع تعدد المناقب وعبقرية السيرة واسهامات الفكر و أرومة الأصل والمحتد تبقى سودانيته الخالصة شامة متفردة في بنائه العقلى ونسيجه النفسى وشوارده الوجدانية. أي أنه يمثل ما يجب أن تكون عليه الشخصية السودانية فى افضل تجلياتها، وهى تشتمل على هذا التوازن الخلاق . ام تراه ظاهرة تراكمية للكسب التاريخى لحالة المهدية الكامنة فى طورها الجديد؟ إذ لم يجعل من سابغ عمره المضرج بالدماء والاجتهاد والسجون حسينيات تحسن اللطم والتفجع وانشاد المواويل ، بل منارات مضيئة لإحسان الفعل والقول.
    هذه المقاربة تتخذ طريقا وسطا، إذ لا تجفو عن ملامسة رقائق العرفان وانسانيات الرثاء بقدر قدحها فى محاولة لإكتشاف اهم سمات مشروعه السياسي والفكرى .
    ان الشفرة في مقارباته السياسوفكروية هى أنه اجتهد فى أن يكون المنطقة الوسطى أو نقطة الالتقاء بين اليسار واليمين. أو بعبارة أخرى المعادل الموضوعى لطرفى الصراع الايدلوجى والسياسى في السودان، وهو ما وصفه د. التيجاني عبدالقادر بالثنائيات المدمرة بين إسلامي وعلمانى. وقد وجدت لهذا النزوع التوفيقى عند الصادق وان يكون نقطة التقاء اليسار واليمين جذورا فى رؤيته الفكرية للمهدية فى أنها حسب وصفه عبارة عن جسر يربط بين السنة والشيعة ومذاهب التصوف ومدارس الفكر ومذاهب الفقه الإسلامى المتعددة. لذا أراد الوسطية بوعى ليكون نقطة التقاء التيارات المتصارعة. قال لي في حوار سابق أنه حمى كيان الانصار من الاختراق الفكري بنزعة التجديد الدينى والتحديث مما اضعف تأثير الحركة الاسلامية علي الانصار، وبالدعوة للأفكار التقدمية مما عصم كيان الانصار من اختراق الاطروحات اليسارية.
    لا تكتمل دراسة ابعاد هذه الشخصية الفذة الا من خلال ثلاث مزايا مازت شخصيته ووشمت نشاطه السياسي ووسمت اجتهاداته الفكرية.
    وهو أنه مثقف موسوعى غزير الإنتاج حيث ترك آثارا مكتوبة تقترب من الألف مؤلف تضم الكتب والإصدارات والمحاضرات المكتوبة. واختط لنفسه منهجا فى الاجتهاد الفكرى حيث لازم منهج التجديد الدينى والاجتهاد فى حوار وجدل
    ( الاصل والعصر) ، وتبنى منهجا وسطيا معتدلا ابتعد فيه عن السلفية الانكفائية حسب تعبيره، منفتحا على ابتلاءات الحداثة والتعاطى مع منتجات وآثار الحضارة الانسانية. وهو زعيم سياسي جعل الديمقراطية منهجا وسلوكا وهدفا دفع من اجلها انضر سنوات عمره فى المنافي والسجون. وهو داعية للتحديث وسط كيانه وفى أجهزة حزبه. تميز بفضائل إنسانية نادرة وهي الانفتاح علي جميع شرائح المجتمع السودانى، والقدرة على الحوار و الاستماع للأصدقاء والمخالفين والتفاعل مع مختلف الاجيال. كان فى حياته مستودعا للحكمة وداعية للسلام. وهذا ما جعل الباحث الأكاديمي والكاتب السودانى د. عبدالوهاب الأفندي ان يصفه بأنه من زعماء السياسة القلائل الذين تفوق ايجابياتهم على السلبيات.
    ويمكن تلخيص ملامح مشروعه فى التجديد الدينى، وتوطين الديمقراطية والاعتزاز بالإنسانيات والهوية السودانية، اضافة لإسهامه الفكري العميق فى قضايا التحولات الدولية والظواهر العالمية واهتمامه خاصة بالفكر السياسي والاجتماعي. وقد راهن فى كتابه ( الديمقراطية راجحة ورائجة) علي عودة الديمقراطية. ولا يزال السودان يكابد السعى نحو هذا الهدف خاصة بعد التحولات التى فرضتها ثورة ديسمبر.
    تميز الإمام الصادق المهدى بفرادة مدهشة فى المزج بين التراث السودانى وأدوات الحداثة، وقد وسم نشاطه أثناء فترة الطلب الجامعى فى اكسفورد عبر الجمعيات المختلفة بالانفتاح علي مختلف التيارات الفكرية خاصة توجهات حزب العمال واهتمامه بالنقابات فى العمل السياسى وجدل دولة الرفاه الاجتماعى و مزايا وإشكاليات التوجهات الاشتراكية فى الاقتصاد.
    الخروج من قوقعة التنميط:
    يعتبر ضمن قلة من الزعماء والمثقفين والمفكرين الذين استطاعوا أن يكسروا بحنكة ودراية كل أشكال التنميط حول شخصيته. وان يتجاوز كل الأحكام القيمية التى حاولت أن تختزل تاريخه و ان تعتقل كسبه فى صورة نمطية رجعية وتقليدية ، وتشيع أنه أميل للتنظير والحديث المرسل من النزعة العملية و اتخاذ القرارات الحاسمة والناجزة . وفشلت محاولات اعتقاله المعنوي في مرحلة تاريخية محددة مثل ان ازمته هي التأرجح بين تقليدية الجزيرة ابا وحداثة اوكسفورد كما قال الراحل منصور خالد، أو أنه تلبسته حالة ترتوسكية وهو يتبضع في سوق الازياء الفكرية فى اكسفورد كما قال الشيخ الراحل حسن الترابى. او انه حريص علي اعادة انتاج دولة الزبير باشا وقطع التطور الطبيعى للدولة الوطنية عبر التنوع التاريخى والتنوع المعاصر بالأسلمة والتعريب القسرى كما اتهمه جون قرنق من قبل.
    كثيرون كانوا ضحية للصورة النمطية التى صنعها المجتمع والرأي العام، ورغم المحاولات الشرسة للبعض اختزال اجتهاداته لمجرد انه محب للكلام ، الا انه أثبت عمليا أن الحديث والتواصل والكلام هو حالة ديمقراطية. وقال فى ندوة حاشدة كنت ضمن حضورها لمن ظن أنه يعيره بكثرة الشرح أن وسيلته كزعيم سياسى هى الإقناع بالمنطق والكلام و الجدل وهى جوهر مطلب الديمقراطية دون أن يحمل الناس علي رأي بأدوات الإكراه القسرى او الجبر ، لأنها من حيل الديكتاتوريين.
    كأن التاريخ يعيد نفسه اذ كتبت صحيفة التايمز اللندنية في نعى الإمام عبدالرحمن يوم ٢٤ مارس ١٩٥٩ ان وفاته: "حادثة سياسية بالغة الاثر في قطر بدأ- ومنذ فترة- في إظهار أعراض عدم استقرار واسعة النطاق ينبغي مراعاة تداعياته بدقة وحذر ولكن عشيرة المهدى قوية الترابط وهذه الحقيقة ربما تكون افضل ضمان للاستقرار".
    كأن التايمز تعيد احياء الماضى فى نسج فجيعة الحاضر. إذ يمضى الإمام الصادق المهدى إلي ربه فى ذات التحولات والظروف الدقيقة التى توفى فيها جده الإمام عبدالرحمن، وهناك مخاطر جمة تحيط بالسودان ، فى وقت أحوج ما تكون فيه البلاد لحكمته ورجاحة عقله ووسطيته. لكن كما قالت التايمز مراهنة وقتها أن عشيرته المترابطة ربما تكون احد ضمانات الاستقرار.
    يخلط الغربيون بين كسب الإمام الصادق المهدى السياسي والاداء التنفيذى لتجربته السياسية رئيسا للوزراء خلال فترتين من عمر السودان الحديث، وبين كسبه الفكرى والثقافى و اسلوب زعامته الكارزمية لطائفة الأنصار.
    إذ أن أبرز خصائص زعامته أنه لم يكن صورة مستنسخة من جده الإمام عبدالرحمن رغم انه مؤسس المهدية الجديدة، ولم يكن صورة فوتوغرافية من والده الإمام الصديق الذى عاجله الموت قبل أن يبرز ملامح مشروعه السياسي مكتملا. لذا حاول الصادق منذ تعلقه بالعمل السياسي أن يثبت أنه رقما مستقلا فى معادلة السياسة والدولة و تجديد البعث المهدوى، وانه ليس مجرد رقما طرديا متسلسلا في قائمة زعماء كيان الانصار، وقد مثل بالفعل تحولا نوعيا فى أسلوب القيادة ونمط الزعامة. لذا ظل الإمام الصادق المهدى أنه استثناء إذ ولد وفى فمه معلقة من فضة لكن لم يستسلم لحياة الدعة المتوفرة له وانخرط يشق طريقا عصيا بكسبه الذاتى أكثر من ارثه الاسرى وسط رمال السياسة المتحركة فى تاريخ السودان الحديث.وقال فى آخر رسائله قبل وفاته أنه دفع سنوات عزيزة من عمره ثمنا لمواقفه سجنا وتشريدا فى المنافى. لعلمه أن أكثر الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل دون أن يفت ذلك من عضده أو يضعضع من قوته وشكيمته.
    قال عنه الطيب صالح أنه كان يمثل طاقة جديدة في الحياة السياسية فى ستينيات القرن الماضى كقيادة شابة مستنيرة تحمل الامل والتغيير أشبه بتلك الروح التى بثها جون كندى في أمريكا.
    لعل فى شخصيته ما يغنى عن الشرح إذ يعرفه
    المعجم التاريخي للسودان
    Historical Dictionary of Sudan
    الذي أنجزه الثنائي ريتشارد و كارولين لوبان بمشاركة روبرت كرامر.
    اضافة لسيرته السياسية المعروفة قال المعجم إن اميز انجازاته هى حماسه وعمله لتحديث حزب الأمة وكيان الانصار، لكن أضعف حكومته في الديمقراطية الثالثة تردده في حسم مشروع الشريعة والأسلمة مما عوق التوصل لاتفاق مع الحركة الشعبية.
    لاشك أن تعريف الصادق المهدى فى معجم الشخصيات الذى حرره ثلاثة من الأكاديميين الغربيين من ذوى الاختصاص فى الشأن السودانى تصلح نموذجا للحكم. حيث تم وصفه أنه كان متحمسا وعمل بجد لتحديث الكيان والحزب. لكنه اخفق فى حسم الهوية و التوجهات الثقافية للشعب السودانى لميله لمشروع الأسلمة وتردده فى إلغاء قوانيين سبتمبر اثناء فترة حكمه فى الديمقراطية الثالثة ، اضافة لعدم توصله الى اتفاق سلام مع زعيم الحركة الشعبية جون قرنق. وذلك ما وصفه الدكتور روبرت كولنز بأن قرنق والصادق بددا جهدهما فى مواجهات غير منتجة. ولعل الرسائل المتبادلة بين قرنق والصادق التى نشرت لاحقا تكشف جانبا مهما من روح تلك المواجهة السياسوفكروية، اذ حمل قرنق تطاول ازمة الجنوب الي ما اسماه ابتدار القوانيين الاسلامية بالتحالف مع الترابى منذ الستينات مما عمق من جراحات الأزمة الوطنية. هذا رغم أن أول كتب سلسلة التوثيق لسيرة الصادق المهدى التى حررتها بمهنية عالية الأستاذة رباح الصادق حمل اسم ( بينج ماريال) أي الرجل الكبير. وهو اللقب الذى أطلقه الجنوبيون علي الصادق فى زيارته الشهيرة إلي جنوب السودان فى ستينيات القرن الماضي . وذهب فى ذات الاتجاه الدكتور سلمان محمد احمد سلمان فى كتابه عن دور القوى الشمالية فى انفصال جنوب السودان حيث حمل كل القوى السياسية نصيبا من تراكمات الفشل فى تحقيق الوحدة الوطنية ودعم توجهات الانفصال المبكر بفعل التمادى فى نقض العهود والمواثيق حسب عبارة أبل ألير ،وفشل السياسات الوطنية فى معالجة الأزمات المتراكمة وعلى رأسها حزب الأمة بقيادة الصادق المهدى.
    يصنف ابو القاسم حاج حمد جيل الإمام الراحل الصادق المهدى أنه وجد نفسه في حالة فراغ بعد تجاوز الترتيبات الدستورية لجيل الاباء لعام ١٩٥٦ من المورث الجغرافي اي الحالة الجغرافية السياسية التى صنعتها مصر والموروث الاقتصادي الذي خلقته بريطانيا عبر ما أسماه ( المجتمع المصغر) الذى تركه الاستعمار
    و( القبضة الفوقية) التى شكلها الحكم مع زعيمى الختمية والانصار.
    كان الصادق المهدى ممن وصفهم حاج حمد من النخبة الشمالية التى وجدت أن تحمل عبء السودان أكبر من قدراتها، لأن قاعدة النخبة الاجتماعية الحديثة لا تتجاوز ١٧% في المناطق الحضرية.وقال هم لم يصنعوا الوطن لكنهم ورثته.
    وهو ذات ما عناه الراحل (علي مزروعى) عندما قال ان أزمة السودان تكمن فى أن القوة الاستعمارية وطنت ( البرامج الصلبة) في الشمال اى مشروعات الإنتاج الزراعي والاقتصاد الحديث والتعليم والبنيات التحتية وأنشأت ( البرامج الناعمة) في الجنوب وهى اللغة الانجليزية والثقافة العلمانية وتعليم الارساليات الإنجيلية.
    لعل فى كتاب د. حيدر ابراهيم عن الديمقراطية السودانية إضاءات مفيدة فى سياق تحليل فشل الديمقراطية وردها لأربعة أسباب هي: اختلاط الدين بالسياسة، وتدخل الجيش فى السياسة، والوحدة الوطنية والفشل التنموى. وأشار إلي أزمة انعدام التنظير فى مفاهيم الديمقراطية والاكتفاء بالممارسة العملية والطقوس الشكلانية.
    فى ذات السياق وصف الدكتور التيجاني عبدالقادر الديمقراطية الثالثة بأنها عشائرية الطابع اذ تعبر عن أزمة مزدوجة ثقافية وبنيوية ، وتقوم علي اختزال العملية الديمقراطية في الطبقة والعشيرة والحزب ثم يتم اختزال كل ذلك فى شخصية رئيس الوزراء. وهذا ما اشار اليه السفير الامريكي الاسبق دونالد بترسون بان حزب الامة يزخر بالكفاءات لكن كاريزما الصادق المهدى ألقت بظلالها الكثيفة عليه، هذا رغم اعتزاز الإمام بعملية التحديث والديمقراطية فى منظومة اتخاذ القرار.
    الغربيون يزهدون فيه حاكما ويحبونه معارضا:
    اثار فضولي الوجدان الغربى المنقسم ازاء الزعيم الراحل الصادق المهدى، اذ يزهدون فيه حاكما و يحبونه معارضا.
    يقول هيرمان كوهين مساعد وزير الخارجية للشئون الافريقية في كتابه (التدخل في افريقيا):
    " نبرة من الارتياح سرت وسط مسئولي افريقيا في الادارة الامريكية بسقوط حكومة الصادق المهدى الفاقدة للأمل والقدرة بواسطة الانقلاب". لمزيد من الإيضاح كنت سألت الإمام الراحل في جلسة نقاش يسرها بلطفه المعهود الحبيب محمد زكى في القاهرة عن اسرار الاجتماع الذي تم بينه وفريق امريكى خارج السودان قبل أن يتولى رئاسة الوزراء في ١٩٨٦. فقال أنه اجتمع مع وفد أمريكى مرتين قبل توليه منصب رئيس الوزراء في قبرص أواليونان . وان شروط الوفد الأمريكى كانت واضحة وهى التماهى مع المصالح والتوجهات الامريكية في المنطقة. وكان رد الإمام حينها مليئا بالعزة والوطنية إذ أكد علي استقلال القرار السودانى وأنه يدور حيثما دارت مصلحة السودان.
    لم يعجب رد الإمام الوفد الأمريكى الذي تعززت قناعته علي أن الإمام كما كشفت التقارير التى عكفوا عليها حول شخصيته وتاريخه أنه شديد الاعتزاز بنفسه وكرامة اهله.
    قال دونالد بترسون السفير الامريكى الأسبق في كتابه
    Inside Sudan إن الصادق المهدى أضرت به سياسته الخارجية خاصة التوجه نحو إيران وليبيا. وكتب الدكتور كولنز في كتابه
    Modern history of Sudan
    ان الصادق المهدى: "وريث المهدية والذى رمز بتعليمه الغربى إلي الماضى التاريخى والي المستقبل. غير أن الصادق المهدى قد فشل فى الارتفاع إلي مستوى التحديات، ومن المفارقة أن الحال وصلت به في النهاية إلى تقليد نميرى فى الرغبة فى البقاء في السلطة علي حساب اى شيء آخر وهو ما دعاه لعقد صفقات سياسية مع الحزب الاتحادي والجبهة الإسلامية والجيش، ولكنه افتقر إلى مهارات سلفه وقد أدت كل العوامل السابقة إلى تقويض العملية البرلمانية".
    ويمضى كولينز ليزعم أن تذبذب الصادق المهدى فى حسم قوانين سبتمبر حيث قرب اليه الاسلاميين الأصوليين وهمش العلمانيين.
    لاشك أن الشهادة القاسية التى ذكرها الاكاديمى الامريكى روبرت كولنز عن الصادق المهدى تعبر اكثر عن عواطفه الداعمة لمشروع الحركة الشعبية والسودان الجديد بقيادة قرنق وتفتقد للنظر الموضوعى وأدوات الانصاف التاريخى. كولنز كان عضوا فى لجنة تحديد حدود ابيي بعد اتفاقية السلام الشامل.كما عمل مستشارا لحكومة جنوب السودان فى شأن النزاعات الحدودية مع السودان.
    ولعل الباحث المدقق يلاحظ أن اتهامات الغربيين من السياسيين والأكاديميين للصادق المهدى تنحصر فى أنه فوت فرصة تاريخية لتمزيق قوانين سبتمبر الإسلامية ، وعجز عن تحقيق السلام مع قرنق. وهذا ما دعا الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص للترحيب بإنقلاب الانقاذ علي الوجه الذى ذكره كوهين سابقا ليس ضيقا بالنظام الديمقراطى لكن لإعتقادهم أن توجهات سياسته الخارجية اضرت بالمصالح الأمريكية في المنطقة. ويعكس ذلك كما أسلفنا فى تعريف معجم السودان لشخصية الصادق فى أنه فشل فى إلغاء قوانين الشريعة.
    تكشف سلسلة الكتب التوثيقية الهامة التى حررتها السيدة رباح الصادق بدقة عالية وحنكة فى توثيق السيرة الذاتية والسياسية للصادق المهدى التي صدرت فى خمس كتب مسلسلة حسب التدرج التاريخي انها قدمت اصدق صورة لتوجهات وخيارات الصادق المهدى السياسية وشرحت المتاعب التى واجهته، لعل أهمها أنه لم يكن يحكم منفردا بل مع شركاء متشاكسون كما قال حسب طبيعة الحكم الإئتلافى الديمقراطى. لكن رغم هذه الحقيقة الساطعة فإن الغربيين لم يتعاطفوا مع سنوات حكمه، لأنهم اختاروا دعم الجانب الآخر من معادلة الصراع وهو جون قرنق وحلفائه من دعاة السودان الجديد والمشروع العلمانى. لذا قال غازي صلاح الدين في كتابه عن "الإصلاح السياسي" أنه تفاجأ برد المبعوث الأمريكى الخاص دانفورث عندما طلب منهم الحياد لحل قضية جنوب السودان. فقال دانفورث ان أمريكا ليست محايدة فى الحرب مع الحركة الشعبية بل تدعم الجنوبيين. وكما درج الدبلوماسيون الأمريكيون علي القول فى الاجتماعات الرسمية فى ذلك العهد
    We are not neutral but trying to be fair.
    لسنا محايدين لكن سنجتهد لنكون منصفين.
    لعل الصورة الذهنية للصادق المهدى في المخيلة الغربية ذات الاهتمام بالسودان تجعله فى مقام الحفيظ على تراث المهدية لكن لم تهتم بجهوده التحديثية في كيان الانصار وحزب الامة، بل حاكمته علي ما اسمته فشل فترة حكمه في الديمقراطية الثالثة. لكن سرعان ما استدركت خطأها مع تنامى ظاهرة الاسلام السياسي.
    الإسلام والغرب بعد التفجيرات الارهابية:
    عادت المؤسسات الغربية للاهتمام باجتهادات الصادق المهدى الإسلامية خاصة نهجه الوسطى المعتدل بعد انتشار الإسلام السياسى في المنطقة في مقارباته العميقة عن جدل الأصل والعصر.
    و لعل افضل نموذج للاستشهاد ليست جهوده فى نادى مدريد أو منابر الوسطية الدولية لكن في المحاضرة القيمة التى قدمها فى معهد الدفاع فى الولايات المتحدة عن ( الاسلام والغرب) عقب أحداث ١١ سبتمبر فى العام ٢٠٠٢ وشاركت معه الزعيمة الباكستانية الراحلة بنازير بوتو. وقد كنت شاهدا وحضورا علي مدى تقدير المعهد والمختصين والمهتمين لإسهامه الفكري.
    ابتدر المحاضرة وهى عبارة عن سياحة فكرية جمعت بين السياسة والفلسفة والتاريخ ومحددات العلاقات الدولية والصراع الحضارى بقوله إن أحداث ١١ سبتمبر احدثت آثارا عميقة علي المستوى الدولى مما يجعل إجالة النظر فى العلاقة بين الإسلام والغرب أمرا ضروريا وحتميا.
    قدم الصادق المهدى نفسه فى هذه الندوة ليس بإرث عائلته التاريخي بل داعيا للحداثة والتوافق الوطنى، اذ اكد ان كل افكار التسوية السياسية لقضية الحرب الاهلية فى ادبيات حل النزاعات قدمها حزبه خاصة المواطنة بدلا عن الهوية الدينية. وقال رغم انه ينحدر من سلالة تاريخية مرموقة ارتبطت بالتحرر الوطنى والحكم فى تاريخ البلاد الا انه قرر العمل في السياسة وقاوم ثلاث ديكتاتوريات.
    وقال الصادق عن نهجه السياسي أن جده الإمام عبدالرحمن نجح في تقديم نموذج تحديثى معتدل من نسخة الثورة المهدية، وأنه بعد تسلمه زمام القيادة توسع فى تحديث الكيان كمنظومة سياسية حديثة وجعل اتخاذ القرارات أكثر ديمقراطية.
    انتقد الصادق فى الندوة تفكير النخب الغربية فى التعامل بأسلوب رد الفعل علي أحداث ١١ سبتمبر بما فى ذلك الاحتفاظ بالوضع القائم حينها مع استخدام القوة والأدوات العسكرية الخشنة للانتقام دون الدخول فى نقاش عميق حول أسباب ودوافع تلك الهجمات. وعضد منطقه باستشهاد من أدب شكسبير بأن المزايا فى طى البلايا أو المنن فى طي المحن مما يعنى ضرورة التعامل مع هذه المأساة والازمة بانها وفرت سانحة للمراجعة والتأمل والبحث عن الاسباب الحقيقية للظاهرة.
    أن ما ذكره الصادق المهدى فى هذه الندوة يجد أصداء فى كتاب المستشرق اليهودى الراحل برنارد لويس فى كتابه (ما الخطأ)
    What went wrong
    وقد حملت المناظرة الفكرية التى جمعت برنارد لويس ومحمد أركون في مكتبة الكونقرس في العام ٢٠٠٣ تقريبا إلى إعادة التساؤل حول ارتباط العنف والارهاب بالحضارات، عندما قال لويس ما الخطأ والمسلمون يرتبطون بالعنف والحضارة الإسلامية تشتبك فى مشتركات إنسانية مع الحضارة الغربية. وكان تساؤل أركون ما الخطأ الذى جعل الحضارة والمدنية الغربية تحصد أرواح الملايين من البشر فى الحرب العالمية الثانية. والعالم الإسلامى كان ضحية للحرب ولم يكن جزء منها أو سببا فيها.
    أكد الإمام الصادق المهدى فى الندوة أن الاستدلال بحديث بعض الأئمة وعلماء الإسلام أن تفجيرات ١١ سبتمبر هى عقاب سماوى لأمريكا، قاله ايضا كبار القساوسة ورجال الدين الغربيين مثل القس جيري فاويل فى امريكا نفسها. وانتقد الامام فى عرضه أطروحة صراع الحضارات لهنتجنتون وقدم استدراكات مهمة عليها مثل أن طالبان أو القاعدة لا تمثلان سهم الإسلام في الصراع الحضاري القائم. كما اعترض أيضا علي نهج بعض الساسة في الغرب الذين يدعون لمواجهة الأزمة الأمنية التي خلقتها التفجيرات بالوسائل العسكرية وأدوات القهر و الجبر والاكراه . ووصف بوضوح هجمات ١١ سبتمبر بأنها فعل سياسي استخدم العنف والإرهاب كوسيلة للتعبير والاحتجاج ومحاولة لتسويغ ايدلوجيا معزولة للأقلية الدينية لتبرير الإرهاب. وقدم تعريفا للإرهاب تجاوز فيه استخدام العنف لتحقيق غايات سياسية ليشمل توظيف ارهاب الدولة بواسطة الانظمة الدكتاتورية لإكراه وتعذيب المدنيين العزل.
    ثم عرج في محاضرته القيمة إلي استعراض الآيات الواردة فى القرآن الكريم عن التسامح والتعايش واحترام الآخر المخالف، وناقش آيات السيف التى عدها البعض أنها نسخت آيات الاسماح حسب التعبير الجمهورى. وقال انه فصل كل هذه الرؤية في كتابه جدل الأصل والعصر وكتابه الذي صدر باللغة الانجليزية بعنوان
    The Dialectics of Identity and Modernity
    وقال ان كل الفتاوى الصادرة من العالم الإسلامى في هذا الصدد كانت رد فعل لنزعة المغالاة في معاداة الدين الاسلامى.
    وانتقد السيد الإمام المركزية الغربية دون أن يسميها مشيرا أن فشل الغرب فى الإعتراف بالاسلام مقابل فرضية تفوق المسيحية كدين وحاضنتها الحضارة الغربية أصبح أمرا مفروغا منه، وهو ما عزز من رد الفعل الغاضبة و المناهضة من قبل المسلمين.
    مذكرا بأن كثيرا من مفكرى الغرب مثل ارنولد تونبى طالبوا بأن يعترف الغرب بأن حضارته هى أبنة التعددية الثقافية وليست فعلا أوروبيا محضا.
    وفى مقاربته لتعضيد أطروحة تونبى حدد ثلاثة مصادر للحضارة الغربية اولها نابع من داخل الثقافة الغربية الأوروبية. ثانيا ثورة عصر التنوير، وثالثها أن الحضارة الغربية هى ثمرة لتراكم الخبرة والمعرفة الإنسانية من جميع أنحاء العالم التى تتمثل فى حرية البحث العلمى ، الحريات الشخصية والعامة، وحقوق الإنسان والاقتصاد الحر وغيرها. لذا تبنت المجتمعات الإنسانية فى العالم هذه القيم والمنتج الحضاري الإنساني حسب جذورها الحضارية وخصوصيتها الثقافية.
    وفى حديثه عن آثار العولمة قال إن توزيع الثروة والقوة الاستراتيجية أضعفت العالم الثالث لصالح القوى الكبرى وان تنمية (الجنوب) العولمى لا يمكن ان يترك لقوى السوق فقط. داعيا الغرب لإنتقاد نفسه والنظر لغبن الدول الفقيرة فى ظل توجهات العولمة الشرسة.
    لعل الجزء الأهم من الندوة والذى تحدث فيه الإمام الصادق المهدى بشجاعة في معهد الدفاع بفرجينيا وفى حضور عدد من الدبلوماسيين والباحثين و جنرالات البنتاغون وخبراء وضباط محاربة الارهاب فى الوكالات المختلفة، تحدث فيه عن قضية فلسطين وأنها جزء من أسباب تغذية ظاهرة الإرهاب خاصة فى ظل التماهى والدعم الامريكى لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية واغتصاب الحق الفلسطينى. لذا لم يكن غريبا أن يتصدى الإمام فى آخر عمره لدعاوى مشروع تطبيع السودان مع إسرائيل في إطار الاتفاق الإبراهيمي وقد أصدر ورقة مشهورة فصل فيها موقفه موردا الشواهد والمنطق والتاريخ .
    وكشف الإمام في محاضرته تلك كيف انه حاول مع صديقه أحمد مختار امبو مدير اليونسكو الاسبق التوسط لحل أزمة الرهائن الأمريكيين فى طهران عام ١٩٧٩. وقال انه خلال رحلاته المكوكية للتوسط بين واشنطون وطهران وجد تمنعا إيرانيا قويا اعترف بمبرراته وزير الخارجية الامريكى جورج شولترز. كما اعترف به كتاب أمريكيين مثل مارك كيرتز فى كتابه ( غموض القوة) بقوله إن قضية الرهائن الأمريكيين فى طهران هو رد فعل علي تدخل أمريكا فى ايران وصنع انقلاب ١٩٥٣ علي مصدق ودعم نظام الشاه الديكتاتوري. كما تحدث مستشهدا أيضا بالتدخل الأمريكى في أفغانستان وان ظاهرة العرب الأفغان التى أنتجت بن لادن هى نتيجة طبيعية لدعم أمريكا للمجاهدين العرب أثناء فترة الغزو السوفيتي.
    قال لم يكن بن لادن أو طالبان هما من صنع أمريكا مباشرة بل نتيجة لسياسة العزل بدلا من حكمة الاحتواء.
    واستشهد بكتابات بعض المفكرين الاتراك عن احتمالات زيادة الحركات المتطرفة فى تركيا اذا استمرت سياسة عزل الاحزاب الإسلامية والعمل على دعم النظام العلمانى المتطرف فى تركيا. ولعل فى وصول اردوغان إلي سدة الحكم تصديقا لرؤيته النقدية بعد عقد من الزمان منذ قيام هذه الندوة..
    وفى رسالة مباشرة وجهها للأمريكان قال ان جزء من الأزمة يكمن فى النقد الموجه للنظام الأمريكى وهو ان امريكا ديمقراطية فى الداخل و داعمة للديكتاتورية في الخارج.
    وان الترياق لمناهضة الإرهاب هو بسط الديمقراطية وترسيخ دولة القانون. وان الغرب يفضل التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية لان الديمقراطيين اقل مساومة علي المصالح الوطنية و يسعون لعلاقات متساوية ومصالح مشتركة عن طريق التفاوض.
    لعل الإمام الصادق المهدى يشير فى هذه النقطة إلي موجدته الشخصية عن أزورار أمريكا عن دعمه ومساندته أثناء توليه منصب رئيس الوزراء فى الديمقراطية الثالثة (١٩٨٦-١٩٨٩)
    وكما ذكرت في صدر هذا المقال فإن تأثير واشنطون علي توجهات وسياسة الصادق الخارجية كانت ضعيفة للغاية ، ولعل أوضح تجليات هذا الموقف رفضه لمقترحات الوفد الأمريكى الذى التقاه سرا مرتين خارج السودان. ولا شك ان ثقته فى نفسه وحرصه علي استقلال قراره الوطنى كانت سببا فى هذه الفجوة مع واشنطون التى سعدت لنهاية نظام حكمه لعلاقاته الممتدة مع ليبيا وإيران حينها.
    وقال الإمام فى الندوة أنه توقع في كتابه ( تحديات التسعينات) استمرار حالة الحرب الباردة وانقسام العالم إلي فسطاطين .من يملكون الثروة والقوة وأسلحة الدمار الشامل فى جانب. وفى الفسطاط الآخر يقبع الضعفاء الذين لا يملكون. وسيسعون لمقاومة هذه الهيمنة بوسائل شتى مثل تفشى الإرهاب وزراعة ونشر المخدرات والهجرة غير الشرعية واختلالات في السياسات الصحية والمناخية وغيرها.
    في الختام قال انه يقدر توجهات المجتمع الامريكى ونزوعه نحو التدين والمثالية. وان أمريكا التى استطاعت أن تشكل مستقبل العالم بعد الحرب العالمية الثانية وساهمت فى إنقاذ أوروبا واليابان وانتصرت علي القطب الشيوعي السوفيتي، فإن أمريكا تستطيع أن تقود العالم لمواجهة التحديات الجديدة لكن بعد إعادة النظر فى اختلالات خيارات سياساتها السابقة، وأن مقدرات الدولة الأمريكية يجب أن تتخطى حاجز المصالح الصغيرة واهداف اللوبيات الضيقة لخلق نظام دولى يتسم بالعدالة والفاعلية.
    حظيت ورقته التى قدمها فى الندوة بإحتفاء ظاهر واهتمام بالغ من قبل الحضور. ورغم حديث الزعيمة الباكستانية الراحلة بنازير بوتو الا ان الاهتمام كان منصبا علي ورقة الامام لأنها جاءت صريحة وواقعية وحمل فيها الولايات المتحدة بعض المسئولية فى تنامى ظاهرة الارهاب خاصة انحيازها الاعمى للدولة الاسرائيلية علي حساب الحقوق الفلسطينية العادلة وقدم في الورقة سياحة فكرية وسياسية مهمة.
    لعل أبرز سمات الورقة التى قدمها الإمام الصادق المهدى في معهد الدفاع عقب أحداث ١١ سبتمبر أنها لم تكن اعتذارية ولم يفرط في جلد وتقريع الذات بل تحدث بندية فكرية داعيا أمريكا لعدم الانجرار والتعامل برد الفعل بل دراسة أسباب الظاهرة.
    اهتمام الاكاديميا بالقوانين الإسلامية فى السودان:
    اهتم معهد موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا فى جامعة تل أبيب بإسرائيل بدراسات السودان التاريخي والمعاصر خاصة المهدية وحركات الإسلام السياسي في السودان. وقد أصدر المركز عام ١٩٩٩ دراسته الشهيرة التى أعدها د. فيسبورد عن ( التعاليم السياسية والدينية عند حسن الترابي) ، كما اصدر دراسته الاشهر عن القوانين الاسلامية فى السودان وتطبيق الشريعة في عهد نميري التى أنجزها الدكتوران أهرون لايش الأستاذ بالجامعة العبرية وغابيريل واربيرغ الأستاذ بجامعة حيفا، وهو باحث مهتم بالسودان حيث سبق وأن أصدر كتابا عن ( القومية الإسلامية والشيوعية في مجتمعات تقليدية. دراسة حالة السودان).
    ظلت دراسة عودة القوانين الإسلامية في السودان سمنارا أكاديميا راتبا في الجامعة العبرية تحت اشراف الدكتور لايش، لكن ما يهمنا فى هذه المقاربة هى النظر في قضايا الاسلمة و تطبيق الشريعة عند الصادق المهدى .
    ترجح الدراسات السائدة ان كل مشروعات الأسلمة عبر تاريخ السودان الحديث تستمد إلهامها ونموذجها الاول من الفترة المهدية، لكن يعتبر الصادق المهدى أن المهدية كانت عبارة عن جسر يربط بين السنة والشيعة ومذاهب التصوف والفقه المتعددة. وانا اعتقد ان اهم اجتهادات الإمام هي تخريجه وتحريره المهدية من سياقها العقدى إلي (المهدية الوظيفية) اى ان النظر للمهدية يجب ان يتم من خلال وظيفتها في البعث والاحياء الدينى وليس من خلال النظر فى الادلة والجدل الفقهى حول حقيقتها. وقد توسع فى هذا المبحث فى كتابه ( يسألونك عن المهدية).
    يقول لايش واهرون في كتابهما عن التشريعات الاسلامية فى السودان، إن مفهوم الدولة الدينية عبر المقاومة السياسية راسخ في جينات المهدية. لكن يرى الصادق المهدى فى مؤلفاته أن الإسلام يملك الإجابة علي أسئلة الحداثة والدولة وتوفير التوجهات والمعايير الروحية والأخلاقية. وأنه لا يهم أن تكون الدولة الإسلامية تقليدية أو ثورية أو حديثة لكنها يجب أن تتقيد بالمباديء الدستورية التى تحض علي الكرامة الانسانية والعدل والحقوق. وينتقد المهدى ثلاثة عوامل اسهمت فى سوء فهم الاسلام لدى الغربيين وهى الحروب الصليبية والامبراطورية العثمانية والاستشراق. وان الاسلام قادر على شحذ الطاقة الحضارية للمسلمين لإحداث التغيير، وان الاسلام يقدم اجابات مقنعة علي قضايا العالم واوضاع الانسان عبر مختلف الازمنة التاريخية والنظم الاجتماعية والثقافية. ويرى المهدى ان ضمور الاجتهاد نسبة لتوظيف العلماء بواسطة السلطة كرس للتقليد الذى جمد العقل الاسلامى. وانه لا بد من توفير الشروط والمعايير اللازمة في المجتمع قبل تطبيق القوانيين الاسلامية. ويستشهد بان هناك ٢٤٥ آية في القرآن عن قضايا المجتمع. ٧٠ منها عن الاحكام الشخصية و٣٠ آية عن الجرائم و١٠ آيات عن الاقتصاد والتجارة و١٠ آيات عن الأوضاع الدستورية و٢٥ عن القضايا الدولية. واستخلص من هذه النسب فى القرآن علي تميز الإسلام بمبدأ ( المرونة) العالية فى استيعاب المتغيرات الاجتماعية. وان الحدود تدرأ بالشبهات والبينات والسياقات الظرفية.
    وفى الإطار الاقتصادي يري الصادق ان الإسلام يعترف بالملكية الخاصة
    وتكوين الثروات لكن شريطة دفع الزكاة والإنفاق علي الفقراء والمساكين وأعمال الخير. لذا لا يوجد تناقض بين الإسلام والاقتصاد الحديث. اما فى العلاقات الدولية فأن تصنيف الفقهاء لدار الحرب ودار الاسلام ودار العهد تعتبر تصنيفات كلاسيكية قديمة ، لأن الاسلام الحق يدعو للتعايش السلمى. وان الجهاد هو فقط للدفاع عن النفس وليس لفرض الاسلام بحد السيف. وان العلاقات الدولية فى الإسلام تقوم علي مفهوم التعايش علي رابطة الاخوة الانسانية، و قيم العدل واحترام العهود والمواثيق، وإقرار مبدأ التعامل بالمثل.
    يستشهد لايش واهرون رغم اعترافها أن نموذج الدولة المهدية يمثل بؤرة الالهام لمقاربات الاسلام السياسي فى مراحل لاحقة أن الصادق المهدى يقدم رؤية مغايرة وهى أن تيار الانصار هو صناعة سودانية أصيلة نشأ في التربة السودانية علي عكس حركة الاسلاميين التى نشأت وتطورت فى الخارج واستزرعت من بعد في البيئة السودانية.
    يستخلص لايش واهرون أن معارضة الصادق المهدى للتشريعات الاسلامية خاصة الحدود التى فرضها نميرى انطلقت ليس من مجرد المعارضة السياسية حيث كان الصادق يرى أنها هدفت لقمع المعارضين ، لكن عارضها اكثر من منطلقات فكرية واقعية حيث كشفت خطب الإمام فى تلك الفترة أن تطبيق الشريعة يتطلب توفير شروطا أساسية منها برلمان منتخب يعبر عن إرادة الأمة وتوفر العدل والحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية. وكما قال فإن قطع يد السارق فى ظروف اقتصادية قاهرة كمن القاه مكتوفا في اليم وقال له اياك أن تبتل بالماء.
    تتفق رؤية الاستاذ محمود محمد طه والصادق المهدى في معارضة قوانين نميرى الاسلامية فى ان القصد منها هو التنكيل بالخصوم والمعارضين وان تطبيق الشريعة يتطلب اجتهادات فى ظل مناخ ديمقراطي. وينسب البعض للصادق المهدى المنشور المشهور الذي لم يحمل اسم كاتبه بعنوان ( النظام السوداني والتجربة الإسلامية) في الفترة من ٢٩٨٣-١٩٨٥. رغم اتفاق المهدى ومحمود محمد طه علي معارضة قوانين نميرى الإسلامية ربما من منطلقات مختلفة، الا ان تلاميذ محمود وضعوا الصادق فى مرمى الخصومة السياسية وانبرى الدكتور القراى لنشر كتاب خصصه ليس للنقد الفكرى ، بل للتقريع السياسى بغير هدى أو كتاب منير.
    علي عكس الصادق المهدى ومحمود محمد طه عمد الترابي الي تأييد القوانيين الاسلامية بدعوى ان ما لا يدرك كله لا يترك جله وان ما فعله نميرى خطوة فى الاتجاه الصحيح وان شابتها كثيرا من الاختلالات لكن تستكمل نواقصها ولا تلغى عوائدها ضربة لازب..
    عاب الغربيون علي الصادق المهدى أنه رغم نقده الجهير لتجربة نميرى الإسلامية الا انه لم يجرؤ علي إلغاء القوانين عندما تقلد السلطة رئيسا للوزراء. وهو القائل انها لا تساوى ثمن الحبر الذى كتبت به.
    وان تردده حسب زعمهم هو ما مكن للتيار الراديكالي من الاسلاميين من السلطة مع أبعاد العلمانيين عن التأثير والقرار، كما قال كولنز فى كتابه عن تاريخ السودان الحديث.
    لكن كما كشف منصور خالد في برنامج (الذاكرة السياسية) الذى بثته قناة العربية
    ان نميرى قرر تطبيق قوانين الشريعة ليسحب بساط الشرعية الدينية وحجج المعارضة السياسية من تحت اقدام خصومه لإطالة أمد حكمه.
    ربما هذا يفسر أيضا موقف الصادق المهدى فى آخر فترات حياته عندما تحفظ علي تعديل القوانين ذات الطابع الاسلامى التى أقرتها حكومة عبدالله حمدوك رئيس وزراء الفترة الانتقالية، مؤكدا ان هذه التعديلات هى من مهام حكومة منتخبة تملك التفويض الشعبي وليس قرار حكومة انتقالية.
    يشتجر حول منهج الإمام السياسي والفكرى ثلاث طوائف، حيث يراه التيار اليساري العلمانى في السودان أنه يمثل امتدادا للإسلام السياسي بل هو داعية للأسلمة والتعريب ضد الاقليات الثقافية وإنفاذ القوانين الإسلامية. بينما يراه الناشطون فى تيار الاسلاميين انه اقرب لليبرالية وقيمها العلمانية من قوى اليمين الراديكالية، وانه بهذا الموقف يعتبر داعما ومساندا للمشروع الليبرالي العلمانى.
    اما الغربيون فيرون أنه ترياق مضاد للإسلام السياسي من باب المدافعة الديمقراطية وبسط الحريات واتباع نهجا وسطا معتدلا والتمسك بالحداثة وقيمها الليبرالية. ولعل تعدد وجهات النظر حول كسبه من مختلف تيارات الفكر وتوجهات السياسة تعكس قدرته الديناميكية على صياغة المواقف والمرونة العالية للتعامل مع تحديات الواقع، دون أن يفقد أصالة موقفه. وهو ما يعتبره البعض ترددا ومراوغة، لكنها ديناميكية كامنة تغذيتها المعرفة والحكمة للتعامل مع اقضية الواقع المتغيرة.
    سقف المساومات ليس أبعد من توقعات القاعدة الشعبية:
    يصدق علي مواقف الصادق المهدى السياسية والفكرية ما قاله صديقه غراهام توماس البريطانى صاحب كتاب ( موت حلم) ان الإمام الصادق المهدى لا يستطيع أن يحلق بعيدا فى مساومات السياسة اكثر من ما يتوقعه الانصار لانه زعيم وفّىٌ لزعامته وناسه.
    ربما شفرة هذا الموقف هو ما عبر عنه الشاعر عبدالقادر الكتيابى في قصيدته عن الصادق المهدى التى كتبها فى العام ١٩٨٦.
    علي الطلاق
    مكاء صلاة اليمين عليك
    وحج اليسار إليك نفاق
    ..لتعرف أن المنابر سوق
    وان البضاعة انت..
    وليس هناك امام وليس هناك رفاق
    انى اخاف عليك اليمين اليسار
    اخاف عليك بقايا التتار
    وان تتحمل ما لا يطاق..
    يمكن القول بعد هذا النقاش أن الصادق المهدى استطاع أن يحفر رافدا جديدا في مجرى المهدية الجديدة تحت مظلة ونهج مؤسس المهدية الثالثة الإمام عبدالرحمن المهدى. وسيظل السؤال الذي يؤرق الباحثين والدارسين لتراثه هل استطاع الصادق المهدى أن يؤسس للمهدية الرابعة.
    فى اعتقادي أن الإمام الراحل استطاع أن يحدث تحولات جوهرية في كيان الانصار وحزب الامة وكذلك في محيط السياسة السودان ،وقدم إسهامات مرموقة فى مجالات الثقافة والفكر. كما قال البروفيسور حسن احمد ابراهيم ان الإمام عبدالرحمن كان رائد المهدية الجديدة واستطاع بقيادته الحكيمة وإتقان فن المناورة أن يعيد تأسيس المهدية علي اسس جديدة وانقذها من الاندثار ولعنة التاريخ.
    رغم إشادة الباحثة هيزر شاركى بكتاب الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبدالرحمن المهدى ودراسته عن المهدية الجديدة وتقريظ الكاتب لمناقب السيد عبدالرحمن من انه رائد حركة استقلال السودان الا انها تنتقد اعجابه الزائد كباحث أكاديمي محايد وقالت لا شك أن د. حسن ابراهيم وهو يشيد بالإمام عبدالرحمن كانت في ذهنه أنظمة الحكم في السودان كمثال للإسلام العقلاني المعتدل الوسطى المهموم بالقضايا الاجتماعية كرجل مسلم عملي وليس بمتطرف.
    إضافة لدوره الريادى في بعث المهدية الجديدة فإن الإمام عبدالرحمن نجح فى ذلك بفضل مكانته الروحية وتميزه بالحس الواقعى واهتمامه بالرعاية الاجتماعية لكن العامل الحاسم هو الاقتصاد من خلال دائرة المهدى.
    اما الصادق المهدى فلم تعرف له اهتمامات اقتصادية في إعادة بعث النفوذ الاقتصادي لدائرة المهدى التى قضت عليها السياسات المايوية خاصة برامج الإصلاح الزراعي والتأميم التى أشرف عليها الراحل أحمد سليمان المحامى. وركز الصادق المهدى علي اربعة عوامل مثلت رافدا هاما في مجرى المهدية الجديدة:
    اولا: نجح في مسعاه نحو تحديث الحزب والكيان ونفخ فى روحهما طاقة تحديثية واعادة بنائهما علي شكل مؤسسي حديث. ويعد هو شخصيا أن هذه هى أبرز انجازاته. إضافة لذلك سعى حسب قوله فى بث روح الديمقراطية فى اتخاذ القرارات. وهذا يعد استدراكا علي قول المحجوب عام ١٩٦٦ عندما قال ان بيت المهدى أصبح يصطرع علي كراسى الحكم بإعتباره استحقاقا طبيعيا، مجردا أعضاء حزب الأمة من غير عائلة المهدى من أي دور سياسى فى الحكم.
    ثانيا: ترك الإمام الراحل الصادق المهدى تراثا فكريا ومنتوجا ثقافيا وعلميا كبيرا مثل قاعدة حقيقية وانطلاقة جديدة لتصالح التراث المهدوى مع الحداثة المعاصرة. اذ لم يكتفى بتنقيح او اعادة تفسير التراث المهدوى بل قدم اجابات علي أسئلة الحاضر
    خاصة دور الإسلام فى الدولة الحديثة. ولا شك ان اهم إسهاماته الفكرية إضافة لتحرير الموروث من المهدية العقدية إلي المهدية الوظيفية فى إعادة إدماج المهدية من جديد فى التيار الرئيس main stream في مجريات الفكر ومذاهب الفقه الإسلامى. إذ لم يعتد بمنهج المهدى في إلغاء المذاهب أو حصر مصادر التشريع فى مظان الرؤية الصالحة مثل أنبأني سيد الوجود كفاحا أو فى رؤية منامية. واعتمد الصادق في اجتهاداته ومقارباته التجديدية علي المصادر المتفق عليها بين الائمة من قرآن وسنة وإجماع وغيرها مع ضرورة تحرير الاجتهاد من شروط التعجيز ومحاربة الجمود والتقليد. وتبنى فى ادبياته المنشورة الاعلان العالمى لحقوق الإنسان وغيرها من الوثائق العالمية التى تحض علي الكرامة الانسانية والديمقراطية والعدل.
    ثالثا: اعاد الاعتبار للعقل فى نهجه التجديدى فى مقارباته لإحياء تراث المهدية فى إطار حداثوى معاصر. ورغم غلظة الانتقادات التى انتاشته أنه أفرغ تراث المهدية من الطاقة الجهادية بدعوى التحديث الا انه يقدر بأنه استبدل الطاقة الجهادية لدى الانصار بالفعالية المدنية وهى ما تتسق مع اجتهاداته التحديثية.
    رابعا: الإيمان بالديمقراطية فى العمل السياسي طيلة فترة نشاطه فى العمل العام.
    ولم يكن السيد الإمام اعتذاريا فى منهجه ومقارباته الدينية. بل كان يصدر عن ثقة واعتزاز بمكانة الدين فى نفوس المسلمين وان التجارب التى شوهت الدين لا يعتد بها وهى ليست حكما علي عدالة الإسلام. ولعل الجانب الأبرز فى شخصيته أنه لم ينطوى علي عقد نفسية ودونية تجاه ( الخواجات) بل كان يتعامل معهم بندية فى مجال السياسة و الفكر والثقافة.
    لعل أبرز صفاته كمثقف أنه لم يكن يتهرب من مواجهة الأسئلة الحرجة خاصة اتهامات المهدية فى نشر وتنشيط تجارة الرق
    في يوليو ٢٠١١ صفق الصادق المهدى في كوالالمبور للباحث المغربي شوقى الحامل فى ورقته عن الرق فى شمال أفريقيا والتي صدرت لاحقا فى كتاب صادر عن جامعة كمبيردج بعنوان
    Othering the black Afrians in Islamic tradition
    احتفى الصادق المهدى بالورقة الناقدة لتاريخ الرق فى شمال أفريقيا فى الوقت الذى انزعج فيه علماء آخرين داخل المؤتمر انبروا للمدافعة عن تجربة الرق في شمال افريقيا زاعمين أنها اخف وطأة من غيرها .
    رغم أن الإمام الراحل كان عقلانيا فى اجتهاده ومقارباته التجديدية الا انه كان عرفانيا أيضا يأخذ من فيوض الغيب والالهام ما يغذي به جدل الواقع ، وكما كان وجدانه جريحا بمثقالات التاريخ كذلك كان عقله وهو يوائم بين تقاليد موروثه وقيم الحداثة المعاصرة محاولا تقريب المسافة والمعنى والبون الشاسع بين اكسفورد والجزيرة ابا دون تفريط فى اصالته او افراط فى حداثته. وهى المقاربة التى اسقطت معاوية نور شهيدا للعقل بين تطلعات عقله المرتبط بالمدنية والفكر والادب الاوروبي وبين واقعه فى ام درمان كما قال عنه ادوارد عطية ، هذا رغم اختلاف السياق التاريخى والموضوعى بين الحالتين، حيث تنعدم المقارنة الا على سبيل الاستطراد وتوسيع الاستشهاد.
    تجلى الانسانيات:
    على المستوى الشخصى تشرفت بمقابلة الإمام الراحل بضع مرات فى سنوات الادراك والنضج والتمييز، ورغم انها قليلة العدد الا انها كانت غنية بالمعانى والدروس والعبر. وأسرنى بحسه الإنسانى الباهر واهتمامه بالناس من مختلف الاجيال. حيث قابلته في عهد الطلب ، وتشرفت بحضور نشاطه العام أثناء زيارته إلي واشنطون فى العام ٢٠٠٢ وانا دبلوماسي صغير يخب فى مداخل الترقى الدبلوماسي . كما قابلته فى داره بالقاهرة بمساعدة الأستاذ محمد زكى صاحب السخاء والوفاء والايادى البيضاء واستمتعت بالحوار والنقاش معه فى دروب الثقافة والتاريخ والفكر والسياسة. وسعدت عندما ختم حديثه بشهادة أعتز بها وقد انعم على بصفة اننى مثقف منفتح، متفاعل وجاد. وانه ما قتل نزعات المثقفين الا التهاون فى اخذ قضية الثقافة والفكر بالجدية المطلوبة اكثر من ازياء وزركشات المشافهة وطق الحنك.
    عرجت على داره فى ام درمان لاقدم له كتابى (سيرة الترحال عبر الأطلنطي ) الذي تضمن مقالا مطولا عن تجليات كسبه السياسي والمعرفة بعنوان ( الصادق المهدى آخر زعماء المهدية ) بمناسبة الاحتفاء بعيد ميلاده السبعين. وعندما قدمت له الكتاب باحترام وتواضع قال ان اعظم الهدايا هى التى تناقش قضايا العقل والوجدان . وشكرنى علي الصنيع والتأليف.
    ان التراث المكتوب الذى خلفه الامام الراحل الصادق المهدى يحتاج كما نوه الدكتور أحمد ابوشوك إلي دراسة موضوعية ابستمولوجية بعيدا عن العواطف
    والأفراط في التقدير أوالتقتير. ولا شك ان سيرته ستكون ملهمة لأجيال قادمة تعترف له بالريادة والحكمة والشخصية الفذة والعطاء والتميز، وتشفع له تصاريف زمانه وتقديرات مواقفه. فقد مضى الامام و ترك تراثا غنيا وبصمة لا تمحى فى تاريخ السودان الحديث .وتبقى كلماته ومواقفه شاهدا علي كسبه، اذ لا يزال يسهر الخلق جراءها ويختصموا. كما ترك جبلا من المحبة فى قلوب مريديه، ما وسعهم الا ان يزيدوا على صخره وطوله فيرتفع ولا ينقص.
    اللهم تقبل عبدك الصادق المهدى قبولا حسنا واجعل الجنة مثواه، ونحسب صادقين أنه حقانى عاد إلي الحق وان إلي ربنا الرجعى.
    [email protected]
                  

01-07-2021, 05:04 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    لاث تجمعات للمهنيين: (1964-1985-2018) في حياة الإمام (4-5) .. بقلم: ياسر عرمان

    نشر بتاريخ: 07 كانون2/يناير 2021





    الانقلاب الثالث.. د. الترابي في نسختيه الشاب والشيخ:-
    بانقلاب صبيحة يوم الجمعة 30 يونيو 1989م وهو الانقلاب الثالث الذي نتمنى أن يكون الأخير، كرّس الانقلاب أكثر الأنظمة فاشيةً منذ الاستقلال، قسّم السودان والحركة الإسلامية نفسها، وسينتهي الدكتور الترابي حبيساً في السجن مرةً بالاختيار، وتارةً بالكراهية، والانقلاب الذي قام لمكافحة التمرد وجون قرنق دي مبيور وإصلاح الاقتصاد في مسرح اللامعقول السوداني سيشهد في سنواته القادمة تحالف بين "قرنق والترابي" ضد الإنقاذ التي أقامها الترابي، وهذه دورة عجيبة من دورات الحياة!
    في طرابلس ليبيا، كُنتُ وفاقان أموم على وشك لقاء الإمام بعد فترة طويلة من الانقطاع بين حزب الأمة والحركة الشعبية، ومن طرابلس كُنّا في طريقنا لسويسرا لمقابلة المحبوب عبد السلام وعمر الترابي لعقد اتفاق مع الدكتور الترابي وقد توليت التنسيق مع الدكتور علي الحاج، والمؤتمر الشعبي قُلت للرفيق العزيز فاقان: "لماذا لا نخبر الإمام بنحو ما عن لقائنا ونرى ردة فعله؟" كان فاقان حذراً قبل إكمال المهمة، وقلتُ له: "في الغالب إنه لن يصدق"، وحينما التقيناهُ وقلنا لهُ ما سيحدث بيننا وبين المؤتمر الشعبي، قال لنا الإمام (...).


    الإمام وحس الفُكاهة:-
    كان الإمام ذو حس فكاهي، يتعاطى النكات والدُعابة ويصنعها، وحينما وصلنا إلى العاصمة أديس أبابا في ديسمبر 2014م وبعد تعقيداتٍ طويلة في توحيد المعارضة، قُدنا في الحركة الشعبية مبادرة للمصالحة بين الحزب الشيوعي وحزب الأمة، وبعد غداء عمل ضم الأساتذة محمد مختار الخطيب، سكرتير الحزب، وصديق يوسف، وطارق عبد المجيد، وجقود مكوار، وأحمد العمدة، وشخصي، اتفقنا على لقاء مشترك مع الإمام الصادق المهدي، وفي مساء نفس اليوم حضرَ للعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، الأستاذ الراحل فاروق أبوعيسى، فذهبنا في اليوم الذي تلاه للقاء الإمام، وتحدث الأستاذ أبوعيسى طويلاً عن العلاقة بين قوى الهامش والحزب الشيوعي، وبالذات بينه وبين الحركة الشعبية، وأنها قائمة على أُسس ومبادئ، والأستاذ فاروق أبوعيسى يمتلك قدرة فائقة في اختيار الكلمات على طريقة الوخز بالإبر الصينية، وخشيتُ أن تفسد المقدمة مهمة اللقاء، وكنتُ أراقب الإمام الصادق ولغة جسده، ولاحظت أنه لم يتضايق، وبعد أن انتهى الأستاذ أبوعيسى، التفت إليهِ قائلاً: "ياخي لو العلاقة بينكم قوية للدرجة دي، وبمثل هذه المحبة، والله أنا إمام ممكن أعقد ليكم طوالي" فانفجر الاجتماع ضاحكاً.
    وذات مرة كُنّا في منزل الإمام مع الراحل الدكتور عمر نور الدائم، أكثر قادة حزب الأمة ولاءً للإمام، والذي لم يتأخر من خوض أي معركة إلى جانبهِ حتى رحل، وكان الإمام يتحدث عمّا يجري في أروقة النظام وذكر له الدكتور عمر قائلاً: "يا سيد، صحبك الكلب دة سمعته قال شنو؟" فردّ الإمام: "يا عمر كيف يكون صحبي وكلب!" والإمام كإنسان كان متعدد الجوانب ومتعدد المواهب.
    فقد بعث لي عدد من الأصدقاء، الذين تربطني بهم صلات وثيقة يلومونني ويذكرونني بأن الإمام الصادق أخطأ في كذا وكذا، وأود أن أقول لهم أن مقالاتي هذه ليست جرد لحساب الإمام السياسي، ولا توثيق لسيرته السياسية، بل هي تأمل في حياة أطول الزعماء السياسيين السودانيين، ورئيس حزب لعب أدوار متعاظمة يمكن تقييمها إيجاباً وسلباً، ولكنها في كلتا الحالتين مؤثرة، وهذه التأملات تستهدف النظر في سيرته صعوداً وهبوطاً، نجاحاً وفشلاً، فيما يمكن أن يؤدي لإنجاح الفترة الانتقالية الحالية، ومناقشة أدوار اللاعبين الرئيسيين، الحركة السياسية والجيش، والتحالفات، وبناء الكتلة الانتقالية، وبرنامج الحد الأدنى، وإيجاد قيادة موحدة، وإمكانية توحيد قوى الثورة والتغيير لإنجاح هذه الفترة الانتقالية، ومستقبل دور الجيش في بناء ديموقراطية مستدامة ومواطنة بلا تمييز وعدالة، والوصول إلى مرافئ مشروعٍ وطنيّ ونظام جديد، وهذه مهمة عسيرة لا تحيطُ بها المقالات.
    وقد سعدتُ أيّما سعادة أن توطدت بيني وبين الإمام صلات طيبة في السنوات الأخيرة، حتى قُبيل رحيلهِ وقبل إصابته بالفيروس اللعين، فقد التقيتهُ مساء الإثنين مع د. مريم الصادق، وتناقشنا، وكان غاضباً من أشياء كثيرة، ثمّ أُعلن عن إصابتهِ يوم الخميس، ولا زلت أثق في أن الحوار بين قوى الثورة والتغيير هو السبيل الوحيد للوصول للفردوس المنشود على أرض السودان، والإنسانية، وأن الجمود والإقصاء والتخوين وشيطنة قوى الثورة والتغيير لبعضها البعض، هو هدية مجانية لقوى الثورة المُضادة، ولا يُعبِّر عن رُشدٍ وسداد، بل يُعبر عن انسداد لا يليق بالثوريين والثورة.


    عودة إلى د. الترابي في نسختيه.. الشاب والشيخ:-
    قال لنا الإمام إن لقائنا مع الترابي "مكاواة من الترابي للإنقاذ" ولا يعتقد أن اتفاقاً سيبرم، وأبرمنا الاتفاق بعد عُدة أيام، بعد أن ذهبنا من طرابلس إلى جنيف، وتم الاتفاق مع د. الترابي الذي عُرف بعدم تردده في اتخاذ القرارات التي يعزم على اتخاذها مهما كانت النتائج.
    للدكتور الترابي نسختين، نسخة قبل 30 يونيو 1989م، والتي تمثل الترابي الشاب الذي بنى الحركة الإسلامية في خلال 25 عاماً من 1964م – 1989م، وقد شارفت هذه النسخة على نهاياتها بعد المُصالحة الوطنية، عندها تذوق الدكتور الترابي والحركة الإسلامية السلطة والمال عند أعتاب وأبواب نظام نميري ومبنى الفيحاء وبنك فيصل، وانتهت تأثيرات ثورة أكتوبر، وبحث الترابي عن التغيير عبر حركة جماهيرية في شعبان وغيرها، وقبل أن يبدأ القراءة من كتاب 19 يوليو 1971م، ليس في جوانبه السياسية ولكن في جوانبه العسكرية والفنية، واتخذ القرار بانقلاب 30 يونيو 1989م، انقلاب 30 يونيو 1989م أحدث شرخاً هائلاً في العلاقة بين الأنصار والإسلاميين، وجداني ومادي وفعلي "وكيف أعاهدك وهذا أثر فأسك"، بل وأحدث آثاراً للفؤوس حتى داخل الحركة الإسلامية نفسها، وإذا أرادت الحركة الإسلامية السودانية أن تعيد بناء نفسها، فعليها أن تُصلِّي صلاةً طويلة تجاه الفقراء والمهمشين، وأن لا تُصلي خلف الجيش والانقلابات، ومن المستحيل تجديد الحركة الإسلامية في نسخةٍ جديدة، إلا بمصالحتها مع الفقراء والديموقراطية والمواطنة، وتخلصها من قوى السلطة والاستبداد، وعليها أن تقرأ من نسخة د. حسن الترابي الشاب الممتلئة برياح ثورة أكتوبر 1964، لا من نسخة د. الترابي الشيخ الممتلئة بعواصف انقلاب 30 يونيو 1989م، وقديماً قرأ المفكرين الماركسيين، كارل ماركس، بنسختيه الشاب والشيخ، ولاحظوا الفروق في التوقيت والفكرة بين النسختين.
    صعد البشير إلى دفّة القيادة، ولو كان من الممكن أن يستسلم الشعب السوداني لنظام شمولي، لاستسلم للإنقاذ، ولكنه قدّم التضحيات في كل الجبهات، من بيوت الأشباح إلى جبهات القتال، ببسالةٍ منقطعةِ النظير، وكانت ثورة سبتمبر 2013م، وصور هزاع والسنهوري وسارة عبد الباقي، وعمليات أبوكرشولا، هي القشة التي قصمت ظهر البشير، بعد معارك طويلة ومعقدة، سلماً وحرباً، خاضها الشعب، ووصلنا إلى ثورة ديسمبر 2018م.
    في عهد البشير اختصر الإمام كل تكتيكاته بعبارةٍ شديدة الإيحاء "الجماعة ديل راكبين حصان أعور ومجنون، لو دايرين ينزلو بنزلهم، ولكن ما بركب معاهم" (كو بلغة البقّارة)، اقترب الإمام من حصانهم أحياناً، لدرجة أن قبِلَ أوسمتهم، ودخل سجونهم أحياناً كثيرة، ولكنه أبداً لم يركب ذلك الحصان الأعور والمجنون، حتى إن قُرب الإمام من ذلك الحصان أحياناً جلب إليه غضب البعض، حتى من أسرته، فقد حملت وسائل التواصل الاجتماعي رسائل من رباح وزينب الصادق -كريمات الإمام- في مواقف لا تتطابق مع مواقفه، ومع ذلك، فإن طريقته لم تُرضِ بعد أئمة الحياة السياسية وتياراتها، ولكن الحقيقة أن المُتأمِّل لمسيرة الإمام ضد الإنقاذ، سيجد أنه على طريقته الخاصة عمِلَ ضد الإنقاذ طِوال الوقت.


    ديسمبر 2018م .. الثورة الثالثة والاعتصام:-
    في مايو 2019م عندما أتيت للخرطوم وكنت محاكماً غيابياً بالإعدام، استمتعت قبل دخولي السجن، والنفي إلى جنوب السودان، بحوارات عديدة وعميقة مع الإمام، كان الإمام في أفضل أوقاته، وقد زال الظمأ وابتلت العروق، وذهب نظام الإنقاذ جُفاءً، وثبُتَ أجر الثورة.
    وتناولت معه بالنقاش قضايا الانتقال والجيش والدعم السريع والسلام ووحدة قوى الثورة والتغيير والاعتصام.
    كان الاعتصام حدثاً فريداً، كان كرنفالاً سياسياً وثقافيا واجتماعياً ولوحة مرسومة بمداد التنوع وبريشةِ شعبٍ فنانٍ ومبدعٍ، ولازالت في ذاكرتي حينما صعدُّت إلى المنصة ذاك المساء، وشاهدتُ غابةً من الفلاشات والتلفونات الذكية، لعقول وأرواح ذكية، لا يزال ما مضى منهم يحومُ حولنا، شاهدت الشباب الذين هم أكثر ذكاءً من تلفوناتهم الذكية التي يحملونها، يوثقون بها أحلامهم في بثٍّ مباشر وعلى الهواء الطلق، لقد كانت الثورة يا صاحبي مُتلفزة، ومنقولةٌ في بث مباشر.
    ولأن كل ثورة تمهد وتلدُ ثورةً أخرى، وكل اعتصامٍ سيلدُ اعتصاماً آخر، وذات يوم قريب كُنت أسير على شارع النيل فوجدتُ ما كتب أحد الأذكياء على جدران الوزارة: "إن كشَّة فكرة.. والفكرة لا تموت" والفكرةُ مثل النيل، دائمةُ الحياة، ومكتوبةٌ بمداد الخلود، والحاكميةُ للفكرة والنيل، سيولدُ إعتصامٌ آخر متى ما استدعت الضرورة!
    الأمر ذو الدلالة أن الاعتصام كان في 6 أبريل وأمام القيادة العامة "وليس مستشفى الدايات أو مدرسة الدايات" كما عبر الفريق أول صلاح عبد الخالق، فقد أكّد المدح بما يشبه الذّم، لأن الدايات والاعتصام، كليهما مكانٌ لولادةٍ جديدة.


    جبهة الهيئات .. التجمع النقابي .. تجمع المهنيين والإمام:-
    مثل ما يلجأ الشعب للجيش منذ العام 1924م، يلجأ الشعب للمهنيين لتحقيق وحدته، حدث ذلك في جبهة الهيئات 1964م، والتجمع النقابي 1985م، وتجمع المهنيين 2018م، ولم يلجأ للأحزاب التي تواجدت أيضاً في تجمعٍ ما، قُبيل ومع الثورة في 64 و85 و2018م، الشعب يخشى أن تكون الأحزاب قليلة المروءة في وحدتها، وأن تتجه إلى الصراعات الحزبية أكثر من طحن عيش الثورة، ومع ذلك فإن التجمع الوطني الديموقراطي قد شهد أكثر فترات الوحدة طولاً من صُنع الأحزاب، فقد استمر لمدة (15 عاماً) وأمتدّ شمالاً وجنوباً.
    مع ذلك يظلّ السؤال قائماً، لماذا لم تتمكن جبهة الهيئات، والتجمع النقابي، وتجمع المهنيين، من تطوير تجاربهم لتجربة شبيهة بتجربة كوساتو في جنوب إفريقيا، الذي شارك في صنع الثورة وشارك في الحكم لما يزيد الآن من ربع قرن.
    إن فترة الانتقال الحالية تنقصها كتلة انتقالية متجانسة، مع نفسها ومع الجيش، كما حدث في أبريل 1985م، وإن قضية عدم الموائمة بين برنامج الحد الأدنى للانتقال، وبرنامج الحد الأعلى للأطراف المكونة للكتلة الانتقالية، وعدم حل قضايا البناء الوطني الأخرى من ضمن حزمة الانتقال، وعلى رأسها المواطنة بلا تمييز، معضلةٌ تحتاج لحلٍّ وبرنامج، يقوم ويتضمن اهتمامات كل الوطن، لا سيَّما أننا الآن نحتاج لإصلاحٍ جاد للقطاع العسكري والأمني، وأن التدخل الخارجي الإقليمي والدولي الآن غير مسبوق.
    إن المجتمع والدولة والحياة السياسية يتميزان بالهشاشة، وذلك يضع الدولة في مهبّ الريح، دعكَ من الخوف من انقلابٍ عسكري، أبيضٍ وبدون ذخيرة وموسيقى عسكرية، أو انقلابٍ تسبقه مارشاتٍ عسكرية، وبيانٌ هام، إن قضايا اليوم متداخلة ومتشابكة لم تشهدها بلادنا من قبل.
    إن الإمام والأحزاب التقليدية بشكلٍ عام لم تتمكن من حزم أمرها مع تجمعات المهنيين، ودار الصراع بين تلك التجمعات وهذه الأحزاب على نحو ما في 1964 و1985 و2018 مما قلل من إمكانيات قيام كتلة متجانسة للانتقال، والعلاقة بين القوى الحديثة والتقليدية هي واحدة من الفرائض الغائبة لاستدامة الديموقراطية.
    هل استدعى الاعتصام تدخل الجيش، أم استدعى الأمن والجيش الاعتصام، على حسب رواية الأستاذ محمد وداعة، في الحالتين فإن الاعتصام هو الذي صنع الأحداث التي تلتهُ، من إنحياز القوات النظامية، وتغيير النظام، رغم استمرار التناقضات بين قوى الثورة والتغيير، وبما في ذلك القوات المسلحة، والملاحظة الرئيسية أن القوات النظامية ليست كتلة صمّاء، وكذلك قوى الثورة الأخرى بما في ذلك لجان المقاومة.
    إن الأحزاب أطول نفساً من تجمعات المهنيين، والشعب أطول نفساً من العساكر، والسودان أقدمُ من الجميع، وإذا خُيِّرت بين كل هؤلاء، ولا مفرّ من الخيار، لنختارهم والسودان معاً.
    ولكن إلى متى ستستمر هذه اللعبة الصفرية، وإلى متى نستمر بين تقلبات الانقلاب، وأمجاد الثورات، دون الوصول إلى صيغةٍ جديدة، هذا هو السؤال الذي تطرحهُ حياة الإمام في جانبٍ من جوانبها، فما آن لهذه البلاد أن ترتاح وتترجّل وتسترخي على ظهره ثوراتها الثلاث، وألا تستيقظ على صوت مارشاتٍ جديدة، وألا تبحث عن ثورةٍ أخرى، هذا هو السؤال الذي يبلغ ثمنه "6 ملايين دولار" كما تقول الفرنجة لمن يعطي الإجابة، دون تجريمٍ وحجرٍ على رأي حُرٍّ في نقاش، وهذا ما سنتناولهُ في الحلقةِ الأخيرة من تأملاتٍ في حياة الإمام.
    الخرطوم
    6 يناير 2021م
                  

12-09-2020, 04:04 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    الامام الصادق المهدى: (الحليم الذى لا يُثار والمُهَذَّب المُعَذَّب) .. بقلم: بروفيسور صلاح الدين محمد الأمين


    نشر بتاريخ: 09 كانون1/ديسمبر 2020


    رغم جائحة الكورونا ورغم توجيهات هيئة شئون الأنصار أبت جماهبر الشعب السودانى الا أن تشارك حضوراً بكثافة مذهلة فى وداع آخر رئيس وزراء شرعى للسودان ، خروج تلقائى وحشود لم ينفع معها لا تحذيرات من جائحة ولا توسلات بتلقى التعازى فى أماكن سكناهم.
    حلمه وتهذيبه وتقبله للآخر:
    شخصان ندمت كثيراً أننى لم أعرفهما عن قرب منذ وقت أبكر من عمرى هما العميد يوسف بدرى والامام الصادق المهدى رحمهما الله، كنت أعرفهما كشخصيات عامة لهما مكانتهما لا أكثر حتى تهيأت ظروف معينة فى تاريخ شعبنا لأتَعَرَّف على عدد من الشخصيات المعطونة بحب الوطن فى ندوة العميد والتى تنعقد لمناقشة مشكلات البلاد وبخاصة فى الظروف العصيبة ، فالعميد لا تجلس اليه لبعض الوقت الا وتنصرف منه وقد تغبرت نظرتك الى كثير من الامور فى اتجاه موجب وازداد يقينك بأن الوطنية الحقة ورضى النفس هما العطاء للوطن دون منٍ أو أذى ودون انتظار عائد مادى لشخصك ، كان العميد سبباً فى أن نجتمع بالامام ، وكنا مجموعة صغبرة جداً من أكاديميين ، فى بدايات عهد الانقاذ وبُعًيد خروجه الأول (الامام) من معتقلات و سجون الانقاذ التى صارت داراً له بالاضافة الى المنافى ، وفى المعتقلات عُذِب وأُهين ولكنه ،والى أن توفاه الله ، لم تلن له قناة أو يحمل ضغينة لأحد ولا حتى للذين أجلسوه على كرسى بثلاثة أرجل (منزوع الرابعة) موجهين ضوء مصباح قوى فى وجهه أثناء تحقيق مزعوم طويل وهو لا يستطيع أن يرى وجه المحقق الذى أمامه من تأثير قوة الاضاءة وكذلك لم يهتم بالذين هددوه بالمسدس مصوباً اليه وملامساً لجسده واتخاذه رهينة ضد العمل المعارض ، فكل ذلك لم يغير شيئاً من طبعه المسالم المهذب ودعواته المتكررة الى التغيير بالوسائل السلمية التى تحقن الدماء ولا توغر الصدور فتخرب الديار متمسكاً بوصية الامام المهدى "من فشَّ غبينته خرَّب مدينته (تقرأ:من فشَّ غبينتو خرَّب مدينتو)" ولم يهتم أو يتحدث عن ما أصابه شخصياً ، ولولا بعض زملائه فى المعتقل لما علمنا بشىء من كل تلك المصائب الشخصية اذ كان اهتمامه رحمه الله بالعام وليس بالخاص ، وعفا الله عن الكاتب الذى يرجو ألا يذهب لملاقاة ربه قبل ان يقول ما علم دون استئذان وغفر الله للذين يتهمون الامام بأنه هادن الانقاذ فسلامة الوطن عنده مقدم على سلامته الشخصية.
    عن جوانب اخرى من شخصية الامام أورد الكاتب حسن الجزولى فى "سودانايل 28 نوفمبر2020" عن الراحلة فاطمة أحمد ابراهيم رحمها الله انه سألها وهو يوثق لها عن انطباعاتها عن الامام فكان ردها " انها لم تشهد فى حياتها شخصاً بهذا القدرمن التهذيب والاحترام للآخر ورأى الآخر رغم اختلافه مع الآخر.
    تفانيه فى حب الوطن وترابه:
    لا استطيع أن أزيد الا القليل لما سبق أو لما ذكره دكتور فرانسيس دينق فى رثائه للامام وهو يصف اندفاع الجماهير حداداَ عند وداعه واصفاً المشهد بانه تكريم يلائم تفانيه (أى الامام ) الذى لم ينضب فى خدمة البلاد التى أحبها باخلاص لا حدود له وأضاف " من الواضح أنه شعر بأنه قد ورث التزاماً مقدساَ فى تكريس حياته لقيادة البلاد التى حررها جده الأكبرمن الهيمنة الأجنبية عام 1885 "وازيد من عندى كلمات أُخَر على حديث دكتورفرانسيس أن الامام قدَ كرّس فعلاً حياته لحماية استقلال البلاد وحرية قرارها والحفاظ على وحدتها من عبث العابثين ، كما كان يذكِّر دائما باصول الاسرة التى تمثل الخلطة السودانية فى أبهى صورها اذ هى مزبج متناسق من قبائل وجهات السودان المتعددة.
    قيادة منفتحة متحضرة :
    طبيعة دراسته المتنوعة غير التقليدية والطريقة التى نشأ عليهاجعلته مواطناَ سودانياَ عاديا يجالس غمار الناس فيحسون انه واحد منهم ، كما جعلته مثقفاً موسوعياَ وشخصاً حديثاً متحضراً ، حيثما وطأت قدماه فهو ليس بالغريب ، هو ذلك القارىء النهم والكاتب الذى لا يَمِل ولا يُمَل والمشارك بقوة وتأثير فى المنتديات الدولية حول الفكر والثقافة والسياسة والدين ، والمستمع المنتبه الى كل ما يقول محدثه ، وهو الداعية والمتدين دونما عنت أو تطرف،وهو الحليم المهذب المتسامح والعافى عن الميسيئين اليه والمجرمين فى حقه وقد علمت من بعض الناشطات فى مجال نضالات المرأة أنه معروف فى دوائرهن ب"المُهَذَّب المُعَذَّب".
    كان بلا شك من أقوى العاملين لنصرة المرأة والداعمين لها والداعين الى سلامتها ونيل حقوقها دون انتقاص وهو "أبو ام سلمة"
    رحمك الله يا أبا ام سلمة
                  

12-10-2020, 04:47 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    جُمْعتان في حَياة ورحِيل الإمام (1-4)
    ياسر عرمان
    10 ديسمبر، 20201
    فيسبوك تويتر
    ياسر عرمان ياسر عرمان


    جُمْعتان في حَياة ورحِيل الإمام (1-4)
    من وحي قصة الشّعب والجيش

    ياسر عرمان
    الجُمعة الاولى 30 يونيو 1989

    (1)
    في الجُمعة الأولى؛ 30 يونيو 1989- ضُبّاطٌ وشيخٌ وحزبٌ يستولون على الحُكم في تدبير بليل وإنقلاب عند الفجر ويبحثون عن رئيس الوزراء الذي يشاركونه البرلمان ويستطعمون حكمه وخبزه في الزمان السّمح ويغدرون به عند الفجر؛ وهو في حوالي الرابعة والخمسين من عمره تقريباً.
    والطّعنة التي أصابت رئيس الوزراء من الخلف ستصيبهم لاحقاً من ألف خلف، لم يتوقعها من (الجماعة) وعلى رأسها من هو من ذوي القربى ،ومع ذلك في المدة التي أتيحت له قبل إلقاء القبض عليه ؛ كتب رسالة سطّرها بعبارة سديدة ( معكم القوة ومعنا الحق) وسيستمر صراع القوة والحق على مدى ثلاثين عاماً، والحق مسنودٌ بالجماهير التي قاومت النظام في الريف والمدن وبضحايا من كل حدب وصوب وجغرافيا وقبيلة وحزب وحركة من نمولي إلى حلفا، ومن بورتسودان الى الجنينة، لم ينحني أحد؛ في نضال متّصل توّجه آخر الشهداء صائحاً نيابة عن كل الشهداء على امتداد طيفهم ( حرية – سلام وعدالة والثورة خيار الشعب).
    وبينما كنت راجلاً على شارع النيل استوقفتني عبارة كتبها أحدهم على الحائط ( كشة فكرة والفكرة لا تموت). وسيصرع الحق القوة ولو بعد حين وثلاث عقود وبامكانك أن تتهم الإمام بكل شئ وأن تسئ اليه حتى بعبارات بذيئة؛ ولكن شيئاً واحداً لم يتنازل عنه الإمام في مواسم القوة وجولات الحق، ففي وجه القوة الغاشمة احتفظ بالحق حتى انحنى ظهره من ثقل السنوات، وقد ناور الإمام الصادق المهدي بطرق رضيناها وبأخرى لم نرضى عنها، ولكنه والله لم يتنازل عن الحق طوال رحلته مع شعبنا المضنية والشائكة؛ أحتوته السجون والغربة والهجرة في ( تهتدون) ونازل من نحلة الجرح القديم الى تفاصيل البلاد في ( تفلحون). غضبنا منه حيناً وعانقناه أحياناً كثيرة ؛ كان نبيلاً من تراب هذه البلد وكبريائها وشموخ نساءها ومضى رسماً ومعنىً واسماً، وفي رحلته الطويلة لم يستند على إرث أسرته وحده ولكنه صنع نفسه من نفسه والحق يقال ؛ لم تكن رحلته دون انتصارات ونجاح وأمل ودون وهنّات وخيبات وفشل ، مثل كل رحلة عظيمة للإنسان ومن بعده من أين لنا مرة أخرى بإمام من أكسفورد.
    (2)
    كم كان جميلاً أن أسدى الشعب للإمام ثورة قبل رحيله وحسم منطق القوة لمصلحة الحق، والحياة جميلة تبتسم للشعب لا للمتآمرين.
    من اللافت للنظر أن الإمام أستطاع أن يكون دائم الحضور على مدى ستة عقود أمضاها في السياسة فملأ الدنيا وشغل الناس وكان واحداً من الذين يستطيعون جذب دائرة الضوء في المسرح السياسي طوال الستة عقود وهو أمرٌ ليس باليسير ولا بالمتيسر للكثيرين ؛ وقد غضب كثير من الشباب من استمراره على سدة مسرح الأحداث، ولكن الجدير بالتأمل أيضاً ؛ أنه استطاع أن يتفاعل مع كل الأحداث وأن ينتج الخطاب الذي يناسبه وبلغة متميزة ذات فُرادة في مسرح الخطابات السياسية؛ تمتازُ بأبعادٍ متعددة تفاعل معها إيجاباً العديدين واغضبت آخرين ولكنه؛ أينما ذهب كان يجذب بؤرة الضوء.
    في جمعة الثلاثين من يونيو 1989؛ أودع ضباطٌ بإسم القوات المسلحة تابعين (للجماعة ) الإمام السجن، وستأتي جمعة أخرى وستكون حافلة بمنظر آخر من تفاعل الإمام والضباط من القوات المسلحة ولو بعد رحيله.

    الجمعة الاخيرة 27 نوفمبر 2020
    (3)
    جمعة الرحيل في 27 من نوفمبر 2020 كانت مُغايرة للجمعة الأولى في 30 يونيو 1989؛ وفي ثنايا الحزن وفجيعة الغياب؛ تأملت جثمان الإمام الصادق المهدي وهو يهبط من الطائرة الإماراتية في مطار الخرطوم فوق أكتاف كبار ضباط القوات المسلحة وخلف نعشه قادة القوات المسلحة في منظر مهيب؛ وحدها ثورة ديسمبر هي القادرة على رسمه وانتاجه ومن دونها كان سيكون حُلماً وطيفاً وخيالاً عبقرياً غير مشمول بالمنال، فقد بدأت هذه الثورة في تحرير المجتمع والجيش والقوات النظامية من كيد ( الجماعة) ولم تكمل مهمتها بعد والمفارقة في أحداث الجمعتين؛ تقتضي التفكير والتأمل. ففي الأولى استخدم الضباط الرتب على أكتافهم لازاحة الصادق المهدي من الحكم بادعاءات كذوبة سرعان ما انكشف أمرها وبثمارهم تعرفونهم ، وما بين الجمعتين الأولى والثانية طريقان أحدهما يصادم المجتمع باستخدام الرتب والنياشين والآخر تجسيد للمصالحة بين الجيش والحياة السياسية والمدنية.
    إن الجمعة الأخيرة في حياة الإمام تجترح طريقاً جديداً بين الشعب والجيش؛ وهي من أمهات القضايا في مأزق السودان الحالي ومستقبله معاً ، فهل لنا من مصالحة بين المدنيين والعسكر وبين العسكر والسياسة . أن حياة الامام الصادق المهدي هي تجسيد لهذه العلاقة الملتبسة في سباق المسافات الطويلة عند ناصية العمل السياسي وأي أنجم ستتلألأ وتطعم الفقراء أم تطعم (السونكي).



    إن الجمعة الخيرة هي كوة أطلت على مستقبل العلاقة بين المدنيين والعسكريين، بين الشعب والجيش، ولابد من نسجها بحبال الوطنية والحوار العميق حول مستقبل العلاقة بين الجيش والسياسة وبين جدل الثورة وجدل الانقلاب وبين مساهمات الجيش في الوطنية وحب البلاد وتورطه في الحروب الاهلية والانقلابات ؛ إن الوطنية هي كعب الجيش العالي والحروب الاهلية والانقلابات هي التي تأكل كعبه وقامته المديدة المكتوبة بمداد واحبار شارفت على المائة عام.
    (4)
    مفرزةٌ من أورطة؛ ضمت عقد من الشجعان كأنما الرحمن أختارهم وادخرهم لذلك اليوم، كلهم كانوا عظام باسلين من صلب قوة دفاع السودان يتقدمهم عبدالفضيل الماظ وهو ابن 28 عاماً والثابت عبدالرحيم وسليمان محمد وسيد فرح وحسن فضل المولى وعلي البنا وحوكم معهم محمد المهدي الخليفة ؛ كانوا حوالي المائة من خيرة شباب هذه البلاد وجندها، عبروا شارع الجامعة 27 نوفمبر يوم الخميس وانتهت مسيرتهم يوم الجمعة 28 نوفمبر كانوا وطنيين وشجعان ، رضعوا حليب الوطنية من ثدي أمهاتهم وابادوا أورطة كاملة من فرقة الاسكتلنديين البريطانية في معركة النهر الثانية بذخيرة حية اعطاها لهم سراً القائم مقام فرج ابو زيد الدينكاوي في رواية شفاهية؛ وحينما أغمض عبدالفضيل عينيه فوق مدفعه أخذ الضباط من بعده الى اعدامات بري والرصاص فوق صدورهم جدائل عرس لم ينحني أحد وكان ثابت ثابتاً وصحبه، وأحضر علي عبد اللطيف وأحمد عقيل وعبدالله خليل وبلال رزق وحامد صالح المك في رواية لحضور الاعدامات وفي نوفمبر في الابيض قاد اليوزباشي سر الختم صالح جبريل قائد الهجانة؛ مظاهرة في المدينة أنضم اليها الشعب وخرجت معه الجماهير في الابيض وهو من قادة ثورة 1924ومن اعدامات بري يرتبط الشعب والجيش بحبل سري يمتد الى سنوات عبدالفضيل الماظ في (تلودي) وتمرد حاميتها بعد مقتل السير ستاك ؛ وتمرد قوة دفاع السودان في بحر الغزال بل ربما يمتد هذا الحبل الى أبعد من ذلك منذ أزمنة الجهادية السود وتاريخ الجندية السودانية الطويل واحياء الرديف؛ التي بنت مدنٌ بكاملها. ان الذين قادوا ثورة 1924وتمرد طلبة الكلية الحربية في اعقاب ثورة 1924 والتفاعل الجماهيري معهم ومع تلك الثورة ومع ضباطها وجنودها لا زال حبله ممدود وصوته مسموع مثل صوت العم الشاعر والمناضل العبادي، ولذلك حينما قرر الشباب الذهاب الى القيادة العامة فان في ذلك استبطان عميق لما مضى من كتاب الامس ؛ نقرأ منه لنقف على اعتاب ابواب المستقبل وتمتد هذه الصلات الى اكتوبر 1964 وابريل 1985 ويجب ان نجدد هذا العقد لمصلحة البلاد والجيش وبناء دولة المواطنة بلا تمييز والديمقراطية وبناء جيش وطني بعقيدة عسكرية جديدة وغير مسيس يكون قبلة للنساء والرجال في التجنيد ويحتفي بالتنوع لحماية المصالح العليا للبلاد.
    إن الجيش والقوات النظامية لا تزال مؤسساتها؛ تضم مختلف قبائل السودان رغم الاختلالات البنيوية التي تحتاج الى نسق جديد ومنوال ينسج حبال الود مع الشعب. ومشاركة الجيش في تشييع الامام الصادق المهدي يحسب له، وهي لحظة التقاء هامة لابد أن تتطور وترتقي الى ما ينفع بلادنا .
    (5)
    كانت المرة الأولى التي شاهدت فيها الإمام في العام 1984 في سجن كوبر؛ كان في قسم المعاملة الخاصة وكنت من أصغر المعتقلين في قسم الكرنتينة (ب) كان في معيته صديقنا حسن أحمد الحسن والراحلين العم عبدالوهاب غاندي وصلاح عبدالسلام الخليفة وعمر نور الدائم وخالد محمد ابراهيم وميرغني ضيف الله وادريس البنا متعهم الله بالصحة. حينما خرج الامام من السجن زار قسم الكرنتينة (ب) وكان على رأس المعتقلين في ذاك القسم الاستاذ التجاني الطيب بابكر ويوسف حسين وألقى حينها الامام خطبة قصيرة أطلق عليها المعتقلين ……..
    نواصل
    10 ديسمبر 2020
    الخرطوم
                  

12-10-2020, 05:12 PM

Mohamed Doudi
<aMohamed Doudi
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3871

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    شكرا ياسر عرمان
    لا يعرف قدر الرجال الا الرجال

    دودى
                  

12-12-2020, 06:34 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: Mohamed Doudi)

    شكرا لك دودى
                  

12-12-2020, 06:37 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    صدمة وحداد في السودان بعد رحيل الصادق المهدي
    تنكيس الأعلام ومراسم دفن رسمية وشعبية اليوم في أم درمان
    الجمعة - 12 شهر ربيع الثاني 1442 هـ - 27 نوفمبر 2020 مـ رقم العدد [ 15340]
    الصادق المهدي
    الخرطوم: أحمد يونس
    أحدث رحيل رئيس الوزراء السوداني الأسبق، الصادق المهدي، صدمة في الأوساط السياسية والشعبية السودانية، لأن رحيله في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان، جعل من «فتق السودان» يتسع على «راتقه»، فالراحل تتفق أو تختلف معه، فهو إحدى «ركائز» الديمقراطية والفكر والعلم والسياسة السودانية، وكان ينتظر منه أن يلعب دورا محوريا في التحول الديمقراطي، وإنجاح الانتقال، لكنه رحل في وقت كان الناس في أمس الحاجة لوجوده بينهم.

    كان الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، أكبر أحزاب السودان، وإمام طائفة الأنصار (الحاضنة الشعبية للحزب) دائم السفر والنفي والهجرة، لكنه كان يعود محفوفا بترحيب أنصاره في مهرجان ضخم من الفرح، وها هو يعود هذه المرة في صندوق، ليستقبله مهرجان ضخم من الحزب والأسى، ليوارى الثرى الذي أحب ودفع وأجداده من أجله الكثير.

    في 27 أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، أعلن للناس إصابة الإمام الصادق المهدي بفايروس كورونا المستجد، ونقل حينها إلى مستشفى «علياء التخصصي»، لتلقي العلاج فيه، وظل هناك حتى الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لكن يبدو أن حالته الصحية تدهورت، فأرسلت له طائرة إسعاف جوي لتقله إلى «مدينة الشيخ خليفة الطبية» بمدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، لتلقي المزيد من العلاج التخصصي. لكنه أسلم الروح هناك. وأعلنت الحكومة السودانية بمجلسيها «السيادي والوزراء» حالة الحداد العام بالبلاد لمدة ثلاثة، أيام اعتبارا من يوم أمس الخميس. ونعاه حزب الأمة القومي في بيان، مشيرا إلى أن وفاته وقعت فجر أمس الخميس، بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي لزم فيها سرير المرض حتى توفاه الله. وأعلن الحزب أن جثمان الفقيد سيصل صباح اليوم «الجمعة»، ليوارى الثرى في قبة الإمام المهدي الساعة التاسعة من صباح ذات اليوم، ويقام المأتم ببيت الإمام المهدي، ودعا الجميع لاتباع التحوطات الصحية اللازمة لمواجهة جائحة كورونا.

    - قالوا عنه بعد رحيله

    رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قال: «كان الإمام الصادق المهدي دالة للديمقراطية، ونموذجًا للقيادة الراشدة، وصفحة من الحلم والاطمئنان في زمان نُحت فيه السخط وتوالت الخيبات على صدر كتاب التاريخ، وبرحيله انطفأ قنديلٌ من الوعي يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب»، فيما وصفه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، بأنه رمز وطني وقائد سياسي، «ساهم في صنع وتشكيل الحياة السياسية في السودان، ظل وفياً طوال عمره لوطنه وشعبه»، فيما قال نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو «حميدتي» في نعيه للراحل: «انطفأ برحيله سراج الحكمة والوعي الكامل بقضايا وهموم هذا البلد... كنا ندخرك للمواقف الصعبة والظروف السياسية المعقدة التي تعيشها بلادنا... فقدنا اليوم بعض تاريخنا وملامحنا وتسامحنا السوداني الأصيل».

    ونعاه تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، ووصفه بالعلم السامق والمفكر الحكيم، والقائد العظيم، واعتبره حزب المؤتمر الشعبي «خسارة كبيرة للسودان».

    - سيرة وسريرة

    ولد السياسي والمفكر وإمام طائفة الأنصار وآخر رئيس وزراء منتخب، الراحل الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، بحي «العباسية» بالمدينة التي أنشأها أجداده «أم درمان» في 25 ديسمبر (كانون الأول) 1935.

    ويتحدر الراحل من أسرة عريقة في تاريخ ووجدان السودانيين الديني والسياسي، فجده الأكبر «محمد أحمد بن عبد الله»، قائد وزعيم ديني سوداني أسس «الدعوة المهدية»، وعرف بين الناس بأنه «الإمام المهدي»، قاد جيوش مؤيديه من «أنصار الله» وخاض بهم الحرب ضد الاحتلال الإنجليزي والمصري التركي، وانتصر عليهم وحرر السودان، فيما عرف في تاريخ البلاد بـ«الثورة المهدية».

    - من الخلوة إلى أكسفورد

    تلقى الراحل الصادق المهدي تعليمه الديني في «خلوة» لتحفيظ القرآن بحي العباسية الشهير ثم درس الأولية في مدارس الأحفاد بأم درمان، ثم بدأ تعليمه الثانوي في مدارس «كمبوني» التبشيرية، وانتقل إلى كلية «فكتوريا» في الإسكندرية، وتركها، ليدرس الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أكسفورد، وتخرج فيها بمرتبة الشرف، ثم نال من ذات الجامعة درجة «الماجستير».

    عمل موظفاً في وزارة المالية السودانية 1957 لمدة عام، ثم استقال عقب انقلاب نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ليعمل بـ«دائرة المهدي»، وهي الهيئة الاقتصادية لأسرته ولطائفة الأنصار.

    لاحقاً انخرط في صفوف المعارضة ضد نظام «عبود»، محترفا السياسة، وجاعلا خدمة الديمقراطية والتنمية والتأصيل هدفا لحياته، وترأس خلال الفترة 1961 - 1964 «الجبهة القومية المتحدة» المعارضة، ثم انتخب رئيساً لحزب الأمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1964. ورئيسا للوزراء الفترة 25 يوليو (تموز) 1966 – مايو (أيار) 1967 في أولى رئاستيه للوزارة في البلاد.

    - رئيس وزراء للمرة الثانية

    ترأس «الجبهة الوطنية» المعارضة بعد انقلاب جعفر النميري، خلال الفترة بين 1972 - 1977. وبعد سقوطه بالثورة الشعبية في أبريل (نيسان) 1985، انتخب رئيسا للوزراء للمرة الثانية مارس (آذار) 1986. وظل يترأس الوزارة حتى انقلاب الإسلاميين في 30 يونيو (حزيران) 1989.

    وبعد سقوط نميري بعام، أجريت انتخابات تشريعية حصل خلالها حزب الأمة بقيادته على الأكثرية، فانتخب رئيسا للوزراء للمرة الثانية، وشكل أكثر من حكومة ائتلافيه برئاسته، حتى دقت الموسيقى العسكرية معلنة «انقلاب البشير – الترابي» 30 يونيو (حزيران) 1989.

    بعد أيام من الانقلاب اعتقل قادة الانقلاب المهدي، وظل معتقلا حتى 1990. ونقل عنه وقتها أنه تعرض لما أسماه في كتابه الديمقراطية عائدة وراجحة «تصفية صورية» وتهديد، ثم وضع في التحفظ المنزلي، ليطلق سراحه في أبريل 1992.

    واجه نظام الإسلاميين، بما أطلق عليه «الجهاد المدني»، والرجل بارع في التسميات وإطلاق المصطلحات، وخضع بسبب ذلك لتحقيقات واعتقالات متطاولة بلغت جملتها حتى سقوط النظام نحو 9 سنوات من عمره، وخلالها تعرض للتهديد والملاحقة، وقال وقتها إن النظام يبقيه في السودان «رهينة» فخرج سراً في عملية معقدة 1996 باتجاه دولة إريتريا أطلق عليها «تهتدون».

    - أيام التجمع الوطني الديمقراطي

    التحق المهدي بالمعارضة المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي، وكان ابن عمه مبارك المهدي وقتها يشغل منصب «أمينه العام»، وشن حملة دبلوماسية وسياسية كبيرة ضد نظام الإسلاميين الذي يقوده صهره حسن الترابي.

    كان التجمع الوطني الديمقراطي، يعمل على إسقاط نظام البشير عن طريق العمل العسكري، وشارك فيه المهدي بما عرف بـ«جيش الأمة»، لكنه فاجأ الجميع بلقاء الترابي في جنيف 1999 والبشير في جيبوتي ذات العام، وتوقيع اتفاق «نداء الوطن»، والذي عاد بموجبه للبلاد في 2000 في عملية «تفلحون»، وينص على حل سلمي ديمقراطي مع نظام البشير.

    وبعد سقوط نظام البشير الذي شارك فيه المهدي وحزبه بفعالية، ظلت مواقفه «متمايزة» عن التحالف الحاكم، فقد كان يدعو لانتخابات مبكرة، ويستنكر طول الفترة الانتقالية، لكنه حافظ على «شعرة معاوية»، وظل يقترب منه ثم يبتعد قليلاً، لكنه ظل يعلن باستمرار حتى قبيل وفاته بأنه داعم للفترة الانتقالية، رغم إعلان حزبه تجميد عضويته في التحالف الحاكم.

    يختلف الناس مع الراحل، يخالفونه التوجهات والخطوط السياسية، لكنه استطاع بحنكة فريدة، أن يحتفظ بودهم واحترامهم، وبرحيله تفتقد الساحة السياسية السودانية في وضعها الحرج أحد حكمائها و«ضابط إيقاعها».
                  

12-12-2020, 06:48 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    المتحدثون في منتدى المعرفة يستعرضون مشروع الإمام الصادق الثقافي


    الخرطوم ١٢-١٢-٢٠٢٠م (سونا) - إستعرض المتحدثون في منتدى المعرفة بمنير وكالة السودان للأنباء اليوم ،مشروع الإمام الصادق المهدي الثقافي وعددوا أعماله ومؤلفاته و كتاباته و الأوراق العلمية و مشاركاته خلال مسيرته السياسية والثقافية والاجتماعية.وقدموا الجانب الفكري و الثقافي للإمام الصادق المهدي

    وقال الدكتور عبدالرحمن الغالي كاتب وباحث في الشأن العام إن الإمام الصادق المهدي ألف أكثر من مائة كتاب في شتى ضروب الحياة و المعرفة و قدم مئات الأوراق العلمية و المحاضرات باللغتين العربية و الانجليزية و الأحاديث الثقافية و الإذاعة و التلفزيونية في المناسبات المختلفة والخطب الراتبة في القضايا الدينية و السياسية ،فضلا عن مشاركاته العالمية.

    وأشار الغالي الي إن الإمام الصادق المهدي كان عضوا في عدد من الروابط خلال فترة دراسته في أوربا ، مبيناً ان الإمام حدد للإنسان عشرة مطالب أبرزها المادي والروحي والعاطفي و البيئي والرياضي وبين فلسفته في كل ذلك.

    وأكد الغالي أن الإمام كان مثقفا كبيراً وبارعاً وعالماً في مختلف ضروب المعرفة . كما الف كتاب آلية المعرفة وكتاب الفكاهة ليس عبثاً و الف كتاب أيها الجيل.

    وأوضح الباحث أن مكونات مشروع الإمام الصادق المهدي عن السياسة في السودان وقضايا الديمقراطية و قضية الجنوب، مبيناً ان من كتابات الإمام المهدي في مجال الثقافة و السياسة و الاجتماع و الإعلام.ولفت الى أن الراحل الإمام الصادق المهدي خلال الفترة الأخيرة ركز كثيراً على كون السودان بلداً مهماً لا يمكن الاستهانة به باعتباره وطن حضارات عظيمة مشيرا الى ان مشروع الإمام حول رؤيتة الاقليمية كان ينظر للأهمية التعاون الإيجابي المستمر.

    وأكدت مريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الامة القومي أن مشروع الإمام الصادق المهدي لم ينحصر على آل المهدي، وإنما دعا الي ترسيخ الديمقراطية بالحزب ،مشيرةً إلى أن الإمام يحسن أدب الإستماع للكبير و الصغير.

    و أوضحت أن حزب الأمة سيشهد نهضة كبيرة خلال المرحلة المقبلة وفق رؤية الإمام الصادق المهدي
                  

12-27-2020, 05:51 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    مضى الحبيب الإمـام .. روؤس أقـلام في ذكـرى مولده
    .. بقلم: محمد الأميـن عبد النبــي

    نشر بتاريخ: 27 كانون1/ديسمبر 2020
    الزيارات: 31

    تأخرت في الكتابة عن فاجعة رحيل الحبيب الإمام الصادق المهدي بفعل وهول الصدمة والحزن بغية أن يهدأ الألم والحسرة ولكن يبدو أن الانتظار لا يقل عن صعوبة الفقد وهيمنة الحزن، فقد كنا نستمع الي الكلمات في سراديق العزاء وننتظر بلهفة وصبر أن يعتلي الحبيب الامام المنبر لتقديم كلمته هاكذا تعودنا.. ولكن ما ننتظرته بعيد المنال.. إنها الحقيقة المرة .. فقد رحل الحبيب الإمام:
    وقفت أداري الوجد خوف مدامع تبيح من السر الممنع ما أحمي
    أغالب بالشك اليقين صبابة وأدفع من صدر الحقيقة بالوهم
    تمالكت نفسي أمس عندما حضرت الاحتفال بمولده الميمون 25 ديسمبر 2020 " سلام لى الامام في الخالدين" وعزمت أن أكتب وأخرج من الحزن الي الإنخراط في مسيرة الوفاء والعطاء كإستحقاق وواجب الحبيب الراحل علينا جميعاً.. أكتب .. وأدرك أن من الصعب إيجاد الكلمات التي تستطيع ان اعبر بها عما يدور بداخلي من مشاعر وافكار، وعما يشتعل في صدري من حزن وأسـى، فلا أدري لمن أبث حزني فالحزن يخيم على الجميع، كيف لا ونحن لا نرثي شخصاً عادي وعابر وإنما رجل بقامة أمة وهب حياته لخدمة البشرية عمل ليل نهار من أجل الحق والحقيقة، بحثا عن مستقبل له وفاء ووفاء له مستقبل، أعطى بلا من ولا أذى، وكان نموذجا في المسئولية والإبداع والإصرار والجدية والتحدي في كل الميادين وفي كل الحقب، فسجل في صفحات التاريخ مواقف مشهودة وإضاءات مشرقة وعناوين عريضة.
    لقد هزّ خبر وفاته أركان الأمة، وزلزل كيان الدولة، فالفقد جلل، والمصاب عظيم، ووقعه أليم، وكيف لا والفقيد زعيم بمعنى الكلمة، له في النفوس مكانة، وفي القلوب منزلة، أفعاله وأقواله يشهد لها التاريخ والحاضر وسيشهد لها المستقبل بإذن الله، صحيح غاب الحبيب عن المشهد والحياة، ولكن فكره ما زال متأججا يافعا يهدي الي طريق الوسطية والديمقراطية، وعزانا أن العظماء لا يموتون كما يقولون وإنما تنتقل أجسادهم وتبقى أعمالهم تمشي بين الناس، ولا يستطيع النسيان على طي صفحاتهم من ذاكرة الزمن، فالتاريخ لا ينسى من صنعوه وسطروه بأحرف من نور:
    كانت في حياتك عظات وأنت اليوم أوعظ منك حيا
    لقد شغل الحبيب الإمام الدنيا، وكان محض خير طيلة حياته، لم ينتصر لنفسه أبداً وإنما يقابل الإساءة بالحسنـى والاحسان.. فقد بقى صامداً كالطود الأشـم فلم تلن له قناة وما ضعفت له شكيمة، فسار في طريقه، ضارباً عرض الحائط بكل الضغوط، ومقاوماً كل الإغراءات، ومواجهاً كل الإبتلاءات، وأميناً لعهده، وصادقاً في قوله وفعله، وواثقاً من وجهته، متيقناً من النصر وكثيراً ما يردد:
    أعاذلتي مهلا إذا ما تأخرت قوافلنا يوما فسوف تعود
    ولابد من ورد لظمأ تطاولت ليالي سراها واحتواها البيد
    مضـى الحبيب الامام بعد أن وضع بصمة واضحة وجلية في ضروب الفكر ومحراب السياسة فلم يورث مالا ولا سلطانا وإنما ورث فكراً ومنهاجاً "ميراث مشارع الحق" وترك تحدياً لمويدوه في إعمال فكره ونهجه في الحياة العامة، وورطة كبيرة لكل من يحاول الكتابة عنه أو عن أطروحاته ومرافعاته ومراجعاته من منتقدوه.
    مضـى الحبيب الإمام بعد أن رفد المكتبة السودانية بسيل جارف من العناوين والكتب وأوراق العمل والإنتاج المعرفي في الفكر والدين والثقافة والسياسة والمجتمع والبيئة والفلسفة والتاريخ والعلوم، وفق نسق يربط بين كل كتاباته أساسه الجذور الفكرية والتجديد المقاصدي، من كتبه على سبيل المثال لا الحصر (العبادات للإمام المهدي، يسألونك عن المهدية، أحاديث الغربة، الثورات الاسلامية والتحديات، الصحوة الاسلامية ومستقبل الدعوة، المنظور الاسلامي للتنمية الاقتصادية، النهج الاسلامي بين الاستقامة والتشويه، العقوبات الشرعية وموقعها في النظام الاجتماعي الاسلامي، الاعتدال والتطرف وحقوق الانسان في الاسلامي، الدولة في الاسلام، جدلية الاصل والعصر، نداءات العصر، نحو مرجعية اسلامية متجددة، حقوق المراة الاسلامية والانسانية، مسألة جنوب السودان، جهاد في سبيل الديمقراطية، مستقبل الاسلام في السودان، الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة، السودان وحقوق الانسان، الانسان بنيان الله، مياة النيل الوعد والوعيد، تحديات التسعينات، ميزان المصير الوطني في السودان، أصـم أم يسمع العم سـام، الدين والفلسفة، أيها الجـيل، وغيرها). فقد مزج بين الفكر والسياسة وبين النظرية والتطبيق بعبقرية نادرة قلما تجتمع في رجل واحد، وشكلت أطروحاته إضافة نوعية مؤثرة ومهيمنة ترياقا في زمن الخواء والجمود والتكلس. والمحزن حقاً عدم إستفادة السودانيين منها في وقتها فهي كفيلة بحل إشكالات السودان إذا ما تراضى عليها الجميع، ولكن بعد رفضها بدافع الغيرة السياسية ونقدها من باب التنافس سرعان ما يرجعون اليها ولو بعد حين لانها نابعة من ضمير وعقل إختزن الهم الوطني كوقف مبدئي لا مساومة ولا تهاون فيه.
    مضى الحبيب الإمام بعد أن أثرى الحياة الثقافية والإجتماعية بالإنسانيات السودانية والمكنون الفلكلوري والتراث الشعبي، وغرس قيم الابداع والفضيلة والمجاهدة والصدق والتفاؤل والإعتدال، وأرسى معاني الشموخ والوفاء والتضحية والمقاومة السلمية.
    مضى بعد أن رتب مدرسة فكرية متجددة متكاملة الأبعاد والزوايا، وموسوعة سياسية شاملة، وقدم بدائل في كل المجالات، وترك منهجاً قويماً، ويعد حمل لواء التجديد الفكري من أهم نقاط القوة في مأثره القيمية التي يشار اليها بالبنان فلم يكن مبالغاً البروفيسر يوسف فضل عندما قال عنه "ولعلي لا أغالي إذا نظرت اليه بإعتباره من رواد التجديد في الفكر الاسلامي المعاصر". وقد خرّج الحبيب الامام أجيالا من القيادات والكوادر المثابرة والمجتهدة الذين يعول عليهم في رفع راية ميزان التقدمية والمؤصلة، وتحمل مهمة الديمقراطية العائدة والراجحة فكراً وممارسةً.
    مضى الحبيب الامام المصلح الإجتماعي الذي يعيش هموم شعبه وأمته، نصيراً للمراة ومنافحاً في سبيل حقوقها السياسية والانسانية، منشقلاً بالأجيال والشباب وقضاياه ومشكلاته، مكفكفاً دموع ضحايا الحروب والاستبداد والعنف الاسري والسجناء والمعاقين، وزائراً للمرضى ومشاركاً في الأفراح والأتراح، ينعى الموتى ويواسي الثكلى ويكرم الضيف وينجد المستغيث، ومع ذلك كله قدم مجموعة هادفة من مؤلفاته الاجتماعية والتربوية وتصدى بقوة ضد العادات السيئة في المجتمع، وعلت حجته بإجتهادات فقهية في القضايا المجتمعية.
    مضى الحبيب الإمام المفكر الإنساني العضوي الذي لا تقيده حدود ولم تشغله القطرية المحلية من الدفاع عن حقوق وقضايا الشعوب، والتصدي للطغيان الدولي، والتبشير بمعالم الفجر الجديد، فكان يملك رؤى وحلولا ومشروعا حضاريا تتجاوز عناصره ومكوناته وتأثيراته السودان إلى آفاق الساحة الدولية الأكثر اتساعا، وبتفرده وتميزه كرمته الساحة الدولية والاقليمية بعضوية اللجنة التنفيذية لنادي مدريد، والمجموعة الاستشارية الخاصة بمجموعة العمل الدولية للدبلوماسية الوقائية، والمجلس الاسلامي الاروربي، ورئيساً للمنتدى العالمي للوسطية، وعضواً في مجلس الحكماء العربي لفض المنازعات، وعضواً في المجلس العربي للمياه، وعضواً في المؤتمر القومي الاسلامي، ونال جائزة قوسي للسلام كرجل دولة، وإختاره معهد الدراسات الموضوعية بالهند من الشخصيات الاكثر تأثيراً وغيرها، كما كرم داخل السودان بعدد وافر من الاوسمة وشهادات التكريم والتشريف في الفكر والثقافة والبيئة ومناصرة المراة والديمقراطية.
    مضى الحبيب الامام رجل الديمقراطية الذي كان يقبل النقد بصـدر رحب ويؤمن بالحوار والتفاكر وكثيراً ما يردد "نصف رائك عند أخيك أو أختك"، كنا نجادله في وجهات نظره وكان يحفزنا على ذلك، وعندما يشتد النقاش كنا نسأله "يا حبيب هل إنت شايف حاجة نحنا ما شايفنها" فكان يصارحنا ويبوح بما يتوفر لديه من معلومات وحقائق وتحليل وإحساس، حينها نعلم فنلزم، كما أن الديمقراطية عنده أشمل معنى وأوسع نطاق تعني (المؤسسية، النقد وقبول الاخر، حقوق الانسان والحريات الاساسية، المشاركة والتشاركية مقدمة علي التمثيل النيابي، والعمل بمبادئ الحكم الرشيد).
    مضى الحبيب المناضل الجسور، فقد كانت حياته سلسلة متصلة من النضال والكفاح الوطني والانساني، يكاد يكون أكثر سياسي سوداني قضى حياته في السجون والمنافي، رجل المبادئ والمواقف والثبات عليها لم يداهن ولم يهادن ولم يساؤم علي حساب وطنه ودينه، كان يبذل الوسع كله من أجل مبادئه، تطأول عليه الاقزام فصبر، إستهدفته الدكتاتوريات فثبت، طألته حملات التشويه والتشويش وتزوير الحقائق والإتهامات والمحاكمات السياسية والاعلامية فإحتسب، وبقى قابضاً على الجمر ومتحملاً ظلم ذوي القربى وهو يردد قوله تعالى " رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ".
    مضى الحبيب الإمام وترك حباً صادقاً ووفاءاً نبيلاً، تجلى في برقيات النعي والإحتساب من المجموعات الدينية والزعامات الاهلية وكتابات المفكرين والمثقفين والإعلاميين والسياسيين والشباب والنساء، فالكل ينعيه بصدق ويعدد مأثره، واللافت أن كل جهة داخل وخارج السودان تشير في نعيها الي وشيجة إنتماء وإرتباط الحبيب الامام لها وبها وانه جزء منها - الكل يدعي صلة القربي - وهذا الإدعاء صحيح لأن العطاء الانساني للحبيب الإمام كان مدرارا ومشاعا، ولسان حال الكل بأن "الإمام مّـر من هنـا"، لقد بكاءه منتقدوه قبل أتباعه، لانه كان يوفر مساحة لإحترام الاخر المختلف معه بلا حدود مقارنة بغيره من السياسيين، فقد صدق الاستاذ الحاج وراق حينما قال ذات مرة "سيكون أول النادمين والمتضررين من غياب الصادق المهدي عن المشهد هؤلاء الذين يهاجمونه ويبغضونه".
    خيـراً فعل المكتب الخاص للحبيب الامام الصادق المهدي أن وضـع من خلال الإحتفال بذكرى ميلاده الميمون خارطة طريق لأثره الباقي، وكذلك فعلت هيئة شئون الأنصار في خطبة الإنتقال، ويعمل حزب الأمة القومي في ذات الإتجاه للمحافظة على مشارع الحق وإعمال منهج الإمام الديمقراطي المؤسسي لتحقيق أهداف الحزب الوطنية السامية.. إذاً هناك إجماع على تحويل رحيل الحبيب الإمام الي حياة جديدة لفكره وأطروحاته وأدبه وفاءاً لمشروعه الإنساني التنويري.. ولعله هذا هو الوفاء الحقيقي لرجل أعطى كل شئ ولم يأخذ سوى حب الناس.. وليس هناك نعي أحسن من نعيه لنفسه "أفضل الناس في هذا الوجود شخص يترحم مشيعوه قائلين: لقد شيعنا حقاني الي الحق.. إن الي ربك الرجعـى"..
    --
    [email protected]
                  

01-10-2021, 04:38 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الصادق المهدى - السياسى المثقف المناضل ال (Re: الكيك)

    ثلاث تجمعات للمهنيين(1964م-1985م-2018م) في حياة الإمام (4-5)
    ✍🏽ياسر عرمان
    الانقلاب الثالث.. د.الترابي في نسختيه الشاب والشيخ:-
    بانقلاب صبيحة يوم الجمعة 30 يونيو 1989م وهو الانقلاب الثالث الذي نتمنى أن يكون الأخير، كرّس الانقلاب أكثر الأنظمة فاشيةً منذ الاستقلال، قسّم السودان والحركة الإسلامية نفسها، وسينتهي الدكتور الترابي حبيساً في السجن مرةً بالاختيار، وتارةً بالكراهية، والانقلاب الذي قام لمكافحة التمرد وجون قرنق دي مبيور وإصلاح الاقتصاد في مسرح اللامعقول السوداني سيشهد في سنواته القادمة تحالفاً بين "قرنق والترابي" ضد الإنقاذ التي أقامها الترابي، وهذه دورة عجيبة من دورات الحياة!
    في طرابلس ليبيا، كنتُ وفاقان أموم على وشك لقاء الإمام بعد فترة طويلة من الانقطاع بين حزب الأمة والحركة الشعبية، ومن طرابلس كُنّا في طريقنا لسويسرا لمقابلة المحبوب عبد السلام وعمر الترابي لعقد اتفاق مع الدكتور الترابي، وقد توليت التنسيق مع الدكتور علي الحاج، والمؤتمر الشعبي، قُلت للرفيق العزيز فاقان: "لماذا لا نخبر الإمام بنحو ما عن لقائنا ونرى ردة فعله؟" كان فاقان حذراً قبل إكمال المهمة، وقلتُ له: "في الغالب إنه لن يصدق"، وحينما التقيناهُ وقلنا لهُ ما سيحدث بيننا وبين المؤتمر الشعبي، قال لنا الإمام (...).
    الإمام وحس الفُكاهة:
    كان الإمام ذا حس فكاهي، يتعاطى النكات والدُعابة ويصنعها، وحينما وصلنا إلى العاصمة أديس أبابا في ديسمبر 2014م، وبعد تعقيدات طويلة في توحيد المعارضة، قُدنا في الحركة الشعبية مبادرة للمصالحة بين الحزب الشيوعي وحزب الأمة، وبعد قضاء عمل ضم الأساتذة محمد مختار الخطيب، سكرتير الحزب، وصديق يوسف، وطارق عبد المجيد، وجقود مكوار، وأحمد العمدة، وشخصي، اتفقنا على لقاء مشترك مع الإمام الصادق المهدي، وفي مساء نفس اليوم حضر للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأستاذ الراحل فاروق أبوعيسى، فذهبنا في اليوم الذي تلاه للقاء الإمام، وتحدث الأستاذ أبوعيسى طويلاً عن العلاقة بين قوى الهامش والحزب الشيوعي، وبالذات بينه وبين الحركة الشعبية، وأنها قائمة على أُسس ومبادئ، والأستاذ فاروق أبوعيسى يمتلك قدرة فائقة في اختيار الكلمات على طريقة الوخز بالإبر الصينية، وخشيتُ أن تفسد المقدمة مهمة اللقاء، وكنتُ أراقب الإمام الصادق ولغة جسده، ولاحظت أنه لم يتضايق، وبعد أن انتهى الأستاذ أبوعيسى، التفت إليه قائلاً: "ياخي لو العلاقة بينكم قوية للدرجة دي، وبمثل هذه المحبة، والله أنا إمام ممكن أعقد ليكم طوالي" فانفجر الاجتماع ضاحكاً.
    وذات مرة كُنّا في منزل الإمام مع الراحل الدكتور عمر نور الدائم، أكثر قادة حزب الأمة ولاءً للإمام، والذي لم يتأخر في خوض أي معركة إلى جانبه حتى رحل، وكان الإمام يتحدث عمّا يجري في أروقة النظام وذكر له الدكتور عمر قائلاً: "يا سيد، صحبك الكلب دة سمعته قال شنو؟" فردّ الإمام: "يا عمر كيف يكون صحبي وكلب!" والإمام كإنسان كان متعدد الجوانب ومتعدد المواهب.
    فقد بعث لي عدد من الأصدقاء، الذين تربطني بهم صلات وثيقة يلومونني ويذكرونني بأن الإمام الصادق أخطأ في كذا وكذا، وأود أن أقول لهم إن مقالاتي هذه ليست جرداً لحساب الإمام السياسي، ولا توثيق لسيرته السياسية، بل هي تأمل في حياة أطول الزعماء السياسيين السودانيين، ورئيس حزب لعب أدواراً متعاظمة يمكن تقييمها إيجاباً وسلباً، ولكنها في كلتا الحالتين مؤثرة، وهذه التأملات تستهدف النظر في سيرته صعوداً وهبوطاً، نجاحاً وفشلاً، فيما يمكن أن يؤدي لإنجاح الفترة الانتقالية الحالية، ومناقشة أدوار اللاعبين الرئيسيين، الحركة السياسية والجيش، والتحالفات، وبناء الكتلة الانتقالية، وبرنامج الحد الأدنى، وإيجاد قيادة موحدة، وإمكانية توحيد قوى الثورة والتغيير لإنجاح هذه الفترة الانتقالية، ومستقبل دور الجيش في بناء ديمقراطية مستدامة ومواطنة بلا تمييز وعدالة، والوصول إلى مرافئ مشروعٍ وطنيّ ونظامٍ جديد، وهذه مهمة عسيرة لا تحيطُ بها المقالات.
    وقد سعدتُ أيّما سعادة أن توطدت بيني وبين الإمام صلات طيبة في السنوات الأخيرة، حتى قُبيل رحيله وقبل إصابته بالفيروس اللعين، فقد التقيتهُ مساء الاثنين مع د.مريم الصادق، وتناقشنا، وكان غاضباً من أشياء كثيرة، ثمّ أُعلن عن إصابته يوم الخميس، ولا زلت أثق في أن الحوار بين قوى الثورة والتغيير هو السبيل الوحيد للوصول للفردوس المنشود على أرض السودان، والإنسانية، وأن الجمود والإقصاء والتخوين وشيطنة قوى الثورة والتغيير لبعضها البعض، هو هدية مجانية لقوى الثورة المُضادة، ولا يُعبِّر عن رُشدٍ وسداد، بل يُعبر عن انسداد لا يليق بالثوريين والثورة.
    عودة إلى د.الترابي في نسختيه.. الشاب والشيخ:
    قال لنا الإمام إن لقاءنا مع الترابي "مكاواة من الترابي للإنقاذ" ولا يعتقد أن اتفاقاً سيبرم، وأبرمنا الاتفاق بعد عُدة أيام، بعد أن ذهبنا من طرابلس إلى جنيف، وتم الاتفاق مع د.الترابي الذي عُرف بعدم تردده في اتخاذ القرارات التي يعزم على اتخاذها مهما كانت النتائج.
    للدكتور الترابي نسختين، نسخة قبل 30 يونيو 1989م، والتي تمثل الترابي الشاب الذي بنى الحركة الإسلامية خلال 25 عاماً من 1964م ــ 1989م، وقد شارفت هذه النسخة على نهاياتها بعد المُصالحة الوطنية، عندها تذوق الدكتور الترابي والحركة الإسلامية السلطة والمال عند أعتاب وأبواب نظام نميري ومبنى الفيحاء وبنك فيصل، وانتهت تأثيرات ثورة أكتوبر، وبحث الترابي عن التغيير عبر حركة جماهيرية في شعبان وغيرها، وقبل أن يبدأ القراءة من كتاب 19 يوليو 1971م، ليس في جوانبه السياسية ولكن في جوانبه العسكرية والفنية، واتخذ القرار بانقلاب 30 يونيو 1989م، انقلاب 30 يونيو 1989م أحدث شرخاً هائلاً في العلاقة بين الأنصار والإسلاميين، وجداني ومادي وفعلي "وكيف أعاهدك وهذا أثر فأسك"، بل وأحدث آثاراً للفؤوس حتى داخل الحركة الإسلامية نفسها، وإذا أرادت الحركة الإسلامية السودانية أن تعيد بناء نفسها، فعليها أن تُصلِّي صلاةً طويلة تجاه الفقراء والمهمشين، وأن لا تُصلي خلف الجيش والانقلابات، ومن المستحيل تجديد الحركة الإسلامية في نسخةٍ جديدة، إلا بمصالحتها مع الفقراء والديمقراطية والمواطنة، وتخلصها من قوى السلطة والاستبداد، وعليها أن تقرأ من نسخة د.حسن الترابي الشاب الممتلئة برياح ثورة أكتوبر 1964، لا من نسخة د.الترابي الشيخ الممتلئة بعواصف انقلاب 30 يونيو 1989م، وقديماً قرأ المفكرون الماركسيون، كارل ماركس، بنسختيه الشاب والشيخ، ولاحظوا الفروق في التوقيت والفكرة بين النسختين.
    صعد البشير إلى دفّة القيادة، ولو كان من الممكن أن يستسلم الشعب السوداني لنظام شمولي، لاستسلم للإنقاذ، ولكنه قدّم التضحيات في كل الجبهات، من بيوت الأشباح إلى جبهات القتال، ببسالةٍ منقطعة النظير، وكانت ثورة سبتمبر 2013م، وصور هزاع والسنهوري وسارة عبد الباقي، وعمليات أبوكرشولا، هي القشة التي قصمت ظهر البشير، بعد معارك طويلة ومعقدة، سلماً وحرباً، خاضها الشعب، ووصلنا إلى ثورة ديسمبر 2018م.
    في عهد البشير اختصر الإمام كل تكتيكاته بعبارةٍ شديدة الإيحاء "الجماعة ديل راكبين حصان أعور ومجنون، لو دايرين ينزلو بنزلهم، ولكن ما بركب معاهم" (كو بلغة البقّارة)، اقترب الإمام من حصانهم أحياناً، لدرجة أن قَبِلَ أوسمتهم، ودخل سجونهم أحياناً كثيرة، ولكنه أبداً لم يركب ذلك الحصان الأعور والمجنون، حتى إن قُرب الإمام من ذلك الحصان أحياناً جلب إليه غضب البعض، حتى من أسرته، فقد حملت وسائل التواصل الاجتماعي رسائل من رباح وزينب الصادق -كريمات الإمام- في مواقف لا تتطابق مع مواقفه، ومع ذلك، فإن طريقته لم تُرضِ بعد أئمة الحياة السياسية وتياراتها، ولكن الحقيقة أن المُتأمِّل لمسيرة الإمام ضد الإنقاذ، سيجد أنه على طريقته الخاصة عَمِلَ ضد الإنقاذ طِوال الوقت.
    ديسمبر 2018م .. الثورة الثالثة والاعتصام:
    في مايو 2019م عندما أتيت للخرطوم وكنت محاكماً غيابياً بالإعدام، استمتعت قبل دخولي السجن، والنفي إلى جنوب السودان، بحوارات عديدة وعميقة مع الإمام، كان الإمام في أفضل أوقاته، وقد زال الظمأ وابتلت العروق، وذهب نظام الإنقاذ جُفاءً، وثبُتَ أجر الثورة.
    وتناولت معه بالنقاش قضايا الانتقال والجيش والدعم السريع والسلام ووحدة قوى الثورة والتغيير والاعتصام.
    كان الاعتصام حدثاً فريداً، كان كرنفالاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً ولوحة مرسومة بمداد التنوع وبريشةِ شعبٍ فنانٍ ومبدعٍ، ولازالت في ذاكرتي حينما صعدُّت إلى المنصة ذاك المساء، وشاهدتُ غابةً من الفلاشات والتلفونات الذكية، لعقول وأرواح ذكية، لا يزال ما مضى منهم يحومُ حولنا، شاهدت الشباب الذين هم أكثر ذكاءً من تلفوناتهم الذكية التي يحملونها، يوثقون بها أحلامهم في بثٍّ مباشر وعلى الهواء الطلق، لقد كانت الثورة يا صاحبي مُتلفزة، ومنقولةٌ في بث مباشر.
    ولأن كل ثورة تمهد وتلدُ ثورةً أخرى، وكل اعتصامٍ سيلدُ اعتصاماً آخر، وذات يوم قريب كُنت أسير على شارع النيل فوجدتُ ما كتب أحد الأذكياء على جدران الوزارة: "إن كشَّة فكرة.. والفكرة لا تموت" والفكرةُ مثل النيل، دائمةُ الحياة، ومكتوبةٌ بمداد الخلود، والحاكميةُ للفكرة والنيل، سيولدُ إعتصامٌ آخر متى ما استدعت الضرورة!
    الأمر ذو الدلالة أن الاعتصام كان في 6 إبريل وأمام القيادة العامة "وليس مستشفى الدايات أو مدرسة الدايات" كما عبر الفريق أول صلاح عبد الخالق، فقد أكّد المدح بما يشبه الذّم، لأن الدايات والاعتصام، كليهما مكانٌ لولادةٍ جديدة.
    جبهة الهيئات.. التجمع النقابي.. تجمع المهنيين والإمام:
    مثل ما يلجأ الشعب للجيش منذ العام 1924م، يلجأ الشعب للمهنيين لتحقيق وحدته، حدث ذلك في جبهة الهيئات 1964م، والتجمع النقابي 1985م، وتجمع المهنيين 2018م، ولم يلجأ للأحزاب التي تواجدت أيضاً في تجمعٍ ما، قُبيل ومع الثورة في 64 و85 و2018م، الشعب يخشى أن تكون الأحزاب قليلة المروءة في وحدتها، وأن تتجه إلى الصراعات الحزبية أكثر من طحن عيش الثورة، ومع ذلك فإن التجمع الوطني الديمقراطي قد شهد أكثر فترات الوحدة طولاً من صُنع الأحزاب، فقد استمر لمدة (15 عاماً) وأمتدّ شمالاً وجنوباً.
    مع ذلك يظلّ السؤال قائماً، لماذا لم تتمكن جبهة الهيئات، والتجمع النقابي، وتجمع المهنيين، من تطوير تجاربهم لتجربة شبيهة بتجربة كوساتو في جنوب إفريقيا، الذي شارك في صنع الثورة وشارك في الحكم لما يزيد الآن من ربع قرن.
    إن فترة الانتقال الحالية تنقصها كتلة انتقالية متجانسة، مع نفسها ومع الجيش، كما حدث في إبريل 1985م، وإن قضية عدم المواءمة بين برنامج الحد الأدنى للانتقال، وبرنامج الحد الأعلى للأطراف المكونة للكتلة الانتقالية، وعدم حل قضايا البناء الوطني الأخرى من ضمن حزمة الانتقال، وعلى رأسها المواطنة بلا تمييز، معضلةٌ تحتاج لحلٍّ وبرنامج، يقوم ويتضمن اهتمامات كل الوطن، لا سيَّما أننا الآن نحتاج لإصلاحٍ جاد للقطاع العسكري والأمني، وأن التدخل الخارجي الإقليمي والدولي الآن غير مسبوق.
    إن المجتمع والدولة والحياة السياسية يتميزان بالهشاشة، وذلك يضع الدولة في مهبّ الريح، دعكَ من الخوف من انقلابٍ عسكري، أبيضٍ وبدون ذخيرة وموسيقى عسكرية، أو انقلابٍ تسبقه مارشاتٍ عسكرية، وبيانٌ مهم، إن قضايا اليوم متداخلة ومتشابكة لم تشهدها بلادنا من قبل.
    إن الإمام والأحزاب التقليدية بشكلٍ عام لم تتمكن من حزم أمرها مع تجمعات المهنيين، ودار الصراع بين تلك التجمعات وهذه الأحزاب على نحو ما في 1964 و1985 و2018 مما قلل من إمكانيات قيام كتلة متجانسة للانتقال، والعلاقة بين القوى الحديثة والتقليدية هي واحدة من الفرائض الغائبة لاستدامة الديمقراطية.
    هل استدعى الاعتصام تدخل الجيش، أم استدعى الأمن والجيش الاعتصام، على حسب رواية الأستاذ محمد وداعة، في الحالتين فإن الاعتصام هو الذي صنع الأحداث التي تلتهُ، من إنحياز القوات النظامية، وتغيير النظام، رغم استمرار التناقضات بين قوى الثورة والتغيير، وبما في ذلك القوات المسلحة، والملاحظة الرئيسية أن القوات النظامية ليست كتلة صمّاء، وكذلك قوى الثورة الأخرى بما في ذلك لجان المقاومة.
    إن الأحزاب أطول نفساً من تجمعات المهنيين، والشعب أطول نفساً من العساكر، والسودان أقدمُ من الجميع، وإذا خُيِّرت بين كل هؤلاء، ولا مفرّ من الخيار، لنختارهم والسودان معاً.
    ولكن إلى متى ستستمر هذه اللعبة الصفرية، وإلى متى نستمر بين تقلبات الانقلاب، وأمجاد الثورات، دون الوصول إلى صيغةٍ جديدة، هذا هو السؤال الذي تطرحهُ حياة الإمام في جانبٍ من جوانبها، فما آن لهذه البلاد أن ترتاح وتترجّل وتسترخي على ظهره ثوراتها الثلاث، وألا تستيقظ على صوت مارشاتٍ جديدة، وألا تبحث عن ثورةٍ أخرى، هذا هو السؤال الذي يبلغ ثمنه "6 ملايين دولار" كما تقول الفرنجة لمن يعطي الإجابة، دون تجريمٍ وحجرٍ على رأي حُرٍّ في نقاش، وهذا ما سنتناولهُ في الحلقةِ الأخيرة من تأملاتٍ في حياة الإمام.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de